جواهر الكلام - ج ١٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

فلا ريب في عدم مقاومة الخبر المزبور لغيره مما سمعت من وجوه ، فمن هنا كان المتجه حمله على طواف النافلة الذي ستعرف فيما سيأتي جواز البناء فيه على الأقل من الأربع.

وما أبعد ما بينه وبين المحكي عن ابن إدريس من بطلان متعتها بعروض الحيض في أثناء الطواف ولو بعد الأربع ، وكأنه مال إليه في المدارك ، لامتناع إتمام العمرة المقتضي لعدم وقوع التحلل ، ولإطلاق صحيح محمد بن إسماعيل (١) وغيره ، إلا انه كما ترى اجتهاد في مقابلة النصوص الخاصة المعتضدة بالنصوص العامة التي لا يعارضها الإطلاق المزبور المنزل على عروض الحيض قبل حصول الطواف ، ولقد أطنب في المنتهى في نقل القولين المزبورين ودليلهما ، ثم جعل الانصاف التوسط بين القولين ، نعم لا تنقيح في كلامهم ان الحكم المزبور مختص بحال الضيق أو الأعم منه ومن السعة ، فلها حينئذ في الأخير السعي والتقصير والإحلال ثم قضاء ما عليها من الطواف بعد الإحرام بالحج ، أو انها تنتظر الطهر مع السعة باقية على إحرامها حتى تقضي طوافها وصلاته ثم تسعى وتقصر؟ قد يلوح من بعض العبارات خصوصا عبارة القواعد الأول تنزيلا للأربعة منزلة الطواف كله ، ولكن لا ريب في ان الأولى والأحوط الثاني الذي فيه المحافظة على ترتيب العمرة ، بل لعل الأولى ذلك حتى لو عرض لها الحيض بعد قضاء الطواف اجمع قبل صلاة ركعتيه ، فان متعتها صحيحة ، لأولويتها من الصورة الأولى ، لصحيح الكناني (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة طافت بالبيت في حج أو عمرة ثم حاضت قبل ان تصلي الركعتين قال : إذا طهرت فلتصل ركعتين عند‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨٨ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

٤١

مقام إبراهيم عليه‌السلام وقد قضت طوافها » ومضمر زرارة (١) « سألته عن امرأة طافت بالبيت فحاضت قبل ان تصلي الركعتين فقال : ليس عليها إذا طهرت إلا الركعتان وقد قضت الطواف » وما في المدارك واتباعها من ان في الدلالة نظرا وفي الحكم إشكالا واضح الضعف ، نعم لا دلالة فيهما على جواز فعل بقية أفعال العمرة ثم الإحلال فيها ثم قضاء الركعتين بعد ذلك مع السعة ، فالأحوط حينئذ والأولى انتظارها الطهر مع السعة ، وربما يأتي فيما بعد لذلك تتمة إن شاء الله.

وعلى كل حال فلا خلاف ولا إشكال في انه إذا صح حج التمتع الإسلامي سقطت العمرة المفردة التي هي عمرة الإسلام ، بل الإجماع بقسميه عليه ، قال الصادق عليه‌السلام في الصحيح (٢) « إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة » وقال عليه‌السلام أيضا في خبر أبي بصير (٣) : « العمرة مفروضة مثل الحج ، فإذا أدى المتعة فقد أدى العمرة المفروضة » وقال البزنطي (٤) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن العمرة أواجبة هي؟ قال : نعم قلت : فمن تمتع يجزي عنه قال : نعم » وقال : يعقوب ابن شعيب (٥) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قول الله عز وجل (٦) : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) يكفي الرجل إذا تمتع بالعمرة إلى الحج مكان العمرة المفردة قال : كذلك أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابه ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٨ ـ من أبواب الطواف الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب العمرة الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب العمرة الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب العمرة الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب العمرة الحديث ٤.

(٦) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

٤٢

هذا كله في حج التمتع‌ وأما صورة حج الافراد للمختار فهو ان يحرم من الميقات الذي ستعرفه في أشهر الحج ان كان أقرب إلى مكة من منزله أو من حيث يسوغ له الإحرام بالحج وهو منزله إن كان أقرب إلى مكة أو غيره ولو لعذر من نسيان وغيره على وجه لا يتمكن من الرجوع إلى الميقات بعد ثم يمضي إلى عرفات فيقف بها ثم إلى المشعر فيقف به ثم إلى منى فيقضي مناسكه بها ثم يأتي مكة فيه أو بعده إلى آخر ذي الحجة ف يطوف بالبيت ويصلي ركعتيه ويسعى بين الصفا والمروة ويطوف طواف النساء ويصلي ركعتيه بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك نصا وفتوى ، نعم ستعرف جواز تقديم الطواف والسعي على الموقفين على كراهة ، كما انك ستعرف تمام البحث في هذه الأمور جميعها وعليه عمرة مفردة بعد الحج والإحلال منه إن كانت قد وجبت عليه ، وإلا فإن شاء فعلها ثم يأتي بها من ادنى الحل الذي هو الأقرب والألصق بالحرم ، أو أحد المواقيت ، وبينهما إشكال أقواه الجواز وأحوطه العدم ، وربما أشعرت العبارة ونظائرها بلزوم العمرة المفردة لكل حاج مفرد ، وليس كذلك قطعا في الحج المندوب والمنذور إذا لم يتعلق النذر بالعمرة كما يدل عليه الأخبار (١) الواردة بكيفية حج الافراد ، بل صرح غير واحد من الأصحاب بأن من استطاع الحج مفردا دون العمرة وجب عليه الحج دونها ثم يراعي الاستطاعة لها ، ومن استطاعها دونه وجبت هي عليه خاصة ، وكذا صرح غير واحد من الأصحاب بأن من نذر الحج لا تجب عليه العمرة إلا ان يكون حج التمتع ، فتجب حينئذ لدخولها فيه ، وبالجملة فالمسألة لا إشكال فيها من هذه الجهة ، إنما الكلام فيمن وجبا عليه وكان ممن فرضه الافراد أو القران وحينئذ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج.

