جواهر الكلام - ج ١٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الوجوب أقوى للأصل » بعد أن نسبه الى ظاهر المصنف والأكثر ، وذكر الاستدلال بالنبوي الذي تسمعه ، ثم قال : « وسند الخبر لم يثبت » وكأنه غفل عما اعترف به من دلالة الصحيح ، فلاحظ وتأمل.

وعلى كل حال فيؤيده مضافا الى ذلك بالنسبة إلى الكفارة‌ النبوي (١) « من ترك نسكا فعليه دم » وبالنسبة إلى الهدي‌ صحيح عمران الحلبي (٢) قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أن يصوم الثلاثة الأيام التي على المتمتع إذا لم يجد الهدي حتى يقدم اهله قال : يبعث بدم » بل هو صريح كظاهر الأول في عدم الفرق بين كون الترك لعذر أو لا ، كل ذلك مضافا الى ما تقدم من النصوص (٣) الدالة على ان وقتها ذو الحجة ، وانه المراد من قوله تعالى : ( الْحَجُّ ) هذا.

ولكن في محكي النهاية والمبسوط بعد ما سمعته « ان من لم يصم الثلاثة بمكة ولا بالطريق ورجع الى بلده وكان متمكنا من الهدي بعث به ، فإنه أفضل من الصوم » وظاهره التخيير بين الهدي والصوم ، بل في الدروس حكاية ذلك عنه على الجزم ، وفيه أنه إن كان قد خرج ذو الحجة تعين الهدي ، ضرورة فوات وقت الصوم ، بل وكذا إن لم يخرج ، لأن من وجد الهدي قبل شروعه في الصوم يجب عليه الهدي ، اللهم إلا أن يكون المراد الوجدان في منى ، فيتعين عليه الصوم حينئذ لا التخيير ، إلا أن يكون هو مقتضى الجمع بين ذلك وبين إطلاق صحيح الحلبي المزبور ، لكن ندرة القول‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٥ ص ١٥٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح.

١٨١

به تمنع من ذلك ، فإن عبارة الشيخ المزبورة غير صريحة فيه ، ولذا قال في المختلف انها مشعرة به ، ولعله لاحتمال تعليله بأنه أفضل بيان حكمة التعيين لا التخيير.

نعم قد يقال إن الصحيح المزبور معارض بالنصوص المستفيضة الدالة على أن من فاته صومها بمكة لعائق أو نسيان صامها في الطريق إن شاء ، وإن شاء إذا رجع الى أهله ، منها حسن معاوية (١) وخبر علي بن الفضل الواسطي (٢) المتقدمان ، ومنها‌ صحيح معاوية (٣) أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كان متمتعا ولم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع الى أهله ، فإن فاته ذلك وكان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة أيام بمكة ، وإن لم يكن له مقام صام في الطريق أو في اهله ، وان كان له مقام بمكة فأراد أن يصوم السبعة يترك الصيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهرا ثم صام » قال في القاموس : « الصدر الرجوع كالمصدر ، والاسم بالتحريك ، ومنه طوف الصدر ـ ثم قال ـ : والصدر محركة اليوم الرابع من أيام النحر » ومنها‌ صحيح معاوية (٤) الآخر ، قال : « حدثني عبد صالح عليه‌السلام سألته عن المتمتع ليس له أضحية وفاته الصوم حتى يخرج وليس له مقام قال : يصوم ثلاثة أيام في الطريق إن شاء ، وإن شاء صام عشرة في اهله » ومنها‌ صحيح سليمان بن خالد (٥) « سألت أبا عبد الله عن رجل تمتع ولم يجد هديا قال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

(٣) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٤٧ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤ وذيله في الباب ٥٠ منها الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٧.

١٨٢

يصوم ثلاثة أيام بمكة وسبعة إذا رجع الى أهله ، فان لم يقم عليه أصحابه ولم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام إذا رجع الى اهله » ومنها‌ صحيح ابن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « الصوم الثلاثة الأيام إن صامها فآخرها يوم عرفة ، وان لم يقدر على ذلك فليؤخرها حتى يصومها في اهله ، ولا يصومها في السفر » ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين خروج ذي الحجة وعدمه ، ومن هنا احتمل في الذخيرة الجمع بينها بان حكم السقوط مختص بالناسي ، كما في صحيحة حمران (٢) ويحمل عليه حسنة منصور بن حازم (٣) قال وحينئذ يجمع بين صحيحة ابن مسلم وما يعارضها بالترخيص ، وجمع بينها في التهذيب بحملها على من استمر به عدم التمكن من الهدي حتى وصل الى بلده ، فان الصوم يجزيه والحال هذه ، وإن تمكن من الهدي قبل الصوم بعث به ، قلت : لعل الأولى الجمع بحمل هذه النصوص على عدم خروج ذي الحجة وان استبعده في الذخيرة ، لاعتضاده بعد الشهرة والإجماعات المنقولة بظاهر الكتاب والسنة والإجماع الموقتة لها بذي الحجة ، فتسقط حينئذ بخروجه ، وتقييد ذلك كله بحال التمكن والاختيار في البقاء في مكة ليس بأولى من تقييد الصحاح بها بحملها على بقاء ذي الحجة ، بل هذا اولى من وجوه ، والله العالم.

