جواهر الكلام - ج ١٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المسألة العاشرة من نذر أن يطوف على اربع أي يديه ورجليه قيل والقائل الشيخ في التهذيب ومحكي النهاية والمبسوط والقاضي في محكي المهذب وابن سعيد في محكي الجامع واختاره الشهيد في اللمعة ، ونسبه ثانيهما إلى الشهرة. يجب عليه طوافان لخبر السكوني (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في امرأة نذرت أن تطوف على أربع قال : تطوف أسبوعا ليديها وأسبوعا لرجليها » وخبر أبي الجهم (٢) عنه عليه‌السلام أيضا عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم‌السلام « أنه قال في امرأة نذرت أن تطوف على اربع تطوف أسبوعا ليديها وأسبوعا لرجليها » وقيل والقائل ابن إدريس وتبعه غيره لا ينعقد النذر لانه نذر هيئة غير مشروعة ، وهل الباطل الهيئة الخاصة أو الطواف رأسا؟ وفي كشف اللثام « تحتملهما عبارة السرائر والقواعد وغيرهما ، والأول الوجه كما في المنتهى ، فعليه طواف واحد على رجليه إلا أن ينوي عند النذر أنه لا يطوف إلا على هذه الهيئة ، فيبطل رأسا » قلت : لا ريب في أن المتجه البطلان مع فرض تقيد المنذور بها وعدم مشروعية الهيئة. إذ هو كمن نذر الصلاة على هيئة غير مشروعة ، وكذا لو نذر الطواف على رجل واحدة ونحو ذلك.

وربما قيل بالأول إذا كان الناذر امرأة اقتصارا على مورد النقل وإن كنت لم أجده لمن تقدم على المصنف ، نعم في المنتهى ومع سلامة هذين الحديثين عن الطعن في السند ينبغي الاقتصار على موردهما ، وهو المرأة ، ولا يتعدى الى الرجل ، وقول ابن إدريس أنه نذر غير مشروع ممنوع ، إذ الطواف عبادة يصح نذرها ، نعم الكيفية غير مشروعة ، ولمنع انه يبطل نذر الفعل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ـ ٢.

٤٠١

عند بطلان نذر الصفة ، وبالجملة فالذي ينبغي الاعتماد عليه بطلان النذر في حق الرجل والتوقف في حق المرأة ، فإن صح سند هذين الخبرين عمل بموجبهما ، وإلا بطل كالرجل ، ولا يخفى عليك ما فيه من التشويش ، خصوصا بعد معلومية عدم صحة سند الخبرين ، إلا أنهما يمكن الوثوق بهما من جهة القرائن التي منها قبول أخبار السكوني وروايتهما في الكتب المعتبرة ، وفتوى من عرفت بهما بل قد سمعت نسبته إلى الشهرة ونحو ذلك ، وحينئذ لا وجه للاجتهاد في مقابلتهما بل لعل المتجه التعدية الى الرجل الذي هو أولى بالحكم المزبور من المرأة ، خصوصا مع إمكان دعوى الإجماع المركب ، إذ التفصيل الذي ذكره المصنف لم نعرفه قولا لأحد ، فالقول به حينئذ قوي جدا ، اللهم إلا أن يقال إنهما قضية في واقعة يمكن فرضها في نذر المرأة طوافين دفعة ، ولا يكون ذلك إلا بالهيئة المزبورة ، فأوجب عليه‌السلام عليها الطوافين ليديها ورجليها.

وكيف كان فظاهر النص والفتوى عدم إجزاء الهيئة المزبورة في الطواف واجبة ومندوبة مع الاختيار ، ولعله لأن المنساق والمعهود غيرها ، وحينئذ فلو تعلق نذره بطواف النسك فالأقرب البطلان كما في الدروس ، ثم قال : « وظاهر القاضي الصحة ، ويلزمه طوافان ، وأطلق ابن إدريس البطلان ، ومال اليه المحقق إن كان الناذر رجلا » وظاهره فرض محل البحث في تعلق النذر بطواف النسك ، وفيه نظر.

هذا كله مع الاختيار ، أما لو عجز عن المشي إلا على الأربع فالأشبه كما في الدروس فعله ، ويمكن تعين الركوب لثبوت التعبد به اختيارا ، ولعل الآخر لما عرفت من ظهور النص والفتوى في عدم مشروعية الهيئة المزبورة ، بخلاف الركوب المشروع في الاختيار فضلا عن الضرورة ، ولكن فيه أن الظاهر اختصاص عدم المشروعية فيهما بالمختار دون المضطر ، وربما احتمل في عبارة‌

٤٠٢

الدروس ، انها مفروضة في الناذر له على اربع ، وان بناء الوجهين على بطلان الهيئة دون الطواف ، وهو ـ مع أنه خلاف ظاهرها من كونها مفروضة في مطلق من عليه طواف ـ إنما يتجه وجوب ذلك عليه لو كان النذر تعلق به وهو عاجز ، أما لو نذر صحيحا فاتفق العجز له إلا عن هذا الحال فالوجهان ، والله العالم.

