جواهر الكلام - ج ٢٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الى غير ذلك مما ورد في زيارات الأئمة عليهم‌السلام من قرب ومن بعد من الأقوال المخصوصة والآداب كالغسل قبل دخول المشهد ، والكون على طهارة وقد تقدم البحث في انتقاض الغسل بالحدث أو النوم خاصة وعدمه ، بل تستحب إعادته مطلقا أو في النوم خاصة ، والإتيان بخضوع وخشوع في ثياب نظيفة جديدة أو غسيلة ، والوقوف على الباب والدعاء والاستئذان بالمأثور ، بل قيل إن وجد خشوعا ورقة دخل ، وإلا فالأفضل أن يتحرى زمان الرقة لأن الغرض حضور القلب لتلقي الرحمة النازلة من الرب ، وتقديم الرجل اليمنى في الدخول واليسرى في الخروج والمشي الهوينا بسكينة ووقار مسبحا ومهللا ومقدسا ، والوقوف على الضريح ملاصقا له أو غير ملاصق ، ودعوى أن البعد أشد أدبا وهم ، فقد روي (١) الاتكاء على الضريح وتقبيله.

وأما تقبيل الأعتاب ففي الدروس لم نقف له على نص يعتد به ، ولكن عليه الإمامية ، ولو سجد لله تعالى قاصدا الشكر على توفيقه وبلوغه تلك البقعة كان أولى ، وفي‌ خبر حسن بن حسين البغدادي (٢) المروي عن فرحة الغري « أن زين العابدين عليه‌السلام ورد الكوفة ودخل مسجدها وبه أبو حمزة الثمالي وكان من زهاد أهل الكوفة ومشايخها فصلى ركعتين وذكر دعاء إلى أن قال فتبعته إلى الكوفة فوجدت عبدا أسود معه نجيب وناقة فقلت يا أسود من الرجل فقال : أو تخفى عليك شمائله ، هو علي بن الحسين عليهما‌السلام ، قال أبو حمزة فأكببت على قدميه أقبلهما فرفع رأسي بيده ، وقال يا أبا حمزة : انما يكون السجود لله ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب المزار الحديث ٢ والباب ٣٠ منها الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب المزار الحديث ١ عن حسن ابن حسين بن طحال المقدادي.

١٠١

فقلت يا ابن رسول الله ما أقدمك إلينا؟ ما رأيت ، ولو علم الناس ما فيه من الفضل لأتوه حبوا ».

وعلى كل حال فينبغي استقبال وجه المزور واستدبار القبلة حال زيارة ثم يضع عليه خده الأيمن عند الفراغ من الزيارة ، ويدعو متضرعا ، ثم يضع خده الأيسر ، ويدعو سائلا من الله بمنه وبحق صاحب القبر أن يجعله من أهل شفاعته ، ويبالغ في الدعاء والإلحاح ، ثم ينصرف الى ما يلي الرأس ، ثم يستقبل القبلة ويدعو ، والزيارة بالمأثور ، وصلاة الزيارة في الروضة عند النبي وعند الرأس في غيره الى القبر ، ويجوز في غير ذلك ، بل لعل الأولى الصلاة في الخارج مع الازدحام ، والدعاء بعدها بالمأثور أو بما يسنح له من أمور الدنيا والدين ، وتلاوة شي‌ء من القرآن عند الضرائح وإهداؤه إلى المزور ، وإن كان المنتفع بذلك الزائر على ما في الدروس ، وإحضار القلب في جميع أحواله بما يمكن ، والتوبة من الذنب والاستغفار ، والإقلاع وتعجيل الخروج عند قضاء الوطر لتعظيم الحرمة ويشتد الشوق ، وليخرج القهقرى حتى يتوارى ، بل عد في الدروس من آداب الزيارة التصدق على السدنة والحفظة للمشهد ، وإكرامهم وإعظامهم فان فيه إكرام صاحب المشهد ، قال : وينبغي لهؤلاء أن يكونوا من أهل الخير والصلاح والدين والمروة والاحتمال والصبر وكظم الغيظ خالين من الغلظة على الزائرين ، قائمين بحوائج المحتاجين مرشدي الغرباء والواردين ، وليتعهد أحوالهم الناظر فيه ، فان وجد من احد منهم تقصيرا نهاه عنه ، فإن أصر زجره عنه ، فان كان من المحرم جاز ردعه ، بالضرب إن لم يجد التعنيف من باب النهي عن المنكر ، وجعل منها أيضا انه إذا انصرف إلى منزله من الزيارة استحب له العود إليها ما دام مقيما ، فإذا حان الخروج ودع ودعا بالمأثور وسأل الله تعالى العود اليه ، وأن يكون الزائر الزيارة خيرا منه قبلها ، فإنها تحط‌

١٠٢

الأوزار إذا صادفت القبول ، والصدقة على المحاويج بتلك البقعة ، فإن الصدقة مضاعفة هنالك ، وخصوصا على الذرية الطاهرة ولا بأس بذلك وإن كان هو ليس من آداب الزيارة.

وكذا يستحب زيارة منتجبي الصحابة كسلمان بالمدائن ، وعمار بصفين وأبي ذر بالربذة ، وحذيفة ونحوهم والشهداء سيما جعفر بن أبي طالب بموتة ونحوه ، والأنبياء حيث كانوا ، وجميع الصلحاء من المؤمنين ، قال الكاظم عليه‌السلام (١) « من لم يقدر أن يزورنا فليزر صالحي إخوانه يكتب له ثواب زيارتنا ، ومن لم يقدر أن يصلنا فليصل صالحي إخوانه يكتب له ثواب صلتنا ».