ولو صامها أي الثلاثة ثم وجد الهدي في ذي الحجة ولو قبل التلبس بالسبعة لم يجب عليه الهدي وكان له المضي على الصوم كما في النافع والقواعد ومحكي النهاية والمبسوط والجامع ، بل في المدارك نسبته الى أكثر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٠.

(٢) وهي صحيحة عمران الحلبي المتقدمة في ص ١٨١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

١٨٣

الأصحاب ، بل عن الخلاف الإجماع على ذلك ، للأصل وخبر حماد بن عثمان (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن متمتع صام ثلاثة أيام في الحج ثم أصاب هديا يوم خرج من منى قال : أجزأه صيامه » وخبر أبي بصير (٢) سأل أحدهما عليهما‌السلام « عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أيذبح أو يصوم؟ قال : بل يصوم ، فإن أيام الذبح قد مضت » بعد حمله على انه قد صام الثلاثة ، وان المراد من قوله « أو يصوم » إكماله بصوم السبعة ، كما ان المراد من مضي أيام الذبح مضي أيام تعينه ، فما عن القاضي من وجوب الهدي لصدق الوجدان واضح الضعف لما عرفت ، ولكن قد يستدل له بخبر عقبة (٣) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل تمتع وليس معه ما يشتري به هديا فلما ان صام ثلاثة أيام في الحج أيسر أيشتري هديا فينحره أو يدع ذلك ويصوم سبعة أيام إذا رجع الى أهله قال يشتري هديا فينحره ، ويكون صيامه الذي صامه نافلة » إلا انه لمكان الشهرة المزبورة ـ بل الإجماع المحكي على عدم الوجوب ان لم يكن المحصل ، والنصوص المزبورة المجبورة بالعمل ـ حمل على إرادة الندب كما أشار إليه المصنف بقوله :

ولو رجع الى الهدي كان أفضل مؤيدا بأنه الأصل وبدلالة النصوص على فضله على الصوم على الإطلاق ، بل عن ابن إدريس والفاضل والمقداد الاكتفاء في الحكم المزبور بالتلبس بالصوم مستدلا عليه في محكي المنتهى بإطلاق الآية وجوب الصوم على من لم يجد الهدي الذي مقتضاه عدم الاجتزاء به وإن لم يدخل في الصوم ، إلا أنه خرج ذلك بالوفاق ، فيبقى ما عداه ، ولكن فيه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ـ ٢.

١٨٤

أن مقتضى الآية صوم من لم يجد ، وهذا واجد ، لأن ذا الحجة كله وقت ، بل مقتضاه وجوب الهدي وإن صام العشرة فضلا عن الثلاثة كما سمعته من القاضي بل مال اليه بعض متأخري المتأخرين ، لضعف خبر حماد (١) بعبد الله بن بحر كما في الكافي أو بعبد الله بن يحيى كما في التهذيب لاشتراكه ، مع أن الظاهر كونه تصحيفا ، وضعف خبر أبي بصير (٢) أيضا وإن روي بعدة طرق ، وإن كان قد يدفع ذلك بعد التسليم في الأخير بالانجبار بما عرفت مؤيدا بالوفاق ، على أن الأصل في الثلاثة صومها في السابع وتاليه كما عرفت ، وهو يعطي الاجزاء وان وجد يوم النحر ، فالتحقيق حينئذ اعتبار مضي الثلاثة في الحكم المزبور ، واولى منه الزيادة عليها كما أومأ إليه المصنف بلو الوصلية ، نعم في عبارة القواعد تقييد ذلك بما قبل السبعة ، وهو يعطي عدم جواز الرجوع الى الهدي بعدها ، لكن فيه منع واضح ، ضرورة جوازه ما دام ذو الحجة ، ولذا قال الشهيد لو صام ثم وجد الهدي في وقته استحب الذبح ، بل لعله أحوط ، وأوضح منه منعا لو أراد عدم إجزاء الصوم ، ضرورة كونه بالتلبس بالسبعة زاد على الثلاثة كما هو واضح.

وكيف كان فـ (صوم السبعة بعد وصوله الى بلده ) بلا خلاف أجده فيه بيننا بل الإجماع بقسميه عليه ، وهو الحجة بعد ظاهر الآية الذي مقتضاه العود الى الوطن ، وصحيح معاوية (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كان متمتعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع الى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

١٨٥

أهله » وصحيح سليمان بن خالد (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تمتع ولم يجد هديا قال يصوم ثلاثة أيام بمكة ، وسبعة إذا رجع الى أهله ، فان لم يقم عليه أصحابه ولم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام إذا رجع الى أهله » وغيرهما ، خلافا لبعض العامة فقال : يصوم السبعة إذا فرغ من أعمال الحج ، ولآخر منهم أيضا فقال : يصومها إذا خرج من مكة سائرا في الطريق ، ولثالث فقال : بعد أيام التشريق ، والجميع مخالف للتنزيل الذي مقتضاه أيضا صومها بعد الرجوع متى شاء ، وعن إسحاق بن عمار (٢) انه سأل أبا الحسن عليه‌السلام « انه قدم الكوفة ولم يصم السبعة الأيام حتى فرغ في حاجة الى بغداد فقال عليه‌السلام : صمها ببغداد ، فقلت أفرقها قال : نعم » والله العالم.

