جواهر الكلام - ج ١٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

عني مناسككم » ولعله لذا كان المحكي عن الخلاف والنهاية أن لهما التأخير إلى أي وقت شاءا ، والتعجيل أفضل ، وهو بإطلاقه يتناول التقديم على الموقفين.

وعلى كل حال فمن ذلك كله يظهر لك ضعف المحكي عن ابن إدريس من عدم جواز التقديم للأصل الذي هو غير أصيل كما قرر في محله ، وللاحتياط للإجماع على الصحبة مع التأخير الذي هو غير واجب مع إطلاق الأدلة ، فضلا عما عرفت من خصوصها ، قيل : وللإجماع على وجوب التأخير ، ورد بأن الشيخ ادعى الإجماع على الجواز ، وهو أدرى منه بذلك ، لكن في كشف اللثام أنه لم يحك الإجماع على ذلك وانما حكى الإجماع المزبور ، ولا الشيخ حكى الإجماع على الجواز وقد يستدل لابن إدريس بصحيح ابن أذينة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « في هؤلاء الذين يفردون الحج إذا قدموا مكة وطافوا بالبيت أحلوا وإذا لبوا أحرموا ، فلا يزال يحل ويعقد حتى يخرج إلى منى بلا حج ولا عمرة » وصحيح زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « قلت له : ما أفضل ما حج الناس؟ فقال : عمرة في رجب وحجة مفردة في عامها ، فقلت : فالذي يلي هذا قال : المتعة قلت : وكيف يتمتع؟ فقال : يأتي الوقت فيلبي بالحج فإذا أتى مكة طاف وسعى وأحل من كل شي‌ء وهو محتبس وليس له أن يخرج من مكة حتى يحج ، قلت : فما الذي يلي هذا؟ قال : القران ، والقران أن يسوق الهدي ، قلت : فما الذي يلي هذا؟ قال : عمرة مفردة ويذهب حيث شاء ، فإن أقام بمكة إلى الحج فعمرته تامة وحجته ناقصة مكية ، قلت : فما الذي يلي هذا؟ قال : ما يفعل الناس اليوم يفردون‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١٨.

(٢) ذكر صدره وذيله في الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٢٣ وقطعة منه في الباب ٥ منها ـ الحديث ١.

٦١

الحج ، فإذا قدموا مكة وطافوا بالبيت أحلوا ، وإذا لبوا أحرموا ، فلا يزال يحل ويعقد حتى يخرج إلى منى بلا حج ولا عمرة » بناء على إرادة بطلان حجهم فيهما بتقديم طوافه المقتضي للتحلل المزبور وإن كان فيه منع كما ستعرف إن شاء الله.

نعم لا يجوز تقديمه في حج التمتع لغير عذر بلا خلاف محقق أجده فيه كما اعترف به غير واحد ، بل عن المعتبر والمنتهى والتذكرة إجماع العلماء كافة عليه لخبر أبي بصير (١) « قلت : رجل كان متمتعا فأهل بالحج قال : لا يطوف بالبيت حتى يأتي عرفات ، فان هو طاف قبل أن يأتي منى من غير علة فلا يعتد بذلك الطواف » المنجبر بما سمعت ، وبمفهوم‌ خبر صفوان بن يحيى الأزرق (٢) سأل أبا الحسن عليه‌السلام « عن امرأة تمتعت بالعمرة إلى الحج ففرغت من طواف العمرة وخافت الطمث قبل يوم النحر يصلح لها أن تعجل طوافها طواف الحج قبل أن تأتي منى ، قال : إذا خافت أن تضطر إلى ذلك فعلت » وخبر إسحاق بن عمار (٣) سأل أبا الحسن عليه‌السلام عن المتمتع إذا كان شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض تعجل طواف الحج قبل أن تأتي منى فقال : نعم ، من كان هكذا فليعجل » بل وحسن الحلبي ومعاوية بن عمار (٤) « لا بأس بتعجيل الطواف للشيخ الكبير والمرأة تخاف الحيض ، قبل ان تخرج إلى منى » بل‌ وخبر إسماعيل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٤ عن حفص بن البختري ومعاوية بن عمار وحماد عن الحلبي جميعا عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

٦٢

ابن عبد الخالق (١) « لا بأس أن يعجل الشيخ الكبير والمريض والمرأة والمعلول طواف الحج قبل أن يخرج إلى منى » وغير ذلك من النصوص التي يمكن دعوى حصول القطع منها باعتبار العذر في جواز التقديم.

فمن الغريب وسوسة المحقق الشيخ حسن في المحكي من منتقاه والسيد في مداركه في الحكم المزبور لإطلاق نصوص صحيحة في جوازه محمولة على التفصيل المزبور ، وما أبعد ما بينهما وبين الحلي فلم يجوزه حتى للضرورة اطراحا للأخبار المزبورة ، ولا يخفى ضعفهما معا ، وكذا ما يحكى عنه من عدم جواز تقديم طواف النساء ولو للضرورة ، إذ هو مع أنه مخالف للمشهور أيضا مناف لقول الكاظم عليه‌السلام في صحيح ابن يقطين (٢) : « لا بأس بتعجيل طواف الحج وطواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى ، وكذلك لا بأس لمن خاف أمرا لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف ويودع البيت ثم يمر كما هو من منى إذا كان خائفا » نعم في‌ خبر علي بن أبي حمزة (٣) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل يدخل مكة ومعه نساء وقد أمرهن فتمتعن قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة فخشي على بعضهن الحيض فقال : إذا فرغن من متعتهن وأحللن فلينظر إلى التي يخاف عليها الحيض فيأمرها فتغتسل وتهل بالحج من مكانها ثم تطوف بالبيت وبالصفا والمروة ، فإن حدث بها شي‌ء قضت بقية المناسك وهي طامث ، قال : فقلت : أليس قد بقي طواف النساء؟ قال : بلى قلت : فهي مرتهنة حتى تفرغ منه قال : نعم ، قلت : فلم لا يتركها حتى تقضي مناسكها؟ قال : يبقى عليها نسك واحد أهون عليها من أن تبقى عليها المناسك كلها مخافة الحدثان ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٥.

