جواهر الكلام - ج ١٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

جواز البيع إلا انه وجهه في المسالك بان الواجب كان ذبحه بمحله ، فإذا تعذر سقط ، فيجوز بيعه وتستحب الصدقة بثمنه كما تستحب الصدقة ببعض لحمه ، ثم قال : وهذا الحكم ذكره المصنف والعلامة وجماعة ، وينبغي تقييده بما إذا لم يكن مضمونا كالكفارات والمنذور ، فإنه يجب حينئذ إقامة بدله ، وهذا النوع يمكن جعله فردا من أفراد هدي السياق كما مر ، فلا بد من استثنائه ، إلا أن يحمل على الغالب الظاهر من كون هدي السياق هو المتبرع به ، وقد دل على الحكمين معا‌ صحيحة محمد بن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عن الهدي الذي يقلد أو يشعر ثم يعطب قال : إن كان تطوعا فليس عليه غيره ، وإن كان جزاء أو نذرا فعليه بدله » وفي حسنة الحلبي (٢) أطلق بيعه والصدقة بثمنه وإهداء هدي آخر ، وحملت على الاستحباب مع أنها مقطوعة ، فلا حجة فيها واستشكل المحقق الشيخ علي في حاشية الكتاب الحكم المذكور بأن هدي السياق صار متعينا نحره ، فكيف يجوز بيعه ، وجوابه أنه مع مدافعته النص الصحيح فلا يسمع أن الواجب إنما هو ذبحه في محله وقد تعذر فيسقط ، نعم ربما أشكل بما تقدم من وجوب ذبحه عند عجزه ، وهو قريب من الكسر ، بل العجز أعم منه ، لكن النص قد ورد بالفرق ، وفيه أولا انا لم نجد نصا فارقا بين الكسر وغيره ، بل صحيحة الحلبي (٣) السابقة مصرحة بالذبح والتعليم على الوجه المذكور مع الكسر كخبر علي بن أبي حمزة (٤) بل عن ظاهر أهل اللغة أنه المراد من العطب الذي وقع عنوانا في النصوص ، قال في القاموس : عطب كفرح هلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

٢٠١

والبعير والفرس انكسر ، وإن كان الظاهر كونه للأعم من الكسر وغيره ، وثانيا أن الذي عثرنا عليه من نصوص البيع هي‌ صحيحة محمد بن مسلم (١) سأل أحدهما عليهما‌السلام « عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه صاحبه ويستعين بثمنه في هدى آخر؟ قال : يبيعه ويتصدق بثمنه ويهدي هديا آخر » وحسنة الحلبي (٢) « سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه صاحبه ويستعين بثمنه في هدي آخر؟ قال : يبيعه ويتصدق بثمنه ويهدي هديا آخر » وموردهما كما ترى في الواجب.

ومن هنا قال في المدارك : « المستفاد من الأخبار أن هدي السياق المتبرع به متى عجز عن الوصول بكسر أو غيره وجب ذبحه في مكانه على الوجه المتقدم ، واما البيع والصدقة بالثمن مع إقامة البدل فإنما ورد في الهدي الواجب ، فيجب قصر الحكم عليه الى أن يثبت الجواز في غيره ، ومع ذلك فالأظهر كراهة بيعه للنهي عنه في صحيح ابن مسلم (٣) » قلت : وبذلك يظهر لك الاشكال فيما ذكره المصنف والفاضل وغيرهما من الفرق بين العجز عن الوصول وبين خصوص الكسر ، بل والاشكال في الحكم باستحباب الصدقة مع ظهور الأمر في الوجوب ولا صارف ، ودعوى كون صحيحة الحلبي مقطوعة لا حجة فيها يدفعها بعد التسليم اعتضادها بالصحيح الآخر ، بل ربما يؤيد وجوبها كونها قائمة مقام الصدقة بلحمه ، نعم لا وجه للإشكال في أصل البيع بما سمعته من الكركي في مقابلة النص المعتبر ، مع أنه باق على ملكه وإن وجب نحره أو ذبحه بالاشعار على ما عرفت ، كما أنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢ وفيه‌ « قال : لا يبيعه فان باعه فليتصدق بثمنه » كما في التهذيب ج ٥ ص ٢١٧ الرقم ٧٣١ وقد أشار قدس‌سره الى هذا النهي فيما يأتي قريبا.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

٢٠٢

يمكن تعدية الحكم بالبيع الى غير الواجب من سياق الهدي بالفحوى ، بل قد يقال إن المراد الواجب نحره بالاشعار ، فيشمل المتبرع به حينئذ ، ولعله لذا لم يفرق من تعرض للحكم بين افراد هدي السياق ، نعم في كشف اللثام تفسير هدي السياق الذي جعل عنوانا للمسألتين أي الذبح عند العجز والبيع والصدقة بالثمن عند الكسر بما وجب إهداؤه بالسياق انضم اليه نذر معين أو لا ، بل قال في الأول : وكذا ما وجب عينه أصالة بالنذر ونحوه معللا لجواز بيعه بخروجه بذلك عن صفة الهدي مع بقائه على الملك وصحيح حماد (١) السابق ، لكن اعترف بعد ذلك بأن الصحيح المزبور ظاهر في الواجب مطلقا لا بالسياق ، بل في نذر أو كفارة ، قال : ووجوب بدله ظاهر ، وعليه حمل في التذكرة والمنتهى ولكن فيه ما عرفته سابقا من أنه لا دليل حينئذ على البيع مع الكسر واستحباب الصدقة بالثمن في محل البحث بعد فرض ظهور الصحيح المزبور فيما ذكره ، مضافا الى عدم قرينة على تخصيص هدى السياق هنا بما ذكره ، بل لعل ظاهر النص والفتوى خلافه ، فالأولى التعميم لجميع أفراد هدي السياق في الحكمين معا وإن وجب الإبدال في المضمون كما دلت عليه النصوص السابقة.

