جواهر الكلام - ج ١٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بنى على ما هو أقل » ومنها‌ صحيح الحلبي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل طاف لم يدر ستة أم سبعة قال : يستقبل » ونحوه المروي (٢) عن التهذيب ، بل ربما وصف بالصحة ، ومنها‌ خبر صفوان أو حسنه (٣) « سألت أبا الحسن الثاني عليه‌السلام عن ثلاثة نفر دخلوا في الطواف فقال : كل منهم لصاحبه تحفظوا الطواف ، فلما ظنوا انهم فرغوا قال واحد : معي سبعة أشواط ، وقال الآخر معي ستة أشواط ، وقال الثالث : معي خمسة أشواط ، قال : إن شكوا كلهم فليستأنفوا ، وان لم يشكوا واستيقن كل منهم على ما في يده فليبنوا » والمرسل (٤) عن الصادق عليه‌السلام « انه سئل عن رجل لا يدري ثلاثة طاف أم أربعة قال : طواف فريضة أو نافلة ، قال : أجنبي فيهما ، فقال عليه‌السلام : ان كان طواف نافلة فابن على ما شئت ، وإن كان طواف فريضة فأعد الطواف » بل قيل في التذكرة والمنتهى انه من خبر رفاعة (٥) عنه عليه‌السلام فيكون صحيحا ، ولكنه غير معلوم ، الى غير ذلك من النصوص المنجبر ضعف بعضها بما سمعت من الشهرة والإجماع المحكي والتعاضد وغير ذلك.

لكن مع ذلك كله حكى الفاضل عن المفيد انه قال : « من طاف بالبيت فلم يدر أستا طاف أو سبعا فليطف طوافا آخر ليستيقن انه طاف سبعا » وفهم منه البناء على الأقل على أن مراده بطواف آخر شوط آخر ، وحكاه عن علي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٥ والفقيه ج ٢ ص ٢٤٩ الرقم ١١٩٥.

٣٨١

ابن بابويه والحلبي وأبي علي ، واختاره بعض متأخري المتأخرين ، لأصلي البراءة وعدم الزيادة ، وصحيح منصور بن حازم (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر أستة طاف أو سبعة قال : فليعد طوافه ، قلت : ففاته فقال : ما أرى عليه شيئا ، والإعادة أحب إلى وأفضل » وصحيحه الآخر (٢) قال للصادق عليه‌السلام : اني طفت فلم أدر ستة طفت أم سبعة فطفت طوافا آخر فقال : هلا استأنفت؟ قال : قلت قد طفت وذهبت ، قال : ليس عليك شي‌ء » إذ لو كان الشك موجبا للإعادة لأوجبها عليه ، وصحيح رفاعة (٣) عنه عليه‌السلام « في رجل لا يدري ستة طاف أو سبعة قال : يبني على يقينه » وفيه ان الأصل مقطوع بما عرفت ، كما ان المراد بالصحيح الأول ما سمعت من الشك بعد الفراغ لا في أثنائه ، وإلا كان مخالفا للإجماع على الظاهر ، واحتمال الصحيح الثاني (٤) النافلة ، بل والشك بعد الانصراف ، بل قد يحتمل قوله « قد طفت » الإعادة على معنى فعلت الأمرين الإكمال والإعادة ، والثالث النافلة أيضا ، والشك بعد الانصراف ، والبناء على اليقين بمعنى انه حين انصرف أقرب الى اليقين مما بعده ، فلا يلتفت الى الشك بعده ، وإرادة الإعادة أي يأتي بطواف تيقن عدده ، كل ذلك لقصورها عن المعارضة من وجوه.

ومن الغريب ما عن بعضهم من حمل اخبار المشهور على الندب ، لقوله عليه‌السلام في الصحيح الأول : « ما ارى عليه شيئا » إذ لو كانت واجبة لكان عليه شي‌ء ، بل‌ قوله عليه‌السلام « والإعادة أحب الي وأفضل » صريح في ذلك ، إذ قد عرفت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٥.

(٤) وفي النسخة الأصلية « الصحيح النافي » والصواب ما أثبتناه.

٣٨٢

ان التدبر في الصحيح المزبور وما شابهه يقتضي كون المراد من السؤال فيه الشك بعد الفراغ ، وإلا كان ظاهرا في وجوب الإعادة ، فان لم يفعل وقد فاته الأمر للرجوع إلى أهله ونحوه فلا شي‌ء عليه ، والإعادة أفضل ، ولعله لذا قال في المدارك بعد تمام الكلام في المسألة : « وكيف كان فينبغي القطع بعدم وجوب العود لاستدراك الطواف مع عدم الاستئناف كما دلت عليه الاخبار الكثيرة وتبعه عليه المجلسي قال : « ثم إنه على تقدير وجوب الإعادة فالظاهر من الأدلة ان ذلك مع الإمكان وعدم الخروج من مكة والمشقة في العود لا مطلقا ، ولا استبعاد في ذلك » ولكن لا يخفى عليك ما فيه ، ضرورة كون المتجه حينئذ جريان حكم تارك الطواف عليه ، لان الفرض فساد ما وقع منه بالشك في أثنائه كما ان المتجه ذلك أيضا على القول الثاني إذا لم يبن على الأقل بل بنى على الأكثر وأتم الطواف ، بل يمكن دعوى الإجماع على خلاف ما ذكراه ، ومن هنا قلنا يجب حمل الصحيح ونحوه على ارادة كون الشك بعد الفراغ ، وان أبيت فالطرح وإيكال علمه إليهم عليهم‌السلام خير من ذلك ، لرجحان تلك الأدلة من وجوه ، والله العالم.

