جواهر الكلام - ج ١٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

( القول في الوقوف بالمشعر الحرام )

المسمى بمزدلفة بكسر اللام وجمع بإسكان الميم وهو واحد المشاعر التي هي مواضع المناسك والمشعر الحرام أحدها ، وكسر الميم فيه لغة ، وفي القاموس « المشعر الحرام ويكسر ميمه المزدلفة ، وعليه بناء اليوم ، ووهم من قال جبلا يقرب من ذلك البناء » ولعله أشار الى الفيومي في محكي المصباح المنير قال : « والمشعر الحرام جبل بآخر مزدلفة ، واسمه قزح وميمه مفتوح على المشهور ، وبعضهم يكسرها على التشبيه باسم الآلة » وتبعه في محكي مجمع البحرين ، قال : « هو جبل بآخر مزدلفة ، واسمه قزح ، ويسمى جمعا ومزدلفة والمشعر الحرام » وفي الدروس في مسألة استحباب وطء الصرورة المشعر برجله أو بعيره وقد قال الشيخ هو قزح ، فيصعد عليه ويذكر الله عنده ، وقال الحلبي : يستحب وطء المشعر ، وفي حجة الإسلام آكد وقال ابن الجنيد : يطأ برجله أو بعيره المشعر الحرام قرب المنارة ، والظاهر انه المسجد الموجود الآن ، فيمكن أن يكون من المشترك بين الكل والبعض ، أو من باب تسمية الكل باسم الجزء ، وتسمع تمام الكلام فيه إن شاء الله عند تعرض المصنف له ، وعلى كل حال : يسمى المزدلفة باعتبار أنه يتقرب فيه الى الله تعالى ، قال الصادق عليه‌السلام في‌ صحيح معاوية (١) : « ما لله تعالى منسك أحب الى الله تعالى من موضع المشعر الحرام وذلك أنه يذل فيه كل جبار عنيد » أو لازدلاف الناس فيها إلى منى بعد الإقامة ، أو لمجي‌ء الناس إليها في زلف من الليل ، كما في صحيح معاوية (٢) أو لأنها أرض مستوية مكنوسة ، وفي‌ صحيح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١ من أبواب السعي ـ الحديث ١٣ وفيه « من موضع السعي ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٥.

٦١

معاوية (١) عن الصادق عليه‌السلام في حديث إبراهيم « ان جبرئيل عليه‌السلام انتهى به الى الموقف وأقام به حتى غربت الشمس ، ثم أفاض به ، فقال يا إبراهيم ازدلف الى المشعر الحرام ، فسميت مزدلفة » وقال أيضا في‌ خبر إسماعيل بن جابر (٢) وغيره : « سميت جمع لأن آدم عليه‌السلام جمع فيها بين الصلاتين : المغرب والعشاء » والأمر في ذلك سهل ، والله العالم.

وكيف كان فـ (النظر في مقدمته وكيفيته ، أما المقدمة فيستحب الاقتصاد في مسيره إلى المشعر وأن يقول إذا بلغ الكثيب الأحمر عن يمين الطريق : اللهم ارحم موقفي ، وزد في عملي ، وسلم لي ديني ، وتقبل مناسكي ) قال الصادق عليه‌السلام في‌ صحيح معاوية (٣) : « ان المشركين كانوا يفيضون من قبل أن تغيب الشمس ، فخالفهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأفاض بعد غروب الشمس قال : وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا غربت الشمس فأفض مع الناس وعليك السكينة والوقار ، وأفض بالاستغفار ، إن الله عز وجل يقول ( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ ، وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ، فإذا انتهيت الى الكثيب الأحمر عن يمين الطريق فقل : اللهم ارحم موقفي ، وزد في عملي ، وسلم لي ديني ، وتقبل مناسكي ، وإياك والوجيف الذي يصنعه الناس ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أيها الناس ان الحج ليس بوجيف الخيل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٧ عن إسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو عن عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ).

(٣) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١ وذيله في الباب ١ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١ مع الاختلاف في الذيل.

٦٢

ولا بايضاع ، الإبل ، ولكن اتقوا الله تعالى ، وسيروا سيرا جميلا ، لا توطؤوا ضعيفا ، ولا توطؤوا مسلما ، واقتصدوا في السير ، وان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يكف ناقته حتى أنه كان يصيب رأسها مقدم الرحل ، ويقول : أيها الناس عليكم بالدعة ، فسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتتبع ، قال معاوية : وسمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : اللهم أعتقني من النار ، وكررها حتى أفاض فقلت ألا نفيض فقد أفاض الناس؟ فقال : إني أخاف الزحام ، وأخاف ان أشرك في عنت إنسان » وهو دال على تمام ما ذكره المصنف وغيره ، بل هو دال على الأول من وجوه ، وقال عليه‌السلام أيضا في حسنه (١) « وأفض بالاستغفار ، فان الله عز وجل يقول ( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ ، وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ ، إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ».

