جواهر الكلام - ج ١٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

على الصبيان ، وفي كشف اللثام بمعنى ان على الولي أمر المميز به ، والطواف بغير المميز ، فان لم يفعلوه حر من عليهم إذا بلغوا حتى يفعلوه أو يستنيبوا فيه استصحابا إلا على عدم توقف حلهن عليه ، ولكن في موضع من القواعد الإشكال في ذلك ، ولعله لتمرينية عبادة الصبي كما هو المختار ، اللهم إلا أن يدعى خروج الحج منها كما هو الظاهر.

وعلى كل حال لا إشكال في الحل إذا لم يتركه ، إذ كما أن إحرامه يصلح سببا للحرمة الشرعية أو مطلقا فكذا طوافه يصلح سببا للحل ، وما عن بعض ـ من انه كطهارته من الحدث في أنه إن لم تكن شرعية لم يرفع الحدث ـ وهم لأن الحدث لا ينقسم إلى شرعي وغيره ليتفاوت بحسبهما في النية وعدمها.

وأما غير المميز فلا إشكال في عدم شرعية إحرامه ولو تمرينا مع فرض وقوعه منه ، فلا تحرم النساء عليه إذا لم يطف به الولي ، نعم قطع الشهيد بكونه كالمميز إن أحرم به الولي ، واحتمله في كشف اللثام هنا قويا ، وقد سمعت ما أسلفناه منه في غير المقام في تفسير إجماعي المنتهى والتذكرة ، فإن تم كان هو الحجة ، مضافا الى دعوى ظهور النصوص فيه.

ويجب على الخناثى لأنهم إما رجال أو نساء ، وعلى الخصيان إجماعا محكيا عن المنتهى والتذكرة ، مضافا الى الأصل وما سمعته من صحيح ابن يقطين (١) على انهم من شأنهم الاستمتاع بالنساء مع حرمته عليهم بالإحرام ، فيستصحب مع عدم تعليل وجوبه به.

ولذا يجب قضاؤه عن الميت ، قال الشهيد : وليس طواف النساء مخصوصا بمن يشتهي النساء إجماعا ، فيجب على الخصي والمرأة والهم وعلى من لا إربة له‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

٢٦١

فيهن ، والمراد بالخصي ما يعم المحبوب بل المقصود من عبارات الأصحاب والسؤال في الخبر (١) هو الذي لا يتمكن من الوطء.

وتحرم النساء بالإحرام على العبد المأذون فيه وإن لم يكن متزوجا ، ولا يدفعه حرمتهن عليه قبله بدون الاذن ، لجواز توارد الأسباب الشرعية ، ويتفرع على ذلك أن المولى إذا أذن له في التزويج وهو يعلم أن عليه طواف النساء فقد أذن له المضي إلى قضائه ، وكذا قيل إذا كان متزوجا وقد أذن في إحرامه ، فإنه أذن له في الرجوع لطواف النساء إذا تركه ، وفيه منع ، إذ يمكن أن لا يريد تحليل النساء له ، وعلى كل حال فليس للمولى تحليله مما أحرم منه ، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة ، هذا.

وفي القواعد وشرحها للاصبهاني وإنما يحرم بتركه الوطء وما في حكمه من التقبيل والنظر واللمس بشهوة دون العقد ، وإن كان حرم بالإحرام ، لإطلاق الأخبار والفتاوى باحلاله بما قبله من كل ما أحرم منه إلا النساء ، والمفهوم منه الاستمتاع بهن لا العقد عليهن ، وفيه نظر أو منع ، ولعله لذا قطع الشهيد بحرمته أيضا للأصل ، بل في كشف اللثام احتماله قويا أيضا ، والله العالم.

وكيف كان فلا خلاف ولا إشكال في انه يكره لبس المخيط للمتمتع حتى يفرغ من طواف الزيارة لخبر إدريس القمي (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إن مولى لنا تمتع ولما حلق لبس الثياب قبل أن يزور البيت فقال : بئسما صنع ، فقلت أعليه شي‌ء؟ قال : لا ، قلت فإني رأيت ابن أبي سماك يسعى بين الصفا والمروة وعليه خفان وقباء ومنطقة ، فقال بئسما صنع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٣.

٢٦٢

قلت أعليه شي‌ء؟ قال : لا » المحمول عليها جمعا بينها وبين ما سمعت من النص والفتوى من الإحلال بالحلق من كل شي‌ء عدا النساء والطيب ، بل ظاهر الخبر المزبور ذلك حتى يتم السعي.

كما ان مقتضى‌ صحيح ابن مسلم (١) وغيره كراهية تغطية الرأس كذلك قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تمتع بالعمرة فوقف بعرفة ووقف بالمشعر ورمى الجمرة وذبح وحلق أيغطي رأسه؟ فقال : لا حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة ، فقيل له فان كان فعل فقال : ما أرى عليه شيئا » وفي‌ صحيح منصور بن حازم (٢) عن ابى عبد الله عليه‌السلام « في رجل كان متمتعا فوقف بعرفات وبالمشعر وذبح وحلق فقال : لا يغطي رأسه حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة ، فان أبي عليه‌السلام كان يكره وينهى عنه ، فقلنا : فان كان فعل قال : ما أرى عليه شيئا ».

