جواهر الكلام - ج ١٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

على الصغير ، والمراد به حيث يقابل به الكبير غير البالغ ، ولا ريب في أن التكليف في حقه متوجه إلى الولي مع انه نفى الوجوب عنه في الصحيح الآخر (١) وغيره ، ولكن قد يناقش بأن نفي الوجوب عن العيال أعم من نفي الوجوب عن ولي الصغير ، إذ لا ملازمة بينهما إلا على تقدير أن يكون في العيال المسؤول عنهم صغير واحد ، وليس فيه تصريح به وإن كان السؤال يعمه ، إلا أن الصحيح المتقدم الموجب بالنسبة إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاص ، فيتقدم عليه ، بل من المعلوم أن التخصيص أرجح من المجاز عند التعارض ، خصوصا مع اقتضاء ارتكاب المجاز في الواجب بحمله على المستحب مساواة الصغير والكبير فيه ، والحال أن مجموع الاخبار في الكبير مشتركة في إفادة الوجوب فيه فلا يمكن صرفه بالإضافة إلى الصغير خاصة إلى الاستحباب ، للزوم استعمال اللفظ الواحد في الاستعمال الواحد في معنييه الحقيقي والمجازي ، وهو خلاف التحقيق ، فالأظهر في الجواب ما عرفت.

بل لا يخفى على العارف بلسانهم عليهم‌السلام وبما يلحنونه له من القول ظهور هذه النصوص في الندب المؤكد سيما بعد ملاحظة غيرها من النصوص نحو‌ ما أرسله في الفقيه (٢) من انه « ضحى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكبشين ذبح واحدا بيده وقال : اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أهل بيتي ، وذبح الآخر فقال : اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي » قال (٣) : « وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام يضحي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل سنة بكبش ، يذبحه ويقول : بسم الله وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين الآية ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٧.

٢٢١

اللهم منك ولك ، ويقول : اللهم هذا عن نبيك ثم يذبحه ، ويذبح كبشا آخر عن نفسه » قال (١) : « وقال علي عليه‌السلام لا يضحى عمن في البطن » قال (٢) « وذبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن نسائه البقرة » وفيه (٣) أيضا « جاءت أم سلمة الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت يا رسول الله : يحضر الأضحى وليس عندي ثمن الأضحية فاستقرض واضحي قال : استقرضي فإنه دين مقضي ».

ويغفر لصاحب الأضحية عند أول قطرة من دمها ، وعن‌ شريح بن هاني (٤) عن علي عليه‌السلام « لو علم الناس ما في الأضحية لاستدانوا وضحوا انه يغفر لصاحب الأضحية عند أول قطرة تقطر من دمها » وفي‌ خبر السكوني (٥) المروي عن العلل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنما جعل هذا الأضحى لتشبع مساكينكم ، فأطعموهم من اللحم » وفي‌ خبر أبي بصير (٦) المروي عنه أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قلت له : ما علة الأضحية؟ فقال : إنه يغفر لصاحبها عند أول قطرة تقطر من دمها في الأرض ، وليعلم الله عز وجل من يتقيه بالغيب ، قال الله عز وجل (٧) ( لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ ) ثم قال : انظر كيف قبل الله قربان هابيل ورد قربان قابيل » وعن علي بن جعفر (٨) عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن الأضحية فقال : ضح بكبش أملح أقرن فحلا سمينا ، فان لم تجد كبشا سمينا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٠.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١١.

(٧) سورة الحج ـ الآية ٣٨.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٢.

٢٢٢

فمن فحولة المعز أو موجوءا من الضأن أو المعز ، فان لم تجد فنعجة من الضأن سمينة ، قال : وكان علي عليه‌السلام يقول : ضح بثني فصاعدا ، واشتره سليم الأذنين والعينين فاستقبل القبلة حين تريد أن تذبحه ، وقل وجهت وجهي ـ الآية ـ اللهم تقبل مني ، بسم الله الذي لا إله إلا هو والله أكبر ، وصلى الله على محمد وأهل بيته ، ثم كل واطعم » وفي الفقيه (١) « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : استفرهوا ضحاياكم فإنها مطاياكم على الصراط » بل عن العلل روايته مسندا عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) الى غير ذلك من النصوص المستفاد منها جملة من المندوبات أيضا ككونه سليم العين والاذن والفراهة وكونه ثنيا والدعاء بما سمعت ، بل ويستفاد منها أيضا جواز فعلها عن الميت والحي تبرعا متحدا ومتعددا ذكرا وأنثى ، بل قيل يستفاد من خبر علي بن جعفر (٣) منها جواز تأخير الذبح عن التسمية بمقدار قراءة الدعاء المذكور ونحوه.

