جواهر الكلام - ج ١٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

( القول في الوقوف بعرفات )

أي الكون فيها ، ولكن تعارف التعبير بذلك لأنه أفضل افراده وعلى كل حال فتمام الكلام فيه يكون بالنظر في مقدمته وكيفيته ولواحقه‌ أما المقدمة فيستحب للمتمتع ) وغيره ان يخرج الى عرفات يوم التروية على معنى خروجه إلى منى ثم الى عرفات يوم عرفة بلا خلاف أجده فيه ، بل في كشف اللثام يستحب للحاج اتفاقا بعد الإحرام يوم التروية الخروج إلى منى من مكة ، ويدل عليه مضافا الى ذلك ما تسمعه من النصوص أيضا ، واما استحباب الإحرام فيه للمتمتع على معنى مرجوحية ما قبله بالنسبة إليه ففي المبسوط والاقتصاد والجمل والعقود والغنية والمهذب والجامع وغيرها على ما حكي عن بعضها التصريح به ، بل لا أجد فيه خلافا كما عن المنتهى الاعتراف به ، بل عن التذكرة الإجماع على استحباب كونه يوم التروية ، بل في المسالك انه موضع وفاق بين المسلمين ، ولعله على معنى جوازه قبله ، لما سمعته سابقا من ان له الإحرام بالحج عند الفراق من متعته الى ان يتضيق عليه وقوف عرفات كما عرفت الكلام فيه مفصلا ، نعم عن ابن حمزة وجوب كونه يوم التروية إذا أمكنه بمعنى عدم جواز تأخيره عنه اختيارا ، ولعله لظاهر الأمر‌

٢

في‌ حسن معاوية (١) « إذا كان يوم التروية إن شاء الله فاغتسل ثم البس ثوبيك وادخل المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار وصل ركعتين عند مقام إبراهيم أو في الحجر ، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة ، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من مسجد الشجرة ، وأحرم بالحج وعليك السكينة والوقار » المحمول على الندب قطعا ، ضرورة عدم وجوب الوقت فيه عنده ، مضافا الى إرادة الندب في أكثر الأوامر فيه ، والى ما في الحدائق من رده بما في حديث‌ أبي الحسن عليه‌السلام (٢) « انه دخل ليلة عرفة معتمرا فأتى بأفعال العمرة وأحل وجامع بعض جواريه ثم أهل بالحج وخرج الى منى » وبمرسل أبي نصر (٣) المنجبر بما عرفت عن أبي الحسن عليه‌السلام أيضا في حديث قال فيه : « وموسع للرجل ان يخرج إلى منى من وقت الزوال من يوم التروية الى ان يصبح حيث يعلم انه لا يفوته الموقف » وصحيح ابن يقطين (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الوقت الذي يريد ان يتقدم فيه الى منى الذي ليس له وقت أول منه قال : إذا زالت الشمس ، وعن الذي يريد ان يتخلف بمكة عشية التروية إلى اي ساعة يسعه ان يتخلف فقال : ذلك موسع له حتى يصبح بمنى » الى ان قال : فان هذه الأخبار ظاهرة في رد ابن حمزة ، وان كان قد يناقش بظهور أولها في الاضطرار ، وخلو الأخيرين عن ذكر الإحرام ، إذ يمكن وقوع الإحرام فيه ثم تأخير الخروج الى الليل ونحوه ، فالعمدة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب التقصير ـ الحديث ١.

(٣) ذكره الشيخ ( قده ) في ذيل مرسلة ابن أبي نصر المروي في التهذيب ج ٥ ص ١٧٦ الرقم ٥٩٠ والظاهر انه من كلام الشيخ.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

٣

حينئذ في رده ما عرفت.

انما الكلام فيما ذكره المصنف من قوله بعد ان يصلي الظهرين إذا كان المراد استحباب إيقاعه الإحرام بعدهما وفاقا للمهذب والوسيلة والتذكرة والمنتهى والمختلف والدروس وموضعين من المبسوط وموضع من النهاية على ما حكي عن بعضها ، بل عن علي بن بابويه التصريح بأن الأفضل إيقاعه بعد العصر المجموعة إلى الظهر ، فانا لا نجد له دليلا واضحا ، نعم عن المختلف الاستدلال له بأن مسجد الحرام أفضل من غيره ، والمستحب إيقاع الإحرام بعد فريضة ، فاستحب إيقاع الفريضتين فيه ، وعن التذكرة والمنتهى بحسن معاوية (١) السابق إلا أنهما كما ترى ، ضرورة عدم اقتضاء الأول منهما استحباب الإيقاع بعدهما ولا الثاني ، بل لعل ظاهر المكتوبة فيه الظهر ، ولعله لذا قال في القواعد بعد ان يصلي الظهر ، كما عن الهداية والمقنع والمقنعة والمصباح ومختصره والسرائر والجامع وموضع من النهاية والمبسوط وعن الفقيه وقته في دبر الظهر ، وان شئت في دبر العصر ، مؤيدا بعموم الأخبار باستحباب إيقاعه عقيب فريضة ، بل يمكن ارادة المصنف هنا وفي النافع ما عن الاقتصاد من انه لا يخرج إلى منى حتى يصليهما بمكة وان أوقع الإحرام بعد الظهر منهما ، كما ان ما سمعته من النصوص السابقة ظاهر فيه أيضا ، كصحيح الحلبي ومعاوية (٢) عن الصادق عليه‌السلام « لا يضرك بليل أحرمت أو نهار إلا ان أفضل ذلك عند زوال الشمس » وفي دعائم الإسلام (٣) « روينا عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام انه قال : يخرج الناس الى منى من مكة يوم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

