جواهر الكلام - ج ٢٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وجب ، وكان جهادا واجبا من غير حاجة إلى اذن الامام عليه‌السلام ، بل في كشف اللثام « وهو كذلك أيضا مع ظن الظفر والعلم بعدم المخاطرة وإن لم يضطر إلى الدفاع ، وإلا استحب » وإن كان لا يخلو من نظر ، ولقد أجاد أبو علي فيما حكي عنه بقوله : ولو طمع المحرم في دفع من صده إذا كان ظالما له بقتال أو غيره كان ذلك مباحا له ولو أتي على نفس الذي صده سواء كان كافرا أو ذميا أو ظالما ، ولذا نفى البأس عنه في محكي المختلف ، هذا ، وفي المسالك فان لبس جنة للقتال ساترة للرأس كالجوشن أو مخيطة فعليه الفدية ، كما لو لبسها للحر والبرد ، ولو قتل نفسا أو أتلف مالا لم يضمن ، ولو قتل صيدا للكفار كان عليه الجزاء لله ولا قيمة للكفار ، إذ لا حرمة لهم ، قلت : ستسمع إنشاء الله تمام الكلام في ذلك في الكفارات.

ولو طلب العدو مالا لم يجب بذله إن لم يكونوا مأمونين إجماعا كما عن التذكرة والمنتهى قليلا كان أو كثيرا ، بل عن المبسوط ذلك أيضا وإن أمنوا ، بل عنه أيضا وعن التذكرة والمنتهى الكراهة مع كونهم مشركين لأن فيه تقوية لهم وصغارا على المسلمين ، وإن كان قد يناقش بمنافاة ذلك لوجوب المقدمة ، ولعله لذا قال المصنف ولو قيل بوجوبه إذا كان غير مجحف كان حسنا ونحوه عن المنتهى ، بل قد سمعت ما ذكره المصنف سابقا من وجوب التحمل مع التمكن قبل التلبس بالحج فضلا عن الفرض المأمور فيه بإتمام الحج والعمرة ، ومن هنا قال في المسالك والمدارك كان حقه التسوية بين المقامين أو عكس الحكم ، وإن كان فيه أن الظاهر إرادته عدم الإجحاف من التمكن في السابق ، ضرورة كونه المناسب لسقوط باب المقدمة بقاعدة نفي العسر والحرج ، وغيرها ، وكأنه يرجع اليه ما عن التذكرة من عدم وجوب بذله مع كثرته مطلقا ، بل عنه أيضا انه جعل بذله مكروها للعبد والكافر ،

١٤١

لما فيه من الصغار وتقوية الكفار ، وان كان فيه ما عرفت ما لم يرجع الى قاعدة نفي الحرج ونحوها.

هذا كله في المصدود‌ وأما المحصر اسم مفعول من أحصره المرض إذا منعه من التصرف ، ويقول للمحبوس حصر بغير همن فهو محصور ، ولكن عن الفراء جواز قيام كل منهما مقام الآخر ، وربما يؤيده استعمال الفقهاء لهما هنا خلافا لما عن الزجاج والمبرد من اختصاص الحصر بالحبس : والإحصار في غيره ، وكذا عن يونس ، قال : « إذا رد الرجل عن وجه يريده فقد أحصر ، وإذا حبس فقد حصر » وعن أبي إسحاق النحوي « الرواية عن أهل اللغة أن يقال للذي منعه الخوف والمرض أحصر ، ويقول للمحبوس حصر » وعن أبي عمرو الشيباني « حصر بي الشي‌ء وأحصر بي أي حبسني » وعن التبيان والمجمع عن أهل البيت عليهم‌السلام « أن المراد بالآية من أحصره الخوف أو المرض ولكن بلوغ هدي الأول محله ذبحه حيث صد وهدي الثاني ذبحه في الحرم » وكذا عن ابن زهرة انه عمم الإحصار في الآية واللغة ، وقال الكسائي والفراء وأبو عبيدة وتغلب وأكثر أهل اللغة : يقول : أحصره المرض لا غير ، وحصره العدو وأحصره أيضا ، وكذا الشيخ في محكي الخلاف إلا أنه حكي هذه العبارة عن الفراء خاصة ، والأمر في ذلك كله سهل بعد التوسع في التعبير.

وعلى كل حال فـ ( هو الذي يمنعه المرض عن الوصول إلى مكة أو عن الموقفين ) على حسب ما سمعته في المصدود ( فـ ) إذا تلبس هذا بالإحرام لحج أو عمرة تمتع أو مفردة ثم أحصر كان عليه أن يبعث ما ساقه إن كان قد ساق ولو لم يسق بعث هديا أو ثمنه ، ولا يحل حتى يبلغ الهدي محله وهو منى إن كان حاجا ، ومكة إن كان معتمرا بلا خلاف أجده في تحلله بالهدي بل توقته بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى الكتاب والسنة ، نعم‌

