جواهر الكلام - ج ١٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الرجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره : إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضل عنه ، وإن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه » بناء على أولوية عدم الاجزاء مع الاختيار من حال الاضطرار ، لكن فيه انه مبني على اجزاء التبرع ، وإلا كان مطرحا.

وكيف كان فما عن العامة ـ من جوازه في أي مكان من الحرم ، بل جوازه في الحل إذا فرق لحمه في الحرام ـ واضح الفساد ، وما في‌ صحيح عمار (١) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل نسي أن يذبح بمنى حتى زار البيت فاشترى بمكة فذبح قال : لا بأس قد اجزء عنه » مع ـ انه صريح في الذبح بغير منى ، وإن أشكله الشهيد بأنه في غير محل الذبح ـ محمول على غير الهدي الواجب ، كحسن معاوية بن عمار (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إن أهل مكة أنكروا عليك انك ذبحت هديك في منزلك بمكة فقال : إن مكة كلها منحر » والله العالم.

ولا يجزي واحد في الهدي الواجب إلا عن واحد ولو حال الضرورة عند المشهور ، بل عن ضحايا الخلاف الإجماع عليه للأصل المستفاد من تعدد الخطاب الموافق لقوله تعالى (٣) ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ) الى آخره ، ضرورة صدق عدم وجدان الهدي مع الاضطرار ، فان التمكن من جزء منه ليس تمكنا منه بعد أن كان المنساق منه الحيوان التام ، والأمر بما استيسر إنما هو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

(٣) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

١٢١

لإرادة بيان النعم الثلاثة لا اجزاء الحيوان الواحد ، ول‌ صحيح الحلبي (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن النفر تجزيهم البقرة قال : أما في الهدي فلا ، وأما في الأضحى فنعم » وصحيح ابن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « لا تجوز البدنة والبقرة إلا عن واحد بمنى » وخبر الحلبي (٣) عن الصادق عليه‌السلام « تجزي البقرة والبدنة في الأمصار عن سبعة ، ولا تجزي بمنى إلا عن واحد » بناء على إرادة الكناية بذلك عن الهدي الواجب والمندوب أي الأضحية ، لا الحج المندوب تمتعا ، لأن الهدي فيه واجب أيضا بعد وجوبه بالتلبس به.

ولكن مع ذلك قيل يجزي مع الضرورة عن خمسة وعن سبعة إذا كانوا أهل خوان واحد إلا انا لم نعرف القائل بذلك ، نعم في محكي المبسوط « ولا يجوز في الهدي الواجب إلا واحد عن واحد مع الاختيار سواء كان بدنا أو بقرا ، ويجوز عند الضرورة عن خمسة وعن سبعة وعن سبعين ، وكلما قالوا كان أفضل ، وان اشتركوا عند الضرورة أجزأت عنهم ، سواء كانوا متفقين في النسك أو مختلفين ولا يجوز أن يريد بعضهم اللحم ، وإذا أرادوا ذبحه أسندوه إلى واحد منهم ينوب عن الجماعة ، ويسلم مشاعا اللحم الى المساكين » ونحو منه النهاية ، وكذا الاقتصاد والجمل والعقود ، ولم يقتصر فيهما على البدنة والبقرة ، ولا اشترط أن لا يريد بعضهم اللهم أي اجتماعهم على التقرب بالهدي ، وفي كشف اللثام وهو خيرة القاضي والمختلف والمنتهى ومحتمل التذكرة ، والموجود في المختلف أن الأقرب الاجزاء عند الضرورة عن الكثير دون الاختيار » وفي المقنعة « وتجزي البقرة عن خمسة إذا كانوا أهل بيت ، ولا يجوز في الهدي الواجب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبح الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبح الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبح الحديث ـ ٤.

١٢٢

البقرة والبدنة مع التمكن إلا عن واحد ، وإنما تجوز عن خمسة وسبعة وسبعين عند الضرورة وعدم التمكن ، وإن كان كلما قل المشتركون فيه والحال ما وصفناه كان أفضل » وعن الهداية « وتجزي البقرة عن خمسة نفر إذا كانوا من أهل بيت وروي أنها تجزي عن سبعة ، والجزور يجزي عن عشرة متفرقين ، والكبش يجزي عن الرجل وعن أهل بيته ، وإذا عزت الأضاحي أجزأت شاة عن سبعين » وفي المراسم « تجزي بقرة عن خمسة نفر » وأطلق فلم يقيد بالضرورة ولا بالاجتماع على خوان واحد ، نعم عن بعض نسخها زيادة « والإبل تجزي عن سبعة وعن سبعين نفرا » وفي المحكي من حج الخلاف « يجوز اشتراك سبعة في بدنة واحدة أو بقرة واحدة إذا كانوا متقربين وكانوا أهل خوان واحد سواء كانوا متمتعين أو قارنين أو مفردين ، أو بعضهم مفردا وبعضهم قارنا أو متمتعا أو بعضهم مفترضين أو متطوعين ، ولا يجوز أن يريد بعضهم اللحم ، وبه قال أبو حنيفة إلا انه لم يعتبر أهل خوان واحد ، وقال الشافعي : مثل ذلك إلا انه أجاز ان يكون بعضهم يريد اللهم ، وقال مالك : لا يجوز الاشتراك إلا في موضع واحد ، وهو إذا كانوا متطوعين ، وقد روى ذلك أصحابنا أيضا ، وهو الأحوط ، وعلى الأول‌ خبر جابر (١) قال : « كنا نتمتع على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونشترك السبعة في البقرة أو البدنة » وما رواه أصحابنا أكثر من أنه يحصى ، وعلى الثاني ما رواه أصحابنا ، وطريقة الاحتياط تقتضيه ».

