جواهر الكلام - ج ١٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

مناسككم » وأما كفاية الرابعة فلما‌ روي (١) انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رقى قدر قامة حتى رأى الكعبة ، وعن الغزالي في الاحياء أن بعض الدرج محدثة ، فينبغي أن لا يخلفها وراء ظهره ، فلا يكون متمما للسعي.

وكيف كان فالصفا أنف من جبل أبي قبيس بإزاء الضلع الذي بين الركن العراقي واليماني ، وعن تهذيب النووي « أن ارتفاعه الآن إحدى عشرة درجة وفوقها أزج كايوان ، وعرصة فتحة هذا الأزج نحو خمسين قدما » وفي كشف اللثام والظاهر من ارتفاعه الآن سبع درج ، وذلك لجعلهم التراب على أربع منها كما حفروا الأرض في هذه الأيام فظهرت الدرجات الأربع ، وعن الأزرقي أن الدرج اثنتا عشرة ، وقيل إنها أربع عشرة ، قال القاسي : وسبب هذا الاختلاف ان الأرض تعلو بما يخالطها من التراب ، فتستر ما لاقاها من الدرج ، قال : وفي الصفا الآن من الدرج الظواهر تسع درجات منها خمس درجات يصعد منها الى العقود التي بالصفا ، والباقي وراء العقود ، وبعد الدرج التي وراء العقود ثلاث مساطب كبار على هيئة الدرج ، ويصعد من يصعد من الاولى الى الثانية منهن بثلاث درجات في وسطها ، والمروة أنف من جبل قيقعان كما عن تهذيب النووي ، وعن أبي عبيد البصري أنها في أصل جبل قيقعان ، وعن النووي هي درجتان ، وعن القاسي أن فيها الآن درجة واحدة ، وعن الأزرقي والبكري انه كان عليها خمس عشرة درجة ، وعن ابن جبير ان فيها خمس درج ، وعن النووي وعليها أيضا أزج كايوان ، وعرصتها تحت الأزج نحو أربعين قدما ، فمن وقف عليها كان محاذيا للركن العراقي ، وتمنعه العمارة من رؤيته ، وحكى جماعة من المؤرخين حصول التغيير في المسعى في أيام المهدي العباسي وأيام الجراكسة‌

__________________

(١) سنن النسائي ج ٥ ص ٢٤٠ وسنن البيهقي ج ٥ ص ٩٤.

٤٢١

على وجه يقتضي دخول المسعى في المسجد الحرام ، وان هذا الموجود الآن مسعى مستجد ، ومن هنا أشكل الحال على بعض الناس باعتبار عدم إجزاء السعي في غير الوادي الذي سعى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما أنه أشكل عليه إلحاق أحكام المسجد لما دخل منه فيه ، ولكن العمل المستمر من سائر الناس في جميع هذه الأعصار يقتضي خلافه ، ويمكن ان يكون المسعى عريضا قد ادخلوا بعضه وأبقوا بعضا كما أشار إليه في الدروس ، قال : وروي (١) ان المسعى اختصر وكيف كان فلا يجب صعود المروة أيضا كما سمعته في الصفا بلا خلاف محقق أجده فيه بيننا ، بل عن الخلاف الإجماع عليه إلا ممن لا يعتد به ، ويظهر من محكي التذكرة والمنتهى أيضا ، ولكن الاحتمال في الكتب السالفة آت هنا خصوصا مع ملاحظة فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له في حجة الوداع التي‌ قال فيها : « خذوا عني مناسككم » والأمر سهل بعد إن كانت النية الداعي عندنا ، فلا بأس حينئذ بالترقي مستمرا على الداعي حتى ينزل ويسعى ، والله العالم.

والرابع أن يسعى سبعا يحسب ذهابه شوطا وعوده آخر فإتيانه من الصفا إلى المروة ومنها اليه شوطان لا شوط واحد بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى النصوص (٢) المستفيضة أو المتواترة أو المقطوع بمضمونها ، قال الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (٣) : « فطف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة » فما عن بعض العامة من عدهما معا شوطا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ و ١١ ـ من أبواب السعي والباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣ و ١٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ١.

٤٢٢

واحدا واضح الفساد ، ويجب في السعي الذهاب بالطريق المعهود ، فلو اقتحم المسجد الحرام ثم خرج من باب آخر لم يجز ، بل في الدروس وكذا لو سلك سوق الليل ، ويجب فيه أيضا استقبال المطلوب بوجهه ، فلو اعترض أو مشى القهقرى لم يجز كما في الدروس وغيرها ، لأنه خلاف المعهود ، فلا يتحقق به الامتثال ، نعم لا يضر فيه الالتفات بالوجه قطعا ، كما هو واضح.