وكذا يستحب زيارة عبد العظيم بالري فإنها كزيارة الحسين عليه‌السلام ، وقبر فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهما‌السلام بقم ، فان من زارها له الجنة ، وجميع قبور العلماء والصلحاء والأولياء وكافة إخوانه أحياء وأمواتا ، ولكل ذلك آداب ووظائف قد تكفلت بها الكتب المعدة لذلك ، والرجاء بالله تعالى شأنه أن يوفقنا بعد إتمام هذا الكتاب إلى تأليف كتاب يجمع جميع ما ورد عنهم عليهم‌السلام في ذلك ، والله الموفق والمؤيد والمسدود.

خاتمة لا خلاف ولا إشكال في أنه تستحب المجاورة بها أي المدينة ، بل في الدروس الإجماع عليه ، للتأسي ولما ورد (٢) في مدحها ودعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها ، ولما تستتبعه من العبادات فيها ، بل‌ قال الصادق عليه‌السلام في خبر الزيات (٣) : « من مات فيها بعثه الله تعالى في الآمنين يوم القيامة » وقال ابن الجهم (٤) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام أيهما أفضل : المقام بمكة أو بالمدينة؟ فقال : أي شي‌ء تقول أنت؟ قال : فقلت وما قولي مع قولك ، قال : إن قولك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩٧ ـ من أبواب المزار الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المزار الحديث ٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المزار الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المزار الحديث ١.

١٠٣

يرد إلى قولي ، فقلت له أما أنا فأزعم أن المقام بالمدينة أفضل من الإقامة بمكة ، فقال : أما لئن قلت ذلك لقد قال أبو عبد الله عليه‌السلام ذلك يوم فطر ، وجاء الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسلم عليه ثم قال : لقد فضلنا الناس بسلامنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » وقال مرازم (١) : « دخلت أنا وعمار وجماعة على أبي عبد الله عليه‌السلام بالمدينة فقال : ما مقامكم؟ فقال عمار : قد سرحنا ظهرنا وأمرنا أن نؤتى به الى خمسة عشر يوما ، فقال : أصبتم المقام في بلد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصلاة في مسجده واعملوا لآخرتكم وأكثروا لأنفسكم ، ان الرجل قد يكون كيسا ، فيقال ما أكيس فلانا ، وإنما الكيس كيس الآخرة » وفي النبوي (٢) « لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتي إلا كنت له شفيعا يوم القيامة أو شهيدا » وإن نفرا كانوا يريدون الخروج منها الى أحد الأمصار فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) « المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون » وان احتمل الاختصاص بهم ، وعلى كل حال فلا معارض هنا لما عرفت كما في مكة وان حكي عن بعض العامة تعدية العلل إلا أنه في غير محله ، خصوصا بعد‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المرسل « من غاب عن المدينة ثلاثة أيام جاءها وقلبه مشرب جفوة ».

ويستحب الغسل عند دخولها لما سمعته من‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر عمار (٤) : « إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حين تدخلها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المزار الحديث ٢.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب المزار الحديث ١٦.

(٣) صحيح مسلم ج ٤ ص ١٢٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب المزار الحديث ١.

١٠٤

ثم تأتي قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتسلم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ، نعم ظاهره الاكتفاء بهذا الغسل لها ولدخول المسجد وللزيارة ولو أراد تكراره جاز ، بل لعله أفضل وأولى ، وقد مر في كتاب الطهارة تفصيل ذلك ، فلاحظ.

وتستحب الصلاة في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنها تعدل ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام ، وخصوصا بين القبر والمنبر ، وهو الروضة التي هي بقعة من بقاع الجنة وإن كنا لم نقف في الصلاة فيها على نص بالخصوص ، وقال الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (١) « حدها إلى طرف الظلال ، وحد المسجد إلى الأسطوانتين عن يمين المنبر الى الطريق مما يلي سوق الليل » وقال ابن مسلم (٢) في الصحيح « سألته عليه‌السلام عن حد مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : الأسطوانة التي عند رأس القبر إلى الأسطوانتين من وراء المنبر عن يمين القبلة ، وكان وراء المنبر طريق تمر فيه الشاة ، ويمر الرجل منحرفا ، وكان ساحة المسجد من البلاط إلى الصحن » وكيف كان فظاهر المصنف وغيره التأكد هنا ، ولكن‌ قال جميل ابن دراج (٣) لأبي عبد الله عليه‌السلام : « الصلاة في بيت فاطمة عليها‌السلام مثل الصلاة في الروضة قال : وأفضل » وقال يونس بن يعقوب (٤) « قلت له عليه‌السلام أيضا : « الصلاة في بيت فاطمة أفضل أو في الروضة قال : في بيت فاطمة عليها‌السلام » وقال الصادق عليه‌السلام (٥) : « وبيت علي وفاطمة عليهما‌السلام ما بين البيت الذي فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب أحكام المساجد الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب أحكام المساجد الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب أحكام المساجد الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب أحكام المساجد الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب أحكام المساجد الحديث ١ من كتاب الصلاة.

