جواهر الكلام - ج ١٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المحكي عن ابن أبي عقيل عدم الجواز ، لإطلاق ما دل على انه لا متعة لأهل مكة من الكتاب (١) والسنة (٢) وعن المختلف احتمال الجمع بين القولين بحمل الأول على من خرج من مكة يريد استيطان غيرها ، والثاني على غيره ، لكنه كما ترى لا دليل عليه ، بل ظاهر الدليل خلافه.

وفي المدارك بعد ان حكى قول الحسن ودليله قال : وهو جيد لولا ورود الرواية الصحيحة بالجواز ، قلت : لكن قد عرفت عدم دلالتها على حج الإسلام ودعوى انقلاب فرض المكي بخروجه كانقلاب فرض المجاور بمكة سنتين يدفعها حرمة القياس عندنا ، مع ان القائل بذلك يقول به على التخيير المنافي لظاهر الأدلة السابقة المقتضي للتعيين في الفرض ، وهو التمتع للنائي والقران والافراد لغيره ، وهو مؤيد آخر لابن أبي عقيل ، بل في الرياض الميل اليه بناء على عدم صراحة الرواية في الفريضة ، قال : القرينة المشعرة بإرادتها مع ضعفها معارضة بمثلها ، بل أظهر منها حينئذ ، فيكون التعارض بينها وبين الأدلة المانعة تعارض العموم والخصوص من وجه يمكن تخصيص كل منهما بالآخر والترجيح للمانعة بموافقة الكتاب والكثرة ، وعلى تقدير التساوي يجب الرجوع إلى الأصل ، ومقتضاه وجوب تحصيل البراءة اليقينية التي لا تتحقق إلا بغير التمتع ، للاتفاق على جوازه فتوى ورواية دونه ، فتركه هنا اولى ، وقد صرحت به الرواية أيضا كما مضى وإن كان قد يناقش بأن الترجيح للعكس بالشهرة ، وانسياق غير الفرض من أدلة المنع وبأن التخيير على تقدير التساوي هو الموافق للأصل ، ولإطلاق أدلة وجوب الحج ، ومن ذلك يعلم قوة قول المشهور ، لأنه بعد تسليم قصور‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الحج.

٨١

الخبرين عن الدلالة على كونه حج الإسلام ، وقصور تناول ما دل على حكم المكي المشكوك في تناوله ولو للشهرة المزبورة ، أو الظاهر في غير الفرض وقصور أدلة النائي عن تناوله أيضا ، فلا مفزع حينئذ لمعرفة حكم هذا الموضوع إلا الإطلاق الذي قد عرفت اقتضاءه التخيير ، ومن هذا يعلم ما في المدارك وغيرها.

ولو أقام من فرضه التمتع وقد وجب عليه بمكة أو حواليها مما هو دون الحد المزبور سنة أو سنتين أو أزيد من ذلك ولو بقصد الدوام لم ينتقل فرضه الذي قد خوطب به بلا خلاف أجده فيه نصا وفتوى ، بل لعله إجماعي ، بل قيل انه كذلك للأصل وغيره فما في المدارك من التأمل فيه في غير محله ، وكذا لا خلاف أيضا نصا وفتوى في عدم انتقاله عن فرض النائي بمجرد المجاورة وإن لم يكن قد وجب عليه سابقا ، بل لعله إجماعي أيضا وكان عليه حينئذ الخروج إلى الميقات إذا أراد حجة الإسلام ، ولو لم يتمكن من ذلك خرج إلى خارج الحرم ، فان تعذر أحرم من موضعه إنما الكلام في تعيين ميقاته الذي يحرم منه ، فعن الشيخ وأبي الصلاح ويحيى بن سعيد والمصنف في النافع والفاضل في جملة من كتبه أنه ميقات أهل أرضه ، لاندراجه فيما دل على حكمهم ، إذ لم يخرج بالمجاورة المجردة عن نية الوطن عنهم عرفا ، ول‌ خبر سماعة (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام « سألت عن المجاور أله ان يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال : نعم يخرج إلى مهل أرضه فليلب إن شاء » مؤيدا بما دل على وجوب رجوع الناسي والجاهل اليه بناء على ان ذلك لمكان وجوب الإهلال منه لا للعذر المخصوص ، وبما دل على توقيت المواقيت المخصوصة لكل قوم أو من مر عليها من غيرهم ، ضرورة عدم خروجه بالمجاورة عنهم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١.

٨٢

وظاهر إطلاق المصنف وغيره كالنهاية والمقنع والمبسوط والإرشاد والقواعد على ما حكي عن بعضها ، وصريح الدروس والمسالك والروضة الخروج إلى أي ميقات‌ للمرسل (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « من دخل مكة بحجة عن غيره ثم أقام سنة فهو مكي ، فإن أراد ان يحج عن نفسه أو أراد ان يعتمر بعد ما انصرف من عرفة فليس له ان يحرم من مكة لكن يخرج إلى الوقت ، وكلما حول رجع إلى الوقت » وموثق سماعة (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « من حج معتمرا في شوال وفي نيته ان يعتمر ورجع إلى بلاده فلا بأس بذلك ، وإن هو أقام إلى الحج فهو حج تمتع ، لأن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة ، فمن اعتمر فيهن وأقام إلى الحج فهي متعة ، وإن رجع إلى بلاده ولم يقم إلى الحج فهي عمرة ، ومن اعتمر في شهر رمضان أو قبله واقام إلى الحج فليس بمتمتع ، وإنما هو مجاور أفرد العمرة ، فإن هو أحب ان يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بعمرة إلى الحج ، فان هو أحب ان يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها » الخبر ، وخبر إسحاق بن عبد الله (٣) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المقيم بمكة يجرد الحج أو يتمتع مرة أخرى قال : يتمتع أحب الي ، وليكن إحرامه من مسيرة ليلة أو ليلتين » مؤيدا بأنه لا خلاف نصا وفتوى في الإحرام من الميقات لمن مر عليه وان لم يكن من أهله ، ضرورة صدق ذلك على المجاور إذا اتى ميقاتا غير ميقاته وعن الحلبي الخروج إلى أدنى الحل ، واحتمله في المدارك بل عن شيخه أنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢٠.

