جواهر الكلام - ج ١٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

من ذلك من الالتزام ونحوه وإن كان هو أيضا مستحبا ، بل لعل لفظ الاجزاء مشعر بذلك أيضا ، بل لا يبعد استفادة رجحان أصناف التبرك بالأركان وخصوصا الركنين بل وغيرهما مما هو في دبر الكعبة من إلصاق البطن والوجه والالتزام والتقبيل ونحوها.

ويستحب أن يطوف ثلاثمائة وستين طوافا كل طواف سبعة أشواط فتكون ألفين وخمس مائة وعشرين شوطا بلا خلاف أجده فيه فان لم يتمكن فثلاثمائة وستين شوطا كما صرح به غير واحد ، لصحيح ابن عمار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « يستحب أن يطوف ثلاثمائة وستين أسبوعا عدد أيام السنة ، فان لم يستطع فثلاثمائة وستين شوطا ، فان لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف » وغيره من الاخبار على ما في كشف اللثام ، قال : « ثم انها كعبارات الأصحاب مطلقة ، نعم في بعضها التقييد بمدة مقامه بمكة ، والظاهر استحبابها لمن أراد الخروج في عامه أو في كل عام ، وما في الاخبار من كونها بعدد أيام السنة قرينة عليه » قلت : لم أعثر على ما ذكره من النصوص ، نعم في المحكي عن‌ فقه الرضا عليه‌السلام (٢) « يستحب أن يطوف الرجل بمقامه بمكة ثلاثمائة وستين أسبوعا » فلا مانع من إرادة استحباب ذلك له في كل يوم ، لما يظهر من النصوص من استحباب كثرة الطواف وأنه كالصلاة من شاء استقل ومن شاء استكثر ، وفي‌ خبر عبد الله الهاشمي (٣) عن الصادق عليه‌السلام « كان موضع الكعبة ربوة من الأرض بيضاء تضي‌ء كضوء الشمس والقمر حتى قتل ابنا آدم أحدهما صاحبه فاسودت ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٧.

٣٦١

فلما نزل آدم رفع الله له الأرض كلها حتى رآها ، قال : يا رب ما هذه الأرض البيضاء المنيرة قال : هي حرمي في أرضي وقد جعلت عليك ان تطوف بها كل يوم سبعمائة طواف » وفي خبر أبي الفرج (١) قال : « سأل أبان أبا عبد الله عليه‌السلام أكان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طواف يعرف به؟ فقال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطوف بالليل والنهار عشرة أسابيع : ثلاثة أول الليل ، وثلاثة آخر الليل ، واثنين إذا أصبح ، واثنين بعد الظهر ، وكان فيما بين ذلك راحته » وكيف كان فظاهر ما سمعته من النص والفتوى من استحباب ثلاثمائة وستين شوطا انه يكون واحد منها عشرة أشواط ، وذلك لأنها حينئذ أحد وخمسون أسبوعا وثلاثة أشواط ، وقد سمعت كراهة الزيادة.

ولكن في المتن وغيره أنه تلحق هذه الزيادة بالطواف الأخير وتسقط الكراهة ها هنا بهذا الاعتبار للنص والفتوى ، أو ان استحبابها لا ينفي الزائد ، فيزاد على الثلاثة أربعة كما عساه يشهد له ما في الغنية من انه‌ قد روي (٢) انه يستحب ان يطوف مدة مقامه بمكة ثلاثمائة وستين أسبوعا أو ثلاثمائة وأربعة وستين شوطا ، بل حكاه غير واحد عن ابن زهرة ، وعن المختلف نفي البأس عنه ، وفي الدروس وزاد ابن زهرة أربعة أشواط حذرا من الكراهة ، وليوافق عدد أيام السنة الشمسية ، ورواه البزنطي (٣) وفي كشف اللثام عن حاشية القواعد أن في جامعه اشارة اليه ، لأنه ذكر في سياق أحاديثه عن الصادق عليه‌السلام انها اثنان وخمسون طوافا ، قلت فيما حضرني من الوسائل عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢ و ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.

٣٦٢

التهذيب مسندا عن احمد بن محمد بن أبي نصر (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « يستحب أن يطاف بالبيت عدد أيام السنة كل أسبوع لسبعة أيام ، فذلك اثنان وخمسون أسبوعا » وأما احتمال مشروعية الثلاثة طوافا منفردا فهو بعيد جدا ، وعلى كل حال ففي كشف اللثام « وتخصيص الأخير للقصر على العذر واليقين ، إذ قد يتجدد التمكن من الطواف بالعدد ، أو يكون الأخير أو غيره ثلاثة أشواط » قلت : قد عرفت بعد الأخير بل والأول بناء على ما سمعته من المروي عن البزنطي وغيره المراد مما في صدره وعجزه السنة الشمسية كما سمعته من الشهيد ، وبذلك يخرج عن ظاهر الخبر المزبور المنافي لما دل على وجوب الطواف سبعة أشواط لا أزيد ولا انقص ، فاحتمال مشروعيته هنا ثلاثة أو عشرة لا داعي له ، وإلا لقيل بمشروعية الثلاثمائة وستين شوطا طوافا واحدا كما هو ظاهر الخبر المزبور ، ولا أظن أحدا يلتزمه ، فليس المراد حينئذ إلا الأشواط المزبورة مقطعة طوافات كل طواف سبعة ، وإن توقف ذلك على إضافة أربعة إلى الثلاثة المتأخرة لا انها تجعل طوافا مستقلا ، ولا انها تضاف الى الآخر على ان يكون عشرة أشواط ، فلا حاجة حينئذ إلى استثنائه من الكراهة كما هو ظاهر المصنف وغيره ، وإلا فلا وجه لتخصيصه بالأخير لإطلاق النص ، والله العالم.