١٠٥

الى الباب الذي يحاذي الزقاق الى البقيع ، وقال : لو دخلت من ذلك الباب والحائط مكانه أصاب منكبك الأيسر ، ثم سمى سائر البيوت » والله العالم.

ويستحب أيضا أن يصوم الإنسان بالمدينة ثلاثة أيام للحاجة وغيرها وإن كان مسافرا وقلنا بعدم جواز صوم الندب في السفر ، إلا أن ذلك مستثنى نصا (١) وفتوى كما عرفته في كتاب الصوم ، وينبغي أن تكون الأربعاء والخميس والجمعة ، قال الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (٢) : « إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت أول يوم الأربعاء وتصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة ، وهي أسطوانة التوبة التي كان ربط نفسه إليها حتى نزل عذره من السماء ، وتقعد عندها يوم الأربعاء ، ثم تأتي ليلة الخميس التي تليها مما يلي مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الخميس ثم تأتي الأسطوانة التي تلي مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومصلاه ليلة الجمعة ، فتصلي عندها ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الجمعة ، فإن استطعت أن لا تتكلم بشي‌ء في هذه الأيام فافعل إلا ما لا بد لك منه ، ولا تخرج من المسجد إلا لحاجة ، ولا تنام في ليل ولانهار فافعل ، فان ذلك مما يعد فيه الفضل ، ثم احمد الله في يوم الجمعة وأثن عليه وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسل حاجتك ، وليكن فيما تقول : اللهم ما كانت لي إليك من حاجة شرعت أنا في طلبها والتماسها أو لم أشرع سألتكها أو لم أسألكها فإني أتوجه إليك بنبيك محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبي الرحمة في قضاء حوائجي صغيرها وكبيرها ، فإنك حري أن تقضى حاجتك إنشاء الله » وقال عليه‌السلام أيضا في صحيحه (٣) الآخر : « صم الأربعاء والخميس والجمعة وصل ليلة الأربعاء ويوم الأربعاء عند الأسطوانة التي تلي رأس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليلة الخميس ويوم الخميس عند أسطوانة أبي لبابة ، وليلة الجمعة ويوم الجمعة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب المزار.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب المزار الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب المزار الحديث ٤.

١٠٦

عند الأسطوانة التي تلي مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وادع بهذا الدعاء لحاجتك ، وهو اللهم إني أسألك بعزتك وقوتك وقدرتك وجميع ما أحاط به علمك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا » وقال عليه‌السلام أيضا في خبر مرازم (١) : « الصيام بالمدينة والقيام عند الأساطين ليس بمفروض ، ولكن من شاء فليصم فإنه خير له ، انما المفروض صلوات الخمس وصيام شهر رمضان فأكثروا الصلاة في هذا المسجد ما استطعتم ، فإنه خير لكم ، واعلموا أن الرجل قد يكون كيسا في أمر الدنيا ، فيقال ما أكيس فلانا ، فكيف من كاس في أمر آخرته » وقال عليه‌السلام أيضا في صحيح الحلبي (٢) : « إذا دخلت المسجد فان استطعت أن تقيم ثلاثة أيام : الأربعاء والخميس والجمعة فتصلي بين القبر والمنبر يوم الأربعاء عند الأسطوانة التي عند القبر ، فتدعو الله عندها وتسأله كل حاجة تريدها من آخرة أو دنيا ، واليوم الثاني عند أسطوانة التوبة ، ويوم الجمعة عند مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مقابل الأسطوانة الكثيرة الخلوق ، فتدعو الله عندهن بكل حاجة ، وتصوم تلك الثلاثة الأيام » إلى غير ذلك من النصوص.

ومنها يستفاد ما ذكره المصنف بقوله وأن يصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة بشر بن عبد المنذر الأنصاري شهد بدرا ، وتسمى بأسطوانة التوبة أيضا وفي ليلة الخميس عند الأسطوانة التي تلي مقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيره من الأمور أيضا حتى ما أو مات اليه من الاعتكاف الذي صرح به غير واحد.

وكذا يستحب أن يأتي المساجد بالمدينة كمسجد الأحزاب ومسجد الفتح ومسجد الفضيخ وقبور الشهداء بأحد خصوصا قبر حمزة عليهم‌السلام ومشربة أم إبراهيم أي غرفتها التي كانت فيها ، وهي مارية القبطية ، ويقال إنها ولدت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب المزار الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب المزار الحديث ٣.

١٠٧

إبراهيم فيها ، قال الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (١) : « لا تدع إتيان المشاهد كلها : مسجد قبا فإنه المسجد الذي ( أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ) ، ومشربة أم إبراهيم ، ومسجد الفضيخ وقبور الشهداء ، ومسجد الأحزاب وهو مسجد الفتح ، قال : وبلغنا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا أتي قبور الشهداء قال : سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ، وليكن فيما تقول عند مسجد الفتح ، يا صريخ المكرومين ، ويا مجيب دعوة المضطرين اكشف همي وكربي وغمي كما كشفت عن نبيك همه وغمه وكربه وكفيته هول عوده في هذا المكان » وقال عليه‌السلام أيضا في خبر الحلبي (٢) : « هل أتيتم مسجد قبا أو مسجد الفضيخ أو مشربة أم إبراهيم فقلت : نعم ، فقال : إنه لم يبق من آثار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شي‌ء إلا وقد غير غير هذا » وقال عليه‌السلام أيضا في مرسل حريز (٣) المروي عن مزار ابن قولويه : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أتي مسجد قبا فصلى فيه ركعتين رجع بعمرة » وعن القاضي أنه يصلى فيه عند الأسطوانة التي تلي المحراب ، وقال الصادق عليه‌السلام أيضا في خبر الفضيل بن يسار (٤) : « زيارة قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزيارة قبور الشهداء وزيارة قبر الحسين عليهم‌السلام تعدل حجة مبرورة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »

بل ينبغي ملاحظة الترتيب الذي رواه‌ عقبة بن خالد (٥) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام أنا نأتي المساجد التي حول المدينة فبأيها أبدأ قال : ابدأ بقبا فصل فيه وأكثر فيه ، فإنه أول مسجد صلى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه العرصة ، ثم ائت مشربة أم إبراهيم فصل فيها فإنها مسكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومصلاه ، ثم تأتي مسجد الفضيخ فتصلي فيه فقد صلى فيه نبيك ، فإذا قضيت هذا الجانب أتيت جانب أحد فبدأت بالمسجد الذي دون الحيرة ، فصليت فيه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب المزار الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب المزار الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب المزار الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب المزار الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب المزار الحديث ٢.

١٠٨

ثم مررت بقبر حمزة بن عبد المطلب فسلمت عليه ، ثم مررت بقبور الشهداء فقمت عندهم ، فقلت : السلام عليكم يا أهل الديار ، أنتم لنا فرط وإنا بكم لاحقون ثم تأتي المسجد الذي في المكان الواسع إلى جنب الجبل عن يمينك حين تأتي أحد ، فتصلي فيه ، فعنده خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أحد حين لقي المشركين ولم يبرحوا حتى حضرت الصلاة فصلى فيه ، ثم مر أيضا حين ترجع فصل عند قبور الشهداء ما كتب الله لك ، ثم امض على وجهك حتى تأتي مسجد الأحزاب فتصلي فيه وتدعو الله تعالى ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا فيه يوم الأحزاب ، وقال يا صريخ المكروبين ويا مجيب دعوة المضطرين ويا مغيث الملهوفين اكشف همي وكربي وغمي فقد ترى حالي وحال أصحابي ».

ثم لا يخفى عليك ظهور الخبر في كراهة الترك ، وفي أن مسجد الأحزاب هو مسجد الفتح كما عن العلامة القطع به في جملة من كتبه والشهيد في الدروس فالعطف في عبارة المصنف والقواعد حينئذ على الأحزاب دون المسجد ، وانما سمي بذلك لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا فيه يوم الأحزاب فاستجاب الله تعالى بالفتح علي يد أمير المؤمنين وسيد الوصيين عليه‌السلام بقتله عمرو بن عبدود ، وانهزم الأحزاب ، وسمي الفضيخ بالمعجمات لأنهم كانوا يفضخون فيه التمر قبل الإسلام أي يدخرونه ، وفي‌ خبر ليث (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مسجد الفضيخ لم سمي مسجد الفضيخ قال : نخل يسمى بالفضيخ » أو لما يقال من أنه كان إذ حاصر بني النضير ضربت قبته قريبا منه وكان يصلي هناك ست ليال ، وحرمت الخمر هناك ، وجماعة من الأنصار كانوا يشربون فضيخا فحلوا وكاء السقاء فهرقوة فيه ، أو للجميع.

__________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ١٨ ـ الرقم ٤٠ والكافي ج ٤ ص ٥٦١ المطبوعين حديثا.

١٠٩

وعلى كل حال فالظاهر أن هذا المسجد هو الذي ردت فيه الشمس لأمير المؤمنين عليه‌السلام حتى صلى العصر حين فاته الوقت بسبب نوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجره فلما فرغ من الصلاة انقضت انقضاض الكوكب كما صرح به في الدروس ، بل رواه الكليني (١) عن عمار عن الصادق عليه‌السلام.

وينبغي أن يأتي أيضا مقام جبرائيل عليه‌السلام ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر معاوية بن عمار (٢) : « ائت مقام جبرائيل وهو تحت الميزاب ، فإنه كان مقامه إذا استأذن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقل : أي جواد أي كريم أي قريب أي بعيد أسألك أن تصلي على محمد وأهل بيته وأن ترد علي نعمتك قال : وذلك مقام لا تدعو فيه حائض بدعاء الدم إلا رأت الطهر ».

وكذا يستحب له زيارة إبراهيم بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعبد الله بن جعفر وفاطمة بنت أسد وجميع من بالبقيع من الصحابة والتابعين ، والله العالم.

