جواهر الكلام - ج ١٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

اختياري عرفة الملحق به الناسي والمضطر بعدم القول بالفصل ، وباحتمال إرادة الجهل بالحكم ، بل هو الظاهر ، ولا ريب في أولوية الناسي منه ، بل يمكن إرادة ما يعم النسيان من الجهل فيه ، خصوصا بعد ملاحظة ما عرفت من الشهرة العظيمة أو عدم الخلاف المحقق نقلا إن لم يكن تحصيلا ، وما ذكره الشيخ ـ من الطعن في خبر محمد بن يحيى بأنه رواه تارة بواسطة وأخرى بدونها ، وأنه محمول على من وقف بالمزدلفة شيئا يسيرا دون الوقوف التام الذي متى وقفه الإنسان كان أفضل وأكمل ـ لا داعي له ، خصوصا بعد انجباره بما سمعت ، على أنه لا حاجة الى حمله على ما ذكره بعد أن كان موافقا لمن عرفت ، مع أنه كالصريح في عدم وقوفه شيئا من الاختياري ، نعم قد يقال باعتبار وقوف شي‌ء يسير من الليل ولو حال التجاوز فيه في الصحة في الفرض ، بخلاف ما إذا لم يحصل له كون فيه أصلا بأن مضى إلى منى من دون مرور بالمشعر أصلا ، فإنه يبطل ، لعدم تناول دليل الصحة له ، وربما يؤيده في الجملة ما رواه‌ الشيخ والصدوق عن حماد بن عثمان (١) في الصحيح والكليني معه في الضعيف عن محمد بن حكم « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أصلحك الله الرجل الأعجمي والمرأة الضعيفة تكونان مع الجمال الأعرابي فإذا أفاض بهم من عرفات مر بهم كما هم إلى منى لم ينزل بهم جمعا ، قال : أليس قد صلوا بها فقد أجزأهم ، قلت : فان لم يصلوا بها قال : فذكروا الله فيها ، فان كان قد ذكروا الله فيها فقد أجزأهم » إلا اني لم أجده قولا لأحد من الأصحاب حتى المتأخرين ومتأخريهم إلا صاحب الذخيرة ، فإنه اعتبر في الصحة في الفرض ذلك ، بل يخرج حينئذ عن موضوع المسألة الذي هو إدراك موقف عرفة خاصة ، ضرورة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٣ عن محمد بن حكيم.

٤١

كونه على الفرض المزبور أدرك الموقفين ، لما تعرفه إن شاء الله من أن موقف المشعر الركني الكون به آنا ما ليلا أو نهارا الى طلوع الشمس وإن وجب مع ذلك الكون بعد طلوع الفجر ، لكنه ليس ركنا مع الوقوف ليلا ، فتأمل جيدا ، وعلى كل حال فقد ظهر لك مما ذكرناه النظر فيما سمعته من المدارك ، والله العالم.

المسألة الخامسة إذا لم يتفق له الوقوف بعرفات نهارا فوقف ليلا ثم لم يدرك المشعر حتى تطلع الشمس فوقف فيه قبل الزوال ( فـ ) مقتضى المحكي من النهاية والمبسوط أنه قد فاته الحج واختاره في النافع للمعتبرة المستفيضة (١) المتضمنة ان من لم يدرك الناس بالمشعر قبل طلوع الشمس من يوم النحر فلا حج له فإنها شاملة للفرض ، بل ولمن أدرك اختياري عرفة أيضا وإن كان قد خرج بما عرفت من الإجماع وغيره ، بخلاف الفرض ، لكن فيه أنها ظاهرة كما لا يخفى على من لاحظها فيمن لم يدرك إلا ذلك ، لا المفروض الذي أدرك فيه اضطراري عرفة معه ، على أنها معارضة بالمعتبرة المستفيضة (٢) المتضمنة أن من أدرك المشعر قبل الزوال من يوم النحر فقد أدرك الحج ، وتقييدها بمن أدرك مع ذلك اختياري عرفة ليس بأولى من تقييد الأولى بمن لم يدرك عرفة مطلقا حتى الاضطراري منها ، بل هو أولى من وجوه ، منها الشهرة ، ومنها ما قيل من أن هذه معتبرة الأسانيد جملة ، بل صحاحها مستفيضة ، بخلاف تلك الضعيفة أسانيدها جملة عدا‌ صحيح حريز (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مفرد للحج فاته الموقفان جميعا فقال له : الى طلوع الشمس يوم النحر ، فان طلعت الشمس من يوم النحر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٦ و ٨ و ٩ وغيرها.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

٤٢

فليس له حج ، ويجعلها عمرة ، وعليه الحج من قابل » وهو ظاهر في عدم إدراك عرفات مطلقا ، كل ذلك مضافا الى خصوص‌ صحيح الحسن العطار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر فأقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجمع ووجدهم قد أفاضوا فليقف قليلا بالمشعر الحرام ، وليلحق الناس بمنى ولا شي‌ء عليه ».