ودعوى أنه يقتضي إعادة المبدل عنه الى الملك ولذا جاز البيع واضحة المنع كما عرفته ، بل يمكن كون البيع مع الصدقة بثمنه لكونه أعود للفقراء ، خصوصا إذا كان في مكان لا مستحق فيه ، وذبحه في المكان وتركه تغرير بإتلافه وأكل الحيوانات له ، ومن ذلك يظهر لك وجوب الصدقة بالثمن كما هو مقتضى النص باعتبار كونه عوضا عما هو للفقير.

فالتحقيق الموافق للنصوص إن لم يكن إجماع على خلافه هو التخيير في‌

__________________

(١) وهو صحيح حماد عن الحلبي المتقدم في ص ١٩٩.

٢٠٣

العاجز والمكسور ونحوهما بين ذبحه والدلالة عليه وبين بيعه والصدقة بثمنه ، ولكن مع ذلك يجب في المضمون البدل ، ومنه يعلم الاشكال فيما في المتن والقواعد وغيرهما من الفرق بين الكسر وغيره بما سمعت ، ومن استحباب الصدقة بالثمن وغير ذلك مما لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه ، وان استدل للأخير بأصل البراءة المقطوع بما عرفت ، والعسر والحرج الواضح منعهما وفي القواعد استحباب الصدقة بالثمن أو شراء بدله به نحو بعض نسخ المتن ولم نجد ما يشهد له إلا دعوى احتمال إرادة معنى « أو » من الواو في الصحيح بلا قرينة ، والله العالم.

ولا يتعين هدي السياق في حج أو عمرة للصدقة إلا بالنذر وشبهه بل سيأتي استحباب تثليثه بالأكل والصدقة والهدية ، بل استقرب الشهيد في الدروس مساواته لهدي التمتع في وجوب الأكل منه والإطعام ، ولا بأس به كما في المدارك ، لإطلاق قوله تعالى (١) ( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) المتناول لهدي التمتع وغيره ، وربما احتمل في نحو عبارة المتن إرادة ان الهدي الذي يريد سوقه لا يتعين هديا قبل السوق والاشعار إلا إذا نذره بعينه. لكنه كما ترى ، وكذا احتمال إرادة انه لا يتعين هديا بالاشعار لجواز الابدال بناء على بعض الأقوال السابقة ، وربما أيد في المختلف من أنه ان ضل فاشترى بدله فذبحه ثم وجد ما ساقه لم يجب ذبحه وان أشعره أو قلده ، لانه امتثل وخرج عن العهدة ، لكن قد عرفت ما في ذلك كله وانه بالإشعار أو التقليد يتعين ذبحه كما تقدم الكلام فيه ، نعم ظاهر العبارة ونحوها انه لا يجب في هدي السياق إلا الذبح والنحر ، وأنه لا يجب الأكل والإطعام لا هدية ولا صدقة ،

__________________

(١) سورة الحج ـ الآية ـ ٣٧.

٢٠٤

ولكنه مناف لظاهر الكتاب كما سيأتي ان شاء الله.

ولو سرق هدي السياق من غير تفريط لم يضمن وإن كان قد عينه بالنذر مثلا للأصل وما عرفته من عدم وجوب هدي السياق في الذمة وإن تعين الذبح بالاشعار ، ول‌ صحيح معاوية (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى أضحية فماتت أو سرقت قبل ان يذبحها قال : لا بأس ، وان أبدلها فهو أفضل ، وان لم يشتر فليس عليه شي‌ء » بناء على ارادة ما يعم الهدي من الأضحية أو على عدم الفرق بينهما في ذلك ، وحينئذ يتجه الاستدلال بقول الكاظم عليه‌السلام في‌ خبر علي (٢) : « إذا اشتريت أضحيتك أو قمطتها وصارت في رحلك فقد بلغ الهدي محله » ومرسل إبراهيم بن عبد الله (٣) عن رجل قال : « اشترى لي أبي شاة بمنى فسرقت فقال لي أبي ائت أبا عبد الله عليه‌السلام فاسأله عن ذلك فأتيته فأخبرته فقال لي ما ضحى بمنى شاة أفضل من شاتك » نعم يضمن إن نذر مطلقا ثم عين فيه المنذور كما سمعت ، وكذا الكفارات بل وهدي المتعة على ما عن ظاهر السرائر لوجوب الجميع في الذمة ، بل في المدارك انه قد قطع العلامة في المنتهى بأنه بعطبه أو سرقته يرجع الواجب إلى الذمة كالدين إذا رهن عليه رهن ، فان الحق متعلق بالذمة والرهن فمتى تلف الرهن استوفي من المدين ، وقال : إنه لا يعلم في ذلك خلافا ، لكن في كشف اللثام عن التهذيب والنهاية والمبسوط والجامع والتذكرة والمنتهى والتحرير عدم الضمان أيضا لمرسل احمد بن محمد بن عيسى (٤)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢ عن احمد بن محمد بن عيسى عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام والظاهر انه ليس بمرسل.

