جواهر الكلام - ج ٢٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وخبر أبي الصباح الكناني (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل بعث بهدي مع قوم وواعدهم يوما يقلدون فيه هديهم ويحرمون فيه فقال : يحرم عليه ما يحرم على المحرم في اليوم الذي وأعدهم فيه حتى يبلغ الهدي محله ، فقلت : أفرأيت إن اختلفوا في ميعادهم وأبطأوا في المسير عليه جناح في اليوم الذي وأعدهم؟ قال : لا ، ويحل في اليوم الذي واعدهم » بل عن الشيخ روايته صحيحا عن الحلبي (٢) وخبر سلمة (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « ان عليا عليه‌السلام كان يبعث بهديه ثم يمسك عما يمسك عنه المحرم غير أنه لا يلبي ، ويواعدهم يوما ينحرون فيه ، فيحل ».

ومن الغريب ـ بعد هذه النصوص المروية في كتب المشايخ الثلاثة وعمل الشيخ والقاضي بها ، بل في المختلف نسبة ذلك إلى الأكثر ، وغيره إلى المشهور وتعاضدها ـ رد ابن إدريس لها قائلا « أنها أخبار آحاد لا يلتفت إليها ولا يعرج عليها ، وهذه أمور شرعية يحتاج مثبتها ومدعيها إلى أدلة شرعية ، ولا دلالة من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع ، فأصحابنا لا يوردون هذا في كتبهم ولا يودعونه في تصانيفهم ، وإنما أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في كتاب النهاية إيرادا لا اعتقادا لأن الكتاب المذكور كتاب خبر لا كتاب بحث ونظر ، كثيرا ما يورد فيه أشياء غير معمول عليها ، والأصل براءة الذمة من التكاليف الشرعية » ورده في المختلف بأن هذه الأخبار ظاهرة مشهورة صحيحة السند عمل بها أكثر العلماء ، فكيف يجعل ذلك شاذا من غير دليل ، وهل هذا إلا جهل منه بمواقع الأدلة ومدارك الأحكام الشرعية ، وتبعه على ذلك غير واحد.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٢.

١٦١

وأغرب منه احتمال بعض متأخري المتأخرين أن هذه النصوص عدا صحيح ابن خارجة منها في المصدود والمحصور ، حتى الصحيح الأول منها المشتمل على الإرسال تطوعا ، قال لقبوله التنزيل على ما يوافق التعليل في ذيله بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى آخره ، ويلائمه من الاختصاص بالمصدود ، ولا كلام في الحكم فيه ولا في المحصور ، بل قال أيضا منكرا على من نسب العمل بذلك إلى الكليني والصدوق : « إن ذلك مبني على ظهور الأخبار عندهما في محل البحث ، وهو محل نظر » إذ هو كما ترى ، فإنه لم ينكر ابن إدريس دلالتها على المطلوب ، وانما منعه من العمل بها أصله المعلوم بطلانه ، وبه نفى أكثر الأحكام الشرعية ، أو زعمه الفاسد أنها أخبار آحاد وإن تعاضدت وتعددت في حكم ندبي يتسامح في مثله ، مع أنه لا زال يعمل بأحكام واجبة ومحرمة بورود بعض النصوص مدعيا خروجها عن الآحاد بالتعاضد ونحوه من القرائن التي هي أضعف مما في المقام بوجوه ، فما أدري ما الذي يقع في نفسه بعد معلومية حرمة التشهي والهوى في الأحكام الشرعية ، وعلى كل حال فلا مناص عن العمل بها ، بل عن ظاهر الشيخ والقاضي وجوب التكفير لو فعل ما يحرم على المحرم ، لما سمعته من الأمر في صحيح هارون بذبح البقرة للبس نفسه المؤمي إلى التكفير في سائر المحرمات ، بل هو المنساق من التصريح بوجوب اجتناب ما يجتنبه المحرم.

لكن قال المصنف وتبعه الفاضل وغيره ولو أتى بما يحرم على المحرم كفر استحبابا ولعله للأصل ، واختصاص الصحيح المزبور بالبقرة للبس نفسه ، مع أنهم لا يقولون به في كفارة غيره من الإحرام الحقيقي ، ولا يشكل ذلك بأنه لا دليل حينئذ على الندب الذي ذكروه ، إذ يمكن أن يكون وجهه بعد التسامح الخروج عن شبهة الخلاف ، إلا أن ذلك كما ترى ، مضافا إلى‌

١٦٢

أن الاستحباب المزبور إن كان لعدم وجوب ما يجب على المحرم كما صرح به ثاني الشهيدين وحكم بالكراهة الشديدة كانت النصوص المزبورة صريحة في خلافه ، والتصرف فيها بلا قرينة مناف للقواعد الشرعية ، وإن كان مع القول بوجوب ما يجب على المحرم عليه ففيه أن المنساق من الوجوب المزبور جريان حكم المحرم عليه من الكفارة ونحوها ، ولذا لم يستثن في بعضها إلا التلبية ، فلا ريب في أن الأحوط إن لم يكن أقوى اعتبار كفارات الإحرام.