٤

التروية ، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة ، وأفضل ذلك بعد صلاة الظهر ، ولهم ان يخرجوا غدوة وعشية إلى الليل ، ولا بأس ان يخرجوا قبل يوم التروية » وفيه (١) عنه عليه‌السلام أيضا انه قال : « في المتمتع بالعمرة إلى الحج إذا كان يوم التروية اغتسل ولبس ثوبي إحرامه واتى المسجد حافيا ، فطاف أسبوعا ان شاء وصلى ركعتين ثم جلس حتى يصلي الظهر كما أحرم من الميقات ، وإذا صار الى الرقطاء دون الردم أهل بالتلبية ، وأهل مكة كذلك يحرمون للحج من مكة ، وكذلك من اقام بها من غير أهلها ».

وعلى كل حال هو غير المحكي عن السيد من انه إذا كان يوم التروية فليغتسل ولينشئ الإحرام من المسجد ويلبي ثم يمضي إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر ، ضرورة ظهوره في إيقاعه في إيقاعه قبلهما مطلقا ، ولعله لنحو‌ قول الصادق عليه‌السلام في حسن معاوية أو صحيحه (٢) : « إذا انتهيت إلى منى فقل : اللهم هذه منى ، وهي مما مننت بها علينا من المناسك ، فأسألك أن تمن علي بما مننت به على أنبيائك ، فإنما أنا عبدك وفي قبضتك ، ثم تصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر ، والامام يصلي بها الظهر ، لا يسعه إلا ذلك ، وموسع لك ان تصلي بغيرها ان لم تقدر » وفي‌ خبر عمر بن يزيد (٣) « وصل الظهر ان قدرت بمنى » وفي‌ خبر أبي بصير (٤) « وان قدرت ان يكون رواحك إلى منى زوال الشمس وإلا فمتى ما تيسر لك من يوم التروية » لكن الظاهر هو‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

(٢) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٦ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٢ وذيله في الباب ٤ منها ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٢.

٥

ما عن الشيخ وغيره من الجمع بينها وبين غيرها بالفرق بين الامام وغيره ، كما‌ قال الصادق عليه‌السلام في صحيح جميل (١) : « على الامام ان يصلي الظهر بمنى ثم يبيت بها ويصبح حتى تطلع الشمس ثم يخرج » وفي صحيحه الآخر (٢) « ينبغي للإمام ان يصلي الظهر من يوم التروية بمنى ، ثم يبيت بها ويصبح حتى تطلع الشمس ثم يخرج » وفي‌ صحيح معاوية (٣) : « على الامام ان يصلي الظهر يوم التروية بمسجد الخيف ويصلي الظهر يوم النفر بمسجد الحرام » وأحدهما عليهما‌السلام في صحيح ابن مسلم (٤) « لا ينبغي للإمام ان يصلي الظهر يوم التروية إلا بمنى ويبيت بها إلى طلوع الشمس » وسأل ابن مسلم أيضا في الصحيح (٥) أبا جعفر عليه‌السلام « هل صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظهر بمنى يوم التروية؟ قال : نعم والغداة بمنى يوم عرفة » بل عن الشيخ منهم في التهذيب وظاهر النهاية والمبسوط لا يجوز للإمام غير ذلك ، بل مال إليه في الحدائق لظاهر النصوص المزبورة ، ولكن حمله في المنتهى على شدة الاستحباب ، ولا بأس به ، خصوصا بعد إشعار لفظ « لا ينبغي » ونحوه به ، وبعد الإجماع على الظاهر ممن عداه على عدمه ، وأما غير الامام فقد ذكر غير واحد انه مخير ، وانه يستحب له الإحرام بعد الظهر ، ولعله لما سمعته من النصوص ، لكن في الرياض انه بعد الظهرين أحوط ، لقوة احتمال ورود الأخبار الأخيرة للتقية ، فقد نقل القول بمضمونها عن العامة ، مضافا الى اعتضاد الأول بما مر ، وبما استدل به له في المختلف بأن المسجد الحرام أفضل من غيره ، فاستحب إيقاع الفريضتين فيه ، ولكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه ، وكأنه أشار بالاحتياط إلى مسألة التطوع وقت الفريضة باعتبار استحباب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٤.

