جواهر الكلام - ج ١٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بالمزدلفة فقال : يرجعان مكانهما فيقفان بالمشعر ساعة ، قال : فإنه لم يجزهما أحد حتى كان اليوم وقد نفر الناس ، قال : فنكس رأسه ساعة ثم قال : أليسا قد صليا الغداة بالمزدلفة؟ أليس قد قنتا في صلاتهما؟ قال : بلى ، قال : ثم حجهما ، ثم قال : والمشعر من المزدلفة ، والمزدلفة من المشعر ، وانما يكفيهما اليسير من الدعاء » وظاهره الجهل بالوقوف الدعائي لا مطلق الكون الحاصل مع النية في ضمن صلاة الغداة والقنوت فيها الذين قد عرفت إمكان الاجتزاء بهما عن الذكر ، بل يمكن إرادة القائل ذلك أيضا ، إلا أن هذا ونحوه ظاهر في كون الأمر للندب المناسب لهذا التسامح.

وكذا‌ خبر محمد بن حكيم (١) سأله عليه‌السلام « عن الرجل الأعجمي والمرأة الضعيفة تكون مع الجمال الأعرابي فإذا أفاض بهم من عرفات مر بهم الى منى لم ينزل بهم جمعا ، قال : أليس قد صلوا بها فقد أجزأهم ، قال : فان لم يصلوا بها قال : فذكروا الله فيها ، فان كان قد ذكروا الله فيها فقد أجزأهم » إذ يمكن إرادة نية الوقوف من الذكر فيه ، والأمر في ذلك كله سهل.

وكذا يستحب الاجتهاد في الدعاء ليلة المزدلفة وإحياؤها ، قال الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (٢) في حديث : « ولا تتجاوز الحياض ليلة المزدلفة ، وتقول : اللهم هذه جمع ، اللهم إني أسألك أن تجمع لي فيها جوامع الخير ، اللهم لا تؤيسني من الخير الذي سألتك أن تجمعه لي في قلبي ، وأطلب إليك أن تعرفني ما عرفت أولياءك في منزلي هذا ، وأن تقيني جوامع الشر ، وإن استطعت أن تحيي تلك الليلة فافعل ، فإنه قد بلغنا أن أبواب السماء لا تغلق تلك الليلة لأصوات‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

٨١

المؤمنين ، لهم دوي كدوي النحل ، يقول الله جل ثناؤه : أنا ربكم وأنتم عبادي أديتم حقي ، وحق علي أن أستجيب لكم. فيحط تلك الليلة عمن أراد أن يحط عنه ذنوبه ، ويغفر لمن أراد أن يغفر له » هذا.

وفي المسالك المراد بالوقوف في نحو عبارة المصنف القيام للدعاء والذكر ، وأما الوقوف المتعارف بمعنى الكون فهو واجب من أول الفجر ، فلا يجوز تأخير نيته إلى أن يصلي ، وهو مبنى على وجوب الابتداء من الفجر ، وقد عرفت عدم الدليل عليه ، بل ظاهر الأدلة خلافه حتى صحيح معاوية بن عمار (١) الذي قد أمر فيه بالإصباح على طهر ، ثم الصلاة ثم الوقوف ، وإن كان يمكن إرادة الوقوف للدعاء فيه ، إلا أن إطلاق غيره كاف كما صرح به الفاضل وغيره ، والله العالم.

ويستحب أيضا أن يطأ الضرورة أي من لم يحج قبل المشعر كما نص عليه جماعة ، بل عن المبسوط والنهاية ولا يتركه مع الاختيار ، كما عن الحلبيين استحبابه مطلقا لا في خصوص الصرورة ، بل عن أبي الصلاح منهما أنه آكد في حجة الإسلام ، وإن كنا لم نقف على ما يدل عليه برجليه كما في محكي المبسوط وغيره ، وعن التهذيب والمصباح ومختصره يستحب للصرورة أن يقف على المشعر أو يطأه برجله ، ولعله لما تسمعه من الصحيح (٢) إن كان الواو فيه بمعنى « أو » وعن الفقيه أنه يستحب له أن يطأ برجله أو براحلته إن كان راكبا ، وكذا عن الجامع والتحرير ، وقد سمعت سابقا ما حكاه في الدروس عن أبي علي وما استظهره هو ، كما أنك سمعت ما قلناه سابقا من كون الظاهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