والجميع كما ترى ليس في شي‌ء منها ما يوافق القول المزبور مع اختلافها كاختلاف النصوص ، ففي‌ خبر معاوية بن عمار (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « تجزي‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٥ ص ٢٣٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥.

١٢٣

البقرة عن خمسة بمنى ان كانوا أهل خوان واحد » وخبر أبي بصير (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « البدنة والبقرة تجزي عن سبعة إذا اجتمعوا من أهل بيت واحد من غيرهم » وخبر إسماعيل بن أبي زياد (٢) عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « البقرة الجذعة تجزي عن ثلاثة من أهل بيت واحد ، والمسنة تجزي عن سبعة نفر متفرقين ، والجزور تجزي عن عشرة متفرقين » وفي‌ خبر حمران (٣) قال : « عزت البدن سنة بمنى حتى بلغت البدنة مائة دينار ، فسئل أبو جعفر عليه‌السلام عن ذلك فقال : اشتركوا فيها ، قال : قلت : وكم؟ قال : ما خف فهو أفضل ، فقال : قلت : عن كم تجزي؟ فقال عن سبعين » وفي‌ خبر الحسين بن خالد (٤) المروي عن العلل والعيون سئل الرضا عليه‌السلام « عن كم تجزئ البدنة؟ فقال : عن نفس واحدة ، قال : فالبقرة قال : تجزي عن خمسة قال : لأن البدنة لم يكن فيها من العلة ما كان في البقرة ، ان الذين أمروا قوم موسى بعبادة العجل كانوا خمسة ، وكانوا أهل بيت يأكلون علي خوان واحد وهم الذين ذبحوا البقرة ».

إلا انها أجمع كما ترى لا تصريح في شي‌ء منها بالهدي الواجب ، فيمكن حملها على الأضحية المندوبة كخبر سوادة (٥) قال : « كنا جماعة بمنى فعزت الأضاحي بمنى فنظرنا فإذا أبو عبد الله عليه‌السلام واقف على قطيع يساوم بغنم ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٨.

(٥) ذكر صدره في الوسائل في الباب ١٩ من أبواب الذبح ـ الحديث ١ وأسقط قطعة منه وذكر ذيله في الباب ١٨ منها الحديث ١٢ وذكر تمامه في الاستبصار ج ٢ ص ٢٦٧ الرقم ٩٤٧.

١٢٤

ويماكسه مكاسا شديدا فوقفنا ننظر فلما فرغ اقبل علينا وقال : أظنكم قد تعجبتم من مكاسي فقلنا نعم ، فقال : إن المغبون لا محمود ولا مأجور ألكم حاجة؟ قلنا نعم أصلحك الله ان الأضاحي قد عزت علينا ، قال : فاجتمعوا فاشتروا جزورا فانحروها فيما بينكم ، قلنا فلا تبلغ نفقتنا ذلك ، قال : فاجتمعوا فاشتروا شاة واذبحوها فيما بينكم ، قلنا : تجزي عن سبعة قال : نعم وعن سبعين » وخبره الآخر مع علي بن أسباط (١) عنه عليه‌السلام أيضا قالا : « قلنا له : جعلنا فداك عزت الأضاحي علينا بمكة فيجزي اثنين ان يشتركا في شاة فقال : نعم وعن سبعين » وخبر علي بن الريان بن الصلت (٢) عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام قال : « كتبت إليه أسأله عن الجاموس عن كم يجزي في الضحية فجاء الجواب ان كان ذكرا فعن واحد ، وان كان أنثى فعن سبعة » وخبر يونس بن يعقوب (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن البقرة يضحى بها فقال : تجزي عن سبعة » نعم في‌ خبر زيد بن جهم (٤) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام متمتع لم يجد هديا فقال : اما كان معه درهم يأتي به قومه فيقول : أشركوني بهذا الدرهم » وصحيح ابن الحجاج (٥) « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن قوم غلت عليهم الأضاحي وهم متمتعون وهم متوافقون ليسوا بأهل بيت واحد وقد اجتمعوا في مسيرهم ، ومضربهم واحد ، ألهم ان يذبحوا بقرة؟ فقال : لا أحب ذلك إلا من ضرورة » والأول ـ مع وهن سنده بجهالة حفص وزيد ، ولا جابر له ـ يمكن حمله على ضرب من الندب بدفع شي‌ء للشركة مع من يضحي وإن كان تكليفه الصوم ، والثاني لا تصريح فيه بالهدي ، فيمكن الاشتراك في الأضحية المندوبة وإن كانوا متمتعين ، خصوصا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبح الحديث ٩ عن ابى الحسن الرضا عليه‌السلام.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبح الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبح الحديث ١٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبح الحديث ١٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الذبح الحديث ١٠.