٤٣

يتعين عليه فعلها بعد الحج كما هو ظاهر بعض العبارات ، بل في الرياض ان ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه ، وفي المنتهى وغيره الإجماع عليه ، بل في مصابيح العلامة الطباطبائي التصريح بالإجماع عليه ، وفي كشف اللثام في بحث العمرة الإجماع عليه فعلا وقولا ، لكن ستعرف البحث في ذلك كله عن قريب ان شاء الله

وكيف كان فلا إشكال بل ولا خلاف في أنه يجوز وقوعها أي العمرة الواجبة في غير أشهر الحج لإطلاق الأدلة كتابا وسنة السالم عن المعارض ، وصحيح عبد الرحمن (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المعتمر بعد الحج قال : إذا أمكن الموسى من رأسه فحسن » لا يدل على التوقيت لكن بمعنى صحتها ، وإلا فستعرف البحث في وجوب الفور بها ، وعليه يتجه وجوب المبادرة فيها على من وجبت عليه بعد الفراغ من الحج ، نعم جوز الشهيد في الدروس تأخيرها إلى استقبال المحرم بناء على عدم منافاة ذلك للفورية واستشكله في المدارك ، وهو في محله.

ولو أحرم بها من دون ذلك ثم خرج إلى أدنى الحل لم يجزه الإحرام الأول الذي قد وقع باطلا لوقوعه في الحرم وافتقر إلى استئنافه جديدا ، وستعرف تفصيل هذه المباحث في محالها.

وهذا القسم والقران فرض أهل مكة ومن بينه وبينها دون اثنى عشر ميلا من كل جانب أو ثمانية وأربعين ميلا على القولين السابقين فان عدل هؤلاء إلى التمتع اضطرارا كخوف الحيض المتأخر عن النفر مع عدم إمكان تأخير العمرة إلى ان تطهر أو خوف عدو يصده أو فوات الرفقة جاز العدول حينئذ اليه ولو بعد الشروع حتى في القران بلا خلاف أجده فيه على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب العمرة ـ الحديث ٢.

٤٤

ما اعترف به غير واحد ، بل عن بعضهم دعوى الاتفاق عليه ، فان تم ذلك كان هو الحجة ، وإلا كان مشكلا ، وخصوصا في القران الذي استفاضت النصوص (١) بعدم مشروعية العدول فيه ، والاستدلال عليه بإطلاق ما دل على جواز العدول بحج الافراد إلى التمتع ـ كصحيح معاوية بن عمار (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل لبى بالحج مفردا ثم دخل مكة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة قال : فليحل وليجعلها متعة إلا ان يكون ساق الهدي فلا يستطيع ان يحل حتى يبلغ الهدي محله » وغيره ـ كما ترى ، إذ هو ـ مع انه لا يتم في القران ـ مساق لأصل بيان مشروعية العدول به إلى المتعة دون القران لا فيمن كان فرضه أحدهما ، بل ستعرف عدم مشروعية المتعة له اختيارا ، بل مقتضى إطلاق الأدلة الآتية عدم المشروعية مطلقا ، وكذا الاستدلال له بأولوية الجواز فيهما معها من الجواز في التمتع الذي هو الأفضل بالنسبة إليهما معا إذ هو ـ مع انه قياس لا نقول به بل ومع الفارق ، خصوصا بعد ظهور الأدلة في عدم مشروعيته لهم مطلقا ـ مدفوع بأن الأمر غير منحصر في ذلك ، ضرورة إمكان العدول في ذلك إلى العمرة المفردة ، والإحرام بالحج من منزله أو الميقات إن تمكن منه ، وليس فيه إلا تقديم العمرة على الحج ، ولا بأس به مع الضرورة بل لا دليل على وجوب تأخيرها عنه مع الاختيار ، بل‌ سئل الصادق عليه‌السلام في خبر إبراهيم بن عمر اليماني (٣) « عن رجل خرج في أشهر الحج معتمرا ثم خرج إلى بلاده قال : لا بأس ، وإن حج من عامه ذلك وأفرد الحج‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب العمرة ـ الحديث ٢.