٢٠٥

عن الصادق عليه‌السلام « في رجل اشترى شاة لمتعة فسرقت منه أو هلكت فقال : ان كان أوثقها في رحله فضاعت فقد أجزأت عنه » المختص بالمتعة ، والخبرين السابقين المحتمل أخيرهما كما في كشف اللثام كونه في المندوب ، ووصف شاته بالفضل والاخبار بأنه ضحى عنه وله بذلك أجر التضحية ، وأولهما أن له حينئذ الحلق ، على أن الجميع ضعيف ، ولا جابر كي يخرج به عما تقتضيه القواعد والنصوص السابقة ، ويمكن تنزيل المتن وما شابهه على غير ذلك.

هذا كله مع عدم التفريط ، اما معه فظاهر بعض وصريح آخر الضمان مطلقا لتعين ذبحه ، لكن أشكله الكركي بأنه مناف لما سبق من عدم تعين هدي السياق للصدقة إلا بالنذر ، فان مقتضاه جواز التصرف فيه كيف شاء ، فلا وجه لضمانه مع التفريط ، ولو حمل أي ما في المتن ونحوه على المضمون في الذمة لاتجه الضمان حينئذ مع التفريط وعدمه ، وفيه عدم توقف الضمان على تعين الصدقة ، بل يكفي فيه وجوب نحره أو ذبحه بمنى ، فإذا فرط فيه قبل فعل الواجب ضمنه على معنى وجوب ذبح البدل وان لم تجب الصدقة كما هو واضح ، والله العالم.

ولو ضل فذبحه الواجد في محله عن صاحبه أجزأ عنه كما صرح به الشيخ وغيره ، لصحيح منصور بن حازم (١) عن ابى عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره فقال : إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضل عنه ، وإن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه » الذي مقتضاه كالفتاوى عدم الفرق بين المتبرع به وبين الواجب بنذر أو كفارة ، فتوقف الكركي في الواجب في غير محله ، خصوصا مع موافقته على الاجزاء في هدي التمتع الذي هو مقتضى الصحيح المزبور ، بل والفتاوى عدا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

٢٠٦

محكي التلخيص كالكفارة والنذر ، وكذا لا يشترط معرفة صاحبه بعينه ، ولا ان يكون الضلال عن تفريط (١) لإطلاق الخبر والفتاوى ، بل‌ صحيح ابن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « ان من وجد هديا ضالا فليعرفه ثم ليذبحه عن صاحبه » كالصريح في عدم اعتبار المعرفة ، نعم لو ذبحه عن نفسه أولا عن أحد لم يجز عن أحد كما تقدم الكلام فيه سابقا.

ولو ضاع فأقام بدله ثم وجد الأول ذبحه ولم يجب ذبح الأخير إن لم يكن قد أشعره ، لعدم تعينه له حينئذ بالإقامة ولو كان قد ذبح الأخير الذي هو البدل ذبح الأول ندبا كما في محكي المختلف ، لانه امتثل فخرج عن العهدة إلا أن يكون منذورا بعينه ، وفيه أن المتجه حينئذ وجوب ذبحه مع الإشعار الذي قد عرفت سابقا إيجابه الذبح ، ولذا قال في كشف اللثام : نص في التذكرة والتحرير والمنتهى على وجوبه مع الاشعار وفاقا لغيره ، بل هو مقتضى الأمر في‌ صحيح الحلبي (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل أن يشعرها أو يقلدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر فيجد هديه ، قال : إن لم يكن أشعرها فهي من ماله إن شاء نحرها وإن شاء باعها ، وإن كان أشعرها نحرها » ودعوى إرادة الندب منه لا شاهد لها حتى‌ خبر أبي بصير (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى كبشا فهلك منه قال : يشتري مكانه آخر ، قلت : فان اشترى مكانه آخر ثم وجد‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية ولكن التحقيق ان تكون العبارة هكذا « ولا ان لا يكون الضلال عن تفريط ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ـ ٢.

٢٠٧

الأول قال : إن كان جميعا قائمين فليذبح الأول وليبع الأخير ، وإن شاء ذبحه وإن كان قد ذبح الأخير ذبح الأول معه » بعد ضعف سنده بمحمد بن سنان كما في المدارك ، وعدم تعرضه لهدي السياق ، بل لعل الظاهر ان المسؤول عنه فيه هدي التمتع على أنه أمر فيه أيضا بذبح الأول مع ذبح الأخير ، فمن الغريب ما في المسالك من دعوى كون مستند المصنف والجماعة صحيح أبي بصير مشيرا به الى الخبر المزبور ، كما أن من الغريب الاستدلال له في المدارك بالصحيح الأول مع عدم ذكر خلاف في المسألة ، بل حكاه عن المصنف والعلامة في جملة من كتبه مع انك قد سمعت ما عن المنتهى والتذكرة والتحرير وغيرها.