وكيف كان فـ ( وقتها بمنى أربعة أيام أولها يوم النحر ، وفي الأمصار ) أو غيرها ثلاثة أيام بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى‌ صحيح علي بن جعفر (٤) عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال : أربعة أيام ، وسألته عن الأضحى في غير منى فقال : ثلاثة ، فقلت : ما تقول في مسافر قدم بعد الأضحى بيومين إله ان يضحي في اليوم الثالث؟ قال : نعم » والظاهر ولو بقرينة ما قبله إرادة اليوم الثالث من يوم النحر لا الثالث بعده كما استظهره في كشف اللثام ، فيكون‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

٢٢٣

دالا على النحر في الرابع في غير منى ، فاحتاج الى حمله على القضاء المحتاج الى الدليل ، بل عن المنتهى التصريح بفوات وقتها بفوات الأيام ، فإن ذبحها لم تكن أضحية ، وإذا فرق لحمها على المساكين استحق الثواب على التفريق دون الذبح نعم قال قبل ذلك في خصوص الواجبة بالنذر وشبهه : « لم يسقط وجوب قضائها إذا فاتت الأيام معللا له بان لحمها مختص بالمساكين ، فلا يخرجون عن الاستحباب بفوات الوقت » ولكن لا يخفى عليك ما فيه خصوصا بعد ما اعترف به سابقا من عدم كونها أضحية في غير الأيام المزبورة فلا يكون موردا للوفاء بالنذر ، وعلى كل حال فالأولى إرادة ما ذكرناه من الخبر المزبور ، وموثق الساباطي (١) « سألته عليه‌السلام عن الأضحى بمنى فقال : أربعة أيام ، وعن الأضحى في سائر البلدان فقال ثلاثة أيام » الى غير ذلك.

نعم في ظاهر بعض النصوص ما يخالف ذلك ، كقول أبي جعفر عليه‌السلام في حسن ابن مسلم (٢) « الأضحى يومان بعد يوم النحر ويوم واحد في الأمصار » وخبر كليب الأسدي (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن النحر فقال : بمنى فثلاثة أيام ، وأما في البلدان فيوم واحد » المحمول على ضرب من الندب ، أو على ما عن الشيخ ان المراد ان أيام النحر التي لا يجوز الصوم فيها بمنى ثلاثة أيام ، وفي سائر البلدان يوم واحد مستدلا عليه بقول الصادق عليه‌السلام في خبر منصور (٤) : « النحر بمنى ثلاثة أيام ، فمن أراد الصوم لم يصم حتى يمضي ثلاثة أيام ، والنحر بالأمصار يوم ، فمن أراد الصوم صام من غد » وإن كان قد يناقش بعدم جواز‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الذبح الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الذبح الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الذبح الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الذبح الحديث ٥.

٢٢٤

صوم اليوم الثالث من أيام التشريق في منى كما عرفت ، اللهم إلا أن يكون المراد انه قد يجوز صومه بدلا عن الهدي إذا كان هو يوم الحصبة أي يوم النفر وأما‌ الخبر (١) « الأضحى ثلاثة أيام وأفضلها أولها » فأقصاه الإطلاق المحمول على التفصيل في غيره ، على أنه كما قيل موافق لمذهب مالك والثوري وأبي حنيفة فيمكن حمله على التقية ، بل يمكن نحوه في الخبرين السابقين.

ثم ان الظاهر عدم اعتبار وقت مخصوص من يوم العيد في ذبحها ، لإطلاق ما دل على مشروعيتها فيه ، لكن عن المبسوط « وقت الذبح يدخل بدخول يوم الأضحى إذا ارتفعت الشمس ومضى مقدار ما يمكن صلاة العيد والخطبتان بعدها » وعن المنتهى « وقت الأضحية إذا طلعت الشمس ومضى مقدار صلاة العيد سواء صلى الإمام أو لم يصل » وفي الدروس « ووقتها بعد طلوع الشمس الى مضي قدر صلاة العيد والخطبة » إلا أن الظاهر إرادة الجميع ضربا من الندب لموثق سماعة (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قلت له متى نذبح؟ قال : إذا انصرف الامام ، قلت : فإذا كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلي بهم جماعة فقال : إذا استعلت الشمس » المحمول على ذلك جمعا بينه وبين إطلاق الأيام في غيره نصا وفتوى ، وربما ظن من لا يعرف لسان النصوص والفتاوى فاعتبر الوقت المخصوص من اليوم المخصوص في مشروعيتها ، وهو غلط واضح ، والله العالم.