٤٥

فليس عليه دم » وظاهره الإتيان بعمرة مفردة ثم حج مفرد ، وفي‌ مرسل الفقيه (١) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « أمرتم بالحج والعمرة فلا تبالوا بأيهما بدأتم » بل منه يستفاد أيضا الاستدلال بإطلاق الأدلة ، وفي‌ خبر سماعة (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « من حج معتمرا في شوال ومن نيته ان يعتمر ويرجع إلى بلاده فلا بأس بذلك ، وان هو أقام إلى الحج فهو متمتع ، وان رجع إلى بلاده ولم يقم إلى الحج فهي عمرة ، وان اعتمر في شهر رمضان أو قبله فأقام إلى الحج فليس بمتمتع ، وانما هو مجاور أفرد العمرة فإن هو أحب ان يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج ، فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بعمرة إلى الحج فان هو أحب ان يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها » وخبر عمر بن يزيد (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا « من اعتمر عمرة مفردة فله ان يخرج إلى أهله متى شاء إلا ان يدركه خروج الناس يوم التروية » إلى غير ذلك من النصوص الدالة على جواز تقديم العمرة على حج الافراد. وعدم وجوب تأخيرها عنه ، وحينئذ فلا ينحصر الأمر فيهما بالعدول إلى التمتع ، ولا يضطرون اليه ، ولعله لذلك كله كان المحكي عن ظاهر التبيان والاقتصاد والغنية والسرائر العدم في حال الضرورة ، بل لعله ظاهر كل من قال إنهما فرضهما من دون استثنائها ، ومن ذلك يعلم ما في الاتفاق ونفي الخلاف المحكيين سابقا ، كما أنه يعلم مما سمعته ما في الرياض من ان ظاهر الأصحاب الاتفاق على تأخير العمرة في حج الافراد والقران‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب العمرة ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب العمرة ـ الحديث ٩.

٤٦

عنهما ، وقد مضى عن المنتهى وغيره الإجماع على ذلك ، بل في مصابيح العلامة الطباطبائي التصريح بالإجماع على ذلك ، إلا أنه لم نتحققه ، ولعله أخذه من ظاهر العبارات التي تعرض فيها لصورة الافراد والقران ، إلا انها وإن أوهمت ذلك لكنها في بيان الفرق بينهما وبين التمتع باعتبار تقديم العمرة في الأخير بخلافهما ؛ لا ان المراد اعتبار تأخير العمرة عن الحج على كل من وجبا عليه ولو إفرادا أو قرانا ، فتأمل جيدا ، فإنه إن تم الإجماع المزبور فذاك ، وإلا كان للنظر فيه مجال ، والله العالم.

وكيف كان فما ذكرنا يعلم الحال فيما ذكره المصنف من انه هل يجوز لغير النائي ان يؤدي فرضه متمتعا ابتداء أو بعد الشروع اختيارا قيل والقائل الشيخ في أحد قوليه ويحيى بن سعيد فيما حكي عنه نعم يجوز ذلك وقيل : لا يجوز وهو الأكثر قائلا ، بل هو المشهور ، بل لم نعرف الأول لغير من عرفت ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، لظاهر ( ذلِكَ ) في الآية (١) المصرح في النصوص (٢) بإرادة الإشارة إلى التمتع منه ، وللنصوص (٣) الكثيرة المتضمنة أنه ليس لأهل مكة ولا لأهل مر ولا لأهل سرف متعة التي قد مر جملة منها في التحديد السالمة عن المعارض ، عدا ما يقال من الاستدلال للشيخ بأن المتمتع قد جاء بحج الأفراد ، ولا ينافيه زيادة العمرة قبله الذي هو ـ مع انه لا يتم في غير أهل مكة ممن إحرامه من دويرة أهله أو من الميقات ـ كما ترى ، وصحيح عبد الرحمن بن الحجاج وعبد الرحمن بن أعين (٤) سألا الكاظم عليه‌السلام

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الحج.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الحج.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١.

٤٧

« عن رجل من أهل مكة خرج إلى بعض الأمصار ثم رجع فمر ببعض المواقيت التي وقت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يتمتع ، فقال : ما أزعم ان ذلك ليس له ، والإهلال بالحج أحب الي ، ورأيت من سأل أبا جعفر عليه‌السلام وذلك أول ليلة من شهر رمضان فقال له ، جعلت فداك اني قد نويت ان أصوم بالمدينة قال : تصوم إنشاء الله ، قال وأرجو ان يكون خروجي في عشر من شوال فقال : تخرج إنشاء الله ، فقال له : إني نويت ان أحج عنك أو عن أبيك فكيف أصنع فقال له : تمتع فقال له ان الله تعالى ربما من علي بزيارة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزيارتك والسلام عليك وربما حججت عنك وربما حججت عن أبيك وربما حججت عن إخواني أو عن نفسي فكيف اصنع؟ فقال له : تمتع ، فرد عليه القول ثلاث مرات يقول له : اني مقيم بمكة وأهلي بها فيقول : تمتع » ، وصحيح عبد الرحمن بن الحجاج (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل من أهل مكة يخرج إلى بعض الأمصار ثم يرجع إلى مكة فيمر ببعض المواقيت إله أن يتمتع؟ قال : ما أزعم ان ذلك ليس له لو فعل ، وكان الإهلال أحب الي » وهما كما ترى في غير ما نحن فيه ولذا كان خيرة غير واحد ممن صرح بالمنع في الفرض الجواز فيه كما تسمع الكلام فيه إنشاء الله ، على انهما غير صريحين في حجة الإسلام بل ولا ظاهرين بل لعل أولهما ظاهر في غيرها.