ويكره النوم في جميع المساجد كما عرفته في أحكامها وتتأكد الكراهة في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحسن زرارة (٣) المحمول على ذلك ، قال : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما تقول في النوم في المساجد قال : لا بأس به إلا في المسجدين مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسجد الحرام ، قال : كان يأخذ بيدي في بعض الليل ويتنحى ناحية ثم يجلس ونتحدث في المسجد الحرام فربما نام ، فقلت له : الكراهة في ذلك فقال : انما يكره أن ينام في المسجد الذي كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأما الذي في هذا الموضع فليس به بأس » ‌

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٥٦٢ الطبع الحديث.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المزار الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب أحكام المساجد الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

١١٠

وربما استفيد مما في ذيله عدم الكراهة أصلا في غيرهما ، بل في المدارك لا يبعد عدم تأكدها فيهما أيضا لصحيحة معاوية بن وهب (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن النوم في المسجد الحرام ومسجد الرسول قال : نعم أين ينام الناس » ولعل المراد به حال الضرورة ، وإلا فالنوم في مسجده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشد كراهة من المسجد الحرام كما يومي اليه اقتصار المصنف عليه ، لخبر علي بن جعفر (٢) المروي عن قرب الاسناد ، سأل أخاه عليه‌السلام « عن النوم في المسجد الحرام قال : لا بأس ، وسأله عن النوم في مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا يصلح » وفي النبوي (٣) « لا ينام في المسجد أحد ولا يجنب فيه » نعم يستثنى ذلك والجنابة لهم خاصة‌ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ان الله أوحى اليه أن أتخذ مسجدي مسجدا طهورا لا يحل لأحد أن يجنب فيه إلا أنا وعلي والحسن والحسين عليهم‌السلام » وقد روى (٤) ذلك أو ما يقرب منه جم غفير من العامة والخاصة ، والله العالم.

( الركن الثالث في اللواحق )

( وفيه مقاصد )

( الأول في الإحصار والصد )

( الصد بالعدو والإحصار بالمرض لا غير ) كما هو المعروف بين الفقهاء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب أحكام المساجد الحديث ١ ـ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب أحكام المساجد الحديث ٦ ـ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب أحكام المساجد الحديث ٣ ـ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الجنابة والمستدرك ـ الباب ٧ منها.

١١١

بل في المسالك اختصاص الحصر بالمرض هو الذي استقر عليه رأي أصحابنا ووردت به نصوصهم ، بل ظاهر المنتهى الاتفاق على إرادة ذلك من اللفظين المزبورين بل عن صريح التنقيح وكنز العرفان ذلك ، وقال الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية بن عمار (١) : « المحصور غير المصدود ، فان المحصور هو المريض ، والمصدود هو الذي رده المشركون كما ردوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ليس من مرض ، والمصدود تحل له النساء ، والمحصور لا تحل له النساء » بل في المسالك هو أي الحصر بمعنى المرض مطابق للغة ، قال في الصحاح : « حصر الرجل على ما لم يسم فاعله » قال ابن السكيت أحصره المرض إذا منعه من السفر أو من حاجة يريدها ، قال الله تعالى (٢) ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) الآية ، وربما حكي عن تغلب أيضا ، بل عن الفراء هذا كلام العرب وإن كان المحكي عن غيرهم من أهل اللغة خلاف ذلك كما تسمع ، بل وكون المراد من الآية الأعم أيضا.

وعلى كل حال فالمراد منهما هنا في النص والفتوى ذلك وإن كان الحصر لغة مطلق الضيق والحبس عن السفر وغيره ، والصد المنع كما في القاموس والصحاح ومقتضاه الترادف ، بل في المدارك هو قول أكثر الجمهور ، بل فيها أيضا أنه نقل النيسابوري وغيره اتفاق المفسرين على نزول قوله تعالى ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) الى آخره في حصر الحديبية ولذلك احتج بها الأصحاب على مسائل من أحكام الصد وفي المسالك عند العامة الحصر والصد واحد من جهة العدو ، ونحوه عن المنتهى إلا أن ذلك كله كما ترى بعد الإحاطة بما ذكرناه ، بل في كشف اللثام « المصدود الممنوع بالعدو نصا واتفاقا ، وكل من يمنع الناسك من إتمام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ١.

(٢) سورة البقرة الآية ١٩٢.

١١٢

نسكه فهو عدو له من هذه الجهة ، وإن كان منعه لإفراط في المحبة » وإن كان ما ذكره أخيرا لا يخلو من نظر ، وستسمع إنشاء الله تمام الكلام في الإحصار.

وكيف كان فالحصر والصد يشتركان في ثبوت أصل التحلل عند المنع من إكمال النسك في الجملة ، ويفترقان في أمور تعرفهما في تضاعيف الباب إنشاء الله وإن قيل هنا إن جملتها ستة ، عموم تحلل المصدود بمحلله لكل ما حرم عليه بالإحرام حتى النساء ، بخلاف المحصر الذي يحل له ما عدا النساء المتوقف حلهن له علي طوافهن ، والإجماع على اشتراط الهدي في المحصور بخلاف المصدود ، فان فيه خلافا ، وتعيين مكان ذبح هدي المحصور بمكة في إحرام العمرة وبمنى في إحرام الحج ، بخلاف المصدود الذي يذبح حيث وجد المانع ، وافتقار المحصور إلى الحلق أو التقصير مع الهدي بخلاف المصدود ، فان فيه قولين ، وتعيين تحلل المصدود بمحلله في مكانه بخلاف المحصور الذي هو بالمواعدة التي قد تتخلف ، وكون فائدة الشرط في عقد الإحرام للمحصور تعين تعجيل التحلل بخلاف المصدود الذي فيه ما تقدم من الخلاف في أنه هل يفيد سقوط الهدي أو كون التحلل عزيمة لا رخصة أو مجرد التعبد ، لكن من المعلوم أن اختلاف هذه الأحكام مع وقوع كل واحد من السببين منفردا عن الآخر ، أما إذا اجتمعا على المكلف بأن مرض وصده العدو ففي المسالك « في ترجيح أيهما أو التخيير بينهما فيأخذ حكم ما اختاره أو الأخذ بالأخف فالأخف من أحكامهما أوجه أجودها الأخير ، لصدق اسم كل واحد عند الأخذ بحكمه ، ولا فرق في ذلك بين عروضهما دفعة أو متعاقبين إذا كان قبل الشروع في حكم السابق ، فلو عرض الصد بعد بعث المحصر أو الإحصار بعد ذبح المصدود ولما يقصر احتمل ترجيح السابق ، وهو خيرة الدروس ، وبقاء التخيير لصدق الاسم قبل التحلل » قلت : لا يخلو القول بترجيح السابق مطلقا أو على الوجه الذي‌

