جواهر الكلام - ج ١٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ويطوف للحج ثم يطوف للزيارة ثم قد أحل من كل شي‌ء » وما قيل من أن للطواف المأتي به قبل التقصير منهي عنه فيكون فاسدا ، فلا يتحقق به الامتثال وإن كان لا يخلو من نظر لأعمية ذلك من الشرطية ، اللهم إلا ان يدعى ظهورها من الأمر بها في نحو العبادات المركبة ، وحينئذ يتجه الاستدلال به على المطلوب الذي لا ظهور في الصحيح المزبور بما ينافيه ، إذ خلوه عن ذكر الإعادة أعم من عدم وجوبها ، لكن في الرياض بعد ذكر الصحيح الدال عليها بالإطلاق قال : « وتنزيل هذا على ما يؤول إلى الأول بحمله على غير العامد وإبقاء الأول على ظاهره من عدم وجوب الإعادة ليس بأولى من العكس وإبقاء هذا على عمومه وحمل الأول على خلاف ظاهره ، وبالجملة التعارض بينهما كتعارض العموم والخصوص من وجه يمكن صرف كل منهما الى الآخر ، وحيث لأمر حج ينبغي الرجوع الى مقتضى الأصل ، وهو وجوب الإعادة كما مر » ولا يخفى عليك ما في ذلك.

هذا كله في العالم العامد ولو كان ناسيا لم يكن عليه شي‌ء من دم ونحوه بلا خلاف أجده فيه للأصل وغيره ولكن عليه إعادة الطواف على الأظهر بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به في المدارك وغيرها ، لإطلاق صحيح ابن يقطين (١) السابق الذي لا ينافيه صحيح جميل (٢) السابق وغيره الذي استثني فيه الناسي بعد عدم إشعار فيه بعدم الإعادة بل ولا نفي الحرج في صحيحه (٣) الآخر المراد منه عدم بطلان الحج كنفي البأس في صحيح ابن يقطين.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤ إلا ان ذلك ليس صحيحا آخر لجميل وانما هو ذيل لصحيحته كما تقدم الإشارة إليه في ص ٢٣٩.

٢٤١

وأما الجاهل فلا دم عليه للأصل المعتضد بمفهوم صحيح ابن مسلم (١) نعم عليه الإعادة وفاقا لثاني الشهيدين وغيره ، لأولويته من الناسي ، وإطلاق صحيح ابن يقطين الذي لا ينافيه نفي الحرج في صحيح جميل (٢) بعد ما عرفت المراد منه ، فما عن الشهيد من الميل الى العدم لا يخلو من نظر ، هذا.

والظاهر كما في كشف اللثام أن كل من وجبت عليه الإعادة فإن تعمد تركها بطل الحج إلا مع العذر فيستنيب وإن كان تعمدا لتقديم.

كما ان الظاهر وجوب إعادة السعي حيث تجب إعادة الطواف كما عن العلامة في التذكرة التصريح به تحصيلا للترتيب الظاهر من الأدلة وجوبه ، وربما كان ظاهر المتن عدمه ، ولعله الصحيح ابن يقطين السابق الذي لا ظهور له في ذلك.

ولو قدم الطواف على الذبح أو على الرمي ففي إلحاقه بتقديمه على التقصير وجهان ، أجودهما ذلك كما في المسالك والمدارك.

ويجب أن يحلق أو يقصر بمنى ، فلو أخل عالما أو جاهلا أو ناسيا رجع فحلق أو قصر بها وجوبا بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل في المدارك هذا الحكم مقطوع به بين الأصحاب ، بل عن ظاهر التذكرة والمنتهى أنه موضع وفاق ، بل عن المفاتيح ذلك أيضا ، وعن غيرها نفي الخلاف فيه أيضا ، وفي‌ صحيح الحلبي (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أن يقصر من شعره أو يحلقه حتى ارتحل من منى قال : يرجع الى منى حتى يلقي شعره بها حلقا أو تقصيرا » وخبر أبي بصير (٤) « سألته عليه‌السلام عن رجل جهل ان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٤.

٢٤٢

يقصر من رأسه أو يحلق حتى ارتحل من منى قال : فليرجع إلى منى حتى يحلق شعره بها أو يقصر » ولا ينافي ذلك‌ خبر مسمع (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصر حتى نفر قال : يحلق في الطريق وأين كان » بعد إمكان إرادة حال عدم التمكن من الرجوع فيه خصوصا بعد قصور الخبر المزبور عن معارضة ما سمعت من وجوه ، نعم قد يظهر من‌ خبر أبي بصير (٢) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل زار البيت ولم يحلق رأسه قال : يحلق بمكة ويحمل شعره لمني ، وليس عليه شي‌ء » عدم وجوب العود للحلق إذا قدم عليه الطواف إلا أن إطلاق الأصحاب أيضا على خلافه.

