جواهر الكلام - ج ١٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الأصحاب بعد أن اختار هو الوجوب ، وتبعه ثاني الشهيدين والكركي ، ومقتضاه جواز الاقتصار على مصرف واحد منها ولو أكله أجمع ، بل قد يستفاد من نحو عبارة المتن ـ المقابل فيها القول بوجوب الأكل للقول باستحباب التثليث ـ ان أصل الصرف مستحب.

وكيف كان فقد سمعت ما قاله ابن إدريس الذي أشار إليه المصنف بقوله : وقيل : يجب الأكل منه بل اختاره هو فقال وهو الأظهر وتبعه عليه بعض من تأخر عنه كالفاضل وغيره للأمر به في الكتاب والسنة ، لكن فيه ـ مع عدم اختصاصه بهدي التمتع ـ انه في مقام توهم الحظر ، خصوصا بعد أن كان المحكي عن الجاهلية تحريم ذلك على أنفسهم ، قال في الكشاف : « الأمر بالأكل منها أمر إباحة ، لأن أهل الجاهلية ما كانوا يأكلون من نسائكه‌م ، ويجوز أن يكون ندبا ، لما فيه من مواساة الفقراء ومساواتهم من استعمال التواضع ، ومن ثم استحب الفقهاء ان يأكل الموسع من أضحيته مقدار الثلث » الى آخره. مضافا الى أنه هدي لله تعالى ، ووصوله إليه بأكل الفقراء له ، بل قد يقال بجواز الاقتصار على الصدقة التي هي الأصل في ذلك وان أطلق الأمر بالإطعام في الآيتين إلا أنها هي المنساقة منه بملاحظة المتعلق ، ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط.

نعم ظاهر اقتصار المصنف على حكاية القول بوجوب الأكل المفروغية من عدم وجوب غيره ، ولعله للأصل بعد صرف الأمر بذلك في الكتاب والنصوص إلى إرادة بيان كيفية الصرف لو اراده لا وجوبه ، إلا انك قد سمعت ما في الدروس وبعض من تأخر عنها ، ولا ريب في انه الأحوط أيضا.

واما القسمة أثلاثا فلم اعرف قولا بوجوبها ، وفي‌ دعائم الإسلام (١) عن‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٧.

١٦١

جعفر بن محمد عليهما‌السلام « ينبغي لمن اهدى هديا تطوعا أو ضحى أن يأكل من هديه وأضحيته ثم يتصدق ، وليس في ذلك توقيت ، يأكل ما أحب ، ويطعم ويهدي ويتصدق ، قال الله عز وجل وقرأ الآيتين ».

ثم على الوجوب لا يضمن مع الإخلال بالأكل كما صرح به غير واحد من غير تردد ، لعدم تعلق حق لغيره به ، وقربه في محكي المنتهى وجعله الوجه في التحرير ، ولعله لتحقق الإطعام الذي ليس في الآيتين غيره مع الأكل ، ولكون التصدق إهداء ، نعم لو أخل به بالأكل ضمن قطعا ، كما أنه كذلك لو أخل بثلث الصدقة بل قد يحتمل الضمان لو أخل بالإهداء ولو للصدقة ، للأمر به ، وهو مباين لها؟ ولذا حرمت عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصدقة دون الهدية.

ولو باع أو أتلف فلا إشكال في الضمان ، ولكن هل هو الثلث أو الثلثان أو الجميع؟ وجوه ، ظاهر التحرير الأخير منها ، وفيه منع ، والمتجه ضمان شي‌ء للهدية وللصدقة لما عرفت من عدم وجوب التثليث ، هذا ، وقد سمعت ما في صحيح سيف (١) من تفسير القانع والمعتر وفي‌ صحيح معاوية أو حسنه (٢) عن ابى عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل (٣) ( فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) قال : القانع الذي يقنع بما أعطيته ، والمعتر الذي يعتريك ، والسائل الذي يسألك في يديه ، والبائس الفقير » ونحوه خبره الآخر (٤) وفي‌ خبر عبد الرحمن أو موثقه (٥) عنه عليه‌السلام أيضا في قوله تعالى :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح الحديث ـ ١٤.

(٣) سورة الحج ـ الآية ٣٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح الحديث ـ ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الذبح الحديث ـ ١٢.

١٦٢

( فَإِذا ) الى آخره « إذا وقعت على الأرض ( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) ، قال : القانع الذي يقنع بما أعطيته ولا يسخط ولا يكلح ولا يلوي شدقه ، والمعتر المار بك لتطعمه » وفي المحكي عن مجمع البيان ان في‌ رواية الحلبي (١) عن ابى عبد الله عليه‌السلام « القانع الذي يسأل فيرضى بما اوتي ، والمعتر الذي يعتري رحلك ممن يسأل » وفي الدروس القانع السائل ، والمعتر غير السائل كما عن الحسن وسعيد بن جبير ، بل قيل : هو الموجود في تفسير علي بن إبراهيم ، وعن ابن عباس ومجاهد وقتادة أنه القانع الراضي بما عنده وبما يعطى من غير سؤال ، والمعتر المعرض بالسؤال ، وعلى كل حال فالعمل ( على ما خ ل ) بما ورد عن أهل بيت العصمة عليهم‌السلام من كون الجميع لبيان أفراد الفقراء ، فلا تعارض بين الآيتين كما هو واضح.