٨٢

اشتراكه بين المكان المخصوص المحدود بالحدود التي عرفتها الداخل فيها قزح وبين الجبل المخصوص الذي قد فسر به المشعر الحرام في محكي المبسوط والوسيلة والكشاف والمغرب والمعرب وغيرها ، بل لعله ظاهر « عند » في الآية الشريفة (١) بل وقول الصادق عليه‌السلام في حسن الحلبي (٢) : « وانزل ببطن الوادي عن يمين الطريق قريبا من المشعر ، ويستحب للصرورة أن يقف على المشعر الحرام ويطأه برجله » وفي‌ مرسل ابان بن عثمان (٣) « ويستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام ، وأن يدخل البيت » وقال له سليمان بن مهران (٤) في حديث : « كيف صار وطء المشعر على الصرورة واجبا؟ فقال : ليستوجب بذلك وطء بحبوبة الجنة » بل لعل ذلك هو ظاهر الأصحاب ، ضرورة وجوب وطء المزدلفة بمعنى الكون بها ، وظاهر الوقوف عليه غير الوقوف به ، ولا اختصاص للوقوف بالمزدلفة بالصرورة ، وبطن الوادي من المزدلفة ، فلو كانت هي المشعر لم يكن للقرب منه معنى ، وكان الذكر فيه لا عنده ، بل لو أريد المسجد كان الأظهر الوقوف به أو دخوله ، لا وطؤه أو الوقوف عليه ، ويمكن حمل كلام أبي علي عليه ، بل ربما احتمل في كلام من قيد برجله استحباب الوقوف بالمزدلفة راجلا بل حافيا لكن ظاهرهم متابعة حسن الحلبي (٥).

وفي كشف اللثام وهو كما عرفت ظاهر في الجبل ، ثم المفيد خص استحبابه في كتاب أحكام النساء بالرجال ، وهو من حيث الاعتبار حسن ، لكن الأخبار مطلقة ، قلت : والعمدة الإطلاقات ، بل لم يظهر لي حسنة من جهة الاعتبار ،

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٩٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ١.

٨٣

بل ينبغي الاقتصار على الوطء برجله ، وإن قال في المسالك والمدارك والظاهر أن الوطء بالرجل يتحقق مع النعل والخف ، بل في الأولى « المراد بوطئه برجله أن يعلو عليه بنفسه ، فان لم يمكن فببعيره » وفيه منع واضح ، ومن الغريب ما فيها من أن الاكتفاء بوطء البعير ينبه على الاكتفاء بالخف والنعل ، مع أنه لم نجد في شي‌ء من نصوصنا الاكتفاء بذلك ، وانما ذكره في الفقيه كما سمعت.

وعلى كل حال فقد قيل والقائل الشيخ في محكي المبسوط يستحب الصعود على قزح وذكر الله عليه قال ما هذا لفظه : يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام ولا يتركه مع الاختيار ، والمشعر الحرام جبل هناك يسمى قزح ، ويستحب الصعود عليه وذكر الله عنده ، فان لم يمكنه ذلك فلا شي‌ء عليه ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعل ذلك في‌ رواية جابر (١) يعني ما روته العامة عن الصادق عن أبيه عليهما‌السلام عن جابر « ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ركب القصواء حتى اتى المشعر الحرام ، فرقى عليه واستقبل القبلة فحمد الله تعالى وهلله وكبره ووحده ، فلم يزل واقفا حتى اسفر جدا » ورووا (٢) أيضا « انه أردف الفضل بن العباس ووقف على قزح ، وقال : هذا قزح وهو الموقف ، وجمع كلها موقف » ولعل ذلك ونحوه كاف في ثبوت الاستحباب المتسامح فيه ، وإن كان ظاهر المصنف وغيره التوقف فيه دون الوطء ، مع أنك سمعت ما في الصحيح (٣) من استحباب الوقوف عليه والوطء.

وعلى كل حال فظاهر المصنف وغيره بل صريحه مغايرة الصعود على قزح‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٥ ص ٨.

(٢) سنن البيهقي ج ٥ ص ١٢٢ وفيه‌ « أردف أسامة بن زيد ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

٨٤

لوطء المشعر ، وهو ظاهر ما سمعته من عبارة المبسوط ، وعن الحلي « ويستحب له أن يطأ المشعر الحرام ، وذلك في حجة الإسلام آكد ، فإذا صعده فليكثر من حمد الله تعالى على ما من به » وهو ظاهر في اتحاد المسألتين ، وكذا الدروس ، والله العالم.

مسائل خمس ، الأولى : لا خلاف معتد به عندنا في أن وقت الوقوف بالمشعر ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس للمختار وللمضطر الى زوال الشمس بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى النصوص السابقة ، نعم حكى ابن إدريس عن السيد امتداد وقت المضطر الى الغروب ، وأنكره في المختلف أشد إنكار وإن أطلق في بعض عباراته التي لم تسق لذلك أن من فاته الوقوف بعرفة حتى أدرك المشعر يوم النحر فقد أدرك الحج ، خلافا للعامة مستدلا عليه بالإجماع ، لكن مراده من اليوم الى الزوال بقرينة حكاية الإجماع ، فإن أحدا من علمائنا لم يذكر ذلك ، لكن حكى هو عنه في غير المختلف ذلك أيضا ، وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه للأصل والنص والإجماع ، والله العالم.

المسألة الثانية من لم يقف بالمشعر ليلا ولا بعد طلوع الفجر عامدا بطل حجه بلا خلاف فيه عندنا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى النصوص (١) السابقة ولو ترك ذلك ناسيا أو لعذر لم يبطل حجه ان كان وقف بعرفة الوقوف الاختياري على الأصح لما عرفت سابقا ولو تركهما جميعا اختيارا واضطرارا بطل حجه عامدا وناسيا بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى الأصل والنصوص (٢) السابقة كما عرفت الكلام فيه سابقا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر.