ومنها ان يقرأ في ركعتي الطواف في الركعة الاولى مع الحمد قل هو الله احد وفي الثانية معه قل يا ايها الكافرون كما هو المشهور ، لما سمعته من‌ قول الصادق عليه‌السلام في حسن معاوية (٢) « إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم فصل ركعتين واجعله اماما واقرأ في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧١ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.

٣٦٣

الاولى منهما سورة التوحيد قل هو الله احد ، وفي الثانية قل يا ايها الكافرون » الحديث ، وغيره المؤيد بالترتيب الذكري في كثير من الاخبار المرغبة في قراءة السورتين هنا وفي باقي المواضع السبع المشهورة ، خلافا لما عن الشيخ في كتاب الصلاة ، فقال بالجحد في الأولى والتوحيد في الثانية ، وعن الشهيد أنه جعله رواية (١) وإن كنا لم نقف عليها ، مع أنه في محكي النهاية هنا أفتى بما سمعته من المشهور ، بل نفي عنه البأس في كتاب الصلاة ، وقد تقدم الكلام في ذلك عند البحث على وجوبهما في الطواف ، فلاحظ ، والله العالم.

ومن زاد على السبعة في طواف الفريضة سهوا شوطا أكملها أسبوعين في المشهور نصا وفتوى وصلى الفريضة أولا وركعتي النافلة بعد الفراغ من السعي أما الأولى فللمعتبرة المستفيضة كصحيح أبي أيوب (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط طواف فريضة قال : فليضف إليها ستا ، ثم يصلي اربع ركعات » وصحيح ابن مسلم (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام في كتاب علي عليه‌السلام « إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة واستيقن ثمانية أضاف إليها ستا ، وكذا إذا استيقن أنه سعى ثمانية أضاف إليها ستا » وخبره (٤) الآخر عنه عليه‌السلام أيضا « قلت له : رجل طاف بالبيت فاستيقن أنه طاف ثمانية أشواط قال : يضيف إليها ستة وكذلك إذا استيقن أنه طاف بين الصفا والمروة ثمانية فليضف إليها ستة » ونحو ذلك خبره الثالث (٥) وخبر علي بن أبي حمزة (٦) « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر عن رجل طاف بالبيت‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٥ ص ٩١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ـ.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ـ ١٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ـ ٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ـ ١٥.

٣٦٤

ثمانية أشواط قال : نافلة أو فريضة ، فقال : فريضة ، فقال : يضيف إليها ستة ، فإذا فرغ صلى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام ثم خرج الى الصفا والمروة فطاف بهما ، فإذا فرغ صلى ركعتين أخراوين ، فكان طواف نافلة وطواف فريضة » وخبر وهب (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « ان عليا عليه‌السلام طاف ثمانية أشواط فزاد ستة ثم ركع أربع ركعات » وخبر زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « ان عليا عليه‌السلام طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة وبنى على واحد وأضاف إليها ستة ، ثم صلى ركعتين خلف المقام ثم خرج الى الصفا والمروة ، فلما فرغ من السعي بينهما رجع فصلى الركعتين اللتين ترك في المقام الأول » الى غير ذلك من النصوص المنجبر ما يحتاج منها الى جابر بما عرفت المقيد إطلاق بعضها بحال السهو التي يخرج بها عما تقتضيه القاعدة من الفساد الثاني بعدم النية وللأول بالزيادة ، قال أبو الحسن عليه‌السلام في خبر عبد الله بن محمد (٣) : « الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة ، فإذا زدت عليها فعليك الإعادة وكذا السعي ».

خلافا للصدوق في محكي المقنع ، قال : وإن طفت بالبيت الطواف المفروض ثمانية أشواط فأعد الطواف ، وروي يضيف إليها ستة فيجعل واحدا فريضة والآخر نافلة ، لما عرفت ، ول‌ خبر أبي بصير (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض قال : يعيد حتى يثبته » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٦ عن معاوية ابن وهب.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

