جواهر الكلام - ج ١٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بينهما بأذان وإقامتين لأجل البقعة ، ثم يقف بالموقف ـ إلى أن قال ـ : ولا يجوز الوقوف تحت الأراك ولا في نمرة ولا في ثوية ولا في عرنة ولا في ذي المجاز ، فان هذه المواضع ليست من عرفات ، فمن وقف فيها بالحج فلا حج له ، ولا بأس بالنزول بها غير أنه إذا أراد الوقوف بعد الزوال جاء إلى الموقف ، فوقف هناك والوقوف بميسرة الجبل أفضل من غيره ، وليس ذلك بواجب ، بل الواجب الوقوف بسفح الجبل ولو قليلا بعد الزوال ، وأما الدعاء والصلاة في ذلك الموضع فمندوب غير واجب ، وانما الواجب الوقوف ولو قليلا فحسب » وفي جمل المرتضى « وينشئ الإحرام من المسجد ويلبي ثم يمضي إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الأخيرة والفجر ، ويغدو إلى عرفات ، فإذا زالت الشمس من يوم عرفة اغتسل وقطع التلبية وأكثر من التحميد والتهليل والتمجيد والتكبير ، ثم يصلي الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، ثم يأتي الموقف » وفي المنتهى « يستحب تعجيل الصلاتين حين تزول الشمس ، وأن يقصر الخطبة ، ثم يروح إلى الموقف ، لأن تطويل ذلك يمنع من الرواح إلى الموقف في أول وقته ، والسنة التعجيل ، روى ابن عمر (١) قال : « غدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من منى حين صلى الصبح صبح يوم عرفة حتى أتى عرفة ، فنزل نمرة حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مهجرا ، فجمع بين الظهر والعصر ثم خطب ثم راح فوقف على الموقف » ولا خلاف في هذا بين علماء الإسلام ، فإذا فرغ من الصلاتين جاء إلى الموقف فوقف » وقال فيه أيضا : « أول وقت الوقوف بعرفة زوال الشمس من يوم عرفة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال الشافعي ومالك ، وقال أحمد : أوله طلوع الفجر من يوم عرفة ، لنا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقف بعد‌

__________________

(١) سنن أبي داود ج ١ ص ٤٤٥ الطبعة الأولى عام ١٣٧١.

٢١

الزوال ، وقال : « خذوا عني مناسككم » (١) ووقف الصحابة كذلك ، وأهل الأعصار من لدن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى زماننا هذا وقفوا بعد الزوال ، ولو كان ذلك جائزا لما اتفقوا على تركه ، وقال ابن عبد البر : أجمع العلماء على أن أول الوقوف بعرفة زوال الشمس من يوم عرفة ، وروى الشيخ في الصحيح عن معاوية (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « ثم تأتي الموقف » يعني بعد الصلاتين ، والأمر للوجوب » الى آخره. وعن التذكرة « انما الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة ولو مجتازا مع النية » إلى غير ذلك من العبارات التي توهموا منها الخلاف في المسألة حتى قال في كشف اللثام : ما سمعت.

وقال في الرياض : « وهل يجب الاستيعاب حتى إن أخل به في جزء منه أثم وإن تم حجه كما هو ظاهر الشهيدين في الدروس واللمعة وشرحها ، بل صريح ثانيهما ، أم يكفي المسمى ولو قليلا كما عن السرائر وعن التذكرة أن الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة ولو مجتازا مع النية ، وربما يفهم هذا أيضا عن المنتهى؟ إشكال ، وينبغي القطع بفساد القول الأول ، لمخالفته لما يحكى عن ظاهر الأكثر والمعتبرة المستفيضة بأن الوقوف بعد الغسل وصلاة الظهرين ففي الصحيح إلى آخر ما سمعته من النصوص السابقة ـ ثم قال ـ : والأحوط العمل بمقتضاها وإن كان القول بكفاية مسمى الوقوف لا يخلو عن قرب ، للأصل النافي للزائد بعد الاتفاق على كفاية المسمى في حصول الركن منه ، وعدم اشتراط شي‌ء زائد منه فيه مع سلامته عن المعارض سوى الأخبار المزبورة ، ودلالتها على الوجوب غير واضحة ، وأما ما تضمن منها الأمر بإتيان الموقف بعد الصلاتين فلا تفيد الفورية‌

__________________

(١) تيسير الوصول ج ١ ص ٣١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

٢٢

ومع ذلك منساق في سياق الأوامر المستحبة ، وأما ما تضمن منها فعله فكذلك بناء على عدم وجوب التأسي ، وعلى تقدير وجوبه في العبادة فإنما غايته الوجوب الشرطي لا الشرعي ، وكلامنا فيه لا في سابقه ، للاتفاق كما عرفت على عدمه ».