نعم قيل : لو لم يكونا في حج الإسلام لم يكن معنى لقوله : « وكان الإهلال بالحج أحب إلى » لمعلومية أفضلية التمتع في الحج المندوب لأهل مكة وغيرهم ، ومن هنا قال في المدارك وغيرها إن محل الخلاف في حج الإسلام ، وأما المندوب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢.

٤٨

فلا إشكال في رجحان التمتع فيه لهم ولغيرهم ، ولعله لإطلاق ما دل على أفضليته لكن إن لم يكن إجماعا أمكن المناقشة بظهور النصوص في عدم أصل المشروعية لهم ، بل ظاهر جملة منها أو صريحها وهي الواردة في مجاوري مكة تناول المندوب أيضا وحينئذ فلا يتم الاستظهار السابق من الخبرين ، ومما ذكرنا يعلم الحال فيما في الدروس قال : واختلف في جواز التمتع للمكي اختيارا في حج الإسلام باختلاف الروايات ، فجوزه الشيخ وجوز فسخ الإفراد إليه محتجا بالإجماع ، وتبعه في المعتبر ، إذ لم نقف على الروايات المقتضية للجواز إلا ما عرفت ، كما انا لم نتحقق ما حكاه من الإجماع ، بل لعل المتحقق خلافه.

وعلى كل حال ف لو قيل بالجواز لم يلزمهم هدي لعدم فوات ميقات الإحرام لهم ، لكن قد عرفت انه نسك لا جبران ، لإطلاق الأدلة كتابا وسنة ، ولعله لذا قطع المصنف به في باب الهدي من غير خلاف ، وستسمع تمام الكلام فيه إن شاء الله.

وشروطه اي حج الإفراد ثلاثة : الأول النية التي قد عرفت البحث فيها سابقا في حج التمتع والثاني ان يقع بتمامه في أشهر الحج بلا خلاف فيه بيننا ، بل في المعتبر عليه اتفاق العلماء ، لقوله تعالى (١) : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ) لكن عن أبي حنيفة واحمد والثوري جواز الإحرام به قبلها ، والثالث ان يعقد إحرامه من ميقاته الذي يمر عليه إن كان أقرب من منزله أو من دويرة اهله ان كان منزله دون الميقات بلا خلاف فيه أيضا بيننا ، خلافا لمجاهد فإنه قال : يهل من مكة ، إنما الكلام في اعتبار الأقربية إلى مكة كما في أكثر الأخبار (٢) أو إلى عرفة ، وستعرف الكلام فيه في محله‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٩٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب المواقيت.

٤٩

ان شاء الله ، وعن المبسوط زيادة رابع ، وهو الحج من سنته ، قال في الدروس : « وفيه إيماء إلى انه لو فاته الحج انقلب إلى العمرة ، فلا يحتاج إلى قلبه عمرة في صورة الفوات » قلت : يمكن ان يقول بالبطلان حينئذ ، وعلى كل حال فأهل مكة يحرمون له من مكة قال في التذكرة : « أهل مكة يحرمون للحج من مكة ، وللعمرة من ادنى الحل سواء كان مقيما بمكة أو غير مقيم ، لأن كل من اتى على ميقات كان ميقاتا له ، ولا نعلم في ذلك خلافا » والله العالم.

وأفعال القارن وشروطه كالمفرد غير انه يتميز عنه بسياق الهدي عند إحرامه وفاقا للمشهور ، لنحو‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر منصور (١) : « الحاج عندنا على ثلاثة أوجه : حاج متمتع وحاج مفرد للحج وسائق للهدي » والسائق هو القارن ، وفي‌ خبره الآخر (٢) عن الصادق عليه‌السلام « لا يكون القارن قارنا إلا بسياق الهدي ، وعليه طوافان بالبيت ، وسعي بين الصفا والمروة كما يفعل المفرد ، وليس بأفضل من المفرد إلا بسياق الهدي » وفي‌ خبر معاوية (٣) « لا يكون قران إلا بسياق الهدي ، وعليه طواف بالبيت ، وركعتان عند مقام إبراهيم عليه‌السلام ، وسعي بين الصفا والمروة ، وطواف بعد الحج وهو طواف النساء ـ إلى ان قال ـ : واما المفرد للحج فعليه طواف بالبيت ، وركعتان عند مقام إبراهيم عليه‌السلام ، وسعي بين الصفا والمروة ، وطواف الزيارة ، وهو طواف النساء ، وليس عليه هدي ولا أضحية » وفي‌ صحيح الحلبي (٤) عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢ مع اختلاف في اللفظ.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١.

(٤) ذكر صدره في الوسائل ـ في الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٥ وقطعة منه في الباب ١٢ منها ـ الحديث ١٦ والبقية في الباب ٥ منها الحديث ٢ وتمامه في التهذيب ج ٥ ص ٤٢ الرقم ١٢٤.