١٤٢

ما سمعته من البحث في الاجتزاء في التحلل بالهدي المسوق في المصدود يجري هنا ، وكذا الكلام في اعتبار النية وعدمها ، وانما الخلاف في البعث وعدمه ، فالمحكي عن ابني بابويه والشيخ وأبي الصلاح وبني حمزة والبراج وإدريس ما ذكره المصنف ، بل حكى غير واحد عليه الشهرة ، وهو كذلك ، نعم عن الأكثر تقييد مكة بفناء الكعبة ، وابن حمزة بالحزورة ، وعن الراوندي في فقه القرآن تخصيص مكة بالعمرة المفردة ، وجعل منى محل المتمتع بها كالحج ، خلافا للإسكافي فخيره بين الذبح حيث أحصر والبعث ، وجعله أولى ، وسلار ففصل بين التطوع وحجة الإسلام ، ففي الأول يذبح الهدي حيث أحصر ، وعن المفيد روايته (١) مرسلا ، بل ظاهره العمل به لأنه قال : قال الصادق عليه‌السلام : « المحصور بالمرض إن كان ساق هديا أقام على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله ثم يحل ، ولا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من قابل ، هذا إذا كان في حجة الإسلام ، فأما حجة التطوع فإنه ينحر هديه وقد حل ما كان أحرم منه ، فان شاء حج من قابل ، وإن لم يشاء لا يجب عليه الحج » وعن المقنع (٢) « والمحصور والمضطر ينحران بدنتيهما في المكان الذي يضطران فيه » ورواه في الفقيه (٣) مرسلا عن الصادق عليه‌السلام ، وعن الجعفي أنه يذبح مكان الإحصار ما لم يكن ساق ، وهو خلاف ما فعله الحسين عليه‌السلام (٤) على إحدى الروايتين إن كان أحرم ، ولكن ظاهر الآية والأخبار حجة على الجميع ، والمناقشة في الأول باحتمال كون معناه حتى تنحروا هديكم حيث حبستم كما هو المنقول من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدفعها ظاهر النصوص التي منها الخبر الطويل (٥) في حج الوداع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١٣.

١٤٣

المشتمل على احتجاجه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالآية على عدم الإحلال حتى يبلغ محله يعني منى ، بل وصحيح معاوية بن عمار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام الدال على الحكم في المسألة والمشعر بكون محل الهدي ما ذكرناه ، قال : « سألته عن رجل أحصر فبعث بالهدي قال يواعد أصحابه ميعادا إن كان في الحج ، فمحل الهدي يوم النحر فإذا كان يوم النحر فليقصر من رأسه ، ولا يجب عليه الحلق حتى يقضى المناسك ، وإن كان في عمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكة والساعة التي يعدهم فيها ، فإذا كان تلك الساعة قصر وأحل ، وإن كان مرض في الطريق بعد ما يخرج فأراد الرجوع رجع الى أهله ونحر بدنة أو أقام مكانه حتى يبرئ إذا كان في عمرة ، فإذا بري‌ء فعليه العمرة واجبة ، وإن كان عليه الحج رجع أو أقام ففاته الحج فان عليه الحج من قابل ، فان الحسين بن علي عليهما‌السلام خرج معتمرا فمرض في الطريق فبلغ عليا عليه‌السلام ذلك وهو في المدينة فخرج في طلبه وأدركه بالسقيا وهو مريض بها فقال : يا بني ما تشتكي؟ قال أشتكي رأسي فدعى علي عليه‌السلام ببدنة فنحرها وحلق رأسه ورده الى المدينة ، فلما بري‌ء من مرضه اعتمر ، قلت : أرأيت حين بري‌ء من وجعه قبل أن يخرج إلى العمرة أحل له النساء قال : لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة ، قلت : فما بال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين رجع من الحديبية حلت له النساء ولم يطف بالبيت؟ قال : ليسا سواء كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مصدودا والحسين عليه‌السلام محصورا » وخبر زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « إذا أحصر بعث بهديه » ، وخبره الآخر (٣)

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل ـ في الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ١ وذيله في الباب ١ منها الحديث ٣ مع اختلاف يسير.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٢.

١٤٤

عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا أحصر الرجل فبعث بهديه فأذاه رأسه » ، وخبر رفاعة (١) عنه عليه‌السلام أيضا « قلت رجل ساق الهدي ثم أحصر قال : يبعث بهديه ، قلت : هل يتمتع من قابل قال : لا ولكن يدخل في مثل ما خرج منه » وصحيح ابن مسلم (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام ورفاعة (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنهما قالا : « القارن يحصر وقد قال واشترط فحلني حيث حبستني ، قال : يبعث بهديه ، قلت : هل يتمتع من قابل؟ قال : لا ، ولكن يدخل في مثل ما خرج منه » وموثق زرعة (٤) « سألته عن رجل أحصر في الحج قال : فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه ، ومحله أن يبلغ الهدي محله ، ومحله منى يوم النحر إذا كان في الحج ، وإن كان في العمرة نحر بمكة ، وانما عليهم أن يعدهم لذلك يوما ، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفي ، وإن اختلفوا في الميعاد لم يضره إنشاء الله ».

وهو مع أنه صريح في الحكم صريح أيضا في المراد من الآية ، ولا ينافي ذلك فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد احتمال إرادة ظاهرها في خصوص المحصور وان اشترك معه المصدود في اعتبار الهدي كما أشرنا إليه سابقا ، بل في المسالك « كان الأولى للمصنف ترك ذكر المحل ، لأن كل موضع يذبح فيه الهدي أو ينحر فهو محله سواء كان أحد الموضعين المذكورين أو محل الصد كما يقتضيه تفسير الآية عندنا ، فإنها شاملة للمصدود والمحصر وإن عبر فيها بلفظ المحصر ، فيراد حينئذ بالمحل فيها الأعم ، وليس في ذكره فيها ما يفيد الاختصاص بالموضعين بل هو حكم مشترك بين المصدود والمحصر ، وانما يمتازان بمكان الذبح ، وهو أحد الموضعين في المحصر ، وموضع الصد في المصدود » وإن كان لا يخلو من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٢.