١٢٥

بعد ظهوره في جواز ذلك اختيارا مع عدم القائل به أو ندرته ، فالتحقيق حينئذ عدم الاجزاء في الهدي الواجب مطلقا.

وحينئذ فـ (الأول أشبه ) وان كان الأحوط مع الضرورة الاشتراك مع الصوم ، نعم يجوز ذلك في المندوب أي الأضحية والمبعوث من الآفاق والمتبرع بسياقه مع عدم تعينه بالاشعار والتقليد ، لما سمعته من النصوص السابقة ، بل عن المنتهى الإجماع على إجزاء الهدي في التطوع عن سبعة نفر سواء كان من الإبل أو البقر أو الغنم ، بل في التذكرة « اما في التطوع فيجزي الواحد عن سبعة وعن سبعين حال الاختيار سواء كان من الإبل أو البقر أو الغنم إجماعا » بل الظاهر إرادة المثال من السبعين في النصوص في الشاة فضلا عن غيرها من غير فرق في ذلك بين كونهم أهل خوان واحد أو لا ، وبين كونهم من أهل بيت واحد أو لا ، ففي‌ مرسل ابن سنان (١) « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذبح يوم الأضحى كبشين أحدهما عن نفسه والآخر عمن لم يجد من أمته » وما في بعض النصوص من التقييد ببعض ذلك محمول على ضرب من الندب ، والله العالم.

ولا يجب بيع ثياب التجمل في الهدي ، بل يقتصر على الصوم مع عدم وجدانه غيرها بلا خلاف أجده فيه ، بل في المدارك وغيرها انه مقطوع به في كلام الأصحاب ، لفحوى استثنائها في دين المخلوق الذي هو أهم في نظر الشارع من دين الخالق ، ولصدق عدم الوجدان عليه الذي هو عنوان الصوم ، وانتفاء صدق الاستيسار الذي هو عنوان وجوب الذبح ، ول‌ مرسل علي بن أسباط (٢) المنجبر بما عرفت عن الرضا عليه‌السلام سئل « عن رجل يتمتع بالعمرة إلى الحج‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب الذبح الحديث ٢.

١٢٦

وفي عيبته ثياب إله ان يبيع من ثيابه شيئا ويشتري بدنة؟ قال : لا ، هذا يتزين به المؤمن ، يصوم ولا يأخذ من ثيابه شيئا » بل وصحيح البزنطي (١) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المتمتع يكون له فضول من الكسوة بعد الذي يحتاج اليه فتسوي تلك الفضول مائة درهم ، هل يكون ممن يجب عليه؟ فقال له بد من كراء ونفقة ، فقال : له كراء وما يحتاج اليه بعد هذا الفضل من الكسوة ، فقال : وأي شي‌ء كسوة بمائة درهم ، هذا ممن قال الله : فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم » وإن كان يحتمل غير ذلك ، لكن ما عرفته أولا كاف ، بل الظاهر استثناء كل ما يستثني في الدين ، ولو باعها واشترى ففي الدروس أجزء ، ونوقش بأنه غير آت بالمأمور به وليس هو كمن وهب فقبل ونحوه ممن يصدق عليه أنه تيسر له الهدي بعد قبوله ، بخلاف الفرض خصوصا بعد ظهور المرسل في عدم كون ذلك له ، اللهم إلا أن يكون المراد منه عدم الوجوب لا النهي ، ولعل الاجزاء لا يخلو من قوة ، ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه ولو بالجمع ، والله العالم.

ولو ضل الهدي فذبحه غير صاحبه ناويا به صاحبه لم يجز عنه كما في النافع بل في المسالك انه المشهور وان كان لم نجده لغير المصنف في الكتابين ، بل في كشف اللثام قصر الحكاية على الثاني منهما ، بل هو في الكتاب في هدى القران صرح بما عليه المشهور كما ستسمع ، فينحصر الخلاف حينئذ في النافع وإن كان ما حضرنا من نسخته هنا وما شرحه ثاني الشهيدين وسبطه نحو ما في النافع ، وعلى كل حال فلا دليل له إلا الأصل المقطوع بما في‌ صحيح منصور بن حازم (٢) « في رجل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

١٢٧

ضل هديه فيجده رجل آخر فينحره فقال : إن كان نحره في منى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضل عنه ، وإن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه » ومن هنا كان المشهور على ما في كشف اللثام الاجزاء عنه ان ذبحه بمنى ، بل ظاهر الصحيح المزبور إطلاق الاجزاء عن صاحبه مع الذبح بمنى ، إلا انه لا قائل به على الظاهر ، ولعله لانسياق ذلك منه ، مضافا الى ما تسمعه من صحيح ابن مسلم (١) فحينئذ إن لم ينوه عن صاحبه لم يجز عن احد منهما كما عن المنتهى والتحرير التصريح به ، قال : واما عن الذابح فلانه منهي عنه ، واما عن صاحبه فلعدم النية » وفي الرياض « هو حسن لولا إطلاق النص بالاجزاء عن صاحبه » ولكن ظاهرهم الإطباق على المنع هنا ، ولعلهم حملوا إطلاق النص على الأصل في فعل المسلم من الصحة ، فلا يتصور فيه الذبح بغير النية عن صاحبه » قلت : لا يخفى عليك في هذا الأصل هنا سيما بعد عموم جواز الالتقاط ، ولذا قال في كشف اللثام : « لا يجزي عنه وان نواه عن نفسه إلا ان يجده في الحل فيتملكه بشرائطه ، وحينئذ فهو صاحبه » قلت : بل لو وجده في الحرم بناء على جواز أخذ الضالة ، نعم لو قلنا بخروج الهدي عن حكم الضالة ولو للنص المزبور اتجه عدم الاجزاء حينئذ عنه للنهي ، ولكن فيه نظر لإطلاق الأدلة بل عمومها ، فلاحظ وتأمل.