٥٠

الصادق عليه‌السلام « انما نسك الذي يقرن بين الصفا والمروة مثل نسك المفرد وليس بأفضل منه إلا بسياق الهدي ، وعليه طواف بالبيت ، وصلاة ركعتين خلف المقام ، وسعي واحد بين الصفا والمروة ، وطواف بالبيت بعد الحج ، وقال : أيما رجل قرن بين الحج والعمرة فلا يصلح إلا ان يسوق الهدي قد أشعره أو قلده ، والاشعار أن يطعن في سنامها بحديدة حتى يدميها ، وإن لم يسق الهدي فليجعلها متعة » وصحيح الفضيل بن يسار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « القارن الذي يسوق الهدي عليه طواف بالبيت ، وسعي بين الصفا والمروة : وينبغي له ان يشترط مع ربه إن لم تكن حجة فعمرة » إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في اتحاد أفعال القارن والمفرد وعدم الفرق بينهما إلا بسياق الهدي.

خلافا للمحكي عن ابن أبي عقيل من أن القارن معتمر أولا ولا يحل من العمرة حتى يفرغ من الحج ، ونزل عليه‌ أخبار (٢) حج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المشتملة على طوافه وصلاة الركعتين وسعيه بين الصفا والمروة حين قدومه مكة وكذا أصحابه ولكن لم يحل هو لأنه سائق وأمر غيره ممن لم يسق بالإحلال ، وجعلها عمرة ، وقال : « لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما أمرتكم ، ولكني سقت الهدي وليس لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محله وشبك أصابعه بعضها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢ وفيه « عليه طوافان » كما في التهذيب ج ٥ ص ٤٣ الرقم ١٢٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣ و ١٣ و ٢٤ و ٣٢.

٥١

إلى بعض ، وقال : دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة » ويؤيده خلو النصوص أجمع عن اعتمار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد الحج ، بل‌ روى الصدوق في محكي العلل مسندا إلى فضيل بن عياض (١) أنه سأل الصادق عليه‌السلام « عن الاختلاف في الحج فبعضهم يقول : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مهلا بالحج ، وقال بعضهم : مهلا بالعمرة ، وقال بعضهم : خرج قارنا ، وقال بعضهم : ينتظر أمر الله عز وجل ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : علم الله عز وجل أنها حجة لا يحج بعدها ، فجمع الله له ذلك كله في سفرة واحدة ليكون جميع ذلك سنة لأمته ، فلما طاف بالبيت وبالصفا والمروة أمره جبرئيل أن يجعلها عمرة إلا من كان معه هدي فهو محبوس على هديه لا يحل ، لقوله عز وجل (٢) ( حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) فجمعت له العمرة والحج ، وكان خرج على خروج العرب الأول لأن العرب كانت لا تعرف إلا الحج ، وهو في ذلك ينتظر أمر الله ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : الناس على أمر جاهليتهم إلا ما غيره الإسلام ، وكانوا لا يرون العمرة في أشهر الحج ، وهذا الكلام من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انما كان في الوقت الذي أمرهم بفسخ الحج ، فقال : دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ، وشبك بين أصابعه يعني في أشهر الحج ، وقال فضيل : قلت : أفيعتد بشي‌ء من الجاهلية؟ قال : إن أهل الجاهلية ضيعوا كل شي‌ء من دين إبراهيم عليه‌السلام إلا الختان والتزويج والحج ، فإنهم تمسكوا بها ولم يضيعوها » بل في‌ المرسل (٣) الإنكار من عثمان على أمير المؤمنين عليه‌السلام بقرنه بين الحج والعمرة ، وقوله : « لبيك بحجة وعمرة معا ».

__________________

(١) علل الشرائع ج ٢ ص ١٠٠ الطبع الحديث مع اختلاف يسير في اللفظ.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

(٣) سنن البيهقي ج ٤ ص ٣٥٢.

٥٢

وقد سمعت ما في‌ صحيح الحلبي (١) السابق الذي منه كان المحكي عن أبي علي أنه قال : « القارن يجمع بين النسكين بنية واحدة ، فإن ساق الهدي طاف وسعى قبل الخروج إلى عرفات ولا يتحلل ، وإن لم يسق جدد الإحرام بعد الطواف ، ولا تحل له النساء وإن قصر » وهو كابن أبي عقيل في جعل القارن معتمرا أيضا ، بل ظاهر الدروس أن غيره أيضا كذلك ، وبسياق الهدي يتميز عنه القارن في المشهور ، وقال الحسن : القارن من ساق وجمع بين الحج والعمرة فلا يتحلل منها حتى يحل من الحج ، فهو عنده بمثابة المتمتع إلا في سوق الهدي وتأخير التحلل وتعدد السعي ، فإن القارن عنده يكفيه سعيه الأول عن سعيه في طواف الزيارة ، وظاهره وظاهر الصدوقين الجمع بين النسكين بنية واحدة ، وصرح ابن الجنيد بأنه يجمع بينهما ، فان ساق وجب عليه الطواف والسعي قبل الخروج إلى عرفات ، ولا يتحلل ، وإن لم يسق جدد الإحرام بعد الطواف ، ولا تحل له النساء وإن قصر ، وقال الجعفي : « القارن كالمتمتع غير أنه لا يحل حتى يأتي بالحج للسياق » وفي الخلاف انما يتحلل من أتم أفعال العمرة إذا لم يكن ساق ، فلو كان قد ساق لم يصح له التمتع ويكون قارنا عندنا ، وظاهره أن المتمتع السائق قارن ، وحكاه الفاضلان عنه ساكتين عليه.