١٤٥

نظر يظهر مما ذكرناه ، وعلى كل حال فالمناقشة واهية.

نعم قد يعارض ذلك في الجملة ما سمعته في ذيل‌ صحيح ابن عمار (١) المعتضد بصحيحه الآخر وحسنه عن الصادق عليه‌السلام « إن الحسين بن علي عليهما‌السلام خرج معتمرا فمرض في الطريق فبلغ عليا عليه‌السلام وهو بالمدينة فخرج في طلبه فأدركه بالسقيا وهو مريض ، فقال يا بني ما تشتكي؟ قال : أشتكي رأسي فدعا علي عليه‌السلام ببدنة فنحرها وحلق رأسه ورده إلى المدينة » وصحيحه الآخر عنه عليه‌السلام (٢) أيضا « إنه قال في المحصور ولم يسق الهدي قال : ينسك ويرجع ، فان لم يجد ثمن هدي صام » وخبر رفاعة أو قويه (٣) عنه عليه‌السلام أيضا قال : « خرج الحسين عليه‌السلام معتمرا وقد ساق بدنة حتى انتهى الى السقيا فبرسم فحلق شعر رأسه ونحرها مكانه ثم أقبل حتى جاء فضرب الباب فقال علي عليه‌السلام ابني ورب الكعبة افتحوا له ، وكان قد حموه الماء فأكب عليه ويشرب ثم اعتمر بعده » ومرسل الفقيه (٤) والمفيد (٥) المتقدمين ، ولكن المرسل منهما لا حجة فيه بعد عدم الجابر ، فضلا عن أن يعارض ما سمعت ، مع احتمال الأول منهما الضرورة ، والآخر أن منتهى قول الصادق عليه‌السلام فيه إلى قوله « هذا » والباقي من المفيد ، وصحيح ابن عمار وحسنه وقوي رفاعة محتملان بل قيل ظاهران في الضرورة التي يحتملها كلام الصدوق أيضا ، بل قد يحتملان عدم إحرام الحسين عليه‌السلام وانما نحر هو أو علي عليهما‌السلام تطوعا وخصوصا إذا كان قد ساق ، بل ربما أيد بما سمعته من صدر حسنه الآخر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٦.

١٤٦

المروي (١) في التهذيب صحيحا ، لكن مكان « بعد ما يخرج » « بعد ما أحرم » إلا أن السياق يؤيد الأول وإن ظن عكسه وحينئذ فالسقيا هي البئر التي كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستعذب ماءها فيستسقي له منها ، واسم أرضها الفلجان ، لا السقيا التي يقال بينها وبين المدينة يومان ، وما في المدارك ـ من احتمال الجمع بين صدره وذيله بحمل الأول على الهدي المتطوع به إذا بعثه المريض من منزله ـ كما ترى بعد الإحاطة بما ذكرناه من النصوص والفتاوى ، وبذلك وغيره يظهر لك أنه لا وجه للجمع بين النصوص بالتخيير المتوقف على التكافؤ المعلوم عدمه من وجوه ، فالتحقيق حينئذ ما عليه المشهور.

نعم قال الشهيد رحمه‌الله : وربما قيل بجواز النحر مكانه إذا أضربه التأخير وهو في موضع المنع ، لجواز التعجيل مع البعث يعني تعجيل الإحلال قبل بلوغ الهدي محله ، فإنما فيه مخالفة واحدة لأصل الشرع ، وهو الحلق قبل بلوغ محله ، بخلاف ما إذا نحره مكانه ففيه مع ذلك مخالفة بأنه لم يبلغ الهدي محله أصلا ، ولكن قد يقال : إن الضرورة التي قد عرفت ظهور بعض النصوص فيها واحتمال آخر لها ظاهرة في ذلك أو في الأعم منه ، بل لعل‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر زرارة (٢) : « أحصر الرجل فبعث هديه وأذاه رأسه قبل أن ينحر فحلق رأسه فإنه يذبح في المكان الذي أحصر فيه أو يصوم ، أو يطعم ستين مسكينا » كالصريح فيه ، اللهم إلا أن يحمل على إرادة أن المحصور قبل بلوغ الهدي محله إذا احتاج الى حلق رأسه لأذى به ساغ له ذلك ووجب عليه الفداء كما عن المنتهى التصريح به ، مستدلا عليه بالخبر المزبور ، وحينئذ يكون الذبح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ١. وفيه‌ « أو يطعم ستة مساكين ».

١٤٧

كفارة لا للتحلل.

هذا كله في مكانه ، وأما زمانه ففي الحج يوم النحر كما عن الأصحاب الاقتصار عليه ، ولعله لقصره عليه في صحيح ابن عمار وحسنه (١) ومضمر زرعة (٢) المتقدمة سابقا ، ولكن في القواعد « وأيام التشريق » ولعله إليه أشار الشهيد بنسبة ذلك الى القيل ، ولا ريب في أن الأحوط الاقتصار على يوم النحر وإن كان الذي يقوى خلافه ، لكون أيام التشريق أيام ذبح الهدي ، بل يمكن إرادة ذلك من يوم النحر ، والله العالم.