وان يؤخر المغرب والعشاء إلى المزدلفة كما نص عليه بنو حمزة وإدريس وسعيد والفاضل وغيرهم ، بل هو معقد إجماع العلماء كافة في محكي المنتهى والتذكرة ، وهو الحجة على عدم الوجوب مضافا الى الأصل ، وقول الصادق عليه‌السلام في صحيح هشام بن الحكم (٢) : « لا بأس أن يصلي الرجل المغرب إذا أمسى بعرفة » وخبر محمد بن سماعة (٣) سأله « للرجل أن يصلي المغرب والعتمة في الموقف قال : قد فعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاهما في الشعب » وفي‌ صحيح ابن مسلم (٤) عنه عليه‌السلام « عثر جمل أبي بين عرفة والمزدلفة فنزل فصلى المغرب ، وصلى العشاء الآخرة بالمزدلفة » التي لا داعي إلى حملها على الضرورة التي هي خلاف الظاهر ، خلافا للشيخ في المحكي عن معظم كتبه وابن زهرة ، بل في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٤.

٦٣

كشف اللثام حكايته عن ظاهر الأكثر وإن كنا لم نتحققه فيجب لمضمر سماعة (١) « لا تصلهما حتى تنتهي إلى جمع وإن مضى من الليل ما مضى » وقول أحدهما عليهما‌السلام في صحيح محمد بن مسلم (٢) : « لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا وإن ذهب ثلث الليل » وللإجماع في الخلاف والاحتياط ، والجميع كما ترى ، فالأولى الجمع بالفضل ، وإلا كان مقتضى دليل الشيخ البطلان لو فعل في الوقت ، وهو خلاف المتواتر من النصوص.

وكيف كان ففي المتن وغيره يؤخر ولو صار ربع الليل وعن الأكثر ومنهم الفاضل في محكي التحرير والتذكرة والمنتهى وإن ذهب ثلث الليل ، بل في الأخيرين إجماع العلماء عليه ، مضافا الى صحيح ابن مسلم السابق بل والى‌ مضمر سماعة « وان مضى من الليل ما مضى » ولعله إليه أشار في محكي الخلاف بما أرسله من أنه روي الى نصف الليل ، ولعل المراد تأخيرهما إلى خوف فوات وقت الأداء بعد تنزيل الربع والثلث على الغالب ، ويقرب منه قول ابن زهرة « لا يجوز أن يصلي العشاءان إلا في المشعر إلا أن يخاف فوتهما بخروج وقت المضطر » وان كان فيه ما لا يخفى ، وفي كشف اللثام ولعل من اقتصر على الربع نظر الى أخبار توقيت المغرب اليه ، وحمل الثلث على أن يكون الفراغ من العشاء عنده ، وفيه أن المصنف مما لا يرى ذلك.

وو كيف كان فـ (ان منعه مانع ) عن الوصول الى المشعر قبل فوات الوقت صلى في الطريق بلا خلاف ولا إشكال.

ويستحب أيضا أن يجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

٦٤

وإقامتين من غير نوافل بينهما وحينئذ فيؤخر نوافل المغرب الى ما بعد العشاء بلا خلاف أجده فيه بيننا بل في صريح المدارك وعن ظاهر غيرها الإجماع عليه ، قال الصادق عليه‌السلام في‌ صحيح منصور (١) « صلاة المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين ، ولا تصل بينهما بشي‌ء ، قال : هكذا صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » وفي‌ خبر عنبسة بن مصعب (٢) « سألت أبا عبد الله عن الركعات التي بعد المغرب ليلة المزدلفة فقال : صلها بعد العشاء » لكن في‌ صحيح أبان بن تغلب (٣) « صليت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام المغرب بالمزدلفة فقام فصلى المغرب ثم صلى العشاء الآخرة ولم يركع بينهما ، ثم صليت خلفه بعد ذلك بسنة ، فلما صلى المغرب قام فتنفل بأربع ركعات » واحتمال كون الثانية في غير المزدلفة كما ترى ، نعم الظاهر إرادة بيان الجواز منه ، وان كان الفضل في الأول وليس هو من قضاء النافلة وقت الفريضة ، وإن كان الأقوى جوازه بناء على امتداد وقتها بامتداد وقت المغرب وان استحب تأخيرها عن العشاء ، وانها لا يخرج وقتها بذهاب الشفق ، وكيف كان فللعامة قول بالجمع بينهما باقامتين ، وآخر بأذان وإقامة ، والثالث بأذان وإقامتين ، ورابع إن جمع بينهما في وقت الأولى فكما قلما وإلا فباقامتين مطلقا ، أو إذا لم يرج اجتماع الناس ، وإلا أذن ، وخامس بإقامة للأولى فقط ، والجميع عدا الثالث باطل لما عرفت ، ولا يجب هذا الجمع عندنا خلافا لأبي حنيفة والثوري ، والله العالم.

وأما الكيفية‌ فالواجب‌ النية على حسب ما عرفته في غيره والمراد أنه يجب النية في الوقوف بالمشعر ولا تجزي النية عند الإحرام كما عساه يظهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٥.