٦٣

قلت : أبى الجمال أن يقيم عليها والرفقة قال : ليس لهم ذلك تستعدي عليهم حتى يقيموا عليها حتى تطهر وتقضي مناسكها » وهو مع شدة ضعفه ومخالفة ذيله قواعد المذهب قيل : ليس لابن إدريس الاستدلال به لتجويزه تقديم طواف الحج ، ويمكن حمله على إرادة أفضلية التأخير مع العذر أيضا كما حمل عليه قول الشيخ في محكي الخلاف : « روى أصحابنا رخصة في جواز تقديم الطواف والسعي قبل الخروج إلى منى وعرفات ، والأفضل أن لا يطوف طواف الحج إلا يوم النحر إن كان متمتعا » وإن كان ظاهره الجواز مطلقا اختيارا ، كما أن ظاهر المحكي من موضع من التذكرة احتمال الجواز وانه قال به الشافعي ، قال : « وردت رخصة في جواز تقديم الطواف والسعي على الخروج إلى منى وعرفات ، وبه قال الشافعي لما رواه‌ العامة (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من قدم شيئا قبل شي‌ء فلا حرج » ومن طريق الخاصة خبر صفوان بن يحيى الأزرق الذي سمعته » إلى آخره ، ثم قال : إذا ثبت هذا فالأولى تقييد الجواز بالعذر ، وأما عموم‌ قوله عليه‌السلام لإسحاق ابن عمار : « انما طواف النساء بعد أن تأتي منى » فمخصوص بما عرفت ، فلا ريب في أن الأقوى الجواز مع العذر ، وربما يأتي لذلك كله تتمة إن شاء الله.

وكيف كان فقد ظهر لك ان للقارن والمفرد الطواف مندوبا وواجبا لكن يجددان التلبية عند كل طواف لئلا يحلا على قول محكي عن الشيخ في المبسوط والخلاف والنهاية والشهيدين في حاشية الإرشاد والمسالك والروضة ، بل قال الشهيد « إن الفتوى به مشهورة ، ودليله ظاهر ، والمعارض منتف ».

وقيل والقائل الشيخ في محكي التهذيب انما يحل المفرد دون السائق‌

__________________

(١) كنز العمال ج ٣ ص ٥٩ الرقم ١٠٧٥.

٦٤

واختاره في الرياض حاكيا عن الذخيرة انه استظهره ، وقيل كما عن المرتضى والمفيد عكس ذلك وان كنا لم نتحققه.

والحق عند الحلي والمصنف والفاضل وولده انه لا يحل أحدهما إلا بالنية لكن الأولى تجديد التلبية عقيب صلاة الطواف بل في التنقيح نسبته إلى المتأخرين ، فتكون الأقوال حينئذ أربعة ، لكن يظهر من محكي التذكرة الإجماع على خلاف الشيخ ، حيث قال بعد ان حكى قوله المزبور : وأنكر ابن إدريس وكافة العلماء ذلك ، كما أن ظاهره الإجماع ممن عدا الشيخ على موافقة ابن إدريس ، وكيف كان فالذي عثرنا عليه من النصوص في المقام ـ مضافا إلى ما تقدم سابقا مما لا يخفى عليك دلالته كحسن معاوية بن عمار (١) وغيره ، بل ونصوص حجة الوداع (٢) صحيح ابن الحجاج (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني أريد جوار مكة كيف أصنع؟ فقال : إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج إلى الجعرانة فأحرم منها بالحج ، فقلت له : كيف أصنع إذا دخلت مكة أقيم بها إلى يوم التروية ولا أطوف بالبيت؟ قال : تقيم عشرة لا تأتي البيت ، إن عشرا لكثير ، ان البيت ليس بمهجور ولكن إذا دخلت فطف بالبيت واسع بين الصفا والمروة ، فقلت : أليس كل من طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة فقد أحل؟ قال : إنك تعقد بالتلبية ، ثم قال : كلما طفت طوافا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣ و ١٣ و ٢٤ و ٣٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١ مع الاختلاف الا ان ما في الجواهر مطابق للكافي ج ٤ ص ٣٠٠ والتهذيب ج ٥ ص ٤٦.