٨٣

استظهره لصحيح الحلبي (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام لأهل مكة ان يتمتعوا قال : لا ليس لأهل مكة ان يتمتعوا ، قال : قلت ، فالقاطنون؟ قال : إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكة ، فإن أقاموا شهرا كان لهم ان يتمتعوا ، قلت : من اين؟ قال : يخرجون من الحرم ، قلت : من اين يهلون بالحج؟ قال : من مكة نحوا مما يقول الناس » وخبر حماد (٢) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أهل مكة أيتمتعون؟ قال : ليس لهم متعة ، قلت : فالقاطنون بها قال : إذا أقام بها سنة أو سنتين صنع كما يصنع أهل مكة ، قلت : فان مكث شهرا قال : يتمتع ، قلت : من اين؟ قال : يخرج من الحرم ، قلت من اين يهل بالحج؟ قال : من مكة نحوا مما يقول الناس » وصحيح عمر بن يزيد (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « من أراد ان يخرج من مكة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبية وما أشبههما ».

وقد يناقش في الجميع بضعف الخبر الأول سندا بمعلى ، ودلالة بقوله : « إن شاء » مع احتمال كون المراد الاحتراز عن مكة ، وبنحوه يجاب عن الصحاح مع ان التعدي عنها قياس ، وعدم تعقل الفرق غير تعقل عدم الفرق ، وهو المعتبر فيه دون الآخر ، وشمول اخبار المواقيت لنحو ما نحن فيه محل مناقشة لعدم تبادره منها بلا شبهة ، وبأن المرسل كالخبر في الضعف سندا بل ودلالة لإجمال الوقت فيه المحتمل لإرادة مهل أهل الأرض باحتمال اللام للعهد ، ومن ذلك يعلم المناقشة في الموثق والخبر اللذين اقصاهما الإطلاق المنزل على التقييد ، وعدم الخلاف في إجزاء الإحرام من غيره بعد المرور به غير المفروض من حكم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١.

٨٤

المرور ، وبأن الصحيح والخبر نادران ، مع ان خارج الحرم فيهما مطلق يحتمل التقييد بمهل الأرض أو مطلق الوقت ، أو صورة تعذر المصير إليهما ، للاتفاق على الجواز حينئذ كما ستعرف ، فيتعين ، حملا للمطلق على المقيد ولو قصر السند ، للانجبار هنا بالعمل ، لاتفاق من عدا الحلي على اعتبار الوقت وان اختلفوا في إطلاقه وتقييده ، وأما الصحيح الأخير فمحمول على العمرة المفردة كما وردت به المستفيضة (١) مع انه معارض بصريح الموثق المزبور.

ومن هنا قال بعض أفاضل متأخري المتأخرين : « إن الواجب حينئذ الرجوع في المسألة إلى ما تقتضيه الأصول الشرعية ، لضعف أدلة الأقوال جميعها ، وهو هنا البراءة من تعين ميقات عليه إن اتفق على الصحة مع المخالفة لما يوجب عليه ووجوب الأخذ بالمبرئ للذمة منها يقينا إن كان ما يوجب عليه شرطا ، فالذي ينبغي تحصيله تشخيص محل النزاع من تعيين الوقت أهو أمر تكليفي خاصة أو شرطي؟ والظاهر الثاني ، لما مر من عدم الخلاف في صحة الإحرام من كل وقت يتفق المرور عليه وتصريح بعض من صار إلى اعتبار ادنى الحل بجوازه وصحة إحرامه من غيره من المواقيت البعيدة ، وعليه فيعود النزاع إلى وجوب الخروج إلى مهل أهل الأرض أم لا بل يجوز إلى اي وقت كان ولو ادنى الحل والحق الثاني إلا بالنسبة إلى أدنى الحل ، فلا يجوز الخروج اليه اختيارا لدلالة الزوايات المعتبرة ولو بالشهرة على وجوب الخروج على غيره ، فيتعين ، واما وجوب الخروج إلى مهل الأرض فالأصل عدمه بعد ما عرفت من ضعف دليله وإن كان أحوط ، للاتفاق على جوازه ».

وفيه بعد الإغضاء عما ذكره دليلا للثاني الذي استظهره انه لا ريب في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب العمرة.