٨٥

بل وفي باقي الصور التي منها المسألة الثالثة أيضا ، وهي من لم يقف بعرفات أصلا فضلا عمن وقف الوقوف الاضطراري وأدرك المشعر قبل طلوع الشمس صح حجه إجماعا ونصوصا (١) ولو فاته بطل على الأصح إذا لم يكن قد أدرك اضطرارية وإلا ففيه البحث السابق ، نعم لو وقف بعرفات الوقوف الاختياري جاز له تدارك المشعر الى قبل الزوال بل وجب عليه ذلك ، بل هو كذلك لو أدرك اضطراري عرفة أيضا ، نعم لو لم يدرك شيئا منهما لم يجزه التدارك قبل الزوال كما عرفت الكلام فيه مفصلا ، والحمد لله ، وهو العالم.

المسألة الرابعة من فاته الحج تحلل بعمرة مفردة بلا خلاف أجده فيه بل في المنتهى الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيحي معاوية (٢) والحلبي (٣) : « فليجعلها عمرة » وفي‌ صحيح حريز (٤) « ويجعلها عمرة » وغيرها من النصوص التي هي في أعلى درجات الاستفاضة إن لم تكن متواترة بمعنى القطع بما تضمنته من وجوب العمرة حينئذ ، ولذا قطع في التحرير بأنه لو أراد البقاء على إحرامه إلى القابل ليحج به لم يجز ، واستظهره في محكي المنتهى والتذكرة ، وجعله الشهيد أشبه ، وبالجملة لم أجد فيه خلافا بيننا ، نعم يحكى عن مالك جوازه ، وستسمع ما عن ابني حمزة والبراج مع عدم الاشتراط ، وحينئذ فلا محلل له إلا الإتيان بها ، فلو بقي على إحرامه ورجع الى بلاده وعاد قبل التحلل لم يحتج إلى إحرام مستأنف من الميقات وإن بعد العهد ، فيجب عليه إكمال العمرة أولا ثم يأتي بما يريد من النسك ، حتى لو كان فرضه التمتع وجب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٤.

٨٦

عليه الخروج الى احد المواقيت للعمرة ، فإن تعذر فمن ادنى الحل كما في حكم من لم يتعمد مجاوزة الميقات ، ولو صد عن الرجوع من بلاده لإتمام العمرة كان له حكم المصدود عن إكمالها من التحلل بالذبح والتقصير في بلاده كما ستعرف إن شاء الله.

وكيف كان فهل عليه نية الاعتمار بمعنى قلب إحرامه السابق إليه بالنية؟ قال في الدروس : وهل ينقلب إحرامه أو يقلبه بالنية كما قطع به الفاضل في جملة من كتبه ، بل أسند الخلاف في ذلك الى بعض العامة للأصل وان الأعمال بالنيات والصحاح المزبورة ، أو لا بل تكون عمرة قهرا فينقلب ( فينتقل خ ل ) إحرامه السابق لها ثم يأتي بباقي أفعالها لقول أبي الحسن عليه‌السلام في أخبار محمد بن سنان (١) وابن فضيل (٢) وعلي بن الفضل الواسطي (٣) « فهي عمرة مفردة ولا حج له » وفي‌ صحيح ضريس (٤) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر فقال : يقيم على إحرامه ويقطع التلبية حين يدخل مكة ويطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق رأسه » وفي الفقيه « ويذبح شاته وينصرف إلى اهله ان شاء ، وقال هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه ، فان لم يكن اشترط فعليه الحج من قابل » وفي‌ صحيح معاوية (٥) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل جاء حاجا ففاته الحج ولم يكن طاف قال : يقيم مع الناس حراما أيام التشريق ولا عمرة فيها. فإذا انقضت طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحل وعليه الحج من قابل ، ويحرم من حيث أحرم » الى غير ذلك من النصوص التي لا تعرض فيها لاعتبار النية في صيرورتها عمرة ، وانما هي مطلقة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٣.

٨٧

بل ظاهرة في الاجتزاء بإيجاد الأفعال المزبورة وإن لم ينو القلب المزبور ، بل لا يفيده الأمر بالجعل في الصحاح المزبور المحتمل لإرادة فعلها عمرة لا نيتها كذلك وكون الأعمال بالنيات مع انه بالنسبة إلى نية القربة انما يقتضي ابتداءه بها لا اعتبارها فيما يتفق له من الأحكام ، على انه إذا كان متمتعا فقد نوى العمرة إلا انه فاته الحج ، فاتصفت عمرته بالافراد قهرا نحو صلاة الجماعة التي مات الامام مثلا في أثنائها ، على ان الإحرام السابق لا تؤثر فيه النية اللاحقة ، فليس هو حينئذ إلا حكما شرعيا ، ولعله لذا مال اليه بعض ، ولكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط في نية العدول ، إلا انها على كل حال واجبة من حيث الفوات ، فلا تجزي عن عمرة الإسلام كما صرح به في الدروس وغيرها ، بل هو ظاهر غيرهم أيضا ، بل يمكن دعوى ظهور النصوص فيه أيضا.