٣٦٥

وخبره الآخر (١) المضمر « قلت له فان طاف وهو مقطوع ثمان مرات وهو ناس قال : فليتم طوافه ثم يصلي اربع ركعات ، فأما الفريضة فليعد حتى يتم سبعة أشواط » قيل‌ وصحيح ابن سنان (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « من طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في الثامن فليتم أربعة عشر شوطا ثم يصلي ركعتين » من حيث الاقتصار على ركعتين كخبر رفاعة (٣) « كان علي عليه‌السلام يقول : إذا طاف ثمانية فليتم أربعة عشر ، قلت يصلي أربع ركعات قال : يصلي ركعتين » وفيه أنه غير موافق لما سمعته من المقنع من إعادة الطواف الذي مقتضاه كخبر أبي بصير بطلان الثمانية ، فما عن بعض الناس ممن قارب عصرنا ـ من الاعتداد بالثامن خاصة مكملا له بستة على انه الطواف الواجب لنحو الخبرين المزبورين اللذين أولهما في الداخل في الثامن وغير ناف للركعتين الأخيرتين كالآخر المحتمل لإرادة تعجيل الركعتين قبل السعي ـ في غير محله ، بل يمكن دعوى الإجماع المركب على خلافه ، فيجب حمل ما سمعت على ما يوافق المشهور بارتكاب ما عرفت وغيره من احتمال إرادة الصلاتين من الركعتين ، أو طرحه كوجوب حمل خبر أبي بصير وغيره مما استدل به للصدوق كذلك ، ضرورة قصوره عن المعارضة سندا واستفاضة واعتضادا بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا ، بل لعلها كذلك ، إذ لم نجد مخالفا إلا ما سمعته من المقنع الذي لا يقدح مثله خصوصا بعد ما عن‌ الفقه المنسوب (٤) الى الرضا عليه‌السلام مما ينافي ذلك ، قال : « فان سهوت فطفت طواف الفريضة ثمانية أشواط فزد عليها ستة أشواط ، وصل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٩.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

٣٦٦

عند مقام إبراهيم ركعتي الطواف ، ثم اسع بين الصفا والمروة ، ثم تأتي المقام فصل خلفه ركعتي الطواف ، واعلم ان الفريضة هو الطواف الثاني ، والركعتين الأولتين لطواف الفريضة ، والركعتين الأخيرتين للطواف الأول ، والطواف الأول تطوع » والمناقشة في بعض النصوص المزبورة المتضمنة لفعل علي عليه‌السلام بعدم وقوع ذلك منه عمدا ولا سهوا لعصمته مدفوعة باحتمال التقية فيه على معنى أن الصادق عليه‌السلام حكاه كما عندهم تقية مع أن الدليل غير منحصر فيه ، فلا بأس بطرحه ، كما لا ريب في ان المتجه ما عليه المشهور.

نعم الظاهر اعتبار إكمال الشوط ، أما إذا لم يكمله فليلغه ويرجع الى طوافه كما ستسمع الكلام فيه إن شاء الله عند تعرض المصنف له.

ثم إن الفاضل والشهيدان قد صرحوا باستحباب الإكمال المزبور الذي مقتضاه كون الثاني هو النافلة ، بل هو ظاهر المصنف وغيره ممن عده في ذكر المندوبات ، وحينئذ يجوز له قطعه ولعله لأصالة البراءة بعد بقاء الأول على الصحة المقتضية لذلك باعتبار نيته ، وللاتفاق على عدم وجوب طوافين ، بل قد سمعت التصريح في الصحيح السابق بأن أحدهما فريضة والآخر ندب ، فالأصل بقاء الأول على وجوبه ، خلافا للمحكي عن الصدوق وابني الجنيد وسعيد من كون الثاني هو الفريضة كما سمعت النص عليه في الفقه المنسوب الى الرضا عليه‌السلام وعن الصدوق في الفقيه حكايته رواية ناقلا لمضمون الرضوي الذي سمعته ، وللأمر بالإكمال المحمول على الوجوب ، ولجميع ما دل على بطلان الأول ، ولظهور صحيح زرارة المتقدم المتضمن فعل علي عليه‌السلام ، ولكن الجميع كما ترى بعد معلومية الصحة في الأول نصا وفتوى ، وعدم حجية المرسل والرضوي ، وإرادة الندب من الأمر لما عرفته سابقا ، بل قد يدعى ظهور النصوص في كون النافلة الثاني كما اعترف به بعض الناس ، بل لعله ظاهر الصدوق‌

٣٦٧

أيضا حيث انه بعد ان ذكر النصوص المزبورة قال : في رواية اخرى ان الفريضة الثاني والنافلة الأول ، وبعد معلومية عدم السهو عليه عليه‌السلام فلم يطف ثمانية إلا لعدوله في الأول عن فرضه لموجب له ، فليس الصحيح المزبور حينئذ من المسألة ، كل ذلك مع استبعاد انقلاب ما نواه واجبا للندب بالنية المتأخرة وإن كان لا بأس به بعد الدليل المعتد به ، كما في نية العدول في الصلاة ، وتأثير النية هنا في الشوط الثامن الذي فرض وقوعه سهوا على انه من الطواف الأول ، ولكن مع هذا كله لا ينبغي ترك الاحتياط في عدم القطع.

ثم إن مقتضى الجمع بين النصوص المزبورة هو ما ذكره المصنف وغيره من صلاة ركعتين لطواف الفريضة مقدما على السعي ، وصلاة ركعتين أخريين للنافلة بعد السعي حملا للمطلق على ما سمعته من التفصيل الذي تضمنه بعض النصوص المزبورة ، مضافا الى‌ خبر جميل (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عمن طاف ثمانية أشواط وهو يرى أنها سبعة فقال : إن في كتاب علي عليه‌السلام انه إذا طاف ثمانية أشواط انضم إليها ستة أشواط ثم يصلي الركعات بعد ، قال : وسئل عن الركعات كيف يصليهن أيجمعهن أو ماذا؟ قال : يصلي ركعتين للفريضة ثم يخرج الى الصفا والمروة ، فإذا رجع من طوافه بينهما رجع فصلى ركعتين للأسبوع الأخير » بل ظاهر المتن والنصوص المزبورة وجوب الكيفية المذكورة كما عن الأكثر ، لكن في المدارك ان ذلك على الأفضل ، لإطلاق الأمر بصلاة الأربع في خبر أبي أيوب (٢) ولعدم وجوب المبادرة إلى السعي ، وفي كشف اللثام « وهل يجب تأخير صلاة النافلة؟ وجهان ، من عدم وجوب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ـ ١٣.