٨٥

رجحان القول الأول من الأقوال ، إذ ضعف دليله منجبر بالشهرة المحكية في الحدائق ان لم تكن محصلة ، ولا معارض له إلا الإطلاق المنزل عليه ، وقوله فيه : « إن شاء » ظاهر في إرادة التخيير له بين التمتع وغيره ، لعدم كونه حج الإسلام ، ولا ينافي الاستدلال به عليه ضرورة اقتضاء شرطيته بالنسبة إلى المندوب اشتراطه في الواجب بطريق أولى ، أو كون ذلك كيفية مخصوصة لأصل المشروعية التي لا تفاوت فيها بين الواجب والمندوب ، (١) ونصوص الناسي والجاهل بل والعامد ظاهرة في ان السبب في ذلك مراعاة تكليفه الأصلي على وجه يقتضي عدم الفرق بين الفرض وغيره ، ومع الإغضاء عن ذلك كله فلا شبهة في اندراجه في أدلة حكم أهل أرضه ، إذ لم يخرج بالمجاورة عنهم عرفا قطعا مع عدم نية الاستيطان ومقتضاه الإحرام من مهلهم ، أو يكون مارا على غيره قاصدا إلى مكة ، لا إذا كان قصده الخروج منها إلى الإحرام منه ، فإنه حينئذ لا يندرج في تلك الأدلة الآمرة بالإحرام لأهل قطر إذا مر على ميقات غيره قاصدا إلى مكة وانه لا يتجاوزه غير محرم.

ومن ذلك حينئذ يظهر وجه الشرطية في الإحرام من مهل أرضه على وجه لا يجزيه الإحرام من غيره مع فرض كونه في حال لا يصدق عليه انه مر عليه قاصدا الدخول إلى مكة ، كما ان منه يظهر النظر فيما في الحدائق والرياض من الحكم بجواز ذلك له مطلقا ، بل لعل منه يظهر ان إطلاق المصنف وغيره منزل على القول المزبور لحكمهم بالبقاء على فرضه الأول الذي هو ما عرفت ، لا ان المراد به الإحرام من أي ميقات وإن لم يكن على الوجه المزبور ، فيختص القول الثاني حينئذ بالمصرح به توهما له من هذه الإطلاقات ، واما القول الثالث فلم نتحققه لأحد وإن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المواقيت.

٨٦

حكي عن الحلي ، وانما استظهره الأردبيلي واحتمله تلميذه تبعا له ، لكنه واضح الضعف ، خصوصا بعد وضوح ضعف دليله كما عرفت ، فلا ريب حينئذ في أن الأقوى الأول ، هذا.

وفي المدارك هنا عن الشارح انه اعتبر في وجوب الحج الاستطاعة من البلد إلا مع انتقال الفرض فتنتقل الاستطاعة ثم قال : ولو قيل إن الاستطاعة تنتقل مع نية الدوام من ابتداء الإقامة أمكن لفقد النص المنافي هنا ، وناقشه بأنه لا دليل على اعتبار نية الدوام ، إذ المستفاد من الآية الشريفة وجوب الحج على كل متمكن منه ، والأخبار غير منافية لذلك ، بل مؤكدة له ، إذ غاية ما يستفاد منها اعتبار الزاد والراحلة مع الحاجة إليهما لا مطلقا ، بل قد ورد في عدة اخبار (١) ان حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين وروى معاوية بن عمار (٢) في الصحيح قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يمر مجتازا يريد اليمن أو غيرها من البلدان وطريقه بمكة فيدرك الناس وهم يخرجون إلى الحج فيخرج معهم إلى المشاهد ، أيجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال : نعم » وفيه ما قدمناه من اعتبار أمر شرعي في الاستطاعة ، وهو ملك الزاد والراحلة من بلد ، وعرفي كما أوضحنا ذلك في محله ، وإلا لزم الاجتزاء بحج المتسكع إذا كان له استطاعة على أداء قدر المناسك مع الرجوع إلى بلاده ، أو مطلقا بناء على عدم اعتباره في الاستطاعة ، وهو معلوم البطلان ، والله العالم.

وكيف كان فان دخل في الثالثة مقيما ثم حج انتقل فرضه الى القران أو الافراد كما صرح به جماعة ، بل نسبه غير واحد إلى المشهور ، بل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب وجوب الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٢.

٨٧

ربما عزي إلى علمائنا عدا الشيخ ، لصحيح زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « من اقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة ولا متعة له ، فقلت : لأبي جعفر عليه‌السلام : أرأيت إن كان له أهل بالعراق وأهل بمكة؟ قال : فلينظر أيهما الغالب عليه فهو من اهله » وصحيح عمر بن يزيد (٢) عن الصادق عليه‌السلام « المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلى الحج إلى سنتين ، فإذا جاور سنتين كان قاطنا وليس له ان يتمتع » وفي بعض النسخ « جاوز » بالزاء المعجمة ، خلافا للمحكي عن الإسكافي والنهاية والمبسوط والحلي فاشترطوا ثلاث سنين ، وقد اعترف غير واحد بعدم الوقوف لهم على مستند عدا الأصل الذي لم يعين القدر المزبور ، على انه مقطوع بما عرفت ، إلا ان المحكي في الدروس عن النهاية والمبسوط انتقال الفرض بالدخول في الثالثة ، قال : « ولو أقام النائي بمكة سنتين انتقل فرضه إليها في الثالثة كما في المبسوط والنهاية ، ويظهر من أكثر الروايات انه في الثانية » قلت : الموجود في النهاية « ومن جاور بمكة سنة أو سنتين جاز له ان يتمتع فيخرج إلى الميقات ويحرم بالحج متمتعا ، فان جاور بها ثلاث سنين لم يجز له التمتع ، وكان حكمه حكم أهل مكة وحاضريها » ولم تحضرني عبارة المبسوط ولعلها مثلها ، ولا ريب في ظهورها فيما ذكره الشهيد على ان يكون المراد بالمجاورة بها ثلاث سنين الدخول في الثالثة بقرينة قوله أولا : سنة أو سنتين ، وإلا لقال : أو ثلاث.