نعم ظاهر هذه النصوص اختصاص ذلك بالمتمتع ، بل في‌ خبر سعيد الأعرج (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن رجل رمى الجمار وذبح وحلق رأسه إبليس قميصا وقلنسوة قبل أن يزور البيت؟ قال : ان كان متمتعا فلا ، وان كان مفردا للحج فنعم » وخبر إسماعيل بن عبد الخالق (٤) المروي عن قرب الاسناد « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ألبس قلنسوة إذا ذبحت وحلقت قال : أما المتمتع فلا ، واما من أفرد الحج فنعم » إلا أن المصنف وغيره أطلق ، ولعله يحمل ذلك على خفتها بالنسبة اليه ، إلا انه متوقف على مقتضى الكراهة على الإطلاق ولم يحضرني ، فيتجه حينئذ نفيها فيه ، والأمر سهل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ـ ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ـ ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ـ ٦.

٢٦٣

وكذا يكره الطيب لمن طاف طواف الزيارة حتى يفرغ من طواف النساء لصحيحة محمد بن إسماعيل (١) « كتبت الى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام هل يجوز للمحرم المتمتع ان يمس الطيب قبل أن يطوف طواف النساء؟ قال : لا » المحمول عليها جمعا ، والله العالم.

المسألة الثانية إذا قضى الحاج مناسكه يوم النحر فالأفضل المضي إلى مكة للطواف والسعي ليومه لاستحباب المسارعة والاستباق الى الخيرات ول‌ موثق إسحاق (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن زيارة البيت تؤخر إلى اليوم الثالث قال : تعجيلها أحب الي ، وليس به بأس ان أخرته » وخبر عبد الله بن سنان (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « لا بأس أن يؤخر زيارة البيت الى يوم النفر ، إنما يستحب تعجيل ذلك مخافة الأحداث والمعاريض » وصحيح معاوية بن عمار (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « في زيارة البيت يوم النحر ، قال : ذره ، فان اشتغلت فلا يضرك أن تزور البيت من الغد ، ولا تؤخر أن تزور من يومك ، فإنه يكره للمتمتع أن يؤخره ، وموسع للمفرد أن يؤخره ».

ومنه يعلم الوجه في قول المصنف وغيره فإن أخره فمن غده ، ويتأكد ذلك في حق المتمتع مضافا الى‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (٥) « ينبغي للمتمتع ان يزور البيت يوم النحر أو من ليلته ، ولا يؤخر ذلك » وصحيح معاوية بن عمار (٦) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن المتمتع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زيارة البيت الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زيارة البيت الحديث ـ ٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زيارة البيت الحديث ـ ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زيارة البيت الحديث ـ ٧.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زيارة البيت الحديث ٨.

٢٦٤

متى يزور البيت؟ قال : يوم النحر أو من الغد ، ولا يؤخر ، والمفرد والقارن ليسا بسواء ، موسع عليهما » وصحيح ابن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن المتمتع متى يزور البيت : قال : يوم النحر » وصحيح منصور بن حازم (٢) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا يبيت المتمتع يوم النحر بمنى حتى يزور البيت » بل عن النهاية والمبسوط والوسيلة والجامع لا يؤخر عنه إلا لعذر ، وإن كان يحتمل أن يريدوا التأكيد.

نعم في المتن والنافع والقواعد فإن أخر أثم كالمحكي عن المفيد والمرتضى من عدم جواز تأخير المتمتع ذلك عن اليوم الثاني ، بل عن التذكرة والمنتهى نسبته إلى علمائنا ، ولعله لما سمعته من النهي في النصوص السابقة ، ولكن الأقوى حمله على الكراهة لا الحرمة ، وفاقا للمحكي عن السرائر والمختلف وغيرهما ، بل في المدارك نسبته إلى سائر المتأخرين ، بل هو خيرة المصنف سابقا ، للأصل وقوله تعالى (٣) ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ) وذو الحجة منها ، فيجوز إيجاد أفعال الحج فيه إلا ما خرج بالدليل ، ولما تقدم من إطلاق نفي البأس عن تأخيره إلى يوم النفر في صحيح ابن سنان (٤) السابق وغيره والتعبير بقول « ينبغي » ونحوه مما هو مستعمل في لسان الكراهة والندب ، مضافا الى‌ صحيح الحلبي (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح فقال : لا بأس ، أنا ربما أخرته حتى تذهب أيام التشريق ولكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زيارة البيت ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زيارة البيت ـ الحديث ـ ٦.

(٣) سورة البقرة ـ الآية ١٩٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زيارة البيت ـ الحديث ٩.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زيارة البيت ـ الحديث ـ ٢.

