جواهر الكلام - ج ١٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

إزالة النجاسة كالصلاة المشبهة بها الطواف وإن لم يعلم بها ابتداء فعلم في أثناء طوافه أزاله أي الثوب مع وجود ساتر غيره أو أزال نجاسته ، وعلى كل حال فالمراد رفع النجاسة وتمم طوافه كما صرح به غير واحد ، ولعله لإطلاق‌ المرسل (١) « رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه فقال : أجزأه الطواف ثم ينزعه ويصلي في ثوب طاهر » وخبر يونس ابن يعقوب (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الرجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطواف قال : ينظر الموضع الذي يرى فيه الدم فيعرفه ثم يخرج فيغسله ثم يعود فيتم طوافه » المؤيد بخبر حبيب بن مظاهر (٣) قال : « ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطا فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه فخرجت فغسلت ثم جئت فابتدأت الطواف فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه‌السلام فقال : بئسما صنعت ، كان ينبغي لك أن تبني على ما طفت ، أما انه ليس عليك شي‌ء » فإنه وإن لم يكن في الجاهل بها إلا أنه مثله في اختصاص التكليف بحال العلم بناء على ما ستعرف ، وبقاعدة الإجزاء فيما وقع حال عدم العلم بعد عدم ثبوت الشرطية في أزيد من حال العلم ، كعدم ثبوت البطلان بالفصل المزبور ، بل مقتضى الإطلاقات الصحة مضافا الى الخبرين المزبورين ، بل مقتضى إطلاق الأول منهما عدم الفرق بين ما لو علم بالنجاسة قبل الشروع فيه ثم نسيها أولا ، ضاق الوقت أو لا ، مؤيدا برفع النسيان عن الأمة ، وبأصالة البراءة وغير ذلك ، بل عن الفاضل في التذكرة الاقتصار على صورة النسيان ، بل في الرياض أن إطلاقها كالعبارة وغيرها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق بين ما لو توقفت الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف وعدمه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

٣٢١

ولا بين أن يقع العلم بعد تجاوز النصف أو قبله ، وهو نص الأخير.

خلافا للشهيدين فجزما بوجوب الاستئناف إن توقفت الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف ولما يكمل أربعة أشواط ، نظرا الى ثبوت ذلك مع الحدث في أثناء الطواف ، والحكم في المسألتين واحد ، وفيه نظر ، والأجود الاستدلال بعموم ما دل (١) على أن قطع الطواف قبل تجاوز الأربعة يوجب الاستئناف كما سيأتي ، ولا معارض له صريحا سوى الخبر الأخير ، وهو قاصر سندا فيشكل تخصيصه به ، وكذا الخبران الأولان ، مضافا الى عدم صراحتهما واحتمالهما التقييد بصورة التجاوز ، كما يمكن تقييد ذلك العموم بغير موردهما ، وبالجملة فإن التعارض بينهما من وجه ، والأقوى تقييد هذين بذلك لقصور السند ، لكن يمكن جبر القصور بعمل المشهور بالموافقة للأصل ، فان الأصل بقاء صحة ما فعل وعدم وجوب الاستئناف مع تأمل ما في ذلك العموم ، فإنما غايته الإطلاق الغير المتبادر منه محل النزاع ، ولعل هذا أظهر ، سيما مع اعتضاده بصريح ما مر من الخبر المعتبر ، فتدبر.

قلت : لا يخفى عليك أن الخبرين المزبورين لم يدلا إلا على عدم قدح تخلل مقدار زوال النجاسة ثم العود للطواف في فوات الموالاة ، بل لا دلالة في شي‌ء منهما على عدم البأس حتى لو كان في أيام فضلا عن وقوع الحدث أو نحوه مما ستعرفه إن شاء الله في مسألة التجاوز ، ولذا أطلق المصنف وغيره الحكم هنا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ و ٤١ و ٤٥ ـ من أبواب الطواف إلا أنه لا يستفاد من الروايات وجوب الإعادة بالقطع قبل تجاوز الأربعة والموجود فيها هو الإعادة بالقطع قبل النصف أو القطع على ثلاثة أشواط وانه إذا طاف أربعا يبني عليه.

٣٢٢

من غير إشارة إلى تلك المسألة ، ومن الغريب دعوى أن عمل المشهور كذلك ، فالتحقيق الاقتصار فيما نحن فيه على عدم قدح تخلل إزالة النجاسة أو نزع الثوب النجس ونحو ذلك على حسب ما هو متعارف ومعتاد في نحو ذلك ، أما إذا احتيج مع ذلك الى حال ينقطع به الطواف خارج عن المعتاد فحكمه ما تسمعه ان شاء الله من التفصيل الآتي ، ومن جميع ما ذكرناه يعلم النظر فيما في الدروس ، قال : « ولو طاف في ثوب نجس أو على بدنه نجاسة أعاد مع التعمد أو النسيان ولو لم يعلم حتى فرغ صح ، ولو علم في الأثناء أزالها وأتم إن بلغ الأربعة ، وإلا استأنف ».