نعم ينبغي اختصاص مورد المسألة ببعث الهدي نفسه لا ثمنه ، لأن هذه الكيفية المتلقاة من الشارع ومن فعل أمير المؤمنين عليه‌السلام الذي يجب التأسي به ، خلافا لثاني الشهيدين فساوى بينهما في ذلك‌ للمرسل (١) في الفقيه عن الصادق عليه‌السلام « ما يمنع أحدكم أن يحج كل سنة؟ فقيل : لا تبلغ ذلك أموالنا فقال : أما يقدر أحدكم إذا خرج أخوه أن يبعث معه بثمن أضحية ويأمره أن يطوف عنه أسبوعا بالبيت ويذبح عنه ، فإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه وتهيأ وأتي المسجد ولا يزال في الدعاء حتى تغرب الشمس » وفيه أن الظاهر كون ذلك صورة أخرى غير الصورة السابقة كما اعترف به غير واحد ، لعدم ذكر المواعدة فيه ولا إشعار الهدي ولا اجتناب ما يجتنبه المحرم ، والثياب المأمور بها في يوم عرفة الثياب التي تلبس يوم الجمعة والعيد ، واحتمال تقييد النصوص الأولى به بالنسبة إلى هذا الحكم فرع اتحاد الموضوع ، وقد عرفت أنه مختلف فيها ، ففي تلك الهدي وفي هذا الثمن ، وأحدهما غير الآخر ، ومن هنا جعله غير واحد كيفية أخرى ، ولا بأس به بعد التسامح في أدلة السنن.

ثم إن إطلاق النصوص الهدي يقتضي التخيير بين النعم الثلاثة ، نعم ينبغي إحراز الشرائط التي سمعتها من السن وغيره ، وإن كان هدي البعيد لا يصل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ـ ٦.

١٦٣

منه إلا البدن التي قد سمعت إهداء أبي مراد لها ، ولعل المنساق من المواعدة في النصوص التقدير التخميني لبلوغ الميقات الذي يحرمون منه ويشعرون ويقلدون ، ولكن في المسالك « لا فرق في يوم المواعدة بإشعاره أو تقليده بين كونه وقت إحرامهم وغيره ، لإطلاق النص ، ولا بين كونه بعد تلبسهم بالحج أو قبله ، ولا بين كون الزمان الذي بينه وبين يوم النحر طويلا أو قصيرا ، للإطلاق في ذلك كله ، وينبغي أن يكون قبل زوال عرفة ليتهيأ للتعريف محرما ، ولو كان بعدها فالظاهر الاجزاء ، ويمكن استفادته من‌ قوله عليه‌السلام في الخبر السابق : « فإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه » فان الثياب عرفا شاملة للمخيط أو يمكن أن يريد بها ثياب الإحرام ، وهو الأولى » ولا يخفى عليك ما فيه ، خصوصا ما ذكره أخيرا ، فإنه مبني على إدراج المرسلة في روايات المسألة ، وقد عرفت ما فيه ، وكذا ما فيها أيضا من أنه « لو اقتصر على مواعدتهم لذبحه أو نحره من غير إشعار ولا تقليد ففي تأدي الوظيفة به وجه ، لعدم ذكره في الخبر السابق وإن ذكر في غيره من الأخبار ، وعبارة المصنف هنا تدل عليه ، فإنه اقتصر على ذكر المواعدة للذبح ، وعلى هذا يكون ( يمكن ظ ) سقوط أحكام الإحرام من التجرد من المخيط وغيره ، ويمكن الاجتزاء بالتحرم متى شاء قبل وقت المواعدة للذبح ولو لحظة ، والموجود في الفتاوى الإحرام عند المواعدة بالتقليد » قلت هو المنساق من النصوص ، بل هو صريح صحيح هارون بن خارجة الذي يجب الاقتصار على ما فيه من الكيفية التي هي المتيقن ثبوتها من الأدلة ، بل هو مقتضي الجمع بينها وبين إطلاق غيرها من النصوص التي قد عرفت خروج المرسل عنها.

بل من الصحيح المزبور يستفاد لبس ثوبي الإحرام واجتناب ما يجتنبه المحرم إلى وقت المواعدة بالذبح ، فما في المسالك ـ من احتمال الاجتزاء‌

١٦٤

باجتناب تروك الإحرام من غير أن يلبس ثوبيه ، لأن ذلك هو مدلول النصوص ، وتظهر الفائدة فيما لو اقتصر على ستر العورة أو جلس في بيته عاريا ونحو ذلك أما الثياب المخيطة فلا بد من نزعها وكذلك كشف الرأس ونحوه ـ لا يخفى عليك ما فيه ، خصوصا بعد ملاحظة الانسياق في النصوص والفتاوي ، بل الظاهر اعتبار النية في هذه العبادة وإن كانت هي الداعي عندنا.

وأما مصرفه الذي لا ريب في سقوط الأكل منه فيه ففي المسالك هنا بعد أن ذكر مصرفه الفقراء والمساكين بتلك البقعة قال : « ويمكن اعتبار الاهداء والصدقة لا مكانهما والاكتفاء بالذبح خاصة كهدي القران غير الواجب بنذر وشبهه لأصالة البراءة مما زاد على الذبح ، والنصوص والفتاوى خالية من بيان مصرفه وزمانه ومكانه » قلت : لعل الأخير هو المتجه عملا بإطلاق النصوص ، كما أن مقتضاه في الزمان يوم النحر المصرح به في النصوص المنساق منها كون مكانه متى ، كما أنك قد سمعت التصريح من بعضهم بعدم البأس مع الخلف في الميعاد نحو ما سمعته في المحصور ، والله العالم.