ومن هنا قيل والقائل الشيخ في التهذيب والصدوق والإسكافي والسيد وابن زهرة والحلبيون والفاضل وغيرهم ، بل الأكثر ، بل المشهور : يدركه ولو قبل الزوال ، وهو حسن بل الأقوى لما عرفت ، بل ينبغي القطع به بناء على القول بإدراك الحج بإدراك اضطراري المشعر النهاري خاصة كما هو المحكي عن ابني الجنيد وبابويه في علل الشرائع والسيد والحلبيين وجملة من المتأخرين كثاني الشهيدين وسبطه ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح جميل : « من أدرك الموقف بجمع يوم النحر قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج » وحسنه (٢) وصحيح إسحاق بن عمار (٣) « من أدرك المشعر الحرام يوم النحر قبل ان تزول الشمس فقد أدرك الحج » وصحيح معاوية (٤) « إذا أدركت الزوال فقد أدركت الموقف » وموثق إسحاق (٥) « من أدرك المشعر الحرام وعليه خمسة من الناس قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج » وصحيح جميل (٦) أيضا « المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة ، وله الحج الى زوال الشمس من يوم النحر » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ١١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ١٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ١١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١٥.

٤٣

وفي الصحيح (١) « جاءنا رجل بمنى فقال : اني لم أدرك الناس بالموقفين فقال له عبد الله بن المغيرة : فلا حج لك ، وسأل إسحاق بن عمار فلم يجبه ، فدخل إسحاق على أبي الحسن عليه‌السلام فسأله عن ذلك فقال : إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل ان تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج » وفي الموثق (٢) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل عرض له سلطان فأخذه يوم عرفة قبل ان يعرف فبعث به الى مكة فحبسه فلما كان يوم النحر خلى سبيله كيف يصنع؟ قال : يلحق بجمع ثم ينصرف إلى منى ويرمي ويذبح ولا شي‌ء عليه ، قلت : فان خلى عنه يوم النفر كيف يصنع؟ قال : هذا مصدود عن الحج ، ان كان دخل مكة متمتعا بالعمرة إلى الحج فليطف بالبيت أسبوعا ، ويسع أسبوعا ، ويحلق رأسه ويذبح شاة ، وان كان دخل مكة مفردا للحج فليس عليه ذبح ولا حلق رأسه ».

وعن فخر الدين وثاني الشهيدين الاستدلال عليه أيضا بصحيح عبد الله بن مسكان عن الكاظم عليه‌السلام « إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل ان تزول الشمس فقد أدرك الحج » إلا أني لم أجده في شي‌ء من الأصول التي وصلت إلينا كما اعترف به غير واحد ممن تأخر عنهما ، بل في المدارك الظاهر أنها رواية عبد الله بن المغيرة ، فوقع السهو في ذكر الأب ، نعم قال النجاشي : روي انه أي عبد الله بن مسكان لم يسمع من الصادق عليه‌السلام إلا‌ حديث (٣) « من أدرك المشعر فقد أدرك الحج » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٦ إلا أنه أسقط جملة منه وذكر تمامه في الاستبصار ج ٢ ص ٣٠٤ الرقم ١٠٨٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الإحصار والصد ـ الحديث ٢ مع اختلاف يسير.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١٤.

٤٤

وقال الكشي : « محمد بن مسعود (١) قال : حدثني محمد بن نصر قال : حدثني محمد ابن عيسى عن يونس قال : « لم يسمع حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام إلا حديثا أو حديثين ، وكذلك عبد الله بن مسكان لم يسمع إلا حديث من أدرك المشعر فقد أدرك الحج ، وكان من أروى أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام ، وكان أصحابنا يقولون : من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ، فحدثني محمد بن أبي عمير وأحسبه انه رواه له من أدركه قبل الزوال من يوم النحر فقد أدرك الحج ».

لكن المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا العدم ، بل عن المنتهى والمختلف والتنقيح انه موضع وفاق ، لصحيح الحلبي (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات فقال : إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل ان يفيضوا فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات ، وإن قدم وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام ، فان الله تعالى أعذر لعبده ، وقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل ان يفيض الناس ، فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج ، فليجعلها عمرة مفردة ، وعليه الحج من قابل » وصحيح حريز (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مفرد الحج فإنه الموقفان جميعا فقال : له الى طلوع الشمس يوم النحر ، فان طلعت الشمس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١٣ عن رجال الكشي عن محمد بن مسعود ومحمد بن نصير عن محمد بن عيسى مع الاختلاف في المتن أيضا ورواه الأردبيلي في رجاله في ترجمة عبد الله بن مسكان أيضا.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