١١٣

ذكره الشهيد من وجه ، وفي الدروس « لو اجتمع الإحصار والصد فالأشبه تغليب الصد لزيادة التحلل به ، ويمكن التخيير ، وتظهر الفائدة في الخصوصيات والأشبه جواز الأخذ بالأخف من أحكامهما ، ولا فرق بين عروضهما معا أو متعاقبين ، نعم لو عرض الصد بعد بعث المحصر أو الإحصار بعد ذبح المصدود ولما يقصر فترجيح جانب السابق قوي » قلت هو كذلك.

وكيف كان فالمصدود إذا تلبس بإحرام حج أو عمرة وجب عليه الإكمال إجماعا بقسميه ، مضافا إلى الكتاب والسنة ، نعم هو كذلك مع الاختيار أما إذا تلبس بإحرام الحج ثم صد تحلل بمحلله من كل ما أحرم منه إذا لم يكن له طريق غير موضع الصد ، أو كان له طريق وقصرت نفقته بلا خلاف معتد به أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى ما سمعته من قول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن عمار (١) السابق ، وفي رواية أخرى (٢) له أيضا « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين صده المشركون يوم الحديبية نحر وأحل ورجع إلى المدينة » كرواية حمران (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين صد بالحديبية قصر وأحل ونحر ثم انصرف منها » وخبر زرارة (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « المصدود يذبح حيث شاء ويرجع صاحبه فيأتي النساء » ونحوها غيرها في الدلالة على ذلك ، وما عن ظاهر الوسيلة وغيرها من اعتبار الاشتراط في التحلل معلوم الفساد نصا وفتوى ، نعم لا خلاف ولا إشكال في أنه يستمر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٥ وفيه‌ « المصدود يذبح حيث صد .... إلخ ».

١١٤

على إحرامه إذا كان له مسلك غيره ولو كان أطول مع تيسر النفقة بل ليس هو من المصدود ومن هنا لو خشي الفوات حينئذ لم يتحلل وصبر حتى يتحقق الفوات ثم يتحلل بعمرة نحو غيره ممن يفوته الحج بدون الصد ، نعم لو قصرت نفقته بسلوكه جاز له التحلل لأنه مصدود ، ولا طريق له سوى موضع المنع لعجزه عن غيره ، فيتحلل ويرجع إلى بلده إن شاء ، بخلاف من لم تقصر نفقته ولكن فاته الحج من جهة طول الطريق فإنه من أفراد من فاته الحج فيتحلل بالعمرة ، وبذلك ظهر لك أنه لا يجوز له التحلل بخوف الفوات ضرورة ظهور الأدلة في انحصاره بالصد وبالفوات فعلا ، نعم في قواعد الفاضل الإشكال في التحلل بعلم الفوات ، ولعله من الضرر بالاستمرار كما في الصد ، وأنه أولى بالتسويغ منه ، فإنه يسوغ به وإن احتمل الإدراك كما ستعرف إنشاء الله بل قيل انه خيرة السيد والشيخ وابن إدريس ، ومن الأمر بالإتمام والأصل إلا فيما عرفت ، مع أنه إذا فات الحج انقلب عمرة وأتمها فلا إحلال قبل إتمام النسك ، ولا دليل هنا على الانقلاب ولا العدول ، ولا ريب في أن الأخير أقوى لما عرفت ، ولا ضرر في استمراره إلى تحقق الفوات ، ولعل من العلم بالفوات نفاد النفقة ، لكن عن الشهيد أنهم نصوا على التحلل عنده ، ومع التسليم قيل يمكن الفرق بالضرر والخروج عن التكليف بالإتمام ، ولكنه كما ترى.

وكيف كان فيتحلل في الفرض بالعمرة عند الفوات ثم يقضي أي يأتي بالفعل في القابل واجبا إن كان الحج واجبا عليه وجوبا مستقرا أو كان مستطيعا في السنة القابلة وإلا أتي به ندبا وألحق في المسالك بالأول من قصر في السفر بحيث لولاه لما فاته الحج ، كأن ترك السفر مع القافلة الأولى ولم تصد ، وفي المدارك هو انما يتم إذا أوجبنا الخروج مع الأولى أما إذا جوزنا التأخير إلى سفر الثانية مطلقا أو على بعض الوجوه سقط وجوب‌

١١٥

القضاء ، لعدم ثبوت الاستقرار وانتفاء التقصير » قلت : قد عرفت التحقيق في المسألة في محلها ، فلا حظ.