٦

صلاة الإحرام ستا أو أربعا أو اثنتين كما عرفته سابقا ، ولكن ذلك لا يعارض الدليل بالخصوص ، مع ان الأقوى خلافه.

والمراد بالإمام أمير الحاج كما صرح به غير واحد ، فإنه الذي ينبغي ان يتقدمهم الى المنزل فيتبعوه ويجتمعوا اليه ويتأخر عنهم في الرحيل منه ، وفي‌ خبر حفص المؤذن (١) قال : « حج إسماعيل بن علي بالناس سنة أربعين ومائة فسقط أبو عبد الله عليه‌السلام عن بغلته ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : سر فإن الإمام لا يقف » كما ان المراد من يوم التروية هو ثامن ذي الحجة ، وفي‌ خبر عبيد الله بن علي الحلبي (٢) عن الصادق عليه‌السلام المروي عن العلل والمحاسن سأله « لم سمي يوم التروية؟ فقال : لأنه لم يكن بعرفات ماء وكانوا يستقون من مكة من الماء ربهم ، وكان بعضهم يقول لبعض : ترويتم ترويتم فسمي يوم التروية لذلك » وفي حسن معاوية أو صحيحه (٣) « سميت التروية لأن جبرئيل عليه‌السلام اتى إبراهيم عليه‌السلام يوم التروية فقال : يا إبراهيم ارو من الماء لك ولأهلك ، ولم يكن بين مكة وعرفات ماء ، ثم مضى الى الموقف فقال : قف واعرف مناسكك ، فلذلك سميت عرفة ، ثم قال : ازدلف الى المشعر الحرام فسميت مزدلفة » وفي‌ خبر أبي بصير (٤) « انه سمع أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما‌السلام ) يذكران انه لما كان يوم التروية قال جبرئيل عليه‌السلام لإبراهيم ( عليه‌السلام : ترو من الماء فسميت التروية ».

وفي‌ المنتهى عن الجمهور ان إبراهيم عليه‌السلام رأى في تلك الليلة ذبح الولد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

(٢) علل الشرائع ج ٢ ص ١٢٠ ـ الباب ـ ١٧١ ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢٣.

٧

فأصبح يروي نفسه أهو حلم أم من الله تعالى فسمي يوم التروية ، فلما كانت ليلة عرفة رأى ذلك فعرف انه من الله تعالى فسمي يوم عرفة ، والأمر في ذلك سهل.

ثم إن ظاهر اقتصار المصنف وغيره على المتمتع عدم استحباب ذلك في المفرد والقارن للمكي والمجاور بها ، وفي المسالك خص المتمتع بالذكر لأن استحباب الإحرام فيه يوم التروية موضع وفاق بين المسلمين ، واما القارن والمفرد فليس فيه تصريح من الأكثر ، وقد ذكر بعض الأصحاب انه كذلك ، وهو ظاهر إطلاق بعضهم ، وفي التذكرة نقل الحكم في المتمتع عن الجميع ثم نقل خلاف العامة في وقت إحرام الباقي هل هو كذلك أم في أول ذي الحجة ، ونحوه ما في المنتهى من حكاية القولين للعامة في المكي من غير ترجيح ، نعم قال بعد ذلك : ولا خلاف في انه لو أحرم المتمتع قبل ذلك في أيام الحج فإنه يجزيه ، قلت : قال ابن الحجاج (١) لأبي عبد الله عليه‌السلام في الصحيح : « إني أريد الجوار فكيف اصنع؟ فقال : إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج الى الجعرانة وأحرم فيها بالحج الى ان قال : ثم قال : إن سفيان فقيهكم أتاني فقال : ما حملك على ان تأمر أصحابك يأتون الجعرانة فيحرمون منها؟ فقلت له : هو وقت من مواقيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : وأي وقت من مواقيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقلت له : أحرم منها حين قسم غنائم حنين عند مرجعه إلى الطائف ، الى ان قال : فقال : اما علمت ان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما أحرموا من المسجد ، فقلت : إن أولئك كانوا متمتعين في أعناقهم الدماء ، وان هؤلاء قطنوا بمكة فصاروا كأنهم من أهلها ، وأهل مكة لا متعة لهم ، فأحببت أن يخرجوا من مكة الى بعض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٥.