٦٥

من المحكي عن الشيخ ، فإنه وإن كان أحد أفعال الحج الذي قد فرض نية عقد الإحرام فيه ، إلا أن ظاهر النص والفتوى ـ بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، بل هو كذلك ـ كونه نسكا مستقلا بالنسبة إلى اعتبار النية فيه ، ولا مانع من كون جزئيته على هذا الوجه ، وربما يظهر من بعض النصوص (١) الآتية حصول الوقوف الواجب بالصلاة في الموقف أو الدعاء فيه وإن لم يعلم انه الموقف ولم ينو الوقوف ، ولكن قد يقال بصحة الحج مع ذلك وإن فات الوقوف بخصوصه ، لفوات نيته ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فـ (حده اي ) المشعر ما بين المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المنتهى ، بل في المدارك هو مجمع عليه بين الأصحاب ، وفي‌ صحيح معاوية (٢) « حد المشعر الحرام المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر » اي من المأزمين ، ونحوه مرسل الصدوق (٣) عن الصادق عليه‌السلام‌ وفي صحيح زرارة (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام « انه قال للحكم بن عتيبة ما حد المزدلفة؟ فسكت فقال أبو جعفر ( عليه‌السلام حدها ما بين المأزمين إلى الجبل الى حياض محسر » قال الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٥) : « حد المزدلفة من وادي محسر إلى المأزمين » وقال عليه‌السلام أيضا في صحيح الحلبي في حديث (٦) : « ولا تتجاوز الحياض ليلة المزدلفة » وفي‌ خبر إسحاق بن عمار (٧) عن أبي الحسن عليه‌السلام « سألته‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ١ وفي الأول‌ « حد المشعر الحرام من المأزمين‌. إلخ ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٦ وفي الأول‌ « حد المشعر الحرام من المأزمين‌. إلخ ».

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٢ وفي الأول‌ « حد المشعر الحرام من المأزمين‌. إلخ ».

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٤ وفي الأول‌ « حد المشعر الحرام من المأزمين‌. إلخ ».

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٣ وفي الأول‌ « حد المشعر الحرام من المأزمين‌. إلخ ».

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٥ وفي الأول‌ « حد المشعر الحرام من المأزمين. إلخ ».

٦٦

عن حد جمع قال : ما بين المأزمين إلى وادي محسر » والمأزمان ـ بكسر الزاء وبالهمز ، ويجوز التخفيف بالقلب ألفا ـ الجبلان بين عرفات والمشعر ، وعن الجوهري المأزم كل طريق ضيق بين جبلين ، ومنه سمي الموضع الذي بين جمع وعرفة مأزمين ، وفي القاموس المأزم ويقال المأزمان مضيق بين جمع وعرفة وآخر بين مكة ومنى ، وظاهرهما أن المأزم اسم لموضع مخصوص وإن كان بلفظ التثنية.

وكيف كان فـ ( لا ) يجزي ان يقف بغير المشعر اختيارا أو اضطرارا بلا خلاف ولا إشكال ، بل الإجماع بقسميه عليه نعم يجوز مع الزحام الارتفاع الى الجبل اي المأزمين كما عن الفقيه والجامع والمنتهى والتذكرة بل لا أجد فيه خلافا ، بل في المدارك هو مقطوع به في كلام الأصحاب ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، وفي‌ موثق سماعة (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إذا كثر الناس بجمع كيف يصنعون؟ قال : يرتفعون إلى المأزمين » وكان المصنف وغيره فهموا منه نحو ما سمعته في جبل عرفة الذي صرحوا بكراهة الصعود عليه من غير ضرورة ، ومن هنا قال في الدروس : ويكره الوقوف على الجبل إلا لضرورة ، وحرمه القاضي ، ولعل تخصيصه القاضي لتصريحه في المحكي عنه بوجوب ان لا يرتفع اليه إلا لضرورة ، وكذا عن ابن زهرة ، بخلاف غيرهم الذين عبروا بنحو ما في المتن الذي يمكن إرادة المعنى الأخص من الجواز فيه ، بمعنى انه لا كراهة مع الضرورة. بخلاف غير حال الضرورة فإنه مكروه ، ولكن فيه انه مناف لما هو كالصريح من النصوص السابقة من خروج المأزمين عن المشعر الذي يجب الوقوف فيه ، ويمكن ان يريد الشهيد بالجبل بل في كشف اللثام انه الظاهر غير المأزمين ، وإنما هو جبل في خلال المشعر لا من حدوده خصوصا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

٦٧

بعد قوله : فالظاهر ان ما اقبل من الجبال من المشعر دون ما أدبر منها ، ولا ريب في خروج القنة عما اقبل منها ، بل ربما استظهر من صحيح زرارة (١) كون الجبل من الحدود الداخلة على معنى إرادة تعداد ما في المشعر من الجبل وغيره من قوله « الى الجبل » فيه ، بل قد يقال إن المراد بخبر سماعة (٢) الانتهاء إليهما من غير صعود عليهما ، ولذا أتى بالى دون « على » وحينئذ فلا يكون منافيا لما في النصوص السابقة من خروج المأزمين عن المشعر ، ولا حاجة الى ارتكاب جواز الوقوف عليه مع خروجه للضرورة أو مطلقا مع الكراهة وبدونها كما عرفت ، وربما يؤيد ذلك ما أخبر به المشاهدون من انه لا يمكن الصعود على قنتة هذا ، ولكن في الرياض ان السياق وفهم الأصحاب قرينة على كون « الى » هنا بمعنى « على » فيكون استثناء للمأزمين والجبل الى آخره ، ولا يخفى عليك ما فيه ، والله العالم.