وكيف كان فـ ( لا يتحلل ) المصدود إلا بعد ذبح الهدي أو نحره كما صرح به غير واحد ، بل نسبه بعض إلى الأكثر ، وآخر الى المشهور ، بل في المنتهى « قد أجمع عليه أكثر العلماء إلا مالكا » لاستصحاب حكم الإحرام الى أن يعلم حصول التحلل ، ولما سمعته من النصوص السابقة المعتضدة‌ بالمرسل (١) عن الصادق عليه‌السلام « المحصور والمضطر يذبحان بدنتيهما في المكان الذي يضطران فيه » بل وبقوله تعالى (٢) ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) بناء على أن المراد من الإحصار فيها ما يشمل الصد ، بل عن الشافعي لا خلاف بين أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في حصر الحديبية ، بل في المدارك عن النيشابوري وغيره اتفاق المفسرين على نزولها في حصر الحديبية ، وقد سمعت أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحر وأحل ، والمناقشة بأعمية فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الوجوب واضحة الضعف ، خصوصا بعد ظهوره في امتثال ما نزل إليهم من الله تعالى ، فما عن ابن إدريس وظاهر المحكي عن علي بن بابويه من سقوط الهدي وربما مال اليه بعض متأخري المتأخرين للأصل الممنوع أو المقطوع بما عرفت ، وما عساه يظهر من المحكي عن‌ الفقه (٣) المنسوب الى الرضا عليه‌السلام الذي لم تثبت حجيته عندنا ، قال : « وإن صد رجل عن الحج وقد أحرم فعليه الحج من قابل ، ولا بأس بمواقعة النساء ، لأن هذا مصدود وليس كالمحصور » على أنه مطلق يقيد بما سمعت.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٢.

(٢) سورة البقرة الآية ١٩٢.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٣.

١١٦

ثم إن صريح بعض ما سمعته من النصوص والفتاوى وظاهر غيره ذبح المصدود أو نحره في محل صده وإن كان خارج الحرم ، ولا يجب عليه البعث ، خلافا للمحكي عن أبي الصلاح من إنفاذه كالمحصور ، ويبقى على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله ويذبح يوم النحر ، وعن الإسكافي من التفصيل في البدنة بين إمكان إرسالها فيجب ، وعدمه فينحرها في مكانه ، وفي كشف اللثام عن الأحمدي نحو ما عن أبي الصلاح فيمن ساق هديا وأمكنه البعث ، ولم يعين يوم النحر ، بل ما يقع فيه الوعد ، ونحوه الغنية ، لكن نص فيها على العموم للسائق وغيره ، وللحاج والمعتمر ، والجامع لكن نص فيه على العموم للحاج والمعتمر ، ولم نجد لهم دليلا على ذلك ، بل ظاهر ما سمعته من النصوص وصريح بعضها خلافه ، نعم قد يستدل لبعضهم بعموم قوله تعالى (١) ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) وظهور اختصاصه بالمحصور الذي هو المريض كما مر ويأتي غير مناف بعد ما عرفت من كون المراد به في خصوص الآية الأعم منه ومن المصدود ، ويدفع بأن الآية وإن كانت ظاهرة في ذلك على التقدير المزبور ولكن النصوص (٢) صرحت باختصاص الحكم المزبور فيها بالمحصور الذي هو المريض دون أصل الهدي الواجب عليهما ، ولا بأس بذلك بعد أن كانوا عليهم‌السلام هم المرجع في المراد من القرآن ، فالمتجه عدم الوجوب.

نعم لا يبعد القول بالتخيير بين البعث والذبح عنده كما عن الخلاف والمنتهى والتحرير والتذكرة ، بل في الأول أن البعث أفضل ، وفي الثاني أولى ، هذا ، وفي كشف اللثام « لا بد من الاستنابة فيما صد عنه من الطواف أو السعي أو كليهما إن أمكن لعموم ما دل عليهما مع التعذر ، فإذا فعل النائب ذلك ذبح‌

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٩٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ و ٢ ـ من أبواب الإحصار والصد.

١١٧

الهدي » ولم يحضرني غيره ممن تعرض لذلك على الإطلاق ، بل ظاهرهم خلافة فان كان إجماع عينه بالخصوص فذاك ، وإلا فمقتضى إطلاق النص والفتوى في المصدود خلافه ، وتسمع إنشاء الله تفصيل الحال في ذلك.

وأما زمان النحر فمن حين الصد الى ضيق الوقت عن الحج إن صد عنه ولا يجب عليه التأخير إلى الضيق وإن ظن انكشاف الصد قبله كما صرح به غير واحد ، لأصالة عدم التوقيت ، ولظهور النصوص أو صراحتها في عدمه ، ولذا قال الشهيد : ويجوز التحلل في الحل والحرم بل في بلده ، إذ لا زمان ولا مكان مخصوصين فيه ، خلافا للمحكي عن الخلاف والمبسوط والكافي والغنية فوقتوه بيوم النحر ، بل عن الشيخ وابن زهرة تفسير الآية به ، وبه مضمر سماعة (١) ولا ريب في أنه أحوط ، ولكن الأصح عدمه.