ويكره التضحية بالجاموس كما في القواعد وغيرها من دون نقل خلاف ، وفي كشف اللثام أي الذكر منه ، وهو مع تقييد لإطلاقهم لم نعرف ما يدل عليه ولا على المطلق كما اعترف به في المدارك ، اللهم إلا أن يكون فحوى كراهية التضحية بالثور لما في‌ مضمر أبي بصير (٢) من قوله عليه‌السلام : « ولا تضحي بثور ولا جمل » وفيه منع واضح ، وفي كشف اللثام أي في منى لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (٣) : « تجوز ذكورة الإبل والبقر في البلدان » وهو غير صالح للتقييد ، ولذا أطلق من عرفت ، واجزاء الجاموس مع انه من البقر لخبر علي بن الريان بن الصلت (٤) « كتب الى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام يسأله‌

__________________

(١) مجمع البيان ج ٧ ص ٨٦ سورة الحج ـ الآية ٣٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ـ ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

١٦٣

عن الجاموس عن كم يجزي في الضحية؟ فجاء في الجواب إن كان ذكرا فعن واحد ، وان كان أنثى فعن سبعة » وكذا قطع المصنف وغيره بكراهة التضحية بالموجود أي مرضوض الخصيتين حتى تفسدا ، بل في المدارك نسبته الى قطع الأصحاب مستدلين عليها بما سمعته من النصوص (١) التي تدل على أن الفحل من الضأن خير منه ، ومقتضاها الحرمة لا الكراهة ، اللهم إلا أن يراد بها هذه المرجوحية ، خصوصا مع كونها كراهة عبادة ، وعلى كل حال فقد سمعت النص والفتوى في التضحية ، واما الهدي فيمكن إرادة ما يشمله منها ولو بقرينة كون البحث فيه ، أو يستفاد كراهته من فحواها بناء على أن التوسعة فيها أشد منها فيه كما سمعته في الناقص ، وينبغي ذكر الجمل مع الثلاثة لما سمعته من المضمر (٢).

الطرف الثالث من أطراف الذبح في البدل ولكن ينبغي أن يعلم أن من فقد الهدي ووجد ثمنه قيل والقائل المشهور ، بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه ، بل قد يشهد له التتبع لانحصار المخالف في ابن إدريس بناء على أصله والمصنف يخلفه عند من يشتريه طول ذي الحجة فان لم يوجد فيه ففي العام المقبل في ذي الحجة وقيل والقائل ابن إدريس ينتقل فرضه الى الصوم ، وهو الأشبه عند المصنف بأصول المذهب والقواعد باعتبار صدق قوله تعالى (٣) ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ ، وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ، تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ) ودعوى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الذبح.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

(٣) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

١٦٤

ان تيسر الهدي ووجدانه يعمان العين والثمن ـ وإلا لم يجب الشراء مع الوجود يوم النحر وإمكانه إن خصص الوجود به عنده ، وإلا فهو أعم منه عنده أو عند غيره في أي جزء كان من اجزاء الزمان الذي يجزي فيه ـ واضحة المنع ، فإنه إذا لم يجده بنفسه ما دام هناك يصدق عليه ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ) ودعوى ان وجدان النائب كوجدانه لأنه مما يقبل النيابة أوضح منعا من الأولى وإن قبل النيابة.

نعم قد يقال يجب الخروج عن ذلك كله‌ بالحسن (١) كالصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في متمتع يجد الثمن ولا يجد الغنم قال : يخلف الثمن عند بعض أهل مكة ويأمر من يشتري له ويذبح عنه وهو يجزي عنه ، فإذا مضى ذو الحجة أخر ذلك الى قابل ذي الحجة » المؤيد‌ بخبر النضر بن قرواش (٢) المنجبر بما سمعته من الشهرة ، وبان الراوي عنه احمد بن محمد بن أبي نصر وهو من أصحاب الإجماع بناء على انه لا يضر مع ذلك ضعف من بعده ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فوجب عليه النسك فطلبه فلم يصبه وهو مؤسر حسن الحال وهو يضعف عن الصيام فما ينبغي له أن يصنع فقال : يدفع ثمن النسك الى من يذبحه بمكة ان كان يريد المضي إلى اهله ، وليذبح عنه في ذي الحجة ، فقلت : فإنه دفعه الى من يذبحه عنه فلم يصب في ذي الحجة نسكا واصابه بعد ذلك قال : لا يذبح عنه إلا في ذي الحجة » بناء على عدم بناء الجواب على ما في السؤال من الضعف عن الصيام ولو بضميمة ما عرفت ، فيتجه حينئذ مذهب المشهور ، ضرورة كون ما سمعته حينئذ كالاجتهاد في مقابلة النص ، وكان ما وقع من الحلي بناء على أصله من عدم العمل باخبار الآحاد ، لكن فيه منع واضح هنا باعتبار الاعتضاد بعمل رؤساء الأصحاب الذين هم الأساس في حفظ الشريعة كالشيخين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