وكيف كان فقد سمعت ما عن المشهور المبني على عدم تملك الواجد ، لكن عن الفاضل في المنتهى انه ينبغي لواجد الهدى الضال ان يعرفه ثلاثة أيام ، فإن عرفه صاحبه وإلا ذبحه عنه ، لصحيح محمد بن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « إذا وجد الرجل هديا ضالا فليعرفه يوم النحر واليوم الثاني واليوم الثالث ثم يذبحه عن صاحبه عشية يوم الثالث » ، ولكن ظاهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

١٢٨

الصحيح المزبور وجوب التعريف كما هو المحكي عن ظاهر الشيخ في النهاية ، بل في كشف اللثام الظاهر الوجوب للأمر بلا معارض ، وللتحرز عن النيابة بلا ضرورة ولا استنابة خصوصا عن غير معين ، وعن إطلاق الذبح عما في الذمة إطلاقا محتملا للوجوب والندب ، وللهدي وغيره ، وللتمتع وغيره ، وحج الإسلام وغيره ، ولذا لم يجتز به المحقق في النافع ، قلت : أما عدم اجتزاء المصنف فهو كالاجتهاد في مقابل النص نحو ما سمعته من التعليل ، فالعمدة ظاهر الأمر الذي لا ريب في قصوره عن معارضة الصحيح الأول مع فرض إرادة اعتبار ذلك في الاجزاء ، وإلا كان واجبا تعبدا معارضا بالأصل وغيره ، بل ظاهر الفاضل الذي ذكره الندب ، كما أن ظاهر الشيخ التعبير بما في الخبر ، فالأقوى الندب ، وخصوصا بعد الذبح ، وإن قال في المدارك : « ولو قلنا بجواز الذبح قبل التعريف لم يبعد وجوبه بعده ليعلم المالك فيترك الذبح ثانيا » إلا انه كما ترى ، خصوصا مع القول بالاجزاء عن صاحبها بمجرد الضياع كما في‌ مرسل محمد بن عيسى (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل اشترى شاة لمتعة فسرقت منه أو هلكت فقال : إن كان أوثقها في رحل فضاعت فقد أجزأت عنه » وخبر علي (٢) عن عبد صالح عليه‌السلام قال : « إذا اشتريت أضحيتك وصارت في رحلك فقد بلغ الهدي محله » ويقرب من ذلك ما في‌ صحيح معاوية (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى أضحية فماتت أو سرقت قبل ان يذبحها قال : لا بأس ، وان أبدلها فهو أفضل ، وان لم يشتر فليس عليه شي‌ء » ومرسل إبراهيم بن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢ عن احمد بن محمد بن عيسى في كتابه عن غير واحد من أصحابنا.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ـ ١.

١٢٩

عبد الله (١) قال : « اشترى لي أبي شاة بمنى فسرقت فقال لي أبي ائت أبا عبد الله عليه‌السلام فاسأله عن ذلك فأتيته فأخبرته فقال ما ضحي بمنى شاة أفضل من شاتك » وان كانا هما في غير الضال ، مع احتمال إرادة ما يشمله من الهلاك في الأول نحو‌ خبر أبي بصير (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى كبشا فهلك منه قال : يشتري مكانه آخر ، قلت : فان اشترى مكانه آخر ثم وجد الأول قال : إن كانا جميعين قائمين فليذبح الأول وليبع الأخير وان شاء ذبحه ، وان كان قد ذبح الأخير ذبح الأول معه » المحمول على الندب ، لحصول الاجزاء بذبح الأخير نعم لو فرض تعين ذبحه بنذر ونحوه وجب حينئذ ، ومنه الاشعار الذي قد صرح بالوجوب معه في محكي التذكرة والمنتهى والتحرير ، بل عن المختلف انه حكاه عن الشيخ أيضا ، ولكن هو قرب الاستحباب للامتثال ، وهو مناف لصحيح الحلبي (٣) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل أن يشعرها ويقلدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر ويجد هديه ، فقال عليه‌السلام : ان لم يكن قد أشعرها فهو من ماله ، ان شاء نحرها وان شاء باعها ، وان كان أشعرها نحرها » هذا ، وفي المدارك « انه متى جاز ذبحه فالظاهر وجوب الصدقة به والاهداء ويسقط وجوب الأكل قطعا ، لتعلقه بالمالك » ونحوه في المسالك ، وقد يناقش في وجوب الأولين أيضا بظهور دليلهما في المالك وإطلاق الأمر هنا بالذبح الظاهر في الاجزاء ، ولو ان الواجد معامل معاملة المالك لوجب الأكل عليه أيضا ، ولكن مع ذلك والاحتياط لا ينبغي تركه ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ـ ١.