ولو نوى الوقوف ثم نام أو جن أو أغمي عليه صح وقوفه في ظاهر كلام الأصحاب ، لأن الركن مسماه الذي يحصل بآن يسير بعد النية ، ولذا لا يبطل حج من أفاض عمدا من قبل طلوع الشمس فضلا عن الخارج عن التكليف ولكن في المتن قيل : لا يصح وقوفه ، ولم نعرف القائل كما اعترف به في المدارك ، قال : نعم ذكر الشيخ في المبسوط عبارة مقتضاها انه يعتبر الإفاقة من الجنون والإغماء في الموقفين ، ثم قال : وكذلك حكم النوم سواء ، والاولى ان نقول يصح منه الوقوف بالموقفين وإن كان نائما لأن الغرض الكون فيه لا الذكر ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

٦٨

وليس في كلامه دلالة على عدم صحة الوقوف إذا عرض احد هذه الاعذار بعد النية كما هو المنقول في العبارة ، ولكن ما ذكره من عدم الفرق بين النوم والإغماء والجنون غير جيد ، قلت : قد عرفت نحو هذا الكلام في وقوف عرفة ، والتحقيق الصحة مع حصول المسمى ، والبطلان بدونه وحينئذ فـ (الأول أشبه ) ولذا قال في الدروس هنا خامسها أي الواجبات السلامة من الجنون والإغماء والسكر والنوم في جزء من الوقت كما مر ، والله العالم.

ومن الواجب أيضا أن يكون الوقوف للرجل المختار بعد طلوع الفجر بلا خلاف أجده فيه ، بل في المدارك والذخيرة وكشف اللثام وعن غيرها الإجماع عليه ، مضافا الى التأسي ، وقول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (١) : « أصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر ، فقف إن شئت قريبا من الجبل ، وإن شئت حيث تبيت ، فإذا وقفت فاحمد الله تعالى وأثن عليه واذكر من آلائه وبلائه ما قدرت عليه ، وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليكن من قولك : اللهم رب المشعر الحرام فك رقبتي من النار ، وأوسع علي من رزقك الحلال ، وادرأ عني شر فسقة الجن والانس ، اللهم أنت خير مطلوب اليه وخير مدعو وخير مسئول ولكل وافد جائزة ، فاجعل جائزتي في وطئي هذا أن تقيلني عثرتي ، وتقبل معذرتي ، وان تجاوز عن خطيئتي ، ثم اجعل التقوى من الدنيا زادي ، ثم أفض حين يشرق لك ثبير وترى الإبل مواضع أخفافها » وعن المفيد زيادة « يا أرحم الراحمين » في آخره ، والصدوق جملا في البين ، وفي الآخر وقال : « وادع الله كثير لنفسك ولوالديك وولدك وأهلك ومالك وإخوانك والمؤمنين والمؤمنات ، فإنه موطن شريف عظيم » ومفهوم‌ مرسل جميل (٢) « لا بأس بأن يفيض الرجل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

٦٩

بليل إذا كان خائفا » بناء على إرادة الإثم من البأس في المفهوم ولو لما عرفت.

لكن عن بعضهم أن وقت الاختيار من ليلة النحر الى طلوع الشمس من يومها ، لإطلاق‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح هشام (١) وغيره « في المتقدم من منى الى عرفات قبل طلوع الشمس لا بأس به ، والمتقدم من المزدلفة إلى منى يرمون الجمار ويصلون الفجر في منازلهم بمنى لا بأس » وحسن مسمع (٢) الآتي المتضمن وجوب شاة عليه الساكت عن أمره بالرجوع ، وإطلاق النصوص السابقة أن من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ، وهو ظاهر الأكثر ، لحكمهم بجبره بشاة فقط ، حتى حكى في المنتهى اتفاق من عدا ابن إدريس عليه ، وفيه أن الموجود في الدروس أن الواجب فيه نيته إلى أن قال : رابعها الوقوف بعد الفجر الى طلوع الشمس ، والأولى استئناف النية له ، والمجزي فيه الذي هو ركن مسماه ، ولو أفاض قبل طلوع الشمس ولما يتجاوز محسرا فلا بأس ، بل يستحب ، فان تجاوزه اختيارا أثم ولا كفارة ، وقال الصدوق رحمه‌الله : عليه شاة ، وقال ابن إدريس : يستحب المقام الى طلوع الشمس ، والأول أشهر ، ثم قال : وسادسها كونه ليلة النحر ويومه حتى تطلع الشمس ، وللمضطر الى زوال الشمس وقد ذكر سابقا أن في صحيح هشام جواز صلاة الصبح بمنى ، ولم يقيد بالضرورة ورخص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للنساء والصبيان الإفاضة ليلا ، وكذا يجوز للخائف ، وهو كالصريح في أنه اضطراري للخائف ، والفرق بينه وبين ما بعد طلوع الشمس الى الزوال أنه اضطراري مطلقا ، بخلافه فإنه اختياري للنساء ، ولا دلالة في قوله : « سادسها » الى آخره ، على امتداد وقت الاختيار ، بل مراده وجوب الكون‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