وكيف كان فإذا بلغ الهدي قصر لما سمعته في صحيح معاوية (٣) عن الصادق عليه‌السلام ، مضافا إلى‌ قول أبي جعفر في خبر حمران (٤). « فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير » إلى غير ذلك وأحل من كل شي‌ء على المحرم إلا من النساء خاصة حتى يحج في القابل إن كان واجبا ، أو يطاف عنه طواف النساء إن كان تطوعا بلا خلاف معتد به أجده في شي‌ء من ذلك ، بل عن المنتهى نسبته إلى علمائنا ، بل في كشف اللثام نسبة ذلك إلى النصوص والإجماع على كل من المستثنى والمستثنى منه ، وهو كذلك ، إذ قد سمعت ما في صحيح معاوية بن عمار (٥) المتقدم المشتمل على الفرق بين المصدود والمحصور بذلك ، وصحيحه (٦) الآخر المشتمل على إحصار الحسين عليه‌السلام ، مضافا إلى النصوص (٧) المتقدمة فيمن نسي طواف النساء الدالة على جواز الاستنابة فيه وإن تمكن من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٣.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف.

١٤٨

الرجوع بنفسه كما مر الكلام فيه مفصلا ، ومنه يعلم ما في المدارك فإنه ـ بعد أن ذكر عن الفاضل في المنتهى أنه أسند الاكتفاء بالاستنابة فيه إلى علمائنا مؤذنا بالإجماع عليه ولم يستدل عليه بشي‌ء ، واستدل عليه جمع من المتأخرين بأن الحج المندوب لا يجب العود لاستدراكه ، والبقاء على تحريم النساء ضرر عظيم ، فاكتفي في الحل بالاستنابة في طواف النساء ـ قال : وهو مشكل جدا ، لإطلاق‌ قوله عليه‌السلام (١) : « لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة » وتبعه المحدث البحراني ، لكنه اختار سقوط طواف النساء فيه بعد أن حمل ما في النص هنا على الواجب ، للأصل ومرسل المفيد ، ولكنه كما ترى ضرورة انقطاع الأصل بالإطلاق المعتضد باستصحاب حرمتهن عليه ، والمرسل بعد تسليم ظهوره في ذلك على وجه لا يقبل التخصيص بغيرهن لا حجة فيه ، وكذا ما في المدارك ، فإن الإطلاق المزبور لا ينافي التقييد بطواف النائب فيه بعد معلومية مشروعية النيابة مع التمكن من الرجوع في غير المقام حتى في الحج الواجب ، ومن هنا صح للفاضل فيما يحكى عنه إلحاق الواجب غير المستقر هنا بالمندوب في النيابة بل والواجب المستقر مع عجزه عنه في القابل ، وإن نسبه في الدروس إلى القيل مشعرا بتمريضه ، لكنه في غير محله ، لما عرفت من مشروعية النيابة فيه مؤيدا بدليل نفي الحرج ونحوه ، كل ذلك مع ضعف دلالة الصحيح المزبور على ذلك ، لكونه في مقام بيان الفرق بين المصدود والمحصور لا لبيان أجزاء الاستنابة وعدم إجزائها كما هو واضح ، ومنه يعلم ضعف الاستدلال به على عدم إجزائها في الواجب حال العجز كالاستدلال بالأصل المقطوع بما عرفت.

فالأقوى حينئذ الاجتزاء بها ، ولعله هو مقتضي إطلاق ما عن الخلاف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٣.

١٤٩

والغنية والتحرير « لا يحللن للمحصور حتى يطوف لهن في قابل أو يطاف عنه » من غير تفصيل بين الواجب وغيره ، بل وما عن الجامع « إذا استناب المريض لطواف النساء وفعل النائب حلت له النساء » ولم يقيد بالقابل ، بل وما عن السرائر « أنهن لا يحللن حتى يحج في القابل أو يأمر من يطوف عنه للنساء » وما عن الكافي « ولا يحللن له حتى يحج أو يحج عنه » بناء على إرادة الطواف عنه من الحج عنه.

نعم لو كان قادرا على الإتيان به والفرض استقرار وجوبه أو استمراره لم يتحلل إلا بالإتيان بالنسك ، فلا يجديه الطواف فضلا عن الاستنابة فيه كما هو ظاهر الكتاب والنافع والقواعد ومحكي النهاية والمبسوط والمهذب والوسيلة والمراسم والإصباح والمنتهى والتذكرة والإرشاد والتبصرة والتلخيص ، للأصل وما سمعته من‌ قول الصادق عليه‌السلام (١) : « لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت ، ويسعى بين الصفا والمروة » الظاهر في الإتيان بالنسك كقوله عليه‌السلام في مرسل المفيد (٢) « ولا يقرب النساء حتى يقضي المناسك » وإطلاق العبارات المزبورة وإن اقتضى جواز الاستنابة في الواجب مع القدرة إلا أنه يمكن دعوى الإجماع على خلافه ، مضافا إلى الأصل والصحيح (٣) وغيره ، مع احتمال إرادتهم بالإطلاق المزبور التنويع لا الاجزاء مطلقا على كل حال ، ومنه يعلم ما في احتمال مدافعة الإطلاق المزبور لما سمعته من إجماع المنتهى على الفرق بين الواجب والمندوب ، ومن هنا قال بعض الناس : يتوجه حينئذ القول بإطلاق الصحيح المقتضي لعدم الاجتزاء بالاستنابة من غير فرق بين الواجب والمندوب ، لكنه كما ترى ، ضرورة إمكان كونه بعد التسليم خرقا للإجماع المركب ، إذا الأصحاب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٣.

١٥٠

بين مفصل بينه وبين الواجب بما عرفت ، وبين مطلق لجوازها فيه وفي الواجب وبين قائل بالتحلل ، بالندب من غير توقف على شي‌ء كما عن المراسم وظاهر المفيد أو محتمله ، للمرسل الذي عرفته.