٢٦٥

لا يقرب النساء والطيب » وصحيح هشام بن سالم عنه (١) عليه‌السلام أيضا « لا بأس ان أخرت زيارة البيت الى ان تذهب أيام التشريق ، إلا انك لا تقرب النساء ولا الطيب » وظاهرهما بقرينة النهي عن الطيب المتمتع ، وصحيح الحلبي (٢) المروي في المحكي من مستطرفات السرائر عن نوادر البزنطي ، سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل أخر الزيارة إلى يوم النفر قال : لا بأس » ودعوى الجمع بينهما بالحمل على القارن والمفرد دون المتمتع مع انها لا تتم فيما كان ظاهره التمتع ليس بأولى من حمل النهي على الكراهة ، بل هذا أولى من وجوه ، خصوصا بعد ما سمعت التصريح بها في صحيح معاوية (٣) السابق

وعلى كل حال يجزيه طوافه وسعيه على القولين إذا أوقعه في ذي الحجة كما صرح به غير واحد ، لظهور بعض ما سمعته من الأدلة في ذلك ، لكن عن الغنية والكافي أن وقته يوم النحر الى آخر أيام التشريق ، ولعله لصحيح ابن سنان السابق ، وعن الوسيلة لم يؤخر إلى غد لغير عذر والى بعد غد لعذر ، وهو يعطي عدم الاجزاء إن أخر عن ثاني النحر ، ولا ريب في ضعفه لما عرفت.

وكيف كان فـ ( يجوز للقارن والمفرد تأخير ذلك اختيارا طول ذي الحجة ) كما في النافع والقواعد وغيرهما ، ومحكي النهاية والمبسوط والخلاف وبمعناه ما عن الاقتصاد والمصباح ومختصره والتهذيب من التأخير عن أيام التشريق للأصل ، وكون ذي الحجة من أشهر الحج ، وما سمعته من إطلاق جواز التأخير من مفهوم صحيح الحلبي وصحيح معاوية المشتمل على كراهة التأخير للمتمتع ، والتوسعة للمفرد ، بل وصحيحه الآخر (٤) المذكور فيه نفي التسوية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زيارة البيت الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زيارة البيت الحديث ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زيارة البيت الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زيارة البيت الحديث ٨.

٢٦٦

بين المفرد والقارن بعنوان الاعتراض أو ان المراد ليسا سواء مع المتمتع ، وعلى كل حال فهو ظاهر في انه موسع عليهما التأخير عن الغد كالمحكي عن المقنعة والفقيه والجمل والعقود وجمل العلم والعمل والوسيلة والمراسم والجامع ، لكن عن صريح الكافي وظاهر الغنية والإصباح أن وقته لهما أيضا الى آخر أيام التشريق ، وفيه ما عرفت ، نعم الظاهر جواز ذلك لهما على كراهة كما صرح به الفاضل ، قال : لما سمعته من قول الصادق عليه‌السلام من تعليل استحباب التقديم بخوف الحوادث والمعاريض ، وفي كشف اللثام « وهو يعطي ان المراد أفضلية التقديم كما في التحرير والتلخيص ، وهو الوجه؟ وفيه أنه يكفي في الكراهة التي يتسامح فيها إطلاق النهي عن التأخير في بعض النصوص السابقة ، والله العالم.

المسألة الثالثة الأفضل لمن مضى إلى مكة للطواف والسعي الغسل قبل دخول مكة وقبل دخول المسجد وتقليم الأظفار وأخذ الشارب لقوله عليه‌السلام في خبر عمر بن يزيد (١) : « ثم احلق رأسك واغتسل وقلم أظفارك وخذ من شاربك وزر البيت فطف به أسبوعا » ولو اغتسل لذلك بمنى جاز للإطلاق ، بل لعله أولى لقول الصادق عليه‌السلام للحسن بن أبي العلاء (٢) إذ سأله عن ذلك : « أنا اغتسل بمنى ثم أزور البيت ».

والدعاء إذا وقف على باب المسجد بما في‌ صحيح معاوية (٣) عن الصادق عليه‌السلام « اللهم أعني على نسكي ، وسلمني له وسلمه لي ، أسألك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زيارة البيت ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب زيارة البيت ـ الحديث ١ عن الحسين ابن أبي العلاء.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب زيارة البيت ـ الحديث ١.