ولا بأس بادخار لحمها بعد الثلاثة وإن قيل إنه كان محرما فنسخ ، ففي‌ خبر جابر بن عبد الله الأنصاري (٣) « أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا نأكل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

٢٢٥

لحم الأضاحي بعد ثلاثة أيام ، ثم أذن لنا أن نأكل ونقدد ونهدي إلى أهلنا » وخبر حنان بن سدير عن الباقر عليه‌السلام وأبي الصباح عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) قالا : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام ، ثم أذن فيها فقال كلوا من لحوم الأضاحي بعد ذلك وادخروا » وصحيح ابن مسلم (٢) أو خبره المروي عن العلل عن أبي جعفر عليه‌السلام « كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى ان تحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام من أجل الحاجة ، فأما اليوم فلا بأس به » وصحيح جميل بن دراج (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن حبس لحوم الأضاحي فوق الثلاثة أيام بمنى فقال : لا بأس بذلك اليوم ، ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انما نهى عن ذلك أولا لأن الناس كانوا يومئذ مجهودين ، فاما اليوم فلا بأس » ومرسل الصدوق (٤) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « كنا ننهى عن خروج لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام لقلة اللحم وكثرة الناس ، فاما اليوم فقد كثر وقل الناس فلا بأس بإخراجه » وخبر زيد بن علي (٥) عن أبيه عن جده عن علي عليهم‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهيتكم عن ثلاثة : عن زيارة القبور ألا فزوروها ونهيتكم عن خروج لحوم الأضاحي من بعد ثلاث أيام فكلوا وادخروا ونهيتكم عن النبيذ ألا فانبذوا ، وكل مسكر حرام ، يعني الذي ينبذ بالغداة ويشرب بالعشي وينبذ بالعشي ويشرب بالغداة ، وإذا غلى فهو حرام » وصحيح ابن مسلم (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن إخراج لحوم الأضاحي من منى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الذبح الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الذبح الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الذبح الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الذبح الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الذبح الحديث ٧.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥.

٢٢٦

فقال : لا يخرج منها شي‌ء لحاجة الناس اليه ، فاما اليوم فقد كثر الناس فلا بأس بإخراجه ».

وربما يشكل بملاحظة جملة من هذه النصوص ما في المتن والنافع والقواعد ، ومحكي الاستبصار من أنه يكره أن يخرج به من منى بل عن النهاية والمبسوط والتهذيب أنه لا يجوز وان استدل له بخبر علي بن أبي حمزة (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « لا يتزود الحاج من لحم أضحيته ، وله أن يأكل منها بمنى أيامها ، وقال : وهذه مسألة شهاب كتب اليه فيها » وخبره الآخر (٢) عن أبي إبراهيم عليه‌السلام الذي رواه عن احمد بن محمد « لا يتزود الحاج من أضحيته ، وله أن يأكل منها أيامها إلا السنام فإنه دواء ، وقال احمد : ولا بأس أن يشتري الحاج من لحم منى ويتزوده » بعد حمل النهي على الكراهة دون التحريم الذي يقصر الخبران المزبوران عن إثباته ، لضعفهما ومعارضتهما بما سمعت مما هو أقوى سندا وأكثر عددا ، مضافا الى الأصل ، وما قيل من أنه كان يجوز الذبح بغيرها ، بل لعل الشيخ وإن عبر بعدم الجواز في التهذيب يريد منه الكراهة بقرينة تصريحه بها في الاستبصار ، مع أنه قال قبل ذلك : « ولا بأس بأكل لحوم الأضاحي بعد الثلاثة أيام وادخارها ، مستدلا عليه بجملة من النصوص السابقة ، ولا ريب أن الادخار بعد ثلاثة لا يكون غالبا إلا بعد الخروج من منى ، لانه بعد الثلاث لا يبقى فيها أحد ، فلو لا ان المراد بلا يجوز الكراهة لحصل التنافي بين كلاميه ، إلا أن يحمل جواز الادخار على غير مني ، أو على ما لا يجامع الخروج به من منى ، وعلى كل حال فلا ريب في عدم الحرمة ، إنما الكلام في إثبات الكراهة بالخبرين المزبورين المحتملين إرادة النهي عنه قبل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

٢٢٧

ذلك لا في مثل هذه الأيام كما سمعته في النصوص السابقة ، إذ هو أولى من حمل تلك على ارادة بيان الجواز لا رفع الكراهة ، أو على إرادة إخراج ما يضحيه غيره دون أضحيته ، ولكن الانصاف مع التدبر يقتضي الجمع بينها بالأول وان تفاوتت الكراهة شدة وضعفا.

بقي الكلام فيما أشكل على بعض الناس من منافاة هذه النصوص لما اتفقوا عليه ظاهرا من استحباب التثليث في الأضحية المقتضي لعدم بقاء شي‌ء في يده إلا الثلث الذي هو في يده له يتصرف فيه كيف شاء ، مع أنه لا يزيد غالبا على مصرفه في ثلاثة أيام منى حتى ينهى عن إخراجه ثم يؤمر به ويعلل بوجود المستحق وعدمه ، إذ لا يتعلق به حق المستحق بعد إخراج حق المستحقين اللهم إلا أن يحمل استحباب التثليث على صدر الإسلام من حيث قلة اللحوم وكثرة الناس ، وأنه بعد ذلك سقط هذا الحكم لعدم من يتصدق به عليه ومن يهدي له بسبب كثرة اللحم وقلة الناس ، فلا بأس بإخراج اللحم وادخاره وعدم صرفه في ذلك المصرف الموظف ، إلا أن هذا لا يلائم كلام الأصحاب لاتفاقهم على استحباب هذا الحكم في جميع الأعصار ، وهو كما ترى من غرائب الكلام ضرورة عدم التنافي بين الاستحباب المزبور وكراهة الادخار والإخراج إذا لم يأت بالمستحب ، أو في ثلاثة خاصة كما هو واضح.