١٣٠

ولا يجوز إخراج شي‌ء مما ذبحه في منى من الهدي الواجب عن منى ، بل يخرج من رحله مثلا الى مصرفه بها وفاقا للمشهور على ما في الذخيرة ، بل في المدارك هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، واستدل عليه في التهذيب بصحيح ابن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عن اللحم أيخرج به من الحرم؟ فقال : لا يخرج منه شي‌ء إلا السنام بعد ثلاثة أيام » وصحيح معاوية (٢) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لا تخرجن شيئا من لحم الهدي » وخبر علي بن أبي حمزة (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام « لا يتزود الحاج من أضحيته ، وله ان يأكل بمنى أيامها ، قال : وهذه مسألة شهاب كتب اليه فيها » ولكن لا يخفى عليك عدم دلالة الأول على المطلوب بل والثاني مع فرض كون المراد به ما في الأول من عدم الخروج من الحرم ، وكذا الثالث ، ضرورة النهي فيه عن التزود لا الصدقة بها مثلا في خارج منى ، ولعله لذا كان المحكي عن الفقيه والمقنع والجامع والمنتهى والتذكرة والتحرير التعبير بما يوافق الصحيح الأول ، ومنه يعلم ما في النسبة المزبورة ، نعم عن الصدوق وابن سعيد استثناء السنام كما في الخبر ، بل عن الأخير زيادة الجلد لما تسمعه إن شاء الله من النصوص (٤) بل عن المنتهى تخصيص الحكم هنا باللحم ، لكن في المسالك لا فرق في ذلك بين اللحم والجلد وغيرهما من الأطراف والأمعاء ، بل تجب الصدقة بجميع ذلك ، لفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) وناقشه في المدارك بأنه لا يقتضي الوجوب ، وفيه ان ذلك مقتضى دليل التأسي بناء على شموله لغير معلوم الوجه من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الذبح الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الذبح الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الذبح الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الذبح.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ـ ٣.

١٣١

الفعل ، مضافا الى‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « خذوا عني مناسككم » ثم قال في المدارك : نعم يمكن الاستدلال عليه‌ بصحيح معاوية (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الإهاب فقال : تصدق به أو تجعله مصلى تنتفع به في البيت ، ولا تعطي الجزارين ، وقال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعطى جلالها وجلودها وقلائدها الجزارين ، وأمر أن يتصدق بها » وصحيح علي بن جعفر (٣) عن أخيه عليه‌السلام « سألته عن جلود الأضاحي هل يصلح لمن ضحى بها أن يجعلها جرابا؟ قال : لا يصلح ان يجعلها جرابا إلا ان يتصدق بثمنها » لكن فيه انه لا دلالة في شي‌ء منهما على عدم جواز الإخراج من منى كما هو واضح ، بل الأخير منهما في الأضاحي التي يمكن القول بجواز إخراج لحومها اختيارا وان كره كما عن الفاضلين وغيرهما التصريح به ، كالمحكي عن صريح آخرين من الجواز معها في جلود الهدي أيضا ، ولعله‌ للصحيح أو الموثق (٤) « عن الهدي أيخرج شي‌ء منه عن الحرم؟ فقال : بالجلد والسنام والشي‌ء ينتفع به ، قلت : إنه بلغنا عن أبيك انه قال : لا يخرج من الهدي المضمون شيئا ، قال : بل يخرج بالشي‌ء ينتفع به » وزاد فيه احمد « ولا يخرج شي‌ء من اللحم من الحرم » نحو ما سمعته في صحيح ابن مسلم السابق.

وبذلك كله ظهر لك أن المتجه العمل بما في صحيح ابن مسلم ، وان كان الاحتياط لا ينبغي تركه ، خصوصا بعد إطلاق النهي عن الخروج في صحيح معاوية الذي لا تعارض بينه وبين صحيح ابن مسلم في ذلك ، وخصوصا بعد ما‌

__________________

(١) تيسير الوصول ج ١ ص ٣١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٦.

١٣٢

سمعته من النسبة إلى الأصحاب في المدارك والى الشهرة في غيرها ، نعم ينبغي القطع بالجواز إذا لم يكن مصرف له إلا في خارجها كما صرح به في المسالك مستثنيا له من إطلاق المنع ونحوه ، كما انه ينبغي القطع بالجواز إذا كان قد اشتراه مثلا من المسكين ، لانسياق دليل المنع الى غيره ، فيبقى الأصل حينئذ بلا معارض كما جزم به في التهذيب جامعا به بين ما سمعته من النصوص وبين‌ صحيح ابن مسلم أو حسنه (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن إخراج لحوم الأضاحي من منى فقال : كنا نقول : لا يخرج شي‌ء لحاجة الناس اليه ، فأما اليوم فقد كثر الناس فلا بأس بإخراجه » وان كان فيه أنه غير مناف لما ذكرنا ، بل هو مؤيد له على أنه في الأضاحي دون الهدي الواجب الذي هو محل البحث ، والله العالم.

