جواهر الكلام - ج ١٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

آدم » وفي‌ خبر ابن سنان (١) المروي عن الرضا عليه‌السلام « لما سئل عن ذلك قال : لأن جبرئيل عليه‌السلام قال هناك لإبراهيم عليه‌السلام : تمن على ربك ما شئت ، فتمنى ان يجعل الله مكان ولده إسماعيل كبشا يأمره بذبحه فداء له ، فأعطاه الله مناه ».

وكيف كان فإذا هبط إلى منى ففي المتن استحب له الدعاء بالمرسوم لكن لم أقف على دعاء مأثور في ذلك كما اعترف به في المدارك ومناسكه بها يوم النحر ثلاثة : رمي جمرة العقبة ثم الذبح ثم الحلق أما‌ الأول فقد صرح به ابنا إدريس وسعيد ومن تأخر عنهما ، بل عن المنتهى والتذكرة لا نعلم فيه خلافا ، بل في السرائر لا خلاف فيه بين أصحابنا ، ولا أظن أحدا من المسلمين يخالف فيه ، وقد يشتبه على بعض أصحابنا ويعتقد انه مسنون غير واجب لما يجده من كلام بعض المصنفين وعبارة موهمة أوردها في كتابه ، ويقلد المسطور بغير فكر ولا نظر ، وهذا غاية الخطأ وضد الصواب ، فان شيخنا قال في الجمل : والرمي مسنون فظن من يقف على هذه العبارة أنه مندوب ، وإنما أراد الشيخ بقوله : مسنون ان فرضه علم من السنة ، لأن القران لا يدل على ذلك ، وكأنه أشار بذلك الى ابن حمزة في الوسيلة حيث قال : والرمي واجب عند أبي يعلى رحمه‌الله مندوب اليه عند الشيخ أبي جعفر رحمه‌الله وفي كشف اللثام الذي نص عليه أبو يعلى في المراسم وجوب رمي الجمار ، وقال الحلبي : فإن أخل برمي الجمار أو بشي‌ء منه ابتداء أو قضاء اثم بذلك ، ووجب عليه تلافي ما فاته وحجه ماض ، وهذان الكلامان يحتملان العموم لرمي جمرة العقبة يوم النحر‌

__________________

(١) علل الشرائع ـ الباب ـ ١٧٢ من ج ٢ ـ الحديث ٢ ـ ج ٢ ص ١٢٠ المطبوعة بطهران عام ١٣٧٨.

١٠١

وعدمه » قلت : الموجود فيما حضرني من نسخة المراسم بعد ان ذكر ان الرمي من الواجبات قال في التفصيل : « فإذا بلغ وادي محسر فليهرول حتى يجوزه ، ويأخذ حصى الجمار من المزدلفة أو من طريقه أو من رحله بمنى ، ثم يتوضأ إن أمكنه ، ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة ، فليقم بها من قبل وجهها ، ولا يقم من أعلاها ، وليكن بينه وبينها قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا ، وليقل وفي يده الحصى : اللهم هذه حصياتي فأحصهن لي ، وارفعهن في عملي ثم ليرم خذفا » الى آخره ثم ذكر الذبح بعد ذلك وغيره من الأفعال ، وهو كالصريح في وجوبها ، ونحو ذلك في المقنعة وان قال بعد ذلك : « باب تفصيل فرائض الحج ، وفروض الحج الإحرام والتلبية والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة وشهادة الموقفين ، وبعد ذلك سنن بعضها أوكد من بعض » إلا انه يمكن ان يريد ما سمعته من ابن إدريس كما ان الشيخ وإن أهمل الرمي في المبسوط في تعداد فرائض الحج لكن قال فيه : « وعليه بمنى يوم النحر ثلاثة مناسك أولها رمي الجمرة الكبرى » ونحوه عن النهاية ، وبالجملة لا خلاف محقق كما سمعته من ابن إدريس ، وعلى تقديره فلا ريب في ضعفه ، لقول الصادق عليه‌السلام في حسن معاوية (١) « خذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها » وأحدهما عليهما‌السلام في خبر علي بن حمزة (٢) « أي امرأة أو رجل خائف أفاض من المشعر ليلا فلا بأس فليرم الجمرة ثم ليمض وليأمر من يذبح عنه » الحديث ، وصحيح سعيد الأعرج (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٢.

١٠٢

جعلت فداك معنا نساء فأفيض بهن بليل قال : نعم ـ الى ان قال ـ ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة » ، وغيره من النصوص السابقة في مسألة جواز الإفاضة بليل من المشعر للنساء وللخائف وغيره المتضمنة للرمي على وجه يظهر منها وجوبه ولو بمعونة ما سمعته من الشهرة أو عدم الخلاف والإجماع المحكي ، بل والنصوص الآتية أيضا ، مضافا الى الناسي ، ففي الدعائم (١) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام « لما أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المزدلفة مر على جمرة العقبة يوم النحر فرماها بسبع حصيات ، ثم أتى قبا ، وكذلك السنة » وقد‌ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) « خذوا عني مناسككم ».

