جواهر الكلام - ج ٢٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بعث هديا مع هديه ، ولا يحل حتى يبلغ الهدي محله ، فإذا بلغ محله أحل وانصرف الى منزله ، وعليه الحج من قابل ، ولا يقرب النساء حتى يحج من قابل وإن صد رجل عن الحج وقد أحرم فعليه الحج من قابل ، ولا بأس بمواقعة النساء ، لان هذا مصدود وليس كالمحصور » ولعله اليه يرجع ما عن ابن الجنيد من أنه إن أحصر ومعه هدي قد أوجبه الله تعالى بعث بهدي آخر عن إحصاره ، فان لم يكن أوجبه بحال من إشعار ولا غيره أجزأه عن إحصاره ، ضرورة عدم صدق الهدي المسوق قبل الاشعار مثلا ، ومن هنا استحسنه في المختلف واختاره المصنف في النافع والفاضل في القواعد وثاني الشهيدين وغيرهم لقاعدة عدم التداخل في غيره ، وعدم صدق الهدي عليه في التحلل ، والعزم على سوقه لا يجعله هديا فعلا قبل الاشعار وقبل النذر له بعينه أو كلي وقد عينه به بناء على تعينه بمثل ذلك.

وقيل والقائل المشهور يكفيه ما ساقه مطلقا وإن وجب بإشعار أو غيره ، بل في السرائر نسبته إلى ما عدا الصدوق من أصحابنا ، بل عن الغنية الإجماع عليه وهو الأشبه بأصول المذهب وقواعده التي منها أصل البراءة بعد صدق قوله تعالى ( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) عليه ، وبعد ما قيل من أنه لم نقف على دليل يدل على إيجاب الحصر والصد هديا مستقلا ، وانما المستفاد من الأدلة كتابا وسنة انما هو ما استيسر من الهدي كما في الأول أو هديه كما في الثاني ولا ريب في صدقهما على المسوق مطلقا في محل البحث ، وإن كان لا يخلو ما ذكره أولا من نظر أو منع ، وخبر رفاعة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « قلت : رجل ساق الهدي ثم أحصر قال : يبعث بهديه ، قلت يتمتع من قابل قال : لا ، ولكن يدخل في مثل ما خرج منه » وصحيحه (٢) عنه عليه‌السلام أيضا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٢.

١٢١

و‌صحيح محمد بن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام أنهما قالا : « القارن يحصر وقد قال واشترط فحلني حيث حبستني قال : أيبعث بهديه ، قلت : هل يتمتع من قابل؟ قال : لا ولكن يدخل في مثل ما خرج منه » وصحيح رفاعة (٢) عن الصادق عليه‌السلام « خرج الحسين عليه‌السلام معتمرا وقد ساق بدنة حتى انتهى الى السقيا فبرسم فحلق شعر رأسه ونحرها ثم أقبل حتى جاء فضرب الباب » الخبر ، وفي آخر (٣) « انه جاء إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام وفعل ذلك به » والمناقشة في الأخير باحتمال عدم إحرامه عليه‌السلام واضحة الضعف كالمناقشة في الجميع بأنها في المحصور دون المصدود بعد الاتفاق ظاهرا على عدم الفرق بينهما في هذا الحكم ، وكذا المناقشة في الأولين باحتمال كون الاكتفاء لما فيها من الاشتراط أي قوله « فحلني » إلى آخره بناء على أن فائدته ذلك ، ضرورة عدم مدخلية تلك المسألة فيما نحن فيه ، ولذا لم يحك عن أحد التفصيل فيها بذلك.

نعم في الدروس قول بعدم التداخل إن وجب بنذر أو كفارة أو شبههما يعني دون ما وجب بالإشعار أو التقليد ، ولعل الفرق أنه واجب بالإحرام فاتحد السبب ، مضافا الى ظهور فتاوى الأصحاب ببعث هديه أو ذبحه فيه وفيما يجب للصد أو الحصر لا الواجب بكفارة ونحوها ، وإن كان فيه أيضا أنه لا مدخلية للنذر ونحوه بعد صدق اسم الهدي عليه الذي به يندرج فيما سمعته من الأدلة ، وأما ما عن الفاضل من احتمال أن يكون المراد أن هدي السياق كاف لكن يستحب هدي آخر للتحلل ففيه ما لا يخفى من أنه لا دليل له ، مع أنه لا يخلو إما أن يحل بما ساقه ، فلا معنى لذبح هدي آخر للتحليل ، أو لا فيجب الآخر ، وإن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ١.

١٢٢

قدمه على ما ساقه أشكل نية الإحلال به ، ويشكل تقديم ما ساقه بلا نية إحلال بناء على وجوبها ، اللهم إلا أن يريد الاحتياط من الاستحباب ، فينوي بهما التحلل للاحتياط ، وعلى كل حال فقد ظهر أن الأقوى ما عليه المشهور لما عرفت ، وبه ينقطع استصحاب البقاء على الإحرام ، كما أنه بالتأمل فيما ذكرنا تندفع كثير من المناقشات.

هذا كله فيمن ساق هديا ، أما من لم يسق هديا فلا ريب في وجوب هدي التحلل عليه على معنى إن أراده فلا يحل بدونه حينئذ اتفاقا ولا بدل لهدي التحلل لا اختيارا ولا اضطرارا ، بخلاف هدي التمتع ونحوه الذي قد عرفت الكلام فيه سابقا بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد الاستصحاب والاحتياط وظاهر الآية وأصالة عدم بدل له بعد عدم الدليل ، لكن عن الإسكافي أنه يتحلل حينئذ بدون دم ، لقوله تعالى ( فَمَا اسْتَيْسَرَ ) ، ولم يستيسر ولم أجد من وافقه عليه ، نعم في القواعد الإشكال في ذلك ، ولعله مما عرفت ومن العسر والحرج وقول الصادق عليه‌السلام في خبر زرارة (١) : « إذا أحصر الرجل فبعث بهديه فأذاه رأسه قبل أن يذبح هديه فإنه يذبح في المكان الذي أحصر فيه أو يصوم أو يتصدق ، والصوم ثلاثة أيام ، والصدقة على ستة مساكين نصف صاع لكل مسكين » وقوله عليه‌السلام أيضا في حسن ابن عمار (٢) في المحصور ولم يسق الهدي : « ينسك ويرجع ، فان لم يجد ثمن هدي صام » وكذا في‌ صحيحه (٣) إلا أن فيه قيل له : « فان لم يجد هديا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٢ مع الاختلاف.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ١.