المسألة الحادية عشر لا بأس أن يعول الرجل على غيره في تعداد الطواف كما في القواعد وغيرها ومحكي النهاية والمبسوط والسرائر والجامع لأنه أي اخبار الغير كالامارة التي يكتفى بها في مثله ، نحو ما سمعته في أجزاء الصلاة وعدد ركعاتها المشبه بها الطواف ، وعن المنتهى لأنه يثمر التذكر والظن مع النسيان ، ول‌ خبر سعيد الأعرج (١) سأل الصادق عليه‌السلام « أيكتفي الرجل بإحصاء صاحبه : قال : نعم » وخبر الهذيل (٢) عنه عليه‌السلام « في الرجل يتكل على عدد صاحبته في الطواف أيجزيه عنهما وعن الصبي؟ فقال : نعم ، ألا ترى أنك تأتم بالإمام إذا صليت خلفه فهو مثله » ولعل مبنى الخبرين ما أشار إليه المصنف من غلبة حصول الظن باخبار المخبر الذي هو أمارة غالبا ، نعم لو لم يحصل منه ظن لم يكن به عبرة وعمل على حكم الشك الذي قد عرفته سابقا وحينئذ فلا يعتبر فيه التعدد ولا الذكورة ولا غير ذلك ، إذ المدار على ما عرفت لكن في المدارك ـ بعد أن ذكر أن إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الحافظ بين الذكر والأنثى ، ولا بين من طلب الطائف منه الحفظ وغيره ـ قال : « وهو كذلك ، نعم شرط فيه البلوغ والعقل ، إذ لا اعتداد بخبر الصبي والمجنون ، ولا يبعد اعتبار عدالته ، للأمر بالتثبت عند خبر الفاسق » وفيه أن خبر المميز والفاسق قد يفيدان الظن ، بل الخبران (٣) ظاهران في عدم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١ و ٣.

٤٠٣

اعتبار العدالة ، وفي كشف اللثام « وهل يشترط العدالة؟ احتمال ، للأصل والاحتياط ، وظاهر التمثيل بالاقتداء في الصلاة ، والاولى الاقتصار على إخلاد الرجل الى الرجل دون المرأة وجواز العكس ، اقتصارا على مضمون الخبرين وما يشبه الائتمام في الصلاة ، والأحوط التجنب عن الإخلاد رأسا ، لجهل سعيد وهذيل ، نعم إن اكتفينا في كل العبادات عند كل جزء بالظن بالإتيان بما قبله أخلد لذلك كما في الشرائع والمنتهى » ولا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه الذي قد يؤيده ان النص والفتوى قد جعلت الأحكام المذكورة للشك في الطواف على وجه يظهر منه عدم اندراج المظنون معه في الحكم المزبور ، ولا ينافيه ما تقدم في بعض‌ النصوص (١) من قوله عليه‌السلام : « حتى تثبته » أو « حتى تحفظه » لإمكان القول بان الظن إثبات له وحفظ له ، خصوصا بعد الخبرين المزبورين اللذين قد يقوى اعتبار حكم الصلاة هنا بملاحظة الثاني منهما المذكور فيه الائتمام المشعر باتحاد حال الصلاة مع الطواف زيادة على التشبيه ، ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط لعدم تعرض كثير لتحرير المسألة.

وكيف كان فـ (لو شكا جميعا عولا على الأحكام المتقدمة ) للشك من البناء أو الاستئناف ، وإن شك أحدهما دون الآخر كان لكل حكم نفسه كما يرشد اليه‌ خبر صفوان (٢) المتقدم سابقا « عن ثلاثة دخلوا في الطواف فقال واحد منهم : احفظوا الطواف ، فلما ظنوا انهم قد فرغوا قال واحد منهم : معي سبعة أشواط وقال الآخر معي ستة أشواط ، وقال الثالث معي خمسة أشواط‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١ والباب ٣٣ منها الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

٤٠٤

فقال : إن شكوا كلهم فليستأنفوا ، وإن لم يشكوا وعلم كل واحد منهم ما في يديه فليبنوا » وربما احتمل ان المراد البناء على الأمر المشترك كما إذا شك أحدهما بين خمسة وستة ، والآخر بين ستة وسبعة فيبنوا على الستة نحو ما تقدم في شك الامام والمأموم ، وكان بينهما رابطة ، لكنه كما ترى ، وفي كشف اللثام « لو صح خبر هذيل أمكن القول بان لا يعتبر شكه إذا حفظ الآخر كصلاة الجماعة » وقد عرفت ان المدار على حصول الظن بالعدد فان كان أخذ به ، وإلا عمل على مقتضى حكم الشك السابق ، والله العالم.