وعلى كل حال فالواجب فيه شرعا أو شرطا النية التي عرفت مكررا اعتبارها في كل مأمور به ، وكيفيتها وإن قال في المسالك هنا : « يعتبر اشتمالها على تعيين الفعل ووجهه وكونه في حج الإسلام أو غيره والقربة والمقارنة لأولى الرمي والاستدامة حكما ، والاولى التعرض للأداء ، فإنه مما يقع على وجهين : الأداء والقضاء ، وعلى هذا لو تداركه بعد فواته نوى القضاء ، وهل يجب التعرض للعدد؟ يحتمله لان الرمي في الجملة يقع بأعداد مختلفة كما في ناسي الإكمال ، ووجه العدم انه لا يقع على وجهين إلا إذا اجتمعا ، ولا ريب انه اولى كالأداء » ولكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه في النية ، وانه لا يجب فيها غير القربة والتعيين مع الاشتراك ، بل يكفي في نحو المقام إيقاعه بقصد الجزئية للحج الذي نواه سابقا مع القربة من غير حاجة الى أمر آخر ، والله العالم.

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ٢ وفيه « منى » بدل « قبا ».

(٢) تيسير الوصول ج ١ ص ٣١٢.

١٠٣

ومن الواجب أيضا العدد وهو سبع حصيات بلا خلاف أجده فيه ، بل عن المنتهى إجماع المسلمين ، وقال أبو بصير (١) لأبي عبد الله عليه‌السلام : « ذهبت أرمي فإذا في يدي ست حصيات فقال : خذ واحدة من تحت رجلك » وقال هو عليه‌السلام أيضا في صحيح معاوية (٢) « في رجل أخذ إحدى وعشرين حصاة فرمى بها فزاد واحدة ، فلم يدر من أيتهن نقصت ، قال : فليرجع فليرم كل واحدة بحصاة ، قال : وقال : في رجل رمى الأولى بأربع والأخيرتين بسبع قال : يعود فيرمي الأولى بثلاث وقد فرغ » ، لكن ليس هو في عدد جمرة العقبة يوم النحر ، كخبر عبد الأعلى (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « قلت له رجل رمى الجمرة بست حصيات ووقعت واحدة في الحصى قال : يعيدها إن شاء من ساعته وان شاء من الغد إذا أراد الرمي ولا يأخذ من حصى الجمار » بل يمكن كون الواحدة من الست فلا يكون دالا على السبع ، نعم في المحكي (٤) عن‌ فقه الرضا عليه‌السلام « وارم جمرة العقبة في يوم النحر بسبع حصيات » والله العالم.

وإلقاؤها بما يسمى رميا بلا خلاف أجده فيه ، بل ولا إشكال لما سمعته من الأمر به المتوقف صدق امتثاله على تحقق مسماه ، فلا يجزي الوضع ونحوه مما لا يسمى رميا قطعا ، بل إجماعا بقسميه خلافا للعامة ، بل لا يجزي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٢.

(٢) ذكره صدره في الوسائل في الباب ـ ٧ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ١ وذيله في الباب ٦ منها الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب العود إلى منى ـ الحديث ٣.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ٤.

١٠٤

المشكوك فيه أيضا فضلا عن المقطوع به.

وإصابة الجمرة بها أو محلها بفعله بلا خلاف أجده فيه ، بل ولا إشكال ، فلا يكفي الوقوع دونها ونحوه مما لا يسمى اصابة ، قال الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (١) : « فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل قاعد مكانها » ولا إذا كانت بغير فعله كما لو أصابت ثوب انسان فنفضه حتى أصابت عنق بعير فحركه فأصابت ، بل يجب مع ذلك كون الإصابة بها فلو وقعت على حصاة فارتفعت الثانية إلى الجمرة لم تجزه وإن كانت الإصابة عن فعله ، لخروجه عن مسمى رميته.

نعم لو وقعت على شي‌ء فانحدرت على الجمرة أو مرت على سننها حتى أصابت الجمرة جاز وكذا إن أصابت شيئا صلبا فوقعت بإصابته على الجمرة للصدق بعد ان كانت الإصابة على كل حال بفعله ، قال الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (٢) : « وان أصابت إنسانا أو جملا ثم وقعت على الجمار أجزأك » خلافا للمحكي عن بعض الشافعية فلم يجتز بها إن وقعت على أعلى الجمرة لان رجوعها لم يكن بفعله ولا في جهة الرمي ، وفي كشف اللثام وهو إن تم شمل ما إذا وقعت على ارض مرتفع عن الجنبتين أو وراء الجمرة ثم انحدرت إليها والمصنف في التذكرة والتحرير والمنتهى قاطع بالحكم إلا في الوقوع أعلى من الجمرة ففيه مقرب والشيخ قاطع به في المبسوط ، قلت : هو في محله ، ضرورة الصدوق عرفا ، وعدم الاعتذار بإصابة السهم الغرض بعد ازدلافه في المسابقة ممنوع مع انه احتمل الفرق بان القصد هنا الإصابة بالرمي وقد حصلت ، وفي المسابقة القصد إلى إبانة الحذق ، فإذا ازدلف السهم فقد عدل عن السنن ، فلم تدل الإصابة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ١.