قلت : لكن لا يخفى عليك ضعفه وإن تعدد القائل به ، إذ في‌ خبر ابن عمار (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام الوارد في حجة الوداع « انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبى بالحج مفردا وساق الهدي » وفي‌ صحيح الحلبي (٣) عنه عليه‌السلام أيضا الوارد فيها « أهل بالحج وساق مائة بدنة ، وأحرم الناس كلهم بالحج لا ينوون‌

__________________

(١) المتقدم في ص ٥٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١٣.

٥٣

عمرة ، ولا يدرون ما المتعة » وهما كالصريحين خصوصا أولهما في أنه لبى بالحج مفردا له عن العمرة ، ولا ينافي ذلك ظهور نصوص حجه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عدم اعتماره في تلك الحجة ، فإنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعتمر عمرا متفرقة ، وحينئذ فما فعله من الطواف والسعي حين قدومه ليس هو إلا للحج إلا أنه أمر غيره بالإحلال وجعل ما فعلوه للحج عمرة ، وبقي هو على إحرامه ، لأنه لم يكن يسوغ له الإحلال حتى يبلغ الهدي محله.

وأما خبر العلل (١) فهو ـ بعد الغض عن بعض ما في متنه مما يدل على كونه من غير الامام ـ يمكن حمله على إرادة جمع الله الحج والعمرة ولو لأمته لا له نفسه ، ضرورة صراحة النصوص الواردة في حجه أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يطف في البيت طوافين غير طواف النساء كما هو مقتضى الجمع بين الحج والعمرة ، بل لعل التأمل في مجموع الخبر المزبور يقتضي ظهوره فيما ذكرناه أو صراحته ، وأما المرسل المزبور فالمراد منه أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قد أهل بحج التمتع الذي هو في الحقيقة حجة وعمرة ، وأنكر عليه عثمان باعتبار مخالفته لرأي عمر ، وليس المراد أنه عليه‌السلام أحرم لهما كما يصنعه العامة ، وأما صحيح الحلبي فقد أطنبوا فيه فحمله الشيخ على إرادة اشتراط إن لم يكن حجة فعمرة من القران مستشهدا عليه بصحيح الفضيل السابق وغيره على غير ذلك ، ولكن أحسن ما يقال فيه أن « بين » الأولى فيه متعلقة بنسك ، فيكون المعنى أن الذي يقرن بحجه نسكه بين الصفا والمروة وغيرهما نسك المفرد لا يفضل عليه إلا بسياق الهدي ، فيكون حينئذ كالأخبار السابقة عليه ، وقوله عليه‌السلام فيه بعد : « أيما رجل » إلى آخره يراد به أنه لا يصلح القران بجمع الحج والعمرة ، إذ ليس القران إلا أن‌

__________________

(١) العلل ج ٢ ص ١٠٠ الطبع الحديث.

٥٤

يسوق الهدي لا كما يصنعه العامة من القران الذي هو الجمع بينهما بإحرام واحد كما حكاه العلامة في التذكرة عن العامة وعن ابن أبي عقيل منا ، بل لعل ذلك من معلومات مذهب الإمامية ، ومن هنا قيل ان مراد ابن أبي عقيل كغيره ممن سمعت بجمعهما العزم على فعلهما وإن كان الإحرام بالعمرة ؛ وإن كان هو أيضا كما ترى مناف لما سمعته من النصوص الدالة على اختصاص جواز ذلك بالتمتع دون القسمين الأخيرين والله العالم.

وعلى كل حال فيتخير القارن في عقد إحرامه بالتلبية والاشعار والتقليد وفاقا للمحكي عن الأكثر ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (١) : « يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية والاشعار والتقليد ، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم وإن لم يتكلم بقليل ولا كثير » وفي‌ خبر جميل (٢) « ولا يشعر أبدا حتى يتهيأ للإحرام ، لأنه إذا أشعر وقلد وجلل وجب عليه الإحرام ، وهي بمنزلة التلبية » ونحوه صحيح حريز (٣) عنه عليه‌السلام أيضا ، وفي‌ صحيح عمر بن يزيد (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « من أشعر بدنته فقد أحرم وإن لم يتكلم بقليل ولا كثير » خلافا للمحكي عن السيد وابن إدريس فلم يعقدا الإحرام إلا بالتلبية للاحتياط للإجماع عليها دون غيرها والتأسي ، فإنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبى بالاتفاق مع‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) : « خذوا عني مناسككم » ولكنه يعطي الوجوب لا توقف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢٠ وليس فيه‌ « وإن لم يتكلم بقليل ولا كثير » وانما هو مذكور في صحيح عمر بن يزيد كما ذكره في الجواهر.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢١.