المسألة الثانية عشر طواف النساء واجب في الحج بجميع أنواعه إجماعا بقسميه ، بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص ، ففي‌ صحيح معاوية بن عمار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « على المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف بالبيت وسعيان بين الصفا والمروة ، فعليه إذا قدم مكة طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم عليه‌السلام وسعي بين الصفا والمروة ثم يقصر وقد أحل ، هذا للعمرة وعليه للحج طوافان وسعي بين الصفا والمروة ويصلي عند كل طواف بالبيت ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام » وصحيح منصور بن حازم (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « على المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف ، ويصلي لكل طواف ركعتين ، وسعيان بين الصفا والمروة » ونحوه خبر أبي بصير (٣) عنه عليه‌السلام أيضا ، وصحيح الحلبي (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « إنما نسك الذي يقرن بين الصفا والمروة مثل نسك المفرد ، ليس بأفضل منه إلا بسياق الهدي ، وعليه طواف بالبيت وصلاة ركعتين خلف المقام ، وسعي واحد بين الصفا والمروة ، وطواف بالبيت بعد الحج » وحسن معاوية بن عمار (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « المفرد عليه طواف بالبيت ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١.

٤٠٥

وركعتان عند مقام إبراهيم عليه‌السلام وسعي بين الصفا والمروة ، وطواف الزيارة ، وطواف النساء ، وليس عليه هدي ولا أضحية » الى غير ذلك من النصوص المتفق على العمل بها.

وكذلك هو واجب في العمرة المفردة المسماة بالمبتولة بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل عن المنتهى والتذكرة الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد المعتبرة المستفيضة ، كخبر إسماعيل بن رياح (١) سأل أبا الحسن عليه‌السلام « عن مفرد العمرة عليه طواف النساء قال : نعم » وصحيح محمد بن عيسى (٢) قال : « كتب أبو القاسم مخلد بن موسى الرازي الى الرجل يسأله عن العمرة المبتولة على صاحبها طواف النساء وعن التي يتمتع بها الى الحج فكتب أما العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء ، وأما التي يتمتع بها الى الحج فليس على صاحبها طواف النساء » وخبر إبراهيم بن عبد الحميد (٣) عن عمر بن يزيد أو غيره عن أبي عبد الله عليه‌السلام « المعتمر يطوف ويسعى ويحلق ولا بد له بعد الحلق من طواف آخر » وهو وإن عم المتمتع بها إلا انه مخصص بما عرفت وتعرف إن شاء الله ، الى غير ذلك من النصوص المجبور ضعف السند في بعضها بما سمعت.

خلافا للمحكي في الدروس عن الجعفي من عدم وجوبه ، لصحيح معاوية (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا دخل المعتمر مكة من غير تمتع وطاف بالبيت وصلى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام وسعى بين الصفا والمروة فيلحق بأهله إن شاء » الذي هو غير صريح في وحدة الطواف ، إذ يحتمل انه طاف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب العمرة ـ الحديث ٢.

٤٠٦

ما يجب عليه وصلى لكل واحد ركعتين ، بل ربما قيل إن ظاهره ذلك ، وصحيح صفوان بن يحيى (١) قال : « سأله عليه‌السلام أبو الحرث عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج وطاف وسعى وقصر هل عليه طواف النساء؟ قال : لا ، إنما طواف النساء بعد الرجوع من منى » المحتمل لإرادة إنما طواف النساء عليه ، ومرسل يونس (٢) الذي لا جابر للعمل به « ليس طواف النساء إلا على الحاج » المخصص بما عرفت المحتمل لإرادة ما يشمل المعتمر من الحاج ، وخبر أبي خالد مولى علي بن يقطين (٣) سأل أبا الحسن عليه‌السلام « عن مفرد العمرة عليه طواف النساء فقال : ليس عليه طواف النساء » الذي هو غير جامع لشرائط الحجية المحتمل لمن أراد التمتع بعمرته المفردة ، فمن الغريب ميل بعض متأخري المتأخرين إلى العمل بهذه النصوص القاصرة عن معارضة غيرها من وجوه ، وترك المعتبرة الأولى التي عليها العمل قديما وحديثا المعتضدة مع ذلك بأصالة بقاء حرمة النساء وغيرها.

نعم هو واجب فيها بجميع أنواعها دون المتمتع بها فإنه لا يجب فيها بلا خلاف محقق أجده فيه ، وإن حكاه في اللمعة عن بعض الأصحاب ، وأسنده في الدروس الى النقل ، لكن لم يعين القائل ولا ظفرنا به ولا احد ادعاه سواه ، بل في المنتهى لا أعرف فيه خلافا ، بل عن بعض الإجماع على عدم الوجوب ، ولعله كذلك ، فإنه قد استقر المذهب الآن عليه ، بل وقبل الآن ، مضافا الى النصوص التي منها ما تقدم ، ولا يقدح في بعضها الإضمار ، لأن مضمرات الأجلاء حجة عندنا ، ولا جهالة السائل ولا المكاتبة ، ومنها‌ صحيح زرارة (٤)

__________________

(١) الوسائل ـ ٢ لباب ـ ٨٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ ٢ لباب ـ ٨٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١٠ عن يونس وهو سهو فان الموجود في الاستبصار ج ٢ ص ٢٣٢ الرقم ٨٠٦ عن يونس عمن رواه.