وكيف كان فـ (لو لم يعلم ) بالنجاسة حتى فرغ كان طوافه ماضيا بلا خلاف أجده فيه ، بل ولا إشكال لما سمعته من القاعدة ، مضافا الى كونه كالصلاة التي قد عرفت أن حكمها كذلك على الأصح ، ولا ينافي ذلك الاختلاف بينهما في صورة النسيان التي قد يشك في شمول التشبيه لها مع اقتضاء إطلاق الدليل ذلك ، على أن الأحوط أيضا اعتبار المساواة فيها ، والى‌ مرسل البزنطي (١) انه سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه فقال : أجزأه الطواف فيه ثم ينزعه ويصلي في ثوب طاهر » المنزل على حال الجهل بها ، لما سمعته في العامد ، أما جاهل الحكم فألحقه بعضهم بجاهل الموضوع ، لكنه لا يخلو من نظر ، وإن كان قد يقال بشمول المرسل المزبور له ، مضافا الى إمكان استفادة أصالة معذورية الجاهل بالحكم في الحج كالناسي ، ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه.

المسألة الخامسة يجوز أن يصلي ركعتي طواف الفريضة ولو في الأوقات‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.

٣٢٣

التي تكره لابتداء النوافل بلا خلاف ولا إشكال ، لإطلاق الأدلة ، وخصوص‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن عمار (١) السابق : « وهاتان الركعتان هما الفريضة ، ليس يكره أن تصليهما في أي الساعات شئت عند طلوع الشمس وعند غروبها ، ولا تؤخرهما ساعة تطوف وتفرغ ، فصلهما » وقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيح زرارة (٢) « أربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة : صلاة فاتتك متى ذكرتها أديتها ، وصلاة ركعتي طواف الفريضة ، وصلاة الكسوف ، والصلاة على الميت » وحسن رفاعة (٣) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الرجل يطوف الطواف الواجب بعد العصر أيصلي ركعتين حين يفرغ من طوافه؟ قال : نعم ، ما بلغك قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا بني عبد المطلب لا تمنعوا الناس من الصلاة بعد العصر فتمنعوهم من الطواف » وحينئذ فما في‌ صحيح ابن مسلم (٤) ـ « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن ركعتي طواف الفريضة فقال : وقتها إذا فرغت من طوافك ، وأكرهه عند اصفرار الشمس وعند طلوعها » وصحيحه الآخر (٥) سأل أحدهما عليهما‌السلام « عن الرجل يدخل مكة بعد الغداة أو بعد العصر قال : يطوف ويصلي الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها » ـ محمول على التقية ، فلا ينافيه ما في‌ الموثق (٦) كالصحيح « ما رأيت الناس أخذوا عن الحسن والحسين عليهما‌السلام إلا الصلاة بعد العصر وبعد الغداة في طواف الفريضة » لظهوره في موافقة العامة لنا في هذه المسألة اقتداء بهما عليهما‌السلام إذ يمكن الجواب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٦ ـ من أبواب الطواف الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧٦ ـ من أبواب الطواف الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧٦ ـ من أبواب الطواف الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧٦ ـ من أبواب الطواف الحديث ٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٧٦ ـ من أبواب الطواف الحديث ٤.

٣٢٤

عن ذلك بإمكان الفرق بين فعلهم وفعلنا المحمول عندهم على الجواز مطلقا أو على غير ذلك كما أشار إليه الرضا عليه‌السلام في الصحيح (١) الآتي ، بل يمكن حمل الثاني منهما على طواف النافلة الذي قد يظهر من المصنف وغيره كراهة صلاة ركعتيه في الأوقات المزبورة ، بل عن الشيخ وغيره التصريح به وإن كانت هي من ذوات الأسباب التي لا يكره فعلها في الأوقات المزبورة بخلاف المبتدأة ، لكن لعله هنا لصحيح ابن بزيع (٢) « سألت الرضا عليه‌السلام عن صلاة طواف التطوع بعد العصر فقال : لا ، فذكرت له قول بعض آبائه عليهم‌السلام : إن الناس لم يأخذوا عن الحسن والحسين عليهما‌السلام إلا الصلاة بعد العصر بمكة فقال نعم ، ولكن إذا رأيت الناس يقبلون على شي‌ء فاجتنبه ، فقلت : إن هؤلاء يفعلون فقال : لستم مثلهم » واما‌ خبر ابن يقطين (٣) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الذي يطوف بعد الغداة أو بعد العصر وهو في وقت الصلاة أيصلي ركعات الطواف نافلة كانت أو فريضة؟ قال : لا » فيمكن ان يكون الوجه فيه أن المفروض فيه حضور وقت الفريضة التي هي أولى بالتقديم ، بل يجب تقديمها على ركعتي طواف النافلة بناء على عدم جواز التطوع وقت الفريضة ، بل يمكن حمل الصحيح المزبور على ضيق وقت الحاضرة ، بل عن الشيخ أن الوجه فيه ما تضمنه من انه كان وقت صلاة فريضة فلم يجز له ان يصلي ركعتي الطواف إلا بعد ان يفرغ من الفريضة الحاضرة ، وظاهره وجوب تقديم الفريضة الحاضرة على ركعتي الطواف الفريضة ولو مع اتساع الوقت ، وفيه منع ، ضرورة ان الأصل يقتضي التخيير بينهما كما عن الفاضل التصريح به ، لأنهما واجبان موسعان ، فلا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١١.