قلت : لعل الأظهر والأحوط وجوب الاستيعاب وإنما كان الركن المسمى منه ، والنصوص المزبورة لا دلالة فيها على كفاية المسمى ، وانما أقصاها التشاغل عند زوال الشمس بمقدمات الوقوف من الغسل والجمع بين الصلاتين ونحوهما ، لا أنه يجزي المسمى ، ومن هنا كان ذلك خيرة الذخيرة والحدائق وبعض من تأخر عنهما ، على أنه يمكن كون هذه المقدمات كلها بعرفة ، فلا تنافي نية الوقوف كما عساه يشهد لذلك أن المستحب الجمع بعرفة ، قال في التذكرة : ويجوز الجمع لكل من بعرفة من مكي وغيره ، وقد أجمع علماء الإسلام على أن الامام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة ، وبذلك يظهر لك أن صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد كانت بعرفة كما يشهد له ما في‌ دعائم الإسلام (١) عن جعفر بن محمد عن علي عليهم‌السلام « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غدا يوم عرفة من منى فصلى الظهر بعرفة لم يخرج من منى حتى طلعت الشمس » وحينئذ فيكون المراد من مضيه إلى الموقف الرواح إلى المكان المخصوص المستحب فيه الوقوف ، أو التشاغل بما يقتضيه من الدعاء والتحميد والتمجيد والتهليل والتكبير والدعاء لنفسه ولغيره مما جاءت به النصوص في ذلك الموقف ، وفيه أمارة أخرى أيضا على مثل هذه المقدمات في الكون بعرفة التي ذكروا فيها استحباب هذه الأمور لا خارجا عنها.

بل لعل قوله في الفقيه : « صلى بها » يراد به عرفة لا نمرة ، وربما يشهد له عبارته في المقنع ، قال : « ثم تلبي وأنت مار الى عرفات ، فإذا ارتقيت الى عرفات‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

٢٣

فاضرب خباك بنمرة ، فإن فيها ضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خباءه وقبته ، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية ، وعليك بالتهليل والتحميد والثناء على الله تعالى ، ثم اغتسل وصل الظهر والعصر وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء ، فإنه يوم دعاء ومسألة ، واعمل بما في كتاب دعاء الموقف من الدعاء والتحميد والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجميع ما فيه ـ ثم قال ـ : إياك أن تفيض منها قبل غروب الشمس » الى آخره ، بل قد يظهر من‌ خبر جذاعة الأزدي (١) معروفية إيقاع الصلاتين بعرفة في ذلك الزمان ، قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل وقف بالموقف فأصابته دهشة الناس فيبقى ينظر الى الناس ولا يدعو حتى أفاض الناس قال : يجزيه وقوفه ، ثم قال : أليس قد صلى بعرفات الظهر والعصر وقنت ودعا؟ قلت : بلى ، قال : فعرفات كلها موقف ، وما قرب من الجبل فهو أفضل » هذا.

ومن ذلك يظهر أن عبارة المقنعة كذلك ، وأما عبارة الشيخ فهي ظاهرة في ترتيب الأفعال ، وهي الصلاة والوقوف ، وظاهرها كونهما معا بعرفة ، وعبارة سلار كعبارة المقنعة ، وأما عبارة السرائر فالتدبر فيها يقتضي إرادة بيان الركن من الوقوف وإن أطلق عليه اسم الواجب ، وأنه لا يجب غير ذلك من الصلاة والدعاء ونحوهما ، نحو ما وقع عن التذكرة ، فإنه ـ بعد أن ذكر المجي‌ء إلى الموقف بعد الصلاة والتشاغل بالدعاء ـ قال « إذا عرفت هذا فهذه الأدعية وغيرها ليست واجبة ، وانما الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة ولو مجتازا مع النية » وكذا في القواعد فإنه ـ بعد أن ذكر في الأحكام أن الوقوف ركن وذكر حكم الناسي ومن فاته الاختياري والاضطراري ـ قال « والواجب ما يطلق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٢.

٢٤

عليه اسم الحضور وإن سارت به دابته مع النية » وأما عبارة المرتضى فهي على حسب تلك العبارات ، وعبارة المنتهى يمكن أن تكون في الدلالة على خلاف ذلك أظهر منها فيه ، خصوصا قوله : « والأمر للوجوب » ومثله عبارة التذكرة التي قد عرفت الحال فيها ، بل لعل قول الأكثر في الواجبات ان منها الكون الى غروب الشمس مع قولهم : إن وقت الاختيار من زوال الشمس الى غروبها ، وقولهم : يحرم الإفاضة قبل الغروب ظاهر في إرادة الوجوب من الزوال الى الغروب ، وإلا فلا وجه لوجوب المسمى وحرمة الإفاضة قبل الغروب التي يحصل معها المسمى ، ضرورة اقتضاء ذلك واجبين لا دليل عليهما ، وفي‌ دعائم الإسلام (١) عن جعفر ابن محمد عليهما‌السلام « يقف الناس بعرفة يدعون ويرغبون ويسألون الله تعالى من كل فضله وبما قدروا عليه حتى تغرب الشمس ».