٤٥

من يوم النحر فليس له حج ، ويجعلها عمرة ، وعليه الحج من قابل » وصحيحه الآخر (١) مع زيادة « كيف يصنع؟ قال : يطوف بالبيت وبالصفا والمروة ، فإن شاء أقام بمكة وإن شاء اقام بمنى مع الناس ، وإن شاء ذهب حيث شاء ، ليس هو من الناس في شي‌ء » وصحيح ضريس بن أعين (٢) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر فقال : يقيم على إحرامه ويقطع التلبية حين يدخل مكة ، ويطوف ويسعى بين الصفا والمروة وينصرف إلى اهله إن شاء ، وقال : هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه ، فان لم يكن اشترط فعليه الحج من قابل » وخبر محمد بن سنان (٣) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الذي إذا أدرك الناس فقد أدرك الحج فقال : إذا اتى جمعا والناس بالمشعر الحرام قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ولا عمرة له ، وان أدرك جمعا بعد طلوع الشمس فهي عمرة مفردة ولا حج له ، فان شاء ان يقيم بمكة أقام ، وإن شاء ان يرجع الى أهله رجع وعليه الحج من قابل » وقوي إسحاق بن عبد الله (٤) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل دخل مكة مفردا للحج فيخشى ان يفوته الموقفان فقال : له يومه الى طلوع الشمس من يوم النحر ، فإذا طلعت الشمس فليس له حج ، قلت : كيف يصنع بإحرامه؟ فقال : يأتي مكة فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ، فقلت له : إذا صنع ذلك فما يصنع بعد؟ قال : إن شاء أقام بمكة ، وإن شاء رجع الى الناس بمنى ، وليس معهم في شي‌ء ، فان شاء رجع الى اهله ، وعليه الحج من قابل » وخبر محمد بن فضيل (٥) « سألت أبا الحسن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٣.

٤٦

عليه‌السلام عن الحد الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج قال : إذا اتى جمعا والناس بالمشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ولا عمرة له ، فان لم يأت جمعا حتى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة ولا حج له ، فان شاء اقام ، وإن شاء رجع وعليه الحج من قابل » بل قد يدل عليه أيضا‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبيين (١) : « إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج » وغيره بناء على انصراف الاختياري منها بل عن المفيد الأخبار بذلك متواترة ، والرواية بالاجزاء نادرة.

ومنه مضافا الى ما سمعت من محكي الإجماع وغيره يعلم ترجيح هذه النصوص على السابقة ، خصوصا بعد احتمال جملة منها إرادة بيان انه بذلك يدرك الموقف كما أومأ إليه صحيح معاوية بن عمار (٢) ، وحينئذ لا يكون دالا على الاجتزاء به مع فرض عدم ادراك غيره كما هو محل البحث ، على انها اجمعها من المطلق أو العام المقيد أو المخصص بهذه النصوص حتى صحيح ابن المغيرة ، فإنه وان اشتمل على فوات الموقفين إلا انه يمكن إرادة الاختياريين منه دون الاضطراريين ، ولا ينافي ذلك ما في هذه النصوص من عمومها لمن أدرك موقف عرفة أيضا بعدم سمعت من الأدلة على تخصيصها به ، وعلى كل حال فلا ريب في ان الرجحان بجانب هذه النصوص من وجوه ، ومن الغريب ما في المدارك من ارتكاب التأويل فيها بإرادة نفي الكمال من نفي الحج فيها ، وإرادة الندب من الأمر بالعمرة ، بل ومن الأمر بالحج من قابل ، مع انك قد عرفت مرجوحية المعارض الذي لا جابر لضعفه من وجوه كما عرفت.

ومن ذلك كله وما يأتي يظهر ذلك ان أقسام الوقوفين بالنسبة إلى الاختيار والاضطرار ثمانية ، ولو جعل الوقوف الليلي للمشعر قسما على حدة تصير أحد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١٥.

٤٧

عشر : خمسة مفردة ، وهي اختياري عرفة خاصة ، وقد عرفت ان الأقوى صحة الحج معه ، واضطرار بها خاصة ، وفي الدروس انه غير مجز قولا واحدا ، وعن الذخيرة لا اعرف فيه خلافا ، بل عن جماعة الإجماع عليه ، فما في المفاتيح من نسبته إلى الشهرة مشعرا بوجود خلاف فيه في غير محله ، اللهم إلا ان يريد إطلاق كلام الإسكافي ، ولا ريب في ضعفه ، الثالث ان يدرك ليلة المشعر خاصة ، والظاهر عدم الاجزاء بناء على المختار ، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، نعم قد يقال بالصحة بناء عليها بإدراك اضطراري المشعر النهاري خاصة ضرورة أولوية ذلك منه باعتبار ان فيه شائبة الاختيار ، للاكتفاء به للمرأة اختيارا ولغيرها كما ستعرف ، ومن هنا كان المحكي عن ثاني الشهيدين ذلك وإن تردد فيه سبطه باعتبار اختصاص ذلك بنص (١) لا يشمل الاضطراري الليلي ، وهو كذلك ، نعم قد يستدل له بإطلاق خبر مسمع (٢) الآتي الدال على صحة حج من أفاض من المشعر عامدا قبل الفجر وعليه الجبر بشاة ، إلا انه غير نقي السند ، ولا جابر له في خصوص هذا الفرد منه ، وهو من لم يدرك إلا هذا الاضطراري ، بل يمكن دعوى ظهوره فيمن أدرك معه وقوف عرفة بل والاختياري منه ، وقد عرفت الصحة حينئذ فلاحظ وتأمل ، الرابع أن يدرك اختياري المشعر خاصة ، ولا إشكال في الصحة كما عرفت ، بل في الدروس انه خرج الفاضل وجها باجزاء اختياري المشعر وحده دون اختياري عرفة ، ولعله لقول الصادق عليه‌السلام (٣) : « الوقوف بالمشعر فريضة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١٤.