وكيف كان فان لم يتمكن من الرجوع وإن كان قد تعمد ذلك حلق أو قصر مكانه وجوبا بلا خلاف ولا إشكال ، وقد سمعت حمل خبر مسمع عليه وبعث بشعره ليدفن بها ندبا كما في النافع ومحكي التهذيب والاستبصار بل في المدارك نسبته الى قطع الأكثر ، لا وجوبا كما عن الكافي وظاهر المتن ، للأصل وقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٣) « ما يعجبني ان يلقي شعره إلا بمنى » وفي‌ صحيح معاوية (٤) « كان علي بن الحسين عليه‌السلام يدفن شعره في فسطاطه بمنى ويقول : كانوا يستحبون ذلك ، قال : وكان أبو عبد الله عليه‌السلام يكره أن يخرج الشعر من منى ، ويقول : من أخرجه فعليه أن يرده » وفي‌ خبر أبي البختري (٥) المروي عن قرب الاسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن الحسن والحسين عليهم‌السلام « كانا يأمران أن يدفن شعورهما بمنى » ولا ينافي ذلك‌ قول الصادق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ٨.

٢٤٣

عليه‌السلام في صحيح ليث المرادي (١) : « ليس له أن يلقي شعره إلا بمنى » وأحدهما عليهما‌السلام في خبر علي بن أبي حمزة (٢) في حديث « وليحمل الشعر إذا حلق بمكة إلى منى » بعد عدم دلالتهما على الدفن كغيرهما من النصوص ، بل لعل ما عن الكافي محمول على تأكد الندب كظاهر المتن.

إنما الكلام في وجوب البعث الذي استوجهه الفاضل في محكي المختلف ان كان خروجه من منى عمدا دون النسيان ، لأنه كان يجب عليه الحلق بمنى وإلقاء الشعر بها ، ولا يسقط أحد الواجبين إذا سقط الآخر ، بخلاف ما إذا نسي ، فإنه لا يجب عليه شي‌ء منهما ، مضافا الى خبر أبي بصير (٣) الظاهر في العامد ، بل عن النهاية وظاهر المتن وجوبه مطلقا ، ولعله للأمر به في‌ حسن حفص بن البختري (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يحلق رأسه بمكة قال : يرد الشعر إلى منى » وخبر أبي بصير (٥) السابق المحمول على الندب أيضا بقرينة خبر أبي بصير (٦) الأخير الظاهر في ذلك ، ولكن مع ذلك لا ريب في أن الأحوط بعثه ، خصوصا إذا كان قد أخرجه منها وأحوط منه دفنه فيها ، نعم لو لم يتمكن من بعثه سقط الوجوب ولم يكن عليه شي‌ء إجماعا كما في المدارك للأصل وغيره.

ومن ليس على رأسه شعر خلقة أو غيرها سقط عنه الحلق إجماعا بقسميه ، ولكن يمر الموسى عليه إجماعا في محكي التذكرة ، ومن أهل العلم في محكي المنتهى ، بل مقتضى قول المصنف إجزاء إمرار الموسى عليه عدم تعين التقصير عليه ، بل في المدارك « قيل بالوجوب مطلقا ، أو على من حلق في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٧.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٦.

٢٤٤

إحرام العمرة ، والاستحباب للاقرع » بل في المسالك « بالتفصيل رواية والعمل بها أولى » وإن كنا لم نعثر عليها ولا رواها غيره كما اعترف به في المدارك ، نعم في‌ خبر زرارة (١) « ان رجلا من أهل خراسان قدم حاجا وكان أقرع الرأس لا يحسن ان يلبي فاستفتي له أبو عبد الله فأمر ان يلبي عنه ويمر الموسى على رأسه ، فإن ذلك يجزي عنه » بل عن أبي حنيفة أنه أوجبه ، لأنه كان واجبا عنده الحلق فإذا سقط لتعذره لم يسقط ، بل عن الفاضل ان كلام الصادق عليه‌السلام يعطيه ، فإن الاجزاء إنما يستعمل في الواجب ، بل في كشف اللثام إن لم يكن له ما يقصر منه أو كان صرورة أو ملبدا أو معقوصا وقلنا بتعين الحلق عليهم اتجه وجوب الإمرار ، وتبعه في الرياض مؤيدا له بالخبر المتقدم بدعوى ظهوره في الصرورة ، وفيه ان المتجه حينئذ السقوط للأصل بعد ان كان الواجب من الإمرار ما يتحقق في ضمنه الحلق لا مطلقا فلا تأتي قاعدة الميسور ، وما لا يدرك ، وبعد قصور الخبر المزبور من إثبات الوجوب.

ومن هنا كان المحكي عن الأكثر منا ومن غيرنا الاستحباب ، بل عن الشيخ في الخلاف الإجماع عليه ، وحينئذ فيتعين عليه التقصير من لحيته أو غيرها الذي هو احد الفردين ، ومع العدم يتجه السقوط ، نعم لو قلنا بوجوبه عملا بالخبر المزبور اتجه الاجتزاء به عنه ، لظهور لفظه فيه ، وإن كان يحتمل إرادة الاجزاء عن الحلق الحقيقي لا عن مطلق الفرض ، فضلا عن قاعدة الأمر ، ولعدم توجه الجمع بين الحلق والتقصير فكذا ما يقوم مقامه ، ولكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين الإمرار والتقصير خصوصا بعد ما سمعته من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٣.

