جواهر الكلام - ج ١٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

« سألنا أبا عبد الله عليه‌السلام عن النبت الذي في أرض الحرم أينزع؟ فقال : أما شي‌ء تأكله الإبل فليس به بأس أن تنتزعه » ولكن فيه انهما منافيان لما سمعت من إطلاق النص والفتوى ومعقد الإجماع ، ولعله لذا قال في التهذيب قوله عليه‌السلام : « ليس به » الى آخره ـ يعني الإبل ـ فإنه يخلي عنها ترعى كيف شاءت مستشهدا عليه بما في الصحيح الأول (١) فلا وجه لإيراده عليه في المدارك بأنه لا تنافي بين الروايتين يقتضي المصير إلى ما ذكره من التأويل ، إذ الداعي له إعراض الأصحاب عنهما ، فتأويلهما خير من طرحهما ، نعم عن الإسكافي لا اختار الرعي ، لان البعير ربما جذب النبت من أصله ، فأما ما حصده الإنسان منه وبقي أصله في الأرض فلا بأس ، وكأنه اجتهاد في مقابلة ما عرفت ، هذا. ولا فرق في الشجر بين المؤذي منه كالشوك وشبهه وغيره كما عن الفاضل التصريح به للإطلاق المزبور ، خلافا للمحكي عن الشافعي وجماعة من الجواز قياسا على الحيوان المؤذي ، والله العالم.

وكذا يحرم تغسيل المحرم لو مات وتحنيطه بالكافور بلا خلاف أجده فيه ، للمعتبرة المستفيضة التي منها‌ صحيح محمد بن مسلم (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « عن المحرم إذا مات كيف يصنع به؟ قال : يغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالحلال غير أنه لا يقربه طيبا » بل مقتضاه كغيره حرمة الطيب عليه مطلقا كافور وغيره في الغسل والحنوط وغيرهما كما هو معقد إجماع التذكرة ، والظاهر أنه غسل تام بالنسبة إليه ، فلا يجب بمسه بعده غسل على الماس وإن احتمل ، بل قيل به ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٩ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

٤٢١

ويحرم عليه أيضا لبس السلاح لغير ضرورة على المشهور كما في كشف اللثام وغيره ، لصحيح ابن سنان (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام أيحمل السلاح المحرم؟ فقال : إذا خاف المحرم عدوا أو سرقا فليلبس السلاح » وصحيحه الآخر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « المحرم إذا خاف لبس السلاح » وخبر زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « لا بأس أن يحرم الرجل وعليه السلاح إذا خاف العدو » بل في‌ صحيح الحلبي (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « المحرم إذا خاف العدو فلبس السلاح فلا كفارة عليه » وظاهره ثبوتها عليه إذا لبسه مع عدم الخوف ، إلا أنه لم نجد قائلا به كما اعترف به غير واحد ، اللهم إلا أن يحمل على ما يغطي الرأس كالمغفر ، أو يحيط بالبدن كالدرع ، ولكن حرمتهما حينئذ لذلك لا لكونهما من السلاح الذي قد يشك في شموله لهما ، وان كانت هي مع الترس من لامة الحرب ، نعم هو شامل لمثل الدبوس ونحوه ، بل قد يقال بشموله لمثل بعض الآلات التي تتخذ للحرب وإن لم يكن فيه نصل ولا محددة كالعصا ذات الرأس وغيرها ، كما عساه يومي اليه ما ذكروه في المحارب الذي هو من شهر السلاح للاخافة ، نعم لا يعد مثله ومثل حمل الرمح وآلة البندق ونحوها لبسا عرفا ، ومن ذلك يعلم كون المراد من اللبس هنا ما يشمل نحو ذلك مما هو داخل في الحكم قطعا ، وربما يشير اليه الجواب عن الحمل في السؤال باللبس المشعر باتحادهما وأن المراد كون الرجل مسلحا.