وكيف كان فـ (لا بأس بإخراج ما يضحيه غيره ) إذا كان قد أهدى اليه أو تصدق به عليه أو اشتراه ولو من أضحيته ، للأصل بعد اختصاص الخبرين السابقين بأضحيته من حيث تضحيته لها ، بما سمعته في الثاني منهما من قول احمد ، بل عن الشيخ حمل صحيح ابن مسلم (١) المشتمل على الاذن في الإخراج اليوم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥.

٢٢٨

على ذلك مستشهدا له بما سمعته من قول احمد ، وإن كان هو بعيدا ، مع ان الشاهد مقطوع أيضا ، فالعمدة حينئذ ما عرفت. والله العالم.

ويجزي الهدي الواجب عن الأضحية المندوبة كما صرح به غير واحد ، لقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم (١) : « يجزيه في الأضحية هديه » والصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (٢) « يجزي الهدي عن الأضحية » وربما كان في لفظ الإجزاء اشعار أو ظهور فيما ذكره غير واحد من أن الجمع بينهما أفضل مضافا الى ما قيل من أن فيه فعل المعروف ونفع المساكين ، ثم ان ظاهر الصحيحين إجزاء مطلق الهدي عنها كما عن النهاية والوسيلة والتحرير والمنتهى والتذكرة خلافا للقواعد والدروس فقيداه كالمتن بالواجب ، بل في النافع وعن التلخيص والتبصرة التقييد بهدي التمتع ، ولعله لدعوى الانصراف ، ولكن فيها منع واضح ، كمنع احتمال إرادة النص على الأخفى من التقييد كما في كشف اللثام ، والله العالم.

ومن لم يجد الأضحية تصدق بثمنها ، فان اختلف أثمانها جمع الأعلى والأوسط والأدون وتصدق بثلث الجميع بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، لخبر عبد الله بن عمر (٣) قال : « كنا بالمدينة فأصابنا غلاء في الأضاحي فاشترينا بدينار ثم بدينارين ثم بلغت سبعة ثم لم يوجد بقليل ولا كثير ، فوقع هشام المكاري الى أبي الحسن عليه‌السلام فأخبره بما اشترينا وانا لم نجد بعد فوقع عليه‌السلام اليه انظر الى الثمن الأول والثاني والثالث فاجمعوا ثم تصدقوا بمثل ثلثه » والظاهر كما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٩٧ الرقم ١٤٧٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

٢٢٩

صرح به غير واحد أن المراد التصدق بقيمة منسوبة الى ما كان من القيم ، فمن الاثنين النصف ، ومن الثلاث الثلث ، ومن الأربع الربع ، وهكذا ، وان اقتصار الأصحاب على الثلث تبعا للرواية التي يمكن أن تكون هي المستند للأصحاب فيما ذكروه في اختلاف قيم المعيب والصحيح ، والله العالم.

ويستحب ان يكون التضحية بما يشتريه مثلا والمراد انه يكره التضحية بما يربيه لخبر محمد بن الفضيل (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام « قلت : جعلت فداك كان عندي كبش سمين لاضحي به ، فلما أخذته وأضجعته نظر الي فرحمته ووقفت له ثم اني ذبحته ، فقال لي : ما كنت أحب لك ان تفعل لا تربين شيئا من هذا ثم تذبحه » بل في‌ مرسل الفقيه (٢) عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام « لا تضحي بشي‌ء من الدواجن » وهو يقتضي كراهية الأعم من الأول ، إذ الدواجن جمع داجن ، وهي الشاة التي تألف البيوت كما عن الجوهري ، وعن القاموس دجن بالمكان دجونا أقام ، والحمام والشاة وغيرهما ألفت وهي دجن ، وتسمى الدواجن رواجن أيضا ، قال في محكي القاموس : « رجن بالمكان رجونا اقام ، والإبل وغيرها ألفت ، ودابته حبسها في المنزل على العلف » والله العالم.