٤٨

وبعرفة سنة » وقوله عليه‌السلام (١) : « إذا فاتتك مزدلفة فاتك الحج » ويعارض بما اشتهر من‌ قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « الحج عرفة » و « أصحاب الأراك لا حج لهم (٣) » ويتفرع عليه اختيار المشعر لو تعارضا ولا يمكن الجمع بينهما ، وإن سوينا بينهما تخير ، ولو قيل بترجيح عرفات لأنه المخاطب به الآن كان قويا ، وعلى كل حال فلا ريب في ضعف التخريج المزبور في حال العمد لما عرفت ، الخامس أن يدرك اضطرارية النهاري خاصة ، وفيه البحث السابق الذي قد عرفت أن الأقوى فيه عدم الصحة ، فيكون الباطل من الأقسام الخمسة قسمين ، وأما الستة المركبة فالأول أن يدرك الاختياريين ، الثاني اختياري عرفة مع اضطراري المشعر الليلي ، الثالث اختياري عرفة مع اضطراري المشعر النهاري ، الرابع أن يدرك اضطراري عرفة مع اضطراري المشعر الليلي ، الخامس أن يدرك اضطراري عرفة مع اختياري المشعر ، السادس أن يدرك الاضطراريين ، والأقوى الصحة في الجميع مع فرض عدم الترك للاختياري عمدا ، وإلا بطل حجه كما عرفت.

وأما المندوبات فكثيرة ، منها الوقوف في ميسرة الجبل لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (٤) : « قف في ميسرة الجبل ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقف بعرفات في ميسرة الجبل ، فلما وقف جعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته فيقفون الى جانبه ، فنحاها ، ففعلوا مثل ذلك فقال : ايها الناس انه ليس موضع أخفاف ناقتي الموقف ، ولكن هذا كله موقف ، وأشار بيده إلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٢.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

٤٩

الموقف ، وفعل مثل ذلك في المزدلفة ».

ومنها أن يكون في السفح لقوله عليه‌السلام أيضا في خبر مسمع (١) : « عرفات كلها موقف ، وأفضل المواقف سفح الجبل » والمراد بالسفح الأسفل حيث يسفح فيه الماء ، وحينئذ فيدل عليه‌ موثق إسحاق (٢) « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحب إليك أو على الأرض؟ فقال : على الأرض » وعن القاموس السفح عرض الجبل المضطجع ، أو أصله ، أو أسفله ، كما أن المراد بميسرة الجبل بالنسبة إلى القادم من مكة كما في المدارك.

ومنها الدعاء المتلقى عن أهل البيت عليهم‌السلام كدعاء الحسين المعروف ، ودعاء ولده زين العابدين في الصحيفة ، ودعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي علمه لعلي عليه‌السلام كما في‌ مرسل ابن سنان (٣) عن الصادق عليه‌السلام ، قال له : « ألا أعلمك دعاء يوم عرفة وهو دعاء من كان قبلي من الأنبياء تقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ، وهو حي لا يموت ، بيده الخير وهو على كل شي‌ء قدير ، اللهم لك الحمد كما تقول وخير ما تقول وفوق ما يقول القائلون ، اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي ، ولك تراثي ، وبك حولي ، ومنك قوتي ، اللهم إني أعوذ بك من الفقر ووساوس الصدر ومن شتات الأمر ومن عذاب القبر ، اللهم إني أسألك خير الرياح ، وأعوذ بك من شر ما تجي‌ء به الرياح ، وأسألك خير الليل وخير النهار ، اللهم اجعل لي في قلبي نورا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٣ مع الاختلاف.

٥٠

وفي سمعي وبصري نورا ، وفي لحمي ودمي وعظامي وعروقي ومقعدي ومقامي ومدخلي ومخرجي نورا ، وأعظم لي نورا يا رب يوم ألقاك ، إنك على كل شي‌ء قدير ».

أو غيره من الأدعية‌ قال الباقر عليه‌السلام في خبر أبي الجارود (١) : « ليس في شي‌ء من الدعاء عشية عرفة شي‌ء موقت » وستسمع الأمر بالدعاء بما أحب.