وكيف كان فيجب نية التحلل عند ذبح الهدي كما صرح به الشيخ وابن حمزة والحلي ويحيى بن سعيد والفاضل وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، قيل لأن الأعمال بالنيات ، ولأنه عن إحرام فيفتقر إلى نية كمن يدخل فيه ، ولأن الذبح يقع على وجوه ، فلا يتخصص إلا بالنية ، واعتبارها فيه دون غيره ممن يتحلل بإتمام الرمي من دون نية باعتبار تمحض الرمي للنسك الذي يحل من عليه بإكماله من غير احتياج إلى نية ، بخلاف الذبح الذي يقع على وجوه ، وإن كان قد يناقش بأن الأول لا يدل على اعتبار نية التحلل ، وإلا لاقتضى في غيره ، والثاني مجرد مصادرة ، مع وضوح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٢ وهو مضمر زرعة على ما رواه عن التهذيب ج ٥ ص ٤٢٣ الرقم ١٤٧٠ ومضمر سماعة على ما رواه عن مقنع الصدوق قدس‌سره إلا ان الموجود فيه سأل سماعة أبا عبد الله عليه‌السلام وليس بمضمر.

١١٨

الفرق بين الابتداء والانتهاء ، وبأنه كما يتحلل غير المصدود بإتمام المناسك فكذا المصدود بإتمام ما عليه ، وكما أن الذبح يقع لغوا لا يفيد تحللا ويقع نسكا فكذا الرمي ، ودعوى الاكتفاء بنية ما عليه من الرمي في الحج كسائر المناسك بخلاف هدي التحلل الذي لا يتعين إلا بنية التحلل ، وإن لم ينوه كان كاللغو من الرمي والذبح لا شاهد لها ، بل هي عند التأمل مصادرة محضة ، ضرورة الاكتفاء بقصد القربة بعد أن لم يكن الأمر مشتركا بينه وبين غيره بذبح الهدي في الفرض ، بل الأمر به انما هو للتحلل خاصة ، ونية التعيين انما يحتاج إليها مع التعدد كما عرفته غير مرة ، وكون الأصل الذبح بمكة أو منى لا يقتضي الاحتياج إلى نية التعيين كما هو واضح ، لكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط في مراعاتها ، سيما بعد تغير حكم المصدود ولم يبق على نسكه الذي يحل بمجرد إكماله ، مضافا الى استصحاب بقائه على الإحرام ، وإن كان يكفي في قطعة إطلاق الدليل.

ثم إن ظاهر المتن وغيره بل قيل الأكثر عدم اعتبار غير الذبح أو النحر على الوجه المزبور للأصل وإطلاق الأدلة السابقة الظاهرة في حصول التحلل بذلك من دون توقف على شي‌ء آخر ، خلافا للفاضل في القواعد ، فاعتبر مع ذلك التقصير ، وللمراسم والكافي والغنية فخيروا بينه وبين الحلق في أحد النقلين عن الأخيرين ، وفي آخر تعين الحلق واختار الشهيدان التخيير بينهما ، ولكن لا دليل معتبر على التعيين لأحدهما ولا على التخيير عدا رواية عامية (١) بحلقه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحديبية ، مع أن ما سمعته سابقا من الرواية (٢) بتقصيره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترده ، ولكن في سندها كالمرسلة ضعف ، ولا دليل على تعيين التقصير غيرها‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٥ ص ٢١٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ١.

١١٩

بل ربما كان في‌ خبر الفضل بن يونس ـ (١) سأل أبا الحسن عليه‌السلام « عن رجل حبسه سلطان يوم عرفة بمكة فلما كان يوم النحر خلى سبيله قال : يلحق بجمع ثم ينصرف إلى منى ويرمي ويذبح ولا شي‌ء عليه ، قال ، فان خلى عنه يوم الثاني قال : هذا مصدود عن الحج إن كان دخل مكة متمتعا بالعمرة إلى الحج فليطف بالبيت أسبوعا وليسع أسبوعا ويحلق رأسه ويذبح شاة ، وإن كان دخل مكة مفردا للحج فليس عليه ذبح ولا حلق » فإنه لا محالة يعدل إلى العمرة المفردة ، ولا شبهة أن عليه التقصير أو الحلق ـ دلالة على عدمه وإن كان الخبر المزبور كما ترى ، نعم ربما استدل عليه بثبوته أصالة ، ولم يظهر أن الصد أسقطه ، فالإحرام مستصحب اليه ، وفيه بعد تسليم بقاء وجوبه مع تغير الحال الأول أنه يكفي إطلاق الأدلة كتابا وسنة في قطع الاستصحاب المزبور ، إلا أن الاحتياط مع ذلك لا ينبغي تركه ، والله العالم.

وكذا البحث في المعتمر إذا منع عن الوصول إلى مكة على معنى أن ما سبق في حكم المصدود من إكمال الحج على الوجه الآتي يأتي مثله في المعتمر عمرة مفردة أو غيرها إذا منع من الوصول إليها ، بل الظاهر أنه بحكم ذلك أيضا من وصل ومنع من فعل الطواف والسعي والله العالم.

ولو كان ساق هديا ثم صد أو أحصر قيل والقائل الصدوقان يفتقر الى هدي التحلل مع ذلك ، لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب ، وللمحكي من‌ فقه (٢) الرضا عليه‌السلام « فإذا قرن الرجل الحج والعمرة فأحصر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٢.

(٢) ذكر ذيله في المستدرك في الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٣ وتمامه في فقه الرضا عليه‌السلام ص ٢٩.

١٢٠