جواهر الكلام - ج ١٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

إدريس للتأسي (١) به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنه صلاهما ، وتلا قوله تعالى (٢) ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) بل قيل انها نزلت عليه حين فعلهما ، ومنه مع غيره من النصوص (٣) المشتملة على وجوب عود الناس لهما الى المقام والصلاة فيه وذكر الآية دليلا عليه يظهر وجه دلالة الآية على ذلك ، مضافا الى الإجماع على عدم وجوب غيرهما فيه ، وللأمر (٤) بقضائهما مع فواتهما المحمول على الوجوب المقتضي لوجوب الأداء لقول الصادق عليه‌السلام في حسن معاوية أو صحيحه (٥) « إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم عليه‌السلام وصل ركعتين واجعله اماما واقرأ في الأولى منهما سورة التوحيد ، وفي الثانية قل يا ايها الكافرون ، ثم تشهد واحمد الله وأثن عليه وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واسأله ان يتقبل منك ، وهاتان الركعتان هما الفريضة ، ليس يكره ان تصليهما في أي الساعات شئت عند طلوع الشمس وعند غروبها ، ولا تؤخرهما ساعة تطوف وتفرغ فصلهما » وغيره من النصوص ، بل في كشف اللثام نسبة ذلك الى الاخبار الكثيرة جدا ، ولعله يريد ما تسمعه منها إن شاء الله في وجوب كونهما في المقام وفي قضائهما وغير ذلك.

وعلى كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور كدليله الذي هو الأصل المقطوع بما عرفت بعد تسليم جريانه هنا ، وعدم تعين الآية لهذا المعنى الذي‌

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٢ ص ١٨٠.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ١١٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب الطواف.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١٣ و ١٨.

(٥) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٧١ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣ وذيله في الباب ٧٦ منها الحديث ٣.

٣٠١

قد سمعت القرائن عليه النافية لاحتمال ارادة موضع الدعاء من المصلى أو القبلة ، وكون المراد بالمقام هو الحرم كله أو مع سائر المشاعر ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) للأعرابي الذي قال له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هل علي غيرها يعني الخمس : « لا إلا أن تطوع » المحتمل لعدم وجوب حج وعمرة عليه ، وقول أبي جعفر عليه‌السلام لزرارة في الحسن (٢) : « فرض الله الصلاة ، وسن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشرة أوجه : صلاة السفر وصلاة الحضر وصلاة الخوف على ثلاثة أوجه ، وصلاة كسوف الشمس والقمر ، وصلاة العيدين وصلاة الاستسقاء والصلاة على الميت » المحتمل كسابقه على ما في كشف اللثام لكون المراد ما شرع من الصلاة بنفسها لا تابعة لطواف أو غيره ، على أنه عام أو مطلق يحكم عليه ما عرفت ، كما هو واضح.

ثم لا يخفى عليك دلالة الحسن المزبور على استحباب قراءة التوحيد في الأولى منهما والجحد في الثانية ، بل في المختلف انه المشهور ، وبه صرح في التذكرة والتحرير ، بل الأول منهما انه رواه العامة (٣) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نعم في الثاني منهما كالدروس انه روي العكس (٤) إلا أنا لم نتحققه وإن حكى القول به في المختلف عن الشيخ في النهاية في باب القراءة دون باب الطواف الذي صرح فيه بما سمعت ، ولا ريب في أنه الأولى ، حملا لإطلاق بعض النصوص على الحسن المزبور المتضمن لاستحباب الدعاء بعدهما كما أشار إليه في الدروس ، قال : والدعاء بالمأثور أو بما سنح ، والله العالم.

__________________

(١) سنن النسائي ج ١ ص ٢٢٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٣) سنن البيهقي ج ٥ ص ٩١.

(٤) سنن البيهقي ج ٥ ص ٩١.

٣٠٢

ولو نسيهما وجب عليه الرجوع بلا خلاف أجده فيه إلا ما يحكى عن الصدوق من الميل الى صلاتهما حيث يذكر ، بل في كشف اللثام الإجماع عليه كما هو الظاهر ، ولعله كذلك لأصالة عدم السقوط مع التمكن من الإتيان بالمأمور به على وجهه ، وصحيح ابن مسلم (١) عن أحدهما ( عليهما‌السلام ، قال : « سئل عن رجل طاف طواف الفريضة ولم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا والمروة ثم طاف طواف النساء ولم يصل أيضا لذلك الطواف حتى ذكر وهو بالأبطح قال : يرجع الى المقام فيصلي ركعتين » وخبر عبيد بن زرارة (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل طاف طواف الفريضة ولم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا والمروة ثم طاف طواف النساء فلم يصل الركعتين حتى ذكر بالأبطح يصلي أربع ركعات قال : يرجع فيصلي عند المقام أربعا » ومرسل الطبرسي في المحكي عن مجمعه (٣) عن الصادق عليه‌السلام « انه سئل عن الرجل يطوف بالبيت طواف الفريضة ونسي أن يصلي الركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام فقال : يصليهما ولو بعد أيام ، لأن الله تعالى يقول ( وَاتَّخِذُوا ) الآية » وعن العياشي روايته (٤) ولكن « وجهل ان يصلي » وغيرها من النصوص.