٣٦٨

المبادرة إلى السعي ، واحتمال أن لا يجوز الإتيان بالندب مع اشتغال الذمة بالواجب » ولكن هما معا كما ترى بعد ما عرفت من ظهور النصوص المزبورة في الواجب ، والله العالم.

ومنها أن يتدانى من البيت كما صرح به الفاضل وغيره معللا له بأنه المقصود ، فالدنو منه أولى ، ولا ينافي ذلك‌ ما ورد (١) من أن في كل خطوة من الطواف سبعين ألف حسنة ، والتباعد أزيد خطأ لجواز اتفاق الحسنات في العدد دون الرتبة ، والله العالم.

ويكره الكلام في الطواف بغير الدعاء والقراءة لخبر محمد بن الفضيل (٢) عن الجواد عليه‌السلام « طواف الفريضة لا ينبغي أن يتكلم فيه إلا بالدعاء وذكر الله وتلاوة القرآن ، قال : والنافلة يلقى الرجل أخاه فيسلم عليه ويحدثه بالشي‌ء من أمر الدنيا والآخرة لا بأس به » وهو وإن اختص بالفريضة لكن يمكن القطع بمساواة النافلة لها في أصل الكراهة وإن كانت أخف خصوصا بعد معروفية المرجوحية في المسجد بكلام الدنيا ، ولعله لذا أطلق المصنف وغيره الكراهة ، بل زاد الشهيد كراهية الأكل والشرب والتثأب والتمطي والفرقعة والعبث ومدافعة الأخبثين وكل ما يكره في الصلاة غالبا ، ولا بأس به ، بل قال أيضا : « انه تتأكد الكراهة في الشعر » وعلى كل حال فلا حرمة في شي‌ء من ذلك بلا خلاف أجده فيه ، بل عن المنتهى إجماع العلماء كافة على جواز الكلام في المباح ، وقال ابن يقطين (٣) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الكلام في الطواف وإنشاد الشعر والضحك في الفريضة أو غير الفريضة أيستقيم ذلك؟ قال : لا بأس به ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

٣٦٩

والشعر ما كان لا بأس بمثله » نعم ورد النهي عن إنشاده في المسجد إلا ما كان منه دعاء أو حمدا أو مدحا لنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو إمام عليه‌السلام أو موعظة ، والله العالم.

المقصد الثالث في أحكام الطواف ، وفيه اثنتي عشرة مسألة : الأولى الطواف في النسك المعتبر فيه عمرة أو حجا ركن إجماعا محكيا عن التحرير إن لم يكن محصلا ، وحينئذ فـ (من تركه عامدا ) عالما بطل عمرته أو حجه كغيره من أركان الحج التي هي على ما قيل النية والإحرام والوقوفان والسعي ، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، وقاعدة انتفاء المركب بانتفاء جزئه ، ولفحوى‌ صحيح ابن يقطين (١) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة قال : إن كان على وجه جهالة في الحج أعاد وعليه بدنة » وخبر علي بن أبي حمزة (٢) سئل « عن رجل جهل أن يطوف بالبيت حتى يرجع الى أهله قال : إن كان على وجه الجهالة أعاد الحج وعليه بدنة » ومن المعلوم أولوية العالم من الجاهل بالإعادة ، بل في الدروس وفي وجوب هذه البدنة على العالم نظر ، من الأولوية وإن كان قد يناقش باحتمال كونها للتقصير في التعلم واحتمال كونه كمن عاد الى تعمد الصيد ، اللهم إلا أن يدعى الدلالة في العرف على ذلك بحيث يصلح لان تكون حجة شرعية.

وعلى كل حال فمنهما يعلم كون الجاهل هنا كالعامد كما عن الشيخ وغيره التصريح به ، مضافا الى الأصل وغيره ، فما في النافع « وفي رواية إن كان على وجه جهالة أعاد الحج » مما يشعر بالتوقف فيه في غير محله ، وإن مال اليه بعض متأخري المتأخرين كالأردبيلي والمحدث البحراني ، لعموم نفي الشي‌ء على الجاهل ورفع القلم مطلقا أو في خصوص الحج المعلوم إرادة نفي العقاب منه لا القضاء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ـ ٢.

٣٧٠

والإعادة ونحوهما مما هو معلوم في جميع أبواب الفقه ، ولو سلم فهو مخصوص بما هنا ، ولذا نزل ما في النافع على إرادة التوقف في البدنة ، قيل للأصل وضعف الخبرين وعدم العمل بهما من أحد ، وهو في غير محله أيضا ضرورة انقطاع الأصل وحجية أحد الخبرين كما لا يخفى على من له خبرة بأحوال الرجال ، ومنع عدم العمل بهما ، فإنه قد حكي عن الشيخ والأكثر ذلك ، وهو الأقوى.