وكأنه لذلك نسب في المدارك إلى الأصحاب الوجوب من أول الزوال ، إذ ليس لهم إلا هذه العبارات إلا من صرح منهم بذلك كالشهيدين والكركي والمقداد ، بل يمكن القطع بفساد القول بالاجتزاء اختيارا في وقوف عرفة ركنه وواجبة بالوقوف بعد غيبوبة القرص الى ذهاب الحمرة المشرقية ، لأنه جامع لامتثال الأمر بالمسمى والنهي عن الإفاضة قبل الغروب ، كما أنه يمكن القطع من التأمل في النصوص والفتاوى بوجوب الكون في عرفة من زوال الشمس الى غروبها ، وانه المراد من حرمة الإفاضة قبل غروبها ، كما أنه كاد يكون صريح ما سمعته من المقنع فضلا عمن عبر بالكون الى الليل ، بل لعل عدم ذكر الابتداء في قولهم والكون الى الغروب اتكالا على معلوميته ، وعلى ما يذكرونه من كون وقت الاختيار من زوال الشمس الى غروبها ، وأن الركن منه المسمى ، وبالجملة هو من البديهيات‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٩.

٢٥

عند التأمل ، نعم في المختلف قال الشيخ في الخلاف : الأفضل أن يقف الى غروب الشمس في النهار ، ويدفع من الموقف بعد غروبها ، فان دفع قبل الغروب لزمه دم والكلام فيه يقع في موضعين : الأول أن عبارته هذه توهم جواز الإفاضة قبل الغروب ، ولا خلاف بيننا أنه يجب الى الغروب ولا يجب قبله ، الى ان قال : وبالجملة فالمسألة إجماعية ، ويمكن أن يحمل قول الشيخ على أن اللبث في الموقف الى الغروب من وقت ابتدائه مستحب ، فإنه لو دفع قبل الغروب ثم عاد الى الموقف أجزأه وأن الأفضل أن يقف الى الغروب ثم يدفع في أول الليل ولا يقف بعده ، وكأنه قصد الثاني ، وظاهره استحباب الاستيعاب ، بل يظهر منه المفروغية من ذلك ، لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه ، كما أنه لا يخفى عليك حال ما سمعته من الرياض ، بل فيه طرائف ، خصوصا قوله : « ان الأمر ليس للفور » فإنه وإن كان كذلك كما حقق في الأصول لكن لا يخفى على ذي مسكة إرادة ذلك منه هنا ، خصوصا بعد ملاحظة التعليل في تعجيل الصلاتين ، نعم هو ـ بناء على ما قلناه من كون الصلاتين والغسل وغيرهما من المقدمات الحاصلة بعد الزوال ـ للندب ، ضرورة كونه حال التشاغل بها في عرفات ، وهي كلها موقف والنصوص السابقة التي أظهرها الصحيح الأول (١) المشتمل على صفة حج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنه مضى الى الموقف بعد الصلاتين والخطبة ، وكانت صلاته في المسجد الذي في نمرة التي هي ليست من عرفة قد عرفت جملة من الكلام فيما يتعلق بها ، ونزيد هنا بأن كلام العامة شديد الاختلاف ، وفيه ما يقتضي دخول بطن عرنة بالنون في عرنة ، فعن بعض الحنفية أنه قيل حد عرفات ما بين الجبل المشرف على بطن عرنة إلى الجبال المقابلة لعرنة مما يلي حوائط بني عامر وطريق الحض ، وعن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣.

٢٦

الأرزقي عن ابن عباس أن حد عرفات من الجبل المشرف على بطن عرنة بالنون الى جبال عرفات الى وصيق الى ملتقى وصيق ووادي عرنة ، وعن بعضهم أن مقدم مسجد إبراهيم عليه‌السلام اوله ليس من عرفة ، ومقتضاه ان ما عدا الأول من عرفات ، فيمكن ان تكون صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما كان منه من عرفات ، ويشهد لذلك ما يحكى عنهم من الجواب لأبي يوسف عن إشكاله بمنافاة الصلاة للوقوف من أول الزوال بأنه لا منافاة ، فإن المصلي واقف ، وهو كالصريح في كون المسجد من عرفة بالفاء ، وعن بعض الشافعية ان مقدم هذا المسجد ليس من عرفات ، وآخره منها ، وعن الرافعي الجزم بذلك مع شدة بحقيقة واطلاعه ، كل ذلك مع شدة اختلافهم في الوقوف بعرنة بالنون ، فان لهم فيه أقوالا جمة ، وجملة منها مبنية على دخولها في عرفات ، كل ذلك مضافا الى ما قدمناه ، والى ما في بالي من تضمن‌ بعض النصوص « ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما جاء إلى نمرة وضرب خباه فيها أمر بمسجد فبني له بأحجار بيض ثم اختلط » فيمكن ان يكون مسجدا غير المسجد الموجود الآن بنمرة المسمى بمسجد إبراهيم عليه‌السلام ، أو زيادة فيه كانت في عرنة ، الى غير ذلك مما هو محتمل فيه وفي غيره ، والله العالم بحقيقة الحال.

وكيف كان فـ (لو أفاض قبل الغروب جاهلا أو ناسيا فلا شي‌ء عليه ) بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل عن ظاهر المنتهى والتذكرة انه موضع وفاق بين العلماء ، مضافا الى الأصل والى أولويته بعدم الفساد من حال العمد الذي ستعرف النص (١) والفتوى على عدمه فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، والى الأصل أيضا في عدم الكفارة التي تترتب غالبا على الذنب المفقود في الثاني ، وفي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب إحرام الحج.