٢٤٥

أمر الصادق عليه‌السلام في أقرع خراسان مؤيدا بخبر أبي بصير (١) عنه عليه‌السلام أيضا سأله « عن المتمتع أراد ان يقصر فحلق رأسه فقال : عليه دم يهريقه ، فإذا كان يوم النحر أمر الموسى على رأسه حين يريد ان يحلق » وخبر عمار الساباطي (٢) عنه عليه‌السلام أيضا في حديث سأله « عن رجل حلق قبل ان يذبح قال : يذبح ويعيد الموسى ، لان الله تعالى (٣) يقول ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) » كما انه لا ينبغي تركه إذا لم يكن عنده شعر يقصره ، لاستبعاد حله بلا حلق ولا تقصير ولا إمرار الموسى ، مضافا الى ما سمعته من النصوص ، هذا.

وفي المنتهى يستحب لمن حلق أن يبدأ بالناصية من القرن الأيمن ويحلق الى العظمين النائتين بلا خلاف » وفي الدروس « ويستحب استقبال القبلة والبدأة بالأيمن من ناصيته ، وتسمية المحلوق والدعاء مثل قوله : اللهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة ، والاستيعاب الى العظمين اللذين عند منتهى الصدغين » والأصل في ذلك‌ صحيح معاوية بن عمار (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « أمر الحلاق ان يضع الموسى على قرنه الأيمن ، ثم أمره أن يحلق ، ويسمي هو ، وقال اللهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة » وخبر غياث بن إبراهيم (٥) عن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام « السنة في الحلق ان يبلغ العظمين » وفي الفقه المنسوب (٦) الى مولانا الرضا عليه‌السلام « وإذا أردت أن تحلق رأسك فاستقبل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٢.

(٣) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٢.

(٦) المستدرك ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

٢٤٦

القبلة وابدأ بالناصية ، واحلق الى العظمين النائتين بحذاء الأذنين ، وقل : اللهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة ».

ولعلهما جمعا بين الجميع بإرادة البدأة بالناصية من القرن الأيمن وان كان في دخول القرن في الناصية التي هي من قصاص الشعر مما يلي الجبهة نوع خفاء بل منع ، على ان البدأة بالناصية ليس إلا في الفقه المنسوب الى مولانا الرضا عليه‌السلام وهو غير ثابت عندنا ، وعلى تقديره فالمتجه الجمع بالتخيير بينهما لا بذلك ، وأما استقبال القبلة فليس إلا فيه ، نعم يخطر في بالي ان فيه رواية عن بعض موالي علي بن الحسين عليهما‌السلام لما أراد ان يحلق رأس أبي حنيفة ، لم تحضرني الآن في أي كتاب.

وكيف كان ففي كشف اللثام بعد ذكر خبر غياث « المراد بهما ـ كما في الفقيه والمقنع والهداية والجامع والدروس ـ اللذان عند منتهى الصدغين قبالة وتد الأذنين ، وفي الوسيلة العظمين خلفه ، وفي الاقتصاد والجمل والعقود والمهذب إلى الأذنين ، وفي المصباح ومختصره العظمين المحاذيين للاذنين ، وهاتان العبارتان يحتملان الأمرين ، وعلى كل حال فالغاية بهما للاستيعاب كما في الدروس والمصباح ومختصره لا لعدمه ، ولكن المعنى الأول يفيده طولا : والثاني دورا » انتهى والأمر سهل.

وكيف كان فـ ( ترتيب هذه المناسك واجب يوم النحر الرمي ثم الذبح ثم الحلق ) كما في النافع والقواعد بل ومحكي النهاية والمبسوط والاستبصار وظاهر المقنع في الأخيرتين ، بل نسبه غير واحد الى أكثر المتأخرين ، لقوله تعالى (١) : ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) وللتأسي مع‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢)

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

(٢) تيسير الوصول ج ١ ص ٣١٢.

٢٤٧

« خذوا عني مناسككم » وقول الصادق عليه‌السلام في خبر عمر بن يزيد (١) « إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك واغتسل وقلم أظفارك وخذ من شاربك » وفي‌ خبر جميل (٢) « تبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق » وفي‌ صحيح معاوية بن عمار أو حسنه (٣) « إذا رميت الجمرة فاشتر هديك » وفي‌ خبر أبي بصير (٤) « إذا اشتريت أضحيتك وقمطتها في جانب رحلك فقد بلغ الهدي محله ، فإن أحببت أن تحلق فاحلق » وان كان هو دالا على قيام ربطها في رحله مقام الذبح ، ونحوه اخبار (٥) وفي‌ موثق عمار (٦) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته ـ الى ان قال ـ : وعن رجل حلق قبل ان يذبح قال يذبح ويعيد الموسى ، لان الله تعالى يقول ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) » وخبر سعيد السمان (٧) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عجل النساء ليلا من المزدلفة إلى منى فأمر من كان عليها منهن هدي ان ترمي ولا تبرح حتى تذبح ، ومن لم يكن عليها منهن هدي أن تمضي إلى مكة حتى تزور » وصحيح أبي بصير (٨) عنه عليه‌السلام أيضا قال : « سمعته يقول : لا بأس ان تقدم النساء إذا زال الليل فتفيض عند المشعر الحرام ساعة ثم ينطلق بهن إلى منى فيرمين الجمرة ثم يصبرن ساعة ثم ليقصرن ولينطلقن إلى مكة إلا أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٧ ـ بطريقين آخرين.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح الحديث ٨.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٥.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٧.