٣٢٥

وجه لترجيح أحدهما على الآخر ، بل إن قلنا بفورية صلاة الطواف كما يشعر به بعض النصوص اتجه حينئذ تقديمها على الفريضة ، كما هو واضح ، والله العالم‌

المسألة السادسة من نقص من طوافه ولو عمدا في فريضة شوطا أو أقل أو أزيد أتمه لصدق الامتثال إن كان في المطاف ولم يفعل المنافي الذي منه طول الفصل المفوت للموالاة ، بناء على اعتبارها كما هو المشهور ، بل في الرياض نسبته الى ظاهر الأصحاب للانسياق ، ولأنه المتيقن في البراءة ، والمعهود من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة (ع) والصحابة والتابعين وغيرهم ، ولأنه كالصلاة المعلوم اعتبار ذلك فيها ، وإن انصرف عن المطاف أو حصل المنافي من حدث ونحوه وكان النقصان سهوا فان جاوز النصف اي طاف أربعة أشواط كما فسره به في المسالك وحاشية الكركي ، بل جعلا المراد بالمجاوز ذلك ، وربما يشهد له ما تسمعه من خبر إسحاق بن عمار (١) الذي به يقيد إطلاق غيره ، وعلى كل حال فمتى كان كذلك رجع فأتم ، ولو عاد إلى أهله أمر من يطوف عنه ما بقي عليه وإن كان دون ذلك اي من النصف أو قبل تمام الأربع استأنف مع الإمكان ، وإلا استناب كما في النافع والقواعد وغيرهما ومحكي المقنعة والمراسم والمبسوط والكافي والغنية والنهاية والوسيلة والسرائر والجامع ، نعم ليس في الأول كالمتن التصريح بالنسيان ، كما انه ليس فيهما أيضا اعتبار الأربعة أشواط بل اقتصرا على الأكثر من النصف والأقل ، بخلاف الأربعة المتأخرة التي صرح فيها بذلك ، بل يمكن إرجاع غيرها إليها ، وصرح فيها أيضا كالمتن ومحكي المبسوط بالاستنابة إذا رجع الى اهله.

وعلى كل حال فالتفصيل المزبور هو المشهور ، بل في الرياض « لا يكاد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

٣٢٦

يظهر فيه الخلاف إلا من جمع ممن تأخر حيث قالوا لم نظفر بمستند لهذا التفصيل بل الموجود في محكي التهذيب والتحرير والتذكرة والمنتهى ان من طاف ستة أشواط وانصرف فليضف إليها ولا شي‌ء عليه ، فان لم يذكر حتى يرجع الى أهله استناب ، وإن ذكر في السعي أنه طاف بالبيت أقل من سبعة فليقطع السعي وليتم الطواف ثم ليرجع فليتم السعي كما تسمع الخبر (١) الدال عليه ، أما الأول‌ فالصحيح عن الحسن بن عطية (٢) : « سأله سليمان بن خالد وانا معه عن رجل طاف بالبيت ستة أشواط فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : وكيف طاف ستة أشواط؟ قال : استقبل الحجر وقال : الله أكبر وعقد واحد ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : يطوف شوطا ، فقال سليمان : فان فاته ذلك حتى اتى أهله قال يأمر من يطوف عنه » وصحيح الحلبي (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « قلت : رجل طاف بالبيت واختصر شوطا واحدا في الحجر قال : يعيد ذلك الشوط » بل ظاهر الخبر الأول كالفتاوى عدم الفرق في الاستنابة بين من تمكن من الرجوع والقضاء بنفسه وغيره ، ويأتي مثله فيمن نسي الطواف رأسا حتى رجع الى اهله ، وحينئذ فيتجه البناء في الصورة المخصوصة دون غيرها ، لفوات الموالاة.

قلت : يمكن ان يكون مستند التفصيل المزبور فحوى ما تسمعه من النصوص (٤) في مسألة عروض الحدث في الأثناء ، بل قد تقدم في بحث أن الحائض والنفساء إذا منعهما عذرهما عن إتمام العمرة يعدلان الى الافراد والقران من النصوص ما هو مشتمل على التعليل الشامل للمقام ، ففي‌ خبر إبراهيم بن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ و ٨٥ ـ من أبواب الطواف.

٣٢٧

إسحاق (١) عمن سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت قال : تتم طوافها فليس عليها غيره ، ومتعتها تامة ، فلها ان ان تطوف بين الصفا والمروة وذلك لأنها زادت على النصف ، وقد مضت متعتها ، ولتستأنف بعد الحج » وخصوص المورد لا يقدح في عموم التعليل المؤبد بما سمعت وفحوى ما تسمعه في المريض وغيره مما هو ظاهر في كون المدار في صحة الطواف تجاوز النصف وعدمه ، مضافا الى فتوى الأصحاب.