٢٧

بعض أفراد الأول قطعا إن أريد به الأعم من التأخير ، والى‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح مسمع (١) : « في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس قال : إن كان جاهلا فلا شي‌ء عليه ، وان كان متعمدا فعليه بدنة ».

نعم لو علما قبل الغروب وجب العود بناء على المختار من وجوب الاستيعاب بل وعلى الآخر مقدمة لامتثال حرمة الإفاضة قبل الغروب ، لكن في كشف اللثام « وهل عليهما الرجوع إذا تنبها قبل الغروب؟ نعم إن وجب استيعاب الوقوف ، وإلا فوجهان » وفيه ما عرفت ، بل في المسالك « إن أخل به كان كالعامد في لزوم الدم » وان كان لا يخلو من نظر باعتبار الشك في حصول عنوانه كما ستعرف وعلى كل حال فلو عاد لم يلزمه شي‌ء قطعا.

هذا كله فيهما وأما إن كان عامدا فلا ريب في إثمه مع عدم عوده من دون فساد لحجة ، بل الإجماع بقسميه عليه وجبره ببدنة ، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بلا خلاف أجده في أصل الجبر ، بل في المنتهى انه قول عامة أهل العلم إلا من مالك ، فقال : لا حج له ، ولا نعرف أحدا من أهل الأمصار قال بقوله ، وأما كونه بدنة فهو المشهور شهرة كادت تكون إجماعا ، بل عن الغنية دعواه ، لخبر مسمع (٢) المتقدم ، وصحيح ضريس (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن رجل أفاض من عرفات من قبل ان تغيب الشمس قال : عليه بدنة ينحرها يوم النحر ، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في اهله » ومرسل ابن محبوب (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « في رجل أفاض من عرفات قبل ان تغرب الشمس قال : عليه بدنة ، فان لم يقدر على بدنة صام ثمانية عشر يوما » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب إحرام الحج الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب إحرام الحج الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب إحرام الحج الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب إحرام الحج الحديث ٢.

٢٨

وفي‌ الدعائم (١) عنه عليه‌السلام أيضا « انه سئل عن وقت الإفاضة من عرفات فقال : إذا وجبت الشمس ، فمن أفاض قبل غروب الشمس فعليه بدنة ينحرها » خلافا للصدوقين فشاة ، ولم نقف لهما على مستند وإن نسبه في محكي الجامع إلى رواية ، وعن الخلاف ان عليه دما للإجماع والاحتياط ، وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في‌ خبر ابن عباس : « من ترك نسكا فعليه دم » ولعل إطلاقه في مقابلة من لم يوجب عليه شيئا من العامة ، على ان مرسل الجامع والنبوي لا يصلحان لمعارضة ما سمعت من وجوه حتى لو قلنا بكونها من محكي الإجماع ، ضرورة تبين خلافه بالنسبة الى ذلك.

ولو عاد قبل الغروب لم يلزمه شي‌ء كما عن الشيخ وابني حمزة وإدريس للأصل ، ولأنه لو لم يقف إلا هذا الزمان لم يكن عليه شي‌ء ، فهو حينئذ كمن تجاوز الميقات غير محرم ثم عاد إليه فأحرم ، لكن عن النزهة « ان سقوط الكفارة بعد ثبوتها يفتقر الى دليل ، وليس » وفي كشف اللثام « وهو متجه » وفيه منع الثبوت بعد ظهور الدليل في غير العائد ، نعم لا يجدي العود بعد الغروب عندنا خلافا للشافعي إذا عاد قبل خروج وقت الوقوف ، وهل يلحق الجاهل المقصر بالعامد؟ وجهان ، هذا.

وظاهر الخبر المزبور صحة هذا الصوم في السفر وان كان واجبا كما تقدم الكلام فيه وفي اعتبار التوالي فيه الذي اختاره في الدروس في كتاب الصوم ، هذا.

وفي الدروس ان رابع الواجبات السلامة من الجنون والإغماء والسكر والنوم في جزء من الوقت ، فلو استوعب بطل ، واجتزاء الشيخ بوقوف النائم‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