وكيف كان فان فاته الحج تحلل بالعمرة ثم يقضيه اي الحج وجوبا ان كان واجبا قد استقر وجوبه أو استمر على الصفة التي وجب تمتعا أو قرانا أو إفرادا وإلا فندبا للأصل والأمر به في المعتبرة المستفيضة (١) والإجماع على الظاهر ، لكن في تهذيب الشيخ ان من اشترط في حال الإحرام يسقط عنه القضاء ، وإن لم يشترط وجب مستدلا عليه بصحيح ضريس (٢) السابق ويشكل بعد الاعراض عن الصحيح المزبور ومنافاته لما هو المعلوم من غيره نصا وفتوى بأنه إن كان مستحبا لم يجب القضاء وان لم يشترط ، وكذا إن لم يستقر ولا استمر وجوبه ، وإن كان واجبا وجوبا مستقرا أو مستمرا وجب وإن اشترط فالوجه حمله على شدة استحباب القضاء إذا لم يشترط وكان مندوبا أو غير مستقر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٢.

٨٨

الوجوب ولا مستمرة ، أو على ما تقدم عن ابني حمزة والبراج من جعل فائدة الاشتراط جواز التحلل ، فيكون المراد حينئذ أن عليه البقاء على إحرامه الى أن يأتي بالحج من قابل إن لم يشترط ، وإلا جاز له التحلل ، وإن كان فيه أنه مناف لظاهر النصوص المزبورة الآمرة بجعله عمرة ، ثم المراد بوجوب قضائه على الصفة المزبورة بناء على عدم جواز العدول اختيارا وإلا فله ذلك ، ولعله لذا حكي عن الشيخ جواز القضاء تمتعا لمن فاته القران أو الافراد بناء على تجويز العدول اليه اختيار ، لكونه أفضل كما تقدم الكلام فيه.

الخامسة من فاته الحج سقطت عنه أفعاله بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى النصوص (١) التي تقدم شطر منها ، خلافا لبعض العامة فأوجب عليه بقية الأفعال ، بل ولبعض أصحابنا فأوجب عليه الهدي قياسا على المحصر ، وهو مع كونه الفارق ممنوع ولصحيح ضريس (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام السابق على ما في الفقيه ، إلا أن اضافة الشاة اليه تشعر بأنه كانت معه شاة عينها للهدي بنذر ونحوه ، مع احتماله الندب أيضا ، وخبر داود الرقي (٣) قال : « كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام إذ دخل عليه رجل فقال : إن قوما قدموا يوم النحر وقد فاتهم الحج فقال : نسأل الله العافية ، قال؟ أرى عليهم أن يهريق كل واحد منهم دم شاة ويحلق وعليهم الحج من قابل إن انصرفوا الى بلادهم ، ولو أقاموا حتى تمضي أيام التشريق بمكة ثم خرجوا الى.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٢ والباب ٢٣ منها الحديث ٣ و ٥ و ٢٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٥.

٨٩

بعض مواقيت أهل مكة فأحرموا واعتمروا فليس عليهم الحج من قابل » الذي هو بعد الإغضاء عن سنده وندرة القائل به محمول على التقية ، فإن وجوب الهدي على فائت الحج محكي عن الشافعي وأكثر العامة ، كما أن ما فيه من وجوب الحج مندوبا ، وفي كشف اللثام « فليحمل على أنهم كانوا مصدودين أو محصورين فان عليهم حينئذ هدي التحلل ، ومعنى‌ قوله عليه‌السلام « وعليهم الحج » الى آخره أنهم ان استطاعوا أن يرجعوا الى بلادهم ثم يعودوا كان عليهم الحج من قابل ، وإلا لم يكن عليهم إلا عمرة ، فليعتمروا ثم يرجعوا الى بلادهم ، أو على أنهم لم يجب عليهم الحج كما فعله الشيخ ، ويمكن أن يكونوا قد أحرموا بعمرة أولا يكونوا أحرموا بعمرة ولا حج لما علموا أنهم لا يدركون الموقف فكان يستحب لهم ذبح شاة والحلق تشبيها بالحاج ، فان كانوا أحرموا بحج فبعد الانتقال إلى العمرة والإتيان بمناسكها ، وان كانوا أحرموا بعمرة فبعد الإتيان بمناسكها وإلا فعلوا ذلك ابتداء ، ثم إن وافقوا الحاج فأقاموا ولم ينصرفوا الى بلادهم ثم أتوا بعمرة من أحد مواقيت أهل مكة فلا يتأكد عليهم الرجوع في القابل والإتيان فيه بحج ، فهذه العمرة تكفيهم ، وهي عمرة ثانية إن كانوا قد قدموا محرمين وإلا فلا ، وإن لم يقيموا أيام التشريق وعجلوا الانصراف الى بلادهم تأكد عليهم في القابل بحج » وإن كان هو كما ترى نحو المحكي عن الشيخ من حمله على خصوص من اشترط ، وما عن الفاضل من أن وجوب العود عليهم مع فرض كون الحج مندوبا للإتيان بأفعال العمرة التي تركوها ، أو غير ذلك من المحامل البعيدة التي هي خير من الطرح الذي لا بأس بالتزامه مع فرض تعذرها أجمع بعد منافاته لغيره والاعراض عنه ، فإنه لم نعرف القائل به بخصوصه بالنسبة إلى وجوب الهدي ، نعم في الدروس أوجب علي بن بابويه وابنه على المتمتع بالعمرة يفوته‌

٩٠

الموقفان العمرة ودم شاة ، ولا شي‌ء على المفرد سوى العمرة ، ولا ريب في ضعفه ، وإن كان هو أحوط.