وعلى كل حال فقد قيل ولكن لم نعرف القائل قبل المصنف : انه يكره نعم هو خيرة الفاضل في المحكي عن جملة من كتبه والمصنف بقوله :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

٤٢٢

وهو الأشبه وتبعهما غيرهما للأصل المقطوع بما عرفت ، وضعف دلالة المفهوم الذي هو مفهوم شرط متفق على حجيته ، ودعوى أنه كذلك لكن إذا لم يظهر للتعليق وجه سوى نفي الحكم عما عدا محل الشرط ، وهنا ليس كذلك ، إذ لا يبعد أن يكون باعتبار عدم الاحتياج إلى لبس السلاح عند عدم الخوف كما ترى لا تستأهل جوابا ، ضرورة عدم اندفاع الظهور بمثل هذا الاحتمال ، خصوصا بعد فهم المشهور ، فالأصح حينئذ الحرمة ، بل عن الحلبيين تحريم اشتهاره أيضا وان لم يكن معه لبس ولا حمل يصدق معه أنه متسلح ، بل كان معلقا على دابة ونحوها ، بل عن التقي منهما حمله ، ولعله لأنه حينئذ كاللابس له ، ول‌ قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر الأربعمائة المروي (١) عن الخصال : « لا تخرجوا بالسيوف إلى الحرم » كما أن الأول لقول الصادق عليه‌السلام في حسن حريز (٢) : « لا ينبغي أن يدخل الحرم بسلاح إلا أن يدخله في جوالق أو يغيبه » وفي‌ خبر أبي بصير (٣) « لا بأس أن يخرج بالسلاح من بلده ، ولكن إذا دخل مكة لم يظهره » ولا ريب في أنه أحوط وإن كان الأقوى عدم الحرمة كما عساه يشعر به قول : « لا ينبغي » الذي يكون قرينة على المراد في الخبر الثاني ، خصوصا بعد ندرة القول بذلك ، كندرة القول بحرمة الحمل على وجه لا يعد به متسلحا ، والخبر المزبور ـ مع ظهوره في الحرم دون المحرم ولم نعرف قائلا به بل السيرة القطعية على خلافه ـ محمول على ضرب من الكراهة ، والله العالم.

هذا كله في المحرمات‌ وأما المكروهات ف عشرة عند المصنف‌ الإحرام في الثياب المصبوغة بالسواد لموثق الحسين بن المختار (٤) « قلت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

٤٢٣

لأبي عبد الله عليه‌السلام : يحرم الرجل في الثوب الأسود قال : لا يحرم في الثوب الأسود ولا يكفن به الميت » الظاهر في إرادة الكراهة ولو بقرينة التكفين المجمع على جوازه به ، فهو في نفسه حينئذ غير صالح لإثبات الحرمة فضلا عن أن يخص به ما دل على جواز الإحرام في كل ثوب يصلى فيه مع الإجماع بقسميه على جواز الصلاة في الثياب السود المؤيد بتظافر النصوص بالنهي عن لبس السواد كقول أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) : « لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون » وقول الصادق عليه‌السلام (٢) : « يكره السواد إلا في ثلاثة : الخف والعمامة والكساء » المحمول على الكراهة إجماعا وإن كان لا دلالة في ذلك على كراهة الإحرام بخصوصه ، فما عن المبسوط والنهاية والخلاف والوسيلة لا يجوز الإحرام فيه واضح الضعف أو محمول على الكراهة ، كما عن ابن إدريس حمله على ذلك ، والله العالم.

أو بالعصفر وهو شي‌ء معروف وشبهه مما يفيد الشهرة ولو زعفرانا أو ورسا بعد زوال ريحهما ، لخبر ابان بن تغلب (٣) « سأل أبا عبد الله عليه‌السلام أخي وأنا حاضر عن الثوب يكون مصبوغا بالعصفر ثم يغسل ألبسه وأنا محرم فقال : نعم ليس العصفر من الطيب ، ولكن أكره ان تلبس ما يشهرك به الناس » ونحوه خبر عبيد الله بن هلال أو صحيحه (٤) عنه عليه‌السلام أيضا ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢ عن عبد الله بن هلال كما في الكافي ج ٤ ص ٣٤٢.