٦٥

وصليت ركعتين فاعقد على طوافك بالتلبية » وخبر أبي بصير (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل يفرد فيطوف للحج بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ثم يبدو له ان يجعلها عمرة قال : إن كان لبى بعد ما سعى قبل ان يقصر فلا متعة له » وصحيح معاوية بن عمار (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن رجل أفرد الحج فلما دخل مكة طاف بالبيت ثم أتى أصحابه وهم يقصرون فقصر معهم ثم ذكر بعد ما قصر انه مفرد قال ليس عليه شي‌ء إذا صلى فليجدد التلبية » وخبر إبراهيم بن ميمون (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن أصحابنا مجاورون بمكة وهم يسألوني لو قدمت عليهم كيف يصنعون ، قال : قل لهم : إذا كان هلال ذي الحجة فليخرجوا إلى التنعيم فليحرموا وليطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم يطوفوا فيعقدوا التلبية عند كل طواف » وموثق زرارة (٤) « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : من طاف بالبيت وبالصفا والمروة أحل ، أحب أو كره » ومرسل يونس بن يعقوب (٥) عن أبي الحسن عليه‌السلام « ما طاف بين هذين الحجرين الصفا والمروة أحد إلا حل إلا سائق الهدي » وصحيح زرارة (٦) « جاء رجل إلى أبي جعفر عليه‌السلام وهو خلف المقام فقال : اني قرنت بين حج وعمرة ، فقال له : هل طفت بالبيت قال نعم ، فقال هل سقت الهدي؟ قال : لا ، قال : فأخذ أبو جعفر عليه‌السلام بشعره‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التقصير ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٦.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٧.

٦٦

وقال : أحللت والله » وحسن معاوية بن عمار (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل لبى بالحج مفردا فقدم مكة وطاف بالبيت وصلى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام وسعى بين الصفا والمروة فقال : فليحل وليجعلها متعة الا ان يكون ساق الهدي » وموثق زرارة (٢) « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : من طاف بالبيت والصفا والمروة أحل ، أحب أو كره إلا من اعتمر في عامه ذلك أو ساق الهدي وأشعره وقلده » وخبر الفضل (٣) المروي في محكي العلل عن الرضا عليه‌السلام « أنهم أمروا بالتمتع إلى الحج لأنه تخفيف ـ الى ان قال ـ وان لا يكون الطواف محظورا لان المحرم إذا طاف بالبيت أحل ، فلولا التمتع لم يكن للحاج ان يطوف ، لأنه ان طاف أحل وأفسد إحرامه ، وخرج منه قبل أداء الحج » وخبر صفوان (٤) « قلت لأبي الحسن علي بن موسى عليه‌السلام ان ابن السراج : روى عنك أنه سألك عن الرجل يهل بالحج ثم يدخل مكة وطاف بالبيت سبعا وسعى بين الصفا والمروة فيفسخ ذلك ويجعلها متعة ، فقلت له : لا ، فقال : قد سألني عن ذلك وقلت له : لا ، وله ان يحل ويجعلها متعة ، وآخر عهدي بأبي انه دخل على الفضل بن الربيع وعليه ثوبان وساج فقال له الفضل : يا أبا الحسن لنا بك أسوة ، أنت مفرد للحج وانا مفرد للحج ، فقال له أبي : لا ما انا مفرد انا متمتع ، فقال له الفضل بن الربيع : فلي الآن ان أتمتع فقد طفت بالبيت؟ فقال له أبي : نعم فذهب بها محمد بن جعفر إلى سفيان بن عيينة وأصحابه فقال لهم : ان موسى بن جعفر عليه‌السلام قال للفضل بن الربيع كذا وكذا يشنع بها على أبي ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٠ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٦.

٦٧

ولا يخفى عليك دلالة كل من هذه النصوص بالنسبة إلى الأقوال السابقة حتى قول المصنف ، ضرورة ظهور الخبر الأخير في ان ذلك له إن شاء ، بل لعل‌ قوله عليه‌السلام في حسن معاوية السابق « فليحل وليجعلها متعة » كذلك أيضا ، بل قد يرشد إليه أيضا مرسل يونس (١) وصحيح زرارة (٢) وموثقه (٣) وغيرها من النصوص التي هي كالصريحة في ان القارن لا يحل حتى يبلغ الهدي محله وإن طاف ولم يلب ، ولا معارض لها إلا الإطلاق المقيد بها وخصوص حسن ابن عمار السابق الذي جعل فيه القارن بمنزلة المفرد ، ويمكن إرادة العازم على الحج والعمرة من القارن فيه كما سمعت التصريح به في صحيح زرارة ، مع انه متحد لا يعارض المتعدد المعتضد بالأصل وبغيره.

ومن هنا ظهر لك وجه القول الثاني الذي اختاره في الرياض ، قلت : إلا أن المتجه حمل الحسن المزبور على الندب ، ومنه يظهر رجحان قول المصنف ، ضرورة حصول الظن بإرادة الندب فيهما ، لظهور الخبر المزبور في اتحاد حكمهما وعدم الفرق بينهما ، ولذا جمعهما بأمر واحد ، فقال : « يعقدان ما أحلا من الطواف بالتلبية » كل ذلك مع شدة استبعاد الإحلال قهرا واستبعاد الانقلاب عمرة كذلك ، خصوصا في الطواف المندوب الذي قد عرفت جوازه من القارن والمفرد ، وخصوصا فيمن كان فرضه ذلك ، لأن انقلاب طواف حجه أو زيارته إلى عمرة تمتع قهرا عليه بمجرد ترك التلبية مما لا تصلح لإثباته الأدلة المزبورة ، خصوصا بعد معلومية توقف الإحلال على التقصير نصا وفتوى ، واحتمال تخصيص ذلك بما هنا ليس بأولى من العكس على معنى أن له الإحلال به إن شاء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٥ من أبواب أقسام الحج الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ٥ من أبواب أقسام الحج الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ٥ من أبواب أقسام الحج الحديث ٥.