والمستحب فيه أمور ذكر المصنف منها أربعة‌ الاولى ان يكون ماشيا لأنه أحمز وادخل في الخضوع ، وقد ورد (١) « ان المسعى أحب الأراضي الى الله ، لانه تذل فيه الجبابرة » ولو كان راكبا لا لعذر جاز بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى المعتبرة المستفيضة ، منها‌ صحيح معاوية بن عمار (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قلت له : المرأة تسعى بين الصفا والمروة على دابة أو على بعير قال : لا بأس بذلك ، قال : وسألته عن الرجل يفعل ذلك قال : لا بأس به ، والمشي أفضل » وصحيح ابن الحجاج (٣) المتقدم سابقا ، وحسن الحلبي (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن الرجل يسعى بين الصفا والمروة على الدابة قال : نعم وعلى المحمل » الى غير ذلك من النصوص‌

والثاني والثالث المشي على طرفيه أي أول السعي وآخره أو طرفي المسعى والهرولة اي الرمل ما بين المنارة وزقاق العطارين ماشيا كان أو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ١٤ مع الاختلاف في اللفظ.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ـ ١.

٤٢٣

راكبا بلا خلاف معتد به أجده في أصل الحكم ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى المعتبرة ، منها‌ قول الصادق عليه‌السلام في حسن معاوية (١) « انحدر من الصفا ماشيا إلى المروة وعليك السكينة والوقار حتى تأتي المنارة ، وهي طرف المسعى فاسع ملأ فروجك ، وقل : بسم الله والله أكبر وصلى الله على محمد وأهل بيته ، اللهم اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم فإنك أنت الأعز الأكرم ، حتى تبلغ المنارة الأخرى ، قال : وكان المسعى أوسع مما هو اليوم ولكن الناس ضيقوه ، ثم امش وعليك السكينة والوقار فاصعد عليها حتى يبدو لك البيت ، فاصنع عليها كما صنعت على الصفا ، ثم طف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة » ورواه في الكافي كذلك إلا انه قال : « حتى تبلغ المنارة الأخرى ، فإذا جاوزتها فقل : يا ذا المن والفضل والكرم والنعماء والجود اغفر لي ذنوبي ، انه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، ثم امش » وذكر بقية الخبر ، وقوله عليه‌السلام أيضا في حسنه (٢) الآخر : « ليس على الراكب سعي ، ولكن ليسرع شيئا » والمراد بالسعي فيه الهرولة نحو‌ قوله عليه‌السلام في الموثق (٣) : « وإنما السعي على الرجال وليس على النساء سعي » وفي خبر أبي بصير (٤) « ليس على النساء جهر بالتلبية ولا استلام الحجر ولا دخول البيت ولا سعي بين الصفا والمروة يعني الهرولة ».

وقد ظهر لك ان المراد من الهرولة السعي ملأ الفرج ، لكن عن الصحاح والعين والمحيط والمجمل والمقاييس والأساس وغيرها تفسير الرمل بها ، وفيما سوى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

٤٢٤

الصحاح والأساس منها انها بين المشي والعدو ، وعن الديوان وغيره انها ضرب من العدو ، وتردد الجوهري بينهما ، وربما احتمل كون المعنى واحدا كما قد يرشد اليه ما عن نظام الغريب من أنه نوع من العدو السهل ، وعن تهذيب الأزهري رمل الرجل يرمل رملانا إذا أسرع في مشيه ، وهو في ذلك ينزو ، وفي الدروس ومحكي تحرير النووي وتهذيبه أنه إسراع المشي مع تقارب الخطأ دون الوثوب والعدو وهو الجنب ، وعن النووي أنه قال الشافعي في مختصر المزني : الرمل هو الجنب ، وعن الرافعي وقد غلط الأئمة من ظن أنه دون الجنب ، قلت قد سمعت ما في الحسن المزبور ، اللهم إلا أن يراد به أمر زائد على الهرولة ، ولكن لم نجد من ذكر استحباب غيرها ، والفروج جمع فرج وهو ما بين الرجلين ، يقال : الفرس ملأ فروجه وملأ فرجه إذا عدا وأسرع ، ومنه سمي فرج الرجل والمرأة ، لأنه ما بين الرجلين ، وعلى كل حال فالسعي ملأ الفروج أزيد من الهرولة التي هي عرفا بين العدو والمشي ، والأمر في ذلك سهل بعد أن كان ذلك مستحبا عندنا ، وربما نسب وجوبه إلى الحلبي لقوله : وإذا سعى راكبا فليركض الدابة بحيث تجب الهرولة ، ولا صراحة فيها بل ولا ظهور نعم عن المفيد في كتاب أحكام النساء وتسقط عنهن الهرولة بين الصفا والمروة ، ولا يسقط ذلك مع الاختيار عن الرجال ، ويحتمل إرادته تأكد الاستحباب ، وإلا كان محجوجا بما عرفت ، مضافا الى الأصل وخبر سعيد الأعرج (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل ترك شيئا من الرمل في سعيه بين الصفا والمروة قال : لا شي‌ء عليه » بل عن التذكرة والمنتهى الإجماع على الاستحباب ، بل صرح الفاضل وغيره باختصاص ذلك بالرجال للأصل وعدم مناسبته لضعفهن وسترهن ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ١.

٤٢٥

وخبري سماعة (١) وأبي بصير (٢) السابقين ، لكن عن المفيد في كتاب أحكام النساء ولو خلا موضع السعي للنساء فسعين فيه لم يكن به بأس ، وهو مطالب بدليله إن أراد استحباب ذلك لهن.