وعلى كل حال فقد ظهر لك انه في الفرض المزبور يبني على الأقل في النافلة بلا خلاف أجده فيه ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، لما سمعته من النصوص الظاهر أكثرها كالفتاوى في حصر المشروعية في ذلك ، لكن عن الفاضل وثاني الشهيدين جواز البناء على الأكثر حيث لا يستلزم الزيادة كالصلاة للتشبيه بها ، وللمرسل (١) المتقدم الآمر بالبناء على ما شاء ، والتعبير بالجواز في الموثق (٢) السابق ، إلا ان ذلك كله كما ترى لا يجترئ به على الخروج عما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٧.

٣٨٣

هو كالمتفق عليه نصا وفتوى من ظهور تعين البناء على الأقل الذي هو أحوط مع ذلك أيضا ، والله العالم.

المسألة الثانية من زاد على السبع ناسيا وذكر قبل بلوغه الركن العراقي قطع ولا شي‌ء عليه كما صرح به الشيخ وبنو زهرة والبراج وسعيد والفاضل وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، بل هو المشهور لخبر أبي كهمس (١) المنجبر بما عرفت « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط قال : ان كان ذكر قبل ان يأتي الركن فليقطعه وقد أجزأ عنه ، وان لم يذكر حتى بلغه فليتم أربعة عشر شوطا. وليصل اربع ركعات » بل لا أجد فيه خلافا إلا من بعض متأخري المتأخرين بناء على أصل فاسد ، وهو عدم انجبار الخبر الضعيف بالعمل ، والفرض ضعف الخبر المزبور ، مع انه معارض بخبر عبد الله بن سنان (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سمعته يقول : من طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في الثامن فليتم أربعة عشر شوطا ، ثم ليصل ركعتين » المعتبر سنده بل عن العلامة الحكم بصحته ، إلا ان ذلك كله كما ترى لا يوافق ما حررناه في الأصول ، فيجب حمل الخبر المزبور بعد قصوره عن المقاومة على إرادة إتمام الشوط من الدخول في الثامن أو غير ذلك ، وحينئذ فما هنا كالمقيد لما سمعته سابقا من ان من زاد على السبعة سهوا أكملها أسبوعين كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا ، والله العالم.

المسألة الثالثة من طاف وذكر انه لم يتطهر أعاد في الفريضة دون النافلة ويعيد صلاة الطواف الواجب واجبا والندب ندبا لما عرفته سابقا من اشتراط‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ـ ٥.

٣٨٤

الطهارة من الحدث في الطواف الواجب ، قال ابن مسلم (١) في الصحيح « سألت أحدهما عليهما‌السلام عن رجل طاف طواف الفريضة وهو على غير طهور قال : يتوضأ ويعيد طوافه ، وإن كان تطوعا توضأ وصلى ركعتين » وقد عرفت الكلام في ذلك مفصلا ، والله العالم.

المسألة الرابعة من نسي طواف الزيارة أي الحج حتى رجع الى أهله وواقع قيل والقائل الشيخ في محكي النهاية والمبسوط وابنا البراج وسعيد : عليه بدنة لحسن معاوية بن عمار (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن متمتع وقع على أهله ولم يزر البيت قال : ينحر جزورا ، وقد خشيت أن يكون ثلم حجه إن كان عالما ، وإن كان جاهلا فلا بأس عليه » لأنه بعمومه يشمل الناسي فإن الظاهر أن قوله عليه‌السلام « إن كان عالما » قيد لثلم الحج ، وأن البأس المنفي هو الثلم والإثم دون النحر الذي هو ليس من البأس في شي‌ء ، وصحيح علي بن جعفر (٣) عن أخيه المتقدم سابقا المشتمل على التصريح بمساواة الحج والعمرة في ذلك ، وصحيح العيص (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل واقع أهله حين ضحى قبل أن يزور البيت قال : يهريق دما » وإن كان هو ظاهرا في غير الطواف المنسي ، ولا تصريح فيه بالبدنة ، كصحيح علي بن جعفر (٥) وخبري علي بن يقطين (٦) وابن أبي حمزة (٧) المتقدمين سابقا في الجاهل بناء على شموله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ـ ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ـ ٢.