نعم لو شق عليه الرجوع فضلا عما لو تعذر قضاهما حيث ذكر كما في القواعد والنافع ومحكي التهذيب والاستبصار ، ولعله المراد من التعذر في محكي النهاية والمبسوط والسرائر والمهذب والجامع ، لقاعدة الحرج واليسر المشار إليها في‌ صحيح أبي بصير (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أن يصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام وقد قال الله تعالى ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى )

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب الطواف الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب الطواف الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب الطواف الحديث ١٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب الطواف الحديث ٢٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب الطواف الحديث ١٠.

٣٠٣

حتى ارتحل قال : إن كان ارتحل فاني لا أشق عليه ولا آمره أن يرجع ولكن يصلي حيث يذكر » المحمول عليه‌ خبر أبي الصباح (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي ان يصلي الركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام في طواف الحج أو العمرة فقال : إن كان بالبلد صلى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام ، فان الله تعالى يقول ( وَاتَّخِذُوا ) الى آخره ، وإن كان قد ارتحل فلا آمره أن يرجع » بل وحسن معاوية (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل نسي الركعتين خلف مقام إبراهيم عليه‌السلام فلم يذكر حتى ارتحل من مكة قال : فليصلهما حيث ذكر ، وان ذكرهما وهو في البلد فلا يبرح حتى يقضيهما » بل وخبر عمر بن البر (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « في من نسي ركعتين طواف الفريضة حتى أتى منى انه رخص له أن يصليهما بمنى » وخبر إبراهيم بن المثنى وحنان (٤) قالا : « طفنا بالبيت طواف النساء ونسينا الركعتين فلما صرنا بمنى ذكرناهما فأتينا أبا عبد الله عليه‌السلام فسألناه فقال : صلياهما بمنى » وخبر عمر بن يزيد (٥) عنه عليه‌السلام أيضا سأله « عن رجل نسي الركعتين ركعتي الفريضة عند مقام إبراهيم عليه‌السلام حتى أتى منى قال يصليهما بمنى » وخبر هاشم بن المثنى (٦) قال : « نسيت أن أصلي الركعتين للطواف خلف المقام حتى انتهيت إلى منى فرجعت الى مكة فصليتهما ثم عدت إلى منى فذكرنا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب الطواف الحديث ١٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب الطواف الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب الطواف الحديث ١٧ عن هشام بن المثنى وحنان.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب الطواف الحديث ٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٩ عن هشام ابن المثنى ويحتمل اتحاده مع الهاشم كما ذكر في كتب التراجم.

٣٠٤

ذلك لأبي عبد الله عليه‌السلام فقال : أفلا صلاهما حيث ذكر » وربما حمل على المندوب وخبر حنان بن سدير (١) قال : « زرت فنسيت ركعتي الطواف فأتيت أبا عبد الله عليه‌السلام وهو بقرن الثعالب فسألته فقال صل في مكانك ».

ولعله له وسابقه وغيرهما حكي عن الصدوق الميل إلى قضائهما حيث يذكر مطلقا ، لكنه مناف لما سمعته من النص والفتوى ، فالأولى الجمع بما عرفت ، خصوصا بعد ما قيل من قصورها جملة عن الصحة ، بل ضعف بعضها سندا ، وجميعها دلالة بعد احتمال التقييد المزبور الذي هو أولى من الجمع بحمل الدال على التقييد على الاستحباب وإبقاء المطلق على حاله ، لمعلومية رجحان التخصيص على غيره من أنواع المجاز ، مضافا الى الاعتضاد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا ، بل هي كذلك كما عرفت ، وبكثرة النصوص المزبورة وصحتها ، وتضمن جملة منها تعليل الأمر بالرجوع بقوله تعالى ( وَاتَّخِذُوا ) والأمر للوجوب قطعا ، فما عن بعض من قارب عصرنا ـ من الميل الى جواز قضائهما حيث ذكر مطلقا تمسكا بما سمعت من النصوص ـ في غير محله ، ومنه يعلم النظر فيما في الدروس من أنه لو نسي الركعتين رجع الى المقام ، فان تعذر فحيث شاء من الحرم ، فان تعذر فحيث أمكن من البقاع ، ضرورة عدم موافق له على هذا التفصيل ، ولا دليل كما اعترف به بعضهم.