٢٤٨

يكن يردن أن يذبح عنهن ، فإنهن يوكلن من يذبح عنهن » وصحيح سعيد الأعرج (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك معنا نساء فأفيض بهن بليل قال نعم ـ الى أن قال ـ : أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة ، فان لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن وليقصرن من أظفارهن » وخبر موسى ابن القاسم (٢) عن علي عليه‌السلام قال : « لا يحلق رأسه ولا يزور البيت حتى يضحي فيحلق رأسه ويزور متى شاء » وصحيح عبد الله بن سنان (٣) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحي قال : لا بأس وليس عليه شي‌ء ولا يعودن » بناء على إرادة الحرمة من النهي عن العود وعدم الإعادة من نفي البأس كما ستعرف ان شاء الله.

وعلى كل حال فلا إشكال في ظهور مجموع ما ذكرناه من الآية والرواية في وجوب الترتيب في الثلاثة ، خلافا للمحكي عن الخلاف والسرائر والكافي من عدم الوجوب ، وعن الأولين استحبابه كما عن المختلف ومال اليه بعض متأخري المتأخرين ، للأصل وصحيح جميل (٤) السابق المشتمل على نفي الحرج الذي قد عرفت احتمال إرادة الاجزاء منه وحال الجهل والنسيان والضرورة ونفي الفداء ونحوه ، بل مال إليه في الرياض مرجحا لاحتمال حمل الأوامر المزبورة على الندب على احتمال غيره بالأصل وخبر احمد بن محمد بن أبي نصر (٥) « قلت لأبي جعفر الثاني عليه‌السلام : جعلت فداك ان رجلا من أصحابنا رمى الجمرة يوم النحر وحلق قبل أن يذبح قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما كان يوم النحر أتاه طوائف من المسلمين فقالوا : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذبحنا من قبل أن نرمي وحلقنا من قبل أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح الحديث ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح الحديث ٦.

٢٤٩

نذبح فلم يبق شي‌ء مما ينبغي لهم ان يقدموه إلا أخروه ، ولا شي‌ء مما ينبغي لهم أن يؤخروه إلا قدموه فقال : لا حرج » بل وغيره من الاخبار ، ومصير أكثر العامة كما في المنتهى الى الوجوب ، قال : فيترجح بهما الاستحباب وإن تساوى الجمعان ، والتأسي إنما يجب لو لم يظهر الاستحباب من الخارج ، مضافا الى أولوية حمل صحيح النهي عن العود على الكراهة مما عرفت ، لظهور نفي البأس في جواز الترك ، ولذا استدل به الفاضل في المختلف على الندب ، إلا أن الجميع كما ترى ، خصوصا مع تصريح الآية بالبعض مع عدم القول بالفصل ، وخصوصا مع الشهرة وغير ذلك.

بقي الكلام في وجوب فعلها اجمع يوم النحر كما هو ظاهر المتن ، وقد عرفت انه لا إشكال بل ولا خلاف في وجوب الرمي يوم النحر إلا للنساء والخائف ونحوه ممن تقدم سابقا ، وأما الذبح فلا إشكال ولا خلاف في عدم جواز تقديمه عليه ، بل لعل الإجماع بقسميه عليه ، وأما وجوبه فيه فقد صرح به غير واحد وعرفت بعض الكلام فيه وكذا وجوب الحلق فيه أيضا ، وإن كان لو لم يفعل شيئا منهما فيه يجزيه أيضا ، والله العالم.

وكيف كان فلو قدم بعضا على بعض عالما عامدا اثم قطعا ولا اعادة بلا خلاف محقق أجده فيه ، بل في المدارك ان الأصحاب قاطعون به ، وأسنده في المنتهى الى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، وحينئذ يكون الوجوب المزبور تعبديا لا شرطيا ، ولعله المراد من صحيح ابن سنان (١) السابق المشتمل على نفي البأس والنهي عن العود لمثل ذلك ، بل ونصوص نفي الحرج (٢) وإن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤ و ٦ والباب ٢ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٢.