١٢٣

قال : يصوم » وقول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر زرارة (١) « إذا أحصر الرجل فبعث بهديه ثم أذاه رأسه قبل ان ينحر فحلق رأسه فإنه يذبح في المكان الذي أحصر فيه أو يصوم أو يطعم ستة مساكين » وما عن الجامع عن كتاب المشيخة لابن محبوب أنه‌ روى صالح عن عامر بن عبد الله بن جذاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل خرج معتمرا فاعتل في بعض الطريق وهو محرم قال : فقال : ينحر بدنة ويحلق رأسه ويرجع الى رحله ولا يقرب النساء ، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما ، فإذا بري‌ء من وجعه اعتمر إن كان لم يشترط على ربه في إحرامه ، وإن كان قد اشترط فليس عليه أن يعتمر إلا أن يشاء فيعتمر » وإذا ثبت البدل للمحصور فالمصدود أولى لأن الحرج فيه أشد غالبا ، لكن لا يخفى عليك منع الأولوية المزبورة ، كما لا يخفى عليك إعراض الأصحاب عنها ، مضافا إلى اختلافها ، وإلى عدم اجتماع شرائط الحجية في أكثرها ، بل في المدارك دعوى إجمال متن حسن معاوية ، قال ولا يبعد حمل الصوم الواقع فيه على الواجب في بدل الهدي ، ولذا قال في المسالك وروي أن له بدلا وهو صوم ثمانية عشر يوما ، لكن لم نعلمه على وجه يسوغ العمل به ، وربما قيل بأنه عشرة كهدي التمتع ، لكن لا يجب فيها المتابعة وكونها في أيام الحج وغيرها لانتفاء المقتضي ، ولكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط ، خصوصا في المحصور ، وسيما مع احتمال عدم عثور الأصحاب على مجموع هذه الروايات كما يظهر من بعضهم ، فلم يتحقق إعراض عنها حينئذ ، وإن كان الأصح ما عرفت وحينئذ فلو عجز عنه وعن ثمنه بقي على إحرامه إلى أن يقدر عليه أو على إتمام النسك ولو عمرة ، بل لا مدخل هنا للعجز عن ثمنه وإن وقع في المتن والقواعد إلا على القول ببعثه حتى في المصدود عينا أو تخييرا ، اللهم إلا أن يريدا بذلك بيان وجوب الشراء مع التمكن من الثمن وإرادة الإحلال.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ١.

١٢٤

وعلى كل حال فـ ( لو تحلل ) حينئذ بغير ما ذكرنا لم يحل إلا مع الاشتراط بناء عليه ، والله العالم.

ولا خلاف ولا إشكال في أنه يتحقق الصد عن الحج بالمنع عن الموقفين بل يتحقق أيضا بالمنع عما يفوت الحج بفواته منهما كما عرفت الحكم فيه في الأقسام الثمانية ، ولا يجب عليه الصبر حتى يفوته الحج للأصل وإطلاق النصوص ، ولأنه لا فوات حقيقة إلا بالموت وخصوصا العمرة المفردة ، مع أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحلل بالحديبية ، والفرق بين عام وعام ترجيح بلا مرجح ، وربما نوقش بالمنع من إطلاق النصوص ، فان الصد عن الوقوف انما يتحقق بالصد عنه الى فوات وقته ، إذ لا صد عن الشي‌ء قبل وقته ، ولا عن الكل بالصد عن بعضه ، والأصل معارض بالاستصحاب والاحتياط ، والفارق بين عام وعام مع لزوم الحرج فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو يفرق بين العمرة والحج ، لافتراقهما بالفوات وعدمه ، ولا حرج ولا عسر بالبقاء على الإحرام مدة لو لم يصد بقي عليه ، ولكن لا يخفى عليك اندفاعها ، بل لا تستأهل أن تسطر ، ضرورة كونها كالاجتهاد في مقابلة النص والفتوى ، فالحكم حينئذ لا إشكال فيه.

بل في المسالك ومن هذا الباب ما لو وقف العامة بالموقفين قبل وقته لثبوت الهلال عندهم لا عندنا ، ولم يمكن التأخير عنهم لخوف العدو منهم أو من غيرهم ، فإن التقية هنا لم تثبت ، ولعله لأنها في موضوع ، وربما يؤيده ما ورد (١) من الأمر بقضاء يوم العيد الذي ثبت عندهم وأفطر فيه تقية ، اللهم إلا أن يفرق بينهما بشدة المشقة في الحج دون صوم اليوم ، فيلحق الموضوع حينئذ فيه بحكم التقية ، ويجزيه الوقوف معهم بخلاف الصوم ، ولكن هو في غاية الاشكال ، وقد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك.

١٢٥

تقدم منا سابقا بعض الكلام في ذلك وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه ، خصوصا بعد وضوح منع تحقق الصد في ذلك سيما في بعض الأفراد ، وحينئذ يتجه إدراجه في حكم من فاته الحج لا في حكم المصدود.