وعلى كل حال فمحل الهرولة ما سمعته في المتن موافقا لما في النافع والقواعد ومحكي المراسم والجامع والإصباح ، واليه يرجع ما عن الوسيلة من أنه بين المنارتين ، والإشارة من أنه بين الميلين ، وقد سمعت قول الصادق عليه‌السلام في حسن معاوية (٣) بل ربما علل بأنه شعبة من وادي محسر الذي عرفت استحباب الهرولة فيه ، ولكن عن الفقيه والهداية والمقنع والمقنعة وجمل العلم والعمل والكافي والغنية الى ان يجاوز زقاق العطارين ، ولم نجد ما يشهد له ، وإن قال في كشف اللثام لقول الصادق عليه‌السلام في حسن معاوية (٤) نحوا من ذلك الى قوله « حتى تبلغ المنارة الأخرى ، فإذا جاوزتها » الى آخر ما سمعته مما لا يخفى عليك عدم دلالته على شي‌ء من ذلك ، وإنما هو دال على السعي بين المنارتين ، وعن الغنية « حتى يبلغ المنارة الأخرى ويتجاوز سوق العطارين فيقطع الهرولة » ونحوها ما عن الكافي ، وفيه ما عرفت أيضا ، وأغرب من ذلك ما عن النهاية والمبسوط فإذا انتهى الى أول زقاق عن يمينه بعد ما يتجاوز الوادي إلى المروة سعى ، فإذا انتهى اليه كف عن السعي ومشى مشيا ، وإذا جاء من عند المروة بدأ من عند الزقاق الذي وصفناه فإذا انتهى الى الباب قبل الصفا بعد ما تجاوز الوادي كف عن السعي ومشى مشيا » إذ هي واضحة القصور كما عن الفاضل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٢.

٤٢٦

والشهيد الاعتراف بذلك ، والظاهر انه أراد التعبير عما في‌ رواية زرعة (١) عن سماعة « سألته عن السعي بين الصفا والمروة فقال : إذا انتهيت الى الدار التي على يمينك عند أول الوادي فاسع حتى تنتهي إلى أول زقاق عن يمينك بعد ما تجاوز الوادي إلى المروة ، فإذا انتهيت اليه فكف عن السعي وامش مشيا ، وإذا جئت من عند المروة فابدأ من عند الزقاق الذي وصفت لك ، فإذا انتهيت الى الباب الذي قبل الصفا بعد ما تجاوز الوادي فاكفف عن السعي وامش مشيا » ولكن سقط من القلم بعض ذلك ، إلا ان الرواية ضعيفة السند ومضمرة ، وعمل المشهور على خلافها ، على انها يمكن ان تكون في حال سابق للمسعى ، كالمرسل (٢) عن مولى للصادق عليه‌السلام من أهل المدينة قال : « رأيت أبا الحسن عليه‌السلام يبتدأ السعي من دار القاضي المخزومي قال ويمضي كما هو الى زقاق العطارين » وقال أبو جعفر عليه‌السلام في خبر غياث بن إبراهيم (٣) : « كان أبي يسعى بين الصفا والمروة ما بين باب ابن عباد الى ان رفع قدميه من الميل لا يبلغ زقاق آل أبي حسين » وكيف كان فالعمل على ما سمعته أولا من الهرولة في المكان المخصوص الذي به يذل الجبارون لذلك ، ويستحب المشي هونا في الطرفين كما هو صريح غير واحد ، وظاهره للأمر بالمشي على سكينة ووقار في غير المكان المخصوص ، والله العالم.

ولو نسي الهرولة رجع القهقرى ماشيا الى الخلف من غير التفات بالوجه وهرول موضعها كما صرح به جماعة ، بل في المسالك نسبته إلى الأصحاب لقول الصادقين عليهما‌السلام (٤) فيما أرسل عنهما الصدوق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٢.

٤٢٧

والشيخ : « من سهى عن السعي حتى يصير من المسعى على بعضه أو كله ثم ذكر فلا يصرف وجهه منصرفا ، ولكن يرجع القهقرى الى المكان الذي يجب فيه السعي » ومن هنا كان المتجه الاقتصار عليها تبعا للنص والفتوى وإن حكي إطلاق العود عن القاضي ، بل في المسالك احتمال إرادة الأصحاب الندب كالأصل ، ثم قال : « وعلى كل حال لو عاد بوجهه أجزأ ، وانما الكلام في الإثم » وفيه نظر أو منع ، بل ينبغي التخصيص بما إذا ذكرها في الشوط الذي نسيها فيه ، لانه المنساق من النص والفتوى سيما الأول ، فلا يرجع بعد الانتقال الى شوط آخر ، بل الأحوط ان لا يرجع مطلقا حذرا من الزيادة ، ولعله لذا نسبه في محكي المنتهى الى الشيخ مشعرا بنوع توقف في العمل به.

والرابع الدعاء في سعيه ماشيا ومهرولا بما سمعته في خبري معاوية (١) وغيرهما ، والله العالم.