٤٢٤

ولكنهما لا يدلان على مطلق الصبغ به بناء على عدم الشهرة إلا بالمشبع منه ، ولعله لذا خص الكراهة به في محكي المنتهى والتذكرة ، بل في الأول لا بأس بالمعصفر من الثياب ، ويكره إذا كان مشبعا ، وعليه علماؤنا ، بل في التذكرة ولا يكره إذا لم يكن مشبعا عند علمائنا ، ولا ينافي ذلك ما تسمعه من صحيح علي بن جعفر (١) المحمول على الجواز الذي لا ينافي الكراهة بما يفيد شهرة المؤيدة بما في‌ خبر عامر بن جذاعة (٢) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام أيضا « عن مصبغات الثياب يلبسها المحرم قال : لا بأس به إلا المقدمة المشهورة » وحسن الحلبي (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « لا تلبس المحرمة الحلي ولا الثياب المصبغات إلا ثوبا لا يردع » وفيما حضرني من نسخة التهذيب « إلا صبغا لا يردع » وفي القاموس الردع الزعفران أو لطخ منه أو من الدم أو أثر الطيب في الجسد ، وثوب مردوع مزعفر ، ورداع ومردع كمعظم فيه أثر طيب ، وفي وافي الكاشاني لا يردع أي لا ينفض أثره على ما يجاوره يقال به ردع من زعفران أو دم اي لطخ وأثر وردعه فارتدع اي لطخه به فتلطخ ولعل هذا هو المراد من الخبر المزبور ، وصحيح الحسين بن أبي العلاء (٤) سأله عليه‌السلام أيضا « عن الثوب يصيبه الزعفران ثم يغسل فلا يذهب أيحرم فيه؟ قال : لا بأس إذا ذهب ريحه ، ولو كان مصبوغا كله إذا ضرب إلى البياض وغسل فلا بأس » وعن أبي حنيفة تحريم الإحرام بالمعصفر لزعمه كون المعصفر طيبا ، ولعل في الخبر المزبور تعريضا للرد عليه ، وفي‌ صحيح علي بن جعفر (٥) سأل أخاه عليه‌السلام « يلبس المحرم الثوب المشبع بالعصفر فقال : إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس » ويمكن أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٤.

٤٢٥

يكون المراد من قوله عليه‌السلام في الخبر الأول : « ما يشهرك » إلى آخره ، أي المعرفة بأنه من الشيعة المخالفين لأبي حنيفة ، وعن ابن حمزة كراهة الإحرام بالثياب المقدمة والمصبوغة بطيب غير محرم عليه ـ اي غير الزعفران والورس والمسك والعنبر والعود والكافور والأدهان الطيبة ـ ولم نقف على ما يشهد له ، كما أن‌ خبر خالد بن أبي العلاء (١) قال : « رأيت أبا جعفر عليه‌السلام وعليه رداء اخضر وهو محرم » وخبر أبي بصير (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام ـ قال : « سمعته وهو يقول : كان علي عليه‌السلام محرما ومعه بعض صبيانه وعليه ثوبان مصبوغان ، فمر به عمر بن الخطاب فقال : يا أبا الحسن ما هذان الثوبان؟ فقال له علي عليه‌السلام : ما نريد أحدا يعلمنا بالسنة ، انما هما ثوبان صبغا بالمشق ، يعني الطين » اي المقر ، ويقال ثوب ممشق مصبوغ به ـ يدلان على عدم الكراهة في نحو ذلك ، مع أن الممشوق ربما يكون مقدما بل قد سمعت ما في خبر الحلبي من نهي المحرمة عن لبس كل المصبوغات إلا صبغا لا يردع ، ومقتضاه عدمها في الصبغ غير المردع ، وحينئذ فلا دليل على كراهة مطلق الصبغ ، بل مقتضى الأدلة خلافه.

وكيف كان فقول المصنف وتتأكد أي الكراهة في السواد لم نقف على ما يدل عليه ، إذ لم يحضرنا إلا ما سمعته من الخبر المزبور الدال على أصل الكراهة الزائدة على أصل اللبس ، كما أن ما في الدروس من الكراهة في مطلق المصبوغ وتتأكد في الأسود كذلك لما عرفت ، إلا أن الحكم مما يتسامح به وفي‌ خبر الدعائم (٣) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام أنه قال : « يتجرد المحرم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

(٣) ذكر صدره في المستدرك في الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١ وذيله في الباب ٣١ منها الحديث ١.