٣٨٥

للناسي ، وإن كان فيه منع واضح ، على أن مقتضاهما ذلك وإن لم يواقع كما عن التهذيب والمهذب والتحرير هنا للإطلاق المزبور الذي قد عرفت كونه في الجاهل لا الناسي.

وعلى كل حال فعليه مع ذلك الرجوع الى مكة للطواف الذي قد عرفت الحال فيه وقيل والقائل الحلي والفاضل والشهيدان وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، بل عن بعض نسبته إلى الأكثر لا كفارة عليه وهو الأصح للأصل ورفع النسيان عن الأمة وعموم ما دل على نفيها عن الناسي ، كالصحيح المروي (١) عن العلل « في المحرم يأتي أهله ناسيا قال : لا شي‌ء عليه إنما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان وهو ناس » وفي المرسل (٢) عن الفقيه « إن جامعت وأنت محرم ـ الى أن قال ـ : وإن كنت ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليك » مضافا الى ما دل على نفيها عن الجاهل أيضا بناء على شموله للناسي خصوصا مثل‌ حسن معاوية (٣) عن الصادق عليه‌السلام « ليس عليك فداء شي‌ء أتيته وأنت جاهل إذا كنت محرما في حجك أو عمرتك إلا الصيد ، فان عليك الفداء بجهالة كان أو عمد » كل ذلك مع عدم صراحة النصوص المزبورة في الجماع حال النسيان ، لاحتمالها أو بعضها وقوعه بعد الذكر.

بل ظاهر قول المصنف ويحمل القول الأول على من واقع بعد الذكر قبول عبارة القائل لذلك ، فتخرج المسألة حينئذ عن الخلاف ، وان قال في كشف اللثام : إن عبارات المبسوط والنهاية والجامع لا تقبل ذلك ، على ان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ـ ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب كفارات الصيد ـ الحديث ٤.

٣٨٦

الأخبار المزبورة قد اشتمل بعضها (١) على إهراق دم ، وآخر (٢) على الجزور وثالث (٣) على الهدي ، ولم أقف على نص في البدنة إلا ما سمعته من خبري ابن يقطين وعلي بن أبي حمزة الذين لم يعتبر فيهما المواقعة ، بل قد يقال بدلالة حسن معاوية بن عمار (٤) السابق المذكور دليلا للقول الأول على المطلوب بدعوى عموم نفي البأس للكفارة أيضا بعد جعل العلم قيدا لجميع ما تقدمه لا خصوص الثلم والإثم ، بل في ما حضرني من المدارك روايته « لا شي‌ء عليه » بدل نفي البأس وحينئذ فالجمع بين النصوص بالحمل على الندب أولى من الجمع بينها بتخصيص تلك العمومات بمحل الفرض ، لما عرفته من قصور المعارض من وجوه ، والله العالم.

ولو نسي طواف النساء حتى رجع الى أهله جاز أن يستنيب بلا خلاف أجده فيه نصا وفتوى ، بل الإجماع بقسميه عليه ، إنما الكلام في جواز ذلك اختيارا كما هو ظاهر المتن أو صريحه بقرينة التقيد السابق في طواف الحج ، وكذا غير المتن ، بل في الدروس أنه الأشهر بل هو المشهور ، بل قيل لا خلاف فيه بين القدماء والمتأخرين إلا من الشيخ والفاضل في التهذيب والمنتهى فاشترطا فيه التعذر ، مع أن الأول قد رجع عنه في النهاية والثاني قال بما في المتن في أكثر كتبه كالتحرير والإرشاد والتلخيص والتذكرة للحرج والمعتبرة المستفيضة كصحيح معاوية بن عمار (٥) الذي هو نحو‌ صحيح الحلبي (٦) المروي عن المستطرفات ، سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع الى أهله قال : يرسل فيطاف عنه » وصحيحه الآخر وحسنه (٧) سأله عليه‌السلام أيضا عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ـ ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ـ ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف الحديث ـ ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف الحديث ١١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف الحديث ـ ٦.

٣٨٧

ذلك ، فقال : « لا تحل له النساء حتى يزور البيت ، وقال : يأمر من يقضي عنه إن لم يحج ، فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره » وصحيحه الثالث (١) عنه عليه‌السلام أيضا « رجل نسي طواف النساء حتى يرجع الى أهله قال : يأمر من يقضي عنه إن ، لم يحج ، فإنه لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت » بل قوله عليه‌السلام فيهما « ان لم يحج » كالصريح في إرادة أنه إن لم يكن عاد بنفسه فليستنب ، ولا ريب في شموله لحال الاختيار ، وإلا لقال : فان لم يتمكن فليأمر من يطوف عنه.