٢٩

فكأنه بنى على الاجتزاء بنية الإحرام ، فيكون كنوم الصائم ، وأنكره الحلبيون ويتفرع عليه من وقف بها ولا يعلمها فعلى قوله يجزي ، قلت : قد عرفت سابقا في أول كتاب الحج اعتبار العقل ، نعم لا وجه للجزم بالبطلان مع الاستيعاب وان أدرك الاضطراري أو اختياري المشعر ، اللهم إلا ان يريد بطلان الوقوف لا الحج ، كما انه لا وجه لما حكاه عن الشيخ من الاجتزاء بوقوف النائم مع فقده النية التي قد عرفت اعتبارها ، ثم قال : خامسها الوقوف في اليوم التاسع من ذي الحجة بعد زواله ، فلو وقفوا ثامنه غلطا لم يجز ، ولو وقفوا عاشره احتمل الاجزاء دفعا للعسر ، إذ يحتمل مثله في القضاء ، ولما‌ روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « حكم يوم تحجون » وعدمه لعدم الإتيان بالواجب ، والفرق بينه وبين الثامن انه لا يتصور نسيان العدد من الحجيج ، ويأمنون ذلك في القضاء ، وقوى الفاضل التسوية في عدم الاجزاء ، والحادي عشر كالثامن ، ولو غلطت طائفة منهم لم يعذروا مطلقا ، وابن الجنيد يرى عدم العذر مطلقا ، ولو رأى الهلال وحده أو مع غيره وردت شهادتهم وقفوا بحسب رؤيتهم وان خالفهم الناس ، ولا يجب عليهم الوقوف مع الناس ، ولو غلطوا في المكان أعادوا ، ولو وقفوا غلطا في النصف الأول من اليوم أو جهلا لم يجز ، ولا يخفى عليك ان ما ذكره من الاحتمال أولا لا ينطبق على مذهب الإمامية ، وان ذكر الفاضل في التحرير ما يقرب منه ، قال : لو غم الهلال ليلة الثلاثين من ذي القعدة فوقف الناس يوم التاسع من ذي الحجة ثم قامت البينة انه اليوم العاشر ففي الإجزاء نظر ، وكذا لو غلطوا في العدد فوقفوا يوم التروية ، ولو شهد واحد أو اثنان برؤية هلال ذي الحجة ورد الحاكم شهادتهما وقفوا يوم التاسع على وفق رؤيتهم وان وقفت الناس يوم العاشر عندهما‌

٣٠

والأصل في هذه الاحتمالات خرافات العامة.

قال في المنتهى : لو غم الهلال ليلة الثلاثين من ذي القعدة فوقف الناس يوم التاسع من ذي الحجة ثم قامت البينة انه يوم العاشر قال الشافعي : أجزأهم ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « حجكم يوم تحجون » ولأن ذلك لا يؤمن مثله في القضاء مع اشتماله على المشقة العظيمة الحاصلة من السفر الطويل وإنفاق المال الكثير ، قال : ولو وقفوا يوم الثامن لم يجزهم ، لأنه لا يقع فيه الخطأ ، لأن نسيان العدد لا يتصور ، ولو شهد شاهدان عشية عرفة برؤية الهلال ولم يبق من النهار والليل ما يمكن الإتيان فيه الى عرفة قال : وقفوا من الغد ، ولو أخطأ الناس أجمع في العدد فوقفوا في غير ليلة عرفة قال بعض الجمهور : يجزيهم ، لأن‌ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) قال : « يوم عرفة الذي يعرف الناس فيه » وان اختلفوا فأصاب بعضهم وأخطأ بعض وقت الوقوف لم يجزهم ، لأنهم غير معذورين في هذا ، ول‌ قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « فطركم يوم تفطرون ، وضحاياكم يوم تضحون » وفي الكل إشكال ، قلت : بل منع ، ضرورة عدم ثبوت ما ذكروه من الروايات ، وعدم انطباقه على أصول الإمامية وقواعدهم إلا على ما توهمه بعض منا من قاعدة الاجزاء في نحو بعض الفروع المذكورة.

ثم إنه في المنتهى ذكر مسألة الشهود الذين ردت شهادتهم ، وذكر ما عن الشافعي من انهم يقفون على حسب رؤيتهم وإن وقف الناس في غير ذلك ، ثم قال : وهو الحق كشهود العيد في شهر رمضان ، خلافا لبعض العامة فلا يجزيهم حتى يقفوا مع الناس ، وهو واضح الفساد ، وكيف كان فالغرض أن بعض‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٥ ص ١٧٦ وكنز العمال ج ٣ ص ١٣ ـ الرقم ٢٧٥.

(٢) سنن البيهقي ج ٥ ص ١٧٥.

٣١

الاحتمالات المزبورة في المسائل السابقة مما لا ينطبق على المعروف من أصول الإمامية.

نعم بقي شي‌ء مهم تشتد الحاجة اليه ، وكأنه أولى من ذلك كله بالذكر ، وهو انه لو قامت البينة عند قاضي العامة وحكم بالهلال على وجه يكون يوم التروية عندنا عرفة عندهم ، فهل يصح للامامي الوقوف معهم ويجزي لأنه من أحكام التقية ويعسر التكليف بغيره ، أو لا يجزي لعدم ثبوتها في الموضوع الذي محل الفرض منه ، كما يومي اليه وجوب القضاء في حكمهم بالعيد في شهر رمضان الذي دلت عليه‌ النصوص (١) التي منها « لأن أفطر يوما ثم أقضيه أحب إلى من ان يضرب عنقي » لم أجد لهم كلاما في ذلك ، ولا يبعد القول بالاجزاء هنا إلحاقا له بالحكم للحرج ، واحتمال مثله في القضاء ، وقد عثرت على الحكم بذلك منسوبا للعلامة الطباطبائي ، ولكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه ، والله العالم.