٢٥٠

لم يكن قد صرح فيها بالعمد ، والأمر بإمرار الموسى بعد الذبح لمن قدم الحلق محمول على ضرب من الندب ، فما في المدارك ـ من اشكال ذلك بأنها محمولة عند القائل بوجوب الترتيب على الجهل والنسيان وإلا لم يجب الترتيب ـ في غير محله ، وإن صدر من بعضهم ذلك ، ووجوب الترتيب أعم من شرطيته ، كما ان ما فيها وفي غيرها من إشكال الحكم المزبور بأنه مناف لقاعدة عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه المقتضية وجوب الإعادة كذلك أيضا ، ضرورة عدم الشرطية على التقدير المزبور جمعا بين الأدلة ، بل لعل المراد من قوله عليه‌السلام « لا حرج » الإشارة إلى قوله تعالى (١) ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الذي منه التكليف بالإعادة ، فحينئذ يكون الترتيب واجبا مستقلا لا شرطا ، فالفاعل ممتثل في أصل الفعل وإن عصى في عكس الترتيب ، وعلى كل حال فما عن أبي علي ـ من أن كل سائق هديا واجبا أو غيره يحرم عليه الحلق قبل ذبحه ، ولو حلق وجب دم آخر ـ محجوج بما عرفت إن أراد عدم الاجزاء إذا خولف الترتيب ، وقد يحتمل الكفارة ، فلا خلاف حينئذ ، والله العالم.

مسائل ثلاث : الأولى مواطن التحلل ثلاثة بلا خلاف أجده فيه ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه‌ الأول المتمتع عقيب الحلق أو التقصير يحل من كل شي‌ء إلا الطيب والنساء كما عن النهاية والتهذيب والمبسوط والوسيلة والسرائر والمصباح ومختصره والجامع وغيرها ، بل في المدارك نسبته إلى الأكثر وفي غيرها الى المشهور ، بل عن المنتهى نسبته إلى علمائنا ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية بن عمار (٢) : « إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحل من كل‌

__________________

(١) سورة الحج ـ الآية ٧٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

٢٥١

شي‌ء أحرم منه إلا النساء والطيب ، فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحل من كل شي‌ء أحرم منه إلا النساء ، فإذا طاف طواف النساء فقد أحل من كل شي‌ء أحرم منه إلا الصيد » أي الحرمي لا الإحرامي كما هو واضح ، وصحيح العلاء (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : اني حلقت رأسي وذبحت وأنا متمتع أطلي رأسي بالحناء قال : نعم من غير ان تمس شيئا من الطيب ، قلت : وألبس القميص وأتقنع قال : نعم ، قلت قبل أن أطوف بالبيت قال : نعم » وصحيحه الآخر (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام تمتعت يوم ذبحت وحلقت فألطخ رأسي بالحناء قال : نعم من غير أن تمس شيئا من الطيب ، قلت فالبس القميص قال : نعم إذا شئت ، قلت فأغطي رأسي قال : نعم » وخبر عمر بن يزيد (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « اعلم انك إذا حلقت رأسك فقد حل لك كل شي‌ء إلا النساء والطيب » وخبر منصور ابن حازم (٤) خبر جميل (٥) المروي عن مستطرفات السرائر من نوادر البزنطي عن جميل سأله عليه‌السلام « المتمتع ما يحل له إذا حلق رأسه ، قال : كل شي‌ء إلا النساء والطيب : قال فالمفرد قال : كل شي‌ء إلا النساء » وخبر محمد بن حمران (٦) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحاج يوم النحر ما يحل له؟ قال : كل شي‌ء إلا النساء ، وعن المتمتع ما يحل له يوم النحر؟ قال كل شي‌ء إلا النساء والطيب ».

ولا ينافي ذلك ما في‌ صحيح سعيد بن يسار (٧) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المتمتع إذا حلق رأسه قبل ان يزور فيطليه بالحناء ، قال : نعم الحناء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٧.

٢٥٢

والثياب والطيب وكل شي‌ء إلا النساء رددها علي مرتين أو ثلاثا » قال : « وسألت أبا الحسن عليه‌السلام عنها فقال : نعم الحناء والثياب والطيب وكل شي‌ء إلا النساء » كذا عن الكافي ورواه الشيخ عنه أيضا ولم يذكر فيه « قبل ان يزور » ومن هنا حمله على أنه عليه‌السلام أراد ان الحاج متى حلق وطاف طواف الحاج وسعى فقد حل له هذه الأشياء وإن لم يذكرهما في اللفظ ، لعلمه بان المخاطب عالم بذلك ، أو تعويلا على غيره من الأخبار ، وهو مع بعده مناف لما سمعته عن النسخة الصحيحة عن الكافي ، ولذا أجاب عنه في الدروس بأنه متروك ، وكذا لا ينافيه‌ صحيح معاوية بن عمار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سئل ابن عباس هل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتطيب قبل أن يزور البيت قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضمد رأسه بالمسك قبل ان يزور البيت » لان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن متمتعا بل وكذا‌ خبر أبي أيوب الخزاز (٢) « رأيت أبا الحسن عليه‌السلام بعد ما ذبح وحلق ثم ضمد رأسه بمسك ثم زار البيت وعليه قميص وكان مقنعا » حتى على ما عن بعض النسخ من انه كان متمتعا من التمتع لا التقنع بناء على ان ذلك كان زعما منه لا انه كذلك ، وخبر عبد الرحمن أو صحيحه (٣) قال : « ولد لأبي الحسن عليه‌السلام مولود بمنى فأرسل إلينا يوم النحر بخبيص فيه زعفران وكنا قد حلقنا قال عبد الرحمن فأكلت انا ، والكاهلي ومرازم أبيا أن يأكلا ، وقالا لم نزر البيت فسمع أبو الحسن كلامنا ، فقال لمصارف وكان هو الرسول الذي جاءنا به في أي شي‌ء كانوا يتكلمون؟ قال أكل عبد الرحمن وأبى الآخران‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٣.