بل من ذلك يظهر ان المصنف قصد بتعبيره كما ذكر تفسير عبارة الشيخ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٢.

٨٨

وأن مراده بالمجاورة ثلاثا الدخول في الثالثة ، فلا يرد عليه ما اعترضه به في المدارك من أن حكمه بانتقال الفرض بالدخول في الثالثة مناف لما حكم به أولا من أن إقامة السنتين لا توجب انتقال الفرض ، فان إقامة سنتين انما يتحقق بالدخول في الثالثة ، وأظهر منه في ذلك عبارة القواعد ، وحينئذ يتجه الاستدلال له بالصحيحين المزبورين ، كما انه يتجه الاستدلال للقول المقابل له وهو الانتقال بالدخول في الثانية الذي يظهر من الشهيد والفاضل الأصبهاني الميل اليه بخبر عبد الله ابن سنان (١) « المجاور بمكة سنة يعمل عمل أهل مكة ـ قال الراوي : يعني يفرد الحج مع أهل مكة ـ وما كان دون السنة فله أن يتمتع » ومرسل حريز (٢) « من دخل مكة بحجة عن غيره ثم أقام سنة فهو مكي » بل وبخبري الحلبي (٣) وحماد (٤) السابقين المشتملين على مجاورة السنة أو السنتين بناء على انه لا معنى لذلك إلا على إرادة الدخول في الثانية.

ومن هنا بان لك صحة استظهار الشهيد له من أكثر الروايات ، بل يمكن تنزيل الصحيحين المزبورين عليه ولو بقرينة هذه النصوص التي تصلح مرجحة لإحدى النسختين في أحدهما على الأخرى أيضا التي قيل إنها لا تقبل التنزيل المزبور ، بل في كشف اللثام احتمالهما أيضا لسنتي الحج بمضي زمان يسع حجتين ؛ وهو سنة كما أن شهر الحيض ثلاثة عشر يوما ، وعلى كل حال فنجتمع نصوص السنة والسنتين والسنة أو السنتين حينئذ على معنى واحد.

نعم تبقى نصوص الستة أشهر أو أكثر ، كصحيح حفص بن البختري (٥)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣.

٨٩

عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في المجاور بمكة يخرج إلى أهله ثم يرجع إلى مكة بأي شي‌ء يدخل؟ فقال : إن كان مقامه بمكة أكثر من ستة أشهر فلا يتمتع ، وإن كان أقل من ستة أشهر فله أن يتمتع » ومرسل الحسين بن عثمان (١) وغيره عن أبي عبد الله عليه‌السلام « من أقام بمكة ستة أشهر فليس له أن يتمتع » وفي بعض النسخ « خمسة أشهر » وخبر ابن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « من أقام بمكة ستة أشهر فهو بمنزلة أهل مكة » ويمكن حملها على التقية بناء على اكتفاء العامة في صيرورته من حاضري المسجد الحرام بالاستيطان ستة أشهر ، أو الدخول في الشهر السادس ، أو على اعتبار مضي ذلك في إجراء حكم الوطن لمن قصد التوطن وفي كشف اللثام أو على إرادة بيان حكم ذي الوطنين بالنسبة إلى قيام الستة أشهر أو أقل أو أكثر ، أو غير ذلك ، وبذلك بان لك قوة القول المزبور وإن قل القائل به صريحا ، بل لم نعثر عليه ، كما أنه بان لك النظر فيما في المدارك والرياض وغيرهما.

وكيف كان فلا إشكال ولا خلاف في صيرورة المجاور بعد المدة المزبورة وإن لم تكن بقصد التوطن كالمكي في نوع الحج ، نعم عن بعض الحواشي تقييد ذلك بما إذا أراد المقام بها أبدا ، لكن عن المسالك أنه مخالف للنص والإجماع أما بالنسبة إلى غير ذلك من أحكام الحج فقد احتمله بعضهم ، فلا يشترط في وجوب الحج عليه الاستطاعة المشروطة له ولو الي الرجوع من بلده ، بل يكفي فيه استطاعة أهل مكة ، لإطلاق الآية وكثير من الأخبار ، بل ربما احتمل جريان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٤ وفيه‌ « من أقام بمكة سنة » كما في التهذيب ج ٥ ص ٤٧٦ الرقم ١٦٨٠.

٩٠

غير أحكام الحج من أحكام أهل مكة حتى الوقوف والنذور ونحوهما ، لما سمعته مما في‌ النصوص (١) « هو من أهل مكة » و « هو مكي » و « بمنزلة أهل مكة » إلا ان الجميع كما ترى مع عدم قصد التوطن ، ضرورة انسياق إرادة نوع الحج خاصة من الجميع ، فيبقى عموم أدلة استطاعة النائي بحاله ، وكذا استصحابها بل وأصل البراءة ، ودعوى ان تلك الاستطاعة شرط للتمتع ولا تمتع هنا يدفعها انها شرط وجوب الحج على النائي مطلقا ، وتعين المتعة أمر آخر ، مع انه قد يجب عليه الافراد أو القران ، نعم الظاهر انه كذلك مع قصد التوطن ، لصدق كونه حينئذ من أهلها وإن وجب عليه التمتع قبل السنة أو السنتين للأدلة الشرعية ، ومن ذلك يظهر ضعف القول بتقييد إطلاق الحكم المزبور في النص والفتوى بما إذا أراد المفارقة اما مع إرادة المقام ابدا فينتقل فرضه بأول سنة ، لصدق كونه حينئذ من أهلها ، لكن في الرياض ان كلا من القولين ضعيف ، لأن بين إطلاقيهما عموما وخصوصا من وجه ، لتواردهما في المجاور سنتين مثلا بنية الدوام ، وافتراق الأول عن الثاني في المجاور سنتين بغير النية ، والعكس في المجاور دون السنتين مع النية المزبورة ، فترجيح أحدهما على الآخر وجعله المقيد له غير ظاهر الوجه ، ولكن مقتضى الأصل وهو استصحاب عدم انتقال الفرض يرجح الأول ، قلت : مضافا إلى تصريح البعض به ، وبأنه المراد من إطلاق الفتوى ، بل قد يقال بظهوره من صحيح زرارة (٢) ولو بقرينة سؤاله بعد ذلك عن ذي المنزلين ، بل ومن غيره ، فتكون مقيدة لتلك النصوص التي قد يدعى ظهورها في غير متجددي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١ و ٩ والباب ٨ منها ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١.