ومنه يعلم أن المراد بما في ذيل الأخير وصدر غيره الطواف بنفسه وبغيره وإن كان ظاهر النسبة إليه المباشرة ، أو أنه مشروط بالتعذر كما عن الشيخ والفاضل في المنتهى لأصالة المباشرة في العبادات وبقاء حرمة النساء ، وصحيح معاوية (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « في رجل نسي طواف النساء حتى دخل الكوفة قال : لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت ، قلت : فان لم يقدر قال : يأمر من يطوف عنه » وصحيحه الآخر (٣) عنه عليه‌السلام أيضا سأله « عن رجل نسيه حتى يرجع الى أهله فقال : لا تحل له النساء حتى يزور البيت ، فان هو مات فليقض عنه وليه أو غيره ، فاما ما دام حيا فلا يصلح أن يقضي عنه ، وإن نسي الجمار فليسا بسواء إن الرمي سنة والطواف فريضة » مضافا الى إمكان المناقشة في دليل الأول بدعوى انصراف الإطلاق السابق الى ما هو الغالب من التعذر أو التعسر في الرجوع حتى صحيحي « ان لم يحج » فإنهما لا صراحة فيهما ، بل أقصاهما الإطلاق المنساق الى ذلك ، فتبقى أصالة المباشرة حينئذ على حالها مؤيدة بظاهر الأمر فيها أيضا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

٣٨٨

على أن الجمع بين النصوص بالتقييد أولى من الجمع بالندب.

لكن لا يخفى عليك انقطاع الأصلين بما عرفت ، وكون التقييد في الأول في كلام السائل ، والتعبير في الثاني بلفظ « لا يصلح » الذي هو أعم من الحرمة بل قيل بظهوره في الكراهة حاكيا له عن المتأخرين كافة ، بل عن الشيخ في الاستبصار التصريح بصراحته فيها ، وحينئذ يكون دليلا للمطلوب لا عليه ، والمناقشة المزبورة مجرد دعوى لا شاهد لها ، خصوصا في ذوي الأمكنة القريبة ونحوهم ممن لا مشقة عليهم في العود ، كل ذلك مضافا الى الانجبار بالشهرة العظيمة إلا انه مع ذلك كله والاحتياط لا ينبغي تركه.

ثم انه قد يستفاد من نحو إطلاق العبارة عدم اعتبار استمرار النسيان الى أن يرجع الى أهله في الاستنابة المزبورة ، بل ينبغي الجزم به مع التعذر أو التعسر قبل ذلك ، أما مع عدمهما فلا يبعد ذلك أيضا وإن كان السؤال في النصوص المزبورة مقيدا بالرجوع إلى أهله ، ومقتضاه بقاء غيره على أصالة المباشرة ، إلا أنه بمعونة إطلاق الفتوى التي بها يخرج المعارض عن المقاومة كي يتجه التقييد خصوصا مع ظهور لفظ « لا يصلح » في الكراهة قد يقوى عدم إرادة التقييد منه ، نعم مع فرض القرب من مكة وعدم المانع له يرجع بنفسه.

وعلى كل حال فظاهر ما سمعته من النص والفتوى وجوب قضائه وإن كان قد طاف طواف الوداع ، مضافا الى كونه مستحبا فلا يجزي عن الواجب ، لكن‌ قال الصادق عليه‌السلام في خبر إسحاق (١) « لو لا ما من الله به على الناس من طواف الوداع لرجعوا الى منازلهم ولا ينبغي لهم أن يمسوا نساءهم » بل عن علي بن بابويه الفتوى بذلك إلا انه قاصر عن المعارضة من وجوه ، خصوصا مع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.

٣٨٩

إمكان اختصاصه بالعامة الذين لا يعرفون وجوب طواف النساء ، وإرادة المنة على المؤمنين بالنسبة إلى نسائهم الغير العارفات ، وكون المراد أن الاتفاق على فعل طواف الوداع سبب لتمكن الشيعة من طواف النساء ، إذ لولاه لزمتهم التقية بتركه غالبا وعلى كل حال فلا تحل له النساء بدونه حتى العقد سواء كان المكلف به رجلا أو امرأة ، ويحرم حينئذ عليها تمكين الزوج كما تقدم ذلك كله في أحكام الإحرام ، نعم الظاهر اختصاص إجزاء الاستنابة بما إذا لم يكن الترك عمدا ، أما معه فالأصل يقتضي وجوب الرجوع بنفسه كما صرح به في الدروس.

وكيف كان فـ (لو مات ) ولم يقضه بنفسه أو بغيره قضاه وليه بنفسه أو بغيره كما في النافع ومحكي النهاية والسرائر وجوبا بلا خلاف أجده فيه ، لما سمعته من النص ، بل ظاهر صحيح معاوية (١) إجزاء فعل الغير عنه وإن لم يكن باستنابة من الولي ، ولا بأس به ، لأنه من قبيل الديون ، والله العالم.

المسألة الخامسة من طاف كان بالخيار في تأخير السعي ساعة ونحوها بل الى زمان سابق على صدق اسم الغد بلا خلاف أجده فيه ، للأصل وصحيح ابن مسلم (٢) سأل أحدهما ( عليهما‌السلام « عن رجل طاف بالبيت فأعيى أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة؟ فقال : نعم » وصحيح ابن سنان (٣) على ما في التهذيب سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن رجل يقدم حاجا وقد اشتد عليه الحر فيطوف بالكعبة أيؤخر السعي الى أن يبرد؟ فقال : لا بأس به ، وربما فعلته ، قال : وربما رأيته يؤخر السعي إلى الليل » ورواه في الكافي والفقيه الى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ـ ١.