وكيف كان فـ (يستحب ) له أي من فاته الحج الإقامة بمنى الى انقضاء أيام التشريق ثم يأتي بأفعال العمرة التي يتحلل بها لما سمعته من صحيح معاوية السابق المحمول على ذلك بلا خلاف أجده فيه هنا ، وإن كان لهم كلام في فورية عمرة الإسلام المتعقبة للحج تسمعه في محله إن شاء الله كما أنك تسمع الكلام إن شاء الله في اعتبار طواف النساء في عمرة الإسلام المفردة ، أما هذه العمرة فلم أجد في شي‌ء من النصوص بل ولا الفتاوى التصريح بذكر طواف النساء فيها ، بل ظاهر النصوص المتعرضة لتفصيل أفعالها هنا خلافه ، ولعله الأقوى ، ولكن الأحوط الإتيان به ، والله العالم.

( خاتمة‌ )

إذا ورد المشعر استحب له التقاط الحصى لرمي الجمار منه بلا خلاف أجده فيه ، بل عن ظاهر التذكرة والمنتهى الإجماع عليه ، لقول الصادق عليه‌السلام في حسن معاوية بن عمار (١) وربعي (٢) « خذ حصى الجمار من جمع ، وإن أخذته من رحلك بمنى أجزأك » وسأله عليه‌السلام أيضا (٣) زرارة « عن الحصى التي يرمى بها الجمار قال : تؤخذ من جمع ، وتؤخذ بعد ذلك من منى » ومنه يستفاد استحباب أخذها من منى بعد المشعر وإن لم أجد من نص عليه وهو سبعون حصاة كما ستعرف تفصيلها ، ولكن لو زاد على ذلك حذرا من سقوط بعضها ونحوه فلا بأس ولو أخذه من غيره جاز بلا خلاف ، بل في كشف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٢.

٩١

اللثام اتفاقا للأصل والخبرين السابقين وغيرهما ، فما عن بعض القيود من عدم جواز الأخذ من وادي محسر في غير محله ، وأغرب منه ما عن المنتهى من أنه لو رمى بحصاة محسر كره له ذلك ، وهل يكون مجزيا أم لا؟ فيه تردد ، أقربه الإجزاء عملا بالعموم لكن من الحرم فلا يجوز من غيره ، لقول الصادق عليه‌السلام في حسن زرارة (١) : « حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك وإن أخذته من غير الحرم لم يجزك ، وقال : لا ترم الجمار إلا بالحصى » نعم عدا المساجد التي فيه كما في القواعد ومحكي الجامع ولكن قيل والقائل الأكثر على ما حكي عدا المسجد الحرام ومسجد الخيف لخبر حنان (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم إلا من المسجد الحرام ومسجد الخيف » بل ليس في التهذيب « المسجد الحرام » قيل ولذا اقتصر عليه الشيخ في مصباحه ، ولعله لبعد الالتقاط من المسجد الحرام ، لكن يمكن إرادة المثال في الخبر لغيرهما ، وإنما خصا لأنهما الفرد المتعارف ، بل يمكن حمل كلام الأصحاب المعلوم تبعية التعبير فيه له على ذلك أيضا ، بل قيل إن إخراج الحصى من المساجد منهي عنه ، وهو يقتضي الفساد ، وإن كان فيه أولا أن الذي تقدم سابقا في أحكامها كراهة الإخراج ، وثانيا أن حرمة الإخراج لا تقتضي حرمة الرمي إلا على مسألة الضد إذا قلنا بوجوب المبادرة إلى العود المنافي له ، كما أن وجوب عودها إليها أو الى غيرها من المساجد لا ينافيه الرمي المقتضي لالتباسها بغيرها بعد إمكان (٣) تعليمها بما لا تشتبه به. فالعمدة حينئذ ما عرفت :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

٩٢

( ويجب فيه شروط ثلاثة ) :