وفي التحرير جواز الاستنابة فيهما إن خرج وشق عليه الرجوع ، وكذا في التذكرة إن صلاهما في غير المقام ناسيا ثم لم يتمكن من الرجوع ، ولعله لجواز الاستنابة فيهما تبعا للطواف فكذا بدونه ، ول‌ صحيح عمر بن يزيد (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في من نسي ركعتي الطواف حتى ارتحل من مكة قال : إن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

٣٠٥

كان قد مضى قليلا فليرجع فليصلهما أو يأمر بعض الناس فليصلهما عنه » وصحيحه الآخر (١) عنه عليه‌السلام أيضا « من نسي أن يصلي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكة فعليه أن يقضي أو يقضي عنه وليه أو رجل من المسلمين » وخبر ابن مسكان (٢) قال : « حدثني من سأله عن الرجل ينسى ركعتي طواف الفريضة حتى يخرج فقال : يوكل » قال ابن مسكان وفي حديث آخر (٣) « إن كان جاوز ميقات أهل أرضه فليرجع وليصلهما ، فان الله تعالى يقول ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) » وخبر محمد بن مسلم (٤) سأل أحدهما عليهما‌السلام « عمن نسي أن يصلي الركعتين فقال : يصلى عنه » لكن الجميع كما ترى لا تقييد في شي‌ء منها بما ذكره ، كالمحكي عن ظاهر المبسوط من الاستنابة إذا خرج مع تعمد الترك.

ويحتمل في خبري ابني يزيد ومسلم منها إرادة ما ذكره المصنف والفاضل والشيخ وبنو حمزة وإدريس وسعيد من أنه لو مات ولم يصلهما قضاهما الولي عنه ، مضافا الى عموم ما دل (٥) على قضائه الصلاة الفائتة عنه بل هما أولى بذلك باعتبار مشروعية النيابة فيهما في حياة المنوب عنه ولو تبعا للطواف ، بل قد يظهر من خبر ابن يزيد منهما جواز قضاء غير الولي مع وجوده ولا بأس به ، وإن كان الأحوط خلافه.

ولو ترك معهما الطواف ففي المسالك « في وجوبهما حينئذ عليه ويستنيب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب الطواف الحديث ١٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب الطواف الحديث ١٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب الطواف الحديث ١٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب الطواف الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٦ و ١٨ والباب ٢٣ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٥.

٣٠٦

في الطواف أو يستنيب عليهما معا من ماله وجهان ، ولعل وجوبهما عليه مطلقا أقوى لعموم قضاء ما فاته من الصلاة الواجبة ، أما الطواف فلا يجب عليه قضاؤه عنه وإن كان بحكم الصلاة » قلت : ستسمع فيما يأتي عند تعرض المصنف لمسألة نسيان الطواف من النصوص (١) ما ينافي ذلك.

والجاهل كالناسي في الحكم المذكور ، لقول أحدهما ( عليهما‌السلام في‌ صحيح جميل (٢) « ان الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام بمنزلة الناسي » مضافا الى إطلاق بعض النصوص (٣) وخبر العياشي (٤) السابق.

أما العامد ففي المسالك ان الأصحاب لم يتعرضوا لذكره ، والذي يقتضيه الأصل أنه يجب عليه العود مع الإمكان ، ومع التعذر يصليهما حيث أمكن » وفي المدارك بعد أن حكى ذلك عنه قال : « لا ريب أن مقتضى الأصل وجوب العود مع الإمكان ، وإنما الكلام في الاكتفاء بصلاتهما حيث أمكن مع التعذر أو بقائهما في الذمة الى أن يحصل التمكن منهما في محلهما ، وكذا الإشكال في صحة الأفعال المتأخرة عنهما من صدق الإتيان بهما ، ومن عدم وقوعهما على الوجه المأمور به » وتبعه في الرياض ، قلت : قد يقال بتناول صحيح الجاهل الشامل للمقصر الذي هو كالعامد ، كما أنه قد يقال بأن الأدلة المزبورة خصوصا الآية وما اشتمل على الاستدلال بها من النصوص إنما تدل على وجوبهما بعد الطواف لا اشتراط صحته بهما ، ولذا كان له تركهما في الطواف المندوب ، ولم يؤمر بإعادة السعي وغيره من الافعال لناسيهما والجاهل بهما ، فليس حينئذ في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٥ و ٦ و ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢٠.

٣٠٧

عدم فعلهما بعد الطواف عمدا إلا الإثم ووجوب القضاء كما ذكره ثاني الشهيدين لا بطلان ما تعقبهما من الأفعال ، وجعلهما في المتن من لوازم الطواف أعم من ذلك ، والله العالم.

مسائل ست : الأولى الزيادة عمدا على سبع في الطواف الواجب محظورة ومبطلة على الأظهر كما عن الوسيلة والاقتصاد والجمل والعقود والمهذب ، بل في المدارك أنه المعروف من مذهب الأصحاب ، وفي كشف اللثام أنه المشهور ، وهو كذلك مع نيته في الابتداء على وجه الإدخال في الكيفية ، ضرورة كونه حينئذ ناويا لما لم يأمر به الشارع ، فهو كمن نوى صوم الوصال مثلا ، بل في كشف اللثام وكذا لو نواها في الأثناء ، لأنه لم يستدم النية الصحيحة ولا حكمها ، وفيه أن ذلك غير مناف لاستدامة النية على سبع وإن نوى الزيادة عليها.