فالقول بمساواة الندب للواجب في توقف الإحلال منه على أداء المناسك خلاف ما اتفقت عليه الأقوال أجمع ، فلا مناص حينئذ عن القول بالمشهور ضرورة عدم المستند لما سمعته عن المراسم ومحتمل المفيد ، كما أنه لا مستند لإطلاق المزبور بناء على عدم إرادة التنويع منه ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، ومنه يقوى احتمال إرادة التنويع منه فيختص الواجب حينئذ بتوقف الإحلال منه على فعل النسك مع القدرة ، ومع العجز أو الندب أو عدم استقرار الوجوب يكفي الحج عنه ، بل يقوى إلحاق المستأجر والمتبرع عن الغير بذلك ، وبذلك كله يظهر لك النظر فيما ذكره غير واحد من متأخري المتأخرين ، والله الموفق والمسدد ، هذا.

وفي الدروس ولو أحصر في عمرة التمتع فالظاهر حل النساء له ، إذ لا طواف لأجل النساء فيها ، واستحسنه بعض من تأخر عنه ، بل استدل له بصحيح البزنطي (١) سأل أبا الحسن عليه‌السلام « عن محرم انكسرت ساقه أي شي‌ء حل له وأي شي‌ء عليه؟ قال : هو حلال من كل شي‌ء ، فقال من النساء والثياب والطيب فقال : نعم من جميع ما يحرم على المحرم » لكن فيه أنه مطلق شامل للعمرة المفردة والحج بأقسامه ، ولا قائل به حينئذ ، وإخراج ما عدا العمرة المتمتع بها بالإجماع وإن أمكن جمعا بين الصحيح والإجماع إلا أنه غير منحصر في ذلك ، إذ من المحتمل حمله على التقية ، فإن من العامة من يرى الإحلال حتى من النساء مطلقا ، ومنهم من لا يرى الإحلال إلا أن يأتي بالأفعال ، فإن فاته الحج تحلل بالعمرة ، خصوصا مع كون زمان الامام عليه‌السلام المروي عنه في شدة التقية ، أو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ١.

١٥١

إذا استناب وطيف عنه كما ذكره بعض المحدثين ، على أنه معارض بما سمعته من قضية الحسين عليه‌السلام وغيره مما لا فرق فيه بين عمرة التمتع وغيرها ، مضافا إلى الاستصحاب ، ومن هنا مال جماعة منهم ثاني المحققين والشهيدين إلى توقف الإحلال منه عليه أيضا ، والتعليل بعدم الطواف لهن في خصوص النسك المفروض انما يتم لو علق الإحلال منهن على طوافهن ، وليس ، إذ ليس فيما وصل إلينا من الروايات تعرض لذكر طواف النساء ، وانما المستفاد من الصحيح المتقدم توقف حلهن على الطواف والسعي ، وهو متناول للحج بأقسامه والعمرتين ، اللهم إلا أن يقال إن سياقه غير متناول لها ، فلا إطلاق فيه ، ولكنه غير كاف في إخراجها ، إذ أقصاه نفي الإطلاق ، وحينئذ فينبغي الرجوع الى الأصول التي مقتضاها البقاء على الإحرام بالإضافة إليهن حتى يثبت المحلل ، وليس إلا الطواف لانعقاد الإجماع على الإحلال به منهن دون غيره ، ولكن لا يخفى عليك انسياق اعتبار الطواف في حلهن مع الحصر عن النسك الذي يتوقف حلهن عليه ، أما إذا لم يكن معتبرا فيه ذلك فالمحلل للنساء وغيرهن متحد ، وهو الإتيان بالنسك أو ما جعله الشارع محللا في الحصر ، وهو الهدي ، ولعل هذا هو الأقوى وإن كان الأحوط الإتيان به مباشرة أو استنابة في الحال الذي تجوز فيه ، كما عرفت ، والله العالم.

ولو بان أن هديه الذي بعثه أو أرسل دراهم لشرائه لم يذبح وكان قد تحلل لم يبطل تحلله فلا إثم عليه ولا كفارة فيما فعله من منافيات الإحرام وكان عليه ذبح هدي في القابل بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك كما اعترف به غير واحد بل ولا إشكال ، لأن تحلله قد كان باذن من‌

١٥٢

الشارع ، ول‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن عمار (١) المتقدم ، لكن زاد فيه في التهذيب « فان ردوا الدراهم عليه ولم يجدوا هديا ينحرونه وقد أحل لم يكن عليه شي‌ء ، ولكن يبعث من قابل ويمسك أيضا » وقول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر زرارة (٢) : « المصدود يذبح حيث صد ، ويرجع صاحبه فيأتي النساء والمحصور يبعث بهديه فيعدهم يوما ، فإذا بلغ الهدي أحل هذا في مكانه ، قلت أرأيت إن ردوا عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه وقد أحل فأتى النساء قال : فليعد وليس عليه شي‌ء ، وليمسك الآن عن النساء إذا بعث » وموثق زرعة (٣) السابق.