ويكره ان يأخذ شيئا من جلود الأضاحي لصحيح علي بن جعفر (٣) عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن جلود الأضاحي هل يصلح لمن ضحى بها ان يجعلها جرابا؟ قال : لا يصلح ان يجعلها جرابا إلا ان يتصدق بثمنها » الظاهر فيها وفي إرادة المثال من جعلها جرابا ، فلا حرمة حينئذ في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

٢٣٠

أخذها والتصرف فيها ببيع وغيره ، للاضل وبعض النصوص السابقة ، وخصوص خبر معاوية بن عمار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام السابق المسؤول فيه عن الإهاب ، وخبره الآخر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « ينتفع بجلد الأضحية ويشتري به المتاع ، وإن تصدق به فهو أفضل » مؤيدا بما تسمعه من جواز إعطائها الجزارين اجرة ، لكن عن المبسوط « لا يجوز بيع جلدها سواء كانت واجبة أو تطوعا كما لا يجوز بيع لحمها ، فان خالف تصدق بثمنه » وعن الخلاف « انه لا يجوز بيع جلودها سواء كانت تطوعا أو نذرا إلا إذا تصدق بثمنه على المساكين ، وقال أبو حنيفة أو يبيعها بآلة البيت على ان يعيرها كالقدر والفاس والمنخل والميزان ، وقال الشافعي لا يجوز بيعها بحال ، وقال عطا : يجوز بيعها على كل حال ، وقال الأوزاعي : يجوز بيعها بآلة البيت الى ان قال : دليلنا إجماع الفرقة واخبارهم ، والجلد إذا كان للمساكين فلا فرق بين ان يعطيهم إياه وثمنه » ومقتضى الأول بل والثاني الحرمة وإن صح البيع ، وإلا فلا وجه للتصدق بالثمن ، إلا انه كما ترى لا دليل عليه سوى دعوى الإجماع المزبور الذي لم أجد ما يشهد له ، بل المنافي متحقق ، والاخبار المرسلة التي قد سمعت ما ينافيها ، فالأصح الجواز.

وكذا يكره ان يعطيها الجزار اجرة للنهي عنه في صحيح معاوية بن عمار (٣) وغيره المحمول على الكراهة هنا ، لما سمعته من المرسل (٤) وخبر صفوان (٥) المتقدمين في جلود الهدي والأفضل من ذلك كله ان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الذبح الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الذبح الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الذبح الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الذبح الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الذبح الحديث ٨.

٢٣١

يتصدق بها لما سمعته من خبر معاوية ولو على الجزارين إذا كانوا من أهلها ، والله العالم.

الثالث من مناسك منى يوم النحر في الحلق أو التقصير والمعروف بين الأصحاب وجوب النسك المزبور ، بل عن المنتهى انه ذهب إليه علماؤنا أجمع إلا في قول شاذ للشيخ في التبيان إنه مندوب مع ان المحكي عن الشيخين أنهما إنما جعلاه مسنونا كالرمي ، وعن ابن إدريس انه فهم منه في الرمي الواجب بغير نص الكتاب ، ولكنه حكى عن النهاية ان الحلق والتقصير مندوب غير واجب ، وعن مجمع البيان الندب أيضا ، بل ربما كان ظاهره اتفاق الأصحاب عليه ، وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه للتأسي وما تسمعه من النصوص (١) الموجبة للحلق على الملبد أو الصرورة المخيرة لغيرهما بينهما ، والآمرة (٢) بهما إذا نسي حتى نفر أو اتى مكة ، وبالكفارة (٣) إذا طاف قبلهما ، والمعلقة (٤) للإحلال عليهما ، ولا خلاف محقق أجده في وجوب فعل أحدهما بمنى قبل المضي للطواف ، بل في كشف اللثام قطع به جماعة من الأصحاب ويظهر من آخرين ، وما عن الغنية والإصباح من انه ينبغي ان يكون بمنى يراد منه الوجوب ، وإلا كان محجوجا بما تسمعه ان شاء الله فيما لو بنى على تركه حتى خرج منهما ، وقول الصادق عليه‌السلام لسعيد الأعرج (٥) : « فان لم يكن عليهن ذبح فليأخذ عن شعورهن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الحلق والتقصير.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الحلق والتقصير.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحلق والتقصير.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٢.

٢٣٢

ويقصرن من أظفارهن ثم يمضين إلى مكة » بل المشهور كما في المدارك ان وقته يوم النحر بعد ذبح الهدي أو حلوله في رحله على القولين ، وعن أبي الصلاح جواز تأخيره إلى آخر أيام التشريق ، ولكن لا يزور البيت قبله ، بل عن الفاضل في المنتهى والتذكرة انه استحسنه ، لأن الله تعالى بين أوله بقوله (١) : ( حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) ولم يبين آخره ، فمتى أتى به أجزء كالطواف للزيارة والسعي ، ولكن لا ريب في أن الأحوط إيقاعه يوم النحر للاتفاق على كونه وقتا لذلك ، والشك فيما عداه.