وكذا التفصيل المزبور في من قطع طواف الفريضة لدخول البيت أو للسعي في حاجة كما في القواعد ومحكي النهاية والمبسوط والتهذيب والسرائر والجامع مع زيادة دخول الحجر في الأخير ، كما ان في الأربعة السابقة عليه تعميم الحاجة له ولغيره نحو ما في المهذب لغرض من دخول البيت أو غيره ، وفي النافع لحاجة أو مرض في أثنائه كما عن النهاية والمبسوط أيضا ، وإن كنا لم نعثر في الأول إلا على نصوص الاستئناف ، كصحيح الحلبي (٢) « سأل الصادق عليه‌السلام عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط ثم وجد من البيت خلوة فدخله قال : يقضي طوافه وخالف السنة فليعد » وخبر حفص بن البختري (٣) عنه عليه‌السلام « فيمن كان يطوف بالبيت فيعرض له دخول الكعبة فدخلها قال : يستقبل طوافه » ومن هنا أمكن ان يقال بالاستئناف مطلقا فيه بناء على ما تسمعه إن شاء الله في العامد لا لعذر ولا لحاجة ، إذ دعوى ان ذلك من الأغراض والحوائج التي تندرج فيما تسمعه من النصوص يمكن منعها ، كدعوى ان المدار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

٣٢٨

في البناء وعدمه على تجاوز النصف وعدمه وإن كان عالما عامدا كما عن المفيد والديلمي ، فإن النصوص المزبورة حتى التعليل بناء على انسياقه لغير ذلك وحتى نصوص الاستراحة (١) لا تشمله ، فيبقى على مقتضى ما دل على اعتبار الموالاة

نعم ورد في الحاجة نصوص ، منها‌ صحيح أبان بن تغلب (٢) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل طاف شوطا أو شوطين ثم خرج مع رجل في حاجة قال : إن كان طواف نافلة بنى عليه ، وإن كان طواف فريضة لم يبن » ومنها‌ خبره (٣) أيضا قال : « كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام في الطواف فجاء رجل من أخوالي فسألني ان أمشي معه في حاجة ففطن بي أبو عبد الله عليه‌السلام فقال يا أبان : من هذا الرجل؟ قلت : رجل من مواليك سألني أن أذهب معه في حاجة ، فقال : يا أبان اقطع طوافك وانطلق معه في حاجة فاقضها له ، فقلت : اني لم أتم طوافي قال : أحص ما طفت وانطلق معه في حاجته ، فقلت : وإن كان طواف فريضة فقال : نعم وإن كان طواف فريضة » ومنها‌ خبر أبي الفرج (٤) قال : « طفت مع أبي عبد الله عليه‌السلام خمسة أشواط ثم قلت : اني أريد أن أعود مريضا فقال : احفظ مكانك ثم اذهب فعده ثم ارجع فأتم طوافك » إلا أنه ليس نصا في الفريضة ، كما ان سابقه لا تعرض فيه للتفصيل بين النصف وغيره ، والأول إنما هو في غير التجاوز ، وبه يقيد إطلاق ما دل على البناء ، ويلحق ما زاد على الشوطين فصاعدا الى ما لا يتجاوز النصف بهما لعدم قائل بالفرق بين الشوطين وما زاد أصلا ، وما عن الفقيه ـ من‌ قول أحدهما عليهما‌السلام في مرسل ابن أبي عمير (٥) « في الرجل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الطواف.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الطواف الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الطواف الحديث ـ ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الطواف الحديث ـ ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الطواف الحديث ـ ٨.

٣٢٩

يطوف ثم تعرض له الحاجة قال : لا بأس أن يذهب في حاجته أو حاجة غيره فيقطع الطواف ، وإن أراد أن يستريح ويقعد فلا بأس بذلك ، فإذا رجع بنى على طوافه وإن كان أقل من النصف » ـ محمول على النفل ، مع أنه في التهذيب « فإذا رجع بنى على طوافه ، فان كان نافلة بنى على الشوط والشوطين ، وإن كان طواف فريضة ثم خرج في حاجة مع رجل لم يبن ولا في حاجة نفسه » وان أطلق فيه عدم البناء في الفريضة ، ولكن المراد على الشوط والشوطين نحو إطلاق بعض النصوص السابقة المراد منه ما إذا لم يكن قد تجاوز النصف

كل ذلك لما سمعته من الكلية المدلول عليها بالتعليل المعتضد بفتوى الأصحاب وبفحوى ما تسمعه في الحدث بل والمرض الذي أشار إليه المصنف وغيره بقوله : وكذا لو مرض في أثناء طوافه أي يجري فيه التفصيل المزبور ، ول‌ خبر إسحاق بن عمار (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام المروي في الكافي « في رجل طاف طواف الفريضة ثم اعتل علة لا يقدر معها على إتمام الطواف قال : إن كان طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط وقد تم طوافه ، وإن كان قد طاف ثلاثة أشواط ولا يقدر على الطواف فان هذا مما غلب الله تعالى عليه فلا بأس أن يؤخر الطواف يوما أو يومين ، فان خلته العلة عاد فطاف أسبوعا ، وإن طالت علته أمر من يطوف عنه أسبوعا ، ويصلي هو ركعتين ويسعى عنه وقد خرج من إحرامه » ورواه في التهذيب « ويصلي عنه » وفي دعائم الإسلام (٢) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام أنه قال : « من حدث به أمر قطع به طوافه من رعاف أو وجع أو حدث أو ما أشبه ذلك ثم عاد الى طوافه فان كان الذي تقدم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