انما الكلام في وجوب الإمساك عليه الى يوم الوعد كما هو مقتضى الخبرين ، بل لعله المشهور كما اعترف به ثاني الشهيدين وغيره ، وعدمه كما هو خيرة المصنف في النافع والفاضل في المختلف والمقداد والحلي على ما حكي عنهم ، بل هو ظاهر المتن وغيره للأصل بعد أن لم يكن محرما ولا في الحرم ، فيحمل الخبران ، على الندب ، ولكن فيه أنه متجه بناء على عدم حجيتهما عند الحلي لكونهما من الآحاد ، أما على المختار فلا يصلح الأصل لمعارضتهما ، مع احتمال كون الأصل بالعكس ، باعتبار ظهور الآية في اعتبار بلوغ الهدي محله في التحلل في نفس الأمر ، ولا فرق بين الحلق وغيره ، فلو تحلل ولم يبلغ كان باطلا ، ولا يستفاد من النصوص المتقدمة إلا عدم الضرر بالتحلل يوم الوعد ولعله من جهة الإثم والكفارة ، لكونه وقع باذن الشارع ، فلا يتعقبه شي‌ء من ذلك ، ولكن ذلك لا يقتضي حصول التحلل في أصل الشرع ولو مع الانكشاف بل لعل الأمر بالإمساك في الخبرين لذلك ، فهو حينئذ محرم ، فينبغي له الإمساك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٢.

١٥٣

من حين الانكشاف ، خصوصا بعد عدم تصريح أحد من القائلين بوجوب الإمساك بخلافه ، لسكوتهم عن بيان وقته ، فيمكن إرادتهم ما ذكرناه كالنصوص ، ودعوى عدم الخلاف في صحته أو عدم بطلانه يمكن منعها بالنسبة الى ما زاد على ما ذكرناه من الإثم والكفارة ، ونفي الضرر في الموثق (١) لا ينافي وجوب الإمساك ، لكونه ضررا بعد ظهوره في إرادة أن الخلف لا يوجب ضررا فيما فعله من منافيات الإحرام ، ووجوب الإمساك انما هو من الإحرام السابق لا من الخلف كي يتوجه نفيه ، إذ احتمال وجوبه تعبدا وإن كان هو غير محرم كما ترى ، على انه بعد تسليم تناول نفي الضرر له يتجه حينئذ تخصيصه بالخبرين ، هذا.

ولكن قد يقال بظهور خبر زرارة في كون الإمساك عن النساء حين البعث لا من حين الانكشاف ، فلو بعثه بعد مدة لم يجب عليه الإمساك قبل البعث ولو بعد الانكشاف ، وهو ظاهر في تحقق الإحلال في الواقع ، وأن الأمر بالإمساك ليس للإحرام السابق معتضدا بما سمعته من دعوى جماعة عدم الخلاف في عدم بطلان الإحلال المراد به ظاهرا انتفاء الإحرام السابق ، كما عساه يشهد لها عبارة المتن وغيرها ، فالمتجه حينئذ وجوب الإمساك مقيدا من حين البعث وإن كان الأحوط من حين الانكشاف ، هذا ، وفي المدارك « واعلم أنه ليس في الرواية ولا في كلام من وقفت على كلامه من الأصحاب تعيين وقت الإمساك صريحا وإن ظهر من بعضها أنه من حين البعث ، وهو مشكل ، ولعل المراد انه يمسك من حين إحرام المبعوث معه الهدي » ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه من وجوه ، خصوصا ما ذكره أخيرا ، فإنه يمكن تحصيل الإجماع على خلافه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٢.

١٥٤

بقي الكلام في شي‌ء ، وهو أن ظاهر الموثق المزبور حلية النساء للمحصور ببلوغ الهدي ، وقد عرفت عدم حلهن إلا بالطواف بنفسه أو نائبه على الوجه الذي تقدم ، ومن هنا قال الكاشاني : لعل المراد بإتيانه النساء إتيانه إياهن بعد الطواف والسعي ، وفيه أنه خلاف صريح الخبر كما اعترف به في الحدائق ، لكن قال : اللهم إلا أن يحمل إتيانه النساء على الخطأ والجهل بتوهم حلهن له بالمواعدة كما في سائر محرمات الإحرام ، ويكون قوله عليه‌السلام « ليس عليه شي‌ء » يعني من حيث الجهل ، فإنه معذور كما في غير موضع من أحكام الحج ، وأنه بعد العلم بذلك فليمسك الآن عن النساء إذا بعث ، وفيه بعد الإغضاء عما في دعواه من معذورية الجاهل مطلقا في الحج من غير فرق بين الكفارة وغيرها أنه أيضا خلاف ظاهره ، ولعل الأولى حمله على عمرة التمتع التي قد عرفت أن الأقوى عدم احتياج حل النساء فيها الى الطواف ، كما سمعت الكلام فيه مفصلا والله العالم.

ولو بعث هديه ثم زال العارض قبل التحلل لحق بأصحابه في العمرة المفردة مطلقا ، وفي الحج إن لم يفت ، لزوال العذر وانحصار جهة إحلاله حينئذ في الإتيان بالمناسك المأمور بإتمامها فإن كان حاجا وأدرك أحد الموقفين في وقته على وجه يصح حجه كما عرفته سابقا فقد أدرك الحج ، وإلا تحلل بعمرة مفردة كما هو فرض كل من فاته الحج وإن كان قد ذبحوا وعليه في القابل قضاء الواجب المستقر أو المستمر ويستحب قضاء الندب بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بل ولا إشكال ، ضرورة كونه محرما حينئذ بأحد النسكين اللذين يجب عليه إتمامهما مع التمكن كما هو الفرض ، مضافا الى‌ صحيح زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « إذا أحصر بعث‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ١.