ولا بأس ان يجلس في خلال السعي للراحة على الصفا أو المروة بلا خلاف أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه ، وبينهما على المشهور ، للأصل وصحيح الحلبي (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يطوف بين الصفا والمروة أيستريح؟ قال : نعم إنشاء جلس على الصفا وإن شاء جلس على المروة وبينهما فليجلس » وصحيح ابن رئاب (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يعي في الطواف أله أن يستريح؟ قال : نعم يستريح ثم يقوم فيبني على طوافه في فريضة وغيرها ، ويفعل ذلك في سعيه وجميع مناسكه » وعن الحلبيين انهما منعا من الجلوس بين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ١ و ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

٤٢٨

الصفا والمروة إلا مع الإعياء ، ولعله لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح عبد الرحمن (١) « لا تجلس بين الصفا والمروة إلا من جهد » المحمول على الكراهة بعد قصوره عن معارضة غيره من وجوه ، منها ما قيل من اعتضاده بعموم ما دل على جواز السعي راكبا ، فإنه ملازم للجلوس غالبا ، وهو عام لحالتي الاختيار والاضطرار إجماعا ، واليه الإشارة في‌ الصحيح (٢) « عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة يجلس عليهما قال : أو ليس هو ذا يسعى على الدواب » وهو وإن كان مورده الجلوس عليهما ولا خلاف فيه إلا ان قوله عليه‌السلام « أو ليس » الى آخره في قوة الجواب له بنعم مع تعليله بما يعم الجلوس بينهما ، بل التعليل انسب بهذا ، بل لعله حينئذ ظاهر في جوازه بينهما ولو لغير الاستراحة كما في السعي راكبا ، وإن كان الظاهر كراهته حينئذ لما مضى ، كل ذلك مع بناء الاستدلال بالصحيح على إرادة بلوغ منتهى الطاقة من الجهد ، ويمكن منعه ، والله العالم.

ويلحق بهذا الباب مسائل : الأولى السعي ركن ، من تركه عامدا بطل حجه بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما صريحا وظاهرا مستفيض كالنصوص التي منها‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (٣) : « من ترك السعي متعمدا فعليه الحج من قابل » مضافا الى قاعدة عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، نعم يحكى عن أبي حنيفة انه واجب غير ركن ، فإذا تركه كان عليه دم ، وعن أحمد في رواية انه مستحب ، ولا ريب في فسادهما لما عرفت ، بل الظاهر عدم الفرق في ذلك بين العمرة والحج ، وتحقق الترك على حسب ما سمعته في الطواف ، بل الظاهر أيضا عدم الفرق بين تركه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٢.

٤٢٩

رأسا وبين نقصه عمدا حتى خرج وقت التدارك ، لاتحاد المقتضي ، والله العالم.

ولو كان ناسيا لم يبطل حجه ولا عمرته بل وجب عليه الإتيان به ولو بعد خروج ذي الحجة فإن خرج عاد بنفسه ليأتي به ، فان تعذر عليه أو شق استناب فيه بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، مضافا الى الأصل ورفع الخطأ والنسيان والحرج والعسر ، وحسن معاوية بن عمار (١) وعن الصادق عليه‌السلام قال : « قلت : رجل نسي السعي بين الصفا والمروة قال : يعيد ذلك ، قلت : فاته ذلك حتى خرج قال : يرجع فيعيد السعي » وصحيح ابن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام : « سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة قال : يطاف عنه » وخبر الشحام (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة حتى يرجع الى أهله فقال : يطاف عنه » المتجه الجمع بينها ولو بملاحظة الفتاوى والإجماع المحكي وقاعدة المباشرة في بعض الأفراد ، ونفي الحرج وقبوله للنيابة في آخر بما عرفت.

ولا يحل من أخل بالسعي مما يتوقف عليه من المحرمات كالنساء حتى يأتي به كملا بنفسه أو نائبه ، بل الظاهر لزوم الكفارة لو ذكر ثم واقع ، لفحوى ما ستعرفه من الحكم بوجوبها على من ظن إتمام حجه فواقع ثم تبين النقص ، وفي إلحاق الجاهل بالعامد أو الناسي وجهان أحوطهما إن لم يكن أقواهما الأول كما اختاره في المسالك وغيرها ، خصوصا مع ملاحظة إطلاق الأصحاب العامد الشامل للجاهل والعالم ، مضافا الى الأصل الذي لم يثبت انقطاعه بثبوت قاعدة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٢.

٤٣٠

معذورية الجاهل في الحج وإن تضمنها بعض النصوص (١) المعتبرة ، إلا إن ظاهر الأصحاب الإعراض عنها ، والله العالم.

المسألة الثانية لا تجوز الزيادة على سبع بلا خلاف أجده فيه ، لأنه تشريع كزيادة الركعة في الصلاة وحينئذ فـ ( لو زاد ) عالما عامدا بطل لانه لم يأت بالمأمور به على وجهه على نحو ما سمعته في الطواف ، قال أبو الحسن عليه‌السلام في خبر عبد الله بن محمد (٢) : « الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة إذا زدت عليها فعليك الإعادة ، وكذلك السعي » وفي‌ صحيح معاوية (٣) عن الصادق عليه‌السلام « ان طاف الرجل بين الصفا والمروة تسعة أشواط فليسع على واحد ويطرح ثمانية ، وإن طاف بين الصفا والمروة ثمانية أشواط فليطرحها ويستأنف السعي » بناء على ما قيل من كونه في العمد ، وأن البناء على الواحد في الأول باعتبار البطلان بالثمانية ، فيبقى الواحد ابتداء سعي ، اما إذا كان ثمانية فليس إلا البطلان باعتبار كون الثامن ابتداؤه من المروة فلا يصلح البناء عليه ، وإن كان هو لا يخلو من إشكال أو منع كما ستعرف.