ثم إن فيهما معا إشكال المتن وغيره بظهوره في وجوب اقامة البدل في هدي السياق المتبرع به ، ووجوب ذبحه إذا لم يجد الأول ، وهو مناف لما تقدم من عدم وجوب اقامة البدل لو هلك ، ثم أجاب عنه في المسالك إما بالتزام وجوب البدل مع الضياع وسقوطه مع السرقة والهلاك ، ولا بد في ذلك بعد ورود النص وإما بتخصيص الضياع بما وقع منه بتفريط ، وفيه أولا أنه لا ظهور في المتن في ذلك ضرورة أعمية إقامة البدل المذكورة في المتن من الوجوب ، لصدقها مع الجواز ، كما أن وجوب الذبح بعد الاشعار لا يقتضي ذلك أيضا ، وثانيا انه لا نص يقتضي الفرق بين الضياع وبين الهلاك والسرقة ، إذ لم نعثر كما اعترف به غيرنا أيضا إلا على الخبرين المزبورين الواضح عدم دلالتهما على ذلك ، ثم قال في المدارك : انه يمكن حمل عبارة المصنف على الهدي الواجب ليتم وجوب اقامة بدله ، ويكون المراد انه لو وجد الأول بعد ذبح الأخير لم يجب ذبحه ، لقيام البدل مقامه إلا إذا كان منذورا على التعيين ، فيجب ذبحه حينئذ بعد ذبح الأخير لتعينه بالنذر لذلك ، وفيه ـ مع عدم قرينة على التنزيل المزبور بل‌

٢٠٨

الظاهر خلافه ـ منع عدم وجوب ذبحه وان كان قد ذبح الأخير مع فرض إشعاره أو تقليده كما عرفته سابقا ، فالتحقيق عدم وجوب الإبدال في المتبرع به وإن كان قد أشعره ، كما أنه يجب عليه ذبحه مع ذبح الأخير وعدمه إذا كان قد أشعره ، نعم لا يجب عليه ذبح ما لم يشعر منهما ، والله العالم.

ويجوز ركوب الهدي المتبرع به ما لم يضر به ، وشرب لبنه ما لم يضر بولده بلا خلاف أجده فيه ، بل في المدارك هو موضع وفاق ، وعن غيرها الإجماع مطلقا إلا من الإسكافي في الواجب ، بل ولا اشكال بناء على ما عرفته سابقا من عدم خروجه عن ملكه بالاشعار والتقليد وإن تعين للذبح ، مضافا الى كونه المتيقن من نصوص المقام ، كقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي الصباح الكناني (١) وأبي بصير (٢) في قوله تعالى (٣) ( لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) « ان احتاج الى ظهرها ركبها من غير أن يعنف بها ، وان كان لها لبن حلبها حلبا لا ينهكها » وفي‌ صحيح سليمان بن خالد (٤) « ان نتجت بدنتك فاحلبها ما لم يضر بولدها ، ثم انحرهما جميعا ، قلت : أشرب من لبنها وأسقي قال : نعم ، وقال : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا رأى أناسا يمشون قد جهدهم المشي حملهم على بدنه ، وقال : ان ضلت راحلة الرجل أو هلكت ومعه هدي فليركب على هديه » وفي‌ صحيح حريز (٥) « كان علي عليه‌السلام إذا ساق البدن ومر على المشاة حملهم على بدنه ، وإن ضلت راحلة رجل ومعه بدنة ركبها غير مضر ولا مثقل » وفي‌ صحيح منصور (٦) « كان علي عليه‌السلام يحلب البدن ويحمل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥.

(٣) سورة الحج ـ الآية ٣٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

٢٠٩

عليها غير مضر » وسأله عليه‌السلام يعقوب بن شعيب (١) في الصحيح « عن رجل يركب هديه ان احتاج اليه فقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يركبها غير مجهد ولا متعب » كما ان‌ ابن مسلم (٢) سأل أبا جعفر عليه‌السلام في الصحيح « عن البدنة تنتج أيحلبها قال : احلبها غير مضر بالولد ثم انحرهما جميعا ، قلت : يشرب من لبنها قال : نعم ويسقي إن شاء » بل لعل إطلاقها شامل للهدي الواجب مطلقا سواء كان مضمونا أو غير مضمون كما هو المشهور خلافا للمحكي عن أبي علي ، قال : « لا بأس بأن يشرب من لبن هديه ، ولا يختار ذلك في المضمون ، فان فعل غرم قيمة ما شرب من لبنها لمساكين الحرم » مع انه غير صريح في المخالفة لكنه نفى عنه البأس في المختلف ، بل في المسالك بعد أن حمل عبارة المتن على المتبرع به قال « ولو كان الهدي مضمونا كالكفارات والنذور لم يجز تناول شي‌ء منه ولا الانتفاع به مطلقا ، فان فعل ضمن قيمته أو مثله للمستحق أصله ، وهو مساكين الحرم » وفي الحدائق التفصيل بما سمعته سابقا من الفاضل ، وعن المنتهى الإجماع على الاستثناء ، فان تم وإلا كان الجميع كما ترى اجتهادا في مقابلة إطلاق النصوص بل وفتاوى كثير كما اعترف به في الرياض المتناول لجميع الأفراد حتى الواجب المعين بالنذر ونحوه وإن قلنا بخروجه عن الملك بذلك ، إذ الإباحة الشرعية الثابتة من الإطلاق المزبور لا تنافي ذلك ، ودعوى كون المراد من الإطلاق المزبور غير المضمون لا دليل عليها ، نعم في‌ خبر السكوني (٣) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام « انه سئل ما بال البدنة تقلد النعل وتشعر؟ فقال : اما النعل فيعرف أنها بدنة ، ويعرفها صاحبها بنعله ، واما الاشعار فيحرم ظهرها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٨.