٦٨

في مقام يجوز له العدول إلى العمرة ، وهو عين مختار المصنف ، إذ الظاهر كما اعترف به في المدارك أن مراده ومن قال بمقالته بالنية أنه لا يحل الحاج المقدم طوافه وسعيه إلا بنية العدول بذلك إلى العمرة حيث يسوغ له ذلك ، كما إذا كان الحج إفرادا غير متعين عليه ، ومن ذلك يعلم النظر فيما ذكره المحقق الثاني معترضا به على المصنف بعد أن جعل مراده بالنية نية التحلل بالطواف ، قال : « ان اعتبار النية لا يكاد يتحقق ، لأن الطواف منهي عنه إذا قصد به التحلل ، فيكون فاسدا فلا يعتد به في كونه محللا ، لعدم صدق الطواف الشرعي حينئذ والرواية الواردة بالفرق بين القارن والمفرد ضعيفة ، فالأصح عدم الفرق ـ الى أن قال : ـ فعلى هذا هل يحتاج إلى طواف للعمرة أم لا؟ فيه وجهان ، كل منهما مشكل ، اما الأول فلأنه إذا احتيج اليه لم يكن لهذا الطواف تأثير في الإحلال ، وهو باطل ، وأما الثاني فلأن إجزاءه عن طواف العمرة بغير نية أيضا معلوم البطلان » إذ هو كما ترى ، ضرورة أنك قد عرفت إرادة القائل بالنية أن له العدول حيث يجوز له لا مطلقا ، فلا يرد شي‌ء مما ذكره ، كما لا إشكال فيما فرعه مما هو مبني على أصل فاسد ، إذ مرجع كلام المصنف ان الحكم في هذه المسألة هو حكم المسألة الآتية ، وهي جواز العدول للمفرد إلى التمتع حيث يجوز له ، وأنه لا انقلاب قهري ، وربما يؤيده انه لا وجه لعقد إحرامه بالتلبية من دون قصد لذلك بعد فرضنا تحقق الإحلال بالطواف كما هو ظاهر النصوص المزبورة ، وبه جزم في الحدائق ، بل في المدارك انه توهمه بعض المتأخرين ، ومن هنا جعل بعضهم المراد من النصوص توقف بقاء الإحرام السابق على التلبية لا أن التحليل حصل بالطواف والتلبية عاقدة له ، لكنه كما ترى مناف لظاهرها وليس بأولى حينئذ من القول بكون المراد بذلك الكناية عن جواز العدول له وعدمه ، فان اختار الأول ترك التلبية وقصر وجعل تلك الأفعال عمرة ، وان‌

٦٩

شاء بقي ملبيا بحجه ولا يعدل عنه.

وربما يؤيد قول المصنف أيضا ما ذكروه في توجيه القول بوجوب تجديد التلبية للقارن دون المفرد بأن انقلاب حج المفرد إلى العمرة جائز دون حج القارن ، فالمفرد لا بأس عليه إن لم يجددها ، فإن غاية امره انقلاب حجته عمرة ، وهو جائز بخلاف القارن ، فإنه ان لم يجددها لزم انقلاب حجته عمرة وهو لا يجوز ، إذ هو كما ترى لا يتم إلا على إرادة ما ذكرناه ، وإلا فمع فرض كون الانقلاب قهريا لا فرق بين المفرد والقارن ، على انه قد يكون الافراد متعينا عليه ، بل قد يكون التمتع غير مشروع له ، كما انه لا وجه للوجوب الذي هو مقتضى إطلاق المحكي عن الشيخ على المفرد إذا لم يتعين عليه الإفراد ، إذ أقصاه الانقلاب ، ولا بأس به إلى غير ذلك مما يظهر بالتأمل على وجه يمكن القطع بفساد دعوى اقتضاء عدم التلبية بعد الطواف الإحلال قهرا وذكرها العقد كذلك ، من غير فرق بين المندوب منه ـ الذي هو طواف زيارة ويحتاج إلى سعي في جعله عمرة ـ والواجب ، وبين حج الافراد والقران ، بل والتمتع إذا فرض تقديم طواف حجه للضرورة.

كما أنه يظهر لك مما ذكرنا النظر في كثير من كلماتهم في المقام المشوشة غاية التشويش حتى بالنسبة إلى الانقلاب عمرة بعد التحلل بترك التلبية كما عن المبسوط والنهاية التصريح به ، بل نسب إلى جماعة ، بل ربما ظهر من بعضهم عدم خلاف فيه ، كما يظهر من آخر عدم الخلاف في كون الإحرام لا يحل منه إلا بحج أو عمرة ، لكن في المدارك ليس في الروايات دلالة على صيرورة الحج مع التحلل عمرة كما ذكره الشيخ واتباعه ، نعم ورد في‌ روايات العامة التصريح بذلك ، فإنهم رووا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) « إذا أهل الرجل بالحج ثم قدم مكة وطاف بالبيت وبين‌

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٤ ص ٣٥٦ مع الاختلاف في اللفظ.