١٦٥

والصدوقين والمرتضى وغيرهم ، وكفى بذلك قرينة على صحة مضمونه ، ولا يعارضه‌ خبر أبي بصير (١) سأل أحدهما عليهما‌السلام « عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أيذبح أو يصوم؟ قال : بل يصوم ، فإن أيام الذبح قد مضت » بعد قصوره من وجوه ، مع انه فيمن قدر على الذبح بمنى ، وهو غير ما نحن فيه ، بل المصنف وابن إدريس لا يوجبان عليه الصوم ، ومن هنا حمله الشيخ على من صام ثلاثة قبل الوجدان كما في‌ خبر حماد بن عثمان (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عن متمتع صام ثلاثة أيام في الحج ثم أصاب هديا يوم خرج من منى قال أجزأه صيامه » وان كان بعيدا ، بل هو مناف لخبره الآخر (٣) الذي فيه « فلم يجد ما يهدي ولم يصم الثلاثة أيام » وربما حمله غيره على ما مر في وجوب كون الذبح يوم النحر ، وعلى كل حال فمن ذلك كله بان لك ضعف القول المزبور.

وأضعف منه ما عن أبي علي من التخيير بين الصوم والتصدق بالثمن بدلا عن الهدي ، ووضعه عند من يشتريه فيذبحه الى آخر ذي الحجة جمعا بين ما تقدم ونحو‌ خبر عبد الله بن عمر (٤) قال : « كنا بمكة فأصابنا غلاء في الأضاحي ، فاشترينا بدينار ثم بدينارين ثم بلغت سبعة ثم لم يوجد بقليل ولا كثير ، فرفع هشام المكاري رقعة الى ابى الحسن عليه‌السلام فأخبره بما اشترينا وانا لم نجد بعد فوقع عليه‌السلام اليه انظروا الى الثمن الأول والثاني والثالث فاجمعوا ثم تصدقوا بمثل ثلثه ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ـ ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

١٦٦

وهو ـ مع عدم الشاهد ، وعدم المكافاة ، والمخالفة لكتاب الله ـ قيل انه ظاهر في المندوب.

ثم إن الذي صرح به غير واحد اعتبار كون المخلف عنده الثمن ثقة ، وقد سمعت خلو النصوص عن ذلك ، ولا يبعد الاجتزاء بالمطمئن به وان لم يكن ثقة ، فإنه يصدق عليه انه جعله عند من يذبحه عنه ، والله العالم.

وكيف كان فـ (إذا فقدهما ) اي الهدي وثمنه بما يصدق عليه عدم الوجدان عرفا ، وفي المسالك « يتحقق العجز عن الثمن بان لا يقدر على تحصيله ولو بتكسب لائق بحاله ، وبيع ما زاد على المستثنى في الدين » ولا يخفى عليك ما في الأول ، نعم المعتبر القدرة في موضعه لا في بلده إلا إذا تمكن من بيع ما في بلده بما لا يتضرر به أو من الاستدانة عليه ، فإنه لا يبعد الوجوب بل أطلق في المسالك البيع بدون ثمن المثل ، وعلى كل حال فإذا صدق العنوان المزبور صام عشرة أيام : ثلاثة في سفر الحج قبل الرجوع الى اهله وشهره ، وهو هنا ذو الحجة عندنا ، ويجب ان تكون متواليات بلا خلاف ، بل عن المنتهى وغيره الإجماع عليه ، مضافا الى النصوص ، منها‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر إسحاق (١) : « لا يصوم الثلاثة الأيام متفرقة » ونحوه الصحيح (٢) المروي في قرب الاسناد يوما قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى الكتاب العزيز (٣) والمعتبرة المستفيضة أو المتواترة ، منها‌ خبر رفاعة بن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

(٣) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

١٦٧

موسى (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المتمتع لا يجد الهدي قال : يصوم قبل التروية بيوم ، ويوم التروية ويوم عرفة ، قلت : فإنه قدم يوم التروية قال : يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق ، قلت : لم يقم عليه جماله قال : يصوم يوم الحصبة وبعده يومين ، قال : قلت : وما الحصبة قال يوم نفره ، قلت يصوم وهو مسافر قال : نعم ، أليس هو في يوم عرفة مسافرا ، إنا أهل بيت نقول ذلك لقول الله عز وجل ( فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ ) ، يقول في ذي الحجة » وصحيح معاوية بن عمار (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « سألت عن متمتع لم يجد هديا قال : يصوم ثلاثة أيام في الحج يوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، قال : قلت : وإن فاته ذلك قال : يتسحر ليلة الحصبة ويصوم ذلك اليوم ويومين بعده ، قلت : فان لم يقم عليه جماله يصومها في الطريق قال : إن شاء صامها في الطريق ، وإن شاء إذا رجع الى أهله » الى غير ذلك من النصوص

ولعل المراد بقوله تعالى ( تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ) بيان ان كمالها كمال الأضحية ، قال عبد الله بن سليمان الصيرفي (٣) قال أبو عبد الله عليه‌السلام لسفيان الثوري : « ما تقول في قول الله عز وجل ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ ) الآية أي شي‌ء يعني بالكاملة؟ قال سبعة وثلاثة ، قال : ويختل ذا على ذي حجى ان سبعة وثلاثة عشرة ، قال : فأي شي‌ء هو أصلحك الله قال : الكامل كمالها كمال الأضحية سواء أتيت بها أو أتيت بالأضحية ، تمامها كمال الأضحية » أو لرفع احتمال ارادة معنى « أو » من الواو أو غير ذلك ، هذا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٩.