(٣) الوسائل ـ ٢ لباب ـ ٨٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

٤٠٧

« قلت لأبي جعفر عليه‌السلام كيف التمتع قال : تأتي الوقت فتلبي بالحج ، فإذا دخلت مكة طفت بالبيت وصليت ركعتين خلف المقام وسعيت بين الصفا والمروة وقصرت وأحللت من كل شي‌ء ، وليس لك أن تخرج من مكة حتى تحج » وصحيح معاوية بن عمار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا فرغت من سعيك ، وأنت متمتع فقصر من شعرك من جوانبه ولحيتك وخذ من شاربك وقلم أظفارك وأبق منهما لحجك ، وإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي‌ء يحل منه المحرم وأحرمت منه ، وطف بالبيت تطوعا ما شئت » ومنها‌ خبر عبد الله بن سنان (٢) عنه عليه‌السلام أيضا قال : « سمعته يقول : طواف المتمتع ان يطوف بالكعبة ويسعى بين الصفا والمروة ويقصر من شعره ، فإذا فعل ذلك فقد أحل » ومنها‌ خبر عمر بن يزيد (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « ثم ائت منزلك فقصر من شعرك وحل لك كل شي‌ء » ومنها‌ حسن الحلبي (٤) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ) جعلت فداك اني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي ولم اقصر قال : قلت اني لما أردت ذلك منها ولم تكن قصرت امتنعت فلما غلبتها قصرت بعض شعرها بأسنانها قال : رحمها الله كانت أفقه منك ، عليك بدنة وليس عليها شي‌ء » ومنها‌ خبر الحلبي (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة متمتعة عاجلها زوجها قبل ان تقصر فلما تخوفت ان يغلبها أهوت إلى قرونها فقرضت منه بأسنانها وقرضت بأظافيرها هل عليها شي‌ء؟ قال : لا ، ليس كل احد يجد المقاريض » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التقصير ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التقصير ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التقصير ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التقصير ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التقصير ـ الحديث ٤.

٤٠٨

كل ذلك مع أنا لم نجد دليلا للقول المزبور إلا‌ خبر سليمان بن حفص المروزي (١) عن الفقيه عليه‌السلام « إذا حج الرجل فدخل مكة متمتعا فطاف بالبيت وصلى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه‌السلام وسعى بين الصفا والمروة وقصر فقد حل له كل شي‌ء ما خلا النساء ، لان عليه لنحلة النساء طوافا وصلاة » الشاذ الضعيف سندا ولا جابر المخالف لما عرفت ، بل قال الشيخ : ليس فيه ان الطواف والسعي اللذين ليس له الوطء بعدهما إلا بعد طواف النساء انهما للعمرة أو الحج ، وإذا لم يكن في الخبر ذلك حملناه على من طاف وسعى للحج ، وإن كان فيه ان المفروض في الخبر وقوع التقصير من المتمتع بعد الطواف والسعي ، وليس ذلك إلا في العمرة ، إذ لا تقصير بعدهما في الحج ، وأيضا قوله عليه‌السلام « إذا حج الرجل » الى آخره كالصريح في ان المراد بدخولها هو القدوم الأول دون الرجوع إليها من منى ، فلا وجه للمناقشة فيه من هذه الجهة ، كما انه لا وجه لها أيضا فيه بأنه قد دل على توقف حل النساء على الصلاة والطواف معا ، وهو خلاف المعهود في مثله ، فان التحليل في الحج والعمرة المفردة إنما يحصل بنفس الطواف من غير توقف على الصلاة في ظاهر النص والفتوى ، ولو توقف عليها كانت هي المحلل دونه ، وتوقفها عليه لا يصحح نسبة التحليل إليها ، وإلا لجاز إسناده الى ما قبل ذلك من الأعمال أيضا ، لأنه بعد تسليم ذلك ـ إذ قد عرفت البحث فيه سابقا ـ قد يقال بأن إيجاب الطواف للتحلل يقتضي إيجاب الصلاة له بواسطة الطواف ، فإنها من لوازمه ، وعلة الملزوم علة اللازم ، وحينئذ فلا يلزم التحليل بالصلاة ولا بالمجموع ، على أنه يمكن التزام أحد الأمرين هنا تبعا للنص وإن لم يكن في غيره كذلك ، ولا محذور في ذلك ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٧.

٤٠٩

وكيف كان فـ (هو ) أي طواف النساء لازم للرجال والنساء والصبيان والخصيان والخناثى بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل عن المنتهى والتذكرة الإجماع عليه في الجملة ، مضافا الى صحيح ابن يقطين وغيره كما تقدم الكلام في ذلك وغيره مفصلا عند قول المصنف : « ومواطن التحلل ثلاثة » فلاحظ وتأمل.