وأما إذا تعمد فعلها من غير إدخال لذلك في النية في الابتداء أو في الأثناء فإن تعمد فعلها لا من هذا الطواف ففي كشف اللثام عدم البطلان ظاهر ، لأنها حينئذ فعل خارج وقع لغوا أو جزء من طواف آخر ، وإن تعمدها من هذا الطواف فظاهر ما سمعته من المشهور البطلان ، لأنه كزيادة ركعة في الصلاة لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « الطواف بالبيت صلاة » وقول أبي الحسن عليه‌السلام في خبر عبد الله بن محمد (٢) « الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها ، فإذا زدت عليها فعليك الإعادة وكذلك السعي » ولخروجه عن الهيئة التي فعلها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع وجوب التأسي ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) « خذوا‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٥ ص ٨٧ وكنز العمال ج ٣ ص ١٠ الرقم ٢٠٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١١.

(٣) تيسير الوصول ج ١ ص ٣١٢.

٣٠٨

عني مناسككم » ولخبر أبي بصير (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط قال : يعيد حتى يستتمه » ولكن نوقش بكون الأول قياسا محضا ، على أنه ليس كزيادة ركعة في الصلاة ، بل مثل فعلها بعد الفراغ ، ومنع خروجه عن الهيئة المعهودة ، ضرورة كون الزيادة إنما لحقتها من بعد ، وعدم فعله لها لا يقتضي التحريم فضلا عن البطلان ، للأصل وغيره ، ولو سلم فأقصاه أنه تشريع محرم خارج عن العبادة ، وبالطعن في سند الخبرين المحتملين لنية الزيادة أول الطواف أو اثناءه بناء على ما سمعته من كشف اللثام ، بل قد يحتمل الثاني منهما إرادة إتمام طواف آخر كما يشعر به قوله عليه‌السلام يستتمه ، على أنه إنما يدل على تحريم زيادة الشوط ، كل ذلك مضافا الى الأصل وإطلاق‌ صحيح ابن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام سأله « عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية أشواط قال : يضيف إليها ستا » ونحوه غيره.

ولكن قد يدفع جميع ذلك بظهور الخبرين المنجبرين بما سمعت ، بل يؤيد إرادة إعادة ذلك الطواف من قوله عليه‌السلام « يستتمه » روايته في الكافي حتى « يتنبه » وهو كالصريح في إرادة الطواف الأول ، وصحيح ابن مسلم وغيره محمول على الزيادة سهوا أو مع نية طواف ثان ، بل في كشف اللثام أو تعمد الشوط من طوافه الأول مع جهل الحكم أو الغفلة عنه ، ومقتضاه معذورية الجاهل كالناسي وهو مشكل مع فرض الإتيان في أول النية بل والأثناء على ما ذكره من كونه كالابتداء ، ضرورة اقتضاء ما سمعت البطلان على تقدير الجهل والعمد ، بل لعل إطلاق نحو عبارة المتن يقتضي ذلك أيضا كالخبرين الذين مقتضاهما البطلان حتى في الزيادة المتأخرة عن الإكمال نحو العالم ، بل في المسالك التصريح بان الجاهل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ـ ٨.

٣٠٩

هنا كالعالم ، ثم إن ظاهر الخبرين المزبورين والفتاوى إعادة الطواف من رأس لا الشوط خاصة وهو كذلك كما صرح به غير واحد.

هذا كله في طواف الفريضة وأما الزيادة عمدا في طواف النافلة ففي القواعد كالمتن مكروهة ولكن لا أعرف وجهه مع فرض كون المراد ما ذكرناه من الزيادة المحرمة في الطواف الواجب حتى المتأخرة لكن بنية أنها زيادة في الطواف ، ضرورة كون الحرمة في الجميع للتشريع ، وخبر طلحة (١) الآتي إنما هو في غير الفرض كما ستعرف إن شاء الله ، اللهم إلا ان يريد حرمة الزيادة في الفريضة وإن لم تكن على جهة التشريع ، وكراهتها في النافلة أو أن المراد من الزيادة في النافلة خصوص القران الذي صرح في النافع بكراهته في طواف النافلة بمعنى عدم الفصل بين الطوافين مثلا بالصلاة كما صرح به غير واحد ، بل في محكي التنقيح نفي الخلاف بل هو المراد مما عن النهاية والاقتصاد والتهذيب والاستبصار من أن الأفضل تركه لقول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر زرارة (٢) المروي في مستطرفات السرائر عن كتاب حريز « لا قران بين أسبوعين في فريضة ونافلة » وإطلاق‌ خبر البزنطي (٣) « سأل رجل أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يطوف الأسباع جمعا فيقرن فقال : لا إلا الأسبوع وركعتان ، وإنما قرن أبو الحسن عليه‌السلام لأنه كان يطوف مع محمد بن إبراهيم لحال التقية » وقوله عليه‌السلام في خبر علي بن أبي حمزة (٤) « لا تقرن بين أسبوعين » المحمول على إرادة الكراهة من النهي فيه ولو لنفي الخلاف في الجواز الذي سمعته من التنقيح الذي يشهد له التتبع ، مضافا الى‌ قول الصادق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.