٣٣٠

له النصف أو أكثر من النصف بنى على ما تقدم ، وإن كان أقل من النصف وكان طواف الفريضة ألقى ما مضى وابتدأ الطواف » وفي‌ المحكي (١) عن فقه الرضا عليه‌السلام بعد ذكر الحائض في أثناء الطواف وأنها تبني بعد تجاوز النصف لا قبله « وكذلك الرجل إذا أصابته علة وهو في الطواف لا يقدر على إتمامه أعاد بعد ذلك طوافه ما لم يجز نصفه ، فان جاوز نصفه فعليه أن يبني على ما طاف » وبذلك كله يقيد إطلاق الإعادة بالمرض في الأثناء في الصحيح (٢) بعد حصول التكافؤ بالانجبار (٣) والتأييد بالرضوي وغيره.

ومن ذلك كله يظهر لك النظر في المحكي عن أبي علي قال : « لو خرج الطائف لعارض عرض له في الطواف أضطره الى الخروج جاز له أن يبني على ما مضى إذا لم يعمل غير دفع ذلك العارض فقط ، والابتداء بطواف الفريضة أحوط ، ولو لم يمكنه العود وكان قد تجاوز النصف أجزأه ان يأمر من يطوف عنه فان لم يكن تجاوز النصف وطمع في إمكان ذلك له يوما أو يومين أخر الإحلال ، وان تهيأ أن يطاف به طيف به ، وإلا أمر من يطوف عنه ويصلي الركعتين خلف المقام ويسعى عنه وقد خرج من إحرامه ، وإن كان صرورة أعاد الحج » وإن قال في كشف اللثام : « وكان دليله لاستئناف الفريضة مطلقا إطلاق صحيح أبان ، وعدم نصوصية خبره الآخر في البناء لكن قد سمعت صحيح أبان في الشوط والشوطين ، على ان التفصيل بين الصرورة وغيره لم نعرف له أثرا في نص‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٣) في النسخة المبيضة « بعد عدم حصول التكافؤ بالانجبار » والصحيح ما أثبتناه كما انه لم يوجد لفظة « عدم » في النسخة المخطوطة المسودة.

٣٣١

أو فتوى ، كما أنك قد سمعت نصوص التفصيل بين تجاوز النصف وعدمه في العارض والحاجة التي قد يدخل فيها الاستراحة التي أشير إليها في مرسل ابن أبي عمير السابق ، مضافا الى‌ خبر ابن أبي يعفور (١) عن الصادق عليه‌السلام انه سئل « عن الرجل يستريح في طوافه قال : نعم أنا قد كانت توضع لي مرفقة فأجلس عليها ».

وكيف كان فـ (لو استمر مرضه بحيث لا يمكن ان يطاف به طيف عنه ) كلا أو بعضا على التفصيل السابق ، لخبر يونس (٢) سأله عليه‌السلام « عن سعيد بن يسار انه سقط من جمله فلا يستمسك بطنه أطوف عنه واسعي قال : لا ، ولكن دعه فإن بري‌ء قضى هو ، وإلا فاقض أنت عنه » وصحيح حبيب الخثعمي (٣) عن الصادق عليه‌السلام « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر ان يطاف عن المبطون والكسير » ولعل تقييد الأخير منهما بالأول يقتضي عدم المبادرة بالقضاء عنه حتى ييأس من قضائه بنفسه ، لكنه خلاف ظاهر المتن وغيره ، ولا ريب في أنه أحوط ، بل ينبغي مراعاة تعذر الطواف به أيضا ، وإلا وجب ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (٤) « الكسير يطاف به » وخبر إسحاق (٥) سأل الكاظم عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٦ وفيه‌ « الكبير يحمل فيطاف به » والصحيح ما ذكر في الجواهر فان الموجود في التهذيب ج ٥ ص ١٢٥ الرقم ٤٠٩ كذلك.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٧.

٣٣٢

« عن المريض يطاف عنه بالكعبة فقال : لا ولكن يطاف به » وقال عليه‌السلام في صحيح صفوان بن يحيى (١) : « يطاف به محمولا يخط الأرض برجليه حتى يمس الأرض قدميه في الطواف » وعن أبي بصير (٢) « ان الصادق عليه‌السلام مرض فأمر غلمانه أن يحملوه ويطوفوا به ، وأمرهم أن يخطوا رجليه الأرض حتى تمس الأرض قدماه في الطواف » ولذا قال أبو علي في المحكي عنه : « من طيف به فسحب رجليه على الأرض أو مسها بهما كان أصلح » لكن عنه انه أوجب عليه الإعادة إذا بري‌ء ، وفيه ان قاعدة الاجزاء وظاهر النصوص والأصل تقضي بخلافه.