٢٥٣

وقالا لم نزر البيت فقال : أصاب عبد الرحمن ثم قال : ما تذكر حين أتينا به في مثل هذا اليوم فأكلت أنا منه ، وابى عبد الله أخي ان يأكل منه ، فلما جاء أبي حرشة علي فقال : يا أبت ان موسى أكل خبيصا فيه زعفران ولم يزر بعد ، فقال أبي هو أفقه منك ، أليس قد حلقتم رؤوسكم » لاحتمال كونهم غير متمتعين كما سمعت التصريح بذلك في خبر محمد بن حمران وغيره ، بل ولا خبر‌ إسحاق بن عمار (١) أيضا « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن المتمتع إذا حلق رأسه ما يحل له؟ قال : كل شي‌ء إلا النساء » لكونه قابلا للتخصيص بما عرفت.

كل ذلك مع ان المحكي عن الشافعي واحمد وأبي حنيفة حل كل شي‌ء له إلا النساء ، كما عن ابن الزبير وعلقمة وسالم وطاوس والنخعي وأبي ثور ، فيمكن أن تكون النصوص المزبورة خرجت مخرج التقية ، فما في المدارك ـ من احتمال جواز الطيب له على كراهة ، وحينئذ يكون تحللين ـ واضح الفساد ، وإن حكي عن ظاهر ابن أبي عقيل العمل بما في هذه النصوص من حل الطيب للمتمتع أيضا ، لكنه مع كونه شاذا محجوج بما عرفت.

وعلى كل حال فما عن ابن بابويه وولده من التحلل بالرمي إلا من الطيب والنساء لم نعرف له مأخذا إلا‌ خبر الحسين بن علوان (٢) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام المروي عن قرب الاسناد « وإذا رميت جمرة العقبة فقد حل لك كل شي‌ء حرم عليك إلا النساء » وما يحكى عن‌ الفقه المنسوب (٣) الى الرضا عليه‌السلام « واعلم انك إذا رميت جمرة العقبة حل لك كل شي‌ء إلا الطيب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١١.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٤.

٢٥٤

والنساء ، وإذا طفت طواف الحج حل لك كل شي‌ء إلا النساء ، فإذا طفت طواف النساء حل لك كل شي‌ء إلا الصيد ، فإنه حرام على المحل في الحرم ، وعلى المحرم في الحل والحرم » وهو ـ مع ان الثاني منهما غير ثابت عندنا ، ولم يذكر في الأول الطيب وإمكان تقييدهما بغيرهما مما اعتبر فيه الذبح والحلق ـ مخالف للمعروف بين العامة والخاصة من كون التحلل الأول بعد الحلق كما عرفت ولما سمعته من النصوص أيضا.

وأما الصيد فقد ذكره المصنف هنا وفي النافع بل هو معقد النسبة إلى علمائنا في محكي المنتهى لكن في القواعد على إشكال ، ولعله من إطلاق الأخبار والأصحاب انه يحل له كل شي‌ء إلا النساء والطيب ، ومن الأصل وظاهر قوله تعالى (١) ( لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) الذي يكفي في تحققه حرمة الطيب والنساء وانه في الحرم ، قيل ولذا ذكر علي بن بابويه والقاضي انه لا يحل بعد طواف النساء أيضا لكونه في الحرم ، بل سمعت التصريح به في صحيح معاوية (٢) السابق ، ولعله لذا ضرب على الإشكال في بعض ما حكي من نسخ القواعد ، ولكن فيه انه لا ينافي التحلل منه من جهة الإحرام ، وتظهر الفائدة في أكل لحم الصيد كما عن الخلاف النص على حله ، وفي مضاعفة الكفارة ، وإذا خرج الى الحل قبل الطواف ، والمتيقن من الآية غير الفرض ، بل لعله الظاهر ، فالمتجه حينئذ العمل بالنصوص المزبورة وان بقي الحرمة من حيث الحرم ، لكن في الدروس عن العلامة عدم التحلل من الصيد إلا بطواف النساء مذهب علمائنا ، وان كنا لم نتحققه ، إلا انه لا ينبغي ترك الاحتياط‌