بقي الكلام فيما يتحقق به الترك ، ففي المسالك وفي وقت تحقق البطلان بتركه خفاء ، فان مقتضى قوله : « من تركه ناسيا قضاه ولو بعد المناسك » ان العامد يبطل حجه متى فعل المناسك بعده ، وقد ذكره جماعة من الأصحاب انه لو قدم السعي على الطواف عمدا بطل السعي ووجب عليه الطواف ثم السعي ، فدل على عدم بطلان الحج بمجرد تأخر الطواف عمدا ، ويقوى توقف البطلان على خروج وقت الحج ، وهو ذو الحجة ، لأنه وقت لوقوع الأفعال في الجملة خصوصا الطواف والسعي ، فإنه لو أخرهما عمدا طول ذي الحجة صح ، وغاية ما يقال انه يأثم ، وقد تقدم ، وفي حكم خروج الشهر انتقال الحاج الى محل يتعذر عليه العود في الشهر ، فإنه يتحقق البطلان وإن لم يخرج.

هذا في الحج ، وأما العمرة فإن كانت عمرة تمتع كان بطلانها بفواته عمدا متحققا بحضور الموقفين بحيث يضيق الوقت إلا عن التلبس بالحج ولما يفعله ، وان كانت مفردة فبخروج السنة إن كانت المجامعة لحج القران أو الافراد ، ولو كانت مجردة عنه فإشكال ، إذ يحتمل حينئذ بطلانها بخروجه عن مكة ولما يفعله ، ويحتمل أن يتحقق في الجميع بتركه بنية الإعراض عنه ، وأن يرجع فيه الى ما تصدير عرفا ، والمسألة موضع إشكال ، وقد سبقه الكركي الى ذلك في حاشية الكتاب ، قال : « مما يشكل تحقيق ما به يتحقق ترك الطواف ، فإنه لو سعى قبل أن يطوف لم يعتد به ، وإن أحرم بنسك آخر بطل فعله ، صرح به في‌

٣٧١

الدروس ، ويمكن أن يحكم في ذلك العرف ، فإذا شرع في نسك آخر عازما على ترك الطواف بحيث يصدق الترك عرفا حكم ببطلان الحج أو يراد به خروجه من مكة بنية عدم فعله » قلت : لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا من جواز تأخير طواف حج التمتع وسعيه اختيارا طول ذي الحجة على كراهية شديدة ، ودونها تأخر طواف حج الافراد والقران وسعيه كما سمعت الكلام في ذلك مفصلا ، بل الظاهر من القائل بعدم الجواز إرادة الإثم دون البطلان ، فحينئذ يراد بالترك في حج التمتع والقران والافراد عدم الفعل في تمام ذي الحجة وفي عمرة التمتع عدمه الى ضيق وقت الوقوف بعرفة ، وفي العمرة المفردة المجردة إلى تمام العمر ، بل وكذا المجامعة لحج الافراد والقران بناء على عدم وجوبها في سنتهما ، وإلا فالمدار على تركها في تلك السنة ، فهو ركن في هذه المناسك جميعها تبطل بتركه فيها على الوجه المزبور مع العلم والعمد.

نعم الظاهر خروج طواف النساء عن ذلك وإن أوهمه ظاهر العبارة ، لكن هو غير ركن ، فلا يبطل النسك بتركه حينئذ من غير خلاف كما عن السرائر لخروجه عن حقيقة الحج ، قال الصادق عليه‌السلام في‌ صحيح الحلبي (١) « وعليه ـ يعني المفرد ـ طواف بالبيت ، وصلاة ركعتين خلف المقام ، وسعي واحد بين الصفا والمروة ، وطواف بالبيت بعد الحج » ونحوه صحيح معاوية (٢) في القارن ، وصحيح الخزاز (٣) قال : « كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فدخل عليه رجل فقال : أصلحك الله ان معنا امرأة حائضا ولم تطف طواف النساء ويأبى الجمال أن يقيم عليها قال : فأطرق وهو يقول : لا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ـ ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ـ ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١٣.

٣٧٢

ولا يقيم عليها جمالها ثم رفع رأسه إليه فقال : تمضي فقد تم حجها » فان قوله عليه‌السلام : « فقد تم حجها » ظاهر في خروجه عن النسك ولو في حال الاختيار ، ولا يقدح في ذلك كون مورده الاضطرار ، إذ العبرة بعموم الوارد لا خصوص المورد ، كما هو واضح.