٣١٠

عليه‌السلام في صحيح زرارة (١) : « إنما يكره أن يجمع الرجل بين الأسبوعين والطوافين في الفريضة ، فأما في النافلة فلا بأس » وفي‌ خبر عمر بن يزيد (٢) « إنما يكره القران في الفريضة ، فاما النافلة فلا وانه ما به بأس » بناء على إرادة الحرمة من الكراهة المزبورة ليتجه نفي البأس عنه في النافلة الظاهر في عدمها فيها بقرينة المقابلة ، مع أن الكراهة مجمع عليها ، وخبر زرارة (٣) « ربما طفت مع أبي جعفر عليه‌السلام وهو ممسك بيدي الطوافين والثلاثة ثم ينصرف ويصلي الركعات ستا » وخبره الآخر (٤) « طفت مع أبي جعفر عليه‌السلام ثلاثة عشر أسبوعا قرنها جميعا وهو آخذ بيدي ثم خرج فتنحى ناحية فصلى ستا وعشرين ركعة وصليت معه » وخبر علي بن جعفر (٥) المروي عن قرب الاسناد سأل أخاه موسى عليه‌السلام « عن الرجل يطوف السبوع والسبوعين فلا يصلي ركعتين حتى يبدو له أن يطوف أسبوعا آخر هل يصلح ذلك؟ قال : لا يصلح ذلك حتى يصلي ركعتي السبوع الأول ثم يطوف ما أحب » وخبره الآخر (٦) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن الرجل هل يصلح له أن يطوف طوافين والثلاثة ولا يفرق بينهما بالصلاة حتى يصلي لها جميعا قال : لا بأس غير أنه يسلم في كل ركعتين » ونحوه خبراه الآخران (٧) عنه عليه‌السلام أيضا المشتملان على رؤيته كذلك ، وغير ذلك من النصوص الدالة على الجواز والكراهة المحمولة بقرائن عديدة على إرادة النافلة.

ومنه مضافا الى النصوص السابقة يظهر الوجه في عدم جوازه في الفريضة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٩.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١٠ و ١١.

٣١١

كما عن النهاية والمبسوط والتهذيب والجمل والعقود والمهذب والجامع ، بل عن التذكرة نسبته الى أكثر علمائنا ، خلافا لما عن الاقتصاد والدروس والمختلف من الكراهة للأصل المقطوع بما عرفت ، وللخبرين المزبورين اللذين قد عرفت إرادة الحرمة من الكراهة فيهما ، وإلا لكانت منفية عنه في النافلة ، والإجماع على خلافه ، بل ربما قيل إنه لو لا ذلك لكان المنع عنه فيها كالفريضة في غاية القوة ، لما سمعته عن النهي عنه في النصوص السابقة الذي يقصر الخبران المزبوران عن صرفه عن ظاهره ، خصوصا بعد قوة احتمال التقية فيهما كما سمعت الإشارة إليه في خبر البزنطي ، ونحوه‌ خبر علي بن أبي حمزة (١) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يطوف ويقرن بين أسبوعين فقال : إن شئت رويت لك عن أهل مكة فقال : قلت له : والله ما لي في ذلك حاجة جعلت فداك ، ولكن ارو لي ما أدين الله عز وجل به ، فقال : لا تقرن بين أسبوعين ، كلما طفت أسبوعا فصل ركعتين » وإن كان هو خاليا عن الثمرة بعد ما عرفت من الإجماع وغيره مما يقتضي إرادة الأعم من الكراهة والحرمة من ذلك ونحوه ، بل في النافع والتنقيح البطلان معها في الفريضة على الأشهر ، قال في الأول : « والقران مبطل في الفريضة على الأشهر ومكروه في النافلة » وإن كنا لم نتحقق ذلك بل في الرياض « انا لم نقف على نص ولا فتوى تتضمن الحكم بالإبطال ، وإنما غايتهما النهي عن القران الذي غايته التحريم ، وهو لا يستلزم بطلان الطواف الأول إذا كان فريضة أو بطلانهما معا كما هو ظاهر العبارة وغيرها لتعلق النهي بخارج العبادة ، لعدم صدق القران إلا بالإتيان بالطواف الثاني ، فهو المنهي عنه لا هما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.

٣١٢

معا أو الأول كما هو ظاهر القوم ، نعم لو أريد بالباطل الطواف الثاني اتجه ، لتعلق النهي بنفس العبادة حينئذ ، ويدل على البطلان حينئذ زيادة على ذلك الأخبار (١) الدالة على فورية صلاة الطواف وانها تجب ساعة الفراغ منه لا تؤخر بناء على ما قررناه في الأصول من استحالة الأمر بشيئين متضادين في وقت مضيق ولو لأحدهما » قلت : قد يناقش بعد الإغضاء عما ذكره أخيرا الذي هو مع أنه غير تام في نفسه كما حققناه في محله لا يتم في حال الغفلة والنسيان للصلاة ، لصدق اسم القران عليهما معا ، والنهي في العبادة وإن كان الخارج ظاهر في الفساد كما هو واضح ، وحينئذ يتجه البطلان فيهما.