٢١٠

على صاحبها من حيث أشعرها ، فلا يستطيع الشيطان أن يتسنمها » لكن لقصوره عن المعارضة من وجوه ينبغي حمله على الكراهة ، أو على صورة الإضرار على انه بالنسبة إلى الركوب خاصة ، وحينئذ فالإطلاق بحاله في الشمول المزبور ، كما أن الأمر بذبح ولدها معها شامل لما إذا كان موجودا حال السياق وسيق معها أو متجددا بعد ، من غير فرق بين قصده مع الإمام في السوق وعدمه ، ومن هنا أطلق في محكي النهاية والمبسوط والتهذيب والسرائر والجامع ان الهدي إذا نتجت فالولد هدي.

نعم لو كان متولدا حال السوق ولم يقصد سوقه لم يجب ذبحه للأصل بعد ظهور النصوص في غيره ، فلو أضر به شرب اللبن حينئذ فلا ضمان ، لكونه ماله وأما الصوف والشعر ففي المدارك بل في الحدائق نسبته إلى الأصحاب أنه ان كان موجودا عند التعيين تبعه ولم يجز إزالته إلا أن يضربه فيزيله ويتصدق به على الفقراء ، وليس له التصرف فيه ، ولو تجدد بعد التعيين كان كاللبن والولد ، وفيه أن المتجه مع عدم النص فيه بالخصوص مراعاة القواعد في المتجدد بالنسبة إلى بقاء الهدي على ملك صاحبه وعدمه كالهدي المتبرع به وغيره مما كان معينا بنذر ونحوه وقلنا بخروجه عن الملك ، فيحكم في الأول بجواز التصرف فيه بما شاء بخلاف الثاني ، على أن قوله كاللبن والولد غير واضح الوجه بعد ما عرفت من جواز شرب اللبن وسقيه ووجوب ذبح الولد.

ثم إن ظاهر قول المصنف ما لم يضر بها أو بولدها عدم الجواز مع ذلك ، لظاهر النصوص ، بل صرح غير واحد بالضمان أيضا وإن كان لا يخلو من نظر كما ان ما عن الدروس من أن الأفضل الصدقة باللبن إذا فضل عن الولد كذلك أيضا ، لعدم الدليل ، وإن كان الأمر سهلا بعد ملاحظة التسامح ، والله العالم.

وكل هدي واجب بغير الاشعار والتقليد نحو هدي القران بل كان‌

٢١١

ك هدي الكفارات والفداء والنذر ونحو ذلك غير هدي التمتع لا يجوز ان يعطى الجزار منها شيئا عوضا عن ذبحه ولا أخذ شي‌ء من جلودها ولا أكل شي‌ء منها ، فإن أكل تصدق بثمن ما أكل وفاقا للمشهور ، بل في محكي المنتهى والتذكرة لا يجوز الأكل من كل واجب غير هدي التمتع ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، مضافا الى تعلق حق الفقراء سيما في نحو النذر ، والى‌ صحيح الحلبي (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن فداء الصيد يأكل صاحبه من لحمه قال : يأكل من أضحيته ويتصدق بالفداء » وصحيح معاوية (٢) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن الإهاب فقال : تصدق به أو تجعله مصلى تنتفع به في البيت ولا تعطي الجزارين ، وقال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يعطى جلالها وجلودها وقلائدها الجزارين ، وأمر ان يتصدق بها » وحسن حفص بن البختري (٣) « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يعطى الجزار من جلود الهدي وجلالها شيئا » وخبر البصري (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن الهدي ما يؤكل منه قال : كل هدي من نقصان الحج فلا تأكل منه ، وكل هدي من تمام الحج فكل » ومضمر أبي بصير (٥) سأله عليه‌السلام « عن رجل أهدي هديا فانكسر قال : إن كان مضمونا والمضمون ما كان في يمين يعني نذرا أو جزاء فعليه فداؤه ، قلت : أيأكل منه؟ قال : لا انما هو للمساكين ، فان لم يكن مضمونا فليس عليه شي‌ء ، قلت أيأكل منه قال : يأكل منه » وخبر أبي البختري (٦) المروي عن قرب الاسناد عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام « ان علي بن أبي طالب عليه‌السلام كان يقول : لا يأكل المحرم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح الحديث ١٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ـ ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح الحديث ١٦.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح الحديث ٢٧.

٢١٢

من الفدية ولا الكفارات ولا جزاء الصيد ، ويأكل مما سوى ذلك » وخبر السكوني (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « إذا أكل الرجل من الهدي تطوعا فلا شي‌ء عليه ، وإن كان واجبا فعليه قيمة ما أكل » وفي الفقيه في رواية حماد عن حريز (٢) « ان الهدي المضمون لا يؤكل منه إذا عطب ، فإن أكل منه غرم ».