الأول ـ أن تكون مما يسمى حجرا عند علمائنا في محكي التذكرة والمنتهى والانتصار ، بل في الأخير صريح الإجماع ، ولكن الموجود في النصوص والفتاوى الحصى والحصيات ، بل وقد سمعت ما في حسن زرارة (١) من النهي عن رمي الجمار إلا بالحصى ، ومن هنا قال في المدارك : « الأجود تعين الرمي بما يسمى حصاة ، فلا يجزي الرمي بالحجر الكبير الذي لا يسمى حصاة ، خلافا للدروس وكذا الصغير جدا بحيث لا يقع عليه اسم الحصاة » وسبقه الى ذلك جده ، قال : « احترز باشتراط تسميتها حجرا عن نحو الجواهر والكحل والزرنيخ والعقيق ، فإنها لا تجزي خلافا للخلاف ، ويدخل فيه الحجر الكبير الذي لا يسمى حصاة عرفا ، وممن اختار جواز الرمي به الشهيد في الدروس ، ويشكل بأن الأوامر الواردة إنما دلت على الحصاة ، ولعل المصنف أراد بيان جنس الحصى لا الاجتزاء بمطلق الجنس ، ومثله القول في الصغيرة جدا بحيث لا يقع عليها اسم الحصاة ، فإنها لا تجزي أيضا وإن كانت من جنس الحجر » قلت : خصوصا بعد أن ذكر سابقا استحباب التقاط الحصى وكونه سبعين حصاة وغير ذلك ، وكذا الشهيد في الدروس ، بل قال بعد ذكر أوصاف الحصى : وجوز في الخلاف الرمي بالبرام والجوهر ، وفيه بعد إن كان من الحرم ، وأبعد إن كان من غيره ، نعم قال بعد ذلك : المسألة السادسة لو رمى بحصى نجس أجزء نص عليه في المبسوط ومنعه ابن حمزة لما رواه (٢) من غسله قلنا لا لنجاسة أو.

__________________

(١) في النسخة المخطوطة المبيضة « لو لا إمكان » ولكن في المسودة « بعد إمكان » وهو الصحيح.

(٢) دعائم الإسلام ج ١ ص ٣٨١.

٩٣

تحمل على الندب ، ولو رمى بخاتم فضة من حجارة الحرم أجزء ، ولو رمى بصخرة عظيمة فالأقرب الاجزاء ، ولو رمى بحجر مسته النار أجزء ما لم يستحل ولعله لعدم خروجها بالعظم الذي يصدق معه الرمي عن كونها حصاة ، فلا خلاف حينئذ ، كما أن الظاهر اتحاد المراد من الحجر والحصى ، فتتفق العبارات ، نعم عن الخلاف أنه جوز الرمي بالحجر وما كان من جنسه من البرام والجواهر وأنواع الحجارة ، مع أنه قيل وظاهره دخول الجميع في الحصى ، فلا خلاف ، وإن كان فيه منع الظهور ومنع الدخول ، مضافا الى بعد حرمية البرام والجواهر التي عرفت وتعرف اعتبارها ، ومن الغريب دعواه الإجماع على ما ذكره ، مع ان الإجماع على الظاهر بخلافه.

وكيف كان فلا يجوز عندنا بغير الحجر كالمدر والآجر والكحل والزرنيخ وغير ذلك من الذهب والفضة كما نص عليه الشيخ ، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة من الجواز بالحجر وبما كان من نفس الأرض كالطين والمدر والكحل والزرنيخ ، ولا يجوز بالذهب والفضة ، وعن أهل الظاهر من الجواز بكل شي‌ء حتى لو رمى بالحزق والعصافير الميتة أجزأه ، والله العالم.

والثاني أن يكون من الحرم كما هو المشهور ، بل لا أجد فيه خلافا محققا إلا ما سمعته من الخلاف ، وما في كشف اللثام عن ابن حمزة في أفعال الرمي وأن يرمي بالحجر أو يكون من حصى الحرم مع ان الموجود عندي في نسخة الوسيلة وان يرمي بالحجر وان يكون من حصى الحرم دون حصى المسجدين ، ثم قال : « والتروك سبعة : الرمي بالمكسورة ، وبغير الحصى وبحصى الجمار ، وبحصى غير الحرم ، وبالنجسة ، وبحصى المسجد الحرام ، والمسجد بمنى ، وهو مسجد الخيف » وعلى كل حال فقد سمعت حسن زرارة‌

٩٤

أو صحيحه (١) مضافا الى التأسي والسيرة ومرسل حريز (٢) المنجبر بما سمعت عن الصادق عليه‌السلام أيضا « لا تأخذه من موضعين من خارج الحرم ومن حصى الجمار » والله العالم.

والثالث أن تكون أبكارا أي لم يرم بها الجمار رميا صحيحا بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل عن الخلاف والغنية والجواهر الإجماع عليه ، للمرسل (٣) المزبور المنجبر بما سمعت كخبر عبد الأعلى (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « ولا تأخذ من حصى الجمار » مؤيدا ذلك بالتأسي والسيرة ، قيل وبما عن ابن عباس من ان ما قبل من ذلك يرفع ، وحينئذ فيكون الباقي غير مقبول ، فلا يرمى ، وفي‌ مرسل الصدوق (٥) عن الصادق عليه‌السلام : « من رمى الجمار يحط عنه بكل حصاة كبيرة موبقة ، وإذا رماها المؤمن التقفها الملك ، وإذا رماها الكافر قال الشيطان : باستك ما رميت » وغير ذلك ، من غير فرق بين مرمي الرامي وغيره لإطلاق الأدلة ، فما عن المزني من جواز الرمي بمرمي الغير واضح الفساد.