٧٠

في ليلة النحر ويومه الى أن تطلع الشمس على معنى أن الركن حصوله في أي جزء منه ، ومن الغريب دعوى أنه ظاهر الأكثر باعتبار حكمهم بصحته للمفيض قبل الفجر عامدا مختارا مع الجبر بشاة إذا كان قد وقف بعرفة أو مطلقا ، ضرورة كونه كالصريح في حصول الإثم ، لذكرهم الجبر المراد به الكفارة المقتضية للإثم غالبا ، وصحيح هشام مخصوص بغيره مما دل على اعتبار الاضطرار من نص وإجماع ، والسكوت في خبر مسمع لا يدل على عدم الوجوب ، ضرورة احتماله أمورا كثيرة ، نحو سكوته عن الأمر بالرجوع للمفيض من عرفات قبل مغيب الشمس مقتصرا على ذكر الكفارة ، ونصوص إدراك الحج لا تنافي وجوب غير ذلك معه ، نعم‌ روي علي بن عطية (١) قال : « أفضنا من المزدلفة بليل أنا وهشام ابن عبد الملك ، وكان هشام خائفا فانتهينا إلى جمرة العقبة طلوع الفجر ، فقال لي هشام : أي شي‌ء أحدثنا في حجنا ، فبينما نحن كذلك إذ لقينا أبا الحسن موسى عليه‌السلام وقد رمى الجمار وانصرف ، فطابت نفس هشام » إلا أنه قضية في واقعة لا يعلم حالها ، ضرورة احتمال كون الامام عليه‌السلام معذورا أيضا.

وعلى كل حال فقد بان لك أن تفريع المصنف وغيره على ذلك حكم الإفاضة قبل طلوع الفجر حيث قال فلو أفاض قبله عامدا بعد أن كان به ليلا ولو قليلا لم يبطل حجه ان كان وقف بعرفات وجبره بشاة في محله بعد أن كان المراد من الجبر بيان الإثم المترتب على ترك الواجب المزبور ، ووجهه ـ بعد أن كان هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ـ حسن مسمع (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل وقف مع الناس بجمع ثم أفاض قبل أن يفيض الناس فقال : إن كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

٧١

جاهلا فلا شي‌ء عليه ، وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة » المنجبر بما عرفت ، وصحيح هشام السابق بعد حمل نفي البأس فيه على إرادة بيان الصحة فيه مع الجبر بشاة للعامد ، وإطلاق‌ قوله عليه‌السلام (١) : « من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج » بناء على شموله للفرض ، فما عن الحلبي وظاهر الخلاف من بطلان الحج باعتبار فوات الركن عمدا الذي هو الوقوف بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس ولو في جزء منه واضح الضعف ، ضرورة كون المدار في الركن على ما ثبت من الأدلة ، وقد عرفت أن الثابت منها البطلان بترك المسمى عمدا في ليلة النحر الى طلوع الشمس ، وإن أوجبناه بعد طلوع الفجر مع الوقوف ليلا إلا أنه واجب غير ركن ، إذ لا تلازم ، وما في المدارك من أن مجرد الحكم بوجوب الوقوف بعد الفجر كاف في عدم تحقق الامتثال بدون الإتيان به الى أن تثبت الصحة مع الإخلال به من دليل من خارج واضح الضعف بعد ما عرفت ثبوتها بحسن مسمع الذي قد اعترف بصحته في غير هذا الموضع المنجبر مع ذلك والمعتضد بما عرفت ، بل عن المنتهى ان قول ابن إدريس لا نعرف له موافقا ، فكان خارقا للإجماع ، واحتمال كون المراد بحسن مسمع بيان حكم الجاهل المفيض بعد طلوع الفجر وقبله فيكون حينئذ من مسألة ذي العذر الذي ستعرف الكلام فيها لا داعي له بعد ما عرفت من الفتوى بظاهره ، مع أن ذا العذر لا جبر عليه بشي‌ء ، نعم قد يقال بعدم دلالته على التقييد المذكور في المتن ، فيصح حجه وإن لم يكن وقف بعرفات ، إلا أن الانصاف عدم خلوه عن ظهور في ذلك ، لا أقل من أن يكون غير متعرض فيه للحكم من غير الجهة المزبورة ، فيبقى ما يقتضي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١٣.

٧٢

الفساد مما دل على وجوب وقوف عرفة وأنه الحج بحاله.

ثم لا يخفى عليك أن ما ذكرناه من الاجتزاء بالوقوف في جزء من الليل مع الجبر بشاة إذا كان قد أفاض قبل طلوع الفجر غير مسألة المبيت ، ضرورة إمكان القول بذلك وإن لم نقل بوجوبه ، فيكفي حينئذ الوقوف ليلا ثم الإفاضة فيه ، لكن يقوى وجوبه أيضا كما عن ظاهر الأكثر للتأسي ، وقوله عليه‌السلام في‌ صحيح معاوية (١) : « ولا تتجاوز الحياض ليلة المزدلفة » بل لعل صحيحة الآخر (٢) المتقدم سابقا دال عليه أيضا ، بل ربما ظهر منه المفروغية من ذلك ، كظهورها من غيره من النصوص ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر عبد الحميد بن أبي الديلم (٣) « لم سمي الأبطح أبطح؟ لأن آدم عليه‌السلام أمر أن ينبطح في بطحاء جمع ، فانبطح حتى انفجر الصبح ، ثم أمر أن يصعد جبل جمع ، وأمره إذا طلعت الشمس أن يعترف بذنبه ، ففعل ذلك فأرسل الله نارا من السماء فقبضت قربان آدم عليه‌السلام » فما عن التذكرة ـ من عدم وجوبه للأصل المقطوع بما عرفت وصحيح هشام المحمول على حال الضرورة ، وحسن مسمع المراد منه الاجزاء مع الإثم بقرينة ما فيه من الجبر بشاة ـ واضح الضعف ، بل في الدروس الأشبه أنه ركن عند عدم البدل من الوقوف نهارا ، فلو وقف ليلا لا غير وأفاض قبل طلوع الفجر صح حجه وجبره بشاة ، وإن كان فيه أن ذلك غير المبيت ، ضرورة كفاية مسمى الكون ، اللهم إلا أن يراد من المبيت ذلك كما في المسالك ، قال فيها :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٣ وهو صحيح الحلبي كما تقدم في ص ٦٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٦.