٣٩٠

قوله عليه‌السلام : « وربما فعلته » ولكن في الثاني منهما وفي حديث آخر « الى الليل » وعلى كل حال هو دال بناء على ظهوره في دخول الغاية على جواز فعله في الليل الداخل فيه مسماه أجمع حتى يتحقق صدق اسم الغد ثم لا يجوز مع القدرة كما نص عليه في النافع والقواعد وغيرهما ومحكي التهذيب والنهاية والمبسوط والوسيلة والسرائر والجامع لصحيح العلاء بن رزين (١) « سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيا أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة إلى غد؟ قال : لا » وصحيح محمد بن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيا أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة إلى غد؟ قال : لا » وهما كما ترى ظاهر ان في عدم الجواز اليه كما صرح به من عرفت ، بل لا أجد فيه خلافا إلا من ظاهر المتن وربما نزل على خروج الغاية ، وإلا كان نادرا لا دليل له سوى الأصل المقطوع والإطلاق المقيد بما عرفت ، نعم الظاهر اختصاص المنع بذلك ، أما التأخير ولو الى آخر الليل كما أشرنا إليه سابقا فلا بأس به للأصل إن لم يكن ظاهر الإطلاق السابق ، هذا كله مع القدرة ، أما مع عدمها فلا إشكال في الجواز كما صرح به غير واحد ، لاستحالة التكليف بما لا يطاق ، وعدم دليل على مشروعية الاستنابة في الفرض فضلا عن وجوبها ، فيصبر حينئذ حتى يضيق الوقت كما تقدم الكلام في مثله سابقا ، والله العالم.

المسألة السادسة يجب على المتمتع تأخير الطواف والسعي للحج حتى يقف بالموقفين ويقضي مناسك منى يوم النحر بلا خلاف محقق معتد به أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر ، بل في محكي المعتبر والمنتهى والتذكرة نسبته إلى إجماع العلماء كافة ، وهو الحجة بعد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.

٣٩١

خبر أبي بصير (١) المنجبر بما عرفت « قلت : رجل كان متمتعا فأهل بالحج قال : لا يطوف بالبيت حتى يأتي عرفات ـ فان هو طاف قبل أن يأتي منى من غير علة فلا يعتد بذلك الطواف » ومفهوم الصحيح (٢) والموثق (٣) كالصحيح بل الصحيح الآتيين بل وغيرهما ، فمن الغريب ما وقع من بعض متأخري المتأخرين من جواز ذلك مطلقا استنادا إلى إطلاق بعض النصوص ، كصحيح ابن يقطين (٤) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل المتمتع يطوف ويسعى بين الصفا والمروة قبل خروجه إلى منى قال : لا بأس » وصحيح حفص بن البختري (٥) عنه عليه‌السلام أيضا في تعجيل الطواف قبل الخروج إلى منى ، فقال : « هما سواء أخر ذلك أو قدمه يعني المتمتع » وغيرهما المقيد بما أشار إليه المصنف وغيره.

بل لا خلاف معتد به أجده فيه من انه لا يجوز التعجيل إلا للمريض والمرأة التي تخاف الحيض والشيخ العاجز عن العود أو الزحام ونحوهم من ذوي الأعذار‌ للموثق أو الصحيح (٦) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المتمتع إذا كان شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض تعجل طواف الحج قبل أن تأتي منى قال : نعم من كان هكذا يعجل » والخبر (٧) كالصحيح عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن المرأة تمتعت بالعمرة إلى الحج ففرغت من طواف العمرة وخافت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ـ ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ـ ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٧.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

٣٩٢

الطمث قبل يوم النحر أيصلح لها ان تعجل طوافها طواف الحج قبل أن تأتي منى قال : إذا خافت ان تضطر الى ذلك فعلت » وخبر إسماعيل بن عبد الخالق (١) عن الصادق عليه‌السلام « لا بأس ان يجعل الشيخ الكبير والمريض والمرأة والمعلول طواف الحج قبل أن يخرج إلى منى » وحسن الحلبي ومعاوية بن عمار (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « لا بأس بتعجيل الطواف للشيخ الكبير والمرأة تخاف الحيض قبل أن تخرج إلى منى » بل عن ابن زهرة الإجماع على التقديم على الحلق يوم النحر للضرورة ، فما عن ابن إدريس ـ من عدم جواز التقديم مطلقا للأصل المقطوع بما سمعت ، واندفاع الحرج بحكم الإحصار ـ واضح الضعف نحو ما سمعته من بعض متأخري المتأخرين من الجواز مطلقا الذي هو على طرف الإفراط معه ، وربما استظهر أيضا من عبارة التذكرة ، قال : « وردت رخصة في جواز تقديم الطواف والسعي على الخروج إلى منى وعرفات ، وبه قال الشافعي ، لما رواه العامة (٣) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من قدم شيئا قبل شي‌ء فلا حرج » ومن طريق الخاصة‌ رواية صفوان بن يحيى الأزرق (٤) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن امرأة تمتعت » الى آخرها ، إذا ثبت هذا فالأولى التقييد للجواز بالعذر بناء على إرادة الأفضل من الاولى » ولكن فيه منع واضح ، خصوصا بعد أن حكي إجماع العلماء سابقا على عدم الجواز ، نعم ما يحكى من عبارة الخلاف‌ « روى أصحابنا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٤ وهو حسن حفص بن البختري ومعاوية بن عمار وحماد عن الحلبي جميعا عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٣) كنز العمال ج ٣ ص ٥٩ الرقم ١٠٧٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