واما اشتراط طهارتها فقد سمعت ما حكاه في الدروس عن ابن حمزة ، وما أرسله من الرواية إلا أن ظاهر الأكثر وصريح محكي المبسوط والسرائر وغيرهما عدم اعتبارها ، بل لم أقف على ما أرسله إلا ما تسمعه من خبر الدعائم (٦) نعم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ٩.

(٦) دعائم الإسلام ج ١ ص ٣٨١ وفيه عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام انه استحب الغسل لرمي الجمار.

٩٥

في كشف اللثام وأرسل عن الصادق عليه‌السلام في بعض الكتب « اغسلها ، فان لم تغسلها وكانت نقية لم يضرك » والظاهر أن مراده ما تسمعه من خبر الدعائم ، وعن كتاب‌ الفقه المنسوب (١) الى الرضا عليه‌السلام « اغسلها غسلا نظيفا » وهو مع عدم ثبوت نسبته عندنا لا دلالة فيه على كون ذلك من النجاسة ، نعم لا بأس باستحباب ذلك منها كما ذكره في الدروس كالقواعد ومحكي المبسوط والسرائر بل عن التذكرة كراهية النجسة واستحباب غسلها مطلقا ، ولا بأس به ، والله العالم‌

ويستحب أن تكون برشا رخوة بقدر الأنملة كحلية منقطة ملتقطة كما صرح بذلك كله غير واحد ، إلا أن الذي عثرت على ما يدل عليه‌ حسن هشام بن الحكم (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في حصى الجمار قال : كره الصم منها وقال : خذ البرش » وفي‌ خبر البزنطي (٣) عن الرضا عليه‌السلام « حصى الجمار يكون مثل الأنملة ، ولا تأخذها سوداء ولا بيضاء ولا حمراء ، وخذها كحلية منقطة تخذفهن خذفا ، وتضعها على الإبهام وتدفعها بظفر السبابة » وفي كشف اللثام : أنه رواه في قرب الاسناد صحيحا ، وعن‌ الفقه المنسوب (٤) الى الرضا عليه‌السلام « وتكون منقطة كحلية مثل رأس الأنملة » وفي‌ دعائم الإسلام (٥) عن جعفر‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام ص ٢٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

(٣) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٤ وذيله في الباب ٧ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ١.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٢.

(٥) دعائم الإسلام ج ١ ص ٣٨١.

٩٦

بن محمد عليهما‌السلام « انه قال : تلتقط حصى الجمار التقاطا ، كل حصاة منها بقدر الأنملة ، ويستحب أن تكون زرقا أو كحلية منقطة ، ويكره أن تكسر من الحجارة كما يفعله كثير من الناس ، واغسلها ، فان لم تغسلها وكانت نقية لم يضرك » والكل لا تجمع ذلك حتى الرخوة ، فان كراهة الصم التي هي بمعنى الصلبة لا تقتضي استحباب الرخوة ، وليس في شي‌ء منها أيضا جمع البرش مع التنقيط ، ولعله لأن المشهور في معنى البرش أن يكون في الشي‌ء نقط تخالف لونه ، وعن ابن فارس قصره على ما فيه نقط بيض ، ومن هنا تكلف بعض الأصحاب فحمل البرش في مثل كلام المصنف على اختلاف ألوان الحصى بعضها لبعض ، والثاني على الحصاة نفسها ، وهو كما ترى ، ولعله لذا اقتصر الصدوق رحمه‌الله فيما حكي عنه على الثاني ، والشيخ في المحكي عن جملة من كتبه على الأول لكن عن النهاية أن البرش لون مختلط حمرة وبياضا أو غيرهما ، وعن المحيط أنه لون مختلط بحمرة ، وعن تهذيب اللغة عن الليث إن الأبرش الذي فيه ألوان وخلط ، وحينئذ يكون أعم من المنقطة ، وعن الكافي والغنية أن الأفضل البرش ثم البيض والحمر ، ولم نجد ما يدل عليه ، بل خبر البزنطي (١) بخلافه.

واما الالتقاط الذي لا نعلم فيه خلافا عندنا كما عن المنتهى الاعتراف به فقد يدل عليه‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٢) « التقط الحصى ولا تكسر منهن شيئا » كقوله عليه‌السلام في مرسل الدعائم الذي سمعته ، وللسيرة ول‌ ما روي من أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) بالتقاطها ، وقال : « بمثلها فارموا » هذا ، وعن الصدوق في الفقيه والهداية كونها بقدر الأنملة أو مثل حصى الخذف ، وفي كشف اللثام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٣.

(٣) سنن البيهقي ج ٥ ص ١٢٧ وسنن النسائي ج ٥ ص ٢٦٩.