(٥) تيسير الوصول ج ١ ص ٣١٢.

٥٥

العقد عليها ، وللمحكي عن الشيخ في الجمل والمبسوط وابني حمزة والبراج فاشترطوا العقد بهما بالعجز عن التلبية جمعا بين النصوص إلا أنه بلا شاهد.

وكيف كان ف إذا لبى استحب له إشعار ما يسوقه من البدن لقول الصادق عليه‌السلام في خبر الفضيل بن يسار (١) : « إذا انتهى إلى الوقت فليحرم ثم يشعرها ويقلدها » الحديث. وقال له عليه‌السلام يونس بن يعقوب (٢) : « إني قد اشتريت بدنة فكيف أصنع بها؟ فقال : انطلق حتى تأتي مسجد الشجرة فأفض عليك من الماء والبس ثوبيك ثم أنخها مستقبل القبلة ثم ادخل المسجد فصل ثم افرض بعد صلاتك ثم اخرج إليها فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها » ، ونحوه غيره ، وفي‌ خبر جابر (٣) « انما استحسنوا إشعار البدن لأن أول قطرة تقطر من دمها يغفر الله عز وجل له » هذا ، وفي القواعد « لو جمع بين التلبية أو أحدهما كان الثاني مستحبا » لكن في كشف اللثام في شرح ذلك بعد أن نسبه إلى الشرائع مع أن الفرق بين عبارتيهما واضح ، قال : « والأقوى الوجوب ، لإطلاق الأوامر والتأسي ، وهو ظاهر من قبلهما ، أما السيد وبنو حمزة وإدريس والبراج والشيخ في المبسوط والجمل فحالهم ظاهر مما عرفت » وفي المدارك « وأما استحباب الإشعار أو التقليد بعد التلبية فلم نقف له على نص بالخصوص ، ولعل إطلاق الأمر بهما كاف في ذلك » قلت : خصوصا بعد‌ خبر ابن عمار (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل ساق هديا ولم يقلده‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١٣ عن الفضل بن يسار وهو سهو فان الموجود في الفقيه ج ٢ ص ٢٠٩ الرقم ٩٥٤ أيضا الفضيل.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١٠.

٥٦

ولم يشعره قال : قد أجزأ عنه ما أكثر ما لا يشعر ولا يقلد ولا يجلل » انما الكلام في المستفاد من عبارة القواعد من استحباب التلبية بعد عقد الإحرام بالإشعار والتقليد ، ولعل وجهه الاحتياط ، وإطلاق الأمر بها في عقده ونحو ذلك مما يكفي في مثله ، وأما احتمال الوجوب تعبدا وان انعقد الإحرام بغيرها كما هو مقتضى ما سمعته من كشف اللثام بل قد يوهم ظاهره وجوب الاشعار والتقليد بعدها أيضا فهو في غاية البعد ، خصوصا الأخير ، فتأمل جيدا.

وكيفية الاشعار وما يستحب فيه على ما يستفاد من مجموع النصوص أن يقوم الرجل من الجانب الأيسر ويشق ويطعن سنانه بحديدة من الجانب الأيمن باركا معقولا مستقبلا بها القبلة ويلطخ صفحته بدمه ليعرف أنه هدي ، هذا إن لم تكن البدن كثيرة وإن كان معه بدن كثيرة دخل فيما بين اثنين من ها وأشعرها يمينا أولا وشمالا ثانيا ، قال الصادق عليه‌السلام في صحيح جميل (١) : « إذا كانت البدن كثيرة قام فيما بين ثنتين ثم أشعر اليمنى ثم أشعر اليسرى » ، وقال أيضا في‌ صحيح حريز (٢) : « إذا كانت بدن كثيرة فأردت أن تشعرها دخل الرجل بين كل بدنتين فيشعر هذه من الشق الأيمن وهذه من الشق الأيسر » إلى آخره ويستحب له أيضا التقليد وهو ان يعلق في رقبة المسوق نعلا خلقا قد صلى فيها‌ قال الصادق عليه‌السلام (٣) : « ثم يقلدها بنعل خلق قد صلى فيها » والظاهر البناء للمعلوم من فعل الصلاة فيها.

وكيف كان ف الاشعار والتقليد للبدن ويختص البقر والغنم بالتقليد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٤.

٥٧

لضعفها عن الاشعار ، وفي‌ صحيح زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « كان الناس يقلدون البقر والغنم ، وانما تركه الناس حديثا ، ويقلدون بخيط أو بسير » وعن ابن زهرة يعلق عليه نعلا أو مزادة ، وعن المنتهى والتذكرة نعلا صلى فيها أو خيطا أو سيرا أو ما أشبههما ، ولعله للخبر المزبور ، ولكن في الدلالة نظر ، والأمر سهل بعد كون التقليد من أصله مندوبا كالاشعار للاتفاق كما في كشف اللثام على عدم وجوب شي‌ء منهما ، والله العالم.