٩١

الاستيطان ، ولو انعكس الفرض بأن أقام المكي في غيرها لم ينتقل فرضه ولو سنين للأصل وغيره بعد حرمة القياس ، إلا ان يكون بنية الاستيطان فينتقل من أول سنة ، لصدق النائي عليه حينئذ ، كما هو واضح.

ولو كان له منزلان ووطنان منزل بمكة أو حواليها مما هو دون الحد ومنزل في غيرها من البلاد التي هي خارج الحد من غير فرق بين افرادها لزمه فرض أغلبهما عليه بلا خلاف أجده فيه ، لصحيح زرارة (١) السابق الذي يمكن استفادة ترجيح أحدهما على الآخر بالغلبة منه ، أو ان المراد الغلبة التي يكون معها وطنه عرفا الغالب عليه ، ومن الأخير ينقدح احتمال عدم اختصاص الحكم بالحج ، بل يجري في القصر والتمام وإن كان لم أجد من احتمله هنا.

وعلى كل حال فان كان الأغلب مكة قبل استطاعة الحج كان عليه الافراد أو القران وإن لم يقم بها سنة أو أقل ، وإن كان غيرها فعليه التمتع إلا ان يجاور بمكة المدة المتقدمة متصلة بالاستطاعة. فإنه يكون حينئذ حكمه حكم أهل مكة وإن كان الغالب عليه الآخر كما صرح به في المدارك وكشف اللثام وغيرهما ، بل في بعضها ان ذلك اولى بالحكم المزبور من ذي المنزل الواحد ، لكن في الحدائق « ولقائل أن يقول : إن هاهنا عمومين قد تعارضا أحدهما ما دل على ان ذا المنزلين متى غلب عليه الإقامة في أحدهما وجب عليه الأخذ بفرضه أعم من ان يكون أقام بمكة سنتين أو لم يقم ، فلو فرضنا انه في كل مرة يقيم في المنزل الآفاقي خمس سنين وفي المنزل المكي سنتين أو ثلاثا فإنه يجب عليه فرض الآفاقي بمقتضى الخبر المذكور وإن كان قد أقام بمكة سنتين ، وثانيهما ما دل على ان المقيم بمكة سنتين ينتقل فرضه إلى أهل مكة أعم من ان يكون له منزل ثان أم لا ، زادت إقامته فيه أم لا ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١.

٩٢

وتخصيص احد العمومين بالآخر يحتاج إلى دليل ، وما ادعاه هذا القائل من الأولوية في حيز المنع » وفيه ان المستفاد من الأدلة السابقة كون مجاورة المدة المزبورة جهة مستقلة لانتقال الفرض ، وليست هي من افراد أحد العمومين ، فعدم إجراء حكم المنزل عليه من حيث غلبة نزوله في الآخر لا يقتضي انتفاء جريان حكم أهل مكة من حيث المجاورة المزبورة ، اللهم إلا ان يدعى اختصاص حكمها بذي المنزل الواحد ، لكنه كما ترى مناف لإطلاق النص والفتوى ، خصوصا بعد فرض جعل الغالب هو المنزل شرعا أو عرفا ، فهو في الحقيقة ذو منزل واحد.

ثم إن الظاهر إرادة الوطن من المنزل في الفتاوى ومن الأهل في النص ، فما في المدارك من أنه يستفاد من الصحيح المزبور أن الاعتبار بالأهل لا المنزل وتبعه عليه في الحدائق كما ترى ، هذا ، وفي كشف اللثام ـ بعد أن ذكر في تفسير ذي المنزلين أنهما اللذان يراد استيطانهما معا اختيارا أو اضطرارا إليهما أو إلى أحدهما لخوف مثلا ـ قال « وكذا إذا لم يرد استيطان شي‌ء من المنزلين ولا اضطرارا ، بل كان ابدا مترددا أو محبوسا فيهما ، ولو كان محبوسا في أحدهما من دون إرادة استيطانه مستوطنا للآخر ولو اضطرارا فالظاهر انه من أهل الآخر ، وصحيح زرارة (١) إنما يتناول بظاهره الاستيطان الاضطراري بل الاختياري » إلى آخره ، وفيه ما لا يخفى ، إذ لا ريب في ان المتردد والمحبوس فيهما بعد فرض كون وطنه غيرهما حكمه حكم أهل وطنه ، ولا يجري عليه حكم أغلبهما بل وكذا لو نزل على من لم يكن له وطن بل كان ابدا مترددا بينهما أو محبوسا فيهما فان إجراء حكم الأغلب قياسا على ذي المنزلين المراد منهما الوطنان واضح المنع ، بل المتجه فيه التخيير أو التمتع بناء على انه الأصل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١.