٢٦٧

مسألة التعليل الذليل المعترف بذنبه أن تغفر لي ذنوبي ، وأن ترجعني بحاجتي ، اللهم اني عبدك والبلد بلدك والبيت بيتك جئت أطلب رحمتك ، وأؤم طاعتك تبعا لأمرك ، راضيا بقدرك ، أسألك مسألة الفقير المضطر إليك المطيع لأمرك المشفق من عذابك الخائف لعقوبتك أن تبلغني عفوك ، وتجيرني من النار برحمتك ، ثم تأتي الحجر الأسود فتستلمه وتقبله ، فان لم تستطع فاستقبله وكبر وقل كما قلت حين طفت بالبيت يوم قدمت مكة ، ثم طفت بالبيت سبعة أشواط كما وصفت لك يوم قدمت مكة ، ثم صل عند مقام إبراهيم عليه‌السلام ركعتين تقرأ فيهما بقل هو الله احد وقل يا أيها الكافرون ، ثم ارجع الى الحجر الأسود فقبله إن استطعت ، وإلا استقبله وكبر ثم اخرج الى الصفا واصعد عليه واصنع كما صنعت يوم دخلت مكة ، ثم ائت المروة واصعد عليها وطف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا ، وتختم بالمروة ، فإذا فعلت ذلك فقد حللت من كل شي‌ء أحرمت منه إلا النساء ، ثم ارجع الى البيت وطف أسبوعا آخر ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام ثم قد أحللت من كل شي‌ء وفرغت من حجك كله وكل شي‌ء أحرمت منه » والحمد لله رب العالمين.

٢٦٨

بسم الله الرحمن الرحيم

يا معين أعني‌

( القول في الطواف )

( وفيه ثلاثة مقاصد‌ )

الأول في المقدمات ، وهي واجبة ومندوبة ، فالواجبات‌ الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر في الطواف الواجب بلا خلاف أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (١) : « لا بأس أن تقضي المناسك كلها على غير وضوء إلا الطواف بالبيت ، والوضوء أفضل » وصحيح علي (٢) عن أخيه عليه‌السلام « سألته عن رجل طاف بالبيت وهو جنب فذكر وهو في الطواف قال : يقطع طوافه لا يعتد بشي‌ء مما طاف ، وسألته عن رجل طاف ثم ذكر أنه على غير وضوء فقال : يقطع طوافه ولا يعتد به » وصحيح ابن مسلم (٣) « سألت أحدهما عليهما‌السلام عن رجل طاف طواف الفريضة وهو على غير طهر قال : يتوضأ ويعيد طوافه ، وإن كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.

٢٦٩

تطوعا توضأ وصلى ركعتين » نعم ظاهر الأخير عدم وجوبها في المندوب كما هو أحد القولين في المسألة ، بل أظهرهما لذلك وللأصل ، وصحيح حريز (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل طاف تطوعا وصلى ركعتين وهو على غير وضوء قال يعيد الركعتين ولا يعيد الطواف » وخبر عبيد بن زرارة (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « لا بأس ان يطوف الرجل النافلة على غير وضوء ثم يتوضأ ويصلي ، وإن طاف متعمدا على غير وضوء فليتوضأ وليصل ، ومن طاف تطوعا وصلى ركعتين على غير وضوء فليعد الركعتين ولا يعيد الطواف » فما عن أبي الصلاح ـ من وجوبها فيه أيضا لإطلاق بعض النصوص المقيد بما عرفت ـ في غير محله.

بل الظاهر عدم اشتراطه بالطهارة من الأكبر الذي يحرم مطلقا الكون في المسجد معه فضلا عن اللبث ، لكن لو طاف ناسيا مثلا صح طوافه للأصل بعد امتناع تكليف الغافل ، ولعله المراد من محكي التهذيب « من طاف على غير وضوء أو طاف جنبا فان كان طوافه طواف الفريضة فليعده ، وإن كان طواف السنة توضأ أو اغتسل فصلى ركعتين وليس عليه إعادة الطواف » نعم لا ريب في استحباب الطهارة له لما سمعته من صحيح معاوية وللنبوي (٣) العامي الذي يكفي مثله في الفرض « الطواف بالبيت صلاة » كما ان الظاهر إرادة الطواف المندوب لنفسه دون ما كان جزء عمرة مندوبة أو حج كذلك فإنه من الواجب.

وعلى كل حال فقد عرفت في كتاب الطهارة ان كلما تبيحه الطهارة المائية تبيحه الطهارة الترابية ، لكن عن فخر المحققين عن والده انه لا يرى إجزاء التيمم فيه بدلا عن الغسل ، بل في المدارك أنه ذهب فخر المحققين الى عدم إباحة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٣) سنن البيهقي ج ٥ ص ٨٧ وكنز العمال ج ٣ ص ١٠ الرقم ٢٠٦.

٢٧٠

التيمم للجنب الدخول في المسجدين ولا اللبث فيما عداهما من المساجد ، ومقتضاه عدم استباحة الطواف به ، قلت : هو كذلك لكن لا صراحة فيه ببطلان الطواف به مع النسيان ونحوه مما لا نهي معه من حيث الكون.

وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه لما تقدم سابقا في محله من النصوص والفتاوى ومعاقد الإجماعات على إباحة الترابية ما تبيحه المائية من غير فرق بين الحدث الأكبر والأصغر الذي حكي الإجماع على اجزائه فيه كأجزاء طهارة المستحاضة فيه أيضا بلا خلاف أجده فيه ، لقول الصادق عليه‌السلام في مرسل يونس (١) : « المستحاضة تطوف بالبيت وتصلي ولا تدخل الكعبة » وغيره من النصوص التي ذكرناها في محلها » (٢).

نعم في كشف اللثام تقدم أن المبطون يطاف عنه والأصحاب قاطعون به ، ولعل الفارق النص (٣) وإلا كان المتجه الجواز فيه كالمستحاضة والمسلوس وغيرهما من ذوي الطهارة الاضطرارية ، هذا ، وفي اللمعة اعتبار رفع الحدث فيه ، واستظهر منها في الروضة عدم إجزاء الطهارة الاضطرارية ، ولكن يمكن منعه عليه بأن يريد من رفع الحدث ما يشمل ذلك ولو حكما ، والله العالم.

وإزالة النجاسة عن الثوب والبدن ولو ندبا كما عن الأكثر ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، للنبوي « الطواف بالبيت صلاة » وخبر يونس بن يعقوب (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطواف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩١ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٢) المتقدم في ج ٣ ص ٣٥١ الى ص ٣٦٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الطواف.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

٢٧١

قال : ينظر الموضع الذي رأى فيه الدم فيعرفه ثم يخرج فيغسله ثم يعود فيتم طوافه » بل لا إشكال في الاشتراط بناء على تحريم إدخال النجاسة وإن لم تسر ، واستلزام الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده ، إلا ان لا يعلم بالنجاسة عند الطواف وان كان لنسيانه لها فيصح حينئذ بناء على ان مدرك الاشتراط ذلك لا الأول الذي مقتضاه مساواة حكمه للصلاة ، لكن عن ابن الجنيد كراهته في ثوب اصابه دم لا يعفى عنه في الصلاة ، وعن ابن حمزة كراهته مع النجاسة في ثوبه أو بدنه ومال إليه في المدارك للأصل ، وضعف الخبرين المزبورين ، ومنع حرمة إدخال النجاسة غير المتعدية والهاتكة حرمة المسجد ، ول‌ مرسل البزنطي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قلت له : رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله وطاف في ثوبه فقال : أجزء الطواف فيه ثم ينزعه ويصلي في ثوب طاهر ».

ولكن الأقوى الأول للخبرين السابقين الذين عمل بهما من لا يعمل إلا بالقطعيات المنجبرين بما عرفت الذين ينقطع بهما الأصل المزبور ويقصر عن معارضتهما المرسل المذكور ، بل عن التذكرة والمنتهى والتحرير وظاهر غيرها عدم العفو عما يعفى عنه في الصلاة ، لعموم خبر يونس الذي لا يخص بالنبوي المزبور بعد عدم انجباره بالنسبة الى ذلك ، وعدم انصراف مثله في وجه التشبيه ، هذا ، وفي الدروس ويجب قبله اي الطواف أربعة أشياء : إزالة النجاسة عن الثياب والبدن ، وفي العفو عما يعفى عنه في الصلاة نظر ، وقطع ابن إدريس والفاضل بعدمه ، والتوقف فيه لا وجه له ، وهي كما ترى لا تخلو من تدافع ، وظني أنها غلط من النساخ ، لان هذه اللفظة موجودة بعد ذلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.

٢٧٢

بيسير في مسألة الستر ، وقد وجدت عبارة الدروس منقولة خالية عن ذلك ، والظاهر أنها هي الصحيحة ، وعلى كل حال فالتحقيق عدم العفو في الأقل من الدرهم من الدم وفيما لا تتم الصلاة به ، ولذا صرح الفاضل ببطلانه في الخاتم النجس أما دم القروح والجروح فالظاهر العفو للحرج وغيره ، والله العالم.

ولو ذكر في الواجب عدم الطهارة من الحدث استأنف معها ، ولا استئناف في المندوب إلا لصلاته بناء على ما عرفت بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ولا إشكال وإن شك في الطهارة في أثناء الطواف وكان محدثا قبله استأنفه مع الطهارة ، لقاعدة اقتضاء الشك في الشرط الشك في المشروط ، بل هو محدث شرعا ، والصحة في الصلاة لو قلنا بها لدليل خاص ، وإلا فأصالة الصحة في بعض العمل لا تقتضي الحكم بوجودها في البعض الباقي منه ، والفرض توقف صحة بعضه على الآخر نعم لو شك بعد الفراغ لم يلتفت إليه كالصلاة وغيرها من دون فرق بين أجزائها وشرائطها ، نعم قد يقال في مثل الطواف بالطهارة لما بقي من أشواطه والبناء على الأول المحكوم بصحته لأصلها ، إذ هو باعتبار جواز ذلك فيه يكون كالعصر والظهر اللذين لا يلتفت الى الشك في أثنائهما بعد تمام الأولى لأصالة الصحة وإن وجب الوضوء للعصر ، ولكن لم أجد من احتمله في المقام ، بل في محكي التحرير والمنتهى والتذكرة التصريح بما ذكرناه أولا ، نعم في كشف اللثام « الوجه انه إن شك في الطهارة بعد يقين الحدث فهو محدث يبطل طوافه شك قبله أو بعده أو فيه ، وإن شك في نقضها بعد يقينها فهو متطهر يصح طوافه مطلقا ، وإن تيقن الحدث والطهارة وشك في المتأخر ففيه ما مر في كتاب الطهارة ، ولا يفترق الحال في شي‌ء من الفروض بين الكون في الأثناء وبعده ، وليس ذلك من الشك في شي‌ء من الأفعال » وفيه ما لا يخفى بعد ما عرفت ، والله العالم‌