١٦٨

ولا يشكل الحكم المزبور بأنه لا معنى للبدل قبل تحقق الخطاب بالمبدل خصوصا بعد ظهور الآية في عدم الوجدان عند الأمر بالذبح ، كما دل عليه‌ خبر احمد بن عبد الله الكرخي (١) قال : « قلت للرضا عليه‌السلام المتمتع يقدم وليس معه هدي أيصوم ما لم يجب عليه قال : يصير الى يوم النحر ، فان لم يصب فهو ممن لم يجد » وعن علي بن إبراهيم في تفسيره ان من لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام بمكة يعني بعد النفر ولم يذكر صومها في غير ذلك ، إلا أن ذلك كله اجتهاد في مقابلة النصوص والفتاوى والإجماع بقسميه ، بل إن أراد علي بن إبراهيم عدم جواز صومها إلا على الوجه المزبور فهو ، ولعله لذا حمل الخبر المزبور على الجواز أو على من وجد الثمن ، على ان الخطاب بالذبح يتحقق بالإحرام بالحج الذي هو أحد أفعاله.

وكيف كان فـ (لو لم يتفق ) صوم اليوم قبل يوم التروية اقتصر على يوم التروية ويوم عرفة ثم صام الثالث بعد النفر كما هو المشهور بل عن ابن إدريس وغيره الإجماع عليه ، وهو الحجة في اغتفار الفصل بالعيد وأيام التشريق في التوالي ، مضافا الى‌ خبر عبد الرحمن بن الحجاج (٢) المنجبر بما عرفت عن الصادق عليه‌السلام « فيمن صام يوم التروية ويوم عرفة قال : يجزيه أن يصوم يوما آخر » وخبر يحيى الأزرق أو موثقه (٣) عن أبي الحسن عليه‌السلام « سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعا وليس له هدي فصام يوم التروية ويوم عرفة قال : يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق » ورواه الصدوق عنه في الحسن انه سأل أبا إبراهيم عليه‌السلام ، بل ظاهرها حتى الأخير تناول حال الاختيار كما اعترف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ـ ٢.

١٦٩

به بعضهم ، فان القدوم يوم التروية لا ينافي صوم يوم قبله قبل القدوم ، بل عن ابن حمزة التصريح بذلك ، بل في كشف اللثام نسبته الى ظاهر الباقين إلا القاضي والحلبيين فاشترطوا الضرورة ، ولا ريب في أنه أحوط وإن كان الأقوى الأول ، وعن بعض المتأخرين اشتراط الجهل يكون الثالث العيد ، وإطلاق النص والفتوى على خلافه كما اعترف به الكركي وثاني الشهيدين ، بل عن ابن حمزة جواز صوم السابع والثامن ثم يوما بعد النفر لمن خاف أن يضعفه صوم يوم عرفة عن الدعاء ، ونفى عنه البأس في المختلف محتجا له بان التشاغل بالدعاء فيه مطلوب للشارع ، فجاز الإفطار له ، وفيه ما لا يخفى وإن أيده بعض الناس بالنهي عن صوم عرفة مطلقا كقول الصادقين عليهما‌السلام في خبر زرارة (١) « لا تصم في يوم عاشوراء ولا عرفة بمكة ولا في المدينة ولا في وطنك ولا في مصر من الأمصار » أو إن أضعف عن الدعاء كقول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر ابن مسلم (٢) إذ سأله عن صومها : « من قوي عليه فحسن إن لم يمنعك من الدعاء ، فإنه يوم دعاء ومسألة فصمه ، وإن خشيت أن يضعفك عن الدعاء فلا تصمه » إلا أن ذلك كله لا يدل على اغتفار الفصل به في التوالي الذي قد عرفت اعتباره في النص ومعقد الإجماع.