٧٠

الصفا والمروة فقد أحل وهي عمرة » وفي الرياض بعد ان حكى عن المدارك ذلك قال : « وهو كذلك ، نعم في‌ الموثق (١) السابق « إن كان لبى بعد ما سعى قبل ان يقصر فلا متعة له » ومفهومه انه ان لم يكن لبى له متعة ، وهو نص في ان له المتعة مع النية ، أما بدونها بحيث يحصل الانقلاب إلى العمرة قهرا كما هو ظاهر الجماعة فغير مفهوم من الرواية » قلت : لكن ربما لا تكون المتعة مشروعة له ، وعلى كل حال فهو اعتراف منه بما يؤيد المختار ، كما أنه يؤيده أيضا ما سمعته من سيد المدارك من روايات العامة فإن منه يقوى الظن حينئذ بصدور جملة من الروايات المزبورة على وفقها للتقية ، وربما يرشد إليه أيضا اختلافها في ذكر التلبية العاقدة للإحرام بعد الطواف أو صلاته أو بعد السعي على وجه يشعر بكون ذلك للندب أو للتقية ، بل الأخذ بإطلاق النصوص المزبورة يقتضي إثبات أحكام غريبة يقطع الفقيه بخروجها عن مذاق الفقه وبعد التزام الأصحاب بها فتأمل جيدا.

ومما ذكرنا يظهر لك ان الأصح رجوع حكم هذه المسألة إلى المسألة الأخرى وهي انه يجوز بل يرجح للمفرد الذي تجوز له المتعة إذا دخل مكة ان يعدل إلى التمتع اختيارا فضلا عن الاضطرار بلا خلاف أجده ، بل الإجماع محكي صريحا وظاهرا عليه في جملة من الكتب كالخلاف والمعتبر والمنتهى والمدارك وغيرها ، كما ان النصوص متظافرة أو متواترة فيه وخصوصا أخبار حجة الوداع التي أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها من لم يسق هديا من أصحابه بذلك حتى قال : « انه لو استقبلت من امري ما استدبرت لم أسق هديا » وإشكالها بأن الظاهر منها ان هذا العدول على سبيل الوجوب ـ حيث انه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١.

٧١

نزل جبرئيل عليه‌السلام بوجوب التمتع على أهل الآفاق ، ومبدأ النزول كان حين فراغه من السعي ، ونزلت الآية في ذلك المقام بذلك ، فأمرهم بجعل ما طافوا وسعوا عمرة ، حيث ان جملة من كان معه من أهل الآفاق ، وان يحلوا ويتمتعوا بها إلى الحج ، فهو ليس مما نحن فيه من جواز العدول وعدمه في شي‌ء ـ يدفعه ان امره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جميع أصحابه بذلك مع القطع بأن منهم من أدى حجة الإسلام أوضح شي‌ء في الدلالة على المطلوب ، ولا ينافيه شموله أيضا لمن وجب عليه الحج

نعم الظاهر اختصاص الحكم المزبور بمن جازت المتعة في حقه ، أما من تعين عليه غيرها بأصل الشرع أو بعارضه فلا يجوز له العدول ، للأصل بعد قصور أدلة العدول عن تناول مثل ذلك ، وتناول امره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالعدول لمن وجب عليه الحج في ذلك العام لا يقتضي جوازه لمن لم تشرع المتعة في حقه كحاضري مكة ، بل أقصاه العدول إلى التمتع الذي هو فرضهم عند نزول الآية وكان ممكنا لهم لمشروعية العدول ، وهو غير جواز العدول في الأثناء لمن لم يشرع التمتع له في الابتداء ، كما هو واضح ، وحينئذ فلا حاجة الى ما أطنب به في الرياض من الجواب عن ذلك بدعوى كون التعارض بين هذه النصوص وبين ما دل على كون الافراد فرض حاضري مكة من وجه ، ولا ترجيح ، فالأخذ بالمتيقن واجب ، وهو عدم جواز العدول ، وحينئذ فما عن المسالك من أن التخصيص بذلك بعبد عن ظاهر النص في غير محله ، هذا وفي المدارك « لا يخفى ان العدول انما يتحقق إذا لم يكن ذلك في نية المفرد ابتداء ، وإلا لم يقع الحج صحيحا من أصله ، لعدم تعلق النية بحج الافراد ، فلا يتحقق العدول عنه ، كما هو واضح » وفيه منع توقف تحقق العدول على ذلك أولا ، ومنع انحصار عنوان‌

٧٢

الحكم في العدول ثانيا ، على ان في‌ الموثق والصحيح (١) المروي عن الكشي عن عبيد بن زرارة « وعليك بالحج ان تهل بالافراد وتنوي الفسخ إذا قدمت مكة وطفت وسعيت فسخت وأهللت به وقلبت الحج عمرة وأحللت إلى يوم التروية ، ثم استأنفت الإهلال بالحج مفردا إلى منى ـ إلى ان قال ـ : فكذلك حج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهكذا أمر أصحابه ان يفعلوا ان يفسخوا ما أهلوا به ويقلبوا الحج عمرة ».

وعلى كل حال فقد عرفت انه لا إشكال ولا خلاف في أصل جواز العدول نصا وفتوى ، لكن عن أبي علي اشتراط العدول بالجهل بوجوب العمرة ، وهو واضح الضعف ، نعم قد يقال باشتراطه بعدم وقوع التلبية بعد طوافه كما عنه أيضا بل وعن غيره ، للموثق (٢) المتقدم في المسألة السابقة المؤيد بما يظهر من غيره من انها عاقدة للإحرام ، إلا انك قد عرفت حمل تلك النصوص على ضرب من التقية أو غيرها ، وان الاعتبار بالنية والقصد كما سمعته من ابن إدريس ، وإلا فلا مدخل للتلبية وجودا وعدما ، إلا ان يراد بها الكناية عن اختيار عدم العدول أما مع فرض عدم قصده ذلك بذكرها فلا يبعد جواز العدول له بعدها ، لإطلاق الأدلة السابقة السالمة عن معارضة الموثق المزبور بعد تنزيله على ما عرفت ، فلا تقدح حينئذ لو وقعت بعد الطواف المنوي به العدول بطريق اولى ، لسبق النية التي يدور العمل عليها ، إذ لو سلم العمل بالموثق المزبور فأقصاه عدم جواز العدول لمن لبى ، لا إبطال التلبية للعدول ، مع انك قد عرفت تنزيله على ما سمعت ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١١ عن عبد الله بن زرارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١.