٨

المواقيت فيشعثوا به أياما » وقال أبو الفضل في صحيح صفوان (١) : « كنت مجاورا بمكة فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام من أين أحرم؟ فقال : من حيث أحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الجعرانة ، فقلت : متى اخرج؟ فقال : ان كنت صرورة فإذا مضى من ذي الحجة يوم ، وان كنت قد حججت قبل ذلك فإذا مضى من الشهر خمس » ونحوه مرسل المفيد (٢) في المقنعة ، وقال إبراهيم بن ميمون (٣) في الصحيح اليه « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن أصحابنا مجاورون بمكة وهم يسألوني لو قدمت عليهم كيف يصنعون؟ قال : قل لهم : إذا كان هلال ذي الحجة فليخرجوا الى التنعيم فليحرموا ».

وظاهرها جميعا ان وقت إحرام المجاور من هلال ذي الحجة أو بعد مضي خمسة أيام ، بل ربما استفيد من الأول ثبوت الحكم المزبور لأهل مكة أيضا ، لكن‌ قال الصادق عليه‌السلام في خبر سماعة (٤) : « المجاور بمكة إذا دخلها بعمرة في غير أشهر الحج الى ان قال : ثم أراد ان يحرم فليخرج إلى الجعرانة فليحرم منها ثم يأتي مكة ولا يقطع التلبية حتى ينظر الى البيت ، ثم يطوف بالبيت ويصلي الركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام ، ثم يخرج الى الصفا والمروة فيطوف بينهما ، ثم يقصر ويحل ، ثم يعقد التلبية يوم التروية » بناء على ان هذه العمرة مفردة لا تمتع ، وإلا لوجب الإتيان بها من الميقات ، وحينئذ فالحج المشار اليه حج إفراد ، وعقده حينئذ يوم التروية ، ولعله لبيان الجواز في حقه ، وفي الأول على جهة الندب ، ولكن قد سمعت ما في خبر الدعائم (٥) بناء على عود الإشارة فيه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

٩

الى يوم التروية أيضا ، والأمر سهل.

وكيف كان فالخروج المزبور على الوجه الذي عرفت مستحب لكل أحد إلا المضطر كالشيخ الهم والمريض ومن يخشى الزحام كما صرح به جماعة ، لموثق إسحاق بن عمار (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام « سألته عن الرجل يكون شيخا كبيرا أو مريضا يخاف ضغاط الناس وزحامهم يحرم بالحج ويخرج إلى منى قبل يوم التروية قال : نعم ، قال : فيخرج الرجل الصحيح يلتمس مكانا أو يتروح بذلك قال : لا ، قال : يتعجل بيوم قال : نعم ، قال : يتعجل بيومين قال : نعم ، قال : يتعجل بثلاثة قال : نعم ، قال : أكثر من ذلك قال : لا » ولعله له قال الشيخ في التهذيب لا بأس ان يتقدم ذو العذر ثلاثة أيام ، فأما ما زاد عليه فلا يجوز على كل حال ، ولكن في المنتهى حمله على شدة الاستحباب مشعرا بالمفروغية من ذلك ، ولعله كذلك ، وفي‌ مرسل البزنطي (٢) « قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : يتعجل الرجل قبل التروية بيوم أو يومين من أجل الزحام وضغاط الناس فقال : لا بأس » بل ربما حمل على ذلك‌ خبر رفاعة (٣) سأل الصادق عليه‌السلام « هل يخرج الناس الى منى غدوة؟ قال : نعم » ولعل إطلاق الموثق المزبور ـ بناء على رجوع ضمير « يتعجل » فيه الى الصحيح ـ محمول على ما كان لأجل الزحام ، كما ان الظاهر منهما عدم تأكد الندب في الخروج يوم التروية لا ان الاستحباب مرفوع بالنسبة إليهم كما يقضي به ظاهر العبارة وغيرها.

وعلى كل حال فالمراد بالخروج من مكة في المتن وغيره ان يمضي إلى منى ويبيت بها ليلته الى طلوع الفجر من يوم عرفة كما سمعت التصريح بصلاة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب إحرام الحج الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب إحرام الحج الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب إحرام الحج الحديث ٢.

١٠

الغداة فيها في بعض النصوص (١) السابقة ، ولكن لا يجوز وادي محسر وهو حد منى إلا بعد طلوع الشمس لصحيح هشام بن الحكم (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا تجوز وادي محسر حتى تطلع الشمس » المحمول على الكراهة بقرينة الشهرة بين الأصحاب على ذلك وعلى استحباب المبيت بمنى ، والصحيح (٣) « في النفور من منى الى عرفات قبل طلوع الشمس قال : لا بأس به » فما عن الشيخ وابن البراج من العمل بظاهره ضعيف.