٩٣

وكيف كان ف ان تساويا واستطاع من كل منهما كان له الحج بأي الأنواع شاء بلا خلاف أجده فيه أيضا سواء كان في أحدهما أو في غيرهما ، لعدم المرجح حينئذ ، ولاندراجه في إطلاق ما دل على وجوب الحج بعد خروجه عن المقيدين ، ولو لظهورهما في غير ذي المنزلين ، بل لو سلم اندراجه فيهما كان المتجه التخيير أيضا بعد العلم بانتفاء وجوب الجمع عليه في سنتين ، كالعلم بعدم سقوط الحج عنه ، لكن مع ذلك كله والأولى له اختيار التمتع لاستفاضة النصوص بل تواترها في الأمر به على وجه يقتضي رجحانه على غيره ، أو انه الأصل في أنواع الحج ، ولعله لذا حكي عن ثاني الشهيدين احتمال تعيينه على من اشتبه حاله فلم يعلم هل هناك أغلب أو لا ، مع مساواته للأول فيما قدمناه مما يقتضي التخيير ولو لأصالة عدم غلبة أحدهما على الآخر بناء على عدم انتفاء التساوي بالأصل كما في نظائره ، ولذا افتى به هو وغيره ، ولكن مع ذلك فالأولى له التمتع أيضا لما عرفت ، بل على القول بجوازه لأهل مكة هو الأحوط.

هذا كله مع الاستطاعة من كل منهما ولو كان في غيرهما ، أما لو استطاع في أحدهما لزمه فرضه كما في كشف اللثام ، لعموم الآية والأخبار ، وعن بعض الحواشي حصر التخيير فيما لو استطاع في غيرهما ، وفيه ما لا يخفى ، ومن ذلك بان لك الحال فيما يحكى عن ثاني الشهيدين من الإشكال في حكم استطاعته ، من أصالة براءة الذمة من الوجوب حيث لا يتحقق الزائد ، ومن أن جواز النوع الخاص يقتضي الحكم باستطاعته ، ويتوجه على تقدير التخيير أن يكون إيجاب الحج باختيار المكلف لو فرض استطاعته من مكة خاصة ، إذ هو كما ترى ، بل وكذا ما في المدارك من أن هذا الاشكال منتف بناء على ما قررناه من عدم اعتبار الاستطاعة من البلد ، وتحققها بمجرد التمكن من موضع الإقامة على الوجه المعتبر ، إذ الذي قرره سابقا اعتبار استطاعة الرجوع أيضا.

٩٤

ثم لا فرق في المنزلين بين أن يسكن فيهما أو في أحدهما مكانا مغصوبا أم لا حتى لو كان جميع الصقع الذي يريد استيطانه مغصوبا ، لصدق الاستيطان عرفا وإن احتمل في كشف اللثام عدم اعتبار كونه فيه ، لكنه كما ترى ، ولا بين أن يكون بينهما مسافة القصر أو أقل ، نعم يقوى عدم العبرة بأيام عدم التكليف ، لعدم صدق الاستيطان عليها عرفا وإن استظهر احتسابها في كشف اللثام ، قال : « وإرادة الاستيطان حينئذ تتعلق بالولي قبل التمييز ، وبه أو بنفسه بعده » لكنه كما ترى ، ولا يقاس ذلك على تبعية استيطان الزوجة والمملوك ، وكذا لا يخفى عليك حال ما فيه أيضا من الوجهين في طرح أيام السفر بينهما من البين ، أو احتساب أيام التوجه إلى كل من الإقامة فيه ، ثم قال : ويجوز أن يكون لأحدهما ، قال أحدهما عليه‌السلام (١) : « من أقام بمكة ستة أشهر فهو بمنزلة أهل مكة » إذ هو كما ترى ، بل وكذا قوله أيضا : « وإن كان المجاور الذي ينتقل فرضه بالمجاورة يعم من يريد الاستيطان بمكة أبدا كما قيل أو يخص به لم يناف ما هنا ، لأنه لما كان أولا يريد الاستيطان بغير مكة ابدا جاز أن لا ينتقل فرضه ما لم يقم بمكة سنتين وإن لم يكن اقام بغيرها إلا أياما قلائل ، ولما كان أخيرا يريد الاستيطان بمكة ابدا جاز ان ينتقل فرضه إذا أقام بها سنتين وإن كان اقام بغيرها سنين ، ولما كان هذا من أول الأمر يريد الاستيطان تارة بمكة وتارة بغيرها أو مترددا اعتبر الأغلب مع استثناء المجاورة الناقلة كما نقلناه إلا على اختصاصها بمريد استيطان مكة أبدا ، فلا استثناء ، فان قلت على المختار من اختصاص هذه المسألة بمن ذكر وما تقدمها بمن لم يرد استيطان مكة ما حكم من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٤ وفيه‌ « من اقام بمكة سنة » كما تقدمت الإشارة إلى ذلك أيضا.