لكن في‌ الكافي (٣) روى أيضا « انه يأكل منه مضمونا كان أو غير مضمون » بل في‌ خبر عبد الملك القمي (٤) عن الصادق عليه‌السلام « يؤكل من كل هدي نذرا كان أو جزاء » وفي‌ خبر جعفر بن بشير (٥) عنه عليه‌السلام أيضا سأله « عن البدنة التي تكون جزاء الايمان والنساء ولغيره يؤكل منها قال : نعم يؤكل من كل البدن » وخبره الآخر (٦) عنه عليه‌السلام أيضا « يؤكل من الهدي كله مضمونا كان أو غير مضمون » وفي‌ خبر عمر بن يزيد (٧) عنه عليه‌السلام أيضا قال : « قال الله في كتابه (٨) ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا فالصيام ثلاثة أيام والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام ، والنسك شاة يذبحها فيأكل ويطعم ، وإنما عليه واحد من ذلك » وفي الفقيه (٩) عنهم عليهم‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح الحديث ٢٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح الحديث ١٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح الحديث ١٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح الحديث ٧.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٦ عن عبد الله ابن يحيى الكاهلي.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ٢.

(٨) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٧.

٢١٣

« انما يجوز للرجل ان يدفع الأضحية الى من يسلخها بجلدها ، لان الله عز وجل قال ( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا ) » والجلد لا يؤكل ولا يطعم » وفي‌ خبر صفوان بن يحيى (١) المروي عن العلل « انه سأل الكاظم عليه‌السلام الرجل يعطي الأضحية من يسلخها بجلدها قال : لا بأس به ، قال الله عز وجل ( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا ) والجلد لا يؤكل ولا يطعم » ولعله لذلك مع الأصل كان المحكي عن ابن إدريس كراهة إعطاء الجزار الجلد جمعا بين ذلك وبين النهي السابق ، وإن نوقش بان ظاهر الأضحية المستحب ، لكن يدفعه ظهور الاستدلال في العموم ان لم يكن صراحته فيه.

نعم هو قاصر عن المعارضة بالشهرة العظيمة وغيرها ، فلذا كان العمل على المشهور ، كما ان ما عن النهاية من انه يستحب ان لا يأخذ شيئا من جلود الهدي والأضاحي بل يتصدق بها كلها ، ولا يجوز أيضا ان يعطيه الجزار فإن أراد ان يخرج منها شيئا لحاجته الى ذلك تصدق بثمنه ، ونحوه عن المبسوط كذلك أيضا ، وان قيل إنما حرم الثاني دون الأول للنهي عنه من غير معارض بخلاف الأول ، فإنك قد سمعت ما في صحيح معاوية (٢) عن الصادق عليه‌السلام ولكن فيه ـ مع ان المعارض لكل منهما حاصل كما عرفت ـ عدم المكافاة ، فالأولى اجتنابه اجمع وخصوصا بالنسبة إلى الأكل الذي قد عرفت حكاية الإجماع عليه ، وان سمعت ما في النصوص السابقة المحتمل لحال الضرورة مع غرامة القيمة كما عن الشيخ ، بل قيل إنه غير نص في أكل المالك وان كان هو بعيدا ، فتخص الآية حينئذ بغير ذلك.

هذا كله في إعطاء الجزار الإهاب والقلائد والجلال واللحم على وجه الأجرة ، اما إذا كان على وجه الصدقة مع كونه من أهلها فلا بأس كما صرح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ـ ٥.

٢١٤

به في المدارك ومحكي الكافي والغنية والإصباح وإن لم يذكر الجلال في الأخير ، والقلائد أيضا في سابقه ، وعن المقنع في هدي المتعة « ولا تعط الجزار جلودها ولا قلائدها ولا جلالها ولكن تصدق بها ، ولا تعط السلاخ منها » وقد تقدم بعض الكلام في ذلك ، والله العالم.

ومن نذر ان ينحر بدنة فان عين موضعا وجب ، وان أطلق نحرها بمكة كما في النافع والقواعد بل ومحكي النهاية والمبسوط والسرائر وان خصت من مكة فناء الكعبة ، وهو مع انه أحوط موافق لما تسمعه من الخبر (١) الا انه ليس خلافا في أصل الحكم الذي ينبغي القطع به في الأول ، فإن البدنة وان كانت اسما للناقة والبقرة التي تنحر بمكة كما في القاموس ، أو لما ينحر فيها أو في منى من الإبل خاصة ، أو والبقر أيضا الا ان تعيين المكان من الناذر قرينة على عدم ارادة ذلك كما يشهد له‌ خبر محمد (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في رجل قال عليه بدنة ينحرها بالكوفة فقال عليه‌السلام : إذا سمى مكانا فلينحر فيه » وخبر إسحاق الأزرق الصائغ (٣) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل جعل الله تعالى عليه بدنة ينحرها بالكوفة في شكر ، فقال عليه‌السلام لي : عليه أن ينحرها حيث جعل الله تعالى عليه ، وان لم يكن سمى بلدا فإنه ينحرها قبالة الكعبة منحر البدن » ومن الأخير ـ مضافا الى الاعتضاد بمفهوم الأول ، وبقوله تعالى (٤) ( ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) وبما عرفت من كون البدنة اسما لذلك ، وبما عن الغنية « من انه إن نذر الهدي وعين موضعا تعين وإلا ذبحه أو نحره قبالة الكعبة للإجماع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من كتاب النذر والعهد ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٤) سورة الحج ـ الآية ٣٤.