( القول في السعي‌ )

ومقدماته عشرة : وفي الدروس أربعة عشر ، والمستفاد من النصوص أزيد من ذلك ، نعم في كون بعضها مقدمة له نظر ، وإنما ورد الأمر به بعد الفراغ من الطواف ، فيمكن ان يكون مستحبا برأسه ، والأمر سهل ، فان كلها مندوبة‌ منها الطهارة من الأحداث وفاقا للمشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا بل في محكي المنتهى نسبته إلى علمائنا مشعرا به ، بل هي كذلك ، إذ لم يحك الخلاف فيه إلا من العماني ، لقول الكاظم عليه‌السلام في خبر ابن فضال (١) « لا يطوف ولا يسعى إلا على وضوء » وصحيح الحلبي (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عن المرأة تطوف بين الصفا والمروة وهي حائض قال : لا ، لان الله تعالى (٣) يقول ( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) » المحمولين على ضرب من الندب والكراهة ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (٤) : « لا بأس بأن تقضي المناسك كلها على غير وضوء إلا الطواف ، فان فيه صلاة ، والوضوء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٣.

(٣) سورة البقرة ـ الآية ١٥٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ١.

٤١٠

أفضل » وصحيحه الآخر (١) أيضا سأله « عن امرأة طافت بالبيت ثم حاضت قبل أن تسعى قال : تسعى ، وسأله عن امرأة طافت بين الصفا والمروة فحاضت بينهما قال : تتم سعيها » وخبر يحيى الأزرق (٢) سأل الكاظم عليه‌السلام « رجل سعى بين الصفا والمروة ثلاثة أشواط أو أربعة ثم بال ثم أتم سعيه بغير وضوء فقال : لا بأس ، ولو أتم مناسكه بوضوء كان أحب الي » وغير ذلك مما هو معتضد بالأصل وبالشهرة العظيمة وغير ذلك مما لا إشكال في قصور المعارض بالنسبة إليه ، فيجب حمله على ضرب من الكراهة ، بل صرح جماعة أيضا باستحباب الطهارة من الخبث فيه وإن كان لم يحضرني الآن ما يشهد له سوى مناسبة التعظيم ، وكون الحكم ندبيا يكتفى في مثله بنحو ذلك.

ومنها استلام الحجر والشرب من زمزم والصب على الجسد من مائها من الدلو المقابل للحجر‌ قال الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (٣) : « إذا فرغت من الركعتين فائت الحجر الأسود فقبله أو استلمه أو أشر إليه فإنه لا بد من ذلك ، وقال : إن قدرت أن تشرب من ماء زمزم قبل أن تخرج الى الصفا فافعل ، وتقول حين تشرب : اللهم اجعله علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وسقم ، قال : وبلغنا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال حين نظر الى زمزم : لو لا أن أشق على أمتي لأخذت منه ذنوبا أو ذنوبين » وقال الصادق عليه‌السلام في حسن الحلبي (٤) : « إذا فرغ الرجل من طوافه وصلى ركعتيه فليأت زمزم فليستق ذنوبا أو ذنوبين فيشرب منه وليصب على رأسه وظهره وبطنه ، ويقول :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٩ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ـ ٢.

٤١١

اللهم اجعله علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وسقم ، ثم يعود الى الحجر الأسود » وقال هو أيضا والكاظم عليهما‌السلام في صحيح حفص وعبيد الله الحلبي (١) : « يستحب أن يستقى من ماء زمزم دلوا أو دلوين فتشرب منه وتصب على رأسك وجسدك ، وليكن ذلك من الدلو الذي بحذاء الحجر ».

وظاهر هذا الخبر وغيره ما في الدروس من استحباب الاستقاء بنفسه ، كما أن ظاهر خبر الحلبي السابق ما فيها أيضا من الاستلام بعد إتيان زمزم ، نحو ما في‌ خبر ابن سنان (٢) المشتمل على حج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « فلما طاف بالبيت صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه‌السلام ودخل زمزم فشرب منها ، وقال : اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وسقم ، فجعل يقول ذلك وهو مستقبل الكعبة ، ثم قال لأصحابه : ليكن آخر عهدكم بالكعبة استلام الحجر ، فاستلمه ثم خرج الى الصفا » ولا ينافي ذلك خبر معاوية المتقدم الذي ليس فيه إلا بيان تأكد استحباب الاستلام ، نعم ينافيه‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (٣) المروي عن العلل في حج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « ثم صلى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام ثم استلم الحجر ثم أتى زمزم فشرب منها » ويمكن القول باستحباب استلامه قبل الشرب وبعده وخصوصا عند إرادة الخروج ، كما أنه يمكن القول باستحباب إتيان زمزم عقيب الركعتين وإن لم يرد السعي ، قال ابن مهزيار (٤) « رأيت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام ليلة الزيارة طاف طواف النساء وصلى خلف المقام ثم دخل زمزم فاستقى منها بيده بالدلو الذي يلي الحجر الأسود وشرب وصب على بعض جسده ثم اطلع في زمزم مرتين ، وأخبرني بعض أصحابنا أنه رآه بعد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ـ ١٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ـ ٣.