وكيف كان فلا إشكال في البطلان بتعمد الزيادة ، وما وقع من سيد المدارك من المناقشة في الخبر الأول المذكور سندا له بما يشعر بنوع توقف فيه في غير محله ، نعم قد تقدم في الطواف البحث في عدم تحقق الزيادة إلا بقصدها على أنها من السعي ، ومثله آت هنا ، ولذا جزم بذلك في المدارك ، قال : « والزيادة إنما تتحقق بالإتيان بما زاد على سبعة على انه من جملة السعي المأمور به » فلو تردد في أثناء الشوط أو رجع لوجهه ثم عاد لم يكن ذلك قادحا في الصحة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ١.

٤٣١

قطعا ، وتبعه في الرياض ، وقد تقدم الكلام في ذلك ، فلاحظ وتأمل.

ولا يبطل بالزيادة سهوا بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، وهو الحجة بعد الأصل والنصوص (١) فيتخير حينئذ بين إهدار الشوط الزائد فما زاد والبناء على السبعة وبين الإكمال أسبوعين كما سمعته في الطواف جمعا بين الأمر بهما في النصوص ، ففي‌ صحيح ابن الحجاج (٢) عن أبي إبراهيم عليه‌السلام « في رجل سعى بين الصفا والمروة ثمانية أشواط ما عليه؟ فقال : إن كان خطأ طرح واحدا واعتد بسبعة » وصحيح جميل بن دراج (٣) قال : « حججنا ونحن صرورة فسعينا بين الصفا والمروة أربعة عشر شوطا فسألنا أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك فقال : لا بأس سبعة لك ، وسبعة تطرح » وصحيح هشام بن سالم (٤) قال : « سعيت بين الصفا والمروة أنا وعبد الله بن راشد قلت له تحفظ فجعل يعد ذاهبا وجائيا شوطا واحدا ، فأتممنا أربعة عشر شوطا فذكرنا ذلك لأبي عبد الله عليه‌السلام فقال : زادوا على ما عليهم ، ليس عليهم شي‌ء » وصحيح معاوية أو حسنه (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « من طاف بين الصفا والمروة خمسة عشر شوطا طرح ثمانية واعتد بسبعة ، وإن بدأ بالمروة فليطرح ويبتدئ بالصفا » وفي صحيح محمد بن مسلم (٦)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب السعي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ١ وفيه عبيد الله ابن راشد.

(٥) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ١٣ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٤ وذيله في الباب ١٠ منها ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١٠.

٤٣٢

عن أحدهما عليهما‌السلام « ان في كتاب علي عليه‌السلام إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة فاستيقن ثمانية أضاف إليها ستا وكذا إذا استيقن أنه سعى ثمانية أضاف إليها ستا ».

ومن هنا جمع الأصحاب بينها بالتخيير ، وما عن ابن زهرة من الاقتصار على الثاني منهما ليس خلافا ، خصوصا بعد الحكم بجوازه وكونه مندوبا ، فإنه يجوز القطع قطعا ، نعم لو قلنا بكون الثاني الفريضة حرم ، وهو محتمل كما سمعته في الطواف ، قال في الدروس ، ويحتمل انسحاب الخلاف في ناسي الطواف هنا إلا أن يستند وجوب الثاني في الطواف الى القران ، ولكن أشكل التخيير المزبور في الحدائق بأن السعي ليس كالطواف والصلاة يقع واجبا ومستحبا فانا لم نقف في غير هذا الخبر على ما يدل على وقوعه مستحبا ، قال في المدارك « ولا يشرع استحباب السعي إلا هنا ، ولا يشرع ابتداء مطلقا » وبان اللازم من الطواف ثمانية كون الابتداء بالثامن من المروة ، فكيف يجوز أن يعتد به ويبني عليه سعيا مستأنفا مع اتفاق الاخبار وكلمة الأصحاب على وجوب الابتداء في السعي من الصفا ، وانه لو بدأ من المروة وجب عليه الإعادة عمدا كان أو سهوا وبالجملة فالظاهر بناء على ما ذكرناه هو العمل بالأخبار الأولة من طرح الزائد والاعتداد بالسبعة الأولة ، واما العمل بهذا الخبر فمشكل ، والعجب من سيد المدارك حيث لم يتنبه لذلك وجمد على موافقة الأصحاب في هذا الباب ، قلت هو كما ترى كالاجتهاد في مقابلة النص بعد تسليم ظهوره مع الفتاوى في ذلك ، ولا استبعاد في مشروعية هذا السعي من المروة وتخصيص تلك الأدلة به بعد جمعه لشرائط الحجية والعمل به ، كما لا استبعاد في استحباب السعي هنا وإن كان لم يشرع استحبابه ابتداء.