ثم إن الظاهر عدم الاحتياج الى المحلل بعد فساد النسك بتعمد ترك الطواف المعتبر فيه ، ضرورة بطلان الإحرام الذي هو جزء من النسك ببطلانه ، مضافا الى خلو أخبار البيان عنه ، لكن في المدارك وغيرها احتمال بقائه على إحرامه الى أن يأتي بالفعل الفائت في محله ويكون إطلاق اسم البطلان عليه مجازاً كما عن الشهيد في الحج الفاسد بناء على أن الأول هو الفرض واحتمال توقفه على أفعال العمرة ، بل عن الكركي في شرح القواعد الجزم بالأخير ، لكن قال : « على هذا لا يكاد يتحقق معنى الترك المقتضي للبطلان في العمرة المفردة ، لأنها هي المحللة من الإحرام عند بطلان نسك آخر غيرها ، فلو بطلت احتيج في التحلل من إحرامها إلى أفعال العمرة ، وهو معلوم البطلان » وفي المدارك هو غير واضح المأخذ ، فان التحلل بأفعال العمرة إنما يثبت مع فوات الحج لا مع بطلان النسك مطلقا ، ودعوى استصحاب حكم الإحرام الى أن يعلم حصول المحلل وإنما يعلم بالإتيان بأفعال العمرة يدفعها ما عرفت من أن بطلان النسك يقتضي بطلان الإحرام الذي هو جزء منه ولكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه ، خصوصا على القول بكون الإحرام نسكا مستقلا يعتبر وقوع الأفعال معه نحو الطهارة للصلاة ، ولا أقل من أن يكون له جهتان كما عساه يشهد لذلك ما تسمعه في المحصور والمصدود ، فحينئذ يتجه توقف التحليل على فعل الفائت ولو في السنة الآتية ، لأصالة عدم حصول التحلل بغير أداء النسك الذي وقع الإحرام له ، ولكن فيه من العسر والحرج ما لا يخفى ، ولعله لذا قال الكركي بالتحلل بأفعال العمرة ، وإن كان لا يتم‌

٣٧٣

إلا بدعوى الاستفادة من الأدلة ان أفعالها يحصل بها التحليل من الإحرام مطلقا من غير فرق بين فوات الحج بفوات وقته وبين بطلانه بفوات ركنه ، ولم يحضرني الآن ما يدل على ذلك ، وإن كان ظاهر سيد المدارك المفروغية منه ، حيث انه بعد أن ذكر ما سمعته سابقا قال : « والمسألة قوية الإشكال ، من حيث استصحاب حكم الإحرام الى أن يعلم حصول المحلل ، وإنما يعلم بالإتيان بأفعال العمرة ، ومن أصالة عدم توقفه على ذلك مع خلو الأخبار الواردة في مقام البيان منه ، ولعل المصير الى ما ذكره أحوط ، ولكن قد عرفت ان الأحوط منه أيضا فعل الفائت مع ذلك ، والله العالم.

ومن تركه ناسيا قضاه بنفسه متى ذكره ولو بعد المناسك وانقضاء الوقت بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل عن الخلاف والغنية الإجماع عليه ، لرفع الخطأ والنسيان المعتضد بقاعدة نفي الحرج ، وصحيح هشام بن سالم (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عمن نسي طواف زيارة البيت حتى يرجع الى أهله فقال : لا يضره إذا كان قد قضى مناسكه » وصحيح علي بن جعفر (٢) عن أخيه موسى عليه‌السلام سأله « عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده وواقع النساء كيف يصنع؟ قال يبعث بهدي إن كان تركه في حج يبعث به في حج ، وإن كان تركه في عمرة بعث به في عمرة ، ويوكل من يطوف عنه ما تركه من طواف الحج » فما عن الشيخ في كتابي الأخبار والحلبي من البطلان في غير محله بعد ما عرفت ، فلا وجه لحمل الطواف في الصحيح الأول على طواف الوداع وفي الثاني على طواف النساء كما وقع من الشيخ مستدلا عليه بخبر معاوية بن عمار (٣) « قلت لأبي عبد الله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زيارة البيت ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١ وفي الأول‌ « ما تركه من طوافه ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٦ وفي الأول‌ « ما تركه من طوافه ».

٣٧٤

عليه‌السلام : رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله قال : لا تحل له النساء حتى يزور البيت ، وقال يأمر من يقضي عنه ، فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره » إذ هو كما ترى لا دلالة فيه على ذلك ، ضرورة اختصاص السؤال والجواب فيه بطواف النساء من غير تعرض لغيره.

وأغرب من ذلك ما وقع له في محكي الإستبصار فإنه قال : باب من نسي طواف الحج حتى يرجع الى أهله ثم أورد روايتي علي بن أبي حمزة (١) وعلي بن يقطين (٢) المتضمنين إعادة تارك الطواف جهلا ، ثم قال : اما ما رواه‌ علي ابن جعفر (٣) عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن رجل نسي طواف الفريضة » الحديث ، فالوجه أن نحمله على طواف النساء ، واستدل عليه بخبر معاوية بن عمار السابق ، وظاهره محاولة الجمع بين النصوص المزبورة ، مع أن من الواضح عدم المنافاة بينها بعد ان كان الموضوع في بعضها الجاهل ، وفي الآخر الناسي ، ونحوه ما وقع له في التهذيب من الاستدلال على حكم الناسي بخبري الجاهل (٤) المتضمنين للإعادة والبدنة ، مع ان من المعلوم عدم الإعادة على الناسي كما صرح به هو في غير الكتابين ، بل عنه في الخلاف دعوى الإجماع عليه فضلا عن تصريح غيره ، وما في كشف اللثام ـ من أن الجهالة تعم النسيان ، والسؤال في الثاني عن السهو ، وظاهره النسيان ـ لا يخفى عليك ما فيه ، ومراده بالثاني‌ خبر علي بن أبي حمزة عن الكاظم عليه‌السلام المتقدم سابقا ، لكن حكي متنه « انه سئل عن رجل سهى ان يطوف بالبيت حتى يرجع الى أهله قال : إذا كان على وجه الجهالة أعاد الحج وعليه بدنة » وهو كذلك في بعض النسخ ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١ و ٢.