ولو دخل القارن أو المفرد مكة وأرادا الطواف المندوب قبل الوقوف بعرفات جاز لهما بلا خلاف أجده فيه ، بل في كشف اللثام الظاهر الاتفاق على جوازه كما في الإيضاح ، بل فيه أيضا ، ولعله مثله الواجب بنذر وشبهه ، قلت : وكان الوجه في ذلك إطلاق ما دل (٢) على رجحانه‌ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) : « الطواف بالبيت صلاة » وغيره ، وهو المراد مما في المدارك من الاستدلال عليه بالأصل السالم عن المعارض ، وفي الحدائق الاستدلال عليه أيضا بحسن معاوية بن عمار (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام سأله « عن المفرد للحج هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة؟ قال : نعم ما شاء ، ويجدد التلبية بعد الركعتين ، والقارن بتلك المنزلة ، يعقدان ما أحلا من الطواف بالتلبية » ولا بأس به وإن كان خاصا ببعض صور المدعى.

بل لا يبعد ذلك أيضا في المتمتع إذا أحرم بالحج ، وإن قيل إن الأشهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الطواف.

(٣) سنن البيهقي ج ٥ ص ٨٧ وكنز العمال ج ٣ ص ١٠ ـ الرقم ٢٠٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢.

٥٨

المنع ، لحسن الحلبي (١) « سألته عن الرجل يأتي المسجد الحرام فيطوف بالبيت قال : نعم ما لم يحرم » لكن الأولى حمله على الكراهة ، لقوة إطلاق ما دل على جوازه ، بل في‌ موثق إسحاق بن عمار (٢) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل يحرم بالحج من مكة ثم يرى البيت خاليا فيطوف قبل أن يخرج عليه شي‌ء فقال : لا » بناء على ظهوره في إرادة نفي أن يكون عليه شي‌ء ، لا النهي عن الطواف ، خصوصا بعد‌ خبر عبد الحميد بن سعد (٣) عن أبي الحسن عليه‌السلام « سألته عن رجل أحرم يوم التروية من عند المقام بالحج ثم طاف بالبيت بعد إحرامه وهو لا يرى أن ذلك لا ينبغي ، أينقض طوافه بالبيت إحرامه؟ فقال : لا ، ولكن يمضي على إحرامه » هذا.

وأما جواز تقديم الطواف الواجب للقارن والمفرد فعن المعتبر أن عليه فتوى أصحابنا ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، لإطلاق الأدلة ، وخصوص نصوص حجة الوداع (٤) وخبر زرارة (٥) سأل أبا جعفر عليه‌السلام « عن المفرد للحج يقدم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٤ مع الاختلاف.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢ والباب ١٣ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨٣ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٦ عن عبد الحميد ابن سعيد كما في التهذيب ج ٥ ص ١٦٩ ـ الرقم ٥٦٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣ و ١٣ و ٢٤ و ٣٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢ وفيه « فقال : سواء » كما في التهذيب ج ٥ ص ٤٥ و ١٣١ والكافي ج ٤ ص ٤٥٩.

٥٩

طوافه أو يؤخره فقال : هو والله سواء عجله أو أخره » وصحيح حماد بن عثمان (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مفرد الحج أيعجل طوافه أو يؤخره؟ قال : هو والله سواء عجله أو أخره » وإن احتملا إرادة التعجيل بعد مناسك منى قبل انقضاء أيام التشريق وبعده إلا أن‌ خبر أبي بصير (٢) عن الصادق عليه‌السلام لا يحتمل ذلك ، قال : « إن كنت أحرمت بالمتعة فقدمت يوم التروية فلا متعة لك ، فاجعلها حجة مفردة تطوف بالبيت وتسعى بين الصفا والمروة ثم تخرج إلى منى ولا هدي عليك » وكذا‌ خبر إسحاق بن عمار (٣) سأل الكاظم عليه‌السلام « عن المفرد للحج إذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة أيعجل طواف النساء؟ قال : لا ، انما طواف النساء بعد أن يأتي من منى » وخبر موسى بن عبد الله (٤) سأل الصادق عليه‌السلام عن مثل ذلك إلا أنه ذكر أنه قدم ليلة عرفة ، بل قد يتوقف فيما يأتي للمصنف والفاضل من الكراهة وإن استدل لها بخبر زرارة (٥) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن مفرد الحج يقدم طوافه أو يؤخره فقال : يقدمه ، فقال رجل إلى جنبه لكن شيخي لم يفعل ذلك كان إذا قدم أقام بفخ حتى إذا راح الناس إلى منى راح معهم ، فقلت له : من شيخك؟ فقال : علي بن الحسين عليه‌السلام ، فسألت عن الرجل فإذا هو أخو علي ابن الحسين عليه‌السلام لأمه » لكنه كما ترى دلالته على عدمها أظهر ، خصوصا مع التأييد بحجة الوداع التي عليها بناء المناسك ، وفيها‌ قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦) : « خذوا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١.

(٢) لم نعثر على هذا الخبر حتى الآن نعم روى ذلك عبد الله بن موسى عن الصادق عليه‌السلام كما أشار إليه صاحب الجواهر ( قده ) أيضا.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٣.

(٦) تيسير الوصول ج ١ ص ٣١٢.

٦٠