وكيف كان فإذا فرغ من الذبح فهو مخير ان شاء حلق وان شاء قصر والحلق أفضل الفردين الواجبين ، فينوي فيه الوجوب أيضا ، وعلى كل حال فلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك في الحاج والمعتمر مفردة غير الملبد والصرورة ومعقوص الشعر ، بل عن التذكرة الإجماع عليه كما عن المنتهى نفي علم الخلاف فيه ، مضافا الى‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (٢) الذي رواه ابن إدريس عن نوادر البزنطي « من لبد شعره أو عقصه فليس عليه أن يقصر وعليه الحلق ، ومن لم يلبد تخير إن شاء قصر وان شاء حلق ، والحلق أفضل » كقوله عليه‌السلام لسالم أبي الفضل (٣) إذا اعتمر فسأله فقال : « احلق فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترحم على المحلقين ثلاث مرات ، وعلى المقصرين مرة واحدة » وقوله عليه‌السلام أيضا في صحيح الحلبي (٤) « استغفر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للمحلقين ثلاث مرات » وفي‌ حسن حريز (٥) قال : « رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحديبية : اللهم اغفر للمحلقين ،

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ١٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ١٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ٦.

٢٣٣

قيل : وللمقصرين يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : وللمقصرين ».

وفي النافع والقواعد ومحكي الجمل والعقود والسرائر والغنية بل في المدارك أنه المشهور أنه يتأكد في حق من لم يحج المسمى بـ ( الصرورة ومن لبد شعره ) بعسل أو صمغ لئلا يقمل أو يتسخ ( أو يتوسخ خ ل ) وقيل والقائل الشيخ في محكي النهاية والمبسوط وابن حمزة في محكي الوسيلة لا يجزئهما إلا الحلق وكذا عن المقنع والتهذيب والجامع مع زيادة المعقوص وعن المقنعة والاقتصاد والمصباح ومختصره والكافي في الصرورة ، وعن ابن أبي عقيل في الملبد والمعقوص ولم يذكر الصرورة ، ومال إليه في المدارك.

وعلى كل حال فـ (الأول أظهر ) عند المصنف للأصل وإطلاق قوله تعالى (١) ( مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ) بعد العلم بعدم إرادة الجمع والتفصيل الموجب للإجمال ، فتعين التخيير على الإطلاق كظاهر حسن حريز (٢) السابق المشتمل على دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهما ، إلا انهما معا خصوصا الأخير كما ترى ضرورة وجوب تقييدهما بقول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي السابق ، ] وصحيح هشام بن سالم (٣) « إذا عقص الرجل رأسه أو لبده في الحج أو العمرة فقد وجب عليه الحلق » وفي‌ خبر أبي سعيد (٤) « يجب الحلق على ثلاثة نفر رجل لبد ، ورجل حج بدءا ولم يحج قبلها ، ورجل عقص رأسه » وفي خبر ابى بصير (٥) « على الصرورة أن يحلق رأسه ولا يقصر ، إنما التقصير لمن قد‌

__________________

(١) سورة الفتح ـ الآية ٢٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ـ ٣ الموجود في التهذيب ج ٥ ص ٤٨٥ الرقم ١٧٣٩ عن أبي سعد.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ٥.

٢٣٤

حج حجة الإسلام » وفي‌ صحيح معاوية وحسنه (١) « ينبغي للصرورة أن يحلق وان كان قد حج فان شاء قصر وإن شاء حلق ، فإذا لبد شعره أو عقصه فان عليه الحلق وليس له التقصير » وفي صحيحه (٢) أيضا « إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبدته فقد وجب عليك الحلق وليس لك التقصير ، وان أنت لم تفعل فمخير لك التقصير والحلق في الحج ، وليس في المتعة إلا التقصير » وفي‌ خبر بكير بن خالد (٣) « ليس للصرورة أن يقصر » وسأله عليه‌السلام عمار (٤) « عن رجل برأسه قروح لا يقدر على الحلق فقال : إن كان قد حج قبلها فليجز شعره ، وإن كان لم يحج فلا بد له من الحلق » وسأله عليه‌السلام أيضا سليمان بن مهران (٥) « كيف صار الحلق على الصرورة واجبا دون من قد حج قال : ليصير بذلك موسما بسمة الآمنين ، ألا تسمع قول الله عز وجل (٦) ( لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ ) » ولا داعي إلى حملها على التأكد ، وقوله عليه‌السلام : « ينبغي » في الصحيح والحسن مع انه في الصرورة خاصة لا صراحة فيه بعدم الوجوب ، بل ولا ظهور على وجه يصلح لصرف غيره عنه ، بل لعل إرادة ما لا ينافي الوجوب منه ولو بقرينة غيره أولى ، بل لعل الظاهر إرادة الوجوب منه هنا بقرينة قوله‌ « وان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١٠ عن بكر بن خالد وهو الصحيح كما في التهذيب ج ٥ ص ٢٤٣ الرقم ٨٢٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١٤.

(٦) سورة الفتح ـ الآية ٢٧.

٢٣٥

كان قد حج فان شاء » الى آخره ، فان مفهومه نفي المشية عن الذي لم يحج ، وهو الصرورة ، وهو نص في الوجوب ، لان الاستحباب لا يجامع نفي المشية اللهم إلا أن يقال إن الشهرة ترجح على غيرها من القرائن ، خصوصا بعد شم رائحة الندب مما سمعته في خبر ابن مهران ، واشتهار إرادة التأكد من نحو ذلك ، والله العالم.