ومن الغريب ما في كشف اللثام من حمل عبارة النافع على إرادة الزيادة على السبعة شوطا أو أزيد على نية الدخول في ذلك الطواف لا استئناف آخر فإنه المبطل ، وقد أطلق على هذا المعنى في التذكرة والمنتهى وخلط فيهما بينه وبين المعنى الأول ، ففي المنتهى « لا يجوز الزيادة على سبعة أشواط في الطواف الفريضة ، فلو طاف ثمانية عمدا أعاد ، وإن كان سهوا استحب له أن يتم أربعة عشر شوطا ، وبالجملة القران في طواف الفريضة لا يجوز عند أكثر علمائنا » ثم استدل بأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يفعله فلا يجوز لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) « خذوا عني مناسككم » وبأنها فريضة ذات عدد فلا يجوز الزيادة عليها كالصلاة ، ولما مر من‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٣) « فمن طاف ثمانية يعيد حتى يستنبه » ثم قال ويدل على المنع من القران وذكر خبري البزنطي (٤) وعلي بن أبي حمزة (٥)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٦ ـ من أبواب الطواف.

(٢) تيسير الوصول ج ١ ص ٣١٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.

٣١٣

ثم قال في فروع المسألة : « هل القران في طواف الفريضة محرم أم لا؟ قال الشيخ : لا يجوز ، وهو كما يحتمل التحريم يحتمل الكراهة ، لكنه احتمال بعيد ، وقال ابن إدريس : إنه مكروه شديد الكراهة ، وقد يعبر عن مثل هذا بقولنا « لا يجوز » وكلام الشيخ في الاستبصار يعطي الكراهة ، وفي التذكرة لا يجوز القران في طواف الفريضة عند أكثر علمائنا ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يفعله فلا يجوز فعله لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « خذوا » ولأنها فريضة ذات عدد فلا يجوز الزيادة عليه كالصلاة ، ولان‌ الكاظم عليه‌السلام « سئل عن الرجل يطوف يقرن بين أسبوعين فقال : كلما طفت أسبوعا فصل ركعتين » وذلك كله كما ترى لا شهادة فيه على ما ذكره من التأويل ، بل أقصاه المناقشة في الأدلة على عنوان القران ، وعلى كل حال فان فعل القران في النافلة استحب له الانصراف على الوتر فيقرن بين ثلاثة أو خمسة أو سبعة كما صرح به الفاضل والشيخ ويحيى بن سعيد ، بل عن الفاضل كراهة الانصراف على شفع لخبر طلحة بن زيد (١) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « انه كان يكره أن ينصرف في الطواف إلا على وتر من طوافه » والله العالم.

المسألة الثانية قدم تقدم أن الطهارة من الحدث شرط في الواجب دون الندب حتى انه يجوز ابتداء المندوب مع عدم الطهارة وإن كانت الطهارة أفضل لكن لا يصلي بدونها ، فلاحظ وتأمل.

المسألة الثالثة المشهور انه يجب أن يصلي ركعتي الطواف الواجب في المقام للتأسي والآية (٢) والمستفيض من النصوص (٣) أو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ١١٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧١ و ٧٢ ـ من أبواب الطواف.

٣١٤

المتواتر أو المقطوع بمضمونه ، والمراد به حيث هو الآن لا حيث كان على عهد إبراهيم عليه‌السلام ثم على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما سمعته في بعض الاخبار ، لصحيح ابن إبراهيم بن أبي محمود (١) سأل الرضا عليه‌السلام « أصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة أو حيث كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : حيث هو الساعة » ولانه المفهوم من غيره من النصوص المتضمنة للصلاة فيه ، كمرسل صفوان (٢) الذي هو من أصحاب الإجماع عن الصادق عليه‌السلام « ليس لأحد أن يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا خلف المقام ، لقول الله عز وجل ( وَاتَّخِذُوا ) الآية ، فإن صلاهما في غيره أعاد الصلاة » وخبر عبد الله بن مسكان (٣) الذي هو من أصحاب الإجماع أيضا عن أبي عبد الله الأبزاري عن الصادق عليه‌السلام سأله « عمن نسي فصلى ركعتي طواف الفريضة في الحجر قال : يعيدهما خلف المقام ، لان الله يقول ( وَاتَّخِذُوا ) الآية يعني ركعتي طواف الفريضة » وصحيح الحلبي (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « إنما نسك الذي يقرن بين الصفا والمروة مثل نسك المفرد ، ليس بأفضل منه إلا بسياق الهدي ، وعليه طواف بالبيت وصلاة ركعتين خلف المقام » الخبر ، وصحيح ابن مسلم (٥) عن أحدهما عليهما‌السلام المتقدم آنفا المشتمل على قوله عليه‌السلام : « يرجع الى المقام فيصلي ركعتين » وحسن معاوية بن عمار (٦) عن الصادق عليه‌السلام المتقدم أيضا « إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم عليه‌السلام فصل ركعتين واجعله أماما » الخبر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧١ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٧١ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ـ ٣.

٣١٥

وغير ذلك من النصوص الدالة على أنه لا يجوز في غيره.