( المقصد الثاني في أحكام الصيد )

المحرم على المحرم وفي المحرم والمحلل له وجملة مما يتعلق به من أحكام الكفارات ، فنقول الصيد هو الحيوان الممتنع حلالا أو حراما كما في القواعد مع زيادة بالأصالة التي يمكن إرادة المصنف لها أيضا ولو بدعوى انسياقها من إطلاق الممتنع ، فلا يرد حينئذ دخول ما توحش من الأهلي وامتنع كالإبل والبقر ونحوهما مما قتله جائز إجماعا محكيا في المسالك وغيرها بل ومحصلا ، ولا خروج ما استأنس من الحيوان البري كالظبي ونحوه مما‌

١٦٥

لا يجوز قتله إجماعا محكيا في المسالك وغيرها بل ومحصلا بل عن الراوندي هو أي التعريف بما سمعت مذهبنا مشعرا بالإجماع عليه ، وما عن المبسوط والتذكرة من الاتفاق على عدم حرمة قتل الذئب والفهد والنمر لا ينافي دخولها في اسم الصيد وإن حلت ، كما أنه لا ينافيه أيضا اقتصار المصنف على حرمة الثعلب والأرنب والضب واليربوع والقنفذ والزنبور من غير المأكول ، إذ أقصاه أن ما عداها صيد حلال ، لا أنها ليست بصيد فيكون تخصيصا لقوله تعالى (١) ( لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) كما عساه يشهد له ما ينسب إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام من قوله.

صيد الملوك ثعالب وأرانب وإذا ركبت فصيدي الأبطال

وقول العرب : « سيد الصيد الأسد » وقول شاعرهم‌ « ليث تردى زبية فاصطيدا » مضافا إلى‌ خبر زيد الشحام (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في تفسير قوله تعالى (٣) ( وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) قال : إن رجلا انطلق وهو محرم فأخذ ثعلبا فجعل يقرب النار إلى وجهه وجعل الثعلب يصيح ويحدث من استه ، وجعل أصحابه ينهونه عما يصنع ، ثم أرسله بعد ذلك فبينما الرجل نائم إذ جائته حية فدخلت في فيه فلم تدعه حتى جعل يحدث كما أحدث الثعلب ثم خلته » ولا قائل بالفرق ، ولعله لذا عد الحلبي فيما حكي عنه مما يجتنبه المحرم الصيد والدلالة عليه وقتل شي‌ء من الحيوان عدا الحية والعقرب والفأرة والغراب ما لم يخف شيئا منه.

ولكن مع ذلك قيل والقائل الشيخ في محكي المبسوط ، بل عن بعض نسبته إلى الأكثر ، بل اختاره المصنف في النافع يشترط أن يكون‌

__________________

(١) سورة المائدة الآية ٩٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٣) سورة المائدة الآية ٩٦.

١٦٦

حلالا ولا ينافيه إيجاب الكفارة في الثعلب والأرنب والقنفذ واليربوع والضب لإمكان كون ذلك لخصوص نصوصها لا لأنها صيد ، بل قد يشهد له أن المتبادر من قوله تعالى (١) ( حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً ) أكله ، ولا اختصاص لحرمة المحرم منه بالمحرم ، وكذا قوله تعالى (٢) ( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) فان المحرمات ليست كذلك مع أصل الحل والبراءة ، بل لا ينكر ظهور سياق الآية الأخيرة في التلازم بين حرمة قتل الصيد ولزوم الكفارة ، وأنه مسبب عنها وكذلك ظاهر الأخبار الكثيرة المعتبرة ، كالصحيح (٣) « لا تستحلن شيئا من الصيد وأنت حرام ، ولا تدلن عليه محلا ولا محرما فيصطاده ، ولا تشر إليه فيستحل من أجلك ، فإن فيه الفداء لمن تعمده » وفي الآخر (٤) « المحرم لا يدل على الصيد ، فان دل فعليه الفداء » وهذا التلازم لا يتم إلا على تقدير تخصيص الصيد بالمحلل منه ، فإنه الذي وقع الإجماع نصا وفتوى على التلازم فيه كليا دون غيره ، فلم يثبت التلازم كذلك بل صرح الشيخ في محكي المبسوط بأنه لا خلاف أي بين العلماء في عدم وجوب الجزاء في قتل الحية والعقرب والفأرة والغراب والحدأة والكلب والذئب ، وانه لا يجب الجزاء عندنا في الجوارح من الطير كالبازي والصقر والشاهين والعقاب ونحو ذلك والسباع من البهائم كالأسد والنمر والفهد وغير ذلك ، وقال : « في قتل المتولد بين ما يجب الجزاء فيه وما لا يجب فيه ذلك كالسمع وهو المتولد بين الضبع والذئب ، والمتولد بين الحمار الأهلي وحمار الوحش يجب الجزاء فيه عند من خالفنا ، ولا نص لأصحابنا فيه ، فالأولى أن نقول لاجزاء فيه ، لأنه‌

__________________

(١) سورة المائدة الآية ٩٧.

(٢) سورة المائدة الآية ٩٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٣ وفيه‌ « فان دل عليه فقتل فعليه الفداء ».

١٦٧

لا دليل عليه ، والأصل براءة الذمة » انتهى ، فلو كان صيد هذه الأنواع المحرمة محرما للزم فيه الفداء بمقتضى ما مر من التلازم الظاهر من الآية والأخبار ، والتالي باطل لما عرفت من الإجماع ، فتعين أن المراد بالصيد المحرم عليه إنما هو المحلل منه دون المحرم ، وإلا للزم إما الفداء فيه مطلقا ، وهو خلاف الإجماع كما مضى ، أو رفع اليد عن التلازم بين الأمرين الظاهر من الآية والأخبار كما قدمناه ، ولا سبيل إليه أيضا ، فإن تخصيص الصيد فيهما بالمحلل أولى من رفع اليد عن التلازم المستفاد منهما ، سيما وأن التخصيص ولو في الجملة لو عم الصيد لازم أيضا قطعا ، والخبر المتقدم في تفسير الآية المشتمل على الثعلب ضعيف ، وإشعار عبارة الراوندي بالإجماع موهون بما عرفت من الحكاية عن الأكثر التخصيص بالحلال ، فلا مستند حينئذ لدعوى العموم في الصيد.