٢٧٣

وكذا يشترط في صحته واجبا كان أو مندوبا أن يكون الرجل مختونا بلا خلاف أجده فيه ، بل عن الحلبي أن إجماع آل محمد صلوات الله عليهم عليه مضافا الى‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (١) « الأغلف لا يطوف بالبيت ، ولا بأس أن تطوف المرأة » وفي صحيح حريز (٢) وإبراهيم بن عمر (٣) « لا بأس أن تطوف المرأة غير مخفوضة ، واما الرجل فلا يطوفن إلا وهو مختون » وخبر إبراهيم بن ميمون (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « في رجل أسلم فيريد أن يختتن وقد حضر الحج أيحج أو يختتن قال : لا يحج حتى يختتن » وغير ذلك ، فما في المدارك من أنه نقل عن ابن إدريس التوقف في ذلك واضح الضعف ، مع أنا لم نتحققه ، كما أن عدم ذكر كثير له على ما في كشف اللثام ليس خلافا محققا.

وعلى كل حال فـ (لا يعتبر في المرأة ) بلا خلاف أجده فيه ، بل يمكن دعوى تحصيل الإجماع عليه ، للأصل وما سمعته من النصوص.

أما الخنثى المشكل فالمتجه بناء على الأعمية عدم الوجوب للأصل ، والوجوب على القول بأنها اسم للصحيح ، تحصيلا ليقين الخروج عن العهدة إلا على القول بجريان الأصل فيها على هذا التقدير أيضا.

بل قد يظهر من المصنف وغيره عدم اعتباره في الصبي ، قيل للأصل بعد عدم توجه النهي اليه ، وحينئذ فإن أحرم وطاف أغلف لم تحرم النساء عليه بعد البلوغ ، ولكن قد يقال إن النهي وإن لم يتوجه اليه إلا أن الحكم الوضعي المستفاد منه ثابت عليه ، خصوصا بعد صحيح معاوية السابق ، هذا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ٢.

٢٧٤

وفي القواعد وغيرها اعتبار التمكن ، وحينئذ فلو تعذر ولو لضيق الوقت سقط ، ولعله لاشتراط التكليف بالتمكن كمن لم يتمكن من الطهارة ، مع عموم أدلة وجوب الحج والعمرة ، وفي كشف اللثام المناقشة بأنه يجوز أن يكون كالمبطون في وجوب الاستنابة ، قلت لعل المتجه فيه سقوط الحج عنه في ذلك العام لفوات المشروط بفوات شرطه ، بل لعل خبر إبراهيم بن ميمون لا يخلو من إشعار بذلك ، وإن كان هو غير نص في أنه غير متمكن من الختان لضيق الوقت ، وأن عليه تأخير الحج عن عامه لذلك ، فان الوقت إنما يضيق غالبا عن الاختتان مع الاندمال ، فأوجب عليه‌السلام أن يختتن ثم يحج وإن لم يندمل نعم قد يقال إن شرطيته مستفادة من النهي المشروط بالتمكن ، فيدور حينئذ مداره ، وفيه ـ مع إمكان منع تقييد الحكم الوضعي المستفاد من الأمر والنهي بالتكليفي كما في غيره من الشرائط ، ولذا قلنا بالاشتراط في الصبي ـ انه لا يقتضي السقوط بضيق الوقت ، ضرورة حصول التمكن ولو في غير العام ، فتأمل جيدا.

ثم إن الفاضل في القواعد والمحكي من جملة من كتبه أوجب فيه ستر العورة كما عن الخلاف والغنية والإصباح ، ولعله لأنه صلاة ، ول‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يحج بعد العام مشرك ولا عريان » لكن في المختلف وللمانع أن يمنعه ، والرواية غير مسندة من طرقنا فلا حجة فيها ، وفيه على ما في كشف اللثام أن الخبر الثاني يقرب من التواتر من طريقنا وطريق العامة ، روى علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن محمد بن الفضل (١) عن الرضا عليه‌السلام قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « ان رسول الله أمرني عن الله تعالى أن لا يطوف بالبيت عريان ولا يقرب المسجد الحرام مشرك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