ولا يشترط فيها الموالاة على الأصح وفاقا للمشهور ، بل عن المنتهى والتذكرة لا نعرف فيه خلافا للأصل بعد إطلاق الدليل ، وخبر إسحاق بن عمار المتقدم آنفا المنجبر بما عرفت المعتضد بالعموم في‌ حسن عبد الله بن سنان (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « كل صوم يفرق إلا ثلاثة أيام في كفارة اليمين » خلافا لما عن ابن أبي عقيل وأبي الصلاح من وجوبها فيها كالثلاثة لخبر علي بن جعفر (٤) عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة أفصومها متوالية أو نفرق بينها؟ قال : تصوم الثلاثة الأيام لا تفرق بينها ، والسبعة لا تفرق بينها » وهو ـ مع الطعن في سنده بمحمد بن أحمد العلوي الذي هو غير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ١ من كتاب الصوم.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

١٨٦

معروف الحال وان وصف الفاضل الروايات الواقع في طريقها بالصحة ، فهو كالشهادة منه بذلك ـ قاصر عن معارضة ما سمعت ، وك‌ خبر الحسين بن زيد (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « السبعة الأيام والثلاثة الأيام في الحج لا تفرق انما هي بمنزلة الثلاثة الأيام في اليمين » فالوجه حملها على ضرب من الكراهة ، كما عساه يشعر بها التفريق في الجواب في الأول.

ثم إن الظاهر اعتبار التفريق بين الثلاثة والسبعة بلا خلاف أجده فيه ، بل عن المنتهى نسبته إلى علمائنا ، لظاهر الآية ، وخبر علي بن جعفر (٢) عن أخيه عليه‌السلام « لا يجمع بين الثلاثة والسبعة » لكن الظاهر اختصاص ذلك بما إذا صام في مكة ، اما لو وصل الى اهله ولم يكن قد صام الثلاثة لم يجب عليه التفريق ، كما نص عليه الفاضل في محكي المنتهى ، بل هو ظاهر الأمر بصوم العشرة فيما سمعته من النصوص (٣) والله العالم.

فإن أقام بمكة انتظر مقدار مدة وصوله إلى أهله ما لم يزد على شهر ثم صام السبعة كما انه يصومها إذا مضى الشهر كما في النافع والقواعد ومحكي النهاية والمقنع والسرائر والجامع ، بل في الذخيرة لا اعلم فيه خلافا ، والأصل فيه‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية بن عمار (٤) « قال رسول الله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ٢ من كتاب الصوم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٧ و ١٢ والباب ٤٧ منها الحديث ٢ والباب ٥١ منها ـ الحديث ٢.

(٤) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٤٧ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤ وذيله في الباب ٥٠ منها الحديث ٢.

١٨٧

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كان متمتعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع الى أهله ، قال : فان فاته ذلك وكان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة أيام بمكة ، وإن لم يكن له مقام صام في الطريق أو في أهله ، وان كان له مقام بمكة وأراد أن يصوم السبعة يترك الصيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهرا ثم صام » الذي يقيد به إطلاق ما رواه‌ الصدوق في محكي المقنع عن معاوية (١) أنه سأل الصادق عليه‌السلام « عن السبعة الأيام إذا أراد المقام فقال : يصومها إذا مضت أيام التشريق » بل وصحيح أبي بصير (٢) المضمر « رجل تمتع فلم يجد ما يهدي فصام الثلاثة أيام فلما قضى نسكه بدا له أن يقيم بمكة سنة قال : ينتظر منهل أهل بلده ، فإذا ظن انهم دخلوا بلدهم فليصم السبعة الأيام » وصحيح ابن ابى نصر (٣) « في المقيم إذا صام الثلاثة الأيام ثم يجاور ينظر مقدم أهله ، فإذا ظن انهم قد دخلوا فليصم السبعة الأيام » والمراد من الظن فيهما هو تقدير المدة المزبورة ، ضرورة عدم حصول العلم بدخولهم بمضيها لإمكان المانع ، والمدار عليها لا على دخولهم ، فما عن القاضي والحلبيين ـ من الانتظار الى الوصول من غير اعتبار الشهر ، بل عن ابن زهرة منهم الإجماع عليه ، بل عن المفيد روايته (٤) عن الصادق عليه‌السلام ـ واضح الضعف وإن استدل لهم بإطلاق الصحيحين المزبورين المحمول على ما عرفت ، بل يمكن حمل كلامهم على إرادة أحد الفردين لا قصر الحكم عليه ، كالمحكي عن الشيخ من انه عكس في الاقتصاد ، فذكر الانتظار شهرا فحسب ، فيرتفع الخلاف حينئذ من البين كما سمعته من الذخيرة.

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥.