٣٩٣

رخصة في تقديم الطواف والسعي قبل الخروج إلى منى وعرفات ، والأفضل أن لا يطوف طواف الحج الى يوم النحر إن كان متمتعا » ظاهر في ذلك ، لكن عن ابن إدريس احتمالها حال الضرورة ، أي الأفضل مع العذر التأخير ، ولا بأس به ، وإلا كان نادرا محجوجا بما عرفت.

والظاهر الاجزاء لمن قدمه لخوف العارض ثم بان عدم حصوله لقاعدة الاجزاء كما هو واضح.

وكذا يجوز تقديم طواف النساء للضرورة كما عن الفاضل وغيره التصريح به ، بل في كشف اللثام أنه المشهور لفحوى ما تقدم ، وخصوص‌ قول الكاظم عليه‌السلام في صحيح ابن يقطين (١) أو خبره المنجبر بما عرفت : « لا بأس بتعجيل طواف الحج وطواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى ، وكذلك لا بأس لمن خاف أمرا لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف ويودع البيت ثم يمر كما هو من منى إذا كان خائفا ».

خلافا للحلي أيضا ، فلم يجوزه للأصل ، واتساع وقته ، والرخصة في الاستنابة فيه ، وخروجه عن أجزاء المنسك ، وعموم‌ قوله عليه‌السلام لإسحاق بن عمار (٢) « إنما طواف النساء بعد أن يأتي منى » وخصوص‌ خبر علي بن أبي حمزة (٣) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل يدخل مكة ومعه نساؤه وقد أمرهن فتمتعن قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة فخشي على بعضهن الحيض فقال : إذا فرغن من متعتهن وأحللن فلينظر إلى التي يخاف عليها الحيض فيأمرها فتغتسل وتهل بالحج من مكانها ثم تطوف بالبيت وبالصفا والمروة ، فإن حدث بها شي‌ء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ـ ٥.

٣٩٤

قضت بقية المناسك وهي طامث ، قال : فقلت : أليس قد بقي طواف النساء؟ قال : بلى ، قلت : فهي مرتهنة حتى تفرغ منه ، قال : نعم ، قلت : فلم لا يتركها حتى يقضي مناسكها؟ قال : يبقى عليها منسك واحد أهون عليها من أن تبقى عليها المناسك كلها مخافة الحدثان ، قلت : أبى الجمال أن يقيم عليها والرفقة قال : ليس لهم ذلك تستعدي عليهم حتى يقيم عليها حتى تطهر وتقضي مناسكها ».

لكن فيه أن الأصل مقطوع بما عرفت ، والعموم مخصص به أيضا ، والخبر المزبور قاصر عن المعارضة سندا وعملا ، بل قيل ومتنا ، لظهوره في قدرتها على الإتيان بطواف النساء بعد الوقوفين ولو بالاستعداء المخالف للأصول بل والصحيح (١) الوارد في مثل القضية المتقدم سابقا المتضمن لمضيها وانه قد تم حجها ، واتساع الوقت مخالف للفرض الذي هو الضرورة الموجبة لعدم القدرة على الإتيان به مطلقا ، والرخصة إنما هي في صورة النسيان خاصة ، وإلحاق الضرورة به قياس فاسد.

وكيف كان فلا خلاف أجده إلا من الحلي أيضا في انه يجوز التقديم للقارن والمفرد بل في محكي المعتبر نسبته الى فتوى الأصحاب ، بل عن الشيخ وصريح الغنية الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد المعتبرة المستفيضة التي منها نصوص حجة الوداع (٢) ومنها‌ صحيح حماد بن عثمان (٣) سأل الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣ و ١٣ و ١٤ و ٣١ و ٣٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١.