خلافا لما عن الخلاف من جواز فعلهما في غيره ، بل عنه نفي الخلاف عن إجزاء الصلاة في غيره وعدم وجوب الإعادة ، وما عن الصدوقين من جواز صلاتهما في خصوص طواف النساء في سائر مواضع المسجد ، وإن كنا لم نعثر على ما يدل على الفرق بينه وبين غيره كما اعترف به في كشف اللثام ، قال : « إلا رواية عن الرضا عليه‌السلام » والظاهر إرادته ما عن الفقه المنسوب (١) الى الرضا عليه‌السلام حيث قال بعد ذكر المواضع التي يستحب الصلاة فيها وترتيبها في الفضل ما صورته « وما قرب من البيت فهو أفضل إلا أنه لا يجوز أن يصلي ركعتي طواف الحج والعمرة إلا خلف المقام حيث هو الساعة ، ولا بأس بأن تصلي ركعتين لطواف النساء وغيره حيث شئت من المسجد الحرام » إلا أنه مع عدم ثبوت نسبته عندنا لا يصلح مخصصا للنصوص المزبورة.

نعم قد يستدل للأول بالأصل بعد عدم نصوصية الآية فيه ، لأنها إن كانت من قبيل اتخاذ الخاتم من الفضة كما هو الظاهر أو كانت « من » فيها بمعنى « في » لزم أن يراد بالمقام المسجد أو الحرم ، وإلا وجب فعل الصلاة على الحجر نفسه ، وإن أريد الاتصال والقرب وبالمقام الصخرة فالمسجد كله بقربه ، وإن وجب الأقرب فالأقرب لزم أن يكون الواجب في عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند الكعبة لكون المقام عندها ، وكذا عند ظهور القائم عليه‌السلام ، وكذا كلما نقل الى مكان وجبت الصلاة فيه ، ولعله لا قائل به ، وفيه أنه بعد تسليمه لا ينافي الظهور الذي عليه المدار في إثبات المطلوب ، خصوصا بعد ما ورد في ( من خ ) نزول‌

__________________

(١) ذكر قطعة منه في المستدرك في الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الطواف الحديث ١ ، والباب ـ ٤٨ ـ منها ـ الحديث ١ وتمامه في فقه الرضا عليه‌السلام ص ٢٨.

٣١٦

الآية عند فعلهما الذي هو كالتفسير لها وما ورد من الاستدلال بها في النصوص (١) مضافا الى قاعدة الانتقال إلى أقرب المجازات مع تعذر الحقيقة ، وإمكان منع عدم القائل به بعد عدم تعرض أحد له وغير ذلك ، وإطلاق بعض النصوص السابقة فعلهما في مكانه الذي قد عرفت المراد به ـ مع اختصاصه بالناسي ، وحمل غيره عليه قياس ـ يقتضي جواز فعلهما حينئذ اختيارا في غير المسجد ، ولا يقول به الخصم ، وإشعار لفظ « لا ينبغي » في خبر زرارة (٢) الآتي الذي يراد منه الحرمة ولو بقرينة ما سمعته من النصوص والفتاوى كما ترى ، ونفي الخلاف في الخلاف عن الاجزاء مع كونه موهونا بما سمعت معارض بهما أيضا مع رجحانهما عليه من وجوه ، وعلى كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور بعد ما سمعت من النصوص والفتاوى.

إنما الكلام فيما سمعته من المصنف متمما له بقوله فان منعه زحام صلى وراءه أو الى أحد جانبيه مع أن الموجود في النصوص (٣) الصلاة عند المقام وخلفه وجعله أماما ، بل مقتضى تحكيم الثاني على إطلاق الأول يعين كونها خلفه كما عن الصدوقين وأبي علي والشيخ في المصباح ومختصره والقاضي في المهذب ، بل في الدروس معظم الاخبار وكلام الأصحاب ليس فيهما الصلاة في المقام بل عنده أو خلفه ، وعن‌ الصادق عليه‌السلام (٤) « ليس لأحد أن يصليهما إلا خلف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١٠ و ١٥ و ١٦ و ١٩ و ٢٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧١ و ٧٢ و ٧٤ ـ من أبواب الطواف.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

٣١٧

المقام » واما تعبير بعض الفقهاء بالصلاة في المقام فهو مجاز تسمية لما حول المقام باسمه ، إذ القطع بأن الصخرة التي فيها أثر قدمي إبراهيم عليه‌السلام لا يصلى عليها ، ولا خلاف في عدم جواز التقدم عليها ، والمنع من استدبارها ، ومنه يعلم النظر فيما في كشف اللثام من أنه لا بأس عندي بإرادة نفس الصخرة ، وحقيقة الظرفية بمعنى أنه إن أمكن الصلاة على نفسها فعل لظاهر الآية ، فان لم يمكن كما هو الواقع في هذه الأزمنة صلى خلفه أو الى جانبيه ، مضافا الى عدم وقوع ذلك من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيره ، بل قد سمعت أن الواقع خلافه من الصلاة خلفه وجعله أماما ، وأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرأ الآية بعد أن فعل مشيرا بذلك الى كونه المراد منها ، كما أن المحكي عن إبراهيم عليه‌السلام أنه جعله بعد وقوع الآية من الله تعالى في الصخرة قبلة لصلاته.