وهل يصبر للطواف به الى ضيق الوقت أم يجوز المبادرة؟ ظاهر الأخبار والأصحاب كما في كشف اللثام الجواز ، قال : « وإذا جاز أمكن الوجوب إذا لم يجز القطع » قلت : لا ريب في ان الأحوط الأول ، بل قد يستفاد من فحوى خبر يونس ذلك ، مضافا الى ما مضى من البحث في مسألة وجوب الانتظار لذوي الأعذار أو جواز البدار.

ومن ذلك يظهر لك ان الوجه إرادة استمرار المرض حتى ضاق الوقت مما في المتن ونحوه ، ولكن عن النهاية والمبسوط والسرائر والتحرير والتذكرة والمنتهى يوما أو يومين ، ولعله لخبر إسحاق المتقدم الذي ظاهره أيضا جواز المبادرة إلى ثلاثة أشواط ، وانه هو يصلي صلاة الطواف إذا طيف عنه على ما سمعته في رواية الكافي عن النهاية والمبسوط والوسيلة والمهذب والسرائر والجامع ، بل وكذا التهذيب أولا ثم روى‌ الخبر (٣) « أمر من يطوف عنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

٣٣٣

أسبوعا ويصلي عنه » وقال وفي رواية محمد بن يعقوب (١) « ويصلي هو » والمعني به ما ذكرناه من انه متى استمسك طهارته صلى هو بنفسه ، ومتى لم يقدر على استمساكها صلي عنه وطيف عنه ، قلت : لا شاهد على الجمع المزبور ، بل إن كان طواف النائب موجبا لخطاب المنوب عنه بالصلاة اتجه وقوعها منه على حسب أداء صلاته التي لا تسقط عنه بحال من غير فرق بين استمساك بطنه وعدمه ، ولذا أطلق في الكتب السابقة ، وإلا كان المتجه صلاة النائب ، لأنها من توابع الطواف الذي ناب فيه ، كما ان المتجه مع ملاحظة الخبرين وفرض جمعهما لشرائط الحجية وعدم رجحان أحدهما على الآخر التخيير ، والأحوط الجمع ، والله العالم.

وكذا لو أحدث في طواف الفريضة في البناء على التفصيل المزبور بلا خلاف معتد به أجده فيه كما اعترف به غير واحد ، بل في المدارك هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، وظاهر المنتهى الإجماع عليه ، بل عن الخلاف الإجماع على الاستئناف قبل تجاوز النصف ، لما عرفته سابقا ، مضافا الى‌ قول أحدهما عليهما‌السلام في مرسل ابن أبي عمير أو جميل (٢) المنجبر بما سمعت « في الرجل يحدث في طواف الفريضة وقد طاف بعضه : انه يخرج ويتوضأ فإن كان جاوز النصف بنى على طوافه ، وإن كان أقل من النصف أعاد الطواف » ونحو‌ قول الرضا عليه‌السلام لأحمد بن عمر الحلال (٣) : « إذا حاضت المرأة وهي في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢ والتهذيب ج ٥ ص ١٢٥ الرقم ٤٠٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

٣٣٤

الطواف بالبيت أو الصفا والمروة وجاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت فإذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله » وغير ذلك.

نعم إذا تعمد الحدث كان ممن تعمد القطع ، وفيه الخلاف السابق ، وعن الفقيه ان الحائض تبني مطلقا ، لصحيح ابن مسلم (١) عن الصادق عليه‌السلام سأله « عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك ثم رأت دما قال : تحفظ مكانها ، فإذا طهرت طافت واعتدت بما مضى » المحمول على النفل كما عن الشيخ أو على غير ذلك ، وقد تقدم الكلام في المسألة فلاحظ وتأمل.

وكذا التفصيل المزبور لو دخل في السعي فذكر انه لم يتم طوافه رجع فأتم طوافه إن كان تجاوز النصف ، ثم تمم السعي تجاوز نصفه أولا ، وإن لم يكن قد تجاوز النصف استأنف الطواف كما عن المبسوط والسرائر والجامع ، ثم استأنف السعي كما في القواعد ومحكي المبسوط ، وعن النهاية والسرائر والتذكرة والتحرير والمنتهى إتمام السعي على التقديرين ، بل قيل هو ظاهر التهذيب والمصنف في كتابيه ، وعلى كل حال لم أعثر هنا على نص بالخصوص في التفصيل المزبور ، ولعله يكفي فيه ما عرفت من التعليل وغيره مما يحكم به على إطلاق‌ موثق إسحاق بن عمار (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل طاف بالبيت ثم خرج الى الصفا فطاف به ثم ذكر انه قد بقي عليه من طوافه شي‌ء فأمره ان يرجع الى البيت فيتم ما بقي من طوافه ، ثم يرجع الى الصفا فيتم ما بقي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣ مع الاختلاف في اللفظ وذكره بنصه في التهذيب ج ٥ ص ١٣٠ الرقم ٣٢٨.