ولو صد بعد إدراك الموقفين عن نزول منى خاصة استناب في الرمي والذبح كما في المريض ، ثم حلق وتحلل وأتم باقي الأفعال ، فان لم يمكنه الاستنابة فالأقوى جواز التحلل بالهدي في مكانه ، لصدق الصد ، وفي المسالك والمدارك وغيرهما احتمال البقاء على إحرامه ، بل حكي عن بعض للأصل المقطوع بإطلاق الأدلة المعتضد بقاعدة نفي الحرج ، وبأولوية البعض بالإحلال من الكل ، ودعوى ظهور أدلة الصد فيما يفوت به الحج أو العمرة بالكلية لا بعض أفعالهما المتأخرة يدفعها ظهورها ولو من الفحوى في الأعم من ذلك ، حتى ما يمكن فيه الاستنابة ، لكن خرج بالنص والإجماع ، وليس من لوازم المصدود قضاء الحج وجوبا أو ندبا من قابل ، وانما ثمرته اللازمة له جواز الإحلال من الإحرام ووجوب الهدي ، ونحن نقول بهما هنا ، وإن توقف في الأخير منهما بعض ، قال : « لفقد العموم فيه ، وعدم مساعدة الفحوى لإيجابه بعد فرض اختصاصه بصورة الصد عن الحج أو العمرة من أصله ، فإن غاية الأولوية إفادة جواز الإحلال لا وجوبه ، لاحتمال خصوصية في الصد عن كل الحج في إيجابه ، ولا يوجد في الصد عن أبعاضه » وفيه أن ظاهر الأدلة كتابا وسنة وفتوى ثبوت الهدي بتحقق موضوع الصد ، لا أقل من الشك ، والأصل البقاء على الإحرام ، فإيجابه الشرطي حينئذ للأصل لا للفحوى ، وهو كاف في ذلك ، وحينئذ يكون الحاصل تحقق الصد الموجب للتحلل والهدي بالمنع عن الحج والعمرة ولو أبعاضهما ، وسقوط ما صد عنه بعد التحلل في عامه إلا ما يقبل النيابة فيجب ، ولا ثمرة للصد فيه إلا إفادة جواز التحلل فيما‌

١٢٦

لا تحلل فيه إلا بفعله أو بالصد ، فلا إشكال في تحقق الصد حينئذ في الفرض.

وأولى من ذلك لو كان الصد عن منى ومكة ، ولذا جزم به الفاضل في محكي التذكرة والمنتهى نظرا إلى أن الصد يفيد التحلل من الجميع ، فمن بعضه أولى واستحسنه في المدارك ، وجعله في المسالك أجود الوجهين ، لعموم الآية والأخبار ، قال : « ويحتمل أن يحلق ويستنيب في الرمي والذبح إن أمكن.

ويتحلل بما عدا الطيب والنساء والصيد حتى يأتي بالمناسك » ولا يخفى عليك ما في الاحتمال المزبور مع عدم إمكان الاستنابة بعد عدم الدليل ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، كما أنه لا يخفى عليك ما في إشكال الفاضل في القواعد في ذلك قال : ولو لم يدرك سوى الموقفين فإشكال أي في تحقق الصد وأحكامه وإن قال في كشف اللثام : من الإشكال في أنه إن أحل حينئذ بنيته مع الهدي فهل سبب الإحلال ذلك وحده أو مع الوقوفين ، للشك في أن المحلل أهي مناسك منى وحدها أو مع الوقوفين؟ ولا تصغ الى ما في الشرحين فلا ارتباط له بالمقام ، لكنه كما ترى لا حاصل معتد به له ، ولذا قال بعد ذلك والمتجه التحقق لما عرفت اي من الإطلاق وغيره.

ولو صد عن الذبح خاصة قيل فهو ممن لا يستطيع الهدي ، فعليه الصيام بدله إن لم يمكنه إيداع الثمن ممن يذبحه بقية ذي الحجة ، ولكنه لا يخلو من نظر بعد الإحاطة بما ذكرناه.

ولو صد عن مكة خاصة بعد الإتيان بأفعال منى فان أتى بالطواف والسعي في تمام ذي الحجة ولو بالاستنابة كما صرح به في الروضة صح حجه ، وإلا ففي المبسوط والسرائر والقواعد والتذكرة والتحرير والمنتهى والدروس وحواشي الكركي وظاهر التبصرة والتلخيص على ما حكي عن بعضها بقي على إحرامه بالنسبة للنساء والطيب والصيد ، لأن المحلل للإحرام إما الهدي للمصدود‌

١٢٧

والمحصور أو الإتيان بأفعال يوم النحر والطوافين والسعي ، فإذا شرع في الثاني وأتى بمناسك منى يوم النحر تعيين عليه الإكمال ، لعدم الدليل على جواز التحلل بالهدي حينئذ ، فيبقي على إحرامه الى أن يأتي بباقي المناسك ، وبالجملة التحلل من الجميع إما بأداء المناسك أو بنيته للصد مع الهدي ، ولا دليل على التبعيض مع الأصل والاحتياط ، ولكن قد يدفع ذلك كله إطلاق النص المؤيد بالحرج والأولوية ، فيتحلل بهدي حينئذ كما في كشف اللثام ، وخصوصا بعد مضي ذي الحجة كما جزم به في المدارك ، بل الظاهر تحقق الصد بالمنع عن أحدهما أيضا ، ومن هنا قال المصنف وكذا اي يتحقق الصد بالمنع من الوصول إلى مكة مطلقا ذلك.