١٠٥

على حذقه ، فلهذا لم نعتبره هناك.

نعم قد عرفت سابقا انها لو قصرت فتممها حركة غيره من حيوان أو إنسان لم يجز لعدم صدق الإصابة بفعله.

وكذا لا يجزي لو شك فلم يعلم وصلت الجمرة أم لا لأصالة الشغل ، وعن الشافعي قول بالإجزاء ، لأن الظاهر الإصابة ، وهو كما ترى وكذا قد عرفت سابقا انه لو طرحها على الجمرة من غير رمي لم يجز.

ويجب التفريق في الرمي بلا خلاف أجده فيه ، بل عن الخلاف والجواهر الإجماع عليه ، ولعله كذلك ، وهو الحجة بعد الانسياق ، خصوصا مع ملاحظة الأمر بالتكبير مع كل حصاة ، والتأسي والسيرة ، فما عن عطا من اجزاء الرمي بها دفعة واضح الفساد بعد مخالفته فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصحابة ، نعم لا يعتبر التلاحق في الإصابة ، للصدق ، فحينئذ لو رمى بحجرين مثلا دفعة كان رمية واحدة وان تلاحقا في الإصابة ، ولو اتبع أحدهما الآخر في الرمي فرميتان وان اتفقا في الإصابة.

ثم المراد من الجمرة البناء المخصوص أو موضعه إن لم يكن كما في كشف اللثام ، وسمي بذلك لرميه بالحجار الصغار المسماة بالجمار ، أو من الجمرة بمعنى اجتماع القبيلة لاجتماع الحصى عندها ، أو من الاجمار بمعنى الإسراع ، لما‌ روي (١) « ان آدم عليه‌السلام رمى فأجمر إبليس من بين يديه » أو من جمرته وزمرته اي نحيته ، وفي الدروس إنها اسم لموضع الرمي ، وهو البناء ، أو موضعه مما يجتمع من الحصى ، وقيل هي مجتمع الحصى لا السائل منه ، وصرح علي بن بابويه بأنه الأرض ولا يخفى عليك ما فيه من الاجمال ، وفي المدارك بعد حكاية ذلك عنها قال :

__________________

(١) نهاية ابن الأثير مادة « جمر ».

١٠٦

« وينبغي القطع باعتبار إصابة البناء مع وجوده ، لأنه المعروف الآن من لفظ الجمرة. ولعدم تيقن الخروج من العهدة بدونه ، اما مع زواله فالظاهر الاكتفاء بإصابة موضعه » واليه يرجع ما سمعته من الدروس وكشف اللثام إلا أنه لا تقييد في الأول بالزوال ، ولعله الوجه ، لاستبعاد توقف الصدق عليه ، ويمكن كون المراد بها المحل بأحواله التي منها الارتفاع ببناء أو غيره أو الانخفاض ، لكن ستسمع ما في خبر أبي غسان (١) بناء على إرادة الإخبار بحيطان فيه عن الجمار كما هو محتمل ، بل لعله الظاهر ، إلا أنه محتمل البناء على المعهود الغالب ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

والمستحب فيه أمور ذكر المصنف منها ستة‌ منها الطهارة من الأحداث على المشهور لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (٢) « ويستحب ان ترمي الجمار على طهر » وفي‌ خبر أبي غسان حميد بن مسعود (٣) بعد ان سأله عليه‌السلام عن رمي الجمار من غير طهر : « الجمار عندنا مثل الصفا والمروة حيطان إن طفت بهما على غير طهر لم يضرك ، والطهر أحب الي ، فلا تدعه وأنت قادر عليه » المنزل عليهما ما في‌ صحيح ابن مسلم (٤) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الجمار فقال : لا ترم الجمار إلا وأنت على طهر » وخبر علي بن الفضل الواسطي (٥) عن أبي الحسن عليه‌السلام المروي عن قرب الاسناد « ولا ترم الجمار إلا وأنت طاهر » لقصورهما عن المعارضة من وجوه ، بل يمكن حمل ما عن المفيد والسيد وأبي علي من عدم الجواز على ذلك خصوصا بعد معروفية التعبير في كلامهم بذلك عن الكراهة المستفادة من النهي المزبور المستفاد منها تأكد الندب أيضا ، ومن الغريب ما في المسالك من المناقشة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ٦.

١٠٧

في الجمع المزبور بقصور رواية أبي غسان بالضعف عن المعارضة بعد ما عرفت من الانجبار بالشهرة وعدم انحصار الدليل فيها.

وعن بعض الأصحاب استحباب الغسل ، لكن في‌ الصحيح (١) « سألته عليه‌السلام عن الغسل إذا رمى الجمار قال : ربما فعلته ، فأما السنة فلا ولكن من الحر والعرق » وفي‌ صحيح الحلبي (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الغسل إذا أراد أن يرمي الجمار فقال : ربما اغتسلت ، فاما من السنة فلا » اللهم إلا أن يكون المراد من نفي السنة أنه لم يرد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعله لأمور رجحت ذلك بالنسبة اليه وإن كان هو راجحا في نفسه ، كما يدل عليه فعل الامام عليه‌السلام له في بعض الأوقات ، وفي‌ دعائم الإسلام (٣) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام « انه استحب الغسل لرمي الجمار ».