__________________

(١) سورة المائدة ـ الآية ٩٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

٢٥٥

ثم ان الظاهر اعتبار فعل المناسك الثلاثة في منى في حصول هذا التحلل كما عن أبي علي والشيخ التصريح به ، بل والمصنف في النافع والفاضل في المختلف بل يمكن أن يكون هو المراد ممن أطلق ، بل وخبري عمر بن يزيد (١) وجميل (٢) السابقين حملا للحلق على الواقع على أصله ، ويؤيده الأصل والاحتياط ، مضافا الى صحيح معاوية السابق (٣) المستفاد من الجمع بينه وبين خبر الرمي (٤) بعد تقييد إطلاق كل بالآخر اعتبار الثلاثة أيضا ، نعم لا يعتبر ترتيبها لما عرفت من الاجزاء وان اثم ، وعن المقنع والتحرير والتذكرة والمنتهى انه بعد الرمي والحلق وفي كشف اللثام « ولعل المراد ما سبقه ، ولم يذكرا الذبح لاحتمال الصوم بدله واكتفاء بالأول والآخر » قلت : وان كان محجوجا بما عرفت.

هذا كله في المتمتع ، أما غيره فيحل له بالحلق أو التقصير الطيب أيضا كما في القواعد ومحكي الأحمدي والتهذيب والاستبصار والنهاية والمبسوط والوسيلة والسرائر والجامع ، لما سمعته من خبر محمد بن حمران (٥) ومن المحكي عن ابن عباس في صحيح معاوية (٦) عن الصادق عليه‌السلام وخبر جميل (٧) المروي عن نوادر البزنطي ، بل هو مقتضى الجمع بين‌ صحيح منصور (٨) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل رمى وحلق أيأكل شيئا فيه صفرة؟ قال : لا حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم قد حل كل شي‌ء إلا النساء » وبين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ٤.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٢.

٢٥٦

صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (١) السابق المشتمل على قضية الخبيص ، ولا يخفى عليك ان مقتضى هذه الأدلة عدم الفرق بين تقديمه الطواف والسعي وعدمه ، فما في الدروس من اشتراط حل الطيب له بذلك في غير محله ، وإن ذكر بعض الناس له وجها غير وجيه ، بل كالاجتهاد في مقابلة النصوص ، كما أن إطلاق المصنف هنا والنافع ومحكي الخلاف بقاء حرمة النساء والطيب كذلك أيضا بعد ما سمعت من الأدلة ، بل عن الجعفي التصريح بالتسوية بين المتمتع وغيره في ذلك ، ولا ريب في ضعفه ، والله العالم.

التحلل الثاني للمتمتع إذا طاف طواف الزيارة للحج حل له الطيب كما في النافع والقواعد وغيرها ومحكي الانتصار والاستبصار والنهاية والمبسوط والمصباح ومختصره والوسيلة والسرائر ، بل لا أجد فيه خلافا ، لصحيح معاوية (٢) السابق ومنصور بن حازم (٣) « إذا كنت متمتعا فلا تقربن شيئا فيه صفرة حتى تطوف البيت » وفيما كتبه عليه‌السلام الى المفضل بن عمر (٤) فيما رواه سعد بن عبد الله في المحكي من بصائر الدرجات عن القاسم بن الربيع ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ومحمد بن سنان جميعا عن مياح المدائني « فإذا أردت المتعة في الحج ـ الى ان قال ـ : ثم أحرمت بين الركن والمقام للحج فلا تزال محرما حتى تقف بالمواقف ثم ترمي وتذبح وتغتسل ثم تزور البيت ، فإذا أنت فعلت ذلك فقد أحللت » بل في كشف اللثام انه لا يتوقف على صلاة الطواف لإطلاق النص والفتوى ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢٩.

٢٥٧

وإن كان لا يخلو من نظر ، لانسياق اندراج صلاته فيه ، خصوصا بعد أن كان المشهور كما اعترف به هو فيه توقف حل الطيب على السعي كما عن الخلاف والمختلف ، بل هو الأقوى ، للأصل وما سمعته في صحيحي معاوية ومنصور السابقين وصحيح معاوية (١) الآتي ، وبها يقيد إطلاق الخبرين المزبورين إن لم نقل بتناول زيارة البيت فيهما له ، نعم إن قدم القارن والمفرد الطواف والسعي على الوقوف أو مناسك منى والمتمتع للضرورة فالظاهر عدم التحلل إلا بالحلق ، للأصل وخبر المفضل ، وانصراف الخبر الأول والفتاوى إلى المؤخر ، مضافا الى إمكان كون المحلل هو المركب من الطواف والسعي وما قبلهما من الأفعال بمعنى كون السعي جزء العلة ، فما عن بعض من التحلل لا يخفى عليك ما فيه وان استوجهه في المسالك ، لكن قد سمعت فيما تقدم انه مع تقديم الطواف والسعي لا بد من تجديد التلبية لئلا يحصل التحلل ويصير الحج عمرة ، وحينئذ فلا وجه لدعوى التحلل بما وقع من الطواف والسعي مع فرض تجديد التلبية لتجدد الإحرام ، كما انه لا وجه لبقاء حكم الإحرام مع فرض عدم تجديد التلبية وصيرورته حلالا وانقلاب حجه عمرة ، وبذلك يظهر لك إشكال في أصل تصور المسألة ، فتأمل جيدا.