وليس على النساء حلق لا تعيينا ولا تخييرا بلا خلاف أجده ، بل عن التحرير والمنتهى الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد‌ قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وصيته (١) لعلي عليه‌السلام : « ليس على النساء جمعة ـ الى أن قال ـ : ولا استلام الحجر ولا الحلق » والصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (٢) : « ليس على النساء حلق ويجزيهن التقصير » بل يحرم عليهن ذلك بلا خلاف أجده فيه أيضا ، بل عن المختلف الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد‌ المرتضوي (٣) « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تحلق المرأة رأسها » أي في الإحلال لا مطلقا ، فان الظاهر عدم حرمته عليها في غير المصاب المقتضي للجزع ، للأصل السالم عن معارضة دليل معتبر اللهم إلا أن يكون هناك شهرة بين الأصحاب تصلح جابرا لنحو المرسل المزبور بناء على إرادة الإطلاق ، فيكون كحلق اللحية للرجال.

وعلى كل حال فلا إشكال في عدم جوازه نسكا ، وحينئذ فـ (يتعين في حقهن التقصير ) بلا خلاف أجده فيه أيضا ، لقول أحدهما عليهما‌السلام في خبر علي بن حمزة (٤) « وتقصر المرأة ويحلق الرجل ، وان شاء قصر ان كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٣.

(٣) كنز العمال ج ٣ ص ٥٨ الرقم ١٦٠١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٢.

٢٣٦

قد حج قبل ذلك » ولما سمعته من أمر الصادق عليه‌السلام بالأخذ من شعورهن والتقصير من أظفارهن في صحيح سعيد الأعرج (١) السابق ، كقوله عليه‌السلام في مرسل ابن أبي عمير (٢) « تقصر المرأة لعمرتها مقدار الأنملة » وله قال المصنف : ويجزيهن منه ولو مثل الأنملة كما في القواعد والنافع ومحكي التهذيب والنهاية والمبسوط والوسيلة والجامع ، لكن الأولى الجمع بينه وبين التقصير من الأظفار أيضا ، لما سمعته في صحيح الأعرج ، كما أن الاولى مراعاة القدر المزبور الذي يظهر من المصنف انه أقل المجزي وان كان المحكي عن المختلف وغيره انه كناية عن المسمى ، بل قيل هو ظاهر المنتهى والتذكرة ، للأصل مع عدم ثبوت الزيادة ، وإطلاق الأخذ من الشعر في صحيح الأعرج ، وترك الاستفصال في‌ حسن الحلبي (٣) عن الصادق عليه‌السلام قال له عليه‌السلام : « انى لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي ولم اقصر قال : عليك بدنة ، قال قلت : انى لما أردت ذلك منها ولم تكن قصرت امتنعت ، فلما غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها ، فقال رحمها الله كانت أفقه منك ، عليك بدنة وليس عليها شي‌ء » نعم ما عن ظاهر أبي علي من انها لا يجزيها في التقصير ما دون القبضة لا نعرف له مأخذا ، وعن الشهيد حمله على الندب ، بل قد يظهر من القواعد والنافع وغيرهما تحقق التقصير بذلك للرجل أيضا ، قيل : للأصل ول‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر عمر بن يزيد (٤) « ثم ائت منزلك تقصر من شعرك ، وحل لك كل شي‌ء » وإطلاق التقصير في حسن الحلبي (٥) السابق ، إلا انهما معا كما ترى لا تقدير فيهما بالأنملة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التقصير ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التقصير ـ الحديث ـ ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التقصير ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٣.

٢٣٧

التي لا يتوقف صدق التقصير من الشعر عليها عرفا كما هو واضح.

وكيف كان ففي القواعد في إجزاء الحلق للامرأة لو فعلته عن التقصير نظر ، وفي كشف اللثام « من التباين شرعا ، ولذا وجبت الكفارة على من حلق في عمرة التمتع ، وهو ظاهر الآية (١) والتخيير بينهما وإيجاب أحدهما وتحريم الآخر ومن أن أول جزء من الحلق بل كله تقصير ، ولذا لم يرد فيمن حلق في عمرة التمتع وجوب تقصير عليه بعده ، بل قال وهو الوجه ان لم ينو الحلق أولا بل التقصير أو أخذ الشعر » وفيه منع تحقق التقصير بأول جزء من الحلق ، وعدم ورود التقصير فيمن حلق في عمرة التمتع للاتكال على وجوبه عليه ، على انه بعد أن عرفت حرمة الحلق عليهن كيف يتصور إجزاؤه عن الواجب ، إذ أقصاه بعد التسليم كونه فردا من التقصير منهيا عنه ، فلا يجزي عن الواجب ، فتأمل جيدا.

والخنثى المشكل تقصر إذا لم تكن أحد الثلاثة ، بل وإن كانت على القول بالتخيير أيضا ، اما على القول بالوجوب فيتعين عليها فعلهما مقدمة بناء على أن حرمة الحلق على النساء تشريعية كما هو الظاهر ، فتسقط للاحتياط وإلا كان المتجه التخيير ، والله العالم.