٣٣٥

قال : فإنه طاف بالصفا وترك البيت قال : يرجع الى البيت فيطوف به ثم يستقبل طواف الصفا ، قال : فما الفرق بين هذين؟ فقال عليه‌السلام : لانه دخل في شي‌ء من الطواف وهذا لم يدخل في شي‌ء منه » إن لم نقل بظهور « شي‌ء » في السؤال في الأقل من النصف ، بل قد يقال إن دليل الاستئناف حينئذ إذا كان دون النصف انه بحكم من لم يدخل في شي‌ء من الطواف باعتبار وجوب استئنافه عليه كالتارك له أصلا ، وكان ترك ذكر ركعتي الطواف اتكالا على معلومية تبعيتهما لكن في النافع ومحكي النهاية والتهذيب والتحرير والتذكرة والمنتهى إطلاق إتمام الطواف ، ولعله لإطلاق الخبر المزبور الذي عرفت الحال فيه ، إلا انه مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط فيه.

فقد ظهر لك مما ذكرناه ان المدار في إتمام الطواف واستئنافه مع القطع لعذر مجاوزة النصف وعدمه ، ولعل من ذلك قطعه أيضا لصلاة فريضة وان لم يتضيق وقتها ، فان ذلك جائز عندنا ، بل عن المنتهى إجماع العلماء عليه إلا مالكا ، أو لصلاة الوتر إذا ضاق وقتها ، أو لصلاة جنازة أو نحو ذلك من الاعذار كما نص عليها الشهيدان في الدروس واللمعتين ، قال في الأول : « وجوز الحلبي البناء على شوط إذا قطعه لصلاة فريضة ، وهو نادر كما ندر فتوى النافع بذلك واضافة الوتر » وإن كان فيه ان ما ذكره عن الحلبي هو المحكي عن نص الغنية والإصباح والجامع وظاهر المهذب والسرائر ، كما أن ما في النافع من إضافة الوتر ظاهر محكي التهذيب والنهاية والمبسوط والتحرير والتذكرة والمنتهى ، بل زيد فيهما صلاة الجنازة ، ونسب ذلك فيهما الى العلماء عدا الحسن البصري ، بل هو ظاهر إطلاق‌ حسن عبد الله بن سنان (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل كان في طواف النساء فأقيمت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

٣٣٦

الصلاة قال : يصلي يعني الفريضة ، فإذا فرغ بنى من حيث قطع » وقوله عليه‌السلام في خبر هشام (١) « في رجل كان في طواف فريضة فأدركته صلاة فريضة يقطع طوافه ويصلي الفريضة ثم يعود فيتم ما بقي عليه من طوافه » وصحيح عبد الرحمن بن الحجاج (٢) سأل الكاظم عليه‌السلام « عن الرجل يكون في الطواف وقد طاف بعضه وبقي عليه بعضه فيطلع الفجر فيخرج من الطواف الى الحجر أو الى بعض المساجد إذا كان لم يوتر فيوتر ثم يرجع فيتم طوافه أفترى ذلك أفضل أم يتم الطواف ثم يوتر وإن أسفر بعض الاسفار؟ قال : ابدأ بالوتر واقطع الطواف إذا خفت ذلك ثم أتم الطواف بعد » لكن ذلك يمكن تخصيصه بما عرفت من اعتبار النصف وعدمه في الإتمام والاستئناف ولو بالترجيح ذلك عليه بما سمعت ، مع احتمال إرادة ذلك من إطلاق من عرفت اتكالا على ما ذكروه في غير المقام ، واحتمال اختصاص ذلك بالخروج عن قاعدة النصف بعيد عن مقتضى الفقاهة ، وإن قال في الرياض : إنه أرجح هنا بالشهرة وحكاية الإجماع ، لكن فيه أن الشهرة غير محققة بعد ما عرفت من احتمال إرادة من أطلق التفصيل المزبور ، واما الإجماع المحكي فهو ما نسبه الى التذكرة والمنتهى ، وليس هو فيما نحن فيه ، قال في الأول : « ولو دخل عليه وقت فريضة قطع الطواف وصلى الفريضة ثم عاد فتمم طوافه من حيث قطع ، وهو قول العلماء إلا مالكا ، فإنه قال : يمضي في طوافه إلا أن يخاف فوات وقت الفريضة ، وهو باطل لما رواه‌ العامة (٣) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة » والطواف صلاة ، ولأن وقت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٣) سنن النسائي ج ٢ ص ١١٦.

٣٣٧

الحاضرة أضيق من وقت الطواف ، فكانت أولى ، ولأن عبد الله بن سنان سأل الصادق عليه‌السلام الى آخره ، إذا عرفت هذا فإنه يبني على فراغه من الفريضة ويتم طوافه ، وهو قول العلماء إلا الحسن البصري ، فإنه قال : يستأنف ، والأصل خلافه ، وكذا البحث في صلاة الجنازة فإنها تقدم » ونحوه في المنتهى وإجماعه الأول إنما هو على جواز القطع ، والثاني في مقابلة البصري القائل بالاستئناف مطلقا ، بل ملاحظة كلامه السابق في مسألة النصف كالصريح في عدم الفرق بين الفريضة وغيرها ، بل ما ذكره هنا من إلحاق صلاة الجنازة مبني على ذلك أيضا ، ولعله لذا لم ينقل الشهيد عنه شيئا ، وكذا الكلام في مسألة الوتر ، نعم ينبغي تقييدها بما إذا خشي فوات الوقت كما في الصحيح المزبور ، ومحكي الفتاوى عدا ما في النافع ، ولا دليل عليه ، بل هو مخالف للنص والفتوى ، والله العالم.