التحلل الثالث إذا طاف طواف النساء حل له النساء بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى ما سمعته من النصوص (٢) فما عن الحسن من عدم وجوبه لذلك واضح الفساد ، نعم في كشف اللثام صلى له أم لا ، لإطلاق النصوص والفتاوى إلا فتوى الهداية والاقتصاد ، وإن كان فيه ما عرفت ، مضافا الى‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (٣) : « ثم اخرج‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب زيارة البيت ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحلق والتقصير.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب زيارة البيت ـ الحديث ١.

٢٥٨

الى الصفا فاصعد عليه واصنع كما صنعت يوم دخلت مكة ، ثم ائت المروة فاصعد عليها وطف بينهما سبعة أشواط ، تبدأ بالصفا وتختم بالمروة ، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي‌ء أحرمت منه إلا النساء ، ثم ارجع الى البيت وطف به أسبوعا آخر ، ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام ، ثم قد أحللت من كل شي‌ء ، وفرغت من حجك كله وكل شي‌ء أحرمت منه » واحتمال كون ذلك لتوقف الفراغ عليها لا حل النساء لا داعي له ، ثم الكلام فيما إذا قدمه على الوقوف أو مناسك منى ما تقدم.

والظاهر اعتبار هذا الطواف في حج النساء بالنسبة إلى حل الرجال لهن كما عن علي بن بابويه التصريح به في الرسالة ، مضافا الى تصريح غير واحد به من المتأخرين ومتأخريهم ، للأصل وإطلاق قوله (١) ( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) والرفث هو الجماع بالنص الصحيح (٢) كما عرفته سابقا ، والإجماع والاخبار على حرمة الرجال عليها بالإحرام ، وقاعدة الاشتراك إلا فيما استثني ، وللصحيح (٣) « المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها وبين التروية فإن طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة ، وإن لم تطهر الى يوم التروية اغتسلت واحتشت ثم سعت بين الصفا والمروة ثم خرجت إلى منى ، فإذا قضت المناسك وزارت البيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها ثم طافت طوافا للحج ثم خرجت فسعت ، فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شي‌ء يحل منه المحرم إلا فراش زوجها ، فإذا طافت طوافا آخر حل لها فراش زوجها » ونحوه‌ خبر آخر (٤) إلا‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٩٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ـ ٢.

٢٥٩

انه ليس فيه « فإذا طافت طوافا آخر » الى آخره ، وصحيح الحسين بن علي بن يقطين (١) سألت أبا الحسن عليه‌السلام « عن الخصيان والمرأة الكبيرة أعليهم طواف النساء؟ قال : نعم عليهم الطواف كلهم » وخبر إسحاق بن عمار (٢) عن الصادق عليه‌السلام « لو لا ما من الله به على الناس من طواف الوداع لرجعوا الى منازلهم ، ولا ينبغي ان يمسوا نساءهم يعني لا تحل لهم النساء حتى يرجع فيطوف بالبيت أسبوعا آخر بعد ما يسعى بين الصفا والمروة ، وذلك على النساء والرجال واجب » إن كان آخر الكلام من كلامه عليه‌السلام ، بل هو المحكي عن الفقه المنسوب (٣) الى الرضا عليه‌السلام ، فما في القواعد ومحكي المختلف ـ من التوقف فيه لعدم الدليل ، بل استوجهه في المسالك نظرا الى أن الأخبار الدالة على حل جميع ما عدا الطيب والنساء بالحلق وما عدا النساء بالطواف متناول للمرأة ، ومن جملة ذلك حل الرجال ـ واضح الفساد بعد ما عرفت ، كوضوح منع التناول المزبور.

وكيف كان فقد ظهر لك مما حررناه أن الحاج لو طاف الطوافين وسعى قبل الوقوفين في موضع الجواز فتحلله واحد عقيب الحلق بمنى ، ولو قدم طواف الحج والسعي خاصة كان له تحللان ، أحدهما عقيب الحلق مما عدا النساء ، والآخر بعد طواف النساء لهن ، ولو قلنا انه يتحلل من الطيب بطواف الحج ومن النساء بطوافهن وإن تقدم علي الوقوفين كانت المحللات ثلاثة مطلقا ، هذا.

وقد صرح بعضهم بحرمة النساء على المميز بعد بلوغه لو تركه ، لكون الإحرام سببا لحرمتهن ، والأحكام الوضعية لا تخص المكلف ، حتى ان الشهيد حكم بمنعه من الاستمتاع قبل البلوغ ، بل عن المنتهى والتذكرة الإجماع على وجوبه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

٢٦٠