لكن قد يناقش في ذلك كله بأنه لا ينافي العموم في مفهوم الصيد لغة وعرفا بعد تسليم كون المنساق من الكتاب خصوصا الآية الأخيرة إرادة خصوص المأكول منه ، إذ أقصاه ثبوت الجزاء له على الإطلاق ، بخلاف غيره فإنه يتوقف على الدليل وإن كان اصطياده محرما على المحرم ، لاندراجه في مفهوم الصيد المحرم عليه بغير الآية من معقد إجماع ونحوه ، كما أنه بعد تسليم عدم اندراجه في الصيد يمكن الاستناد في حرمته إلى نحو‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (١) الذي عبر بمضمونه في محكي المقنع « إذا أحرمت فاتق الدواب كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة ، فأما الفأرة فإنها توهي السقاء وتحرق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨١ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٤ والكافي ج ٤ ص ٣٦٣.

١٦٨

أهل البيت ، وأما العقرب فإن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مديدة إلى الجحر فلسعته عقرب ، فقال : لعنك الله لا برا تدعين ولا فاجرا ، والحية إذا أرادتك فاقتلها ، وإن لم تردك فلا تردها ، والكلب العقور والسبع إذا أراداك فاقتلهما ، فان لم يريداك فلا تردهما ، والأسود الغدر فاقتله على كل حال ، وارم الحدأة والغراب رميا عن ظهر بعيرك » وفي‌ صحيح حريز (١) « كلما خاف المحرم على نفسه من السباع والحيات وغيرهما فليقتله ، ولو لم يردك فلا ترده » وفي‌ خبر محمد بن الفضيل (٢) سأل أبا الحسن عليه‌السلام « عن المحرم وما يقتل من الدواب فقال : يقتل الأسود والأفعى والفأرة والعقرب وكل حية ، وإن أرادك السبع فاقتله ، وإن لم يردك فلا تقتله ، والكلب العقور إن أرادك فاقتله ، ولا بأس للمحرم أن يرمي الحدأة » وفي‌ خبر حنان بن سدير (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام الذي رواه مع سابقه في الفقيه قال : « أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتل الفأرة في الحرم والأفعى والعقرب ، والغراب الأبقع ترميه ، فإن أصبته فأبعده الله ، وكان يسمي الفأرة الفويسقة ، وقال : إنها توهي السقاء وتصرم البيت على أهله » وفي‌ حسن الحلبي (٤) « تقتل في الحرم والإحرام الأفعى والأسود الغدر وكل حية سوء والعقرب والفأرة ، وهي الفويسقة ، وترجم الغراب والحدأة رجما ، فان عرض لك اللصوص امتنعت منهم » وحسن ابن أبي العلاء (٥) عن الصادق عليه‌السلام أيضا « يقتل المحرم الأسود الغدر والأفعى والعقرب والفأرة ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سماها الفاسقة والفويسقة ، ويقذف الغراب ، وقال : اقتل كل واحد منهن يريدك » وخبر أبي البختري (٦) المروي عن قرب الاسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « يقتل المحرم ما عدا عليه من سبع وغيره ، ويقتل الزنبور والعقرب والحية والنسر والذئب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨١ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨١ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨١ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨١ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨١ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٨١ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١٢.

١٦٩

والأسد ، وما خاف أن يعدو عليه من السباع والكلب العقور » ومرسل المقنعة (١) قال : « سئل عن قتل الذئب والأسد فقال : لا بأس بقتلهما للمحرم إن أراداه ، وكل شي‌ء أراده من السباع والهوام فلا حرج عليه في قتله » وخبر غياث بن إبراهيم (٢) عن الصادق عليه‌السلام « يقتل المحرم الزنبور والنسر والأسود الغدر والذئب وما خاف أن يعدو عليه ، وقال : الكلب العقور هو الذئب » إلى غير ذلك مما يفهم ولو من جهة القرائن الرخصة فيها دون غيرها.

بل ربما استدل بقوله عليه‌السلام ـ في خبر عمر بن يزيد (٣) « واجتنب في إحرامك صيد البر كله » إلى آخره ، وقوله عليه‌السلام في حسن الحلبي أو صحيحه (٤) « لا تستحلن شيئا من الصيد وأنت حرام ، ولا وأنت حلال في الحرم » ـ على تناول الصيد للمحرم وإن كان لا يخلو من نظر ، كالاستدلال بما ورد من النصوص في الكفارات لأنواع المحرمات كالثعلب والأرنب كما ستعرف إنشاء الله ، نعم قد يستأنس له بما ذكرناه في كتاب الصيد من احتمال جريان حكمه بالكلب وبالآية الجمادية في الممتنع من غير المأكول على معنى الاستفادة بذلك خروجه عن الميتة ، كما عساه يشهد له‌ موثق سماعة (٥) « عن جلود السباع ينتفع بها قال : إذا رميت وسميت فانتفع بجلده » مضافا إلى عدم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨١ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨١ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٨ وفيه غياث بن إبراهيم عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب النجاسات الحديث ٢ من كتاب الطهارة.