وأن يدعو لنفسه ولوالديه وللمؤمنين وفي الدروس أقلهم أربعون وإن لم أجد به هنا نصا ، وعلى كل حال فهو يوم شريف كثير البركة ، بل عن الحلبي يلزم افتتاحه بالنية ، وقطع زمانه بالدعاء والتوبة والاستغفار ، ولعله لظاهر الأمر في الأخبار المعلوم إرادة الندب منه ، وخصوص‌ خبر جعفر بن عامر بن عبد الله بن جذاعة الأزدي عن أبيه (٢) قال الصادق عليه‌السلام : « رجل وقف في الموقف فأصابته دهشة الناس فبقي ينظر إلى الناس ولا يدعو حتى أفاض الناس قال : يجزيه وقوفه ، ثم قال : أليس قد صلى بعرفات الظهر والعصر وقنت ودعا؟ قال : بلى ، قال : فعرفات كلها موقف ، وما قرب من الجبل فهو أفضل » الذي هو كما ترى لا صراحة فيه بل ولا ظهور في ذلك ، بل استدل به الفاضل على عدم الوجوب ، ولعله لقوله عليه‌السلام : « يجزيه وقوفه » وإن كان فيه أن ذلك غير مناف لوجوب الدعاء ، فالتحقيق عدم دلالته على كل منهما ، وخصوصا بالنسبة إلى قطع الزمان جميعه ، كخبر أبي يحيى زكريا الموصلي (٣) « سألت العبد الصالح عليه‌السلام عن رجل وقف بالموقف فأتاه نعي أبيه أو نعي بعض ولده قبل أن يذكر الله تعالى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب إحرام الحج الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب إحرام الحج الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب إحرام الحج الحديث ٣.

٥١

بشي‌ء أو يدعو فاشتغل بالجزع والبكاء عن الدعاء ثم أفاض الناس ، فقال : لا أرى عليه شيئا وقد أساء فليستغفر الله ، أما لو صبر واحتسب لأفاض من الموقف بحسنات أهل الموقف جميعا من غير أن ينقص من حسناتهم شيئا » بناء على أن المراد بالإساءة فيه والاستغفار من حيث الجزع ونحوه ، ولكن الانصاف عدم خلو الأول عن ظهور في الاجتزاء بالوقوف المجرد ، وأنه لا يجب فيه غيره ، وعن القاضي وجوب الذكر والصلاة على النبي وآله ( صلوات الله عليهم ) واستدل له بالأمر في الآية (١) وأجيب بعدم كونه للوجوب ، وفيه أن المأمور به انما هو الذكر عند المشعر الحرام وعلى بهيمة الأنعام وفي أيام معدودات ، وقد فسرت في الأخبار (٢) بالعيد وأيام التشريق ، والذكر فيها بالتكبير عقيب الصلوات وبعد قضاء المناسك ، فيحتمل التكبير المذكور وغيره ، نعم قال الصادق عليه‌السلام في‌ صحيح معاوية (٣) السابق : « فإذا وقفت بعرفات فاحمد الله وهلله ومجده وأثن عليه وكبره مائة مرة ، واقرأ قل هو الله أحد مائة مرة ، وتخير لنفسك من الدعاء ما أحببت ، واجتهد فإنه يوم دعاء ومسألة ، وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فان الشيطان لن يذهلك في موطن قط أحب إليه من ان يذهلك في ذلك الموطن ، وإياك ان تشتغل بالنظر الى الناس وأقبل نفسك ، وليكن فيما تقول : اللهم رب المشاعر كلها فك رقبتي من النار ، وأوسع علي من رزقك الحلال ، وادرأ عني شر فسقة الجن والانس ، اللهم لا تمكر بي ولا تخدعني ولا تستدرجني يا أسمع السامعين ويا أبصر الناظرين ويا أسرع الحاسبين ويا أرحم الراحمين ، أسألك أن‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٩٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة العيد من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١ مع الاختلاف.

٥٢

تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا ، وليكن فيما تقول وأنت رافع يديك الى السماء : اللهم ربي حاجتي إليك التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني ، وإن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني ، أسألك خلاص رقبتي من النار ، اللهم إني عبدك وملك ناصيتي بيدك ، وأجلي بعلمك ، أسألك أن توفقني لما يرضيك عني وأن تسلم مني مناسكي التي أريتها خليلك إبراهيم عليه‌السلام ، ودللت عليها نبيك محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليكن فيما تقول : اللهم اجعلني ممن رضيت عمله وأطلت عمره وأحييته بعد الموت حياة طيبة » وفي خبره الآخر (١) عنه عليه‌السلام أيضا « وانما تعجل الصلاة وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء ، فإنه يوم دعاء ومسألة ، ثم تأتي الموقف وعليك السكينة والوقار ، فاحمد الله وهلله ومجده وأثن عليه وكبره مائة مرة ، واحمده مائة مرة ، وسبحه مائة مرة ، واقرأ قل هو الله أحد ـ وساق الحديث الى قوله ـ وأقبل قبل نفسك ـ ثم قال ـ : وليكن فيما تقول : اللهم إني عبدك فلا تجعلني من أخيب وفدك ، وارحم مسيري إليك من الفج العميق ، وليكن فيما تقول : اللهم رب المشاعر كلها فك رقبتي من النار ، وأوسع علي من رزقك الحلال ، وادرأ عني شر فسقة الجن والانس ، اللهم لا تمكر بي ، ولا تخدعني ، ولا تستدرجني ، وتقول : اللهم إني أسألك بحولك وجودك وكرمك ومنك وفضلك يا أسمع السامعين ويا أبصر الناظرين » الى آخره ، وزاد « ويستحب أن تطلب عشية عرفة بالعتق والصدقة أي تطلب فضلها بذلك ».