٢٧٥

بعد هذا العام » وروى فرأت في تفسيره معنعنا عن ابن عباس في قوله تعالى (١) ( وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ) « المؤذن عن الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، أذن بأربع كلمات أن لا يدخل المسجد إلا مؤمن ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان بينه وبين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجل فأجله الى مدته ، ولكن أن تسيحوا في الأرض أربعة أشهر » وروى الصدوق في العلل عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمه محمد بن أبي القاسم عن احمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن خلف بن حماد عن أبي الحسن العبدي عن سلمة بن مهران عن الحكم بن مقيم عن ابن عباس (٢) « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث عليا عليه‌السلام ينادي لا يحج بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان » وروى العياشي في تفسيره بسنده عن حريز (٣) عن الصادق عليه‌السلام « ان عليا عليه‌السلام قال : لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك » وبسنده عن محمد بن مسلم (٤) عنه عليه‌السلام « ان عليا عليه‌السلام قال : ولا يطوفن بالبيت عريان » وبسنده عن أبي بصير (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « خطب علي عليه‌السلام الناس واخترط سيفه وقال : لا يطوفن بالبيت عريان » الخبر ، وبسنده عن حكم بن الحسين (٦) عن علي بن الحسين عليهما‌السلام

__________________

(١) سورة التوبة ـ الآية ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب الطواف الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب الطواف الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب الطواف الحديث ٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب الطواف الحديث ٥.

(٦) ذكر ذيله في الوسائل في الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٦ وتمامه في تفسير العياشي ج ٢ ص ٧٦ ذيل سورة التوبة الحديث ١٢ عن حكيم ابن الحسين.

٢٧٦

« ان لعلي عليه‌السلام أسماء في القران ما يعرفها الناس ، قال : وأذان من الله ورسوله ـ الى أن قال ـ : فكان مما نادى به ألا لا يطوف بعد هذا العام عريان ، ولا يقرب المسجد الحرام بعد هذا العام مشرك » وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بسنده عن عامر الشعبي عن علي عليه‌السلام لما لقيه ( بعثه خ ل ) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أذن في الناس بالحج الأكبر قال : « ألا لا يحج بعد هذا العام مشرك ، ألا ولا يطوف بالبيت عريان » الخبر الى غير ذلك مما يطلعك عليه الاستقراء ، قلت : وفي البحار‌ روى الشعبي عن محرز عن أبيه أبي هريرة (١) قال : « كنت انادي مع علي عليه‌السلام حين أذن المشركين وكان صحل صوته مما ينادي ، قال : قلت : ما أبه أي شي‌ء كنتم تقولون؟ قال : كنا نقول : لا يحج بعد عامنا هذا مشرك ، ولا يطوفن بالبيت عريان ، ولا يدخل البيت إلا مؤمن ، ومن كان بينه وبين رسول الله مدة فإن أجله إلى أربعة أشهر ، فإن انقضت أربعة أشهر فإن الله بري‌ء من المشركين ورسوله » وفيه أيضا ذكر أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن زيد بن مقنع (٢) قال : « سألنا عليا عليه‌السلام بأي شي‌ء بعثت في ذي الحجة؟ قال : بعثت بأربعة لا تدخل الكعبة إلا نفس مؤمنة ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يجتمع مؤمن وكافر في المسجد الحرام بعد عامه هذا ، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عهد فعهدة الى مدته ، ومن لم يكن له فأجله إلى أربعة أشهر » وفيه أيضا (٣) « وروي انه عليه‌السلام قام عند جمرة العقبة‌

__________________

(١) ذكره في البحار ج ٢١ ص ٢٦٦ الطبع الحديث عن مجمع البيان ورواه أحمد أيضا في مسنده ج ١٥ ص ١٣٣ الرقم ٧٩٦٤.

(٢) ذكره في البحار ج ٢١ ص ٢٦٧ الطبع الحديث عن مجمع البيان.

(٣) ذكره في البحار ج ٢١ ص ٢٦٧ عن مجمع البيان.

٢٧٧

وقال : أيها الناس اني رسول الله إليكم بأن لا يدخل البيت كافر ، ولا يحج البيت مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عهد عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فله عهد الى أربعة أشهر ، ومن لا عهد له فله مدة بقية الأشهر الحرم ، وقرأ عليهم سورة براءة » الى غير ذلك ، ولكن قد يمنع دلالة ذلك على اعتبار الستر فيه للرجل والمرأة على حسب اعتباره في الصلاة ، ضرورة أعمية النهي عن العراء منه كما هو واضح ، ولعله لذلك تركه المصنف وغيره ، اللهم إلا ان يقال ان المراد من العراء في هذه النصوص ستر العورة ، للإجماع في الظاهر على صحة طواف الرجل عاريا مع ستر العورة ، ولا ريب في انه أحوط ، والله العالم.