١٨٨

ثم إن ظاهر النص والفتوى قصر الحكم على المقيم بمكة ، لكن في كشف اللثام عممه الحلبيان لمن صد عن وطنه ، وابن أبي مجد للمقيم بأحد الحرمين ، والفاضل في التحرير لمن أقام بمكة أو الطريق وأطلق في التذكرة لمن أقام إلا أنه استدل بصحيح معاوية الذي سمعته ، ولا يخفى عليك ما في الجميع ، ضرورة كون الوجه الاقتصار في الشهر على المنصوص ، للأمر في الآية بالتأخير إلى الرجوع الظاهر منه الحقيقة لا الحكم أيضا وإن ذكره بعض المتأخرين ، لكنه محل للنظر كما اعترف به في الذخيرة والمدارك ، هذا ، وقد ذكر غير واحد من المتأخرين على ما في الذخيرة أن مبدأ الشهر بانقضاء أيام التشريق ، ولم يستوضحه قال : بل يحتمل الاحتساب من يوم يدخل مكة أو يوم يعزم على الإقامة ، وفي كشف اللثام « والأظهر من آخرها الذي هو يوم النفر ، ويحتمل من دخول مكة أو قصد إقامتها » قلت : قد يشهد للاول ما سمعته من خبر المقنع مؤيدا بما سمعته سابقا من ان جواز صوم يوم الآخر منها باعتبار كونه يوم النفر هو الخروج من منى ، وحرمة صومها إنما هي فيها لا مطلقا ، ولعل الأمر هنا كذلك أيضا ، فإن خرج من منى في اليوم الأخير احتسب الشهر منه ، وإلا فمن بعده ، ولكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه ، والله العالم.

ولو مات من وجب عليه الصوم ولم يصم بعد التمكن منه وجب أن يصوم عنه وليه الثلاثة دون السبعة كما عن الشيخ وجمع للأصل وحسن الحلبي (١) عن الصادق عليه‌السلام سأله « عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج ولم يكن له هدي فصام ثلاثة أيام في ذي الحجة ثم مات بعد ان رجع الى أهله قبل ان يصوم السبعة الأيام أعلى وليه ان يقضي عنه؟ قال : ما أرى عليه قضاء » وفيه ان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

١٨٩

الأصل مقطوع بما تسمعه ، والحسن محتمل للموت قبل التمكن من الصوم الذي لا خلاف معتد به في عدم وجوب الصوم عنه معه بل عن المنتهى انه مذهب علمائنا وأكثر الجمهور ، كما عن الصيمري ان عليه إطباق الفتاوى ، وبه حينئذ يقيد الإطلاق ، فما عن بعض من الوجوب واضح الضعف ، على ان الحسن المزبور ظاهر في نفي القضاء مطلقا كما في الرياض حاكيا له عن الصدوق ، قال : لأن العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل ، وإن كان هو كما ترى ، نعم هو محتمل لما عرفت ، خصوصا بعد قوة المعارض.

ومن هنا قيل والقائل ابن إدريس وأكثر المتأخرين بوجوب قضاء الجميع مع فرض عدم صومها بعد التمكن وهو الأشبه بأصول المذهب وقواعده التي منها عموم ما دل (١) على وجوب قضاء ما فات الميت من الصيام ، بل عن المختلف الإجماع على ذلك ، وخصوص‌ صحيح معاوية (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « من مات ولم يكن له هدي لمتعة فليصم عنه وليه » ومن الغريب ما في الرياض من المناقشة بأن هذا ظاهر ، والأول نص ، ويحمل على الاستحباب بعد رجحانه عليه بالشهرة والإجماع المحكي وغير ذلك ، وأغرب منه المناقشة أيضا بأن الشهرة ليست بتلك الشهرة الموجبة لصرف الأدلة عن ظواهرها ، وبعدم وضوح تناول العموم لمثل المقام ، ويمنع الإجماع في محل النزاع ، إلا ان ذلك كله كما ترى ، والتحقيق ما عرفت.

ثم لا فرق في ذلك بعد وجوبها عليه بين وصوله الى بلده وعدمه ، للعموم المزبور ، فما عساه يظهر من محكي الفقيه ـ من انه إذا مات قبل ان يرجع الى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان من كتاب الصوم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

١٩٠

اهله ويصوم السبعة فليس على وليه القضاء من اعتبار الوصول ـ في غير محله اللهم إلا ان يريد بذلك الكناية عن التمكن منها ، كما ان ما يحكي عن الصدوق من استحباب أصل القضاء للولي كذلك أيضا بعد ما عرفت ، والله العالم