ويجب ذبحه أي الهدي يوم النحر بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم ، بل في المدارك أنه قول علمائنا وأكثر العامة للتأسي ، لكن المسلم منه كونه بمعنى عدم جواز تقديمه على يوم النحر الذي يمكن تحصيل الإجماع عليه كما ادعاه بعضهم ، أما عدم جواز تأخيره عنه فهو وإن كان مقتضى العبارة لكن ستعرف القائل بالجواز صريحا وظاهرا ، بل قد يشكل الدليل عليه ، فإنهم لم يذكروا له إلا التأسي الذي يمكن الاشكال فيه ـ بعد تسليم وجوبه في غير معلوم الوجه ـ بأنه لم يعلم كون ذبحه في ذلك اليوم نسكا ، ضرورة احتياج الذبح الى وقت ، وان كان هو خلاف ظاهر الحال.

وأن يكون مقدما على الحلق بناء على وجوب الترتيب الذي ستسمع الكلام فيه عند تعرض المصنف رحمه‌الله له ولكن لو أخره عنه أثم بناء على الوجوب وأجزأ ، وكذا لو ذبحه في بقية ذي الحجة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥.

١٣٣

جاز أي أجزأ بلا خلاف أجده فيه ، بل في كشف اللثام قطع به الأصحاب من غير فرق بين الجاهل والعالم والعامد والناسي ، ولا بين المختار والمضطر ، بل عن النهاية والغنية والسرائر الجواز ، بل عن الثاني الإجماع عليه ، لكن يمكن إرادة الجميع الاجزاء منه كما في المتن ، نعم عن المصباح ومختصره « ان الهدي الواجب يجوز ذبحه ونحره طول ذي الحجة ، ويوم النحر أفضل » بل عن ظاهر المهذب ما يوهم جواز تأخيره عن ذي الحجة ، ولعله لا يريده ، لإمكان تحصيل الإجماع كما ادعاه بعض على خلافه ، وعن المبسوط التصريح بأنه بعد أيام التشريق قضاء ، وعن ابن إدريس انه أداء.

وعلى كل حال فدليل الاجزاء بعد إطلاق الآية (١) حسن حريز (٢) عن الصادق عليه‌السلام « فيمن يجد الثمن ولا يجد الغنم قال : يخلف الثمن عند بعض أهل مكة ويأمر من يشتري له ويذبح عنه ، وهو يجزي عنه ، فان مضى ذو الحجة أخر ذلك الى قابل من ذي الحجة » إلا انه لا يشمل تمام المدعي ، كصحيح معاوية بن عمار (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « في رجل نسي أن يذبح بمنى حتى زار البيت فاشترى بمكة ثم ذبح قال : لا بأس قد أجزأ عنه » كما انه لا دلالة في‌ صحيح علي بن جعفر (٤) سأل أخاه عليه‌السلام « عن الأضحى كم هو بمنى؟ قال : أربعة أيام » ونحوه موثق عمار (٥) على كونه قضاء بعد أيام التشريق ، لجواز كون الغرض عدم الصوم ، كما في‌ صحيح ابن حازم أو موثقه (٦) عن الصادق عليه‌السلام « النحر بمنى‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ـ ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ـ ٥.

١٣٤

ثلاثة أيام ، فمن أراد الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة الأيام ، والنحر بالأمصار يوم فمن أراد ان يصوم صام من الغد » بل في‌ موثق أبي بصير (١) سأل أحدهما عليهما‌السلام « عن رجل تمتع فلم يجد ان يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أيذبح أو يصوم؟ قال : بل يصوم ، فإن أيام الذبح قد مضت » وان كان احتمل فيه إرادة يوم النفر من مكة وقد كان بعد ذي الحجة ، بل عن الشيخ حمله على من صام ثلاثة أيام فمضى أيامه بمعنى مضي زمان أسقطه عنه للصوم فيه ، والكلام في أمر القضاء والأداء بعد عدم وجوب نيتهما عندنا سهل.

انما الكلام في أصل الوجوب يوم النحر الذي قد عرفت عدم ذكر دليل له إلا التأسي الذي قد سمعت الاشكال فيه ، نعم قد يستفاد وجوبه من بعض النصوص (٢) التي مرت في الرخصة للنساء والخائف ونحوه المشتمل على الأمر لهن بالتوكيل في الذبح عنهن إن خفن الحيض ، وفي‌ آخر (٣) « فان لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن » ولكن ما سمعته من الأمر (٤) لواجد الهدي بالذبح في عشية اليوم الثالث بل وغيره يقضي بأن أيام النحر في منى الأربعة ، فيمكن القول بوجوب فعله فيها ، بل يمكن إرادة ما يشملها من يوم النحر المراد به الجنس وحينئذ فإن أخر عنهن مختارا اثم ، وان كان هو يجزي في جميع ذي الحجة أيضا كالمعذور ، والله العالم والهادي.