ومنها الدعاء عند إرادة الرمي بما في‌ صحيح معاوية (٤) عن الصادق عليه‌السلام « خذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها ، ولا ترمها من أعلاها ، وتقول والحصى في يدك : اللهم هؤلاء حصياتي فأحصهن لي ، وارفعهن في عملي ثم ترمي فتقول مع كل حصاة : الله أكبر ، اللهم ادرأ عني الشيطان ، اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك ، اللهم اجعله حجا مبرورا وعملا مقبولا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا ، وليكن فيما بينك وبين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا ، فإذا أتيت رحلك ورجعت من الرمي فقل : اللهم بك وثقت ، وعليك توكلت ، فنعم الرب ونعم المولى ونعم النصير » بل يستفاد استحباب الدعاء بما سمعت في غير الحال المزبور.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ٤.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ١.

١٠٨

ومنها ان يكون بينه وبين الجمرة عشرة أذرع إلى خمسة عشر أذرعا كما في القواعد ، لحسن معاوية السابق ، وعن علي بن بابويه تقديرهما بالخطإ وهما متقاربان نعم قد يناقش في تحقق الامتثال للأمر الندبي بالتباعد بين المقدارين المفهوم من عبارة الكتاب ، اللهم إلا ان يدعى ان ذلك هو المفهوم من نحو العبارة المزبورة في نحو المقام ، فتأمل جيدا.

ومنها ان يرميها خذفا بإعجام الحروف على المشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعا ، بل لم يحك الخلاف فيه إلا عن السيد وابن إدريس ، بل عن المختلف أنه من متفردات السيد ، ومن الغريب دعواه الإجماع على ذلك ، ومن هنا قال الفاضل في محكي المختلف إنما هو الرجحان ، وعلى كل حال فيدل عليه‌ قول الرضا عليه‌السلام في خبر البزنطي (١) المروي صحيحا عن قرب الاسناد ، قال : « حصى الجمار تكون مثل الأنملة ، ولا تأخذها سوداء ولا بيضاء ولا حمراء ، خذها كحلية منقطة ، تخذفهن خذفا وتضعها على الإبهام وتدفعها بظفر السبابة » المحمول على الندب بقرينة سوقه لذكر السنن ، ولقصوره عن معارضة إطلاق الأدلة المعتضد بالشهرة المزبورة ، وبالأصل وغير ذلك ، والخذف هو الرمي بالأصابع كما عن الصحاح والديوان وغيرهما ، بل عن ابن إدريس انه المعروف عند أهل اللسان ، واليه يرجع ما عن الخلاص من أنه الرمي بأطراف الأصابع ، بل وما عن المجمل والمفصل من أنه الرمي من بين إصبعين ، وعن العين والمحيط والمقاييس والغريبين والمغرب بالإعجام ، والنهاية الأثيرية من بين السبابتين ، وعن الأخيرين أو يتخذ مخذفة من خشب ترمي بها بين إبهامك والسبابة ، وفي القاموس الخذف كالضرب رميك بحصاة أو نواة أو نحوهما ، تأخذ بين سبابتك وتخذف به ،

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٢٠ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٢ وذيله في الباب ٧ من أبواب رمي الجمرة العقبة ـ الحديث ١.

١٠٩

وعن المصباح المنير خذفت الحصاة ونحوها خذفا من باب ضرب رميتها بظفري الإبهام والسبابة ، والأولى العمل بما في الخبر المزبور من الوضع على الإبهام أي باطنه والدفع بظفر السبابة كما عن المبسوط والسرائر والنهاية والمصباح ومختصره والمقنعة والمراسم والكافي والغنية والمهذب والجامع والتحرير والتذكرة والمنتهى وعن القاضي ، وقيل بل يضعها على ظفر إبهامه ويدفعها بالمسبحة ، وعن المرتضى ان يضعها على بطن الإبهام ويدفعها بظفر الوسطى ، ولم نجد ما يشهد له.

ومنها الدعاء مع كل حصاة بما سمعته في حسن معاوية السابق.

ومنها أن يكون ماشيا وان كان لو رمى راكبا جاز أيضا ، إلا أن الأول المستحب كما في القواعد ومحكي النهاية والجمل والعقود والجامع ، لما في‌ صحيح علي بن جعفر (١) عن أخيه عن آبائه عليهم‌السلام « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرمي الجمار ماشيا » وفي دعائم الإسلام (٢) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يرمي الجمار ماشيا ، ومن ركب إليها فلا شي‌ء عليه » وقال عنبسة بن مصعب (٣) « رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام بمنى يمشي ويركب فحدثت نفسي ان أسأله إذا دخلت عليه فابتدأني هو بالحديث فقال : إن علي بن الحسين عليه‌السلام كان يخرج من منزله ماشيا إذا أراد رمي الجمار ، ومنزلي اليوم أنفس من منزله فاركب حتى آتي منزله ، فإذا انتهيت إلى منزله مشيت حتى أرمي الجمرة » وقال علي بن مهزيار (٤) « رأيت أبا جعفر عليه‌السلام يمشي بعد يوم النحر حتى يرمي الجمرة ثم ينصرف راكبا ، وكنت أراه راكبا بعد ما يحاذي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث ١ ـ وفي الثالث‌ « وكنت أراه ماشيا ».