٤١٢

ذلك فعل مثل ذلك » وعن ابن الجنيد التصريح بان استلام الحجر من توابع الركعتين ، وكذا إتيان زمزم على الرواية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ومنها أن يخرج من الباب المحاذي للحجر بلا خلاف أجده فيه كما عن المنتهى والتذكرة الاعتراف به أيضا تأسيا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم‌ قال الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (١) « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين فرغ من طوافه وركعتيه قال : ابدأوا بما بدأ الله عز وجل به من إتيان الصفا ، إن الله عز وجل يقول ( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) قال أبو عبد الله عليه‌السلام ثم اخرج الى الصفا من الباب الذي خرج منه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو الباب الذي يقابل الحجر الأسود حتى تقطع الوادي وعليك السكينة والوقار » وقال عبد الحميد بن سعيد (٢) « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الباب الذي يخرج منه الى الصفا ، قلت : إن أصحابنا قد اختلفوا فيه ، بعضهم يقول : الذي يلي السقاية ، وبعضهم يقول الذي يلي الحجر ، فقال : هو الذي يلي الحجر ، والذي يلي السقاية محدث صنعه داود أو فتحه داود » نعم الظاهر دخول الباب المزبور في صحن المسجد لما وسعوه : لكن هو الآن معلم بأسطوانتين معروفتين ، فليخرج من بينهما ، قال الشهيد : والظاهر استحباب الخروج من الباب الموازي لهما.

ومنها ان يصعد الصفا للتأسي والنصوص (٣) والإجماع إلا ممن أوجبه الى حيث يرى الكعبة من بابه ، والظاهر انه من غيرنا ، فإنه عن الخلاف والقاضي وغيرهما الإجماع على عدم الوجوب وفي محكي التذكرة والمنتهى إجماع أهل العلم على عدم وجوب الصعود إلا من شذ ممن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ـ ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ و ٥ ـ من أبواب السعي.

٤١٣

لا يعتد به ، ولكن في الدروس والاحتياط الترقي إلى الدرج ، ويكفي الرابعة ولعله لما ستعرفه إن شاء الله ، وعلى كل حال فلا إشكال في ندبه ، قال الصادق عليه‌السلام في حسن معاوية (١) : « فاصعد على الصفا حتى تنظر الى البيت » ويكفي فيه كما في المسالك وكشف اللثام وغيرهما الصعود على الدرجة الرابعة التي قيل انها كانت تحت التراب ، فظهرت الآن حيث أزالوا التراب ، ولعلهم إنما كانوا جعلوا التراب تيسرا للنظر إلى الكعبة على المشاة وللصعود على الركبان ، ولعله لما كانت الدرجات الأربع مخفية في التراب ظن في المدارك أن النظر إلى الكعبة لا يتوقف على الصعود ، وأن معنى الخبر استحباب كل من الصعود والنظر ، قال : والظاهر ان المراد بقوله عليه‌السلام « فاصعد » الى آخره ، الأمر بالصعود والنظر الى البيت واستقبال الركن لا الصعود الى أن يرى البيت ، لأن رؤية البيت لا تتوقف على الصعود ، ول‌ صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (٢) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن النساء يطفن على الإبل والدواب أيجزيهن أن يقفن تحت الصفا والمروة؟ قال : نعم بحيث يرين البيت » وبما ذكرناه أفتى الشيخ في النهاية ، فقال : « إذا صعد على الصفا نظر الى البيت واستقبل الركن الذي فيه الحجر وحمد الله تعالى » وذكر الشارح أن المستحب الصعود الى الصفا بحيث يرى البيت ، وان ذلك يحصل بالدرجة الرابعة وهو غير واضح ، وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه ، خصوصا دعواه كون المراد بالخبر ما ذكره مع ظهوره في خلافه ، وكيف كان فظاهر المصنف وغيره إطلاق استحباب الصعود ، إلا أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ١.

٤١٤

الفاضل خصه بالرجال ، ولعله لما سمعته من خصوص صحيح ابن الحجاج ومناسبة عدمه لهن من حيث الستر.

ومنها أن يستقبل الركن العراقي ذي الحجر حال كونه على الصفا ويحمد الله عز وجل ويثني عليه وان يطيل الوقوف على الصفا ويكبر الله سبعا ويهلله سبعا ، ويقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شي‌ء قدير ثلاثا ويدعو بالمأثور كل ذلك وغيره لقول الصادق عليه‌السلام في حسن معاوية السابق (١) : « فاصعد على الصفا حتى تنظر البيت ، وتستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود ، فاحمد الله تعالى وأثن عليه واذكر من بلائه وآلائه وحسن ما صنع إليك ما قدرت على ذكره ، ثم كبر الله تعالى سبعا ، وهلله سبعا ، وقل لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت ، وهو على كل شي‌ء قدير ثلاث مرات ، ثم صل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقل : الله أكبر الحمد لله على ما هدانا ، والحمد لله على ما أبلانا ، والحمد لله الحي القيوم ، والحمد لله الحي الدائم ثلاث مرات ، وقل : أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله ، لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره المشركون ثلاث مرات : اللهم إني أسألك العفو والعافية واليقين في الدنيا والآخرة ثلاث مرات ، اللهم ( آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ ) ثلاث مرات ، ثم كبر الله مائة مرة ، وهلل الله مائة مرة ، واحمد الله مائة مرة ، وسبح الله تعالى مائة مرة ، وتقول لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وغلب الأحزاب وحده ، فله الملك وله الحمد وحده وحده ، اللهم بارك لي في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ١.