ومن الغريب موافقته له في الرياض ، فإنه بعد ان حكى التخيير عن أكثر‌

٤٣٣

الأصحاب قال : « والاولى والأحوط الاقتصار على الأول كما هو ظاهر المتن لكثرة ما دل عليه من الأخبار وصراحتها ، وعدم ترتب إشكال عليها ، بخلاف الثاني فإن الصحيح الدال عليه ـ مع وحدته ، واحتماله ما سيأتي مما يخرجه عما نحن فيه ـ يتطرق إليه الإشكال لو أبقي على ظاهره من كون ابتداء الأشواط الثمانية من الصفا والختم بها أن الأسبوع الثاني المنضمة إلى الأولى يكون مبدؤها المروة دون الصفا ، وقد مر الحكم بفسادها مطلقا ولو نسيانا أو جهلا ، وتقييده ثمة بالسعي المبتدأ دون المنضم كما هنا ليس بأولى من حمل الصحيح هنا على كون مبدإ الأشواط فيها بالمروة دون الصفا ، ويكون الأمر بإضافة الست إنما هو لبطلان السبعة الأولى ، لوقوع البدأة فيها بها ، بخلاف الشوط الثامن ، لوقوع البدأة فيه من الصفا » إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه ، وأغرب منه دعوى عدم أولوية الاحتمال الأول من الاحتمال الثاني مع ظهور الصحيح فيه وعمل الأصحاب به والأصل في ذلك ما في كشف اللثام ، قال : « ثم إضافة ست كما في الخبر والنهاية والتهذيب والسرائر يفيد ابتداء الأسبوع الثاني من المروة ، ومن عبر بإكمال أسبوعين كالمصنف أو سعيين كابن حمزة أو أربعة عشر كالشيخ في المبسوط يجوز أن يريد إضافة سبعة أشواط ، والخبر يحتمل يقين الثمانية وهو على المروة ، ويأتي البطلان ، ولا بعد في الصحة إذا نوى في ابتداء الثامن أنه يسعى من الصفا إلى المروة سعي العمرة أو الحج قربة الى الله تعالى مع الغفلة عن العدد ، أو مع تذكر أنه الثامن ، أو زعمه السابع ، فلا مانع من مقارنة النية لكل شوط ، بل لا يخلو الإنسان منها غالبا ، ولذا أطلق إضافة ست إليها ، فلم يبق مستند في المسألة ، نعم‌ قال الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (١)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ١.

٤٣٤

« ان طاف الرجل بين الصفا والمروة تسعة أشواط فليسع على واحد وليطرح ثمانية وان طاف بين الصفا والمروة ثمانية أشواط فليطرحها وليستأنف السعي » وهو مستند صحيح لإكمال أسبوعين من الصفا ، وإلغاء الثامن لكونه من المروة ، وظاهره كون الفريضة هي الثاني ، والعموم للعامد كما فعله الشيخ في التهذيب أو خصه به ، لانه ذكر أن من تعمد ثمانية أعاد السعي ، وإن سعى تسعة لم تجب عليه الإعادة وله البناء على ما زاد واستشهد بالخبر ، وفي الاستبصار تبع الصدوق في حمله على من استيقن أنه سعى ثمانية أو تسعة وهو على المروة ، فيبطل سعيه على الأول لابتدائه من المروة ، دون الثاني لابتدائه من الصفا ، وهو كما عرفت غير متعين ».

وفيه مضافا الى ما عرفت بعد الاحتمال المزبور جدا فضلا عن أن يكون مساويا للاحتمال الآخر الذي هو ظاهر النص والفتوى ، وأما الإشكال في النية من جهة عدم تحققها في الابتداء ومقارنتها فهو مشترك الورود بين الاحتمالين ، على انه اجتهاد أيضا في مقابلة النص المعمول به الظاهر في الاكتفاء بها بعد تعقبها بنية الإكمال كما في الطواف ، نعم ينبغي الاقتصار في إضافته على مورد النص ، وهو إكمال الشوط كما صرح به ثاني الشهيدين وغيره ، بل حكي التصريح به عن ابن زهرة أيضا ، لما عرفت من مخالفته الأصول من وجهين : أحدهما من جهة النية ، وثانيهما من جهة الابتداء بالمروة ، فالمتجه حينئذ الإلغاء خاصة إذا ذكر في أثناء الشوط ، فان نصوص الإلغاء وإن كانت في إتمام الشوط أيضا لكن تدل بالفحوى على إلغاء ما دونه ، بخلاف صحيح البناء فإنه إذا دل على الإكمال معه لا يقتضي مشروعيته أيضا في الأثناء كما هو واضح.