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث ٢ ـ وفي الثالث‌ « وكنت أراه ماشيا ».

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث ٤ وفي الثالث‌ « وكنت أراه ماشيا ».

١١٠

المسجد بمنى » وفي‌ مرسل الحسن بن صالح (١) « نزل أبو جعفر عليه‌السلام فوق المسجد بمنى قليلا عن دابته حتى توجه لرمي الجمرة عند مضرب علي بن الحسين عليهما‌السلام فقلت له جعلت فداك لم تنزل ها هنا فقال : إن هذا مضرب علي بن الحسين عليهما‌السلام ومضرب بني هاشم ، وإنما أحب أن أمشي في منازل بني هاشم ».

ولا يخفى عليك دلالة النصوص المزبورة على المشي إلى الجمار أيضا. مضافا الى الرمي راجلا ، لكن عن المبسوط والسرائر أن الركوب أفضل ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رماها راكبا (٢) وفي المدارك لم أقف على رواية تتضمن ذلك من طريق الأصحاب لكن في كشف اللثام يعنيان في حجة الوداع التي بين فيها المناسك للناس وقال (٣) : « خذوا عني مناسككم » فلولا الإجماع على جواز المشي وكثرة المشاة إذ ذاك بين يديه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوجب الركوب ، وفي‌ مرسل محمد بن الحسين (٤) عن أحدهما عليهما‌السلام في رمي الجمار « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رمى الجمار راكبا على راحلته » وفي‌ صحيح أحمد بن عيسى (٥) « انه رأى أبا جعفر الثاني عليه‌السلام رمى الجمار راكبا » وفي‌ صحيح ابن نجران (٦) « انه رأى أبا الحسن الثاني عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ٢.

(٣) تيسير الوصول ج ١ ص ٣١٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ١ عن أحمد بن محمد بن عيسى.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ٣ عن ابن أبي نجران.

١١١

رمى الجمار وهو راكب حتى رماها كلها » ولعله لذا مال بعض متأخري المتأخرين إلى التساوي بينهما ، وفيه أن حمل ما دل على الركوب على بيان الجواز أولى باعتبار ان الرمي راجلا أوفق بالخضوع والخشوع وكونه أحمز ، والله العالم.

ومنها أنه في جمرة العقبة حال الرمي يستقبلها بان يكون مقابلا لها ، وهو معنى « رميها من قبل وجهها » وحينئذ فيلزمه أن يستدبر القبلة كما صرح به غير واحد ، بل عن المنتهى نسبته الى أكثر أهل العلم ، بل لعله لا خلاف فيه وإن حكى في المختلف بعد نسبته الى المشهور عن علي بن بابويه انه يقف في وسط الوادي مستقبل القبلة ، ويدعو والحصى في يده اليسرى ويرميها من قبل وجهها لا من أعلاها ، ونحو منه ما عن المقنعة والهداية لكن في الدروس هو موافق للمشهور إلا في موقف الدعاء ، وهو كذلك لأنهما إنما ذكرا استقبال القبلة عند الدعاء ، بل قد عرفت أن الرمي من قبل وجهها بمعنى الاستقبال المتضمن لاستدبار القبلة كما عن المنتهى ، وحينئذ فهما كغيرهما ، نعم في كشف اللثام أنه روي استقبال القبلة عند الرمي في بعض الكتب عن الرضا عليه‌السلام ، وفيه أنه ان كان المراد‌ الفقه المنسوب (١) الى الرضا عليه‌السلام فلفظة المحكي عنه في الحدائق « وارم جمرة العقبة يوم النحر بسبع حصيات ، وتقف في وسط الوادي مستقبل القبلة يكون بينك وبين الجمرة عشر خطوات أو خمس عشرة خطوة وتقول وأنت مستقبل القبلة والحصى في كفك اليسرى : اللهم هذه حصياتي فأحصهن عندك ، وارفعهن في عملي ، ثم تتناول منها واحدة وترمي من قبل‌

__________________

(١) ذكر صدره في المستدرك في الباب ـ ١ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث ٤ وذيله في الباب ٣ منها الحديث ١.

١١٢

وجهها ، ولا ترمها من أعلاها ، وتكبر مع كل حصاة » وهو نحو ما سمعته من الصدوقين.