وكذا يكره الخروج قبل الفجر إلا لضرورة كالمريض والخائف كما في القواعد والنافع ومحكي السرائر بل نسبه غير واحد إلى الشهرة ، قيل للأمر بصلاته فيها في حسن معاوية (٤) المتقدم ، وفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المحكي في صحيح ابن مسلم (٥) السابق ، وخبر عبد الحميد الطائي (٦) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنا مشاة فكيف نصنع؟ قال : اما أصحاب الرحال فكانوا يصلون الغداة بمنى ، واما أنتم فامضوا حيث تصلون في الطريق » إلا ان الجميع كما ترى لا دلالة فيه على الكراهة ، ولذا ناقش فيها بعض الناس بعدم الظفر بنهي يحمل عليها ، لكن يمكن ان يكون إطلاق النهي عن جواز وادي محسر قبل طلوع الشمس بناء على إرادة الكراهة منه ، وعلى كل حال فمن ذلك يعلم ضعف ما عن ظاهر النهاية والمبسوط والاقتصاد وأبي الصلاح وابن البراج من عدم الجواز المنافي للأصل واستحباب المبيت بمنى.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب إحرام الحج الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب إحرام الحج الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب إحرام الحج الحديث ١.

١١

واما الامام فيستحب له الإقامة بها الى طلوع الشمس استحبابا مؤكدا لصحيح جميل (١) السابق وغيره ، وفي‌ الدعائم (٢) « وعن علي عليه‌السلام ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غدا يوم عرفة من منى فصلى الظهر بعرفة لم يخرج من منى حتى طلعت الشمس » المحمول على ذلك بقرينة‌ موثق إسحاق بن عمار (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « من السنة ان لا يخرج الامام من منى الى عرفة حتى تطلع الشمس ».

ويستحب الدعاء بالمرسوم عند التوجه إلى منى ، لما في‌ حسن معاوية (٤) عن الصادق عليه‌السلام « اللهم إياك أرجو ، وإياك أدعو ، فبلغني أملي ، وأصلح عملي » وعند دخولها بما في صحيحه (٥) السابق وعند الخروج بما في‌ صحيحه (٦) عنه عليه‌السلام أيضا ، قال : « إذا غدوت الى عرفة فقل وأنت متوجه إليها : اللهم إليك صمدت ، وإياك اعتمدت ، ووجهك أردت ، فأسألك أن تبارك لي في رحلتي ، وتقضي لي حاجتي ، وان تجعلني اليوم ممن تباهي به من هو أفضل مني ».

وحد منى من العقبة إلى وادي محسر على صيغة اسم الفاعل من التحسير اي الإيقاع في الحسرة أو الإعياء؟ سمي به لأنه قيل أبرهة أوقع أصحابه في الحسرة أو الإعياء لما جهدوا ان يتوجه إلى الكعبة فلم يفعل ، قال الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية وأبي بصير (٧) : « حد منى من العقبة إلى وادي محسر » وقال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٦.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب إحرام الحج الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب إحرام الحج الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب إحرام الحج الحديث ٣.

١٢

في‌ صحيح آخر لمعاوية (١) : « وهو ـ أي وادي محسر ـ واد عظيم بين جمع ومنى ، وهو الى منى أقرب » ومقتضاه كون الحد غيره ، اللهم إلا ان يكون الأقربية لاتصاله بمنى وانفصاله عن المزدلفة ، نعم هو خارج عن المحدود ، لكن على الأول لا يكون النهي عن جوازه قبل طلوع الشمس دالا على الكراهة قبل الفجر ، لإمكان عدم جوازه مع عدم المبيت في منى ، بل يمكن القول بذلك على الثاني أيضا ، فيبيت في نفس الحد ، إذ هو ليس جوازه ، اللهم إلا ان يراد الجواز فيه ، فيستلزمها حينئذ.

وعلى كل حال فالمبيت بمنى مستحب على نحو غيرها من المستحبات ، لكن في التذكرة للاستراحة ، وفي القواعد للترفه ، وربما توهم عدم كونه كغيرها من المستحبات ، ولا ريب في فساده ، إذ لا منافاة ، نعم ليس هو بفرض ولا نسك يلزم بتركه شي‌ء ، بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم ، لكن قد سمعت ما عن بعض من عدم جواز الخروج منها قبل الفجر ، وما عن آخر أيضا من عدم مجاوزة وادي محسر قبل طلوع الشمس ، والله العالم.

وكذا يستحب ان يغتسل للوقوف بلا خلاف أجده فيه ، بل في المدارك الإجماع عليه ، نعم في‌ حسن الحلبي (٢) عنه عليه‌السلام « الغسل يوم عرفة إذا زالت الشمس » وفي‌ صحيح معاوية (٣) « فإذا زاغت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصل الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين » وقد تقدم في الأغسال تفصيل الحال فيه وفي غيره ، ولكن مقتضى ذلك ان تكون نية الوقوف قبله كما ستعرف ، هذا ، وفي الدروس وفي استحباب الطواف وركعتيه قبل الإحرام بالحج قول للمفيد وابن الجنيد والحلبي ، لكن في المختلف بعد ان حكى ذلك عن الثلاثة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

١٣

قال : ولم يذكر الشيخ هذا الطواف ولا السيد المرتضى ولا ابن إدريس ولا ابن بابويه ، والشيخ عول على هذا الحديث ، فإنه لم يذكر فيه الطواف ، والمفيد عول على انه قادم على المسجد ، ويستحب له التحية ، والطواف أفضل من الصلاة ، ولا نزاع بينهما حينئذ ، بقي ان يقال ان قصد المفيد استحباب هذا الطواف للإحرام فهو ممنوع ، فان المجاور يستحب له الصلاة أكثر من الطواف إذا جاور ثلاث سنين.