وعلى كل حال فقد عبر بإيقاع الركعتين في المقام في النهاية والمبسوط والوسيلة والمراسم والسرائر والنافع والقواعد والتذكرة والتحرير والتبصرة والإرشاد والمنتهى ، ولعل المراد عنده كما في جملة من النصوص (١) ومحكي التهذيب والاقتصاد والجمل والعقود وجمل العلم والعمل وشرحه والجامع ، ويشهد له ما عن المنتهى والتذكرة من الاستدلال على الصلاة فيه بنصوص « عنده » « وخلفه » لكن قد يشكل ذلك في عبارة المصنف والفاضل ونحوهما مما اشترط فيه الصلاة خلفه أو أحد جانبيه بالزحام ، وكذا عن الوسيلة ، لكن فيها أو بحذائه نحو ما عن النهاية والمبسوط والسرائر والنافع أو بحياله ، وفي النافع وعن التهذيب إن زوحم صلى حياله ، وعن الاقتصاد يصلي عند المقام أو حيث يقرب منه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١ والباب ٧٤ منها الحديث ٦ و ٧ و ١٦.

٣١٨

وبالجملة لا وجه لاشتراط الصلاة خلفه بذلك ضرورة جوازه اختيارا ، بل مقتضى الجمع بين النصوص تعينه كما عرفت ، اللهم إلا أن يريدوا التباعد الذي يخرج عن مصداق عنده كما يومي اليه استدلالهم على ذلك بخبر الحسين بن عثمان (١) الصحيح في الكافي والضعيف في التهذيب « رأيت أبا الحسن موسى عليه‌السلام يصلي ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريبا من ظلال المسجد » وفي التهذيب « قريبا من الظلال لكثرة الناس » واما احتمال كون المراد بالمقام في كلام من عرفت البناء الموجود الآن الذي كاد يكون حقيقة عرفية باعتبار اشتماله عليه فهو مع بعده عن النصوص خصوصا صحيح إبراهيم بن أبي محمود (٢) السابق منها وإن صحح الظرفية المكانية لكنه لا يصحح الشرطية المزبورة إلا على التأويل المذكور ، كل ذلك مع انه لم نقف على ما يدل على الصلاة في أحد جانبيه في حال التباعد ، ولعله لذا قال في النافع ومحكي التهذيب ما سمعت ، بل قد سمعت ان مقتضى الجمع بين إطلاق الآية ونصوص « عنده » وبين نصوص الخلف تعين الخلف في حال الاختيار أيضا فضلا عن حال الاضطرار الخارج عن مصداق « عنده » والاتخاذ منه مصلى المراد بمن فيه إما الاتصالية أو الابتدائية ، على معنى ابتداء المصلي منه أو اتخاذه منه بكونه بحياله ، أو ان المراد منه نحو قولهم اتخذت من فلان صديقا ناصحا ، ووهب الله لي من فلان أخا مشفقا ، فإن الصلاة الى احد الجانبين في حال التباعد خارج عن ذلك كله ، وأما الخلف فلما سمعته من الصحيح المزبور ، على انه ينبغي تقييد ذلك بما إذا ضاق الوقت ، وإلا فالمتجه وجوب الانتظار ، وفعل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧١ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

٣١٩

أبي الحسن عليه‌السلام لا إطلاق فيه ، وبذلك كله اتضح لك ان الاولى والأحوط الصلاة خلفه سواء كان هو الصخرة أو البناء في حال الاختيار والاضطرار مراعيا ضيق الوقت في الثاني الخارج عن صدق اسم عند.

هذا كله في طواف الفريضة ، واما النافلة فيجوز إيقاعهما فيها في المسجد حيث شاء كما نص عليه غير واحد ، بل لم أجد فيه خلافا صريحا نصا وفتوى للأصل والنصوص ، منها‌ قول أحدهما عليهما‌السلام في خبر زرارة (١) : « لا ينبغي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا عند مقام إبراهيم عليه‌السلام وأما التطوع فحيث شئت من المسجد » ومنها‌ قول الباقر عليه‌السلام في خبر إسحاق بن عمار (٢) : « من طاف بهذا البيت أسبوعا وصلى ركعتين في أي جوانب المسجد شاء كتب الله له ستة آلاف حسنة » المراد به النافلة ، بل ظاهر‌ المروي (٣) عن قرب الاسناد منها « عن الرجل يطوف بعد الفجر فيصلي الركعتين خارج المسجد قال : يصلي بمكة لا يخرج منها إلا أن ينسى فيصلي إذا رجع في المسجد أي ساعة أحب ركعتي ذلك الطواف » جواز صلاة الركعتين خارج المسجد بمكة على الإطلاق ، ولم أر مفتيا به ، فالعمل به مشكل ولو صح سنده لقصوره عن معارضة غيره مما دل على صلاتهما فيه ، والله العالم.

المسألة الرابعة من طاف وعلى بدنه نجاسة أو في ثوب نجس مع العلم بها وبالحكم لم يصح طوافه بلا خلاف بين القائلين بالشرطية ، بل ولا إشكال ، ضرورة اقتضاء النهي في العبادة الفساد ، فيعيد الطواف حينئذ بعد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٤.

٣٢٠