واما أحكامه فمسائل : الأولى مسمى الوقوف بعرفات من زوال يوم عرفة الذي هو اليوم المشهود أو الشاهد ركن في الحج على معنى ان من تركه عامدا فلا حج له كما هو ضابط الركنية في الحج عندهم ، بل هو مقتضى ما في بعض النسخ من تفريع ذلك بالفاء عليه ، وعلى كل حال فلا خلاف أجده في ذلك بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل نسبه غير واحد الى علماء الإسلام ، وفي‌ النبوي العامي (٢) « الحج عرفة » بل في كشف اللثام‌ في الأخبار ان الحج عرفة (٣) وفي‌ صحيح الحلبي (٤) عن الصادق عليه‌السلام « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

(٢) سنن البيهقي ج ٥ ص ١٧٣.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١٠.

٣٢

في الموقف : ارتفعوا عن بطن عرنة ، وقال : أصحاب الأراك لا حج لهم » وفي‌ خبر أبي بصير (١) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا وقفت بعرفات فاذن من الهضبات ، والهضبات هي الجبال ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أصحاب الأراك لا حج لهم ، يعني الذين يقفون عند الأراك » الى غير ذلك من النصوص الدالة على عدم الحج بعدم الوقوف فيها ولو بالوقوف في حدودها كالأراك ونحوه فضلا عن غيرها ، ولا ينافيه‌ مرسل ابن فضال (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « الوقوف بالمشعر فريضة ، والوقوف بعرفة سنة » يعد كونه مرسلا ، واحتماله إرادة معرفة وجوبه من السنة » بخلاف الوقوف بالمشعر المستفاد وجوبه من قوله تعالى (٣) ( فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ ) نعم قد عرفت سابقا أن الركن مسماه ، والواجب الزائد إلى الغروب ، فلاحظ وتأمل ، هذا. وفي القواعد الوقوف الاختياري بعرفة ركن ، ومقتضاه عدم الاجتزاء بالاضطراري مع تركه عمدا ، وهو كذلك بل هو صريح المصنف ، بل قيل يعطيه النهاية والمبسوط والمهذب والسرائر والنافع لإطلاق الأدلة السابقة.

وكيف كان فـ (من تركه نسيانا تداركه ما دام وقته ) الاختياري أو الاضطراري باقيا ، ولو فاته ذلك أي الوقوف بعرفة بقسميه اجتزأ بالوقوف بالمشعر بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منه في أعلى درجات الاستفاضة ، بل عن الانتصار والمنتهى زيادة الإجماع المركب ، فان من أوجب الوقوف بالمشعر أجمع على الاجتزاء باختيارية إذا فات الوقوف بعرفات لعذر ، وفي‌ صحيح معاوية بن عمار (٤) عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١٤.

(٣) سورة البقرة ـ الآية ١٩٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

٣٣

الصادق عليه‌السلام « في رجل أدرك الامام وهو بجمع فقال : إن ظن أنه يأتي عرفات ويقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها ، وان ظن انه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها وليقم بجمع فقد تم حجه » وفي‌ خبر الحلبي (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات فقال : إن كان في مهل حتى يأتي عرفات في ليلته فيقف بها ، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا ، فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات ، وإن قدم وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام ، فان الله تعالى أعذر لعبده ، وقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس ، فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج ، فليجعلها عمرة مفردة ، وعليه الحج من قابل » وفي‌ خبر إدريس بن عبد الله (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أدرك الناس بجمع وخشي إن مضى الى عرفات أن يفيض الناس من جمع قبل أن يدركها فقال : إن ظن أن يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات ، فإن خشي أن لا يدرك جمعا فليقف بجمع ، ثم ليفض مع الناس فقد تم حجه » وفي‌ صحيح معاوية (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر فإذا شيخ كبير فقال : يا رسول الله ما تقول في رجل أدرك الإمام بجمع؟ فقال : إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها ، وإن ظن أنه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها وقد تم حجه » الى غير ذلك من النصوص التي لا تصريح فيها بخصوص الناسي وإن كان هو مندرجا في مفهوم التعليل بأن الله أعذر لعبده ، بل وفي قوله : « أدرك » ونحوه ، بل في المدارك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٤.

٣٤

أنه يمكن الاستدلال بذلك على عذر الجاهل أيضا كما هو ظاهر اختيار الشهيد في الدروس ، ويدل عليه عموم‌ قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج » وقول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية بن عمار (٢) : « من أدرك جمعا فقد أدرك الحج » وفيه أن ذلك يشمل العامد أيضا نحو‌ قوله عليه‌السلام (٣) : « من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله » اللهم إلا أن يلتزم ذلك إن لم يكن إجماع عليه ، والتحقيق اعتبار قيد العذر مع ذلك بنسيان أو غيره ، ولعل الجهل مع عدم التقصير منه أيضا ، بل ومعه إذا كان في أصل تعلم الأحكام الشرعية ، هذا ، وبالغ في الحدائق في إنكار كون النسيان عذرا لأنه من الشيطان بخلاف الجاهل الذي استفاضت النصوص بمعذوريته ، ولا سيما في باب الحج عموما وخصوصا ، وفيه ما لا يخفى ، ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه ، والله العالم.