وكيف كان فـ ( لا يتحقق ) الصد بالمنع من العود إلى منى لرمي الجمار الثلاث والمبيت بها بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه وحينئذ فـ ( يحكم بصحة الحج ويستنيب في الرمي ) في تلك السنة مع الإمكان وإلا ففي القابل ، وإن كان المصدود معتمرا بعمرة التمتع تحقق صده بمنعه من دخول مكة ، وبمنعه بعد الدخول من الإتيان بالأفعال ، وفي المسالك « في تحققه بالمنع من السعي خاصة بعد الطواف وجهان من إطلاق النص ، وعدم مدخلية الطواف في التحلل وعدم التصريح بذلك في النص والفتوى » وفيه ما لا يخفى بعد وضوح صدق اسم الصد عليه. ثم قال : « الوجهان آتيان في العمرة المفردة مع زيادة إشكال فيما لو منعه بعد التقصير عن طواف النساء ، فيمكن أن لا يتحقق حينئذ الصد بل يبقى على إحرامه بالنسبة إليهن » وفيه منع واضح أيضا بعد عدم توقف تحقق الصد على عدم إمكان الإتيان بالنسك ، بل ظاهر النص والفتوى تحققه وإن كان يمكن فيما بعد ذلك الإتيان بالمصدود عنه مع البقاء على‌

١٢٨

إحرامه ، ومن ذلك يظهر لك النظر فيما في حاشية الكتاب للكركي من دعوى عدم صدق الصد على المعتمر عمرة إفراد بالشروع في بعض أفعالها ، فيبقى على إحرامه الى أن يأتي بالباقي ، نعم لو منع من دخول مكة أو المسجد تحقق الصد ، وفيه منع واضح بعد الإحاطة بما ذكرنا.

ثم إن الأمر بالإحلال في النص والفتوى وإن أفاد الوجوب إلا أن الظاهر إرادة الإباحة منه ، لأنه في مقام توهم الحظر كما صرح به غير واحد ، بل ظاهرهم الاتفاق عليه كما عن بعض الاعتراف به ، فإذا بقي على إحرامه حينئذ للحج حتى فات الحج كان عليه التحلل بعمرة إن تمكن منها كما هو شأن من يفوته الحج ، ولا دم عليه لفوات الحج كما صرح به المصنف في الفرع الثاني والفاضل وغيرهما ، بل في كشف اللثام أنه المشهور للأصل وغيره ، لكن في محكي الخلاف عن بعض الأصحاب أن عليه دما لخبر داود الرقي (١) قال : « كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام بمنى إذ دخل عليه رجل فقال : قدم اليوم قوم قد فاتهم الحج فقال : نسأل الله العافية ، ثم قال : أرى عليهم أن يهريق كل واحد منهم دم شاة ويحلق وعليهم الحج من قابل إن انصرفوا إلى بلادهم ، وإن أقاموا حتى تمضي أيام التشريق بمكة ثم خرجوا الى بعض مواقيت أهل مكة فأحرموا منه واعتمروا فليس عليهم الحج من قابل » بدعوى أن الظاهر كون الدم للتحلل ، لعدم تمكنهم من العمرة ، ولكنه كما ترى لا دلالة فيه على أنه للفوات من حيث كونه كذلك ، وعلى كل حال فهل يجوز له التحلل بعمرة قبل الفوات؟ عن المنتهى والتذكرة إشكال ، وبه قال بعض الجمهور ، لجواز العدول بدون الصد ، فمعه أولى ، وهو متجه حيث يجوز له العدول ، لإطلاق دليله الشامل لحال الصد ، لكن عن الشهيد القطع بعدم جواز التحلل له بعمرة إلا أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٥.

١٢٩

يكون إفرادا ندبا ، لجواز التحلل بلا بدل ، فبه أولى ، وفيه أن غيره مثله وان وجب ، بناء على جواز التحلل منه بلا بدل في عامه ، وكيف كان فالوجه جواز التحلل له بالعمرة في كل مقام يجوز له ذلك بدون صد ، والله العالم.

فروع : الأول إذا حبس بدين فان كان قادرا عليه ولم يدفعه لم يتحلل بالهدي بلا خلاف ولا إشكال ، ضرورة عدم كونه من المصدود الذي شرع فيه ذلك وحينئذ فاستصحاب بقاء الإحرام بحاله حتى يأتي بالمحلل لمثله ، نعم إن عجز عن أدائه تحلل بالهدي لكونه مصدودا عن الحج حينئذ ، لأن الصد هو المنع الصادق على مثله ، ودعوى إرادة خصوص المنع للعداوة منه التي لم تتحقق في الفرض وإن كان ظالما له يدفعها منع كون المراد منه ذلك ، بل هو مطلق المنع كما عساه يشهد له ما سمعته في خبر الفضل بن يونس (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام الذي حكم فيه بالصد بمطلق حبس السلطان له ، بل وما تقدم أيضا من تحقق الصد بالمنع عن طريق مخصوص ولم تكن عنده نفقة لغيره ، أو كان الوقت ضيقا ، بل في المسالك « أن حصر الصد فيما ذكروه في موضع النظر ، فقد عد من الأسباب فناء النفقة وفوات الوقت وضيقه والضلال عن الطريق مع الشرط قطعا ولا معه في وجه ، لرواية حمران (٢) عن الصادق عليه‌السلام حين سأله « عن الذي يقول حلني حيث حبستني فقال : هو حل حيث حبسه الله تعالى قال أو لم يقل » وفي إلحاق أحكام هؤلاء بالمصدود.

أو بالمحصر أو استقلالهم نظر ، من مشابهة كل منهما ، والشك في حصر السبب فيهما ، وعدم التعرض لحكم غيرهما ، ويمكن ترجيح جانب الحصر ، لأنه أشق وبه يتيقن البراءة » وإن كان لا يخفى عليك ما فيه ، بل هو من غرائب الكلام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٤.

١٣٠

ضرورة عدم صدق كل منهما على أمثال هؤلاء ، كضرورة عدم لحوق حكم كل منهما لشي‌ء منهم بعد عدم اندراجهم ، بل يبقون على الإحرام أو الى الإتيان بالنسك ولو العمرة المفردة ، وقد ذكر الأصحاب حكم من فاته الحج غيرهما مكررا ، وأغرب شي‌ء احتماله أخيرا ترجيح جانب الحصر باعتبار كونه أشق وأن به يتيقن البراءة ، فإنه واضح المنع ، فالتحقيق ما ذكرناه ، ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بمراعاة محلل غير المصدود أيضا.