٧٣

« والأقوى وجوب المبيت ليلا والنية له عند الوصول ، والمراد به الكون بالمشعر ليلا » وإن كان لا يخلو من نظر.

وعلى كل حال فقد تلخص لك أنه لو وقف ليلا وبعد طلوع الفجر فلا إشكال في حصول الركن ، وكذا لو وقف بعد طلوع الفجر خاصة وإن أثم بعدم المبيت بناء على وجوبه ، ولو وقف ليلا خاصة أثم بعدم وقوفه بعد طلوع الفجر ، ولكن حصل الركن منه ، بل أثم أيضا بعدم المبيت بناء على وجوبه مع فرض إفاضته من المشعر قبل طلوع الفجر.

ولا يخفى عليك أن الاجتزاء بمسمى الوقوف ليلا يستلزم كونه واجبا ، إذ احتمال استحبابه مع إجزائه عن الواجب بضم الجبر بشاة مناف لقاعدة عدم إجزاء المستحب عن الواجب بلا داع.

كما لا يخفى عليك أن الاجتزاء به عن الوقوف بعد طلوع الفجر من حيث الركنية مشروط بحصول النية ، وإلا كان كتارك الوقوف بالمشعر كما صرح به في المسالك ، لكن أشكله سبطه بأن الوقوف لغير المضطر وما في معناه انما يقع بعد الفجر ، فكيف تتحقق نيته ليلا ، وهو كما ترى ، ضرورة بناء ذلك على حصول الركنية بالوقوف ليلا وإن وجب مع ذلك الوقوف بعد طلوع الفجر ، لكنه ليس بركن بمعنى عدم بطلان الحج بتركه عمدا ، هذا ، وفي المسالك « ثم إن لم نقل بوجوبه أي المبيت فلا إشكال في وجوب النية للكون عند الفجر ، وان أوجبنا المبيت فقدم النية عنده ففي وجوب تجديدها عند الفجر نظر ، ويظهر من الدروس عدم الوجوب ، وينبغي أن يكون موضع النزاع ما لو كانت النية للكون به مطلقا ، أما لو نواه ليلا أو نوى المبيت كما هو الشائع في كتب النيات المعدة لذلك فعدم الاجتزاء بها عن نية الوقوف نهارا متجه ، لأن الكون ليلا والمبيت مطلقا لا يتضمنان النهار ، فلا بد من نية أخرى ، والظاهر أن نية الكون به عند الوصول‌

٧٤

كافية عن النية نهارا ، لأنه فعل واحد الى طلوع الشمس كالوقوف بعرفة ، وليس في النصوص ما يدل على خلاف ذلك » انتهى ، وهو محل للنظر ، إذ عدم الوجوب بخصوصه لا ينافي الاجتزاء به باعتبار كونه أحد أفراد الوقوف لو حصل ، كما أن الوجوب بخصوصه لا يقتضي الاجتزاء بالنية الواحدة مع فرض وجوب الكون من طلوع الفجر الى طلوع الشمس بخصوصه على وجه يكون فعلا مستقلا كما هو الظاهر من نصهم عليه بالخصوص ، ومنه يعلم ما في قوله : « والظاهر » الى آخره كقوله فيها أيضا : وإطلاق المصنف الاجتزاء بذلك مع جعله الوقوف الواجب بعد طلوع الفجر لا يخلو من تكلف ، بل يستفاد من اجزائه كذلك كونه واجبا لأن المستحب لا يجزي عن الواجب ، ويستفاد من قوله : « إذا كان وقف بعرفات » أن الوقوف بالمشعر ليلا ليس اختياريا محضا ، وإلا لأجزأ وإن لم يقف بعرفة إذا لم يكن عمدا ، وعلى ما اخترناه من إجزاء اضطراري المشعر وحده يجزي هنا بطريق أولى ، لأن الوقوف الليلي للمشعر فيه شائبة الاختيار ، للاكتفاء به للمرأة اختيارا وللمضطر وللمتعمد مطلقا مع جبره بشاة ، والاضطراري المحض ليس كذلك ، إذ قد عرفت أن المراد من التفريع بيان الإثم وعدم الاجتزاء به ، لعدم ظهور في الدليل ، وليس المدار على كونه وقوفا اختياريا كي يستتبع الاجزاء ، بل في المدارك المناقشة في الأولوية المزبورة ، وخبر مسمع ظاهر فيمن أدرك مع ذلك عرفة ، إذ لا تعرض فيه للجهة المزبورة ، كما ان المنساق من قوله : « من أدرك جمعا فقد أدرك الحج » إدراك وقت الاختياري منها كما تقدم بعض الكلام في ذلك.