٩٥

يريد استيطانها ابدا بعد إن كان متوطنا لغيرها أو لم يكن مستوطنا لمكان؟ قلت : كأنه بإرادة استيطانها ابدا يجب عليه فرض أهل مكة في العام الأول ، ويحتمل ان يكون معنى هذه المسألة من كان مستوطنا بغير مكة ابدا فبدا له استيطانها ابدا لحق بالأغلب وتخير مع التساوي وإن تحقق الغلبة أو التساوي قبل سنتين والاستطاعة بعدهما ، ولكنه خلاف ظاهر صحيح زرارة » إذ هو كما ترى قليل المحصول ، وما أدري ما الذي خالجه مع وضوح الفرق بين موضوعي المسألتين حتى احتمل في المقام الاحتمال الأخير المقطوع بعدمه نصا وفتوى ، كما ان من المقطوع به إرادة الأعم مما ذكره من موضوع مسألة المقام ، ضرورة اندراج من كان مستوطنا لغير مكة أبدا أو لها كذلك ثم بدا له استيطانها أو استيطان غيرها معها فيه قطعا ، كما هو واضح ، والغلبة والتساوي انما هما في حال قصد استيطانهما ، ولا عبرة بما مضى سابقا ، والله العالم.

ويسقط الهدي أي هدي التمتع عن القارن والمفرد وجوبا بلا خلاف أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى النصوص (١) منطوقا ومفهوما نعم لا تسقط عنهما الأضحية استحبابا كغيرهما كما ستعرف تفصيل ذلك كله إن شاء الله‌ ولا يجوز القران بين الحج والعمرة بنية واحدة بلا خلاف أجده في غير القران ، بل وفيه بناء على ما سمعته سابقا من إمكان تأويل كلام ابن أبي عقيل وغيره بما لا يرجع إلى ذلك ، إلا ان المشهور هنا عده وابن الجنيد مخالفين في مقابلة المشهور القائلين بالمنع ، وقد سمعت المراد من النصوص الموهمة للجواز ، ومن هنا كان الكلام في المقام مبنيا على الكلام السابق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الذبح ـ من كتاب الحج.

٩٦

في تفسير القران ، ولذا أحال بعضهم الكلام فيه على الكلام السابق ، بل هو ظاهر جميع من تعرض للمسألتين أو صريحه ، لكن في الرياض ـ بعد أن حكي عن بعضهم اتحاد المسألتين ـ قال : « وهو كما ترى ، فان مورد هذه المسألة حرمة القران أو جوازه كما عليه الإسكافي والعماني ، وتلك أن الفارق بين المفرد والقارن ما هو من غير نظر إلى جواز القران بهذا المعنى وعدمه » قلت : هو كذلك إلا أن لازم تفسير القران بما سمعته منهما ـ مع معلومية جوازه نصا وفتوى وأنه هو أحد أقسام الحج ـ جواز القران بالمعنى المزبور ، ضرورة أنه لا معنى لتفسير القران المعلوم جوازه بالقران بالنية بناء على عدم جوازه ، وعلى كل حال فدليل الجواز حينئذ تلك النصوص (١) المستفاد منها تفسير القران بذلك ، لاقتضائها جوازه بمعنى الجمع بينهما بنية واحدة مع عدم الإحلال منهما إلا بعد الفراغ من أفعال الحج من دون تجديد إحرام للحج ، إلا أنك قد عرفت تفصيل الكلام في ذلك ، ومقتضاه عدم الفرق بين الافراد والقران إلا بسوق الهدي وعدمه ، وحينئذ فالقران بمعنى الجمع بين الحج والعمرة بنية واحدة خارج عن المراد بحج القران المعلوم شرعيته ، فالنظر إلى جوازه وعدمه وإفساده وعدمه إلى ما تقتضيه القواعد الشرعية ، ولا ريب في أنه ـ بعد معلومية كونهما نسكين مستقلين لا مدخلية لأحدهما في الآخر حتى في حج التمتع الذي قد ورد فيه دخول العمرة في الحج نحو دخول الأصابع بعضها في بعض عند التشبيك ، لكن قد عرفت تفسير المراد منه بما لا يرجع إلى جزئية العمرة من الحج وصيرورتهما فعلا واحدا ، كما هو واضح ـ لا يجوز الجمع بينهما نية على وجه التشريع والابداع كما في غيرهما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢ والباب ١٨ منها.

٩٧

من العبادات التي قد تقدم البحث في حرمة ذلك فيها ، وفي اقتضائه بطلان العبادة المشرع في نيتها ، وإن خالف فيهما معا بعض المتأخرين ، بل جزم بعدم البطلان على تقدير الإثم بذلك ، لكنه واضح الضعف ، ضرورة معلومية حرمة التشريع كضرورة اقتضائه فقد العبادة النية المعلوم اعتبارها فيها.

ولعله إلى ذلك يرجع استدلال بعضهم على الحكم في المقام بأنهما عبادتان متباينتان لا يجوز الإتيان بإحداهما إلا مع الفراغ من الأخرى ، ولا بد في النية من مقارنتها المنوي ، فهو كنية صلاة الظهر والعصر دفعة واحدة ، وإلا كان محلا للنظر ، وعدم الاجتزاء بهذه النية للآخر ما لم يكن فيها التشريع المزبور انما يقتضي فساد الأخير لا فسادهما معا ، كما هو ظاهر كل من حكم بعدم جواز القران على ما اعترف به في محكي المختلف وغيره ، وفي المسالك « وعلى المشهور لو قرن بينهما بنية واحدة بطلا ، للنهي المفسد للعبادة ، كما لو نوى صلاتين » والظاهر إرادته النهي التشريعي من النهي المذكور في كلامه كما يشعر به التشبيه بنية الصلاتين ، مضافا إلى أنا لم نعثر هنا على نهي بالخصوص إلا ما سمعته من بعض النصوص التي استدل بها الخصم في تفسير القران ، وقد مر الكلام فيها ، وكأن الوجه في اقتضائه الفساد هنا اقتضائه بطلان النية المقتضي لفساد العبادة كما أومأنا اليه.