الطرف الثاني في صفاته ، والواجبات منها ثلاثة :

الأول الجنس ، ويجب ان يكون من النعم : الإبل والبقر والغنم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ـ ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ـ ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

١٣٥

بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى ما يحكى عن المفسرين في قوله تعالى (١) ( لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ ) من أنها الثلاثة المزبورة ، والى‌ صحيح زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في المتمتع قال : وعليه الهدي ، قلت : وما الهدي؟ فقال : أفضله بدنة ، وأوسطه بقرة ، وأخسه شاة » وغيره من النصوص ، وكونه المعهود والمأثور من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام والصحابة والتابعين ، بل هو كالضروري بين المسلمين ، قيل : ولذا كان إذا نذر أن يهدي عبده أو جاريته أو دابته لزمه بيعه وصرف ثمنه في مصالح البيت بعد تعذر إرادة الهدي منه حقيقة ، لأن الفرض اختصاصه بغير ذلك ، وفيه أنه لا يدل على حصره في الثلاثة ، وكيف كان فأقله واحد من المزبورات ، ولا حد لأكثره ، فقد نحر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) ستا وستين بدنة وعلى عليه‌السلام تمام المائة.

الثاني السن ، فلا يجزي من الإبل إلا الثني ، وهو الذي له خمس ودخل في السادسة ، وكذا من البقر والمعز وهو ما له سنة ودخل في الثانية ويجزي من الضأن الجذع بلا خلاف أجده فيه في الحكم ، والتفسير للأول الذي هو المعروف عند أهل اللغة أيضا بل على الحكم في الثلاثة الإجماع صريحا في كلام بعض وظاهرا في كلام آخر ، مضافا الى‌ صحيح العيص (٤) عن أبي عبد الله عن أمير المؤمنين عليهما‌السلام « انه كان يقول : يجزي الثني من الإبل ، والثنية‌

__________________

(١) سورة الحج ـ الآية ٣٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ـ ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

١٣٦

من البقر ، والثنية من المعز ، والجذعة من الضأن » بناء على ظهوره في أن ذلك أقل المجزي ، والى‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (١) : « يجزي من الضأن الجذع ، ولا يجزي من المعز إلا الثني » وفي‌ حسن معاوية بن عمار (٢) « يجزي في المتعة الجذع من الضأن ، ولا يجزي جذع من المعز » وفي‌ خبر أبي بصير (٣) « يصلح الجذع من الضأن ، وأما الماعز فلا يصلح » وسأله عليه‌السلام حماد بن عثمان (٤) « عن أدنى ما يجزي من أسنان الغنم في الهدي فقال : الجذع من الضأن ، قلت : فالمعز قال : لا يجوز الجذع من المعز ، قلت : ولم؟ قال : لان الجذع من الضأن يلقح ، والجذع من المعز لا يلقح » وفي‌ خبر سلمة بن أبي حفص (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « كان علي عليه‌السلام ـ الى أن قال ـ : وكان يقول : يجزي من البدن الثني ، ومن المعز الثني ، ومن الضأن الجذع » وفي‌ دعائم الإسلام (٦) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام أنه قال : « الذي يجزي في الهدي والضحايا من الإبل الثني ، ومن البقر المسن ، ومن المعز الثني ، ويجزي من الضأن الجذع ، ولا يجزي الجذع من غير الضأن ، وذلك لأن الجذع من الضأن يلقح ، ولا يلقح الجذع من غيره ».

وأما تفسير الثني في البقر والغنم بما عرفت فهو المشهور في كلام الأصحاب كما اعترف به غير واحد ، بل في كشف اللثام نسبته الى قطعهم ، قال : وروي (٧)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ـ ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ـ ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٩ عن سلمة أبي حفص وهو الصحيح كما في الكافي ج ٤ ص ٤٩٠.

(٦) المستدرك ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٧) المستدرك ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

١٣٧

في بعض الكتب عن الرضا عليه‌السلام ، إلا أن المعروف في اللغة هو ما دخل في الثالثة فإن فيها تسقط ثنيتهما على ما قيل ، بل عن زكاة المبسوط وأما المسنة يعني من البقر فقالوا أيضا هي التي تم لها سنتان ، وهو الثني في اللغة ، فينبغي أن يعمل عليه ، وروي (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : المسنة هي الثنية فصاعدا ، وفي كشف اللثام وكذا في زكاة السرائر والمهذب والمنتهى والتحرير أنها الداخلة في الثانية وانها الثنية ، وقد سمعت ما في خبر الدعائم من التعبير بالمسن.

وعلى كل حال فلا ريب في أنه أحوط بناء على أن المراد الثني فما فوقه ، كما عن المبسوط والاقتصاد والمصباح ومختصره والجمل والعقود والسرائر في الإبل وعن المهذب في البقر‌ ، قال الحلبي (٢) في الحسن : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الإبل والبقر أيهما أفضل أن يضحى بها؟ قال : ذوات الأرحام ، وسألته عن أسنانها فقال : أما البقر فلا يضرك بأي أسنانها ضحيت ، وأما الإبل فلا يصلح إلا الثني فما فوق » واشتماله على ما لا يقول به أحد من إجزاء أي أسنان البقر غير قادح في المطلوب ، مع احتمال عدم قول البقر لما قبل الثني منها ، وانما يقال له العجل ، لكن‌ قال الصادق عليه‌السلام في خبر محمد بن حمران (٣) « أسنان البقر تبيعها ومسنها في الذبح سواء » ولعله في غير الفرض.