٣٩٥

عن مفرد الحج يقدم طوافه أو يؤخره فقال : هو والله سواء عجله أو أخره » ومنها‌ موثق زرارة (١) سأل أبا جعفر عليه‌السلام « عن المفرد للحج يقدم مكة يقدم طوافه أو يؤخره قال : سواء » ومنها‌ خبر أبي بصير (٢) عن الصادق عليه‌السلام « إن كنت أحرمت بالمتعة فقدمت يوم التروية فلا متعة لك ، فاجعلها حجة مفردة تطوف بالبيت وتسعى بين الصفا والمروة ثم تخرج إلى منى ولا هدي عليك » وخبر إسحاق بن عمار (٣) سأل الكاظم عليه‌السلام « عن المفرد بالحج إذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة أيعجل طواف النساء قال : لا ، إنما طواف النساء بعد ان يأتي منى » ونحوه خبر موسى بن عبد الله (٤) سأل الصادق عليه‌السلام عن مثل ذلك إلا انه ذكر انه قدم ليلة عرفة ، الى غير ذلك من النصوص التي ينتفي في جملة منها احتمال إرادة التعجيل بعد مناسك منى قبل انقضاء أيام التشريق وبعده ، بل أخبار حجة الوداع صريحة في ذلك أيضا ، بل ظاهرها ـ خصوصا مع ملاحظة‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها « خذوا عني مناسككم » كظهور ما سمعته من التسوية في غيرها ـ عدم الكراهة أيضا ، بل عن الخلاف والنهاية ان اي وقت شاء ، والتعجيل أفضل وإن كان هو مطلقا ، لكن في المتن والقواعد جواز ذلك على كراهية ولعلها خروجا عن شبهة الخلاف ، أو لما قيل من‌ خبر زرارة (٥) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن مفرد الحج يقدم طوافه أو يؤخره قال : يقدمه ، فقال رجل الى جنبه لكن شيخي لم يفعل ذلك كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢.

(٢) لم نعثر عليه فيما تتبعناه من كتب الأخبار.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣.

٣٩٦

إذا قدم اقام بفخ حتى إذا رجع الناس الى منى راح معهم ، فقلت له من شيخك؟ فقال علي بن الحسين عليهما‌السلام فسألت عن الرجل فإذا هو أخو علي بن الحسين عليهما‌السلام لأمه » إلا انه كما ترى مع ضعفه دلالته على عدم الكراهة أوجه ، ولكن الأمر في ذلك سهل بعد معروفية التسامح فيها ، وعلى كل حال فما عن ابن إدريس من عدم جواز التقديم للأصل المقطوع بما عرفت ، والاحتياط للإجماع على الصحة مع التأخير بخلاف التقديم ، وفيه منع الخلاف فيه من غيره ، هذا ، وقد تقدم البحث في وجوب تجديد التلبية عليهما إذا طافا وعدمه ، والتفصيل بين المفرد فيجدد دون المقارن ، فلاحظ وتأمل.

المسألة السابعة لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي لمتمتع ولا لغيره اختيارا بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد ، بل يمكن دعوى تحصيل الإجماع عليه ، مضافا الى النصوص كصحيح معاوية بن عمار (١) « ثم اخرج الى الصفا فاصعد عليه واصنع كما صنعت يوم دخلت ثم ائت المروة فاصعد عليها وطف بهما سبعة أشواط ، تبدأ بالصفا وتختم بالمروة ، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي‌ء أحرمت منه إلا النساء ، ثم ارجع الى البيت وطف به أسبوعا آخر ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام » وثم للترتيب قطعا ، ومرسل احمد بن محمد (٢) « قلت لأبي الحسن عليه‌السلام جعلت فداك متمتع زار البيت فطاف طواف الحج ثم طاف طواف النساء ثم سعى قال : لا يكون السعي إلا من قبل طواف النساء » ونحوهما غيرهما نعم يجوز تقديمه مع الضرورة والخوف من الحيض بلا خلاف أجده فيه أيضا ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب زيارة البيت ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

٣٩٧

بل في المدارك انه مقطوع به في كلام الأصحاب لنفي الحرج وفحوى ما تقدم من نظائره ، وموثق سماعة بن مهران (١) عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام « سألته عن رجل طاف طواف الحج وطواف النساء قبل ان يسعى بين الصفا والمروة فقال لا يضره ، يطوف بين الصفا والمروة وقد فرغ من حجه » بعد حمله على حال الضرورة جمعا بينه وبين غيره وفحوى صحيح أبي أيوب (٢) المتقدم سابقا عن الصادق عليه‌السلام المتضمن الرخصة في ترك طواف النساء للامرأة الحائض التي لم يقم عليها جمالها ولا تستطيع ان تتخلف عن أصحابها ، ضرورة أولوية التقديم من الترك ، ولكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط في ذلك ولو بالاستنابة ، لأنه يحتمل عدم الجواز ، لأصول عدم الاجزاء مع مخالفة الترتيب ، وبقائه في الذمة ، وبقائهن على الحرمة ، مع ضعف الخبر ، واندفاع الحرج بالاستنابة ، وسكوت أكثر الأصحاب على ما في كشف اللثام ، وقد سمعت ما عن ابن إدريس من منع تقدمه على الموقفين ، والله العالم.