قلت : قد ذكر هذا الطواف الصدوق في من لا يحضره الفقيه في باب سياق مناسك الحج ، نعم لم يذكره أبوه رحمه‌الله ، ولعل القول باستحبابه غير بعيد للتسامح ولما سمعته من خبر الدعائم (١) نعم في قواعد الفاضل لا يجوز له الطواف بعد الإحرام حتى يرجع من مني أي ما لم يضطر الى تقديم الطواف لحجة وفاقا للمحكي عن النهاية والمبسوط والتهذيب والوسيلة وظاهر المصباح ومختصره والجامع لخبر حماد عن الحلبي (٢) قال : « سألته عن رجل اتى المسجد الحرام وقد أزمع بالحج أيطوف بالبيت؟ قال : نعم ما لم يحرم » ولكنه قاصر عن إثبات الحرمة المخالفة للأصل ، ولعله لذا قال ابن إدريس في المحكي عنه « لا ينبغي » وعن المنتهى والتحرير والتذكرة الاقتصار على انه لا يسن ، نعم عن ابن أبي عقيل وإذا اغتسل يوم التروية وأحرم بالحج طاف بالبيت سبعة أشواط ، وخرج متوجها الى منى ، ولا يسعى بين الصفا والمروة حتى يزور البيت ، فيسعى بعد طواف الزيارة ، مع انه احتمل في محكي المختلف ارادته الطواف قبل الإحرام الذي عرفت الكلام فيه.

وعلى كل حال فان طاف ساهيا بل في كشف اللثام أو عامدا لم ينتقض إحرامه‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٤.

١٤

كما في القواعد ومحكي السرائر والتهذيب ، جدد بعده التلبية أولا ، للأصل وخبر عبد الحميد بن سعيد (١) سأل الكاظم عليه‌السلام « عن رجل إحرام يوم التروية من عند المقام بالحج ثم طاف بالبيت بعد إحرامه وهو لا يرى ان ذلك لا ينبغي له أينقض طوافه بالبيت إحرامه؟ فقال : لا ولكن يمضي على إحرامه » وهو وان كان ظاهرا في الجاهل إلا ان الظاهر أولوية الساهي منه أو مساواته له.

وعلى كل حال فليس فيه تجديد التلبية لعقد الإحرام ، لكن عن النهاية والمبسوط والوسيلة تجديدها للعقد ، وربما احتمل إرادتهم الندب ، لقول الشيخ في محكي الكتابين انه لا ينتقض ولكن يعقده بتجديد التلبية ، ولعلهم استندوا الى ما مضى في طواف القارن والمفرد إذا دخلا مكة قبل الوقوف ، والله العالم.

هذا كله في مقدمته‌ ( واما كيفيته فتشمل على واجب وندب ( ومندوب خ ل ) فـ ) من‌ الواجب النية التي قد سمعت الكلام فيها غير مرة وفي عدم اعتبار غير القربة والتعيين فيها بعد الإجماع بقسميه منا على وجوبها فيه ، مضافا الى العمومات ، خلافا للعامة فلم يوجبوها فيه ، ولا ريب في فساده ، نعم قد صرح غير واحد بل في المدارك نسبته إلى الأصحاب بأن وقتها عند تحقق الزوال ، لأنه أول وقت الوقوف الواجب بناء على انه ما بينه وبين الغروب ، فيجب مقارنتها له ليقع بأسره بعد النية ، وإلا فات جزء منه ، ثم لو أخر اثم إلا انه يجزي كما صرح به في الدروس ، لكن قد يظهر من‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية بن عمار (٢) المشتمل على صفة حج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلاف ذلك ، قال : « حتى انتهى الى نمرة وهي بطن عرنة بحيال الأراك ، فضرب قبته وضرب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣.