٤٢٦

في ثوبين أبيضين ، فان لم يجد فلا بأس بالصبغ ما لم يكن بزعفران أو ورس أو طيب ، وكذلك المحرمة لا تلبس مثل هذا من الصبغ » فإنه يفيد البأس مع وجود الأبيضين ، ولا أقل من الكراهة ، بل لا قائل باشتراطها بعدم وجود الأبيض ، والله العالم.

وكذا يكره النوم عليها اي الثياب المزبورة نحو ما عن ابن حمزة من كراهة النوم على ما يكره الإحرام فيه ، وعن النهاية والمبسوط والتهذيب والجامع والتذكرة والتحرير والمنتهى كراهة النوم على الفرش المصبوغة ولكن لم نظفر إلا‌ بخبر أبي بصير (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « يكره للمحرم أن ينام على الفراش الأصفر والمرفقة الصفراء » اي المخدة ، ونحوه خبر المعلى بن خنيس (٢) عن الصادق عليه‌السلام وعن المقنع الاقتصار عليه ، وفي المدارك استفادة السواد بالأولوية ، وفيه بحث ، على أنه لا يتم في المقدم الذي هو شديد الحمرة المتقدم كراهة الإحرام فيه ، اللهم إلا أن يكون ذلك من الترفه الذي لا يناسب المحرم الأشعث الأغبر.

ويكره أيضا الإحرام في الثياب الوسخة وإن كانت طاهرة لصحيح ابن مسلم (٣) سأل أحدهما عليهما‌السلام « عن الرجل يحرم في ثوب وسخ قال : لا ، ولا أقول إنه حرام ولكن تطهيره أحب إلى ، وطهوره غسله » ولو عرض له الوسخ في الأثناء أخر غسله إلى أن يحل ، لصحيح ابن مسلم (٤) عن أحدهما عليهما‌السلام أيضا « لا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحل وإن توسخ إلا أن تصيبه جنابة أو شي‌ء فيغسله » بل ظاهره المنع عن ذلك كما عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

٤٢٧

ظاهر الدروس إلا أن الأولى الكراهة كما صرح بها غير واحد.

ولبس الثياب المعلمة لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (١) : « لا بأس أن يحرم الرجل في الثوب المعلم ، وتركه أحب إلى إذا قدر على غيره » ولعل وجه الكراهة فيه يظهر مما سمعته من صحيح ابن مسلم السابق الذي أجاب فيه بالنهي أولا ثم ذكر بعد ذلك أن تطهيره أحب ، فيفهم منه الكراهة في كل شي‌ء يكون غيره أحب ، لا أن المراد منه ما يراد من افعل التفضيل المقتضي لكونه محبوبا أيضا ، بل لعل العرف أيضا يساعد على ذلك ، ولا ينافيه‌ صحيح الحلبي (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يحرم في ثوب له علم فقال : لا بأس به » إذا أقصاه الجواز ، نعم‌ صحيح ليث المرادي (٣) سأله عليه‌السلام أيضا « عن الثوب المعلم هل يحرم فيه الرجل؟ قال : نعم ، انما يكره الملحم » دال على نفي الكراهة عنه ، ويمكن ارادة شدتها ، وعن المبسوط تقييد المعلم بالإبريسم ، وفي كشف اللثام يمكن أن يكون للتنبيه بالأعلى على الأدنى ، لإمكان توهم حرمة المعلم به ، وفيه أنه يقضي حينئذ بعدم حرمة غيره من المعلم لا كراهته ، قيل : والمراد بالمعلمة بالبناء للمجهول المشتملة على لون يخالف لونها حال عملها كالثوب المحوك من لونين أو بعده بالطرز والصبغ ، والله العالم.

واستعمال الرجل الحناء للزينة عند الأكثر كما في المدارك وكشف اللثام وغيرهما ، لصحيح ابن سنان (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١ وفي الوسائل الطبع الحديث‌ « انما يحرم الملحم » إلا أن الموجود في الكافي ج ٤ ص ٣٤٢ والفقيه ج ٢ ص ٢١٦ الرقم ٩٨٧ كما في الجواهر.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