بل يظهر من جملة من النصوص عدم اغتفار الفصل بالعيد الذي قد عرفت النص والفتوى ومعقد الإجماع عليه ، منها صحيح معاوية (٣) السابق ، ومنها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ٦ من كتاب الصوم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ٤ من كتاب الصوم.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

١٧٠

صحيح العيص بن القاسم (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام سأله « عن متمتع يدخل في يوم التروية وليس معه هدي قال : فلا يصوم ذلك اليوم ولا يوم عرفة ويتسحر ليلة الحصبة فيصبح صائما ، وهو يوم النفر ، ويصوم يومين بعده » وصحيح حماد ابن عيسى (٢) قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : قال علي عليه‌السلام صيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، فمن فاته ذلك فليتسحر ليلة الحصبة يعني ليلة النفر ويصبح صائما ويصوم يومين بعده وسبعة إذا رجع » وخبر علي بن الفضل الواسطي (٣) قال : « سمعته قال : إذا صام المتمتع يومين لا يتابع صوم اليوم الثالث فقد فاته صيام ثلاثة أيام في الحج ، فليصم بمكة ثلاثة أيام متتابعات ، فان لم يقدر ولم يقم عليه الجمال فليصمها في الطريق ، فإذا قدم على أهله صام عشرة أيام متتابعات ».

إلا انها قاصرة عن معارضة ما عرفت من وجوه ، خصوصا بعد إمكان تقييد جملة منها بما سمعت ، وحمل آخر على بيان الجواز وغيره ، هذا ، وفي كشف اللثام « والظاهر وجوب المبادرة الى الثالث بعد زوال العذر وان أطلقت الاخبار والفتاوى التي عثرت عليها إلا فتوى ابن سعيد فإنه قال : صام يوم الحصبة وهو رابع النحر » قلت : مع أنه من أيام التشريق التي ستسمع الكلام فيها ، بل والكلام في ابتداء الثلاثة منه ، ولا ريب ان الأحوط المبادرة بها بعد أيام التشريق وإن كان الوجوب لا يخلو من نظر بعد إطلاق النص والفتوى ، بل قد سمعت ما في النص من كون المراد من قوله ( فِي الْحَجِّ ) شهر ذي الحجة ، مضافا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

١٧١

الى ما تسمعه مما يدل على جواز صومها طول ذي الحجة من النص (١) والإجماع وغيرهما ، والله العالم.

ولو فاته يوم التروية أخره الى ما بعد النفر بمعنى أنه لم يغتفر الفصل بالعيد حينئذ كما هو المشهور ، بل لا أجد فيه خلافا ، لإطلاق ما دل على وجوب التتابع ، وإطلاق ما دل على صومها متتابعة إذا فات صومها على الوجه المزبور ، ولكن عن الاقتصاد أن من أفطر الثاني بعد صوم الأول لمرض أو حيض أو عذر بنى ، وكذا الوسيلة إلا إذا كان العذر سفرا ، أو لعلهما استندا الى عموم التعليل في‌ خبر سليمان بن خالد (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عمن كان عليه شهران متتابعان فصام خمسة وعشرين يوما ثم مرض فإذا بري‌ء أيبني على صومه أم يعيد صومه كله؟ فقال عليه‌السلام : بل يبني على ما كان صام ، ثم قال : هذا مما غلب الله عليه وليس على ما غلب الله عليه شي‌ء » واستثناء السفر لأنه ليس هنا عذرا ، وفيه ـ مع انه في غير ما نحن فيه ضرورة العلم بالعيد ـ يمكن الفرق بين المقامين خصوصا بعد النصوص الدالة هنا على وجوب صومها بعد ذلك إذا فاتت الثلاثة.

وعلى كل حال فالمشهور عدم جواز استئنافها أيام التشريق ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، لعموم النهي عن صومها بمنى ، كمرسل الصدوق (٣) « ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق وامره أن يتخلل الفساطيط ينادي في الناس أيام منى أن لا يصوموا فإنها أيام أكل وشرب وبعال » أي ملاعبة الرجل مع أهله ، وخصوص‌ صحيح ابن سنان (٤) « سألت أبا عبد الله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ١٢ من كتاب الصوم.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

١٧٢

عليه‌السلام عن رجل تمتع فلم يجد هديا قال : فليصم ثلاثة أيام ليس منها أيام التشريق ، ولكن يقيم بمكة حتى يصومها ، وسبعة إذا رجع الى أهله ، وذكر حديث بديل بن ورقاء » وصحيح سليمان بن خالد (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تمتع ولم يجد هديا قال : يصوم ثلاثة أيام ، قلت له أفيها أيام التشريق؟ قال : لا ، ولكن يقيم بمكة حتى يصومها وسبعة إذا رجع الى أهله ، فان لم يقم عليه أصحابه ولم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام إذا رجع الى أهله ، ثم ذكر حديث بديل بن ورقاء » ورواه في كشف اللثام عن ابن مسكان ، ولتدبر فيما رواه في التهذيب هنا (٢) وفي شرح من فاته صوم هذه الثلاثة الأيام بمكة لعائق يعوقه (٣) يقتضي ما ذكرنا من كون الخبر عن سليمان ، فلاحظ وتأمل ، وخبر عبد الرحمن بن الحجاج (٤) قال : « كنت قائما أصلي وأبو الحسن عليه‌السلام قاعد قدامي وأنا لا أعلم فجاءه عباد البصري قال : فسلم فجلس فقال : له يا أبا الحسن ما تقول في رجل تمتع ولم يكن له هدي؟ قال : يصوم الأيام التي قال الله عز وجل ، قال : فجعلت أصغي إليهما فقال له عباد : وأي أيام هي؟ قال : قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة ، قال : فان فاته ذلك قال : يصوم صبيحة الحصبة ويومين بعد ذلك ، قال : أفلا تقول كما قال عبد الله بن الحسن؟ قال : فأي شي‌ء قال قال : يصوم أيام التشريق ، قال : إن جعفرا كان يقول : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بديلا أن ينادي ان هذه أيام أكل وشرب ، فلا يصومن أحد ، قال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٢٢٩ الرقم ٧٧٥.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٢٣٣ الرقم ٧٨٩ وهو ما رواه في الوسائل في الباب ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ـ ٤.