وكيف كان فهل يجوز للجاهل الاستئناف حيث يجوز البناء كما يعطيه‌ خبر حبيب بن مظاهر (١) وإن قال عليه‌السلام فيه : « بئسما صنعت » لكن قال في آخره « اما انه ليس عليك شي‌ء » لكن قد يقال ان ضعف سنده يمنع من العمل به هنا بعد الأمر بالبناء ، فالأحوط إن لم يكن الأقوى ترك الاستئناف وإن كان الظاهر الاجزاء لو فعل وإن قلنا بالإثم بترك البناء ، مع احتمال عدمه حملا للأمر بالبناء على الاذن ، لوقوعه في مقام توهم الحظر ، وستسمع ما في الدروس من نسبة الاستئناف إلى رواية ذكرها الصدوق وان كنا لم نتحققها.

وهل يبنى من موضع القطع كما هو مقتضى حسن ابن سنان (٢) وخبر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

٣٣٨

أحمد بن عمر الحلال (١) في الحائض المتقدمين سابقا ، وخبر أبي غرة (٢) قال : « مر بي أبو عبد الله عليه‌السلام وأنا في الشوط الخامس من الطواف فقال لي : انطلق حتى نعود ها هنا رجلا ، فقلت أنا في خمسة أشواط من أسبوعي فأتم أسبوعي قال : اقطعه واحفظه من حيث تقطعه حتى تأتي إلى الموضع الذي قطعت منه فتبني عليه » وغيره من النصوص المعتضدة مع ذلك بالاحتياط حذرا من الزيادة أو من الركن كما هو ظاهر ما مر من صحيح معاوية وحسنه (٣) في من اختصر شوطا من الإعادة من الحجر الى الحجر ، بل عن التحرير والمنتهى انه أحوط مع اعترافه فيهما وفي محكي التذكرة بدلالة ظاهر الخبر على الأول الذي قد يفرق بينه وبين ما في الصحيح بفساد الشوط بالاختصار المزبور ، بخلاف الفرض الذي يجوز له فيه القطع لحاجة لنفسه أو غيره ، ومن ذلك يعلم ما في احتمال الجمع بين النصوص بالتخيير.

ولو شك في موضع القطع طاف من المتيقن ، واحتمال الزيادة غير قادح ، قال في الدروس : « ولو شك فيه أخذ بالاحتياط ، ولو بدأ من الركن قيل جاز وكذا لو استأنف من رأس يجزي في رواية ذكرها الصدوق ».

وعلى كل حال فظاهر الأصحاب هنا والنصوص وجوب الموالاة في الطواف الواجب في غير المواضع التي عرفت ، ولذا جعلها في الدروس الحادي عشر من واجباته ، نعم هي غير واجبة في طواف النافلة نصا وفتوى بلا خلاف أجده فيه لكن في الحدائق المناقشة في وجوبها في طواف الفريضة أيضا للنصوص المزبورة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.

٣٣٩

التي هي أخص من دعواه ، بل بعضها صريح في بطلان الطواف بعدمها في الأنقص من النصف.

وأما قطع الطواف عمدا لا لغرض فقد يقوى جوازه في غير طواف الفريضة بناء على جواز قطع صلاة النافلة كذلك ، لان الطواف بالبيت صلاة ، ولكن الأحوط تركه ، بخلاف طواف الفريضة بناء على حرمة القطع في الصلاة الواجبة ، وعلى استفادة ذلك من التشبيه المزبور.

هذا كله في واجبات الطواف المستفادة من تضاعيف كلامهم وان نظمها في الدروس باثني عشر‌ وأما الندب فكثير مستفاد مما تسمعه من النصوص ولكن ذكر المصنف منها خمسة عشر‌ منها الوقوف عند الحجر وحمد الله والثناء عليه ، والصلاة على النبي وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورفع اليدين بالدعاء ، واستلام الحجر على الأصح وتقبيله ، فان لم يقدر على الاستلام ببدنه فببعضه فان تعذر إلا بيده فبيده ولو كانت مقطوعة استلم بموضع القطع ، ولو لم يكن له يد اقتصر على الإشارة كما ستعرف ذلك كله ان شاء الله ويستحب أيضا أن يقول عند استلامه أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة ، اللهم تصديقا بكتابك الى آخر الدعاء المروي في‌ صحيح معاوية بن عمار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك ، واحمد الله تعالى وأثن عليه وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واسأل الله أن يتقبل منك ثم استلم الحجر وقبله ، فان لم تستطع ان تقبله فاستلمه بيدك فان لم تستطع ان تستلمه بيدك فأشر اليه ، وقل اللهم أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة ، اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك ، اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

٣٤٠