٤٢٨

« سألته عن الحناء فقال : إن المحرم ليمسه ، ويداوي به بعيره ، وما هو بطيب وما به بأس » ولكن أقصاه الجواز الذي هو مقتضى الأصل في مقابل القول بالحرمة المحكية عن المقنعة والاقتصاد وهي خيرة الفاضل في المختلف لمفهوم تعليل المنع عن الكحل بالسواد والنظر في المرآة بأنه زينة ، بل مقتضاه الحرمة وإن لم يقصد الزينة ، لما سمعته من عدم توقف صدقها على القصد ، ولعله لذا كان خيرته في المختلف ذلك إلا أن فيه أن مفهوم التعليل يخرج عنه بإطلاق نفي البأس بها ، بل وبإطلاق المس الذي هو أخص منه أو أرجح بناء على العموم من وجه ولو بالشهرة المزبورة ، وأغلبية الزينة فيها ، وعدم العمل بعموم المفهوم في الخاتم والحلي وغيرهما مما يحصل به الزينة إن لم يقصدها ، نعم لم يحضرني نص بالخصوص في الكراهة إلا‌ خبر الكناني (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن امرأة خافت الشقاق فأرادت أن تحرم هل تخضب يدها بالحناء قبل ذلك؟ قال : ما يعجبني أن تفعل » بناء على مساواة الرجل والمرأة وما قبل الإحرام لما بعده ، وأولوية الزينة المقصودة من خوف الشقاق المنزل على عدم وصوله إلى حد الضرورة ، وإلا لم يكن مكروها ، وحينئذ يكون ظاهرا في كراهة ذلك باعتبار كونه زينة وإن لم تكن مقصودة ، وهو خلاف ما صرح به غير واحد من كون المدار على القصد ، بل هو ظاهر تقييد المتن ومحكي الخلاف والتذكرة ، بل لم أجد قائلا صريحا بالكراهة على الوجه المزبور ، نعم ربما كان ظاهر إطلاق القواعد ومحكي النهاية والمبسوط والسرائر والجامع كراهة استعمالها الحناء قبل الإحرام على وجه يبقى أثره بعده إلا أنه غير شامل لباقي الصور ، ولعل الأولى التعميم ، لما عرفت ، مضافا إلى جهة الحرمة التي يمكن إرادة الكراهة مما سمعت من دليلها بالنسبة إلى ذلك بمعونة فتوى المشهور مع التسامح.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

٤٢٩

وبذلك كله يظهر لك الحال فيما ذكره المصنف بقوله وكذا للمرأة ولو قبل الإحرام إذا قارنته لكن في المدارك ـ بعد أن حكى عن جده في المسالك عدم الفرق بين الواقع بعد نية الإحرام وبين السابق عليه إذا كان يبقى بعده ، وأنه جزم في الروضة بتحريم الحناء قبل الإحرام إذا بقي أثره إليه ـ قال : « والرواية قاصرة عن إفادة ذلك ، ويستفاد منها أن محل الكراهة استعماله عند إرادة الإحرام ، وعلى هذا فلا يكون استعماله قبل ذلك محرما ولا مكروها » وفيه أن دليله على الحرمة ما سمعته من تعليل الزينة التي لا فرق فيها بين الإحرام معها أو فعل الإحرام بعدها كالطيب والمخيط ونحوهما ، وإن كان فيه ما عرفت ، كما أن ما عن الشيخ والحلي ويحيى بن سعيد والفاضل في بعض كتبه ـ من اختصاص الكراهة بالمرأة ، لاختصاص النص بها ، وغلبة استعمالها ، وقوة تهييجه الشهوة فيها ـ غير واضح بعد قاعدة الاشتراك ، فالأقوى عدم الفرق بينهما فيها ، وعدم الفرق بين ما بعد الإحرام وما قبله مع بقاء الأثر الذي يكون زينة بعده قصد أو لم يقصد ، والله العالم.

والنقاب للمرأة على تردد من‌ صحيح العيص (١) عن الصادق عليه‌السلام « المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفازين ، وكره النقاب » بل وقيل وخبر يحيى بن أبي العلاء (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « انه كره للمحرمة البرقع والقفازين » بناء على ارادته من البرقع ، وإن كان فيه منع واضح ، ومن النهي عنه في المعتبرة المستفيضة التي منها ما تقدم سابقا في حرمة‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٩ وذيله في الباب ٤٨ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٦.