وأما الجذع من الضأن فلا خلاف أجده في إجزائه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى ما سمعته من النصوص ، وهو على ما عن العين والمحيط والديوان والغريبين قبل الثني بسنة ، وعن الصحاح والمجمل والمغرب المعجم وفقه اللغة للثعالبي وأدب الكاتب والمفصل والسامي والخلاص أنه الداخل في السنة الثانية ، وفي كشف‌

__________________

(١) المبسوط ـ كتاب الزكاة ـ فصل زكاة البقر.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ـ ٧.

١٣٨

اللثام والمعنى واحد ، وكأنه المراد بما في المقاييس من أنه ما اتى له سنتان ، وفيه أن الظاهر منه تمام السنتين لا الدخول في الثانية ، كما أنه عليه يتحد حينئذ مع الثني من المعز بناء على أنه الداخل في الثالثة نحو اتحاده معه على الأول بناء على أنه الداخل في الثانية ، مع أن الظاهر من النص والفتوى بل صريحهما الفرق ، وأن الجذع من الضأن أصغر في السن من الثني.

بل عن كتب الصدوق والشيخين وسلار وابني حمزة وسعيد والفاضل نحو قول المصنف لسنته وفي كشف اللثام ومعناه ما في الغنية والمهذب والإشارة أنه الذي لم يدخل في الثانية ، وفي السرائر والدروس وزكاة التحرير انه الذي له سبعة أشهر ، وفي التذكرة والتحرير والمنتهى هنا انه الذي له ستة أشهر ، ولم نجد ما يشهد لشي‌ء من ذلك ، فان كان عرف يرجع اليه وإلا كان الأحوط مراعاة تمام السنة ، وعن ابن الأعرابي « الأجذاع وقت وليس بسن ، والجذع من الغنم لسنة ، ومن الخيل لسنتين ، ومن الإبل لأربع سنين ـ قال ـ : والضأن يجذع لسنة ، وربما أجذعت الضأن قبل تمام السنة للخصب ، فتسمن فيسرع إجذاعها ، فهي جذعة لسنة ، وثنية لتمام سنتين » وعن إبراهيم الحربي « انه كان يقول في الجذع من الضأن إذا كان ابن شابين أجذع لستة أشهر إلى سبعة أشهر ، وإذا كان ابن هرمين أجذع لثمانية أشهر إلى عشرة أشهر » وعن أبي حاتم عن الأصمعي « الجذع من المعز لسنة ، ومن الضأن لثمانية أشهر أو تسعة » الى غير ذلك من كلماتهم التي لا شاهد لشي‌ء منها ، فالتحقيق ما عرفت ، والله العالم.

الثالث ان يكون تاما ، فلا تجزي العوراء ولا العرجاء البين عرجها ولا المريضة البين مرضها ولا الكبيرة التي لا تنقى بلا خلاف أجده فيه ، بل في المدارك الإجماع عليه في الأولين ، وفي‌ صحيح علي بن جعفر (١) سأل أخاه عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

١٣٩

« عن الرجل يشتري الأضحية عوراء فلا يعلم إلا بعد شرائها هل يجزي عنه؟ قال : نعم إلا ان يكون هديا واجبا ، فإنه لا يجوز ان يكون ناقصا » بل في المنتهى « قد وقع الاتفاق من العلماء على اعتبار هذه الصفات الأربع في المنع ، وروى البراء بن عازب (١) قال : « قام فينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيبا فقال : اربع لا تجوز في الأضحى : العوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعرجاء البين عرجها ، والكبيرة التي لا تنقى » ـ ثم قال ـ ومعنى البين عورها التي انخسفت عينها وذهبت ، فان ذلك ينقصها ، لأن شحمة العين عضو يستطاب أكله ، والعرجاء البين عرجها التي عرجها متفاحش يمنعها السير مع الغنم ومشاركتهن في العلف والرعي فتهزل ، والتي لا مخ لها لهزالها ، لأن النقي بالنون المكسورة والقاف الساكنة المخ ، والمريضة قيل هي الجرباء ، لان الجرب يفسد اللحم ، والأقرب اعتبار كل مرض يؤثر في هزالها وفي فساد لحمها ـ ثم قال ـ : فرع العوراء لو لم تنخسف عينها وكان على عينها بياض ظاهر فالوجه المنع من الاجزاء ، لعموم الخبر ، والانخساف ليس معتبرا آخر (٢) كما وقع الاتفاق على الصفات الأربع المتقدمة ، فكذا وقع على ما فيه نقص أكثر من هذه العيوب بطريق التنبيه ، كالعمى لا يجزي ، لأن العمى أكثر من العور ، ولا يعتبر مع العمى انخساف العين إجماعا ، لأنه يخل بالسعي مع النعم والمشاركة في العلف أكثر من إهلال العرج » ونحوه عن التذكرة إلا فيما جعله الوجه فيه فإنه ذكره احتمالا ، وكذا عن التحرير ، وظاهر ما فيهما التردد ، ولعله‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٥ ص ٢٤٢ وفيه‌ « الكسيرة التي لا تنقي ».

(٢) أي فرع ( منه رحمه‌الله ).

١٤٠