١٥

الناس أخبيتهم عندها ، فلما زالت الشمس خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه قريش وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد ، فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ، ثم صلى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، ثم مضى الى الموقف فوقف به » قيل وكذا رواية أخرى‌ صحيحة لمعاوية (١) أيضا « ثم تلبي وأنت غاد الى عرفات فإذا انتهيت الى عرفات فاضرب خباك بنمرة ، وهي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة ، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصل الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، وانما تعجل العصر وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء ، فإنه يوم دعاء ومسألة ، وحد عرفة من بطن عرنة وثوية ونمرة إلى ذي المجاز ، وخلف الجبل موقف » وهو كما ترى لا دلالة فيه على المطلوب ، نعم‌ قال الصادق عليه‌السلام في حسنه الآخر أو صحيحه (٢) : « وانما تعجل الصلاة وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء ، فإنه يوم دعاء ومسألة ، ثم تأتي الموقف ». وقال أيضا في‌ خبر أبي بصير (٣) : « لا ينبغي الوقوف تحت الأراك ، واما النزول تحته حتى تزول الشمس وتنتهض الى الموقف فلا بأس به » بل في المدارك والمسألة محل اشكال ، ولا ريب أن ما اعتبره الأصحاب أولى وأحوط ، وبنحو ذلك عبر في محكي المقنعة والنهاية والمبسوط ومن لا يحضره الفقيه والسرائر من غير تعرض للنية فضلا عن مقارنتها ، وفيه ان الأخيرين لا صراحة فيهما بل ولا ظهور في عدم‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٨ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١ ووسطه في الباب ٩ منها ـ الحديث ١ وذيله في الباب ١٠ منها ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٧.

١٦

النية عند الزوال ، خصوصا بناء على انها الداعي المستمر خطوره مع التشاغل بهذه المقدمات ، واما الأول منها فهو ظاهر في مضي زمان من الزوال في غير الموقف ، ومرجعه الى عدم وجوب الكون فيه من الزوال الى الغروب ، وستعرف الكلام فيه إن شاء الله ، مع أنه يمكن كون نمرة موضع آخر في عرفة ، ففي القاموس أنها موضع بعرفات أو الميل الذي عليه أقطاب الحرم ، وحينئذ يكون المراد بمضيه الرواح الى الموقف ميسرة الجبل الذي يستحب الوقوف فيه ، والله العالم.

ومنه أيضا الكون بها الى الغروب بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر ، قال الصادق عليه‌السلام في‌ صحيح معاوية (١) « ان المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس مخالفهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأفاض بعد غروب الشمس » وقال له عليه‌السلام يونس بن يعقوب (٢) في الموثق : « متى نفيض من عرفات؟ فقال : إذا ذهبت الحمرة من ها هنا وأشار بيده الى المشرق الى مطلع الشمس » ومنه يعلم أن المراد بالغروب هو الذي قد عرفت الحال فيه في كتاب الصلاة ، كما يعلم من قول المصنف وغيره : « والكون » الاجتزاء بجميع أفراده ، بل لا أجد فيه خلافا ، لا خصوص الوقوف الذي ستعرف أنه أفضل عندنا من الركوب ، ولعله لذلك خص من بين أحوال الكون بالذكر ، نعم في كشف اللثام الإشكال في الركوب ونحوه ، لخروجه عن معنى الوقوف لغة وعرفا ، ونصوص الكون والإتيان لا تصلح لصرفه الى المجاز ، وفيه انه لا يحتاج الى الصرف ، وانما هو أحد الأفراد بقرينة الفتوى وغيرها.

وعلى كل حال فلو وقف بنمرة كفرحة بفتح النون وكسر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٢.

١٧

الميم ، ويجوز إسكانه ، وهي الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمينك إذا خرجت من المأزمين تريد الموقف كما عن تحرير النووي والقاموس وغيرهما ، لكن قد سمعت ما في النص (١) من أنها بطن عرنة ، قيل فلعلها تقال عليهما وتقال على أحدهما للمجاورة ، وعلى كل حال هي خارجة عن عرفة ، فلو وقف بها أو وقف بعرنة ) كهمزة ، وفي لغة بضمتين ، وهي كما عن المطرزي واد بحذاء عرفة ، وعن السمعاني ظني أنها واد بين عرفات ومنى ، وعن القاسي أنه موضع بين العلمين اللذين هما حد عرفة والعلمين اللذين هما حد الحرم أو وقف بثوية ) بفتح الثاء وتشديد الياء أو وقف بذي المجاز ) وهو سوق كانت على فرسخ من عرفة بناحية كبكب أو تحت الأراك لم يجزه بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل في المنتهى نسبته الى الجمهور أيضا إلا ما يحكى عن مالك من الاجتزاء ببطن عرنة ولزوم الدم ، لكنه واضح الفساد بعد أن لم يكن هو من عرفة ، وانما هي حد لها ، والحد خارج عن المحدود ، قال الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (٢) السابق ما سمعت ، وفي‌ خبر سماعة (٣) : « واتق الأراك ونمرة ، وهي بطن عرنة وثوية وذي المجاز ، فإنه ليس من عرفة ، ولا تقف فيه » وفي خبر أبي بصير (٤) « ان أصحاب الأراك الذين ينزلون تحت الأراك لا حج لهم » وفي خبر إسحاق بن عمار (٥) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « ارتفعوا عن وادي عرنة بعرفات » وعن الحلبي والحسن حدها من المأزمين إلى الموقف ، وعن أبي علي من المأزمين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣.