٧٣

فيبقى إطلاق الأدلة حينئذ سالما عن المعارض ، حتى أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابه بالعدول بعد تمام السعي مقتصرا في الاستثناء على سوق الهدي ، وفي الرياض انه عزاه بعض الأصحاب إلى الأكثر ، قال : خلافا لظاهر التحرير والمنتهى وتردد الشهيد ، وبذلك يظهر لك ما في كتب غير واحد من الأصحاب ، فلاحظ وتأمل.

هذا كله في العدول إلى عمرة التمتع ، وهل له العدول إلى عمرة مفردة اختيارا؟ احتمال لا يخلو من قوة وإن كان الأحوط عدمه كما في كشف اللثام ، وفي بعض النصوص جواز العدول بالعمرة المفردة في أشهر الحج إلى التمتع ، كما ان منه يظهر لك الوجه فيما في الدروس ، قال : وكما يجوز فسخ الحج إلى العمرة يجوز نقل العمرة المفردة إلى المتعة إذا أحل بها في أشهر الحج إلا لمن لبى بعد طوافه وسعيه ، فان لبى فلا ، وفي التلبية بعد النقل تردد ، وابن إدريس لم يعتبر التلبية بل النية ، وكذا حكم تلبية فاسخ الحج إلى العمرة ، وابن الجنيد جوز العدولين ، وشرط في العدول من الحج إلى المتعة ان يكون جاهلا بوجوب العمرة ، وان لا يكون قد ساق ، ولا لبى بعد طوافه وسعيه ، ولا يخفى عليك الحال بعد الإحاطة بما ذكرنا والله العالم.

ولا يجوز ذلك أي العدول المزبور اختيارا للقارن بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص (١) يمكن دعوى تواترها فيه ، بل مقتضى إطلاقها كالفتاوى عدم الفرق بين من تعين عليه القران قبل الإحرام به أم لا ، لتعينه عليه بالسياق ، نعم إذا عطب هديه قبل مكة ولم يجب عليه الابدال فهل يصير كالمفرد في جواز العدول؟ قد احتمل بعضهم ذلك ، لتعليل المنع عنه في الأخبار (٢) بأنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله ، ولا يخلو من نظر ، وقد سمعت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ و ٥ ـ من أبواب أقسام الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج.

٧٤

القول بانتقاله قهرا إلى العمرة مع ترك التلبية بعد الطواف وإن أثم بذلك ، لكن قد عرفت ضعفه ولو لأدلة المقام الظاهرة في ذلك أيضا.

وبذلك وما تقدم سابقا وغيره مما يأتي يظهر لك أن حج التمتع يمتاز عن قسيميه بأمور :

منها أن العمرة والحج في التمتع بجميع أفراده مرتبطان لا ينفك أحدهما عن الآخر إجماعا ونصا ، بخلافهما فإنه يجوز الإتيان بأحد النسكين دون الآخر في التطوع وفي الواجب مع اختصاص السبب الموجب بأحدهما ، كما لو استطاع أحدهما دون الآخر ، أو نذر أو استؤجر كذلك.

ومنها تقدم العمرة على الحج في التمتع وتأخرها عنه في الآخرين بالإجماع فيهما ، والنصوص المستفيضة في القران ، فما عن ظاهر الصدوق ـ من جواز التقديم فيهما أيضا‌ للخبر (١) « أمرتم بالحج والعمرة فلا تبالوا بأيهما بدأتم » ثم قال : يعني في العمرة المفردة الضعيف سندا بل القاصر دلالة ، بل قيل الظاهر أن المراد منه التخيير بين أنواع الحج للمتطوع ـ واضح الضعف.

ومنها اشتراط وقوع عمرته في أشهر الحج بخلافهما وإن وجب الإتيان بها فورا بعد الفراغ من الحج ، لكن الفورية غير التوقيت.

ومنها اعتبار كون النسكين في عام واحد في التمتع كما عرفت الكلام فيه مفصلا ، بخلافهما فإنه لا يشترط ذلك إلا من قبل المكلف ، لإطلاق الأدلة ، وثبوت الفورية فيما يجب منهما بالأصل لا يقتضي التوقيت ، ولا فساد الحج بتأخير العمرة عنه ، ووقوع الإحلال منه على الوجه الصحيح ، قال الشهيدان في اللمعتين : « يشترط في التمتع جمع الحج والعمرة لعام واحد ، فلو أخر الحج عن سنتها صارت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب العمرة ـ الحديث ٦.