وعلى كل حال فيدل عليه ما عن الشيخ (١) من أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رماها مستقبلا لها مستدبر الكعبة ، بل عن بعض أنه ورد الخبر باستدبار القبلة في الرمي يوم النحر واستقبالها في غيره ، وهو دال على الأمرين ، مضافا الى‌ قول الصادق عليه‌السلام في الأول في حسن معاوية (٢) « فارمها من قبل وجهها ولا ترمها من أعلاها » بناء على كون المراد منه ما سمعت ، واحتمال كون المراد بالرمي من الوجه أنه لا يرميها عاليا عليها إذ ليس لها وجه خاص يتحقق به الاستقبال يدفعه ملاحظة كلامهم ، ضرورة كون المستفاد منه مسألتين الأولى استقبالها واستدبار القبلة ، والثانية الرمي من قبل وجهها لا عاليا عليها ، ولعل الصحيح المزبور يدل على الأمرين.

هذا كله في جمرة العقبة واما في غيرها فـ (يستقبلها ويستقبل القبلة ) كما عن الشيخ وبني حمزة وإدريس وسعيد والقاضي ولم نقف له على رواية بالخصوص عدا ما سمعته من المرسل ، نعم هو أفضل الهيئات خصوصا في العبادات وعند الذكر والدعاء ، ولذا حكي عن الشيخ أنه قال : جميع أفعال الحج يستحب أن يكون مستقبل القبلة من الموقف بالموقفين ورمي الجمار إلا رمي جمرة العقبة يوم النحر ، بل عن ظاهر المهذب استحباب استقبال القبلة في رميها أيضا وإن كان فيه ما عرفت ، والظاهر عدم تنافي ما في‌ خبر البزنطي السابق (٣)

__________________

(١) المبسوط ـ كتاب الحج ـ فصل النزول بمنى.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ١.

١١٣

« واجعلهن عن يمينك » وصحيح إسماعيل بن همام (١) « تجعل كل جمرة عن يمينك » لما سمعت من الاستدبار في جمرة العقبة والاستقبال في غيرها ، والله العالم.

وأما الثاني وهو الذبح فيشتمل على أطراف : الأول في الهدي ، وهو واجب على المتمتع بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل في المنتهى إجماع المسلمين عليه ، وهو الحجة بعد الكتاب (٢) ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) والمعتبرة المستفيضة ، منها‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيح زرارة (٣) المتضمن صفة التمتع الى أن قال : « وعليه الهدي ، فقلت : وما الهدي؟ قال : أفضله بدنة ، وأوسطه بقرة ، وأخسه شاة » ومنها‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر سعيد الأعرج (٤) « من تمتع في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يحضر الحج فعليه شاة ، وإن تمتع في غير أشهر الحج ثم تجاوز مكة حتى يحضر الحج فليس عليه دم ، إنما هي حجة مفردة » وخبر إسحاق بن عبد الله (٥) قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المعتمر المقيم عليه مجرد الحج أو يتمتع مرة أخرى؟ فقال : يتمتع أحب الي ، وليكن إحرامه من مسيرة ليلة أو ليلتين ، فإذا اقتصر على عمرته في رجب لم يكن متمتعا ، وان لم يكن متمتعا لا يجب عليه الهدي » الى غير ذلك من النصوص الدالة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب رمي جمرة العقبة ـ الحديث ٥.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١ مع الاختلاف والصحيح ما في الوسائل.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢٠ إلا انه لم يذكر ذيل الحديث وذكر تمامه في التهذيب ج ٥ ص ٢٠٠ الرقم ٦٦٤.

١١٤

منطوقا ومفهوما على الوجوب على المتمتع.

بل وعلى انه لا يجب على غيره سواء كان مفترضا أو متنفلا بلا خلاف أجده إلا ما يحكى عن سلار من عد سياق الهدي للمقرن في أقسام الواجب ويمكن أن يريد ما عن الغنية والكافي من وجوبه بعد الإشعار أو التقليد ، أو يريد الدخول في حقيقته ، فإذا وجب القران بنذر أو شبهه وجب السياق ، فلا خلاف حينئذ ، وصحيح العيص بن القاسم (١) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل اعتمر في رجب فقال : إن أقام بمكة حتى يخرج منها حاجا فقد وجب عليه الهدي وإن خرج من مكة حتى يحرم من غيرها فليس عليه هدي » محمول على ضرب من الندب ، أو على من بقي في مكة ثم تمتع بالعمرة إلى الحج ، أو على التقية من أبي حنيفة وأتباعه ، وعلى ما قيل من أن هذا الهدي جبران إن كان عليه أن يحرم من خارج وجوبا أو استحبابا فأحرم من مكة ، فإن خرج حتى يحرم من موضعه فليس عليه هدي ، بل ربما كان ما في الدروس من أن فيه دقيقة إشارة اليه ، قال فيها : « وفي صحيح العيص يجب على من اعتمر في رجب وأقام بمكة وخرج منها حاجا لا على من خرج فأحرم من غيرها وفيه دقيقة » بل في الحدائق نسبة ذلك الى غير هذه الرواية من الأخبار إلا اني لم أتحققها.