٤١٥

الموت وفي ما بعد الموت ، اللهم إني أعوذ بك من ظلمة القبر ووحشته ، اللهم أظلني في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك ، وأكثر من ان تستودع ربك دينك ونفسك وأهلك ، ثم تقول : استودع الله الرحمن الرحيم الذي لا تضيع ودائعه ديني ونفسي وأهلي اللهم استعملني على كتابك وسنة نبيك ، وتوفني على ملته وأعذني من الفتن ، ثم تكبر ثلاثا ، ثم تعيدها مرتين ، ثم تكبر واحدة ثم تعيدها ، فان لم تستطع هذا فبعضه ـ وروي غير ذلك ، وانه ليس فيه شي‌ء موقت (١) ـ وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقف على الصفا بقدر ما يقرأ سورة البقرة مترسلا ، قال الصدوق فيمن لا يحضره الفقيه بعد ان أورد نحوا من ذلك : ثم انحدر وقف على المرقاة الرابعة حيال الكعبة ، وقل اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وفتنته وغربته ووحشته وظلمته وضيقه وضنكه ، اللهم أظلني في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك ، وعن محمد بن عمر بن يزيد (٢) عن بعض أصحابه قال : « كنت في ظهر أبي الحسن موسى عليه‌السلام على الصفا وعلى المروة وهو لا يزيد على حرفين : اللهم إني أسألك حسن الظن بك في كل حال ، وصدق النية في التوكل عليك » وفي مرفوع علي بن النعمان (٣) « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا صعد الصفا استقبل الكعبة ثم يرفع يديه ثم يقول : اللهم اغفر لي كل ذنب أذنبته قط ، فان عدت فعد علي بالمغفرة فإنك أنت الغفور الرحيم ، اللهم افعل بي ما أنت أهله فإنك إن تفعل بي ما أنت أهله ترحمني ، وإن تعذبني فأنت غني عن عذابي ، وانا محتاج الى رحمتك ، فيا من انا محتاج‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٣.

٤١٦

الى رحمته ارحمني ، اللهم لا تفعل بي ما أنا أهله ، فإنك إن تفعل بي ما أنا أهله تعذبني ولم تظلمني ، أصبحت أتقي عدلك ولا أخاف جورك ، فيا من هو عدل لا يجور ارحمني » وفي خبر المنقري (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إن أردت أن يكثر مالك فأكثر الوقوف على الصفا » نحو ما في‌ المرفوع (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « من أراد أن يكثر ماله فليطل الوقوف على الصفا والمروة » وقال جميل (٣) لأبي عبد الله عليه‌السلام « هل من دعاء موقت أقوله على الصفا والمروة فقال : تقول إذا وقفت على الصفا : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ، وهو على كل شي‌ء قدير » الى غير ذلك من النصوص المستفاد منها ما ذكره المصنف وغيره ، وفي الدروس ويستحب أيضا قراءة القدر والوقوف على الدرجة الرابعة حيال الكعبة والدعاء ثم ينحدر عنها كاشفا ظهره ، ويسأل الله العفو ، وليكن وقوفه على الصفا في الشوط الثاني أقل منه في الشوط الأول ، والله العالم.

وأما الواجب فيه فـ (أربعة ) وفي الدروس عشرة ضاما لها بعض ما تسمعه في الأحكام والمقارنة ونحو ذلك ، وعلى كل حال فالواجب فيه‌ النية بلا خلاف ولا إشكال ، بل الإجماع بقسميه عليه على حسب ما سمعته في الطواف وغيره من الأفعال من كونها الداعي ، ولا يجب فيها نية الوجه ولا غيره عدا القربة والتعيين لنوعه من كونه سعي حج الإسلام أو غيره من عمرة الإسلام أو غيرها ، وإن كان الأحوط اشتمالها مع ذلك على تصور معنى السعي المتضمن للذهاب من الصفا إلى المروة والعود وهكذا سبعا ، والوجه واستحضار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ٤.

٤١٧

مقارنتها لأوله مستداما حكمها الى آخره إن أتى به متصلا الى الآخر ، فان فصل ففي كشف اللثام كالطواف عندي أنه يجددها ثانيا فيما بعده ، وفيه أنه لا دليل عليه ، بل إطلاق الأدلة على خلافه ، فيكفي العود بنية إتمام العمل السابق ، بل قد يقال بكفاية تمامه وإن غفل عن الاولى حين الشروع ثم تنبه بعد ذلك ، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط ، والله العالم.