بقي شي‌ء وهو ما قيل من ان المعروف المصرح به في كلام جماعة من الأصحاب أن الواجب الوقوف من حين تحقق طلوع الفجر الى طلوع الشمس ، فتجب النية حينئذ مقارنة لطلوع الفجر ، ولكن الركن منه مسماه ، والباقي‌

٧٥

واجب غير ركن نحو ما سمعته في وقوف عرفة ، وربما كان هذا ظاهر عبارة الدروس السابقة بناء على إرادة عدم الدخول في وادي محسر من قوله فيها : « ولما يتجاوز » وتبعه الكركي وثاني الشهيدين ، لكن في محكي السرائر « ويستحب للضرورة أن يطأ المشعر برجله وان كان الوقوف واجبا وركنا من أركان الحج عندنا من تركه متعمدا فلا حج له ، وأدناه أن يقف بعد طلوع الفجر إما قبل صلاة الغداة أو بعدها بعد أن يكون قد طلع الفجر الثاني ولو قليلا والدعاء وملازمة الموضع الى طلوع الشمس مندوب غير واجب » وهو وإن كان ظاهرا فيما حكاه عنه في الدروس إلا أنه يمكن أن يريد ندبية الملازمة لموضع الوقوف حال الدعاء لا الخروج عن المشعر رأسا ، نعم في محكي المنتهى « لو ترك السعي بوادي محسر أو أفاض بعد طلوع الشمس أو جاز وادي محسر قبل طلوعها لم يكن عليه شي‌ء ، لأنها أفعال مستحبة ، فلا يتبع في تركها عقوبة » وفي محكي التذكرة « لو دفع قبل الاسفار بعد طلوع الفجر أو بعد طلوع الشمس لم يكن مأثوما إجماعا » ونحوه عن المنتهى أيضا ، وفيها أيضا « وإذا أفاض من المشعر قبل طلوع الشمس فلا يجوز وادي محسر حتى تطلع الشمس مستحبا ، وروي (١) عن الباقر عليه‌السلام انه يكره الوقوف بالمشعر بعد الإفاضة ».

وهو صريح في عدم وجوب الاستيعاب كظاهر المتن وغيره ، ولعله الأقوى للأصل وإطلاق الأدلة السالمين عن المعارض ، وحسن معاوية السابق أو صحيحه (٢) لا دلالة فيه على ذلك ، فإن الأمر بالإفاضة حين يشرق له ثبير وحين ترى الإبل مواضع أخفافها أعم من ذلك ، والظاهر إرادة الاسفار من الإشراق فيه بقرينة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

٧٦

قوله : « وترى الإبل » إلى آخره الذي لا يعبر به عن بعد طلوع الشمس ، ومنه يعلم رجحان ما قلنا على صورة العكس ، بل‌ قوله عليه‌السلام (١) : « من أصبح على طهر » الى آخره ظاهر في عدم وجوب النية عند طلوع الفجر ، وكذلك النهي في خبر هشام بن الحكم (٢) عن تجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس حتى على احتمال إرادة عدم الدخول فيه من قوله : « لا تتجاوز » فان ذلك أعم من الاسفار المزبور ، بل‌ قول الصادق عليه‌السلام في مرسل علي بن مهزيار (٣) : « ينبغي للإمام أن يقف بجمع حتى تطلع الشمس ، وسائر الناس إن شاؤا عجلوا وإن شاؤا أخروا » ظاهر في خلافه ، كخبر إسحاق بن عمار (٤) « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام أي ساعة أحب إليك أن أفيض من جمع؟ قال : قبل أن تطلع الشمس بقليل فهو أحب الساعات إلى ، قلت : فان مكثت حتى تطلع الشمس قال : لا بأس » ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط ، والله العالم.

وعلى كل حال فلا خلاف أجده في أنه تجوز الإفاضة قبل الفجر للمرأة ومن يخاف على نفسه من الرجال من غير جبران كما اعترف به بعضهم بل في المدارك هو مجمع عليه بين الأصحاب ، بل في محكي المنتهى يجوز للخائف والنساء ولغيرهم من أصحاب الأعذار ومن له ضرورة الإفاضة قبل طلوع الفجر من المزدلفة ، وهو قول كل من يحفظ عنه العلم ، وقال الصادق عليه‌السلام في‌ صحيح معاوية بن عمار (٥) المشتمل على صفة حج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ثم أفاض وأمر الناس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١ وفيه « أصبح على طهر ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣.

٧٧

بالدعة حتى إذا انتهى الى المزدلفة وهي المشعر الحرام فصلى المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين ، ثم أقام فصلى فيها الفجر ، وعجل ضعفاء بني هاشم بالليل ، وأمرهم أن لا يرموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس » وفي‌ صحيح سعيد الأعرج (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك معنا نساء فأفيض بهن بليل قال : نعم تريد أن تصنع كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : قلت : نعم ، قال : أفض بهن بليل ، ولا تفض بهن حتى تقف بهن ، ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة ، فان لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن أو يقصرن من أظفارهن ثم يمضين إلى مكة في وجوههن ، ويطفن بالبيت ويسعين بين الصفا والمروة ، ثم يرجعن الى البيت فيطفن أسبوعا ثم يرجعن إلى منى وقد فرغن من حجهن ، وقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسل معهن أسامة » وصحيح أبي بصير (٢) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا بأس بأن يقدم النساء إذا زال الليل فيقفن عند المشعر الحرام ساعة ، ثم ينطلق بهن إلى منى فيرمين الجمرة ، ثم يصبرن ساعة ثم يقصرن وينطلقن إلى مكة ». وصحيح أبي بصير (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « رخص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للنساء والصبيان أن يفيضوا بالليل وأن يرموا الجمار بالليل وأن يصلوا الغداة في منازلهم ، فان خفن الحيض مضين إلى مكة ووكلن من يضحي عنهن » الى غير ذلك من النصوص الدالة على الخائف وغيره ، بل قد يظهر منها استثناء من يمضي مع النساء والخائف ، فإنه عذر في الجملة كما سمعته في خبر سعيد ، بل وخبر علي بن عطية (٤) السابق المتضمن تعجيل هشام وصاحبه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ٣.