١٥٥

بهديه ، فإذا أفاق ووجد من نفسه خفة فليمض إن ظن أنه يدرك الناس ، فان قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك وينحر هديه ، ولا شي‌ء عليه ، وإن قدم مكة وقد نحر هديه فان عليه الحج من قابل أو العمرة ، قلت : فان مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة قال : يحج عنه إذا كان حجة الإسلام ويعتمر ، انما هو شي‌ء عليه » والظاهر أن قوله عليه‌السلام « من قابل » قيد للحج خاصة دون العمرة ، وانما الحج من قابل إذا نحر هديه وفات وقت مناسكه ، وقوله عليه‌السلام « أو العمرة » يعني إن كان إحرامه للعمرة ، نعم بناء على ما عن بعض النسخ من العطف بالواو لا « أو » يتجه إرادة عمرة التحلل ، وحينئذ يكون صريحا في اعتبارها وإن وقع الذبح كما هو مقتضي إطلاق الأصحاب ، بل وإطلاق ما دل على أن ذلك حكم من فاته الحج ، لكن في الدروس بعد أن قرب ذلك قال : وجهان ، اعتبارا بحالة البعث ، أو حالة التحلل ، يعني أنه أتى حالة البعث بما عليه فيجزيه ، وفيه أنه لم يأت بنية التحلل ولا التقصير ، فالأصل حينئذ يقتضي البقاء على الإحرام ، خصوصا بعد عدم مقتضي ( ما يقتضي خ ل ) التحلل ببلوغ الهدي محله بحيث يشمل الفرض ، إذ غايته الإطلاق المنساق بحكم التبادر الى غيره ، فيبقى حينئذ عموم حكم من فاته الحج ، وهو التحلل بالعمرة بحاله.

ولو علم الفوات أو فات بعد البعث وزال العذر قبل التقصير فالأحوط والأقوى وجوب المضي إلى مكة للتحلل بعمرة ، لما عرفت من أن ذلك حكم من فاته الحج إذا أمكنه العمرة ، ولأن سبب التحلل منحصر في أداء المناسك والحصر أو الصد ، ولكن في القواعد « الإشكال في ذلك ، ولعله مما عرفت ومن أن إيجاب ذلك عليه يجمع عليه التكليفين اللذين أحدهما عوض عن الآخر ، مع أن العدول خلاف الأصل ، والأصل البراءة » ولا يخفى عليك ما فيه بعد‌

١٥٦

الإحاطة بما ذكرناه من أنه لا عموم يقتضي التحليل ( التحلل خ ل ) ببلوغ الهدي على وجه يشمل الفرض ونحوه ، فالأصل بقاؤه على الإحرام حتى يأتي بالعمرة ، والله العالم.

هذا كله في الحاج وأما المعتمر مفردة فلا خلاف ولا إشكال في مساواته له في الأحكام ، بل قد سمعت النص المشتمل على العمرة ، نعم إذا تحلل يقضي عمرته أي يتدارك واجبا ( وجوبا خ ل ) مع استقرار وجوبها أو استمرارها ، وإلا فندبا عند زوال العذر من غير تربص زمان كما في القواعد ، بناء على التوالي كما عن الدروس وغيرهما ، أو على بطلان ما أحصر فيه ، فلا توالي فيه بين عمرتين ، واحتمال اعتبار مضي الزمانين بين الإحرامين كالعمرتين لا دليل عليه ولكن قيل والقائل الشيخ في محكي النهاية والمبسوط وبنو حمزة والبراج وإدريس : يقضيها في الشهر الداخل بناء على اشتراط فصل شهر بين عمرتين على معنى أن لكل شهر عمرة ، بل في المدارك ظاهر الأصحاب أن الخلاف هنا كالخلاف في أصل المسألة في الزمان الذي يجب كونه بين عمرتين ، قال في الدروس : المعتمر إفرادا يقضي عمرته في زمان يصح فيه الاعتمار ثانيا ، فيبني على الخلاف ، ولكن قد عرفت إمكان الفرق بين المقام وغيره كما يومي اليه إطلاق المصنف في النافع القضاء عند زوال العذر مع اشتراطه فيه مضي الشهر بين العمرتين ، والله العالم.

والقارن إذا أحصر فتحلل لم يحج في القابل إلا قارنا وفاقا لمحكي النهاية والمبسوط والتهذيب والمهذب والجامع ، بل الأكثر بل المشهور ، لصحيحي محمد بن مسلم (١) ورفاعة (٢) عن الصادقين عليهما‌السلام أنهما قالا : « القارن يحصر وقد قال واشترط فحلني حيث حبستني ، قال : يبعث بهديه قلنا : هل يتمتع في قابل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٢.

١٥٧

قال : لا ولكن يدخل بمثل ما خرج منه » وخبر رفاعة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قلت : رجل ساق الهدي ثم أحصر قال : يبعث بهديه ، قلت : هل يتمتع من قابل؟ قال : لا ولكن يدخل في مثل ما خرج منه » وما في كشف اللثام ـ من احتمال أن فرضه القران ، قال : وكذا كلام الشيخ والقاضي وصاحب الجامع ـ لا قرينة عليه ، كاحتمال حمل النصوص المزبورة على الندب لعدم وجوب قضاء الأصل فضلا عن الكيفية ، وفيه أن غاية ذلك عدم الوجوب النفسي الذي لا يلزم منه نفي الوجوب الشرطي التعبدي ، بمعنى أنه لا يجب عليه القضاء ولكن إن قضى فليقضه مما مماثلا ، وهذا الوجوب أقرب الى الحقيقة من الاستحباب والتقييد السابقين ، على أنه لا يتم في الواجب التخييري ، فإن المتجه على ما ذكرناه من العمل بالنصوص تعين الفرد المزبور عليه ، بخلافه على القول الآخر الذي مرجعه الى عدم تعين القران عليه بالدخول فيه ، بل إن كان قبله مخيرا بينه وبين غيره فهو الآن مخير ، وإن كان أحدهما متعينا عليه تعين ، وإن كان المتعين عليه التمتع وانما قرن للضرورة أتى بالتمتع ، والأصل في هذا القول ابن إدريس ، قال في المحكي من سرائره قال شيخنا أبو جعفر في نهايته « والمحصور إن كان قد أحصر وقد أحرم بالحج قارنا فليس له أن يحج في المستقبل متمتعا ، بل يدخل بمثل ما خرج منه » قال محمد بن إدريس : « وليس على ما قاله دليل من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع ، بل الأصل براءة الذمة ، وبما شاء يحرم في المستقبل » وتبعه في النافع وإن زاد في تفصيل ما أجمله قال : « وقيل لو أحصر القارن حج في القابل قارنا ، وهو على الأفضل إلا أن يكون القران متعينا عليه بوجه » ونحوه الفاضل وغيره.