ثم إن الظاهر تحقق الصد بالحبس ظلما على مال وإن قدر على دفعه للإطلاق والحكم على المحبوس عند السلطان بأنه مصدود فيما سمعته من خبر الفضل (١) ولأنه لا يجب عليه بذله وإن كان غير مجحف للأصل وغيره ، والأمر بالإتمام بعد تحقق اسم الصد لا يقتضي البذل مقدمة ، ولذا جزم به الفاضل في القواعد من غير إشارة إلى خلاف ، بل حكاه في المسالك أيضا عن ظاهر جماعة أيضا.

بل لعله مراد المصنف بقوله وكذا لو حبس ظلما بناء على أن المراد التشبيه بالجزء الأخير من حكم المديون وهو قوله « تحلل » فيكون الحاصل حينئذ أن المحبوس ظلما يتحلل مطلقا ، لأنه مصدود سواء قدر على دفع المطلوب منه أم لا ، وسواء كان مجحفا أم لا ، وربما احتمل في عبارة المتن كون المشبه به المشار اليه بذا مجموع حكم المحبوس بدين بتفصيله ، فيكون الحاصل حينئذ أن المحبوس ظلما إن قدر على دفع ما يراد منه لم يتحلل ، وإن عجز تحلل نحو ما سمعته في المديون ، واختاره في المسالك ، وربما يشهد له ما تقدم له في الشرائط فيما لو كان في الطريق عدو لا يندفع إلا بمال ، حيث قال : ولو قيل يجب التحمل مع المكنة كان حسنا ، بل وما تسمعه منه في الفرع الخامس من أنه لو طلب أي العدو ما لا لم يجب بذله ، ولو قيل بوجوبه إذا كان غير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٢.

١٣١

مجحف كان حسنا.

لكن لا يخفى عليك ما في اختلاف عبارة المصنف في المواضع الثلاثة ، مع أنها متقاربة الموضوع ، وبينها اختلاف يسير ، إذ الأول منها فيما لو طلب منه المال في الطريق قبل الشروع في الحج ، والأخريان بعده ، إلا أن هذه مفروضة في كونه قد حبس بالفعل ، والثانية في كونه ممنوعا من المسير الى أن يؤدي لهم ما لا ، فعلى الاحتمال الأخير في عبارة المتن هنا لا اختلاف في الحكم ضرورة اشتراك الثلاثة في وجوب الدفع مع الإمكان إلا أن في الأخيرة التقييد بعدم الإجحاف فيحتاج حينئذ إلى توجيه الفرق بين ذكر القيد وعدمه إن كان أو دعوي تغيير الحكم ، وأما على الاحتمال الأول في العبارة المقتضي لعدم وجوب دفع المال للظالم مطلقا ، فلا ريب في اختلاف الحكم حينئذ ، ومن هنا تكلف للفرق بين هاتين العبارتين هنا بأن الأولى مفروضة في كونه محبوسا على مال ظلما ، لا لخصوص المنع من الحج بل بسبب المال خاصة ، حتى أنه لو أعرض عن الحج رأسا لم يندفع عنه المال ، بخلاف منع العدو في الثانية ، فإنه لخصوصية الحج حتى لو أعرض عن الحج خلى سبيله ، وحينئذ فيجب بذل المال في الثانية لأنه بسبب الحج دون الأولى ، ولكن في اختلاف الأحكام بسبب هذا الفرق منع واضح ، خصوصا بعد عدم ظهوره من الكلام بل والمقام ، هذا.

وربما قيل إنه كان الأولى للمصنف العكس ، فيجب بذل جميع ما يتمكن ويقدر مع التلبس بالإحرام لوجوب الائتمام عليه وجوبا مطلقا ، فيقتضي وجوب مقدمته ، بخلاف ما إذا لم يتلبس بالحج فان الوجوب فيه مشروط بتخلية السرب ، وهو منتف ، وشرط الواجب لا يجب تحصيله ، ولكن فيه ما لا يخفى أيضا ، فإن مقتضاه عدم الوجوب وإن كان غير مجحف ، على أنه قد تقدم سابقا أن الوجوب للمقدمة قد يعارضه قاعدة نفي الحرج ونفي الضرر وغيرهما ، ولذا‌

١٣٢

قيد بعضهم وجوبها بما إذا لم يستلزم ضررا ، وكيف كان فذلك كله خارج عن المقصود الذي هو تحقق الصد بالحبس ظلما من غير فرق بين كونه على الحج أو على المال ، والله العالم.

الفرع الثاني إذا صابر المصدود لما عرفته من كون الأمر بالتحلل له للإباحة ففات الحج لم يجز له التحلل بالهدي لعدم صدق اسم المصدود حينئذ عليه من غير فرق بين كون ذلك منه رجاء لزوال العذر قبل خروج الوقت أم لا وحينئذ تحلل بعمرة مفردة كغيره ممن يفوته الحج ولا دم عليه للفوات ، خلافا لما سمعته من المحكي مرسلا عن خلاف الشيخ ، لخبر داود الرقي (١) الذي لا دلالة فيه على ذلك وعليه القضاء أي تدارك الحج إن كان واجبا عليه مستقرا ولو للتفريط في عدم المبادرة بناء عليه أو مستمرا على الاستطاعة ، وإلا فإن كان ندبا بالأصل فلا وإن كان قد وجب بالشروع ، وكذا ما وجب عليه في عامه ولم يتحقق التقصير وذهبت استطاعته كما تقدم الكلام في ذلك كله آنفا ، ولو استمر المنع عن مكة بعد الفوات تحلل من العمرة بالهدي كالأول كما في المسالك والمدارك بل في الدروس وعلى هذا لو صار الى بلده ولم يتحلل وتعذر العود في عامه لخوف الطريق فهو مصدود ، فله التحلل بالذبح في بلده والتقصير وتبعه عليه في المدارك ، ولكنه لا يخلو من نظر ، ضرورة عدم صدق اسم الصد على مثله عرفا ، والله العالم.