والمندوبات ثمانية : الغسل لدخول مكة كما في القواعد وغيرها ، لحسن الحلبي (١) « أمرنا أبو عبد الله عليه‌السلام ان نغتسل من فخ قبل ان ندخل إلى مكة » وقال عليه‌السلام أيضا في خبر محمد الحلبي (٢) : « ان الله عز وجل قال في كتابه (٣) : ( طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) فينبغي للعبد ان لا يدخل مكة إلا وهو طاهر قد غسل عرقه والأذى وتطهر » بناء على إرادة الكناية بذلك عن الغسل ، فما عن الخلاف من عدم استحبابه مدعيا الإجماع عليه في غير محله خصوصا بعد كون الحكم ندبا يتسامح فيه مؤيدا بالاعتبار.

بل قد يستفاد من النصوص استحباب غسل آخر لدخول الحرم ، ففي‌ خبر ابان بن تغلب (٤) قال : « كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام مزامله بين مكة والمدينة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ٣.

(٣) سورة البقرة ـ الآية ١١٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ١.

٢٧٨

فلما انتهى الى الحرم نزل واغتسل وأخذ نعليه بيديه ثم دخل الحرم حافيا ، فصنعت مثل ما صنع ، فقال : يا ابان من صنع مثل ما صنعت تواضعا لله عز وجل محي الله تعالى عنه مائة ألف سيئة ، وبنى له مائة ألف درجة ، وقضى له مائة ألف حاجة » وفي حسن معاوية بن عمار (١) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا انتهيت الى الحرم إنشاء الله فاغتسل حين تدخله ، وان تقدمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخ أو منزلك بمكة » ولكن في‌ صحيح ذريح المحاربي (٢) « سألته عن الغسل في الحرم قبل دخول مكة أو بعد دخولها قال : لا يضرك أي ذلك فعلت ، وان اغتسلت بمكة فلا بأس ، وان اغتسلت في بيتك حين تنزل مكة فلا بأس »

وربما ظهر منه كون الغسل واحدا كما جزم به في المدارك فإنه ـ بعد ان ذكر النصوص المزبورة وخبر عجلان أبي صالح (٣) « قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا انتهيت إلى بئر ميمون أو بئر عبد الصمد فاغتسل واخلع نعليك وامش حافيا وعليك السكينة والوقار » ـ قال : « ومقتضاها استحباب غسل واحد قبل دخول الحرم أو بعده من بئر ميمون الحضرمي الذي في الأبطح ، أو من فخ وهو على فرسخ من مكة للقادم من المدينة ، أو من المحل الذي ينزل فيه بمكة على سبيل التخيير ، وغاية ما يستفاد منها ان إيقاع الغسل قبل دخول الحرم أفضل ، فما ذكره المصنف وغيره من استحباب غسل لدخول مكة وآخر لدخول المسجد غير واضح ، وأشكل منه حكم العلامة وجمع من المتأخرين باستحباب ثلاثة أغسال بزيادة غسل آخر لدخول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ٢.

٢٧٩

الحرم » وفيه ان النصوص المزبورة ظاهرة الدلالة على غسلين : أحدهما للحرم والآخر لدخول مكة ، والتخيير المزبور فيها غير مناف خصوصا بعد احتمال الرخصة في التداخل ، وأما الغسل الثالث لدخول المسجد فإنه وإن كنا لم نعثر في النصوص على ما يدل عليه لكن يكفي فيه ما عن الخلاف والغنية من الإجماع عليه ، نعم المعروف في الغسل للمكان التقدم على دخوله ، ولكن ظاهر النصوص المزبورة الرخصة في الغسلين الأولين بوقوعهما بعد الدخول ، كما ان ظاهره الاجزاء بغسل واحد عنهما بعد دخول مكة ، ولا بأس به ، بل لا بأس بقصد دخول المسجد معهما لما ذكرناه في كتاب الطهارة من جواز التداخل في الأغسال المندوبة.

ثم قال فيها بعد ما سمعت : « وكذا الإشكال في قول المصنف فلو حصل عذر اغتسل بعد دخوله إذ مقتضى الروايات التخيير بين الغسل قبل دخول الحرم وبعده ، لا اعتبار العذر في تأخيره عن الدخول كما هو واضح » قلت : قد سمعت ما يدل على استحباب الغسل عند دخول الحرم الذي لا ينافيه التخيير المزبور المحمول على بيان الجواز أو التداخل أو غير ذلك ، بل‌ قوله عليه‌السلام في حسن معاوية (١) : « وإن تقدمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخ » ظاهر في ذلك ، ضرورة كون المراد أن الأولى الغسل للحرم عند دخوله ، لكن مع التقدم يجزيك الغسل له ولدخول مكة من بئر ميمون بن عبد الله الحضرمي الذي كان حليفا لبني أمية ، وكان حفرها بالجاهلية ، وهي بأبطح مكة ، أو من فخ وهي على رأس فرسخ من مكة ، فالأول للقادم من العراق ونحوه ، والثاني‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ٢.

٢٨٠