٤٣٠

تغطية وجهها (١) بل في بعضها (٢) تعليل النهي عنه بأن إحرام المرأة في وجهها ومنه يعلم منافاته لما وجب عليها من الكشف بغير المستثنى ، إذ قد سمعت الإجماع بقسميه بل المحكي منهما في التذكرة والمنتهى عن العلماء كافة على حرمة تغطية وجهها ، وتخصيص ذلك كله بما عدا النقاب ـ للخبرين المزبورين الذي قد عرفت الحال في الثاني منهما مع احتمال إرادة الحرمة من الكراهة فيهما ، بل لعله الظاهر بملاحظة القرائن ، بل وفتوى الأصحاب بحرمته التي اعترف في المدارك بعدم خلاف فيها ، وإن كان قد يناقش بأن كراهته ظاهر المحكي عن المقنع والجمل والعقود بل صريح الفاضل في القواعد ـ كما ترى ، بل لا وجه للتردد فيه من دون ترجيح ضرورة قصور المخصص عن التخصيص من وجوه ، فلا يناسب التردد فيه من ذلك وفي كشف اللثام احتمال كون المراد منه الذي يسدل على الوجه من غير أن يمسه بقرينة ما في المقنع من التصريح بكراهة النقاب ، ثم فيه بعده بعدة أسطر ولا يجوز للمرأة أن تتنقب ، لأن إحرام المرأة في وجهها ، وإحرام الرجل في رأسه ، وفي التذكرة التردد المزبور مع نقل الإجماع فيها على حرمة تغطية وجهها ، بل في موضع آخر منها القطع بحرمة النقاب عليها ، وفيه مضافا إلى عدم صدق النقاب على ذلك عرفا أنه لا وجه للتردد في الكراهة في الفرض إن أريد بها في مقابل الحرمة ، لما عرفته من الإجماع بقسميه مع النصوص على جوازه ، وإن أريد بالنسبة إلى عدمها فلا دليل أيضا يقتضي الكراهة ، وعبارة المقنع يمكن حملها على إرادة الحرمة ، وانما أعاده لإرادة بيان علته المنصوصة باللفظ الذي ذكره ، وأما التذكرة فهي كثيرة الاشتمال على نحو ذلك ، فالتحقيق حينئذ حرمته بلا تردد ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب تروك الإحرام.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

٤٣١

وكذا يكره للمحرم دخول الحمام بلا خلاف أجده فيه لخبر عقبة بن خالد (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن المحرم يدخل الحمام قال : لا يدخل » المحمول عليها للإجماع بقسميه على عدم الحرمة ، ول‌ صحيح معاوية بن عمار (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « لا بأس أن يدخل المحرم الحمام ولكن لا يتدلك ».

وكذا يكره للمحرم تدليك الجسد فيه اي الحمام ، وكذا في غيره لما سمعته من النهي المزبور ، ول‌ صحيح يعقوب بن شعيب (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يغتسل قال : نعم يفيض الماء على رأسه ولا يدلكه » بعد الإجماع على الجواز إذا كان بحيث لا يدمي ولا يسقط شعرا.

وكذا يكره له تلبية من يناديه لأنه في مقام التلبية لله تعالى شأنه الذي لا ينبغي أن يشرك غيره معه فيها ، ول‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح حماد (٤) : « ليس للمحرم أن يلبي من دعاه حتى يقضي إحرامه ، قال : قلت : كيف يقول؟ قال : يقول : يا سعد » والمرسل (٥) « إذا نودي المحرم فلا يقول لبيك ، ولكن يقول يا سعد » بعد الشهرة أو الإجماع على الجواز الموافق للأصل ، وللمرسل (٦) عن الصادق عليه‌السلام « يكره للرجل أن يجيب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٦ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٦ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧٥ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩١ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩١ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٩١ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

٤٣٢

بالتلبية إذا نودي وهو محرم » وفي آخر (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « لا بأس أن يلبي المجيب » المنجبر بما عرفت ، فما عن ظاهر التهذيب من التحريم واضح الضعف أو غير مراد ، والله العالم.