ومن وجب عليه بدنة في نذر أو كفارة ولم يجد ولم يكن على بدلها نص بخصوصه كفداء النعامة على ما ستعرف إن شاء الله كان عليه سبع شياه كما في القواعد والنافع وغيرهما ومحكي السرائر والنهاية والمبسوط ، بل في الأخيرين فان لم يجدها صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في منزله ، لخبر داود الرقي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يكون عليه بدنة واجبة في فداء قال : إذا لم يجد بدنة فسبع شياه ، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في منزله » مؤيدا بما عن‌ ابن عباس (٢) « انه اتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل فقال علي بدنة وانا موسر لها ولا أجدها فأشتريها فأمره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يبتاع سبع شياه فيذبحهن » بل وبما تسمعه إن شاء الله في الايمان وتوابعها من ان من وجب عليه بدنة في نذر ولم يجد لزمه بقرة ، فان لم يجد فسبع شياه ، لكن لاقتصار الخبر المزبور على الفداء اقتصر عليه ابن سعيد فيما حكي عنه ، وعن الصدوق في المقنع والفقيه الاقتصار على الكفارة التي هي أعم من الفداء ، ولا يبعد اتحاد المراد منهما هنا كما انه لا يبعد العمل بالخبر المزبور بعد الاعتضاد بالعمل وغيره مما سمعت ، نعم ينبغي الاقتصار عليه بعد حرمة القياس عندنا ، فلا تجزي السبع المزبورة عن البقرة وان أجزأت عن الأعظم ، كما ان البدنة لا تجزي من السبع حيث تجب وإن وجبت هي بدلا عنها ، وما عن التذكرة والمنتهى من اجزاء البدنة عن البقرة لأنها أكثر لحما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٢) سنن ابن ماجة ج ٢ ص ٢٧٤.

١٩١

وأوفر لا يخفى عليك ما فيه ، ويتحقق العجز عن السبع بالعجز عن البعض فينتقل الى الصوم حينئذ ، كما هو واضح ، والله العالم.

ولو تعين الهدي فمات من وجب عليه اخرج من أصل تركته كما في غيره من الحقوق المالية التي هي كالديون ، ومن هنا لو قصرت التركة وزعت على الجميع بالحصص ، فان لم تف الحصة بالهدي وجب الجزء لقاعدة الميسور و‌ « ما لا يدرك » (١) و‌ « إذا أمرتكم » (٢) ولو لم يمكن ففي المدارك الأصح عوده ميراثا ، بل يحتمل قويا ذلك مع إمكان شراء الجزء أيضا ، وفي المسألة قول ضعيف بوجوب الصدقة به ، وفيه انه اولى من عوده ميراثا أو مساو ، ولذا قال في المسالك ففي الصدقة به أو عوده ميراثا وجهان ، نعم قد يقال إن الأقوى منهما صرفه في الدين ، إذ لا معنى لجعله ميراثا مع وجود الدين ، والله العالم.

الطرف الرابع في هدي القران الذي لا خلاف أجده في انه لا يخرج أي هدي القران عن ملك سائقه بشرائقه وإعداده وسوقه لأجل ذلك قبل عقد الإحرام به ، بل في المسالك الإجماع عليه ، مضافا الى الأصل وخبر الحلبي الآتي وغيره وحينئذ فله ابداله وركوبه ونتاجه والتصرف فيه بالمتلف وغيره ، لقاعدة تسلط الناس على أموالهم وإن أشعره أو قلده مع ذلك بدون عقد نية الإحرام ولا تأكيدها به لكن كان ذلك من قبل الإحرام أعدادا له وعزما انه يهديه لحجة أو عمرته نعم متى ساقه بمعنى أنه أشعره أو قلده عاقدا به الإحرام أو مؤكدا به‌

__________________

(١) روي حديث‌ « الميسور لا يسقط بالمعسور » و‌ « ما لا يدرك كله لا يترك كله » في غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

(٢) تفسير الصافي ـ سورة المائدة ـ الآية ١٠١ وسنن البيهقي ج ٤ ص ٣٢٦.

١٩٢

التلبية العاقدة فلا بد من نحره أو ذبحه ، ولا يجوز له ابداله ولا التصرف فيه بما يمنع من نحره ، لتعينه حينئذ كذلك كما صرح به جماعة ، بل لا أجد فيه خلافا لقوله تعالى (١) ( لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ ) ولتظافر الأخبار بان السياق يمنع من العدول الى التمتع ، وخبر الحلبي أو صحيحه (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل أن يشعرها أو يقلدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر ويجد هديه قال : إن لم يكن أشعرها فهي ماله إن شاء نحرها وإن شاء باعها ، وإن كان أشعرها نحرها » والمناقشة بأن أقصى ما يدل عليه وجوب نحر الهدي الذي ضل بعد الاشعار ثم وجد في منى ، لا وجوب النحر بالاشعار مطلقا كما ترى لا تستأهل أن يستطر ، ضرورة ظهوره أو صراحته في أن المدار على الاشعار وعدمه ، نعم لا دلالة فيه على اعتبار العقد بالإشعار أو التأكيد ، بل مقتضاه كالآية الاكتفاء بحصوله بقصد الهدي ، فان لم يكن إجماع لم يبعد القول به ، اللهم إلا أن يقال إن المراد يهدي القران هو ما يقترن به نية الإحرام سواء عقده به أو بالتلبية وأكده به ، وفيه منع ، ولكن مع ذلك هو باق على ملكه وان وجب عليه نحره للأصل وغيره ، فله ركوبه وشرب لبنه وغير ذلك مما لا ينافي وجوب نحره المدلول عليه بما عرفت ، كما تسمع ما يدل عليه من النصوص (٣) بل الظاهر أن نتاجه له أيضا وإن قلنا بوجوب نحره عليه معه للدليل كما ستعرف.

وكيف كان فعبارة المصنف هنا لا تخلو من تنافر كما اعترف به الكركي‌

__________________

(١) سورة المائدة ـ الآية ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذبح.