وظاهر الأمر فيه وفي غيره بالتعجيل وترك النوافل الرواتب انه يوم دعاء وذكر لا يوم صلاة ، لكن في‌ خبر أبي بلال (٢) « رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام اتى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

٥٣

بخمسين نواة فكان يصلي بقل هو الله أحد مائة ركعة وختمها بآية الكرسي ، فقلت : جعلت فداك ما رأيت أحدا منكم صلى هذه الصلاة هنا فقال : ما شهد هذا الموضع نبي ولا وصي نبي إلا صلى هذه الصلاة » ولعل المراد صلاتها في العمرة مرة.

وكيف كان ففي‌ صحيح ابن ميمون (١) عنه عليه‌السلام أيضا « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقف بعرفات فلما همت الشمس أن تغيب قبل أن يندفع قال : اللهم إني أعوذ بك من الفقر ومن تشتت الأمر ومن شر ما يحدث لي بالليل والنهار ، أمسى ظلمي مستجيرا بعفوك ، وأمسى خوفي مستجيرا بأمانك ، وأمسى ذلي مستجيرا بعزك ، وأمسى وجهي الفاني مستجيرا بوجهك الباقي ، يا خير من سئل ، ويا أجود من أعطى جللني رحمتك ، وألبسني عافيتك ، واصرف عني شر جميع خلقك قال عبد الله بن ميمون : وسمعت أبي يقول : يا خير من سئل ويا أوسع من اعطى ويا ارحم من استرحم ثم سل حاجتك » وفي‌ خبر أبي بصير (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا أتيت الموقف فاستقبل البيت وسبح الله مائة مرة ، وكبر الله مائة مرة ، وتقول : ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله مائة مرة ، وتقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي ، وهو حي لا يموت ، بيده الخير وهو على كل شي‌ء قدير مائة مرة ، ثم تقرأ عشر آيات من أول سورة البقرة ، ثم تقرأ قل هو الله أحد ثلاث مرات ، وتقرأ آية الكرسي حتى تفرغ منها ، ثم تقرأ آية السخرة : ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ) ـ إلى قوله ـ ( قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) ، ثم تقرأ قل أعوذ برب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٤.

٥٤

الفلق وقل أعوذ برب الناس حتى تفرغ منها ، ثم تحمد الله على كل نعمة أنعم عليك ، وتذكر نعمة واحدة ما أحصيت منها ، وتحمده على ما أنعم عليك من أهل ومال ، وتحمد الله على ما أبلاك ، وتقول : اللهم لك الحمد على نعمائك التي لا تحصى بعدد ، ولا تكافأ بعمل ، وتحمده بكل آية ذكر فيها الحمد لنفسه في القرآن ، وتسبحه بكل تسبيح ذكر به نفسه في القرآن ، وتكبره بكل تكبير كبر به نفسه في القرآن ، وتهلله بكل تهليل هلل به نفسه في القرآن ، وتصلي على محمد وآل محمد وتكثر منه وتجتهد فيه ، وتدعو الله بكل اسم سمى به نفسه في القرآن وبكل اسم تحصيه ، وتدعوه بأسمائه التي في آخر الحشر ، وتقول : أسألك يا الله يا رحمان بكل اسم هو لك ، وأسألك بقوتك وقدرتك وعزتك وبجميع ما أحاط به علمك ، وبجمعك وبأركانك كلها ، وبحق رسولك صلوات الله عليه وآله ، وباسمك الأكبر الأكبر الأكبر ، وباسمك العظيم الذي من دعاك به كان حقا عليك ان تجيبه وباسمك الأعظم الأعظم الأعظم الذي من دعاك به كان حقا عليك أن لا ترده وان تعطيه ما سأل ان تغفر لي جميع ذنوبي في جميع علمك في ، وتسأل الله حاجتك كلها من أمر الدنيا والآخرة ، وترغب إليه في الوفادة في المستقبل وفي كل عام ، وتسأل الله الجنة سبعين مرة ، وتتوب اليه سبعين مرة ، وليكن من دعائك اللهم فكني من النار ، وأوسع علي من رزقك الحلال الطيب ، وادرأ عني شر فسقة الجن والانس وشر فسقة العرب والعجم ، فان نفد (١) هذا الدعاء ولم تغرب الشمس فأعده من أوله إلى آخره ، ولا تمل من الدعاء والتضرع والمسألة ».