الفرع الثالث إذا غلب على ظنه انكشاف العدو قبل الفوات جاز له التحلل كما في القواعد وغيرها ، بل لا أجد فيه خلافا معتدا به فضلا عمن كان يرجوه ، لصدق اسم المصدود ، بل عن بعض ولو علم ذلك ، ولم يستبعده الأصبهاني لو تم الدليل على الظن ، وكأنه أشار بذلك الى ما سلف منه من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٥.

١٣٣

المناقشة في تحقق الصد قبل فوات الوقت ، والى ما في المدارك من المناقشة بأن ما وصل إلينا من الروايات لا عموم فيه بحيث يتناول هذه الصورة أي صورة غلبة الظن ، ومع انتفاء العموم يشكل الحكم بالجواز ، أو يلوح من كلام الشهيد في الروضة وموضع من الشرح أن التحلل انما يسوغ إذا لم يرج المصدود زوال العذر قبل خروج الوقت ، ولا ريب في أنه أولى ، وفيه ما لا يخفي عليك من كونه كالاجتهاد في مقابلة النص والفتوى ، ويكفي في العموم ما سمعته من النصوص السابقة ، بل والآية بناء على إرادة الأعم من الحصر فيها كما سمعته سابقا ، نعم قد يشك في صورة العلم التي يمكن دعوى ظهور كلمات الأصحاب في خلافها ولو لا ذلك لكان إلحاقها متجها أيضا.

ولكن مع ذلك فلا ريب في أن الأفضل والأولى بل والأحوط البقاء على إحرامه كما في غير المقام من ذوي الأعذار ، أو تخلصا من احتمال توقف تحقق اسم الصد على الفوات في جميع الوقت كما سمعته من بعض الأفاضل وغير ذلك مما يكفي في إثبات مثله ، وحينئذ فإذا لم يتحلل وانكشف العدو ولم يفت الوقت أتم نسكه المأمور بإتمامه ولو اتفق الفوات تحلل بعمرة كما هو حكم من يفوته الحج وسمعته مكررا ، ولو تحلل فانكشف العدو والوقت متسع للإتيان به وجب الإتيان بحج الإسلام مع بقاء الشرائط بناء على ما سمعته سابقا من وجوب المبادرة على من جمع الشرائط ، ولا يشترط في بقاء وجوبه الاستطاعة من بلده حينئذ وإن كان في حج الإسلام ، لعموم النصوص ، لصدق الاستطاعة ، والله العالم.

الفرع الرابع لو أفسد حجه فصد فتحلل جاز ، لعموم الأدلة أو إطلاقها الرافع لاحتمال اختصاص الصد بالحج الصحيح ، وحينئذ كان عليه بدنة الإفساد ودم التحلل للصد والحج من قابل للإفساد وإن كان‌

١٣٤

الحج مندوبا وسقط عنه وجوب الإتمام بالصد بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بل ولا إشكال ، لعموم الأدلة ، فإن كانت الحجة حجة الإسلام وكان استقر وجوبها أو استمر الى قابل وقلنا فيما على المفسد من الحجتين التي أفسدها وما يفعله في قابل إن الأولى حجة الإسلام والثانية عقوبة لم يكف الحج الواحد ، إذ لم يأت بشي‌ء مما عليه من العقوبة وحجة الإسلام وقد وجبا عليه ، لأن المفروض تحلله بالصد ، وما عن الأردبيلي من الشك في شمول دليل القضاء لمثل هذا الفاسد في غير محله بعد إطلاقه أو عمومه كما تعرفه إنشاء الله فيما يأتي ، نعم إن قلنا إن الأولى عقوبة كان المتجه وجوب حجة واحدة كما عن المبسوط والإيضاح وغيرهما ، للأصل بعد كون المعلوم وجوبه عليه عقوبة إتمام ما أفسده والفرض سقوطه عنه بالصد فليس عليه إلا حجة الإسلام بعد أن لم يكن دليل على قضاء حجة العقوبة ، إلا أن ظاهر المصنف كون الأولى حجة الإسلام والثانية عقوبة ، ولذا أطلق وجوبها عليه ، ولعله لأنه حج واجب قد صد عنه ، وكل حج واجب قد صد عنه يجب عليه قضاؤه ، ولما تسمعه فيما يأتي إنشاء الله من الخبر (١) الدال صريحا على ان الأولى حجة الإسلام والثانية عقوبة ، إلا أنه لا يخفى عليك وضوح منع كلية الكبرى في الأول بعد ما عرفت من عدم اقتضاء الصد نفسه من حيث هو كذلك قضاء حج ، بل إن كان وجوبه مستقرا أو مستمرا وجب لدليله ، وإلا فلا وجوب ، وأما الثاني فستعرف الكلام فيه إنشاء الله ، وعلى كل حال فبناء على وجوب الحجتين عليه ينبغي تأخرها حينئذ عن حجة الإسلام لتقدم وجوبها ، بل عن الإيضاح الإجماع عليه.

وكيف كان فـ ( لو تحلل المصدود قبل الفوات وانكشف العدو ) في وقت يتسع لاستيناف القضاء وجب القضاء في عامه إن كان واجبا من أصله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٩.