٧٥

مفردة ، فيتبعها بطواف النساء ، أما قسيماه فلا يشترط إيقاعهما في سنة واحدة في المشهور خلافا للشيخ حيث اعتبرها في القران كالتمتع » وفي المدارك « لم نقف في هذه المسألة على رواية معتبرة تقتضي التوقيت ، لكن مقتضى وجوب الفورية التأثيم بالتأخير ، وهو لا ينافي وقوعهما في جميع أيام السنة كما قطع به الأصحاب ، نعم‌ روى الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (١) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المعتمر بعد الحج قال : إذا أمكن الموسى من رأسه فحسن » وهي لا تدل على التوقيت ، إلا أن العمل بمضمونها أولى » وفي الدروس « وقت العمرة المفردة الواجبة بأصل الشرع عند الفراغ من الحج وانقضاء أيام التشريق لرواية معاوية بن عمار (٢) السالفة أو في استقبال المحرم ، وليس هذا القدر منافيا للفورية ، وقيل يؤخرها عن الحج حتى يمكن الموسى من الرأس ، ووقت الواجبة بالسبب عند حصوله ، ووقت المندوبة جميع السنة » وهذا الكلام وإن أوهم بظاهره التوقيت لكن‌ قوله « وليس هذا القدر » إلى آخره ، وتصريحه بما ينافي ذلك في موضع آخر يقتضي الحمل على التوقيت اللازم من الفورية ، وليس ذلك توقيتا حقيقيا ، ومن الغريب إشكال ثاني الشهيدين له بوجوب إيقاع الحج والعمرة في عام واحد ، قال : « إلا أن يريد بالعام اثنى عشر شهرا » واعترضه سبطه بإمكان المناقشة في اعتبار هذا الشرط ، لعدم وضوح دليله ، وقد سمعت التصريح في كلاميهما بعدم اشتراط ذلك عند الأصحاب جميعهم أو بعضهم ، وأغرب من ذلك ما عن صاحب المفاتيح من دعوى عدم الخلاف في الشرط المذكور ، وربما أجيب عن ثاني الشهيدين بأن نفي اشتراط الجمع لا ينافي إيجابه له ، وعن سبطه بأن مراده المناقشة في الشرط المفهوم من كلام جده ، ولكن يبعد الأول قوله :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب العمرة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب العمرة ـ الحديث ١.

٧٦

« في عام واحد » والثاني فحوى الكلام ، وبالجملة فجملة من العبارات لا تخلو من تشويش واضطراب ، ولعل منشأه التباس الفورية بالتوقيت كما يلوح من بعضها.

هذا كله في العمرة الواجبة بالأصل ، وهي عمرة الإسلام ، فأما غيرها فالحكم فيها ظاهر ، ضرورة جواز ترك المندوبة ، وتبعية المنذورة لقصد الناذر ، وعدم وجوب أحد النسكين بالشروع في الآخر إلا في التمتع حيث يجب فيه الحج بالشروع في العمرة ، لكونهما فيه بمنزلة العبادة الواحدة ، قال في الدروس : وفي كلامهم وفي الروايات دلالة على وجوب حج التمتع بالشروع في العمرة وإن كانت ندبا ، والظاهر أنه لا خلاف في ذلك عندهم ، ولا في اختصاص الحكم المذكور بالتمتع.

ومنها أنه لا يجوز للمتمتع الخروج من مكة إلا محرما إلا إذا رجع قبل شهر كما في النصوص (١) وقيل بالكراهة ، ويجوز لغيره الخروج منها متى شاء من غير تحريم ولا كراهة كما صنع أبو عبد الله عليه‌السلام (٢) حيث خرج من مكة إلى العراق يوم التروية والناس يخرجون إلى منى.

ومنها أن محل الإحرام للحج للمتمتع بطن مكة ، وللمفرد والقارن أحد المواقيت أو منزلهما إن كان دون الميقات ، نعم لو كان من أهل مكة أحرم منها كالمتمتع ، لأنها أقرب إلى عرفات من الميقات ، وهي مقصد الحاج ، كمكة للمعتمر ولأنها ميقات ، ومن أتى على ميقات لزمه الإحرام منه ، بل عن التذكرة لا نعلم في ذلك خلافا.

ومنها أن محل الإحرام بالعمرة للمتمتع من الميقات أو ما في حكمه مطلقا ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب العمرة ـ الحديث ٣.

٧٧

بخلاف المفرد فإنه انما يجب عليه ذلك لو مر عليها ، أما لو كان في الحرم أحرم من ادنى الحل وإن لم يكن من اهله ، ولم يجب عليه الخروج إلى الميقات إجماعا على ما قيل.

ومنها ان المتمتع يقطع التلبية في العمرة إذا شاهد بيوت مكة ، بخلاف المفرد فإنه إنما يقطعها إذا شاهد الكعبة إن كان قد خرج من مكة للإحرام ، وإلا فإذا دخل الحرم ، وقيل بالتخيير في الأخير ، وتعرف الكلام فيه إن شاء الله.

ومنها أن طواف النساء لا يتكرر في التمتع بل انما يجب في الحج خاصة دون العمرة كما ستعرف تحقيقه إن شاء الله ، ويتكرر في القران والافراد في كل من النسكين على المشهور ، وقيل هما كالمتمتع ، وحينئذ لا فرق ، وكذا لو قيل بثبوته في عمرة التمتع مثلهما ، نعم لو قيل بثبوته في المتمتع بها دون المفردة انعكس الفرق ، ولكنه غريب ومنها أن المفرد والقارن يجوز لهما تقديم طواف الحج وسعيه على الوقوفين اختيارا على المشهور ، ولا يجوز ذلك للمتمتع بلا خلاف يعرف ، نعم قيل بالمنع فيهما ، وهو شاذ.