٣٧٥

وفي الآخر « جهل » كما ذكرناه سابقا ، ويؤيد الأخير موافقته لصحيح ابن يقطين ولفتاوى الأصحاب ومعاقد إجماعاتهم على أن الإعادة على الجاهل دون الناسي ، فيمكن أن يراد من السهو فيه السهو عن الحكم حتى يكون جاهلا ، فينطبق الجواب حينئذ على السؤال ، وعلى كل فلا إشكال في الحكم المزبور.

كما ان الظاهر عدم الفرق في ذلك بين طواف الحج وطواف العمرة كما سمعت التصريح به في خبر علي بن جعفر (١) نحو المحكي عن الشيخ في المبسوط وابن إدريس ، بل هو مقتضى إطلاق المصنف والفاضل والمحكي عن ابن سعيد ، وإن كان المحكي عن الأكثر انهم إنما نصوا عليه في طواف الحج ، لكن المحكي عنهم أيضا انهم ذكروا في طواف العمرة أن من تركه مضطرا اتى به بعد الحج ولا شي‌ء عليه ، ويمكن إدراج الناسي فيه ، وإلا كان الخبر المزبور وذكر من عرفت له صريحا وظاهرا كافيا في ثبوته.

وكيف كان فالأحوط إن لم يكن أقوى إعادة السعي معه كما صرح به في الدروس حاكيا له عن الشيخ الخلاف ، ولعله لفوات الترتيب المقتضي لفساد السعي كما دل عليه‌ صحيح منصور بن حازم (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت فقال : يطوف بالبيت ثم يعود الى الصفا والمروة فيطوف بهما » اللهم إلا أن يدعى اختصاص ذلك بما قبل فوات الوقت ، للأصل والسكوت عنه في خبر الاستنابة (٣) وغيره ، بل لعل‌ خبره (٤) الآخر ظاهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

٣٧٦

في العدم ، قال فيه : « سألته عن رجل بدأ بالسعي بالصفا والمروة قال : يرجع فيطوف بالبيت أسبوعا ثم يستأنف السعي ، قلت : إنه فاته قال : عليه دم ، ألا ترى إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك » من حيث اقتصاره على وجوب الدم مع الفوات ، فهو حينئذ دال على عدم الإعادة عكس ما عرفت ، ولعله لذا لم يذكر الأكثر قضاء السعي ، لكن قد يقال إن الصحيح الأول ظاهر ولو بترك الاستفصال فيه في وجوبه ، ولا ينافيه الخبر المزبور بعد الإغماض عن سنده ، لأن غايته السكوت ، وإلا فإيجاب الدم لا ينافي وجوبها ولعله للعقوبة على التقصير في النسيان ، بل لعل سكوته عن الأمر بها اتكالا على إطلاق الأمر بها في الصدر والتشبيه بالوضوء الذي لا يختص بحال الاختيار في الذيل ، وعلى كل حال فلا ريب في أن الإعادة أحوط إن لم تكن أقوى.

وحينئذ لا يحصل التحلل بما يتوقف عليهما إلا بالإتيان بهما ، فلو عاد لاستدراكهما بعد الخروج على وجه يستدعي وجوب الإحرام لدخول مكة لو لم يكونا عليه اكتفى بذلك للأصل وصدق الإحرام عليه في الجملة ، والإحرام لا يقع إلا من محل ، وربما احتمل وجوبه فيقضي الفائت قبل الإتيان بأفعال العمرة أو بعده ، ولا ريب في أنه أحوط وإن كان الأول أقوى ، كما أن الأحوط فيما لو شك في كون المتروك طواف الحج أو طواف العمرة إعادتهما وسعيهما كما عن الفاضل والشهيد ، ويحتمل إعادة واحد عما في ذمته ، بل لعله الأقوى للأصل وتعين المخاطب به في الواقع.

وكيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أنه لو تعذر العود عليه أو شق استناب فيه بل عن الخلاف والغنية الإجماع عليه ، للحرج ، وقبول الكل لها فكذا الأبعاض ، والصحيح السابق (١) بل في المدارك « أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

٣٧٧

إطلاق الرواية يقتضي جواز الاستنابة للناسي إذا لم يذكر حتى قدم بلاده مطلقا » نحو ما في كشف اللثام « والخبر يعطي أن العود الى بلاده يكفيه عذرا ، ولكن الأصحاب اعتبروا العذر احتياطا » قلت : لعله لأن الأصل المباشرة ، وما قيل من أن المنساق من إطلاق الخبر المزبور ما هو الغالب من حصول التعذر أو التعسر بعد الوصول الى بلاده ، مضافا الى فحوى ما تقدم من وجوب صلاة ركعتيه بنفسه لو نسيهما ، بل وفحوى ما تسمعه في طواف النساء من اشتراطها بالتعذر أو التعسر إن قلنا به ، وعلى كل حال فالمراد بعدم القدرة ما عرفت من التعذر أو التعسر ، واحتمل الشهيد إرادة استطاعة الحج ، ولا ريب في ضعفه.