١٧٣

يا أبا الحسن : إن الله تعالى قال ( فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ) ، قال كان جعفر عليه‌السلام : يقول : ذو الحجة كله من أشهر الحج ».

فما عن أبي علي ـ من اباحة صومها فيها لقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر إسحاق (١) « من فاته صيام الثلاثة الأيام التي في الحج فليصمها أيام التشريق فان ذلك جائز له » ونحو منه خبر القداح (٢) ـ واضح الضعف بعد شذوذ الخبرين وضعفهما وموافقتهما لقول من العامة ، وقصورهما عن معارضة ما عرفت من وجوه ، بل احتمل تعليق أيام التشريق فيهما بالقول وإن كان بعيدا غاية البعد ، نعم‌ أرسل في الفقيه (٣) ان في رواية عنهم « يتسحر ليلة الحصبة ، وهي ليلة النفر ويصبح صائما » بل عن النهاية والمبسوط والمهذب والسرائر انه يصوم الحصبة وهو يوم النفر ، وهو المحكي عن أبي علي وابن بابويه ، بل قد سمعت النصوص الدالة عليه كصحيح العيص (٤) وصحيح حماد (٥) وصحيح رفاعة (٦) بل وصحيح معاوية (٧) وإن كان ليس فيه قوله « وهو يوم النفر ».

ومن هنا قال في المدارك في شرح عبارة المتن : « بل الأظهر جواز صوم يوم النفر ، وهو الثالث عشر » ويسمى يوم الحصبة كما اختاره الشيخ في النهاية وابنا بابويه وابن إدريس للأخبار الكثيرة الدالة عليه ، وإن كان الأفضل تأخير الصوم الى ما بعد أيام التشريق ، كما تدل عليه‌ صحيحة رفاعة (٨) عن الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ـ ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ـ ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

١٧٤

حيث قال فيها : « قلت فان قدم يوم التروية قال : يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق قلت لم يقم عليه جماله قال : يصوم يوم الحصبة وبعده يومين » وقد ظهر من هذه الروايات أن يوم الحصبة هو الثالث من أيام التشريق ، ونقل عن الشيخ في المبسوط انه جعل ليلة التحصيب ليلة الرابع ، والظاهر أن مراده ليلة الرابع من يوم النحر لا الرابع عشر ، لصراحة الأخبار في أن يوم التحصيب هو يوم النفر ، وربما ظهر من كلام أهل اللغة انه يوم الرابع عشر ، ولا عبرة به ».

قلت : الأصل في ذلك الفاضل في المختلف فإنه بعد ان ذكر ما يدل على حرمة صوم أيام التشريق وذكر صوم يوم الحصبة ـ قال : « ولا ريب ان يوم الحصبة هو يوم الثالث من أيام التشريق إلا ان يقال ان الشيخ ذكر في المبسوط ان ليلة الرابع ليلة التحصيب ، فيصح ذلك ، إلا ان هذا التأويل بعيد ، أما أولا فلان التحصيب إنما يكون لمن نفر في الأخير ، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ، واما ثانيا فلانه قال : فليصم يوم الحصبة ، وهو يوم النفر ، والنفر نفران : أول ، وهو الثاني عشر ، وثاني ، وهو الثالث عشر ، ويحمل قول الشيخ في المبسوط بأنه أراد الرابع من يوم النحر لا الرابع عشر » قلت : كما سمعته من الجامع ، لكن في محكي الخلاف ان الأصحاب قالوا : يصبح ليلة الحصبة صائما ، وهي بعد انقضاء أيام التشريق ، وفي‌ خبر إبراهيم بن أبي يحيى المروي (١) عن تفسير العياشي عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي عليهم‌السلام قال : « يصوم المتمتع قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة ، فان فاته ذلك ولم يكن عنده دم صام إذا انقضت أيام التشريق يتسحر ليلة الحصبة ثم يصبح صائما ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢٠.