لكن في كشف اللثام « ثم الاخبار وإن اختصت بمن زاد شوطا كاملا أو شوطين أو أشواطا كاملة لكن إذا لم يبطل بزيادة شوط أو أشواط سهوا‌

٤٣٥

فأولى أن لا يبطل بزيادة بعض شوط ، وإذا ألغينا الثامن وأجزنا له إكمال أسبوعين بعده قبل الشروع في التاسع جاز في أثنائه من غير فرق ، وكذا إذا أجزناه له بعد إكمال التاسع فالظاهر جوازه له في أثنائه ، وكذا إذا لم نلغ الثامن وأجزنا له الإكمال بعده فالظاهر الجواز في أثنائه لصدق الشروع في الأسبوع الثاني على التقديرين ، ويعضده إطلاق الأصحاب ، ويحتمل الاختصاص بما إذا أكمل الثامن إذا لم نلغه ، وهو عندي ضعيف مبني على فهم خبر الست كما فهمه الشيخ ، ويقتضي ابتداء الأسبوع الثاني من المروة وعلى إلغاء الثامن فالخبر المتضمن لإكمال أسبوعين إنما هو صحيح معاوية ، وهو يتضمن إكمالهما قبل الشروع في التاسع وبعد إكماله ، فعدم الجواز في أثنائه ضعيف جدا ».

وفيه منع واضح سيما فيما ذكره أخيرا من الظاهرين ، ومن الغريب تعليله الثاني بصدق الشروع في الأسبوع الثاني مع انه ليس عنوانا في شي‌ء من النصوص وأغرب منه دعوى أنه يعضده إطلاق الأصحاب مع أنه فيمن زاد شوطا لا بعضه وبالجملة فكلامه مبني على كلامه السابق الذي قد عرفت ما فيه.

بقي الكلام في صحيح معاوية السابق المذكور في صدر المسألة الذي لم نجد عاملا به على ظاهره ، ولذا اختلف في تنزيله ، فقيل إنه في العمد ، وفقهه حينئذ ما عرفت ، وهو المحكي عن ظاهر التهذيب ، وقيل إنه في النسيان وانه محمول على من استيقن الزيادة وهو على المروة لا الصفا ، فيبطل سعيه على الأول لابتدائه من المروة ، دون الثاني لابتدائه التاسع من الصفا ، وهو المحكي عن الصدوق في الفقيه والشيخ في الاستبصار ، إلا انهما معا كما ترى ، ضرورة الإشكال في الصحة على الأول لإطلاق النص والفتوى بكون الزيادة عمدا مبطلة ، كاطلاقهما أيضا اعتبار النية في ابتداء كل عبادة ، ونية العامد في أول الأسبوع الثاني على انه جزء لا عبادة مستقلة ، والا لم تكن زيادة بل هي عبادة مستقلة باطلة ان‌

٤٣٦

لم يشرع السعي ابتداء كما صرح به الأصحاب ، وان كان في رواية عبد الرحمن ابن الحجاج (١) في المحرم بالحج يطوف بالحج ويسعى ندبا ويجدد التلبية إلا أنه لم أجد عاملا بها صريحا ، ولو سلم مشروعيته ابتداء كانت عبادة صحيحة لا زيادة في عبادة ، مع أن الصحيح المزبور صريح أو كالصريح في كون ذلك زيادة على العبادة وجاء بها ثمانية أو تسعة ، لا أنه نوى الثامن أو التاسع عبادة مستقلة كما هو واضح ، وأما الثاني فهو مناف لما عرفته في النص والفتوى من الحكم بالصحة مع زيادة الثامن سهوا ، وأنه مخير بين طرح الثامن والبناء على السبعة وبين الإكمال أسبوعين على حسب ما عرفت ، فالصحيح المزبور غير واضح الوجه ، فالمتجه الاعراض عنه والتعويل على غيره المعتضد بعمل الأصحاب في صورتي العمد والسهو ، هذا ، وظاهر صحيحي جميل (٢) وهشام (٣) السابقين إلحاق الجاهل بالناسي في الحكم بالصحة مع الزيادة ، ولعله ظاهر غيرهما أيضا ، وقد عمل بهما غير واحد من الأصحاب كالكركي وثاني الشهيدين وغيرهما ، بل لعله ظاهر أول الشهيدين أيضا ، بل لم أجد لهما رادا فالمتجه العمل بهما ، والله العالم.

ومن تيقن عدد الأشواط وشك فيما به بدأ في ابتداء الأمر قبل الالتفات الى حاله فان كان في المزدوج أي الاثنين أو الأربعة أو الستة وهو على الصفا أو متوجه اليه ( فقد صح سعيه لـ ) لعلم بـ ( انه ) حينئذ بدأ به ضرورة عدم كونه اثنين أو أربعة أو ستة إلا مع البدأة بالصفا ، وإلا لم يكن كذلك وإن كان على المروة أو متوجها إليها وعلم بالازدواج‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ١.