٢١٥

والاحتياط » بل وما عن الخلاف « من أن ما يجب من الدماء بالنذر إن قيده ببلدة أو بقعة لزمه في الذي عينه بالنذر ، وإلا لم ينحر إلا بمكة قبالة الكعبة بالحزورة للإجماع » بل عن بعض أن الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ـ يظهر الوجه في الحكم في الثاني وإن توقف فيه جماعة من متأخري المتأخرين مستوجهين النحر حيث شاء للأصل والإطلاق الذين لا يخرج عنهما بالخبر المزبور بعد ضعفه ولكن فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه.

نعم لو لم يكن المنذور بدنة أو هديا أو نحو ذلك مما هو ظاهر كون المراد مكة اتجه حينئذ التخيير بين سائر الأمكنة ، وما سمعته من إجماع الخلاف يمكن تنزيله على إرادة نذر الهدي أو البدن أو نحو ذلك مما يكون ظاهرا في إرادة مكة ، بل ربما قيل بعدم صحة نذر الهدي الى غيرهما أو نحره في غيرهما ، وان كان فيه أن الهدي وان كان اسما لما ينحر فيهما لكن قد عرفت ان التصريح بغير المكان قرينة على إرادة غير ذلك من الهدي ، فالتحقيق حينئذ ملاحظة مصداق عنوان النذر مثلا مع عدم القرينة فضلا عن التصريح ، وإلا أتبعا ، وبذلك يظهر لك عدم مخالفة المسألة للأصول بعد ما عرفت من كون الهدي اسما للنحر والذبح في المكان المخصوص ، وكذا البدن ، أما مع إطلاق نذر الذبح والنحر فلا إشكال في الاجتزاء بأي مكان شاء مع فرض عدم انصراف للإطلاق إلى فرد ، والله العالم.

ويستحب كما في القواعد ان يأكل من هدي السياق غير الواجب من كفارة أو نذر للصدقة وان يهدي ثلثه ويتصدق بثلثه كهدي التمتع‌ للموثق عن شعيب العقرقوفي (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : سقت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٨.

٢١٦

في العمرة بدنة فأين انحرها؟ قال بمكة ، قلت : فأي شي‌ء أعطي منها؟ قال : كل ثلثا وتصدق بثلث واهد ثلثا » وفي‌ صحيح سيف التمار (١) عنه عليه‌السلام « ان سعد ابن عبد الملك ساق هديا في حجه فلقي أبا جعفر عليه‌السلام فسأله كيف نصنع به؟ فقال أطعم أهلك ثلثا ، واطعم القانع والمعتر ثلثا ، واطعم المساكين ثلثا ، فقلت : المساكين هم السؤال فقال : نعم ، وقال : القانع الذي يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها ، والمعتر ينبغي له أكثر من ذلك هو أغنى من القانع ، يعتريك فلم يسألك » ولم يقيد المصنف والفاضل الأكل بالثلث ، لتعذره أو تعسره غالبا فيكفي فيه المسمى ، ولذا نطقت الاخبار (٢) بان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بأن يؤخذ من كل بدنة من بدنة جذوة فطبخت وأكل هو وأمير المؤمنين عليهما‌السلام وحسيا المرق ، ولعل الأمر بالثلث في الخبر الأول محمول على إرادة أكل أهله معه أو من يقوم مقامهم ، وعن ابن إدريس التصريح بوجوب الثلاثة كما في هدي التمتع لما مر من الدليل ، وفي كشف اللثام وكلام الحلبي وابن سعيد يحتمل الأمرين ، والمصنف يحتمل أن يقول بالوجوب ، وانما ذكر الاستحباب بناء عليه في هدي التمتع ، ولم يتبعه حينئذ بالوجوب اكتفاء بما قدم ، وان لا يقول إلا بالاستحباب بناء على أن أصل هذا الهدي الاستحباب وإن تعين بالسوق للذبح بمعنى انه ليس له بيعه ونحوه ، بل قد سمعت عن المختلف انه لم يوجب الذبح ، وقال : قد حصل الامتثال بالسوق بعد الإشعار أو التقليد ، قلت : ويأتي مثله في عبارة المصنف.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣ وفيه‌ « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إن سعيد بن عبد الملك » وهو سهو فان الموجود في التهذيب ج ٥ ص ٢٢٣ الرقم ٧٥٣ « إن سعد بن عبد الملك ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢ و ١١ و ٢١.