١٧٥

وفي كشف اللثام « وما في صحيحي حماد والعيص من التفسير يجوز ان يكون من الراوي ـ ثم قال ـ وما في المبسوط ـ من ان يوم الحصبة يوم النفر ، وكذا النهاية والمهذب والسرائر ، بل خبر رفاعة نص فيه ـ لا يقتضي ان يكون ليلة الحصبة قبله ، وإنما يوهمه القياس على نحو ليلة الخميس ، والشيخ ثقة فيما يقوله ، ولا حاجة الى تأويل كلامه بما في المختلف أيضا بأن مراده بالرابع الرابع من يوم النحر ، مع ان كلام الخلاف نص في خلافه ، ثم الاحتياط يقتضي التأخير ، إذ لا خلاف في الاجزاء معه ثم احتمل سابقا في خبر عبد الرحمن تبعا للمختلف ان المراد من صبيحة الحصبة بمعنى اليوم الذي بعدها ، كما انه احتمل في صحيح رفاعة الاقتصار على حال الضرورة ، قلت : كل ذلك مضافا الى ما سمعته من الخبر وما حكاه في المدارك عن بعض أهل اللغة إلا ان الانصاف مع ذلك عدم إمكان إنكار ظهور النصوص في إرادة صوم يوم النفر الذي هو اليوم الثالث عشر أو الثاني عشر ، ولعله لكون المحرم صوم أيام التشريق لمن أقام بمنى لا مطلقا كما عن الأكثر على ما في محكي المعتبر ، وفي الروضة لا يحرم صومها على من ليس بمنى إجماعا ، وفي‌ صحيح معاوية (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الصيام فيها فقال : اما بالأمصار فلا بأس ، واما بمنى فلا » ومن هنا يظهر لك النظر فيما عن النهاية والمبسوط من انه لو كان بمكة لا يصومها لعموم النهي عنه ، اللهم إلا أن يكون المراد (٢) بكونه في منى من مكة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ١ من كتاب الصوم.

(٢) هكذا في النسخة الأصلية وحق العبارة هكذا « اللهم إلا ان يكون المراد كونه في منى من مكة » فكأن عبارة المبسوط هكذا « انه لو كان بمنى لا يصومها ».

١٧٦

هذا ، وقد تقدم في كتاب الصوم بعض الكلام في ذلك فلاحظ ، وكيف كان فالاحتياط لا ينبغي تركه. والله العالم.

ويجوز تقديمها من أول ذي الحجة بعد التلبس بالمتعة كما في القواعد والنافع لخبر زرارة أو موثقه (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « من لم يجد الهدي وأحب أن يصوم الثلاثة الأيام في أول العشر فلا بأس » المعتضد بإطلاق الآية المفسر في صحيح رفاعة (٢) بشهر الحج كله ، واليه أشار ابن سعيد في المحكي عنه من النص على أنه رخص في ذلك لغير عذر ، كالمحكي عن القاضي من انه قد رويت رخصة في تقديم صوم هذه الثلاثة من أول العشر ، وكذلك في تأخيرها الى بعد أيام التشريق لمن ظن ان صوم يوم التروية ويوم عرفة يضعفه عن القيام بالمناسك ، وكذا عن النهاية والتهذيب والمبسوط والمهذب في ذكر الرخصة في صومها أول العشر ، لكن عن الأخيرين « أن التأخير إلى السابع أحوط » وفي التهذيب « ان العمل على ما ذكرناه أولى » بل عن التبيان والسرائر « الإجماع على وجوب كون الصوم في الثلاثة المتصلة بالنحر » كما عن الخلاف « نفي الخلاف عن وجوبه اختيارا » وإن احتمل إرادة نفي الخلاف عن تقديمها على الإحرام بالحج ، بل عن ظاهره اختصاص الرخصة بالمضطر.

وعلى كل حال فلا ريب في أن الأحوط عدم التقديم وإن كان القول بالجواز لا يخلو من قوة ، خصوصا بعد دعوى الشهرة عليه في محكي التنقيح لما عرفت ، نعم لا خلاف في أنه يجوز صومها طول باقي ذي الحجة بل في المدارك أنه قول علمائنا وأكثر العامة لإطلاق الآية المفسرة في‌ صحيح رفاعة السابق بذي الحجة ، وخصوص قول الصادق عليه‌السلام في صحيح زرارة (٣) : « من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٣.

١٧٧

لم يجد ثمن الهدي فأحب أن يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأواخر فلا بأس بذلك » بل يمكن تحصيل الإجماع منا فضلا عن محكيه على الجواز المزبور بمعنى الاجزاء وإن قلنا بوجوب المبادرة كما سمعته سابقا من كشف اللثام ، وقال في المقام : « وظاهر الأكثر ومنهم المصنف في سائر كتبه وجوب المبادرة بعد التشريق ، فان فات فليصم بعد ذلك الى آخر الشهر ، وهو أحوط ، لاختصاص أكثر الأخبار بذلك ، ومن ذهب الى كونه قضاء بعد التشريق لم يجز عنده التأخير إليه اختيارا قطعا ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط على ما في المختلف ، والحق انه أداء كما في الخلاف والسرائر والجامع والمختلف والمنتهى والتذكرة والتحرير وفيما عندنا من نسخ المبسوط ، إذ لا دليل على خروج الوقت ، بل العدم ظاهر ما مر ، غاية الأمر وجوب المبادرة » قلت : قد سمعت سابقا ما اعترف به من إطلاق الأخبار والفتاوى وأنه لم يعثر على ما يقتضي وجوب المبادرة إلا ما حكاه من عبارة الجامع ، فما أدري ما الذي دعاه هنا الى نسبة ذلك الى ظاهر الأكثر الذي يشهد التتبع بخلافه ، خصوصا مع ملاحظة تصريحهم بجواز ذلك طول ذي الحجة ، إذ لا داعي إلى حمله على إرادة الاجزاء لا الجواز بمعنى عدم الإثم والقول بالقضاء المزبور ليس لأحد من أصحابنا ، نعم في المدارك أنه حكى في التذكرة عن بعض العامة قولا بخروج وقتها بمضي يوم عرفة ، ولا ريب في بطلانه كما لا ريب في بطلان توقيتها بخصوص الأيام التي بعد التشريق ، أو خصوص يوم الحصبة منها ، والتحقيق ما عرفت من عدم وجوب المبادرة للأصل ، وظاهر النصوص والفتاوى ومعاقد الإجماعات فضلا عن التوقيت ، وان كانت هي أحوط ، والله العالم.