١٩٣

وثاني الشهيدين وان تبعه عليها الفاضل في القواعد ، بل في المسالك في أكثر كتبه وإن كنا لم نتحققه ، وذلك لأن وجوب النحر الذي ذكره أخيرا ينافي جواز التصرف فيه والابدال الذي ذكره أولا ، وما في المدارك ـ من دفعه بأنه إنما يتجه لو اتحد متعلق الحكمين ، والعبارة كالصريحة بخلافه ، فإن موضع جواز التصرف فيه ما بعد الاشعار وقبل السياق ، وموضع الوجوب المقتضي لعدم جواز التصرف ما بعد السياق ـ يدفعه ما في حاشية الكركي من أنه لا يراد بالسياق أمر زائد على الإشعار أو التقليد ، فان السياق بمجرده لا يوجب ذلك اتفاقا ، ومقتضى النص وكلام الأصحاب عدم الاحتياج الى ضمه إلى الاشعار والتقليد في ذلك ، فالتنافر حينئذ بحاله ، ولعله لذا خلت عن ذلك عبارة الأولين على ما في المسالك ، ودفعه فيها بتنزيل الأول على إرادة عدم خروجه عن ملكه بمجرد الاعداد للسوق والشراء لذلك ونحوه وإن يؤدي عليه كونه هدي سياق ، وتسميته حينئذ سائقا مجاز باعتبار ما يؤول اليه أو حقيقة لغوية ، وحينئذ فله إبداله والتصرف فيه ، وقوله : « وإن أشعره أو قلده » وصلي لقوله « لا يخرج عن ملكه » لا لقوله : « وله إبداله » الى آخره ، بل هو معترض بينهما ، والتقدير انه لا يخرج عن ملكه وإن أشعره أو قلده وتعين ذبحه ، والموجب لتعبيره كذلك محاولة الجمع بين الحكمين المختلفين أعني جواز التصرف فيه قبل الاشعار وعدم الخروج عن ملكه بعده ، فاتفق تعقيد العبارة ، ولو قدم قوله : « وإن أشعره » على قوله « وله إبداله » لصح من هذه الجهة ، ولكن لا يتم بعده قوله « وله إبداله » لإيهامه حينئذ أن له ذلك بعد الاشعار ، بخلاف ما لو قدم جواز الابدال ، وغاية الأمر أن يتساويا في الإجمال ، وقوله « لكن متى ساقه » أي عينه للسياق بالإشعار أو التقليد المذكورين « فلا بد من نحره » أي تعين لذلك وإن لم يخرج عن ملكه ، والعبارة في قوة قوله : ولكن متى فعل ذلك‌

١٩٤

أي بأن أشعره أو قلده تعين نحره ولم يجز له ابداله ولا التصرف فيه ، وهو يزيل احتمال كون قوله « وإن أشعره » وصليا لجواز إبداله حذرا من التدافع ، إذ لا معنى لسياقه شرعا إلا عقد الإحرام به بالإشعار أو التقليد ، وهذا أجود ما تنزل عليه العبارة على ما فيها من التعقيد ، قلت : هو كذلك ، ضرورة عدم القرينة على ما ذكره ، كما هو واضح.

ونزلها الكركي في حاشيته على ما أشرنا إليه في مزج العبارة من كون المراد بقوله « وان أشعره » الى آخره الاشعار على غير الوجه المعتبر ، وهو الذي يعقد به الإحرام ، فإنه الذي يتعين به عليه ذبحه ولا يجوز إبداله ، ولكن متى ساقه أي أشعره أو قلده عاقدا به الإحرام وجب عليه ذلك ، ولا ريب في كونه مصححا للعبارة وإن كان هو خلاف الظاهر ، وفي كشف اللثام هو الوجه عندي لأنه في التحرير مع حكمه بما في الكتاب قال : تعين الهدي يحصل بقوله هذا أو بإشعاره أو تقليده مع نية الهدي ، ولا يحصل بالشراء مع النية ، ولا بالنية المجردة ، وقال : لو ضل فاشترى مكانه غيره ثم وجد الأول فصاحبه بالخيار إن شاء ذبح الأول ، وإن شاء ذبح الأخير ، فإن ذبح الأول جاز له بيع الأخير وإن ذبح الأخير ذبح الأول إن كان قد أشعره ، وإلا جاز له بيعه ، ونحوه في المنتهى والتذكرة ، وحكى في المسالك عن بعض الفضلاء تنزيلا غريبا حاصله الالتزام بأنه لا يتعين للذبح أو النحر بالسياق ، وهو الإشعار أو التقليد العاقد للإحرام ، ولكن يجب إما ذبحه أو ذبح بدل منه ، وهذا معنى قول المصنف وسائر الأصحاب انه لا (١) يتعين به ذبحه أو نحره ، وفيه أنه مع بعده‌

__________________

(١) شطب على لفظة « لا » في النسخة الأصلية المبيضة ولكنها موجودة في النسخة الأصلية المسودة وهو الصحيح كما يظهر بأدنى تأمل.