ومنها أنه يجوز للمفرد والقارن تأخير الطوافين والسعي بينهما عن يومي النحر والنفر فيأتي بهما طول ذي الحجة من غير كراهة ، بخلاف المتمتع الذي ورد النهي (١) فيه وإن كان في كونه تحريما أو تنزيها قولان.

ومنها أنه يجوز للمفرد والقارن إذا دخلا مكة أن يطوفا ندبا ، وفي جوازه للمتمتع بعد الإحرام بالحج قولان ، بل قيل ان أشهرهما التحريم.

ومنها أن عقد الإحرام بالتمتع لا ينعقد إلا بالتلبية ، وغيره ينعقد بها وبالاشعار والتقليد مخيرا بينهما على المشهور ، فان عقد بأحدهما أو بها وساقا الهدي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زيارة البيت.

٧٨

كان قارنا ، وإلا فمفردا.

ومنها وجوب الهدي على المتمتع دون غيره وإن كان قارنا ، لأن هدي القران لا يجب بالأصل وإن تعين للذبح بالإشعار أو التقليد ، ثم إنه يعتبر فيه السياق ولا يجوز فيه الابدال ، ولا يجب فيه الأكل ولا القسمة ، ويجزي عن صاحبه لو ضل اتفاقا على ما قيل ، وهدي التمتع ليس كذلك.

ومنها أن التمتع يعدل اليه ولا يعدل عنه اختيارا عكس الافراد ، فإنه يعدل عنه ولا يعدل اليه ، وأما القران فلا يعدل عنه ولا اليه ، هذا ، ومما سمعت ظهر لك الفرق بين القران والافراد في عقد الإحرام والهدي والعدول وبين نوعي العمرة في محل الإحرام وقطع التلبية وفي طواف النساء.

وكيف كان ف المكي إذا بعد عن أهله وحج حجة الإسلام على ميقات أحرم منه وجوبا بلا خلاف ولا إشكال ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقت المواقيت لأهلها ولمن أتى عليها من غير أهلها ، وفيها رخصة لمن كانت به علة ، فلا يجاوز الميقات إلا من علة ، بل عن الشيخ والفاضلين جواز التمتع له حينئذ ، بل في المدارك نسبته إلى الأكثر ، بل في غيرها إلى المشهور ، لصحيح عبد الرحمن ابن الحجاج (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل من أهل مكة يخرج إلى بعض الأمصار ثم يرجع إلى مكة فيمر ببعض المواقيت أله أن يتمتع؟ قال : ما أزعم أن ذلك ليس له لو فعل ، وكان الإهلال أحب إلى » وصحيحه الآخر مع عبد الرحمن ابن أعين (٢) قالا : « سألنا أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل من أهل مكة خرج إلى بعض الأمصار ثم رجع في بعض المواقيت التي وقتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إله أن يتمتع؟ فقال ما أزعم أن ذلك ليس له ، والإهلال بالحج أحب إلى ، ورأيت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١.

٧٩

من سأل أبا جعفر عليه‌السلام وذلك أول ليلة من شهر رمضان فقال له : جعلت فداك اني نويت أن أصوم بالمدينة ، قال : تصوم إن شاء الله ، فقال : وأرجو أن يكون خروجي في عشر من شوال قال : تخرج إن شاء الله ، فقال له : إني قد نويت أن أحج عنك أو عن أبيك فكيف اصنع؟ فقال له : تمتع ، فقال له : إن الله ربما من علي بزيارة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزيارتك والسلام عليك وربما حججت عنك وربما حججت عن أبيك وربما حججت عن بعض إخواني أو عن نفسي فكيف اصنع؟ فقال له : تمتع ، فرد عليه القول ثلاث مرات يقول له : اني مقيم بمكة وأهلي بها فيقول : تمتع ، وسأله بعد ذلك رجل من أصحابنا فقال : إني أريد ان أفرد عمرة هذا الشهر يعني شوال فقال له : أنت مرتهن بالحج ، فقال له الرجل : إن أهلي ومنزلي بالمدينة ولي بمكة أهل ومنزل ولي بينهما أهل ومنازل فقال له : أنت مرتهن بالحج ، فقال له الرجل : إن لي ضياعا حول مكة وأريد ان اخرج حلالا فإذا كان ابان الحج حججت » إلا أنهما كما ترى لا صراحة فيهما بحج الإسلام ، خصوصا مع بعد عدمه من المكي إلى حال الخروج المزبور ، بل لعل ظاهر الثاني منهما الذي هو خبر آخر أورد على اثر الخبر الأول الندب ، بل عن المحقق الشيخ حسن في المنتقى الجزم بصراحته في ذلك ، قال : ومنه يظهر كون المراد بالخبر الأول ذلك أيضا ، لبعد عدم حج الإسلام من المكي ، اللهم إلا ان يقال انهما لو لم يكونا فيه لم يكن الإهلال بالحج أحب إليه ، لفضل التمتع في التطوع مطلقا ، لكن قد عرفت المناقشة في ذلك منا ، بل في كشف اللثام احتمال كون ذلك للتقية ، قال : بل يجوز ان يهل بالحج تقية وينوي العمرة كما‌ قال أبو الحسن عليه‌السلام للبزنطي في الصحيح (١) : « ينوي العمرة ويحرم بالحج » ولعله لذا كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

٨٠