وعلى كل حال فـ (لو تمتع المكي وجب عليه الهدي ) أيضا على المشهور شهرة عظيمة ، بل لم يحك الخلاف فيه إلا عن الشيخ في المبسوط جزما والخلاف احتمالا بناء على رجوع اسم الإشارة في قوله تعالى (٢) ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) إلى الهدي لا الى التمتع ، لأنه كقوله :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

١١٥

« من دخل داري فله درهم ، ذلك لمن لم يكن عاصيا » في الرجوع الى الجزاء دون الشرط ، ووافقه عليه أيضا سابقا في المكي ومن في حكمه إذا عدل الى التمتع ، وفي الدروس احتمال وجوبه على المكي إن كان لغير حج الإسلام ، ولعله لاختصاص الآية به ، وفيه بعد التسليم عدم انحصار الدليل فيها.

وعلى كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور ، إذ هو ـ مع أنه اجتهاد ، ويمكن منعه عليه في نفسه باعتبار أولوية الرجوع الى الأبعد في الإشارة بذلك ـ مدفوع بتعيين النصوص كصحيح زرارة (١) المشتمل على سؤاله لأبي جعفر عليه‌السلام عن قول الله عز وجل ( ذلِكَ لِمَنْ ) الى آخره فقال : يعني « أهل مكة ليس عليهم متعة » وقول الصادق عليه‌السلام في خبر سعيد الأعرج (٢) : « ليس لأهل شرف ولا لأهل مر ولا لأهل مكة متعة ، يقول الله تعالى ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) » فعموم الأدلة وإطلاقها حينئذ كتابا وسنة بحاله مؤيدا بالاحتياط.

ولو كان المتمتع مملوكا باذن مولاه كان مولاه بالخيار بين أن يهدي عنه أو يأمره بالصوم بلا خلاف محقق معتد به أجده فيه عندنا ، بل في ظاهر المنتهى والتذكرة الإجماع عليه ، بل في صريح المدارك ذلك الصحيح‌ جميل (٣) « سأل رجل أبا عبد الله عن رجل أمر مملوكه أن يتمتع قال : فمره فليصم ، وإن شئت فاذبح عنه » وصحيح سعيد بن أبي خلف (٤) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام قلت : أمرت مملوكي أن يتمتع قال : إن شئت فاذبح عنه ، وإن شئت فمره‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ـ ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ـ ٢ عن سعد بن أبي خلف.

١١٦

فليصم » والى ذلك يرجع ما في‌ صحيح ابن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « سئله عن المتمتع كم يجزيه؟ قال : شاة ، وسأله عن المتمتع المملوك قال : عليه مثل ما على الحر ، إما ضحية وإما صوم » بعد حمله على إرادة المماثلة في كمية ما يجب عليه وإن اختلفت الكيفية.

وعلى كل حال فلا يتعين الذبح عنه على المولى ، للأصل والإجماع المحكي عن التذكرة المعتضد بنفي علم الخلاف فيه إلا في قول الشافعي عن المنتهى ، وب‌ خبر الحسن العطار (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل أمر مملوكه يتمتع بالعمرة إلى الحج أعليه أن يذبح عنه؟ فقال : لا إن الله عز وجل يقول ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٣) » وهو نص في خلاف المحكي عن الشافعي من تعيين الذبح على المولى ، لإذنه له في التمتع الموجب لذلك ، لأن الاذن في الشي‌ء إذن في لازمه ، والفرض اعتبار العبد ، إذ هو مع أنه اجتهاد يمكن دفعه بأن مقتضى ذلك تعين الصوم عليه ، كما هو المحكي عن بعض العامة لا الذبح عنه ، واحتمال صيرورته مؤسرا بتمليك المولى إياه ذلك واضح الفساد بعد أن عرفت أن العبد لا يملك مطلقا عندنا ، نعم قد سمعت النص والإجماع على مشروعية الذبح عنه ، وبذلك كله يظهر لك أنه ينبغي حمل‌ خبر علي بن أبي حمزة (٤) سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن غلام أخرجته معي فأمرته فتمتع ثم أهل بالحج يوم التروية ولم أذبح عنه فله أن يصوم بعد النفر ، فقال : ذهبت الأيام التي قال الله تعالى ألا كنت أمرته‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١ وذيله في الباب ٢ منها الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

(٣) سورة النحل ـ الآية ٧٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

١١٧

أن يفرد الحج ، قلت : طلبت الخير فقال : كما طلبت الخير فاذهب فاذبح عنه شاة سمينة ، وكان ذلك يوم النفر الأخير » على ضرب من الندب كما عن نهاية الشيخ وغيرها ، وإن حكي عنه العمل بمضمونه في كتابي الأخبار ، ولو امتنع المولى عن الذبح وجب على المملوك الصوم ، ولا ولاية للمولى على منعه منه ، فإنه لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق ، والله العالم.

ولو أدرك المملوك المتمتع أحد الموقفين معتقا لزمه الهدي مع القدرة ومع التعذر الصوم بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في محكي المنتهى بل ولا إشكال ، لأنه بالإدراك المزبور يكون حجه حج الإسلام ، فيساوي غيره من الأحرار في وجوب الهدي عليه مع القدرة ، ومع التعذر فالصوم ، بل في القواعد فإن أعتق قبل الصوم تعين عليه الهدي أي مع التمكن ، وظاهره ذلك وإن كان بعد إتمام الحج ، ولعله لارتفاع المانع وتحقق الشرط ، ودعوى اختصاص الآية بحج الإسلام قد عرفت ما فيها.