١٧٠

اختصاص منفعة الصيد بالأكل ، ضرورة إمكان إرادة الانتفاع بجلده ونحوه ، فلا حظ وتأمل ، هذا ، وقد سمعت ما عن الحلبي ، وفي محكي النهاية أنه لا يجوز له قتل شي‌ء من الدواب ثم استثناء ما يخافه على نفسه كالسباع والهوام والحيات والعقارب ، ونحوه السرائر ، وفي محكي الخلاف‌ « أنه لا كفارة في جوارح الطير والسباع صالت أم لا‌ إلا الأسد ففيه كبش على ما رواه بعض أصحابنا (١) » وفي محكي التهذيب « لا بأس بقتله جميع ما يخافه من السباع والهوام من الحيات والعقارب وغيرها ، ولا يلزمه شي‌ء ، ولا يقتل شيئا من ذلك إذا لم يرده » قلت قد سمعت بعض النصوص الدالة على ذلك الذي يحمل عليه إطلاق الرخصة في غيره ، ويأتي فيها وفي جوارح الطير بعض الكلام إنشاء الله.

وفي محكي المبسوط « الحيوان على ضربين مأكول وغير مأكول ، فالمأكول على ضربين إنسي ووحشي ، فالانسي هو النعم من الإبل والبقر والغنم فلا يجب الجزاء بقتل شي‌ء منه ، والوحشي هو الصيود المأكولة مثل الغزلان وحمر الوحش وبقر الوحش وغير ذلك ، فيجب الجزاء في جميع ذلك على ما نبينه بلا خلاف ، وما ليس بمأكول فعلى ثلاثة أضرب : أحدها لاجزاء فيه بالاتفاق ، وذلك مثل الحية والعقرب والفأرة والغراب والحدأة والكلب والذئب والثاني يجب فيه ، الجزاء عند من خالفنا ، ولا نص لأصحابنا فيه والأولى أن نقول لا جزاء فيه ، لأنه لا دليل عليه ، والأصل براءة الذمة ، وذلك مثل المتولد بين ما يجب الجزاء فيه وما لا يجب فيه ذلك كالسمع ، وهو المتولد بين الضبع والذئب ، والمتولد بين الحمار الأهلي وحمار الوحش ، والضرب الثالث مختلف فيه ، وهو الجوارح من الطير كالبازي والصقر والشاهين والعقاب ونحو ذلك والسباع من البهائم كالأسد والنمر والفهد وغير ذلك ، فلا يجب الجزاء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

١٧١

عندنا في شي‌ء منه ، وقد روي أن في الأسد خاصة كبشا ، ويجوز للمحرم قتل جميع المؤذيات كالذئب والكلب العقور والفأر والعقارب والحيات وما أشبه ذلك ، ولا جزاء عليه ، وله أن يقتل صغار السباع وإن لم يكن محذورا منها ، ويجوز له قتل الزنابير والبراغيث والقمل إلا أنه إذا قتل القمل على بدنه لا شي‌ء عليه ، وإن أزاله عن جسمه فعليه الفداء ، والأولى أن لا يعرض له ما لم يؤذه ـ ثم ذكر ـ أن من قتل زنبورا أو زنابير خطأ لا شي‌ء عليه ، فان قتل عمدا تصدق بما استطاع ـ وذكر أيضا ـ أن من أصاب ثعلبا أو أرنبا فكمن أصاب ظبيا ، وإن أصاب يربوعا أو قنفذا أو ضبا أو شبه كان عليه جدي » قلت : ستعرف إنشاء الله تفصيل الكلام في ذلك كله.

وفي محكي الوسيلة « والصيد حلال اللحم وحرامه ، والحرام اللحم مؤذ وغير مؤذ ، فالمؤذي لا يلزم بقتله شي‌ء سوى الأسد إذا لم يرده ، فان قتله ولم يرده لزمه كبش ، وغير المؤذي جارحة وغير جارحة ، فالجارحة جاز صيدها وبيعها في الحرم وإخراجها منه ، وغير الجارحة يحرم صيدها ويلزم بالجناية عليها الكفارة ، والحلال اللحم صيد بحر ، ولا حرج فيه بوجه ، وصيد بر وخطأه في حكم العمد في الكفارة » وفي الدروس هو أي الصيد الحيوان المحلل إلا أن يكون أسدا أو ثعلبا أو أرنبا أو ضبا أو قنفذا أو يربوعا الممتنع بالأصالة البري ، فلا يحرم قتل الضبع والنمر والصقر وشبهها والفأرة والحية ، ولا رمي الحدأة والغراب عن البعير ولا الحيوان الأهلي ولو صار وحشيا ، ولا الدجاج وإن كان حبشيا ، ولا يحل الممتنع بصيرورته إنسيا » ولا يخفى عليك الموافق من هذه الكلمات لما ذكرناه والمخالف ، وتسمع إنشاء الله تمام الكلام والله الموفق والهادي.

ومن هنا كان النظر فيه يستدعي فصولا : الأول الصيد قسمان‌

١٧٢

فالأول منهما ما لا يتعلق به كفارة لكونه جائزا كصيد البحر المعلوم جوازه كتابا (١) وسنة (٢) وإجماعا بقسميه ، بل هو كذلك بين المسلمين كما في المنتهى فضلا عن المؤمنين وهو ما يبيض ويفرخ بضم حرف المضارعة وكسر العين أو فتح الفاء وتشديد الراء في الماء معا ، وبحكم ذلك التوالد كما تقدم الكلام فيه مفصلا ، ومن المعلوم أن ذلك ميزان لما يعيش فيهما ، أما ما لا يعيش إلا في أحدهما فهو من صيده من غير إشكال.