والى ذلك أشار المصنف بقوله وقيل : يأتي بما كان واجبا ولكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الإحصار والصد ـ الحديث ٣.

١٥٨

لم أجد لهم دليلا على ذلك سوى الاستصحاب المقطوع بظاهر النصوص المزبورة الذي لا قرينة على تقييده أو على إرادة الندب منه ، بل ينبغي القطع بعدمه لو أريد من إطلاق الحلي ما يشمل صورة التعين الذي مقتضى الأصول والنصوص والفتاوى وجوب مراعاته ، بل لم يحك الخلاف في ذلك إلا ما توهم من إطلاق الحلي الممكن ( الذي يمكن خ ل ) تنزيله على التفصيل المزبور ، وإلا كان مقطوعا بفساده ، وبذلك ظهر لك ان المشهور مع كونه أحوط أقوى.

نعم قد يشك فيمن فرضه التمتع وقرن للضرورة ثم صد أو أحصر ثم تحلل ، لانسياق النصوص المزبورة إلى خلافه ، فيبقي على مقتضى الأصول.

ثم إن مفروض المتن وغيره بل والنصوص هو خصوص من حج قارنا ، إلا أن بعض الأصحاب كما قيل عمم وجعل فرض المسألة أعم ، فإن تم الإجماع على ذلك وإلا فالمتجه الرجوع الى التفصيل المزبور الموافق للأصول السالمة هنا عن المعارض ، اللهم إلا أن يقال بظهور إرادة المماثلة منها وإن كان المورد القران ، بل لعله في خبر رفاعة منها لا يخصص الوارد ، ومن هنا كان الاحتياط لا ينبغي تركه وإن كان الأول أقوى وإن كان ندبا حج بما شاء من أنواعه وإن كان الإتيان بمثل ما خرج منه أفضل والله العالم.

وروي عن الصادق عليه‌السلام بعدة طرق فيها الصحيح وغيره أن باعث الهدي تطوعا يواعد أصحابه وقتا لذبحه أو نحوه ثم يجتنب ما يجتنبه المحرم ، فإذا كان وقت المواعدة أحل ولكن هذا لا يلبي‌ قال معاوية بن عمار في الصحيح (١) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يبعث بالهدي تطوعا وليس بواجب قال : يواعد أصحابه يوما فيقلدونه ، فإذا كان تلك الساعة اجتنب ما يجتنبه المحرم الى يوم النحر ، فإذا كان يوم النحر أجزأ عنه ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٥.

١٥٩

حين صده المشركون يوم الحديبية نحر وأحل ورجع الى المدينة » وقال الحلبي (١) في الصحيح أيضا : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل بعث بهديه مع قوم سياق وواعدهم يوما يقلدون فيه هديهم ويحرمون ، فقال : يحرم عليه ما يحرم على المحرم في اليوم الذي واعدهم فيه حتى يبلغ الهدي محله ، قلت : أرأيت إن اختلفوا عليه في الميعاد وأبطؤا في المسير عليه وهو يحتاج الى أن يحل في اليوم الذي واعدهم فيه قال : ليس عليه جناح أن يحل في اليوم الذي وعدهم فيه » وقال هارون بن خارجة (٢) : « إن أبا مراد بعث ببدنة وأمر الذي بعث بها معه أن يقلد ويشعر في يوم كذا وكذا فقلت له إنه لا ينبغي أن تلبس الثياب فبعثني الى أبي عبد الله عليه‌السلام وهو بالحيرة فقلت له إن أبا مراد فعل كذا وكذا وانه لا يستطيع أن يدع الثياب لمكان أبي جعفر فقال عليه‌السلام : مره أن يلبس الثياب ولينحر بقرة يوم النحر عن لبسه الثياب » وقال ابن مسكان (٣) في الصحيح أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام « ان ابن عباس وعليا عليه‌السلام كانا يبعثان بهديهما من المدينة ثم يتجردان ، وإن بعثا به من أفق من الآفاق وأعد أصحابهما بتقليدهما وإشعارهما يوما معلوما ، ثم يمسكان يومئذ إلى يوم النحر عن كل ما يمسك عنه المحرم ، ويجتنبان كل ما يجتنبه المحرم إلا أنه لا يلبي إلا من كان حاجا أو معتمرا » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٣ عن عبد الله ابن سنان وفيه « ثم ينحران » بدل « ثم يتجردان » إلا أن الموجود في التهذيب ج ٥ ص ٤٢٤ الرقم ١٤٧٣ كما في الجواهر.

١٦٠