المسألة الثامنة من قدم طواف النساء على السعي ساهيا أجزأ كما في النافع والقواعد وغيرهما ومحكي النهاية والمبسوط والمهذب والسرائر والجامع والوسيلة ، لموثق سماعة (٣) المتقدم الذي مقتضاه الاجزاء حتى لو تعمد التقديم وإن كان لا يتم إلا مع الجهل ، إذ العالم لا يتصور منه التعبد والتقرب به ، ولذا قال المصنف وغيره ولو كان عامدا لم يجز أي إذا كان عالما ، أما الجاهل فقد عرفت شمول موثق سماعة له ، مضافا الى عموم حديث رفع ذلك عن الأمة ، وخصوص ما ورد في الحج من معذورية الجاهل حتى جعله بعض متأخري‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

٣٩٨

المتأخرين أصلا باعتبار ما تقدم فيه من العموم ، ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط ، لاحتمال عدم الإجزاء لأصالة البقاء في الذمة وبقاء حرمة النساء ، والله العالم.

المسألة التاسعة قيل والقائل الشيخ في محكي النهاية لا يجوز الطواف وعلى الطائف برطلة بضم الموحدة والطاء المهملة وسكون الراء المهملة بينهما ولام خفيفة أو شديدة ، وعن المبسوط والمهذب إطلاق النهي عن لبسها ، لقول الصادق عليه‌السلام في خبر يحيى الحنظلي (١) : « لا تطوفن بالبيت وعليك برطلة » وخبر يزيد بن خليفة (٢) قال « رآني أبو عبد الله عليه‌السلام أطوف حول الكعبة وعلي برطلة فقال : لي بعد ذلك رأيتك تطوف حول الكعبة وعليك برطلة لا تلبسها حول الكعبة ، فإنها من زي اليهود » لكن لا يخفى عليك عدم جمعهما شرائط العمل بهما على وجه التحريم ، بل التعليل في ثانيهما ظاهر في الكراهة التي صرح بها الشيخ في محكي التهذيب بل ومحكي السرائر ، لكن قال : « إن لبسها مكروه في طواف الحج ، ومحرم في طواف العمرة ».

واليه أشار المصنف بقوله ومنهم من خص ذلك بطواف العمرة نظرا الى تحريم تغطية الرأس فيه بخلاف طواف الحج المتأخر عن الحلق والتقصير اللذين يحل معهما من كل شي‌ء إلا الطيب والنساء والصيد ، ولكن ينبغي تقييده بما إذا لم يقدمه ، وإلا كان كطواف العمرة في حرمة تغطية الرأس ، ولعل تخصيص ابن إدريس ذلك بالعمرة بناء منه على عدم جواز تقديمه كما سمعته سابقا ، وعلى كل حال فالمتجه حرمة لبسها فيهما حال وجوب كشف الرأس في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١ عن زياد بن يحيى.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

٣٩٩

إحرام عمرة أو حج إذا قدم الطواف ولكن الطواف صحيح لو خالف لا لكون النهي عن خارج بناء على المختار من عدم خصوصية للبرطلة ولا للطواف ، بل هو من حيث حرمة تغطية الرأس ، نعم لو قلنا بالحرمة من حيث لبس البرطلة في الطواف اتجه البطلان حينئذ للنهي عنه وهي عليه في الخبر المزبور ، وبذلك يظهر لك انه لا وجه لإطلاق بعضهم عدم البطلان معللا له بأن النهي لأمر خارج.

هذا كله مع الحرمة للإحرام ، أما مع عدمها فيكره ذلك في الطواف للخبرين المزبورين القاصرين عن إثبات الحرمة ، دون الكراهة التي يتسامح فيها ومقتضاهما كراهة لبسها فيه مطلقا وإن لم يكن محرما كما في الطواف المندوب ، بل قد يستفاد من التعليل في الثاني كراهة لبسها مطلقا ، مضافا الى‌ الصحيح (١) « انه كره لبس البرطلة » بل قد يظهر من الثاني منهما كراهة لبسها حول الكعبة من غير فرق بين الطواف وعدمه ، نعم بناء على ما عرفت ينبغي مراعاة الشدة والضعف فيها ، هذا ، وقد تقدم في الصلاة ذكرها أيضا.

والمراد بها على ما في المدارك وغيرها قلنسوة طويلة كانت تلبس قديما ، وعن العين والمحيط والقاموس « أنها المظلة الصيفية » وعن الجوالقي « انها كلمة نبطية وليست من كلام العرب » وعن أبي حاتم عن الأصمعي « أن البربر والنبط يجعلون الظاء المعجمة طاء مهملة ، فيقولون الناطور وهو الناظور بالمعجمة فكأنهم أرادوا ابن الظل » وعن ابن جني في سر الصناعة « ان النبط يجعلون الظاء طاء ولهذا قالوا : البرطلة ، وانما هو ابن الظل » وعن الأزهري « انها في قول ابن الظلة » ولكن الجميع كما ترى ، والأول هو المعروف ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

٤٠٠