(٢) المتقدم في ص ١٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب إحرام الحج الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب إحرام الحج الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب إحرام الحج الحديث ٤.

١٨

الى الجبل ، وقال الصادق عليه‌السلام في صحيح ليث (١) : « حد عرفات من المأزمين إلى أقصى الموقف » ولعله لا تنافي بين الجميع في كونها حدودا لعرفة باعتبار الجهات كما عن المختلف ، وفي المسالك « وهذه الأماكن الخمسة حدود عرفة ، وهي راجعة إلى أربعة كما هو المعروف من الحدود ، لأن نمرة بطن عرنة كما روي في حديث معاوية عن الصادق عليه‌السلام ، ولا يقدح ذلك في كون كل واحد منهما حدا ، فإن أحدهما ألصق من الآخر ، وغيرهما وإن شاركهما باعتبار اتساعه في إمكان جعله كذلك لكن ليس لإجزائه أسماء خاصة ، بخلاف نمرة وعرنة » ونحوه عن الكركي في حواشي القواعد ، ولكن فيه أنه مناف للمعروف من الحد الذي هو الملاصق للمحدود ، ويمكن كون ذلك على ضرب من المجاز ، أو أن نمرة طرف خارج عن عرنة يكون حدا ، والأمر في ذلك سهل.

انما الكلام في وجوب استيعاب الزمان من الزوال يوم عرفة إلى غروب الشمس بالكون فيها مع الاختيار ، أو يكفي مسماه ، الظاهر الأول كما صرح به الشهيدان في الدروس واللمعة والمسالك والمقداد والكركي وغيرهم من غير إشارة أحد منهم إلى خلاف في المسألة ، بل ظاهر المدارك نسبته إلى الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه ، بل لم أجد الثاني قولا محررا بين الأصحاب ، نعم قد سمعت ما في المدارك من التوقف فيما حكاه عن الأصحاب من وجوب كون النية حين الزوال لتكون مقارنة لأول الواجب للروايات التي قدمناها ، وتبعه في كشف اللثام والذخيرة والحدائق والرياض وغيرها من كتب المعاصرين ، بل ادعى في الأخير أنه ظاهر الأكثر اعتمادا على ما حكاه في الذخيرة والحدائق من عبارات القدماء ، وفي كشف اللثام وهل يجب الاستيعاب حتى إن أخل به في جزء منه أثم وإن تم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٢.

١٩

حجه؟ ظاهر الفخرية ذلك ، وصرح الشهيد بوجوب مقارنة النية لما بعد الزوال وانه يأثم بالتأخير ، ولم أعرف له مستندا ، وفي السرائر « أن الواجب هو الوقوف بسفح الجبل ولو قليلا بعد الزوال » وفي التذكرة « انما الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة ولو مجتازا مع النية ، وظاهر الأكثر وفاقا للأخبار الوقوف بعد صلاة الظهرين ـ ثم قال ـ : فيما لو تجدد الإغماء والنوم بعد الشروع فيه في وقته صح ، لما عرفت أن الركن بل الواجب هو المسمى ».

وعلى كل حال قال ابن بابويه في الفقيه : « فإذا أتيت إلى عرفات فاضرب خباك بنمرة قريبا من المسجد ، فان ثم ضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خباه وقبته ، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية واغتسل وصل بها الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، وانما يتعجل في الصلاة ويجمع بينهما ثم يقف بالموقف ليفرغ للدعاء ، فإنه يوم دعاء ومسألة ، ثم ائت الموقف وعليك السكينة والوقار ، وقف بسفح الجبل في ميسرته » وقال الشيخ : « فإذا زالت اغتسل وصلى الظهر والعصر جميعا يجمع بينهما ، ثم يقف بالموقف » ونحوه عن المبسوط ، وفي المقنعة « ثم ليلب وهو غاد إلى عرفات ، فإذا أتاها ضرب خباه بنمرة قريبا من المسجد ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرب قبته هناك ـ إلى أن قال ـ : فإذا زالت الشمس يوم عرفة فليغتسل ويقطع التلبية ويكثر من التهليل والتمجيد والتكبير ثم يصلي الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ـ إلى أن قال ـ ثم يأتي الموقف ويكون وقوفه في ميسرة الجبل ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقف هناك ويستقبل القبلة » وقال سلار : « فإذا جاءها نزل نمرة قريبا من المسجد إن أمكنه ، ونمرة بطن عرنة ، فإذا زالت الشمس فليغتسل وليقطع التلبية وليكثر من التهليل والتمجيد والتكبير ، وليصل الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، ثم ليأت الموقف ، وليختر الوقوف في ميسرة الجبل » وقال في السرائر : « فإذا زالت اغتسل وصلى الظهر والعصر جميعا يجمع‌

٢٠