المسألة الثانية وقت الاختيار بعرفة من زوال الشمس الى الغروب بذهاب الحمرة المشرقية من ترك مسماه عالما عامدا فيه فسد حجه وإن جاء بالاضطراري لما عرفت ووقت الاضطرار الى طلوع الفجر من يوم النحر بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل في المدارك وغيرها الإجماع عليه ، مضافا الى ما سمعته من النصوص ، نعم الواجب من الوقوف الاضطراري مسمى الكون بعرفات ليلا ، ولا يجب الاستيعاب ، بل في محكي التذكرة. الإجماع عليه ، كما في محكي المنتهى نفي الخلاف فيه ، مضافا الى ما سمعته من النص (٤) المصرح بالاجتزاء‌

__________________

(١) كنز العمال ج ٣ ص ١٣ الرقم ٢٦٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١ و ٤.

٣٥

به ولو قليلا ، فلا يتوهم كونه كوقت الاختيار في كون الركن مسماه والواجب الزائد على ذلك الى مطلع الفجر بناء على المختار ، نعم قد يقال بكونه مثله في فوات الحج بفوات المسمى مع العلم والعمد ، فإنه كالركن من الاختياري كما عساه يومي اليه صحيح الحلبي (١) السابق ، مضافا الى قاعدة عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، بل لعله مقتضى إطلاقهم أن الركن مسماه الشامل للاختياري والاضطراري كما صرح به غير واحد من متأخري المتأخرين ، ووجهه ما عرفت بعد ان لم يكن فيما يدل على كفاية الاضطراري عموم يشمل ما نحن فيه ، لاختصاصه بغيره كما سمعت ، نعم في قواعد الفاضل ما عرفت من أن الوقوف الاختياري بعرفة ركن من تركه عامدا بطل حجه ، وربما استشعر منه عدم كون الاضطراري كذلك ، فلو تركه عمدا حينئذ لم يبطل حجه ، وفيه منع واضح ، ويمكن أن يكون الوجه في اقتصاره بيان أنه لا يجزي الاقتصار على الاضطراري عمدا ، بل من ترك الاختياري عمدا بطل حجه وإن أتى بالاضطراري كما سمعت الكلام فيه.

وكذا لا يتوهم أيضا من إطلاق كثير من النصوص السابقة كون وقت الاضطرار لوقوف عرفة هو ما لا يفوت معه وقوف اختياري المشعر ، فلو تمكن منهما معا قبل طلوع الشمس كفى ، لوجوب تقييده بما في غيره من الوقوف ليلة النحر المعتضد بفتوى الأصحاب على وجه لا يعرف فيه خلاف ، وكيف كان فما عن الشيخ في الخلاف من إطلاق أن وقت الوقوف بعرفة من الزوال يوم عرفة الى طلوع الفجر من يوم العيد منزل على ما عرفت من التفصيل الذي ذكره في باقي كتبه ، فما عن ابن إدريس ـ من أن هذا القول مخالف لأقوال علمائنا ، وانما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٢.

٣٦

هو قول لبعض المخالفين أورده الشيخ في كتابه إيرادا لا اعتقادا ـ في غير محله ، ضرورة كون مراد الشيخ بيان مطلق الاختياري والاضطراري ، ومن هنا قال في المختلف التحقيق أن النزاع هنا لفظي ، فإن الشيخ قصد الوقت الاختياري ، وهو من زوال الشمس الى غروبها ، والاضطراري وهو من الزوال الى طلوع الفجر فتوهم ابن إدريس أن الشيخ قصد بذلك الوقت الاختياري فأخطأ في اعتقاده ، ونسب الشيخ الى تقليد بعض المخالفين ، مع أن الشيخ من أعظم المجتهدين وكبيرهم ولا ريب في تحريم التقليد للمحق من المجتهدين ، فكيف بالمخالف الذي يعتقد المقلد أنه مخطئ ، وهل هذا إلا جهالة منه واجتراء على الشيخ (ره).

المسألة الثالثة من نسي الوقوف بعرفة رجع فوقف بها ولو الى طلوع الفجر من يوم النحر إذا عرف أنه يدرك المشعر قبل طلوع الشمس بلا خلاف ولا إشكال ، لما عرفته سابقا ولو غلب على ظنه الفوات اقتصر على إدراك المشعر قبل طلوع الشمس وقد تم حجه نصا وفتوى ، نعم قد يستفاد من قول المصنف : « إذا عرف » الى آخره ، عدم وجوب العود الى عرفات مع التردد في ذلك ، وفي المدارك وهو كذلك للأصل ، وقوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار (١) المتقدمة : « إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها » واحتمل الشارح وجوب العود مع التردد تقديما للوجوب الحاضر ، وهو ضعيف ، وفيه أن صحيح معاوية بن عمار السابق وإن كان قد علق إتيان عرفة فيه على الظن لكن علق فيه عدم الإتيان على ظن ذلك أيضا ، نعم في خبر إدريس (٢) تعليق ذلك على خشيان الفوات الذي لا ريب في تحققه مع التردد ، على أنه بناء على توقف صحة الحج على إدراك أحد الاختياريين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٣.

٣٧

يكفي به عذرا في اقتصاره على المشعر ، ضرورة أن في تركه تعريضا لفوات الاختياريين الموجب هنا لفوات الحج ، وبذلك ترجح مراعاته على اضطراري عرفة ، كما هو واضح.