٢١٧

والوجوب وان كان أحوط بل هو متقضى الآية لكن ظاهر المصنف والفاضل الندب خصوصا بعد قولهما وكذا الأضحية أي يستحب أن يأكل منها ثلثا ويهدي ثلثا ويتصدق بثلث ، لقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبة (١) له : « وإذا ضحيتم فكلوا وأطعموا وأهدوا واحمدوا الله على ما رزقكم من بهيمة الأنعام » ولما‌ روي (٢) « من ان علي بن الحسين والباقر عليهم‌السلام كانا يتصدقان بثلث الأضاحي على الجيران ، وبثلث على المساكين ، ويمسكان ثلثا لأهل البيت » ومقتضى الاستحباب المزبور جواز الترك الذي من أفراده أكل الجميع ، فلا يضمن للفقراء حينئذ شيئا وإن استحب له غرامة الثلث بناء على تبعية الغرامة للخطاب بالصدقة به ، لكن عن مبسوط الشيخ « ولو تصدق بالجميع كان أفضل ـ الى أن قال ـ : فان خالف وأكل الكل غرم ما كان يجزيه التصدق به ، وهو اليسير ، والأفضل أن يغرم الثلث » وظاهره وجوب الغرم في الجملة ، كما أن صريحه أفضلية التصدق بالجميع مع إجماع علمائنا كما في المدارك على استحباب الأكل ، بل حكى عنه فيها تصريحه بذلك ، اللهم إلا أن يريد أن الصدقة به أجمع أفضل من ذلك ، ولكن لم نعرف له شاهدا بذلك ، وعن المبسوط أن من نذر أضحية فليس له أن يأكل منها ، ولعله لعموم ما مر من النهي عن الأكل من الهدي الواجب ، وفيه إمكان منع شموله لذلك بعد عموم الأخبار بالأكل من الأضحية وانصراف النذر الى المعهود الشرعي المندرج فيه الأضحية المنذورة ، إذ المراد وجوبها به بحكمها ، ولعله لذا كان المحكي عنه في الخلاف والفاضل في التحرير ان له الأكل مستدلين عليه بعموم ( فَكُلُوا مِنْها ) وإن كان فيه منع ، هذا ، وفي المدارك قد أطلق الأصحاب عدم جواز بيع لحمها من غير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ـ ١٣.

٢١٨

تقييد بوجوبها ، واستدل عليه في المنتهى بأنها خرجت عن ملك المضحي بالذبح واستحقها المساكين ، وهو إنما يتم في الواجب دون المتبرع به ، والأصح اختصاص المنع بالأضحية الواجبة ، ولعل ذلك مراد الأصحاب ، وفيه أنه خلاف الظاهر ، ولا استبعاد في خروجها عن الملك بالذبح كما سمعته من المنتهى وإن كانت مندوبة ، أو وجوب صرفها في ذلك وان بقيت على الملك كما هو واضح.

الخامس في الأضحية بضم الهمزة وكسرها وتشديد الياء على ما هو المعروف من اللغة فيها ، وإن جاء على ما عن مجمع البحرين فيها أيضا ضحية كعطية ، والجمع ضحايا كعطايا ، واضحاة بفتح الهمزة كأرطاة ، والجمع أضحى كأرطى ، وربما كان هو الظاهر من الأضحى في بعض النصوص (١) الآتية والمراد بها ما يذبح أو ينحر من النعم يوم عيد الأضحى وما بعده إلى ثلاثة أيام أحدها يوم العيد ، أو أربعة كذلك ، بل لعل وجه تسميتها بذلك لذبحها في الضحى غالبا ، بل سمي العيد بها.

وعلى كل حال فهي مستحبة استحبابا مؤكدا إجماعا بقسميه ، بل يمكن دعوى ضرورية مشروعيتها ، مضافا الى ما حكاه غير واحد من المفسرين أنه المراد من قوله تعالى (٢) ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) وان كان الموجود فيما وصل إلينا من النصوص (٣) أن المراد به رفع اليدين حذاء الوجه مستقبل القبلة في افتتاح الصلاة ، وفي آخر (٤) انه رفع اليدين في تكبيرات الصلاة ، وفي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الذبح.

(٢) سورة الكوثر ـ الآية ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١٤ من كتاب الصلاة.

٢١٩

ثالث (١) النحر الاعتدال في القيام على معنى أن يقيم المصلي صلبه في صلاته ، ولكن لا مانع من إرادة الجميع على ضرب من التجوز أو على نحو إرادة البطون مع الظواهر ، نعم هو فيها متوجه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصة ، وقد قيل إن وجوبه عليه من خواصه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما تسمعه في النبوي (٢) والى النصوص المستفيضة بل المتواترة حتى أن‌ الباقر عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم (٣) قال : « الأضحية واجبة على من وجد من صغير أو كبير ، وهي سنة » والصادق عليه‌السلام (٤) في جواب السؤال عنها « هو واجب على كل مسلم إلا من لم يجد ، فقال له السائل ما ترى في العيال؟ فقال : إن شئت فعلت ، وإن شئت لم تفعل ، فأما أنت فلا تدعه » وسأله عليه‌السلام أيضا عبد الله بن سنان (٥) « عن الأضحى أواجب على من وجد لنفسه ولعياله؟ فقال : اما لنفسه فلا يدعه ، واما لعياله إن شاء ترك »

ومن ذلك ظن الإسكافي وجوبها ، لكنه شاذ لما عرفت من الإجماع على الندب ، مضافا الى‌ النبوي (٦) « كتب على النحر ، ولم يكتب عليكم » فلا بأس بإرادته من لفظ الوجوب على معنى كونه مندوبا مؤكدا كما في نظائر المقام ، بل لعله شائع خصوصا بعد قوله ، في الأول « وهي سنة » وإن كان يحتمل لو لا ما عرفت إرادة الوجوب المستفاد من السنة ، قيل ومع ذلك فهو صريح في الوجوب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٢) كنز العمال ج ٣ ص ١٧ الرقم ٣٦ وفيه‌ « الأضحى على فريضة وعليكم سنة ». (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٦) كنز العمال ج ٣ ص ١٧ الرقم ٣٦ وفيه‌ « الأضحى على فريضة وعليكم سنة ».

٢٢٠