ومثله في الجواز عندنا الدجاج الحبشي المسمى بالسندي والغرغر ، وفي المسالك قيل : إنه طائر أغبر اللون في قدر الدجاج الأهلي ، أصله من البحر ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منه مستفيض كالنصوص منها‌ صحيحا معاوية (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الدجاج الحبشي فقال : ليس من الصيد ، إنما الطير ما طار بين السماء والأرض وصف » ومنها‌ صحيح جميل ومحمد بن مسلم (٤) قالا : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الدجاج السندي يخرج به من الحرم فقال : نعم ، لأنها لا تستقل بالطيران » إلى غير ذلك من النصوص العامة لإباحة كل ما لا يصف والخاصة للدجاج الحبشي ، بل منها يستفاد أنه ليس بصيد ، لعدم امتناعه ، خلافا للمحكي عن الشافعي فحرمه ، قال : لأنه وحشي يمتنع بالطيران وإن كان ربما يألف البيوت وهو الدجاج البري قريب من الأهلي في الشكل واللون يسكن في الغالب سواحل البحر ، وهو كثير ببلاد المغرب يأوي مواضع الطرفاء ويبيض فيها ، ويخرج فراخه ، كيسة كاسبة‌

__________________

(١) سورة المائدة الآية ٩٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ٦ من أبواب تروك الإحرام.

(٣) الوسائل ـ الباب ٤٠ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١ و ٧.

(٤) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

١٧٣

تلتقط الحب من ساعتها كفراخ الدجاج الأهلي ، ولا يخفى عليك ما فيه بعد ما سمعته‌ عن الصادقين عليهما‌السلام ، وعن الأزهري « كانت بنو إسرائيل من أهل تهامة أغنى الناس على الله تعالى فقالوا قولا لم يقله أحد ، فعاقبهم الله بعقوبة ترونها الآن بأعينكم ، جعل رجالهم القردة ، وبرهم الذرة ، وكلابهم الأسود ، ورمانهم الحنظل ، وعنبهم الأراك ، وجوزهم السرو ، ودجاجهم الغرغر ، وهو دجاج الحبش ، لا ينتفع بلحمه لرائحته » وعن التهذيب لاغتذائه بالعذرة.

وكذا لا كفارة ولا حرمة في ذبح النعم وأكلها إجماعا أو ضرورة ، بل ولو توحشت بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه منا عليه ، بل عن المنتهى نسبته إلى علماء الأمصار ، مضافا إلى الأصل وإطلاق النصوص (١) الدالة على جواز ذبحها وذبح الدجاج في الحرم وللمحرم ، وبالعكس ينعكس الحكم بلا خلاف أجده فيه أيضا ، بل قد سمعت الإجماع عليه ، بل هو محصل ، مضافا إلى الأصل والإطلاق ، فما عن مالك من عدم الجزاء للمستأنس منه في غير محله ، كالمحكي عن المزني من عدم الجزاء أيضا في المملوك منه ، ضرورة منافاته لإطلاق الأدلة الذي لا فرق فيه بين المملوك منه وغيره ، بل يزداد المملوك إذا أتلفه القيمة لمالكه مع الجزاء ، أو ما بين قيمته حيا ومذبوحا ، ولا فرق في حرمة الإتلاف بين الجميع وأبعاضه ، فكما يحرم إتلافه يحرم إتلاف بعضه ككسر قرنه أو يده أو نحو ذلك للنصوص (٢) ولحرمة تنفيره الذي هو دون ذلك ، والله العالم.

ولا كفارة أيضا في قتل السباع ماشية كانت أو طائرة أرادتك أو لم تردك إلا الأسد فان على قاتله كبشا إذا لم يرده على رواية فيها ضعف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٨٢ من أبواب تروك الإحرام.

(٢) الوسائل ـ الباب ٢٨ من أبواب كفارات الصيد.

١٧٤

بلا خلاف أجده في المستثنى منه ، بل عن صريح الخلاف وظاهر المبسوط والتذكرة الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد الأصل ، وأما المعتبرة المستفيضة المبيحة لقتلها إذا إرادته أو خشيها على نفسه ـ التي منها ما سمعته سابقا ، ومنها قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في‌ خبر عبد الرحمن العرزمي (١) « يقتل المحرم كلما خشيه على نفسه » وفي‌ خبر أبي البختري (٢) المروي عن قرب الاسناد للحميري « يقتل المحرم ما عدا عليه من سبع أو غيره ، ويقتل الزنبور والحية والنسر والذئب والأسد وما خاف أن يعدو عليه من السباع والكلب العقور » وقول الصادق عليه‌السلام في خبر غياث بن إبراهيم (٣) « يقتل المحرم الزنبور والأسود الغدر والذئب وما خاف أن يعدو عليه » ـ فلا دلالة فيها على نفي الكفارة ، ضرورة عدم التلازم بين الجواز ونفيها لو كان هناك دليل يقتضيها ، بل لا دلالة فيها على الإباحة مطلقا ، فالاستدلال بها على المطلوب لا يخلو من نظر ، بل ربما استدل أيضا بصحيح معاوية أو حسنه (٤) « أتى الصادق عليه‌السلام فقيل له إن سبعا من سباع الطير على الكعبة ليس يمر به شي‌ء من حمام الحرم إلا ضربه ، فقال : انصبوا له واقتلوه ، فإنه ألحد في الحرم » ولكن قد يشكل بأن تعليله يقتضي التخصيص وبالصحيح (٥) ان ابن أبي عمير أرسل عن الصادق عليه‌السلام أنه سئل « عن رجل أدخل فهذه إلى الحرم فقال : هو سبع ، وكلما أدخلت من السبع الحرم أسيرا فلك أن تخرجه » وعن حمزة بن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٨١ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ٨١ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ٨١ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٨ عن غياث بن إبراهيم عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٤) الوسائل ـ الباب ٤٢ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ٤١ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