وكذا يتم حجه لو نسي الوقوف بعرفات مثلا ولم يذكر إلا بعد الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى النصوص السابقة المصرحة باجزاء اختياري المشعر مع فوات وقوف عرفة بقسميه.

المسألة الرابعة إذا وقف بعرفات قبل الغروب ولم يتفق له إدراك المشعر إلا قبل الزوال صح حجه بإدراك اختياري عرفة واضطراري المشعر بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى النصوص التي منها‌ صحيح معاوية (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في رجل أفاض من عرفات إلى منى؟ قال : فليرجع فليأت جمعا فيقف بها وإن كان الناس قد أفاضوا من جمع » وموثق يونس بن يعقوب (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل أفاض من عرفات فمر بالمشعر فلم يقف حتى انتهى الى منى ورمى الجمرة ولم يعلم حتى ارتفع النهار قال : يرجع الى المشعر فيقف به ثم يرجع فيرمي جمرة العقبة » وصحيح معاوية (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « من أفاض من عرفات إلى منى فليرجع وليأت جمعا وليقف بها وإن كان قد وجد الناس قد أفاضوا من جمع » بل في المسالك هنا « لو فرض عدم إدراك المشعر أصلا صح أيضا ، فإن اختياري أحدهما كاف » بل قال في موضع آخر : « لا خلاف في الاجتزاء بأحد الموقفين الاختياريين » لكن أشكله سبطه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ١.

٣٨

بانتفاء ما يدل على الاجتزاء بإدراك اختياري عرفة خاصة ، مع أن الخلاف في المسألة متحقق ، فإن العلامة في المنتهى صرح بعدم الاجتزاء بذلك ، وهذه عبارته « ولو أدرك أحد الموقفين اختيارا وفاته الآخر مطلقا فان كان الفائت هو عرفات فقد صح حجه لإدراك المشعر ، وإن كان هو المشعر ففيه تردد ، أقربه الفوات » وقال في التحرير : « ولو أدرك أحد الاختياريين وفاته الآخر اختيارا واضطرارا فان كان الفائت هو عرفة صح الحج ، وإن كان هو المشعر ففي إدراك الحج إشكال » ونحوه في التذكرة ، فعلم من ذلك أن الاجتزاء بإدراك اختياري عرفة ليس إجماعيا كما ذكره الشارح ، وأن المتجه فيه عدم الاجتزاء ، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، وانتفاء ما يدل على الصحة مع هذا الإخلال.

قلت : قد نفى عنه الخلاف في التنقيح أيضا ، وعن جماعة نسبته إلى الشهرة منهم المحدث المجلسي رحمه‌الله والسيد نعمة الله الجزائري في شرح التهذيب وشارح المفاتيح ، بل عن الأخير عن بعضهم الإجماع عليه ، وفي الذخيرة والمختلف أنه المعروف بين الأصحاب ، بل في الرياض أنه عزاه في الذخيرة إليهم مشعرا بعدم خلاف فيه ، كما هو ظاهر المختلف والدروس أيضا ، بل ستسمع تصريح المصنف والفاضل في القواعد وغيرهما بعدم بطلان الحج مع نسيان الوقوف بالمشعر إن كان قد وقف بعرفة ، كالمحكي عن السرائر والجامع والإرشاد والتبصرة والدروس واللمعة وغيرها ، بل هو صريح الفاضل في التحرير والمنتهى أيضا ، فيكون رجوعا عن الأول ، وبه يتم نفي الخلاف حينئذ.

كل ذلك مضافا الى‌ النبوي (١) « الحج عرفة » والمروي (٢) في طرقنا‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٩.

٣٩

الحسنة « الحج الأكبر الموقف بعرفة ورمي الجمار » والصحيح أو الحسن عن محمد ابن يحيى (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنه قال في رجل لم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتى أتى منى فقال : ألم ير الناس لم يكونوا بمنى حين دخلها؟ قلت : فإنه جهل ذلك ، قال : يرجع ، قلت : إن ذلك قد فاته قال : لا بأس » ومرسل محمد بن يحيى الخثعمي (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « فيمن جهل ولم يقف بالمزدلفة ولم يبت حتى أتى منى قال : يرجع ، قلت : إن ذلك قد فاته قال : لا بأس به » والى رفع الخطأ والنسيان ومعذورية الجاهل وخصوصا في الحج ، بل قيل والى‌ صحيح حريز (٣) عن الصادق عليه‌السلام على ما رواه الكليني والشيخ وعلي بن رئاب عنه عليه‌السلام على ما رواه الصدوق « من أفاض من عرفات مع الناس ولم يبت معهم بجمع ومضى إلى منى متعمدا أو مستخفا فعليه بدنة » وإن كان لا يخلو من نظر.

وعلى كل حال فلا يعارض ذلك‌ بعموم الصحيح (٤) « إذا فاتك المزدلفة فقد فاتك الحج » وبالمرسل (٥) « الوقوف بالمشعر فريضة ، والوقوف بعرفة سنة » وبمفهوم جملة من النصوص (٦) من أدرك جمعا إما مطلقا أو قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج ، ضرورة وجوب تخصيص ذلك كله بغير الجاهل الذي وقف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر والباب ٢٥ منها الحديث ٢.

٤٠