ومنه يستفاد جملة من المندوبات ، وقال إبراهيم بن هاشم (٢) : « رأيت‌

__________________

(١) في النسخة الأصلية « نفذ » والصحيح كما أثبتناه.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

٥٥

عبد الله بن جندب بالموقف فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه ما زال مادا يده الى السماء ودموعه تسيل على خديه حتى تبلغ الأرض ، فلما انصرف الناس قلت : يا أبا محمد ما رأيت موقفا قط أحسن من موقفك ، قال : والله ما دعوت إلا لإخواني ، وذلك لأن أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام أخبرني انه من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش ولك مائة ألف ضعف مثله ، فكرهت ان ادع مائة ألف ضعف مضمونة بواحدة لا ادري تستجاب أم لا » وعن إبراهيم ابن أبي البلاد أو عبد الله بن جندب (١) قال : « كنت في الموقف فلما أفضت لقيت إبراهيم بن شعيب فسلمت عليه وكان مصابا بإحدى عينيه وإذا عينه الصحيحة حمراء كأنها علقة دم ، فقلت له : قد أصبت بإحدى عينيك وأنا والله مشفق على عينك الأخرى ، فلو قصرت من البكاء قليلا فقال : لا والله يا أبا محمد ما دعوت لنفسي اليوم بدعوة ، فقلت : فلمن دعوت؟ قال : دعوت لإخواني ، سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : من دعا لأخيه بظهر الغيب وكل الله به ملكا يقول : ولك مثلاه ، فأردت ان أكون أنا أدعو لإخواني ويكون الملك يدعو لي لأني في شك من دعائي لنفسي ، ولست في شك من دعاء الملك لي » ومنها ان يضرب خباه بنمرة لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (٢) : « فإذا انتهيت الى عرفات فاضرب خباك بنمرة ، وهي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة ، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فليغتسل ».

وفي‌ صحيحه (٣) الآخر الوارد في صفة حج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « انه انتهى الى نمرة وهي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣.

٥٦

بطن عرنة بحيال الأراك فضرب قبته وضرب الناس أخبيتهم عندها ، فلما زالت الشمس خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه قريش وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ، ثم صلى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ثم مضى الى الموقف ».

وربما استظهر منهما عدم انتقاله منها حتى تزول الشمس وحينئذ فهو مناف للقول بوجوب الكون فيها من أول الزوال ، وقد عرفت الكلام فيه سابقا مفصلا.

ومنها ان يقف على السهل المقابل للحزن ، لرجحان الاجتماع في الموقف والتضام.

ومنها ان يجمع رحله اي يضم أمتعته بعضها الى بعض ليأمن عليها من الذهاب ، ليتوجه بقلبه الى الدعاء.

ومنها ان يسد الخلل اي الفرج به وبنفسه بمعنى انه لا يدع بينه وبين أصحابه فرجة لتستر الأرض التي يقفون عليها ، قال الصادق عليه‌السلام ) في صحيح معاوية (١) : « فإذا رأيت خلالا فسده بنفسك وبراحلتك فان الله عز وجل يحب ان تسد تلك الخلال » وعن بعض احتمال كون الجار في « به » و « بنفسه » متعلقا بمحذوف صفة للخلل ، والمعنى انه يسد الخلل الكائن بنفسه وبرحله بأن يأكل إن كان جائعا ، ويشرب إن كان عطشانا وهكذا يصنع ببعيره ويزيل الشواغل المانعة عن الإقبال والتوجه الى الله تعالى في الدعاء ، واستحسنه في المدارك ، وفيه انه لا ينطبق على ظاه‌ ر خبر سعيد بن يسار (٢) « قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام عشية من العشايا بمنى وهو يحثني على الحج ويرغبني فيه : يا سعيد أيما عبد رزقه الله رزقا من رزقه فأخذ ذلك الرزق فأنفقه على نفسه وعلى عياله ثم أخرجهم قد ضحاهم بالشمس حتى يقدم بهم عشية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

٥٧

عرفة الى الموقف فيقبل ، ألم تر فرجا تكون هناك فيها خلل فليس فيها احد؟ فقلت : بلى جعلت فداك ، فقال : يجي‌ء بهم قد ضحاهم حتى يشعب بهم تلك الفرج ، فيقول الله تبارك وتعالى لا شريك له : عبدي رزقته من رزقي فأخذ ذلك الرزق فأنفقه فضحى به نفسه وعياله ، ثم جاء بهم حتى شعب بهم هذه الفرجة التماس مغفرتي فأغفر له ذنبه وأكفيه ما أهمه. قال سعيد مع أشياء قالها نحوا من عشرة ».