وبذلك كله ظهر لك أن مدار البطلان وعدمه على التشريع في النية على وجه يقتضي الفساد كغيرها من العبادات ، ضرورة عدم خصوصية للمقام ، وقد ذكرنا شطرا من ذلك في الوضوء والغسل والصلاة والصوم وغيرها من العبادات ، هذا.

ولكن في كشف اللثام ـ بعد أن ذكر تعليل البطلان بفساد النية لكونها غير مشروعة ، وهو يستلزم فساد العمل ، وخصوصا الإحرام الذي عمدته النية ـ

٩٨

قال : « والتحقيق أنه إن جمع في النية على أنه محرم بهما الآن وأن ما يفعله من الأفعال أفعال لهما ، أو على أنه محرم بهما الآن ولكن الأفعال متمايزة إلا أنه لا يحل إلا بعد إتمام مناسكهما جميعا ، أو على أنه محرم بالعمرة أولا مثلا ثم بالحج بعد إتمام أفعالها من غير إحلال في البين فهو فاسد ، مع احتمال صحة الأخير بناء على أن عدم تخلل التحلل غير مبطل ، بل يقلب العمرة حجا ، وإن جمع بمعنى أنه قصد من أول الأمر الإتيان بالعمرة ثم الإهلال بالحج أو بالعكس فلا شبهة في صحة النية وأول النسكين إلا من جهة مقارنة النية للتلبية إن كانت كتكبيرة الإحرام في الصلاة ، فإن جدد للنسك الآخر نية صح أيضا ، وإلا فلا ، وفي الخلاف إذا قرن بين العمرة والحج في إحرامه لم ينعقد إحرامه إلا بالحج ، فان أتى بأفعال الحج لم يلزمه دم ، وإن أراد أن يأتي بأفعال العمرة ويحل ويجعلها متعة جاز ذلك ، ويلزمه الدم ، وبمعناه ما في المبسوط من أنه متى أحرم بهما يمضي في أيهما شاء ، وما في الجامع من أنه من كان فرضه المتعة قضى العمرة ثم حج وعليه دم ، وإن كان فرضه الحج فعله ولا دم عليه ، وكأنهما أرادا المعنى الأخير ، وأن قصده إلى ثاني النسكين عزم لا نية ، ولا ينافي صحة الأول ونيته ، وإن أرادا أحد المعنيين الأولين ـ بناء على أن الإحرام بهما إحرام بأحدهما وزيادة فغاية الأمر إلغاء الزائد لا إبطالهما جميعا ـ فيرد عليهما أنه حينئذ نوى عبادة مبتدعة ، كما إذا نوى بركعة من صلاته أنها من صلاتي الظهر والعصر جميعا ، وإن أرادا المعنى الباقي احتمل البطلان ، لأن الذي قصده من عدم التحلل في البين مخالف للشرع والصحة بناء على أنه أمر خارج عن النسك ، والواجب انما هو نيته ، ولا ينافيها نية خارج مخالف للشرع ، بل غايتها اللغو ، مع أن عدم التحلل في البين مشروع في الجملة ، ولأنه لا يبطل العمرة بل يقلبها حجة » وهو على طوله وجعله له تحقيقا مقابلا لما سمعت لا يخرج عما ذكرناه ، على أن بعضه لا يخلو من‌

٩٩

نظر ، خصوصا الأخير ، ضرورة عدم مدخلية للدخول والخروج في المعنى الابداعي والتشريعي المقتضي لفساد النية الذي هو محل البحث من غير مدخلية لوقوع ذلك منه بعد وعدمه ، وفرض جوازه خروج عن محل البحث الذي هو نية التشريع والابداع ، وما وقع من الشيخ ويحيى بن سعيد يمكن أن يكون مبنيا على بحث آخر ، وهو وجوب تعيين العمرة والحج في الإحرام ، أو يجزي إيقاعه لهما بمعنى عدم تعيين أحدهما ، وفي بعض النصوص (١) دلالة على جوازه ، وربما تسمع الكلام فيه إن شاء الله ، وهو غير ما نحن فيه ، ويؤيده ما عن الشيخ في الخلاف من الإجماع على عدم جواز القران الظاهر في إرادة الفساد فيهما ، والله العالم.

وكذا لا يجوز إدخال أحدهما على الآخر بأن ينوي الإحرام بالحج قبل التحلل من العمرة ، أو بالعمرة قبل الفراغ من أفعال الحج ، أتم الأفعال بعد ذلك أم لا ، لأنه بدعة ، وإن جاز نقل النية من أحدهما إلى الآخر اضطرارا أو اختيارا ، وحكمنا بانقلاب العمرة حجة مفردة إن أحرم بالحج قبل التقصير ، ولعل العمدة في ذلك ما قيل من أن الحكم المزبور كأنه إجماعي ، بل عن الخلاف والسرائر دعواه صريحا ، وإلا فلا دليل على بطلانهما معا أو أحدهما بذلك مع فرض إتمام الأفعال ، وعدم صدور غير النية منه ، بل لعل إطلاق الأدلة يقتضي الصحة ، والقياس على إحرام العصر مثلا في أثناء الظهر ليس من مذهبنا ، على أن البحث في فساد الظهر حينئذ معروف وان كبر للإحرام للعصر في أثنائها ، لعدم كون ذلك زيادة ركن فيها ، وتوقيفية العبادة لا ينافي الاستدلال على صحتها بالأصل والإطلاق بناء على الأعمية ، وقوله تعالى (٢) :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

١٠٠