والنية شرط في الذبح كما في غيره من الأفعال ، فيجب مقارنتها لأول جزء منه واستدامتها الى آخره ، ولكن التحقيق أنها الداعي ، وانه لا يجب فيها أزيد من نية القربة والتعيين مع فرض الحاجة اليه ، وإن كان الأحوط مع ذلك ذكر الوجه وغيره مما سمعته سابقا ، كما انك سمعت أيضا الاجتزاء بالإتيان بعنوان الجزئية للحج الذي سبق تعينه عند إحرامه ، والله العالم.

ويجوز أن يتولاها عنه الذابح النائب عنه في الذبح ونيته بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد ، بل عن بعض الإجماع عليه ، بل في كشف اللثام الاتفاق على توليه لها مع غيبة المنوب عنه ، لانه الفاعل ، فعليه نيته ، فلا يجزي حينئذ نية المنوب عنه وحدها ، لأن النية إنما تعتبر من المباشر ، بل لا معنى لها إن نوى الذبح أو النحر ، فالجواز بمعناه الأعم ، أو التعبير به لأن‌

١١٨

النيابة جائزة ، نعم إن جعلت يده مع يده نويا كما في الدروس لأنهما مباشران ، وفي الدروس وتجب النية في الذبح ، وتجزي الاستنابة في ذبحه ، ويستحب جعل يده مع يده فينويان ، ومباشرته أفضل إن أحسن ، ويستحب للنائب ذكر المنوب لفظا ويجب نيته ، قلت : قد سمعت ما في خبر أبي بصير (١) المتضمن للرخصة للنساء والصبيان في الإفاضة من المشعر بالليل ، وان يرموا الجمار فيها ، وان يصلوا الغداة في منازلهم ، فان خفن الحيض وكان من يضحي عنهن ، وخبر علي بن أبي حمزة (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « اي امرأة أو رجل خائف أفاض من المشعر ليلا فلا بأس ، فليرم الجمرة ثم ليمض وليأمر من يذبح عنه » وخبر أبي بصير (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « رخص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للنساء والضعفاء ان يفيضوا من جمع بليل ، وان يرموا الجمرة بليل ، فإذا أراد ان يزوروا البيت وكلوا من يذبح عنهم » الى غير ذلك من النصوص الدالة على جواز التوكيل الظاهر في الذبح ونيته ، بل الظاهر مشروعيته في حال الحضور أيضا كالتوكيل في الزكاة والخمس ، فينوي النائب حينئذ ، نعم قد يقال لو كان التوكيل في الفعل نفسه خاصة نوى الأصل حينئذ ، ولا يقدح كونه غير مباشر بعد مشروعية التوكيل في الفعل الذي صار به بمنزلة فعله ، فينوي القربة فيه ، ولعل المراد بالجواز في المتن والقواعد الإشارة الى ذلك ، والاولى مع حضوره جمع النيتين منهما ، وهو سهل بعد كون النية الداعي.

ولو غلط الوكيل في تسمية الموكل لم يقدح تقديما لنيته على الغلط اللساني وهو المراد من‌ خبر علي بن جعفر (٤) عن أخيه عليه‌السلام المروي في التهذيب وغيره‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

١١٩

« سألته عن التضحية يخطئ الذي يذبحها فيسمي غير صاحبها أتجزي عن صاحب الضحية؟ فقال : نعم ، إنما له ما نوى » فان الاسم لا مدخلية له ، ولذا لو نساه اجزء أيضا ، كما في‌ خبر عبد الله بن جعفر الحميري (١) المروي عن الاحتجاج عن صاحب الزمان ( روحي له الفداء ) « كتب إليه يسأله عن رجل اشترى هديا لرجل غائب ، وسأله ان ينحر عنه هديا بمنى فلما أراد نحر الهدي نسي اسم الرجل ونحر الهدي ثم ذكر بعد ذلك أيجزي عن الرجل أم لا؟ الجواب لا بأس بذلك ، وقد أجزء عن صاحبه » والله العالم.

ويجب ذبحه بمنى عند علمائنا في محكي المنتهى والتذكرة وعندنا في كشف اللثام ، وهذا الحكم مقطوع في كلام الأصحاب في المدارك ، وقال الصادق عليه‌السلام في‌ خبر إبراهيم الكرخي (٢) « في رجل قدم بهديه مكة في العشر ، فقال : إن كان هديا واجبا فلا ينحره إلا بمنى ، وإن كان ليس بواجب فلينحره بمكة إن شاء وإن كان قد أشعره أو قلده فلا ينحره إلا يوم الأضحى » وقال أيضا في خبر عبد الأعلى (٣) « لا هدي إلا من الإبل ، ولا ذبح إلا بمنى » بل ربما استشعر من‌ قول النبي (٤) « منى كلها منحر » تخصيصها بالحكم من حيث تخصيصها بالذكر ، بل ربما استدل بقول الصادق عليه‌السلام أيضا في صحيح منصور (٥) « في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢ وهو خبر محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ـ ٦.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب كفارات الصيد ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

١٢٠