والثاني والثالث البدأة بالصفا والختم بالمروة بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى النصوص (١) المتقدم بعضها ، وما عن الحلبي والسنة فيه الابتداء بالصفا والختم بالمروة ليس خلافا مع إرادته الوجوب بالسنة ، وما عن أبي حنيفة من جواز الابتداء بالمروة مسبوق بالإجماع وملحوق به ، وحينئذ فلو عكس بأن بدأ بالمروة أعاد عامدا كان أو ناسيا ، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، ول‌ صحيح معاوية بن عمار (٢) « من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعى ويبدأ بالصفا قبل المروة » وفي‌ خبر الآخر (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « وإن بدأ بالمروة فليطرح ما سعى ويبدأ بالصفا » وسأله عليه‌السلام أيضا علي بن أبي حمزة (٤) « عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا قال : يعيد ، ألا ترى أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء أراد أن يعيد الوضوء » وفي خبر علي الصائغ (٥) قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا قال : يعيد ، ألا ترى أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه كان عليه أن يبدأ بيمينه ثم يعيد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب السعي والباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٣ و ١٣ و ١٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب السعي الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب السعي الحديث ـ ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب السعي الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب السعي الحديث ـ ٥.

٤١٨

على شماله » قلت ومقتضى التشبيه المزبور الاجتزاء بالاحتساب من الصفا إذا كان قد بدأ بالمروة ثم بالصفا ولا يحتاج إلى إعادة السعي بالصفا جديدا كما صرح به بعض الناس ، وإن كان هو أحوط ، بل ربما أمكن دعوى ظهور النصوص السابقة فيه ، هذا.

وقد عرفت سابقا عدم وجوب الصعود على الصفا ، فيكفي حينئذ أن يجعل عقبه ملاصقا له ، لوجوب استيعاب المسافة التي بينه وبين المروة ، نعم قد يحتمل الاكتفاء بأحد القدمين ، ولكن الأحوط جمعهما ، ثم إذا عاد ألصق أصابعه بموضع العقب حتى يحصل الاستيعاب المزبور الذي عليه المدار في الظاهر وإلا فلا دليل على وجوب السعي منتهيا الى خصوص قدم الابتداء ، بل لعل إطلاق الأدلة يقضي بخلافه ، فإنه ليس فيها إلا السعي بينهما الذي يتحقق بذلك وبالانتهاء الى ما يحاذي الابتداء ، بل مقتضى الإطلاق المزبور نصا وفتوى عدم وجوب كون السعي بالخط المستقيم ، ضرورة صدق السعي بينهما به وبغيره ، بل نصوص (١) السعي راكبا في الرجال والنساء كالصريحة بخلافه ، ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك الفرد المتيقن الذي عليه العمل ، بل فيما حضرني من بعض الكتب نسبة الكيفية المزبورة أولا إليهم عليهم‌السلام ، بل فيه أنه قيل الظاهر اتفاق الأصحاب عليه وإن كنا لم نتحقق شيئا من ذلك ، نعم في الرياض « لو لا اتفاق الأصحاب في الظاهر على وجوب إلصاق العقب بالصفا والأصابع بالمروة لكان القول بعدم لزوم هذه الدقة والاكتفاء بأقل من ذلك مما يصدق معه السعي بين الصفا والمروة عرفا وعادة لا يخلو من قوة كما اختاره بعض المعاصرين ، لما ذكره من أن المفهوم من الاخبار أن الأمر أوسع من ذلك ، فإن السعي على الإبل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب السعي.

٤١٩

الذي دلت عليه الأخبار وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسعى على ناقته لا يتفق فيه هذا التضييق من جعل عقبه ملصقة بالصفا في الابتداء وأصابعه يلصقها بالمروة موضع العقب بعد العود فضلا عن ركوب الدرج ، بل يكفي فيه الأمر العرفي ، ولكن الأحوط ما ذكروه » قلت : قد عرفت أن مقتضى إطلاق الأدلة السعي بينهما ، ويمكن فهم الاستيعاب منها ، خصوصا مع ملاحظة صدق البدأة والختم ، نعم هو في الراكب والراجل كل بحسب حاله عرفا ، لكن كونه على الوجه المزبور محل نظر بل منع ، وليس في كلامهم ظهور في ذلك ، وإنما ذكره بعض متأخري المتأخرين ، بل لعل إطلاق الفتاوى بخلافه ، هذا.

وفي محكي التذكرة والمنتهى أن من أوجب الصعود أوجبه من باب المقدمة لأنه لا يمكن استيفاء ما بينهما إلا به ، كغسل جزء من الرأس في الوضوء وصيام جزء من الليل ، ثم قال : وهذا ليس بصحيح ، لان الواجبات هنا لا تنفصل بمفصل حسي يمكن معه استيفاء الواجب دون فعل بعضه ، فلهذا أوجبنا غسل جزء من الرأس وصيام جزء من الليل بخلاف المقام ، فإنه يمكنه أن يجعل عقبه ملاصقا للصفا ، قلت : عن الفقيه والهداية والمقنع والمراسم والمقنعة أنها تحتمل وجوب الصعود ، وقد سمعت ما في الدروس من أن الأحوط الترقي إلى الدرج وتكفي الرابعة ، ولعله للأمر بصعوده في بعض (١) النصوص السابقة ، ولما‌ روي (٢) انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صعده في حجة الوداع‌ التي‌ قال فيها (٣) : « خذوا عني‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب السعي ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣.

(٣) تيسير الوصول ج ١ ص ٣١٢.

٤٢٠