٧٨

نعم ينبغي للمعذورين أن لا يفيضوا إلا بعد انتصاف الليل ، كما انه لا بد لهم من الوقوف ولو قليلا كما نص عليه في بعض الأخبار السابقة ، بل لعل النسيان من العذر أيضا كما أشار إليه المصنف وغيره بقوله ولو أفاض ناسيا لم يكن عليه شي‌ء بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به غير واحد للأصل ورفع الخطأ والنسيان ، نعم لو تمكن من الرجوع لتحصيل الوقوف بعد طلوع الفجر وجب لما عرفت بل يمكن ذلك في كل ذي عذر بعد دعوى عدم انصراف الأدلة المزبورة لمن ارتفع عذره على وجه يدرك الواجب الذي هو الوقوف بعد الفجر ، فتأمل ، وهل الجهل عذر احتمله بعض الناس ، وربما كان هو مقتضى إطلاق خبر مسمع السابق ، فيكون المقابل له العالم العامد الذي يجب عليه الجبر بشاة كما هو ظاهر كلام الأصحاب ، بل لا وجه لحمل الأول على إرادة ما قبل طلوع الشمس ، لعدم الفرق في عدم شي‌ء عليه بين الجاهل والعالم ، مؤيدا ذلك بما يظهر من خبر المقام من معذورية الجاهل في الحج ، ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط ، فيجبر بشاة حينئذ ، والله العالم.

ويستحب الوقوف بعد أن يصلي الفجر وأن يدعو بالدعاء المرسوم أو ما يتضمن الحمد لله تعالى والثناء عليه والصلاة على النبي وآله كما سمعته في صحيح معاوية (١) السابق ، وفي محكي المهذب « ينبغي لمن أراد الوقوف بالمشعر الحرام بعد صلاة الفجر أن يقف فيه بسفح الجبل متوجها الى القبلة ، ويجوز له أن يقف راكبا ، ثم يكبر الله سبحانه ، ويذكر من آلائه وبلائه ما تمكن منه ، ويتشهد الشهادتين ، ويصلي على النبي والأئمة ، وإن ذكر الأئمة عليهم‌السلام واحدا واحدا ودعا لهم وتبرأ من عدوهم كان أفضل ، ويقول بعد ذلك : اللهم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

٧٩

رب المشعر إلى آخر ما في‌ الخبر (١) ـ وزاد في آخره برحمتك ، وقال ـ : ثم تكبر الله سبحانه مائة مرة ، وتحمده مائة مرة ، وتسبحه مائة مرة ، وتهلله مائة مرة ، وتصلي على النبي وآله ( عليهم الصلاة والسلام ) وتقول : اللهم اهدني من الضلالة وأنقذني من الجهالة ، واجمع لي خير الدنيا والآخرة ، وخذ بناصيتي إلى هداك ، وانقلني الى رضاك ، فقد ترى مقامي بهذا المشعر الذي انخفض لك فرفعته ، وذل لك فأكرمته ، وجعلته علما للناس ، فبلغني فيه مناي ونيل رجاي ، اللهم إني أسألك بحق المشعر الحرام أن تحرم شعري وبشري على النار ، وأن ترزقني حياة في طاعتك ، وبصيرة في دينك ، وعملا بفرائضك ، واتباعا لأوامرك ، وخير الدارين جامعا ، وأن تحفظني في نفسي ووالدي وولدي وأهلي وإخواني وجيراني برحمتك ، وتجتهد في الدعاء والمسألة والتضرع الى الله سبحانه الى حين ابتداء طلوع الشمس » ثم ذكر من الواجبات فيه ذكر الله سبحانه والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعن السيد والراوندي احتماله ، وابن زهرة الاحتياط به ، ولعل الأول للأمر به في الآية (٢) والثاني للأمر به في صحيح معاوية بن عمار (٣) إلا أن الظاهر إرادة الندب منهما ، بل يمكن إرادة الذكر قلبا الحاصل بنية الوقوف ، فيكون في قوة الأمر بالكون عند المشعر الحرام لله تعالى ، بل لو قلنا بوجوب الاستيعاب المستلزم لصلاة الغداة أو الجمع بين المغرب والعشاء كفى ذلك في الذكر بناء على إرادة مطلقه ، بل والصلاة على محمد وآله أيضا.

قال أبو بصير (٤) للصادق عليه‌السلام : « إن صاحبي هذين جهلا أن يقفا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ١٩٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٧.

٨٠