ومنها ان يدعو قائما لأنه أفضل افراد الكون باعتبار كونه أحمز وإلى الأدب أقرب ، ولم أجد فيه نصا بالخصوص ، لكن ينبغي ان يكون ذلك حيث لا يورث التعب المنافي للخشوع والتوجه ، وإلا كان الأفضل القعود على الأرض أو الدابة أو السجود ، بل لعل الأخير أفضل مطلقا للأخبار (١) والاعتبار ، هذا. وربما ظهر من محكي المبسوط أفضلية القيام في غير حال الدعاء معللا له بأنه أشق ، ونحوه عن المنتهى ، وفي محكي الخلاف يجوز الوقوف بعرفة راكبا وقائما سواء ، وهو أحد قولي الشافعي ذكره في الإملاء ، وقال في القديم : الركوب أفضل ، واستدل بالإجماع والاحتياط ، وقال : إن القيام أشق فينبغي ان يكون أفضل ، وفي محكي التذكرة عندنا ان الركوب والقعود مكروهان ، بل يستحب قائما داعيا بالمأثور ، وحكى عن احمد ان الركوب أفضل اقتداء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليكون أقوى على الدعاء وعن الشافعي قولين أحدهما ذلك ، والآخر التساوي ، وعن المنتهى انه أجاب عن التأسي بجواز انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انما فعل ذلك بيانا للجواز ، ولذا طاف صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم راكبا مع أنه لا خلاف في ان المشي أفضل ، وفي كشف اللثام أو لأنه أراد أن يراه الناس ويسمعوا كلامه ، وأيضا إن خلا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب السجود من كتاب الصلاة.

٥٨

التأسي عن المعارض اقتضى الوجوب ولا قائل به ، والمعارض كما أسقط الوجوب أسقط الرجحان ، وفيه انه لا تلازم ، وفي‌ خبر محمد بن عيسى (١) المروي عن قرب الاسناد « رأيت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام بالموقف على بغلة رافعا يده الى السماء عن يسار والي الموسم حتى انصرف ، وكان في موقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وظاهر كفيه الى السماء وهو يلوذ ساعة بعد ساعة بسبابته » ولكن مع ذلك الأولى تركه ، لما سمعته من ظاهر الإجماع في التذكرة والأمر سهل.

ويكره الوقوف في أعلى الجبل الذي قد عرفت ان الأرض أحب الى الكاظم عليه‌السلام منه (٢) وما عساه يشعر به‌ خبرا سماعة (٣) من معروفية كون الوقوف في الأسفل ، وان الصعود الى الجبل عند الضيق ، قال : « قلت لأبي عبد الله ( عليه‌السلام : ثم إذا ضاقت عرفة كيف يصنعون؟ قال : يرتفعون إلى الجبل » وتخلصا من شبهة التحريم المحكي عن القاضي إلا لضرورة ، بل في الدروس هو ظاهر ابن إدريس ، والله العالم.

وكذا قد عرفت انه يكره راكبا وقاعدا لما عرفت ، بل ربما ظهر من التذكرة الاتفاق على ذلك ، نعم قد يستحبان باعتبار العوارض.

وكذا يكره الوقوف بها بغير وضوء ، لخبر علي بن جعفر (٤) سأل أخاه عليه‌السلام ) « عن الرجل هل يصلح له ان يقف بعرفات على غير وضوء؟ قال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١ عن محمد بن عيسى عن حماد بن عيسى قال : رأيت. إلخ.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ٧ حرام الحج ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٣ و ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

٥٩

لا يصلح له إلا وهو على وضوء ».

وينبغي أن لا يرد فيه سائلا ، للمرسل (١) « كان أبو جعفر ( عليه‌السلام إذا كان يوم عرفة لم يرد سائلا ».

كما أنه ينبغي للسائل ان لا يسأل فيه غير الله تعالى شأنه ، ففي المرسل (٢) « سمع علي بن الحسين عليه‌السلام يوم عرفة سائلا يسأل الناس فقال ويحك أغير الله تسأل هذا اليوم ، إنه ليرجى ما في بطون الحبالى في هذا اليوم أن يكون سعيدا ».

ويستحب أيضا الاجتماع للدعاء في غير عرفة في الأمصار ، قال الصادق عليه‌السلام ) في حديث (٣) : « في يوم عرفة تجتمعون بغير إمام في الأمصار تدعون الله عز وجل » وقول علي عليه‌السلام (٤) : « لا عرفة إلا بمكة » يراد منه نفي الكمال لا المشروعية ، كما يدل عليه‌ قوله عليه‌السلام أيضا (٥) : « لا عرفة إلا بمكة ، ولا بأس بأن يجتمعوا في الأمصار يوم عرفة يدعون الله تعالى » ولعله إلى ذلك أشار في الدروس بقوله : والتعريف بالأمصار ، والرواية مبدلة ضعيفة ، وفي‌ خبر زرارة (٦) عن أبي جعفر عليه‌السلام المروي عن العياشي « سألته عن قول الله عز وجل ( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) قال : عشية عرفة » والله العالم والموفق والمؤيد.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب إحرام الحج الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب إحرام الحج الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب إحرام الحج الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

٦٠