١٩٥

لا دليل على حكمه ، بل ظاهر الأدلة من النص والفتوى بخلافه ، ضرورة كونها كالصريح في تعيين ذبح خصوص المساق لا بد له كما هو واضح ، وعلى كل حال فإن أراد المصنف ومن تبعه ما ذكرناه وإن قصرت عبارته فذاك ، وإلا كان محجوبا بما عرفت.

هذا كله إذا لم يعينه بالنذر ، وإلا تعين وإن لم يشعره أو يقلده ، ولم يجز له إبداله قطعا كما صرح به في المسالك وغيرها ، وهو كذلك مع فرض تعلق النذر بعينه ، ولو تلفت بغير تفريط لم يجب عليه عوضه بخلاف ما إذا تعلق بكلي ثم عينه في فرد ، فان الظاهر وجوب عوضه من غير فرق بين ان يقتصر على نية ان هذا ما وجب عليه وبين أن يقول مع ذلك إن هذا ما علي من النذر ، إذ لا دليل على برائته إلا بالذبح في المنحر ، فالأصل حينئذ بحاله ، وبه صرح الفاضل في المنتهى إلا أنه فرق بين القول وغيره بتعين الواجب عليه في الأول وان لم تبرء ذمته بذلك ، وعدمه في الثاني الذي له التصرف فيه بإبدال وغيره ، بخلاف الأول الذي يصير بقوله كالعين المرهونة في الدين ، إلا انه كما ترى لا دليل على ذلك في المقام ، بل في كل واجب مطلق كدم المتعة وجزاء الصيد ، فإنه مع تعيينه له في فرد لا يتعين ، سواء قرنه مع ذلك بالقول أو لا ، كما أن ما في المنتهى من الخروج عن الملك في نذر العين بعينها لا يخلو من نظر كما أوضحناه في كتاب النذور.

وكيف كان فلا خلاف في وجوب نحر هدي القران أو ذبحه بمنى إن كان قد ساقه لإحرام الحج ، وان كان للعمرة فبفناء الكعبة بل في المدارك الإجماع عليه ، مضافا الى التأسي وقول الصادق عليه‌السلام في خبر عبد الأعلى (١)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٦.

١٩٦

« لا هدي إلا من الإبل ، ولا ذبح إلا بمنى » وفي‌ موثق العقرقوفي (١) « سأله عليه‌السلام سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال : بمكة » والمراد بفناء الكعبة سعة أمامها وقيل ما امتد من جوانبها دورا وهو حريمها خارج المملوك عنها.

وعلى كل حال فأفضل مواضع الذبح فيها عند الأصحاب على ما في المدارك أن يكون بالحزورة بالحاء المهملة التي هي على وزن قسورة تل خارج المسجد بين الصفا والمروة ، وربما قيل الحزورة بفتح الزاء وتشديد الواو ، وفي‌ الصحيح (٢) « من ساق هديا وهو معتمر نحر هديه في المنحر ، وهو بين الصفا والمروة ، وهي الحزورة » وظاهره الوجوب ، بل ربما حكي عن ظاهر بعض ، ولكن ما سمعته من المدارك مؤيدا بتصريح غير واحد من الأصحاب يقتضي إرادة الندب منه ، وإن كان الجمع بالإطلاق والتقييد اولى لولا ذلك ، كما أن التسامح يقتضي استحباب فناء الكعبة من مكة أيضا ، وإن أطلق في الموثق المزبور ، والله العالم.

ولو هلك هدي القران بدون تفريط وكان قد ساقه تطوعا لم يجب اقامة بدله بلا خلاف أجده فيه مما عدا الحلبي ، بل ولا إشكال لأنه ليس بمضمون للأصل والمعتبرة المستفيضة ، منها‌ صحيحة ابن مسلم (٣) سأل أحدهما عليهما‌السلام « عن الهدي الذي يقلد أو يشعر ثم يعطب فقال : ان كان تطوعا فليس عليه غيره ، وإن كان جزاء أو نذرا فعليه بدله » وصحيح معاوية ابن عمار (٤) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الهدي إذا عطب قبل ان يبلغ المنحر أيجزي عن صاحبه؟ فقال : ان كان تطوعا فلينحره وليأكل منه وقد أجزأ عنه بلغ المنحر أو لم يبلغ ، فليس عليه فداء ، وإن كان مضمونا فليس عليه أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

١٩٧

يأكل منه بلغ المنحر أو لم يبلغ ، وعليه مكانه » فما عن الحلبي ـ من وجوب البدل مع التمكن لظاهر بعض النصوص التي تأتي إن شاء الله المحمول على ذلك ـ واضح الضعف.

ولو كان أي هدي القران مضمونا بأن كان واجبا أصالة لا بالسياق وجوبا مطلقا لا مخصوصا بفرد كالكفارات والمنذور مطلقا وجب اقامة بدله كما صرح به غير واحد : لان وجوبه غير مختص بفرد ، فلا تبرء الذمة إلا بالذبح في المحل وصرفه فيما يصرف فيه ، ولما سمعته من النصوص التي منها ومن عبارة المصنف ـ بل في المدارك وغيره من الأصحاب ـ يستفاد تأدي وظيفة السياق بالمستحق كالكفارة والنذر ، ولا بأس به بعد ظهور النص والفتوى ، بل قيل ان عبارات الأصحاب كالصريحة في ذلك ، بل هو صريح الشهيد في الدروس ، قال : « ولو كان ساق مضمونا كالكفارة ضمنه ، ويتأدى السياق المستحب بها وبالمنذور » ونحوه عن العلامة في التذكرة.