١٧٥

اليسع (١) صحيحا أنه سأله عليه‌السلام « عن الفهد يشترى بمنى ويخرج به من الحرم فقال : كلما أدخل الحرم من السبع مأسورا فعليك إخراجه » ويشكل أيضا بعدم دلالتهما على المفروض ، ونحو ذلك ما عن التذكرة والمنتهى من الاستدلال بقوله في‌ صحيح حريز (٢) « كلما يخاف المحرم على نفسه من السباع والحيات وغيرها فليقتله ، وإن لم يردك فلا ترده » وبما روته العامة (٣) من أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتل خمس في الحرم أو نفي الجناح عن قتلهن : الحدأة والغراب والفأرة والعقرب والكلب العقور ، قال : « نص من كل جنس على صنف من أدناه تنبيها على الأعلى ، ودلالة على ما في معناه ، فنبه بالحدأة والغراب على البازي والعقاب وشبههما ، وبالفأرة على الحشرات ، وبالعقرب على الحية ، وبالكلب العقور على السباع » فإنه لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه ، بل لا يبعد كون الثاني جريا على مذاق العامة ، فالعمدة حينئذ في نفي الكفارة ما عرفت.

وأما الجواز وعدمه فلا ينبغي التأمل فيه مع الخشية على النفس ، لما سمعته من النص والفتوى ، وأما مع عدمها فمقتضى ما سمعته من النصوص من النهي الحرمة ، ولا داعي إلى حمله على الكراهية بعد عدم ثبوت الاعراض عنه سيما بعد ما سمعت من الصدوق وغيره مما ظاهره العمل به ، وفي محكي المقنعة وسئل أي الصادق عليه‌السلام (٤) « عن قتل الذئب والأسد فقال : لا بأس بقتلهما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٤١ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ٨١ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٣) سنن البيهقي ج ٥ ص ٢٠٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ٨١ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١٣.

١٧٦

للمحرم إذا أراداه ، وكل شي‌ء أراده من السباع والهوام فلا حرج عليه في قتله » وفي محكي المراسم « فأما قتل السباع والذئاب والهوام وكل مؤذنان كان على جهة الدفع عن المهجة فلا شي‌ء عليه ، وإن كان خلافه فلا نص في كفارته ، فليستغفر الله منه ».

ومن ذلك مضافا إلى ما قدمناه سابقا يظهر لك النظر فيما في الرياض من وجوه ، قال : « بقي الكلام في حرمة قتله ، ولا ريب فيها على القول بلزوم الكفارة ، ويشكل فيها على القول بالعدم ، من الأصل بناء على المختار من اختصاص الصيد المحرم في الكتاب والسنة بالمحلل ، ومن ورود النهي عن قتله إذا لم يرده فيما مر من الصحيح وغيره ، لكنه فيهما يعم الأسد وغيره ، ولم أعثر بقائله ، مضافا إلى ورود مثله في الحية ، وقد عرفت أنه محمول على الكراهة فالقول بها أيضا هنا لا يخلو من قوة ، سيما ان ظاهر جماعة التلازم هنا بين نفي الكفارة وثبوت إباحة القتل وبالعكس كالفاضل في المنتهى والمختلف وغيره » إذ قد عرفت منع اختصاص الصيد بالمحلل ، وأنه بعد تسليمه لا ينافي تحريمه للنصوص وإن لم يكن صيدا ، وأنه لا تلازم بين نفي الكفارة وبين الجواز ، بل ولا بينها وبين الحرمة ، فقد يكون الشي‌ء جائزا وإن وجبت به الكفارة كما عرفت وتعرف إنشاء الله ، ومنه يعلم أنه لا دلالة في نفي الكفارة في المتن على الجواز ، خصوصا بعد أن سبق منه تعميم الصيد للمحرم ، وعدم الكفارة والجواز في سابقه لا يقضي بمساواة السباع له ، فلا ريب في أن الأحوط والأقوى عدم قتل شي‌ء منهن إذا لم يردنه ، كما أن الأحوط والأقوى عدم قتل شي‌ء من سباع الطير مع عدم إيذائهن في الحرم.

هذا كله في المستثنى منه ، أما المستثنى فقد ذكر المصنف أن فيه رواية‌

١٧٧

فيها ضعف مشيرا بذلك إلى‌ خبر أبي سعيد المكاري (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل قتل أسدا في الحرم قال : عليه كبش يذبحه » وهو ـ مع ضعفه واختصاصه بالحرم ، ولذا اقتصر عليه في الدروس محلا كان أو محرما ـ خال عن التقييد بعدم الإرادة وإن قيده الشيخ بذلك جمعا بينه وبين غيره المجوز لقتله مع الإرادة ، وفيه أنه لا تنافي بينها وبين الجواز وإن وافقه على ذلك القاضي وابن حمزة وغيرهما على ما حكي ، بل عن ابن زهرة الإجماع على الكفارة إذا لم يرده ، وعن المبسوط والخلاف أن عليه كبشا ، بل عن الأخير الإجماع عليه ، ولعله لذا أسقطه الفاضل في محكي المنتهى مطلقا كالمحكي عن ابن إدريس واستحبها في محكي المختلف.