٤٣٧

أي الاثنين أو الأربعة أو الستة أعاد سعيه لانه لا يكون كذلك إلا مع البدأة بالمروة التي قد عرفت البطلان به عمدا أو سهوا في ابتداء الطواف وينعكس الحكم مع انعكاس الفرض بان علم الافراد واحدا أو ثلاثة أو خمسة أو سبعة وهو على الصفا أعاد سعيه ، ضرورة انه لا يكون كذلك إلا مع الابتداء بالمروة الذي قد عرفت البطلان به ، وإن علمه وهو على المروة صح سعيه ، لعدم كونه كذلك إلا مع الابتداء بالصفا ، كما هو واضح ، وبه صرح في النافع قال : « ومن تيقن عدد الأشواط وشك فيما بدأ به فان كان في الفرد على الصفا أعاد ، ولو كان على المروة لم يعد ، وبالعكس لو كان سعيه زوجا » لكن في حاشية الكركي على الكتاب « المراد بانعكاس الفرض بان تيقن ما بدأ به وشك في العدد ، والمراد بانعكاس الحكم البطلان إن كان على الصفا ، والصحة إن كان على المروة ، وذلك فيما إذا شك في الزيادة وعدمها ، فإنه إذا كان على المروة يقطع ولا شي‌ء عليه ، لأن الأصل عدم الزائد ، وإن كان على الصفا لم تتحقق البراءة ، ولا يجوز الإكمال حذرا من الزيادة ، فتجب الإعادة » وفيه من البعد ما لا يخفى ، على انه إنما يتم إذا وقع الشك بعد إكمال العدد ، وموضوع المسألة أعم ، مع ان حكم الشك في العدد قد ذكره المصنف بعد هذه المسألة بغير فصل ، فلا وجه لحمل العبارة عليه ، والله العالم.

المسألة الثالثة من لم يحصل عدد سعيه بمعنى انه شك فيه وهو في الأثناء ولم يكن بين السبعة فما زاد اعاده كما في النافع والقواعد ومحكي الاقتصاد والوسيلة والجامع والمهذب وغيرها مصرحا في الأخير بما ذكرناه من التقييد بالأثناء ، لأنه من القواعد المفروغ منها عدم العبرة بالشك بعد الفراغ‌

٤٣٨

للحرج والاخبار (١) بخلاف ما إذا كان في الأثناء ، فإنه لا خلاف بل ولا إشكال في البطلان ، لتردده بين محذوري الزيادة والنقيصة اللتين كل منهما مبطل ، وأصالة الشغل المحتاجة إلى يقين الفراغ الذي لا دليل على حصوله بالاعتماد على أصالة الأقل ، بل الدليل على خلافه ، قال سعيد بن يسار (٢) في الصحيح : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل متمتع سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط ثم رجع الى منزله وهو يرى أنه قد فرغ منه وقلم أظافيره وأحل ثم ذكر أنه سعى ستة أشواط فقال لي يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط فإن كان يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط فليعد وليتم شوطا وليرق دما ، فقلت : دم ماذا؟ قال : بقرة ، قال : وإن لم يكن حفظ أنه سعى ستة أشواط فليعد فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة أشواط ثم ليرق دم بقرة » فإن ذيله كالصريح في ذلك.

نعم لو تيقن أنه أتم سبعة ولكن شك في الزائد على وجه لا ينافي البدأة بالصفا كما لو شك بينها وبين التسعة وهو على المروة صح ، لأصالة عدم الزيادة وعدم إفسادها سهوا ، أما لو تيقن النقص ولكن لا يدري ما نقص أو شك بينه وبين الإكمال فالمتجه الفساد لما عرفت ، واحتمال البناء على الأقل فيهما لم أجد به قائلا وإن احتمله بعض الناس ، بل ادعى احتمال الصحيح المزبور له ، ولكنه في غير محله ، والله العالم.

ومن تيقن النقيصة اتى بها سواء كانت شوطا أو أقل أو أكثر وسواء ذكرها قبل فوات الموالاة أو بعدها ، لعدم وجوبها فيه إجماعا كما عن التذكرة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ٢ و ٦ والباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١ و ٣ والباب ٢٧ منها.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ١.

٤٣٩

ولا نعرف فيه خلافا كما عن المنتهى ، بل مقتضى إطلاق المتن والقواعد والشيخ في كتبه وبني حمزة وإدريس والبراج وسعيد على ما حكي عن بعضهم عدم الفرق بين تجاوز النصف وعدمه ، ولعله للأصل وما يأتي من القطع للصلاة بعد شوط ، وللحاجة بعد ثلاثة أشواط ، خلافا لما عن المفيد وسلار وأبي الصلاح وابن زهرة من اعتبار مجاوزة النصف في البناء نحو ما سمعته في الطواف ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، لقول أبي الحسن عليه‌السلام لأحمد بن عمر الحلال (١) : « إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بالصفا والمروة وجاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت ، فإذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله » ونحوه قول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٢) ولكن في سندهما ضعف ولا جابر ، مع عدم عمومهما لافراد المسألة ، ومعلومية عدم قطع الحيض للسعي ، واختصاص الذيل بالطواف المحتمل إرادة خصوص ما كان في البيت منه ، وغير ذلك ، فلا يصلحان معارضا لما مر من الأصل وغيره ، خصوصا بعد الاعتضاد بالشهرة العظيمة التي منها يعلم الوهن في الإجماع المزبور ، ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط.

ولو كان متمتعا بالعمرة وظن أنه أتم السعي فأحل وواقع النساء ثم ذكر ما نقص من سعيه كان عليه دم بقرة على رواية عبد الله بن مسكان (٣) ويتم النقصان‌ قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طاف بين الصفا والمروة ستة أشواط وهو يظن أنها سبعة فذكر بعد ما أحل وواقع النساء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٢.

٤٤٠