وعلى كل حال فلا ينافي الحكم المذكور‌ مرسل حريز (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « كل شي‌ء إذا دخل الحرم فعطب فلا بدل على صاحبه تطوعا أو غيره » وان كان خاصا الا انه قاصر عن المعارضة من وجوه ، ولذا حمله غير واحد على العجز عن البدل أو على ارادة غير الموت من العطب كالكسر ونحوه مما يمنع من الوصول الذي ستعرف حكمه ان شاء الله أو على المنذور المعين ، أو غير ذلك ، وان كان هو كما ترى ، الا انه خير من الطرح ، ولعل لفظ المضمون في النصوص (٢) كاف في الدلالة على ما ذكره من اختصاص وجوب الإبدال بالكلي في الذمة ، ضرورة انسياق ذلك منه لا ما يشمل المنذور بخصوصه ، كما هو واضح ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الذبح.

١٩٨

ولو عجز هدي السياق بعد إشعاره أو تقليده عن الوصول الى المحل جاز بل وجب ولو تخييرا على ما ستعرف ان شاء الله ان ينحر أو يذبح في ذلك المكان ويصرف في مصرفه ، وان لم يمكن لعدم وجود المستحق يذبح أو ينحر ويعلم بما يدل على انه هدي بكتابة أو بتلطيخ نعلها بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، للمعتبرة المستفيضة ، كصحيح حفص (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدق به عليه ولا يعلم أنه هدي قال : ينحره ويكتب كتابا يضعه عليه ليعلم من مر به انه صدقة » وصحيح الحلبي (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « أي رجل ساق بدنة فانكسرت قبل ان تبلغ محلها أو عرض لها موت أو هلاك فلينحرها ان قدر على ذلك ثم ليلطخ نعلها التي قلدت بها بدم حتى يعلم من مر بها قد ذكيت فيأكل من لحمها ان أراد ، وان كان الهدي الذي كسر أو هلك مضمونا فان عليه ان يبتاع مكان الذي انكسر أو هلك ، والمضمون هو الشي‌ء الواجب عليك في نذر أو غيره ، وان لم يكن مضمونا وانما هو شي‌ء تطوع به فليس عليه ان يبتاع مكانه الا ان يشاء ان يتطوع » وخبر علي بن أبي حمزة (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ساق بدنة فانكسرت قبل ان تبلغ محلها أو عرض لها موت أو هلاك قال : يذكيها ان قدر على ذلك ويلطخ نعلها التي قلدت بها حتى يعلم من مر بها انها قد ذكيت ، فيأكل من لحمها ان أراد » ومرسل حريز (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « كل من ساق هديا تطوعا فعطب هديه فلا شي‌ء عليه ، ينحره ويأخذ تقليد النعل فيغمسها في الدم فيضرب به صفحة سنامه « ولا بدل عليه ، وما كان من جزاء صيد أو نذر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الذبح الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الذبح الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الذبح الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الذبح الحديث ٥.

١٩٩

فعطب فعل مثل ذلك وعليه البدل » وخبر عمر بن حفص الكليني (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدق به عليه ولا من يعلمه أنه هدي قال : ينحره ويكتب كتابا ويضعه عليه ليعلم من مر به انه صدقة »

ومنها ـ مضافا الى عمل الأصحاب على وجه لا يظهر فيه خلاف ـ يستفاد جواز العمل على الامارة المزبورة في قطع أصالة عدم التذكية ، ولا يجب الإقامة عنده الى ان يوجد المستحق وان أمكن ، كما انه يستفاد من صحيح الحلبي (٢) وخبر علي بن أبي حمزة (٣) منها وجوب الابدال مع ذلك لو كان مضمونا ، وربما أشكل بأن مقتضى وجوب الابدال باعتبار النذر المطلق أو غير رجوع المبدل الى ملك صاحبه يفعل به ما يشاء ، لا وجوب النحر والدلالة عليه بأنه هدي كما سمعت ، وبه جزم في الحدائق ، وهو كالاجتهاد في مقابلة النص ، إذ يمكن جريان حكم الهدي عليه بإشعاره أو تقليده وإن لم يصل الى المحل ووجب بدله.

ولكن قول المصنف والفاضل والشيخ في محكي المبسوط والنهاية انه لو أصابه أي هدي السياق الذي تعين ذبحه بالاشعار كسر جاز بيعه والأفضل ان يتصدق بثمنه أو يقيم بدله مناف لذلك ، ضرورة كون مقتضاه الرجوع الى ملكه وإن كان قد تعين ذبحه بالاشعار ، ومن هنا أنكر الكركي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٦ عن عمرو بن حفص الكلبي وهو أيضا سهو فإنه لم يذكر اسمه في التراجم والموجود في التهذيب ج ٥ ص ٢١٨ الرقم ٧٣٦ عمر بن حفص الكلبي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٢٩٨ الرقم ١٤٧٨.

٢٠٠