ويجب تقديم الحلق أو التقصير على زيارة البيت لطواف الحج والسعي بلا خلاف أجده فيه ، وفي كشف اللثام « كأنه لا خلاف فيه » وفي المدارك « لا ريب في وجوب تقديمهما على زيارة البيت للتأسي وللأخبار الكثيرة » ولعل مراده ما تسمعه من النصوص (٢) الآمرة بإعادته للناسي أو مطلقا وبالشاة للعالم ، لكن في الرياض ـ بعد الاعتراف بنفي خلاف ظاهر فيه في جملة‌

__________________

(١) سورة الفتح ـ الآية ٢٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ و ٢ ـ من أبواب الحلق والتقصير.

٢٣٨

من العبائر ـ قال : « فان تم إجماعا وإلا فظاهر الصحيح المتقدم وغيره ـ المتضمنين للفظي « لا حرج » و « ينبغي » كالصحيح الآتي المتضمن أيضا للفظ « لا ينبغي » ـ خلافه ، ولا ينافيه إيجاب الدم في الأخير لإمكان الحمل على الاستحباب لكن لا خروج عما عليه الأصحاب » ومراده بالصحيح الأول‌ صحيح جميل (١) عن الصادق عليه‌السلام « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاه أناس يوم النحر فقال بعضهم يا رسول الله حلقت قبل ان اذبح ، وقال بعضهم حلقت قبل ان أرمي فلم يتركوا شيئا كان ينبغي لهم ان يقدموه إلا أخروه ، ولا شيئا كان لهم ان يؤخروه إلا قدموه ، فقال لا حرج » والظاهر كما في كشف اللثام إنما ينفي الإثم عن الجاهل والناسي أو أحدهما ، واما الآخر فهو‌ صحيح جميل (٢) أيضا وحسنه سأل الصادق عليه‌السلام « عن الرجل يزور البيت قبل ان يحلق فقال : لا ينبغي إلا ان يكون ناسيا ، ثم قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاه أناس يوم النحر » الى آخر ما سمعته آنفا ، ونحوه صحيح محمد بن حمران (٣) عنه عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

(٢) لم يرد صاحب الرياض ١ بقوله : « كالصحيح الآتي » إلا صحيحة محمد بن مسلم الآتية في الجواهر ص ٢٤٠ حيث انها دلت على وجوب الشاة على العالم مع اشتمالها على لفظة « لا ينبغي » كما انه ذكرها في الرياض بعد أسطر ، فما ذكره صاحب الجواهر ( قده ) « واما الآخر فهو صحيح جميل أيضا وحسنه » غير صحيح ، إذ لم يذكر فيه لزوم الدم ابدا ، على انه ليس لجميل في المقام إلا رواية واحدة نقلت بطريقين ، ذكر في صدرها عن الرجل يزور البيت ... الى آخره » وفي ذيلها‌ « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاه أناس ... إلخ ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٢.

٢٣٩

أيضا ، لكن يمكن إرادة النهي منه ولو بقرينة شهرة الأصحاب وما تسمعه من النصوص.

وعلى كل حال فـ (لو قدم ذلك على التقصير عامدا جبره بشاة ) بلا خلاف أجده فيه ، بل نسبه بعض الى قطع الأصحاب وان أغفل في بعض الكتب كمحكي المقنعة والمراسل والغنية والكافي ، ونسبه في الدروس الى الشيخ واتباعه بل عن ابن حمزة فإن زار البيت قبل الحلق أعاد الطواف بعده ، وان تركه عمدا لزمه دم شاة ، فيحتمل ترك الإعادة أو إرادة ترك الحلق حتى زار إلا ان الجميع ليس خلافا محققا ، وفي‌ صحيح ابن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في رجل زار البيت قبل ان يحلق فقال : ان كان زار البيت وهو عالم ان ذلك لا ينبغي فإن عليه دم شاة » وهو ظاهر في الوجوب المقتضي لوجوب الترتيب عليه ، بل هو مشعر بإرادة عدم الجواز من قول « لا ينبغي » في غيره من النصوص ، فما سمعته من الرياض من إمكان إرادة ندب الدم فيه في غير محله ، نعم هو خال عن ذكر الإعادة التي مقتضى الأصل نفيها أيضا ، بل في الدروس نسبة ذلك الى ظاهرهم ، بل عن الصيمري التصريح به ، ولكن فيه انه معارض بما حكاه ثاني الشهيدين من الإجماع على وجوب الإعادة الذي يشهد له أولويته من الناسي ، وترك الاستفصال في‌ صحيح ابن يقطين (٢) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المرأة رمت العقبة وذبحت ولم تقصر حتى زارت البيت وطافت وسعت من الليل ما حالها وما حال الرجل إذا فعل ذلك ، قال : لا بأس به يقصر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ١.

٢٤٠