١٣٥

ضرورة تناول الخطابات له مع فرض بقاء الوقت وهو حينئذ حج يقضى بل عن المبسوط والسرائر والمنتهى أنه ليس في غير هذه الصورة حج فاسد يقضى لسنته ، ولعله لأنه في غير الصد والحصر يجب عليه إتمام الفاسد ، فلا يتصور قضاؤه في تلك السنة ، نعم الظاهر إرادة التدارك من القضاء في هذه السنة ، ضرورة كونها حجة الإسلام ، وهذا العام عامها ، لا أنها قضاء فيه ، ولكن في القواعد في مفروض المسألة « وهو حج يقضى لسنته على إشكال » وفي كشف اللثام « من الإشكال في أن الأولى حجة الإسلام » فتكون مقضية في سنتها ، أو لا فلا ، فإن السنة حينئذ سنة العقوبة ، وهي إما أن لا تقضى أو تقضى من قابل ، فان قيل العام في الأصل عام حجة الإسلام والذي كان أحرم له كان أيضا حجة الإسلام وقد تحلل منها والآن يقضيها قلنا : انقلبت الى عام العقوبة بناء على كون الأولى عقوبة ، وإن قيل ان القضاء ليس في شي‌ء من هذا العام وما بعده بالمعنى المصطلح لامتداد الوقت بامتداد العمر وإن وجبت المبادرة فإنما هو بمعنى الفعل والأداء قلنا : المراد به فعل ما تحلل منه ، نعم لا طائل تحت هذا البحث ».

قلت لا يخفى عليك ضعف الوجه الثاني من الاشكال على هذا التقدير ، ضرورة عدم اقتضاء كون الأولى عقوبة عدم صحة حجة الإسلام فيها ، خصوصا بعد ما عرفت من الإجماع على تأخرها عن حجة الإسلام على القول بوجوبها وكذا ما حكاه في كشف اللثام أيضا « من أن معنى كونه حجا يقضي لسنته أنه ليس عليه حج آخر ، والاشكال مما تقدم من الإشكال في وجوب حجتين وعدمه » ولعله الذي فهمه الشهيد وعميد الإسلام ، إلا أنه كما ترى واضح الفساد ، ويمكن أن يكون مراد الفاضل الإشكال في صدق كونه حجا يقضى لسنته على الفرض وذلك للإشكال في كون الأولى حجة الإسلام والثانية عقوبة وبالعكس ، فعلى‌

١٣٦

الأول يصدق ضرورة أنه قضاء عن الفاسد الذي كان هو حجة الإسلام ، بخلاف الثاني فإنها تكون هي حجة الإسلام لا قضاء عن الفاسد وإن قلنا بكونه موجبا للقضاء ، لما عرفت من الإجماع المحكي على تقديم حجة الإسلام عليه ، فهو حينئذ حج إسلام لا قضاء عنه لسنته وحج العقوبة بعده ، والأمر سهل ، فإنه لا ثمرة لذلك كما سمعت الاعتراف به في كشف اللثام.

هذا كله في حج الإسلام المستقر أو المستمر ، أما إذا كان مندوبا وقد أفسده ثم صد وتحلل ثم انكشف العدو قضى أيضا واجبا لأن الفرض بقاء الوقت واحتمال اختصاص مشروعية القضاء في القابل لظاهر النصوص واضح الضعف بعد ظهور النصوص في غير صورة الصد التي يجب فيها إتمام الفاسد ، ولذا أطلق فيها أن عليه الحج من قابل ، بل الظاهر أنه على هذا التقدير حج يقضى لسنته بل قد يقال لا صورة يتصور فيها القضاء للفاسد في سنته غير هذه الصورة ، ضرورة وجوب الإتمام عليه في غير الفرض.

ولعله لذا ، أطلق المصنف ، ولكن قوله متصلا بما سمعت وعلى ما قلناه فحجة العقوبة باقية يقتضي كون مراده في مفروض المسألة حجة الإسلام وأن مختاره ما عرفت من كون حجة الإسلام الأولى والثانية عقوبة ، وحينئذ يتجه له القضاء بمعنى التدارك عن الفاسد مع فرض سعة الوقت ، وكونه حجا يقضى لسنته ، ويبقى حج العقوبة في ذمته ، ولا يشكل ذلك بعدم سبق ما يدل على أن مختاره كون الأولى هي الفرض والثانية عقوبة ، لإمكان استفادته من إطلاق قوله وعليه الحج من قابل الشامل لصورة انكشاف العدو بعد التحلل مع سعة الوقت ، فإنه لا يتم إلا على ذلك ، ضرورة عدم وجوبه عليه من قابل لو كان غير حج الإسلام وقد تداركه في تلك السنة ، بل لا ينافيه أيضا كون حج العقوبة على التراخي ، فلا يتعين كونه من قابل ، لإمكان‌

١٣٧

عدم إرادته الفورية أو عدمها ، وانما مقصوده عليه حج بسبب الإفساد ، وربما ذكر كونه من قابل تبعا للنصوص الواردة التي يمكن أن يكون محلها الفساد في حج الإسلام أو غير ذلك ، بل قد يندفع بالتأمل في ذلك ما عساه يقال على عبارة المصنف من كونها موهمة للتناقض باعتبار ظهور قوله وعليه الحج من قابل في كون الواجب حجا واحدا مع تصريحه بقوله ولو انكشف الى آخره بوجوب حجتين.

وعلى كل حال فمما ذكرناه يظهر لك النظر فيما في التنقيح حيث قال : « إذا أعتق العبد في الحج الفاسد قبل الوقوف أجزأه مع القضاء عن حج الإسلام ولو كان العتق بعد الوقوف وقلنا الأولى فرضه لم يجزه ويجب حج الإسلام بعد حج القضاء ، وإن قلنا إنها العقوبة أجزأ القضاء عن حجة الإسلام ، لصدق عتقه قبل الوقوف » إذ فيه أولا ما لا يخفى عليك بعد ما عرفت من الإجماع على وجوب تأخير حج القضاء عن حج الإسلام ، نعم عن الشيخ الاجتزاء بحجة القضاء لو قدمها غفلة ، لأن الزمان متعين لها ، والمشهور البطلان ، لعدم دليل على التعين على وجه يقع لها وإن لم تنو ، وهو الأصح ، وثانيا ما في قوله : « وان قلنا إنها العقوبة » الى آخره فان مراده على الظاهر كون عتقه قد حصل قبل وقوف القضاء ، وقد قلنا إن الثانية هي حجة الإسلام ، وهو قد أعتق قبل وقوف حجة الإسلام فيجزيه لعموم‌ قولهم عليهم‌السلام (١) : « إذا أعتق العبد قبل الوقوف أجزأ عن حجة الإسلام » وفيه أن القضاء انما يجزي عن حج الإسلام على القولين في موضع لو سلم من الإفساد لأجزأ عن حج الإسلام ، وفي الفرض لو سلم عن الإفساد لم يجز عن حج الإسلام ، لكون المفروض وقوع العتق بعد الموقفين ، ولأن القضاء قد صار عليه بسبب الإفساد ، فلا يجزي عن حج الإسلام الذي لا يجزي عنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب وجوب الحج.