ولو صام يومين وأفطر الثالث لا لعذر لم يجزه واستأنف لما‌

١٧٨

عرفته من وجوب التتابع فيها نصا (١) وفتوى وإجماعا بقسميه ، وفي العذر ما سمعته من الكيدري وابن حمزة ، مع أن ظاهر الأصحاب هنا خلافه إلا أن يكون ذلك هو العيد فيأتي بالثالث بعد النفر لما سمعته من النص (٢) والفتوى ومعقد الإجماع ، فوسوسة سيد المدارك فيه لبعض النصوص (٣) المعرض عنها أو المحمولة على ما عرفت في غير محلها كما تقدم ذلك كله ، بل وغيره مما سمعته من ابن حمزة الذي نفى عنه البأس في المختلف ، فلاحظ وتأمل.

ولا يصح صوم هذه الثلاثة إلا في ذي الحجة بعد التلبس بالمتعة بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، نعم عن أحمد في رواية جواز تقديمها على إحرام العمرة ، وهو خطأ واضح ، ضرورة كونه تقديما للواجب على وقته وسببه بلا دليل ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، نعم يتحقق التلبس بالمتعة بدخوله في إحرام العمرة التي صارت جزء من حج التمتع كما صرح به غير واحد ، بل قد عرفت النص (٤) والإجماع على رجحان صومها في السابع مع استحباب أن يكون الإحرام بالحج في الثامن ، ولكن مع ذلك اشترط الشهيد التلبس بالحج ، ونحوه المصنف في النافع وثاني الشهيدين ، لكونه تقديما للواجب على وقته ، وللمسبب على سببه ، وهو كالاجتهاد في مقابلة ما عرفت ، ثم قال في الدروس : وجوز بعضهم صومها في إحرام العمرة ، وهو بناء على وجوبه بها يعني الحج أو الهدي أو الصوم ، قال : « وفي الخلاف لا يجب الهدي قبل إحرام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣ و ٤ و ٥ والباب ٥٣ منها.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح.

١٧٩

الحج بلا خلاف ، ويجوز الصوم قبل إحرام الحج ، وفيه إشكال » وفيه أنه لا حاجة الى البناء المزبور بعد ظهور الدليل في ذلك وإن لم نقل بالوجوب ، ولعل ذلك هو الوجه في كلام الشيخ رحمه‌الله ضرورة عدم المانع من مشروعية الصوم قبل الخطاب بالذبح للدليل كما أوضحناه سابقا ، وقلنا إن خبر الكرخي (١) عن الرضا عليه‌السلام محمول على إرادة بيان الجواز أو غير ذلك ، على انه يمكن القول بوجوب الذبح بإحرام العمرة على معنى صيرورته مخاطبا بأفعال الحج على حسب ترتبها ويكفي ذلك في مشروعية الصوم بدلا عنه ، كما هو واضح.

ولو خرج ذو الحجة ولم يصمها أي الثلاثة تعين الهدي بلا خلاف أجده فيه ، بل في ظاهر المدارك وصريح المحكي عن الخلاف الإجماع عليه بل عن بعض انه نقله جماعة ، وهو الحجة بعد‌ صحيح حازم (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « من لم يصم في ذي الحجة حتى يهل المحرم فعليه شاة ، وليس له صوم ، ويذبح بمنى » لكن في كشف اللثام « أنه كما يحتمل الهدي يحتمل الكفارة ، بل هي أظهر » وكذا النهاية والمهذب ، وفيه انه دال بإطلاقه أو عمومه لهما ، خصوصا بعد ملاحظة استدلال الأصحاب به على الهدي ، ولعله لذا قال في المحكي المبسوط وجب عليه دم شاة واستقر في ذمته الدم وليس له صوم » ونحوه الجامع بل هو محكي عن صريح المنتهى ، بل لعل عبارة المصنف وما شابهها لا دلالة فيها على نفي الكفارة بعد أن كانت مسافة لبيان ذلك ، ومن الغريب ما في الرياض ، فإنه بعد ان اعترف بدلالة الصحيح (٣) على الهدي والكفارة قال : « إن عدم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١ وهو صحيح منصور بن حازم.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

١٨٠