ولكن قد يناقش بأن الخبر وإن كان ضعيفا ولكنه معتضد بالمحكي عن‌ الفقه المنسوب (٢) إلى الرضا عليه‌السلام « وإن كان الصيد أسدا ذبحت كبشا » وبما سمعته من الإجماعين في الغنية والخلاف ، وبما قيل من أن كل ما يحرم قتله في الحرم يحرم قتله على المحرم ، وإن كان فيه بعد تسليمه أنه لا يقتضي التلازم في الكفارة التي هي محل البحث ، فالعمدة حينئذ في ثبوتها الإجماعان المزبوران مع عدم الإرادة ، وإطلاق إجماع الخلاف معها أيضا ، إذ لم نعثر على غير الخبر المزبور كما اعترف به غير واحد وإن أرسله المصنف والفاضل ، ولا ريب في أنه أحوط إن لم يكن أقوى ، وخصوصا إذا كان في الحرم للخبر المزبور ، والله العالم.

وكذا لا كفارة عند الشيخ فيما تولد بين وحشي وإنسي أو بين ما يحل للمحرم وما يحرم عليه ، وقد سمعت عبارة المبسوط ولعله للأصل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٣٩ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ٢٨ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

١٧٨

ونحوه ولكن لا يخفى عليك أنه لو قيل يراعي الاسم كان حسنا بل جزم به الفاضل ومن تأخر عنه ، بل الظاهر ذلك أيضا في المتولد بين المتفقين ، ضرورة كونه المدار بعد أن كان هو العنوان ما لم يعارضه غيره ، نعم لو انتفى عنه الاسمان وكان له اسم آخر كالسمع المتولد بين الذئب والضبع والمتولد بين الحمار الوحشي والأهلي ففي القواعد وكشفها « إن دخل فيما امتنع جنسه بالأصالة كالسمع حرم ، وإلا فلا ، دخل في غيره أم لم يعهد له جنس » وإليه أشار في المسالك بقوله : « إن لم يكن ممتنعا فلا شي‌ء ، وإن كان ممتنعا قيل يحرم ، وفيه نظر ، لأنه ليس بمحلل ، فلا يكفي وصف الامتناع فيه ، فان التحريم مشروط بامتناع المحلل والمحرمات المذكورة ، وهذا ليس منها » قلت : من ذلك يعلم أن المتجه بناء الحكم فيه على المسألة السابقة ، بل منه يعلم الحرمة وإن لم يكن ممتنعا بناء على حرمة قتل كل دابة على المحرم إلا ما استثني وإن لم يطلق عليه اسم الصيد لعدم امتناعه ، فلا حظ وتأمل ، والله العالم.

ولا بأس بقتل الأفعى والعقرب والفأرة كما صرح به غير واحد ، بل عن الغنية إجماع الطائفة ، بل عن المبسوط اتفاق الأمة ، مضافا إلى ما سمعته من النصوص (١) في الثلاثة ، وفي‌ الدعائم (٢) عن جعفر بن محمد عن علي عليهم‌السلام « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أباح قتل الفأرة في الحرم والإحرام » فما في محكي السرائر من إطلاق عدم جواز قتل المحرم شيئا من الدواب في غير محله ، نعم قد سمعت سابقا‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح حريز (٣) « كلما خاف المحرم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٨١ من أبواب تروك الإحرام.

(٢) المستدرك ـ الباب ٦٤ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ٨١ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

١٧٩

على نفسه من السباع والحيات وغيرها فليقتله وإن لم يردك فلا ترده » وفي‌ خبر ابن عمار (١) « والحية إن أرادتك فاقتلها ، وإن لم تردك فلا تردها » بل وغيرهما من النصوص السابقة الناهية صريحا وظاهرا عن قتل ما لم يرده ، ولكن التدبر فيها أجمع يقتضي الجواز في هذه الثلاثة والأسود الغدر الذي هو قسم من الحيات ، المصرح في النص بقتله على كل حال ، مع أنه لا قائل بالتفصيل في الحيات ، فلا بد حينئذ من الجمع بينها بحمل النهي عن القتل مع عدم الإرادة على الكراهة ، ضرورة أولويته من تقييد إطلاق النهي الذي هو كالصريح في بعض النصوص السابقة بعدم إرادة المقيد منه ولو من جهة الاقتصار في التقييد فيه على السباع خاصة ، خصوصا بعد عدم المقاومة من وجوه ، منها الشهرة العظيمة على الإطلاق ، بل لعل إطلاق ابن إدريس عدم جواز قتل شي‌ء من الدواب من الشواذ ، لمعلومية إباحة القتل مع الخوف على النفس نصا وفتوى ، والله العالم.

وكذا يستفاد أيضا من النصوص السابقة أنه لا بأس أن يرمى الحدأة بكسر الحاء وفتح الدال مع الهمز المحرك نحو عنبة والغراب رميا في الحرم والإحرام فضلا عن غيرهما ، بل وعن ظهر البعير وغيره كما هو مقتضى إطلاق المتن وغيره ، وإن ذكر الأول في صحيح معاوية (٢) لكنه غير مناف لإطلاق غيره ، فما عن المنتصر من التعبير بالرمي عن ظهر البعير في غير محله إن أراد التقييد ، نعم ظاهر النصوص المزبورة جواز رميهما لا قتلهما إلا إذا اتفق إفضاء الرمي إليه ، خلافا للمحكي عن المبسوط فجوز قتلهما ، بل يظهر منه الإجماع عليه ، وإن كان ربما يؤيده ما سمعته من قول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٨١ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ٨١ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

١٨٠