١٣٨

الفاسد على تقدير عدم فساده ، ضرورة أن الصرورة مثلا لو حج قبل الاستطاعة ندبا ثم أفسد كان عليه الإتمام والقضاء ، فلو استطاع قبل القضاء لم يجز القضاء عن حج الإسلام ، لأن الفاسد لو سلم لم يجز عن حج الإسلام ، ومن هنا صرح الحلبي والفاضل والشهيد فيما حكي عنهم بعدم الاجزاء على القول بكون الأولى عقوبة والثانية حجة الإسلام ، والله العالم.

وعلى كل حال فـ ( لو ) انكشف العدو ولم يكن قد تحلل مضى في إتمام فاسده وقضاه واجبا وإن كان الفاسد ندبا في القابل كما عرفت وتعرف إنشاء الله ، فان فاته تحلل بعمرة وقضى واجبا وإن كان ندبا ، وعليه بدنة الإفساد لادم الفوات ، لما سمعته سابقا ، ولو فاته وكان العدو باقيا يمنعه عن العمرة فله التحلل من دون عدول إلى العمرة ، تنزيلا لإطلاق النص والفتوى على العمرة المقدورة ، وعليه دم التحلل كما كان عليه قبل الفوات للعمومات ، وبدنة الإفساد والقضاء على حسبما عرفت ، ولو صد فأفسد جاز التحلل أيضا لإطلاق الأدلة الذي لا فرق فيه بين الإفساد وعدمه ، ولا بين التقدم والتأخر كما عرفته سابقا ، وحينئذ فعليه البدنة للإفساد والدم للتحلل والقضاء ، وإن بقي محرما حتى فات تحلل بعمرة ، والله العالم.

الفرع الخامس لو لم يندفع العدو إلا بالقتال لم يجب سواء غلب على الظن السلامة أو العطب بلا خلاف أجده فيه ، بل في المسالك الاتفاق عليه ، وفي المدارك هو مقطوع به في كلام الأصحاب ، ولعله للأصل السالم عن معارضة باب المقدمة الساقطة هنا باستلزامها حرجا ومشقة ونحوهما مما تسقط بمثله كما في غير المقام ، ولا فرق في ذلك بين المسلم والكافر ، خلافا للشافعي في قول فأوجب القتال إذا كانوا كفارا ولم يزد عددهم على ضعف المسلمين ، ولا ريب في ضعفه ، وفي محكي المبسوط الأعداء إن كانوا مسلمين‌

١٣٩

فالأولى ترك القتال إلا أن يدعوه الامام عليه‌السلام أو نائبه إلى القتال ، فيجوز لأنهم تعدوا على المسلمين بمنع الطريق ، فأشبهوا سائر قطاع الطريق ، وإن كانوا مشركين لم يجب أيضا قتالهم لأنه انما يجب للدفع عن النفس أو الدعوة للإسلام ، وإذا لم يجب فلا يجوز أيضا سواء كانوا قليلين أو كثيرين ، والمسلمون أكثر أو أقل ، مع أنه قال في المسلمين إن الأولى ترك قتالهم ، وهو مشعر بالجواز ، ومن هنا قال في المسالك الظاهر إرادته التحريم لأنه أولى ، وتعليله بإذن الإمام عليه‌السلام يدل عليه ولكن فيه المنع من اشتراط اذن الامام في ذلك ، ضرورة كونه من الدفاع إذا كان قد أراد السير في الطريق المباح فمنعه ، أو من النهي عن المنكر ، ولذا صرح الفاضل والشهيد بالجواز في الكفار إذا ظن الظفر بهم ، بل عن المنتهى استحباب قتالهم ، لما فيه من الجهاد وحصول النصر وإتمام النسك ودفعهم عن منع السبل ، وأشكله في المسالك بمنع عدم توقف النهي المؤدي إلى القتال أو الجرح على اذن الامام وقد اعترفا به في بابه ، وبأن ذلك لو تم لم يتوقف الجواز على ظن الظفر بل متى جوزه كما هو الشرط فيه ، وأيضا إلحاقه بباب النهي عن المنكر يقضي إلى وجوبه لا إلى جوازه بالمعنى الأخص ، وهم قد اتفقوا على عدم الوجوب مطلقا ، وفيه أن إطلاق الأدلة يقتضي عدم التوقف في نحو الفرض ، خصوصا بعد ما سمعت أنه من الدفاع مع فرض إرادة السير ومنعهم ، بل هم من قطاع الطريق الذين لا إشكال في جواز دفاعهم ، والظاهر إرادة ظن السلامة من ظن الظفر ، وعدم الوجوب للمعارضة بما فيه من الخطر على النفس كما حررناه في نظير ذلك في كتاب الحدود.

وعلى كل حال فلو ظن العطب أو تساوى الاحتمالان ففي المسالك أن ظاهرهم الاتفاق على عدم الجواز ، وهو إن تم كان الحجة ، وإلا أمكن القول بالجواز مع تساوي الاحتمالين ، ولو بدأ العدو بالقتال فان اضطر إلى الدفاع‌

١٤٠