ومن شك في عدده أو صحته وفساده بعد انصرافه منه وتمامه لم يلتفت بلا خلاف ، لأصالة الصحة وقاعدة عدم العبرة بالشك بعد الفراغ لأنه في تلك الحال أذكر ، والحرج وصحيح ابن حازم (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل طاف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة قال : فليعد طوافه ، قال : ففاته فقال : ما أرى عليه شيئا » ونحوه غيره (٢) وفي بعضها (٣) « والإعادة أحب الي وأفضل » إذ الظاهر إرادة المفروض مما فيه ، لان الشك في الأثناء يوجب الاستئناف أو إتيان شوط آخر على ما ستعرف ، ولا قائل بعدم وجوب شي‌ء فيه ولو مع الفوات ، إذ هو إما عن عمد أو جهل أو نسيان ، ولكل موجب ، ولانه كترك الطواف كلا أو بعضا ، وليس فيها أنه لا شي‌ء عليه أصلا ، فالحكم به صريحا في الروايات بعد مراعاة الإجماع أوضح دليل على إرادة صورة الشك بعد الانصراف ، ولا ينافي ذلك الحكم في بعضها باستحباب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١ و ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٨.

٣٧٨

الإعادة وان لم نجد به قائلا ، وحينئذ فلا ريب في دلالة النصوص المزبورة مضافا الى عموم‌ قول الباقر عليه‌السلام في خبر ابن مسلم (١) : « كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه » والمدار في الانصراف عنه العرف ، ولعل منه ما إذا اعتقد انه أتم الطواف وإن كان هو في المطاف ولم يفعل المنافي ، خصوصا إذا تجاوز الحجر ، أما قبل اعتقاد الإتمام فهو غير منصرف كان عند الحجر أو بعده أو خارجا عن المطاف أو فعل المنافي كما صرح به في كشف اللثام ، والله العالم.

وان كان الشك في أثنائه فإن كان شكا في الزيادة على السابع قطع ولا شي‌ء عليه بلا خلاف محقق أجده فيه ، فان الحلبي وإن أطلق البناء على الأقل مع الشك ثم قال : وإن لم يتحصل له شي‌ء أعاده أي لم يتحصل أنه طاف شيئا ولو شوطا واحدا ، كقول سلار من طاف ولم يحصل كم طاف فعليه الإعادة ، وعد ابن حمزة من بطلان الطواف الشك فيه من غير تحصيل عدد ، إلا أن ذلك كله يمكن كونه في غير ما نحن فيه ، وإلا كان محجوجا بأصلي عدمها والبراءة من الإعادة ، وصحيح الحلبي (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أسبعة طاف أو ثمانية فقال : أما السبعة فقد استيقن ، وإنما وقع وهمه على الثامن فليصل ركعتين » بل هو شامل لموضوع المسألة السابقة ، وهو الشك بعد الانصراف ، نعم لا يكون ذلك إلا إذا كان الشك عند الركن قبل نية الانصراف ، لأنه إذا كان قبله استلزم الشك في النقصان المقتضي لتردده بين محذورين : الإكمال المحتمل للزيادة عمدا ، والقطع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ـ ٣ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

٣٧٩

المحتمل للنقيصة كذلك كما صرح به في المسالك وغيرها ، بل حكي عن الغنية أيضا ، لكن في المدارك « فيه منع تأثير احتمال الزيادة كما سيجي‌ء في مسألة الشك في النقصان » قلت : هو مبني على مختاره ، وستعرف ضعفه ، والله العالم.

وان كان أي الشك في النقصان كمن شك قبل الركن أنه السابع أو الثامن ، أو شك بين الستة والسبعة أو ما دونهما اجتمع معها احتمال الثمانية فما فوقها أو لا ، كان عند الركن أو لا ، فمتى كان كذلك استأنف في الفريضة كما في المقنع والنهاية والمبسوط والسرائر والجامع والغنية والمهذب والجمل والعقود والتهذيب والنافع والقواعد وغيرها على ما حكي عن بعضها ، ولذا نسبه في المدارك الى المشهور ، بل في محكي الغنية الإجماع ، وهو الحجة بعد المعتبرة المستفيضة التي منها صحيح منصور بن حازم (١) السابق ونحوه ومنها‌ خبر أبي بصير (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل شك في طواف الفريضة قال : يعيد كلما شك » ومنها‌ خبره (٣) الآخر قال : « قلت له رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة أم ثمانية قال : يعيد طوافه حتى يحفظه » ومنها‌ قول الصادق عليه‌السلام في الموثق لحنان بن سدير (٤) في من طاف فأوهم فقال : طفت أربعة أو طفت ثلاثة : « ان كان طواف فريضة فليلق ما في يديه ويستأنف ، وان كان طواف نافلة فاستيقن ثلاثة وهو في شك من الرابع أنه طاف ، فليبن على الثلاثة ، فإنه يجوز له » وخبر احمد بن عمر المرهبي (٥) سأل أبا الحسن الثاني عليه‌السلام « عن رجل شك في طوافه فلم يدر أستة طاف أم سبعة فقال : ان كان في فريضة أعاد كل ما شك فيه ، وان كان نافلة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الطواف الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الطواف الحديث ١٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الطواف الحديث ١١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الطواف الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الطواف الحديث ٤.

٣٨٠