٩٧

قيل وهو دون الأنملة كالباقلاء نحو المحكي عن بعض العامة فقدرة بذلك ، وعن بعض آخر أنه كقدر النواة ، وعن الشافعي يكون أصغر من الأنملة طولا وعرضا ، وقول الصادق (١) والرضا عليهما‌السلام (٢) حجة على الجميع ، وأما الكحلية فقد عرفت ما يدل عليه من النصوص ، لكن في الدعائم التخيير بينهما وبين الزرق ولم أجد من أفتى به ، فالأولى الكحلية ، والأمر سهل بعد كون ذلك مستحبا وإلا فيجوز الجميع إلا في رواية عن أحمد أنه لا يجوز الأكبر ولا ريب في فساده.

ويكره أن تكون صلبة للحسن المزبور (٣) أو مكسرة قيل للنهي عن الكسر في خبر أبي بصير (٤) السابق ، وفيه أنه انما يدل على كراهة الكسر الذي حكي عن الغنية الإجماع عليه لا الرمي بالمكسرة ، اللهم إلا أن يفهم أن النهي عن ذلك لذلك ، والله العالم.

ويستحب لمن عدا الإمام الإفاضة قبل طلوع الشمس بقليل كما هو المشهور ، بل عن المنتهى لا نعلم فيه خلافا لموثق إسحاق بن عمار (٥) السابق ، ونحوه خبر معاوية بن حكم (٦) فما عن الصدوقين والمفيد والسيد وسلار والحلبي ـ من عدم الجواز ، بل عن الأولين وجوب شاة على من قدمها على طلوع الشمس لقوله عليه‌السلام في صحيح معاوية (٧) « ثم أفض حين يشرق لك ثبير ، وترى‌

__________________

(١) دعائم الإسلام ج ١ ص ٣٨١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ـ ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ـ ٣ عن معاوية بن حكيم.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

٩٨

الإبل مواضع أخفافها » بناء على إرادة طلوع الشمس من الإشراق فيه بقرينة تمام الخبر‌ قال أبو عبد الله عليه‌السلام (١) « كان أهل الجاهلية يقولون أشرق ثبير ـ يعنون الشمس كما تسفر ـ وإنما أفاض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلاف أهل الجاهلية » ـ واضح الضعف ، خصوصا بعد ما سمعت سابقا عن المنتهى والتذكرة من الإجماع على عدم إثمه لو دفع قبل الاسفار بعد طلوع الفجر أو قبل طلوع الشمس.

ولكن لا يجوز وادي محسر إلا بعد طلوعها للنهي عنه فيما سمعته من حسن هشام بن الحكم (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام إلا ان المنساق من ذلك عدم قطعه والخروج منه ، ولكن الأصحاب فهموا منه عدم الدخول فيه حرمة أو كراهة على البحث السابق.

وأما الامام فينبغي له ان يتأخر حتى تطلع الشمس كما صرح به غير واحد ، لقول الصادق عليه‌السلام في خبر جميل (٣) السابق « ينبغي للإمام ان يقف بجمع حتى تطلع الشمس ، وسائر الناس إن شاؤا عجلوا وإن شاؤوا أخروا » بل عن الشيخ وابن حمزة والقاضي وظاهرا بني زهرة وسعيد الوجوب المنافي للأصل وظاهر الخبر المزبور وغيره ، فلا ريب في ضعفه ، كضعف المحكي عن ابن إدريس من استحباب ذلك أيضا لغير الإمام المنافي لما عرفت ، والله العالم.

ويستحب السعي بمعنى الهرولة أي الإسراع في المشي للماشي ، وتحريك الدابة للراكب بوادي محسر وهو يقول : اللهم سلم عهدي واقبل توبتي وأجب دعوتي واخلفني في من تركت بعدي بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى النصوص (٤) التي منها‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ و ١٤ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر.

٩٩

معاوية (١) إذا مررت بوادي محسر وهو واد عظيم بين جمع ومنى ، وهو الى منى أقرب فاسع فيه حتى تتجاوزه ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرك ناقته فيه وقال : اللهم سلم عهدي » إلى آخر الدعاء ، وفي‌ صحيح محمد بن إسماعيل (٢) عن أبي الحسن عليه‌السلام « الحركة في وادي محسر مائة خطوة » وفي خبر محمد بن عذافر (٣) « مائة ذراع ».

ولو ترك السعي فيه رجع فسعى استحبابا لحسن حفص البختري (٤) وغيره عن الصادق عليه‌السلام « انه قال لبعض ولده هل سعيت في وادي محسر؟ فقال له : لا فأمره ان يرجع حتى يسعى » وفي مرسل الحجال (٥) « مر رجل بوادي محسر فأمره أبو عبد الله عليه‌السلام بعد الانصراف إلى مكة ان يرجع فيسعى » والظاهر عدم الفرق بين الترك عمدا جهلا وغيره ونسيانا. والله العالم.

( القول في نزول منى )

وما بها من المناسك وهي المكان المعروف ، وسميت بذلك لما يمني بها من الدعاء ، ول‌ ما عن ابن عباس « ان جبرئيل عليه‌السلام لما أراد ان يفارق آدم عليه‌السلام قال : له تمن. قال : أتمنى الجنة فسميت بذلك لأمنية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٥ محمد بن عذافر عن عمر بن يزيد.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ـ ٢.

١٠٠