وكذا يكره استعمال الرياحين أو شمها كما في النافع والقواعد وعن الإسكافي والنهاية والوسيلة ، بل والحلي وإن كنا لم نتحققه ، لأنه ترفه وتلذذ لا يناسب المحرم الأشعث الأغبر ، ول‌ قول الصادق عليه‌السلام في حسن معاوية (٢) : « لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة » وفي‌ صحيح ابن سنان (٣) « لا تمس ريحانا وأنت محرم » المحمول على ما يشعر به الأول جمعا بينه وبين‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (٤) : « لا بأس أن تشم الإذخر والقيصوم والخزامى والشيح وأشباهه وأنت محرم » والنصوص (٥) الدالة على استحباب مضغ الإذخر ، وما عن‌ الفقيه عن إبراهيم بن أبي سفيان (٦) « انه كتب الى أبي الحسن عليه‌السلام المحرم يغسل يده بأشنان فيه إذخر فكتب لا أحبه لك » مضافا إلى ما عساه يفهم من‌ خبر الساباطي (٧) عن الصادق عليه‌السلام ـ « عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢ وفيه « لا بأس أن يلبي الجنب » كما في الفقيه ج ٢ ص ٢١١ الرقم ٩٦٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب مقدمات الطواف.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣ عن إبراهيم بن سفيان كما في الفقيه ج ٢ ص ٢٢٤ الرقم ١٠٤٨.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

٤٣٣

المحرم يأكل الأترج قال : نعم ، قلت : فان ريحه طيبة فقال : إن الأترج طعام ليس من الطيب » ـ من كون المحرم الطيب ، بل وصحيح ابن سنان (١) السابق المسؤول فيه عن الحناء ، وإلى عسر الاجتناب عنه في أيام الربيع ونحوه ، ولذا استثنى نبت الحرم من حرمة شم الرياحين في المختلف كخلوق الكعبة ، وما بين الصفا والمروة من الاعطار ، لكن فيه انه لا إشارة في شي‌ء من النصوص الى استثناء ذلك كما في الخلوق وما بين الصفا والمروة ، فليس حينئذ إلا لعدم الحرمة خلافا للفاضل في المنتهى والتذكرة والتحرير والمختلف فالحرمة ، وفي الرياض نسبته إلى المفيد وجماعة ، وفي كشف اللثام أنه تحتمله عبارتا المقنعة والسرائر ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح حريز (٢) : « لا يمس المحرم شيئا من الطيب ولا الريحان ، ولا يتلذذ به ، فمن ابتلى بشي‌ء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع بقدر شبعه يعني من الطعام » ونحو منه حسنه (٣) مضافا إلى الاحتياط وإلى النهي عن مسه في صحيح ابن سنان السابق ، مع إمكان دعوى انه لا تعارض بين صحيحي معاوية وحريز لعدم نفي البأس في الأول عن مطلق الريحان حتى يتحقق التعارض بينه وبين المانع تعارضا كليا ، ليكون صريحا في الجواز ، فيتقدم على النهي الظاهر في التحريم تقدم النص على الظاهر ، وانما غايته نفي البأس عن أمور معدودة يمكن استثناؤها من أخبار المنع على تقدير تسليم صدق الريحان عليها حقيقة ، ولا مانع من ذلك فلا موجب للجمع بالكراهة سوى تضمنه لفظ « أشباهه » وهو كما يحتمل المشابهة في إطلاق اسم الريحان عليه كذا يحتمل ما هو أخص مما يشبهه من نبت البراري ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٦ مرسل حريز.

٤٣٤

بل في المدارك الظاهر أن المراد به مطلق نبات الصحراء ، فيكون المراد بالرياحين المحرمة ما يستنبته الآدميون من ذلك ، ويحتمل أن يراد به ما هو أخص من ذلك.

وعلى كل حال يكون استثناؤه لكونه كما قال في المختلف : إن نبت الحرم يتعسر الاحتراز عنه ، ومعه لا يمكن صرف النهي عن ظاهره ، مضافا إلى عدم إمكانه من وجه آخر ، وهو أن النهي عن مس الريحان في الصحيح الماضي انما هو بلفظ النهي عن الطيب بعينه ، وهو للتحريم قطعا ، فلا يمكن حمله بالإضافة إلى الريحان على الكراهة ، للزوم استعمال اللفظ الواحد في الاستعمال الواحد في الحقيقة والمجاز ، وهو خلاف التحقيق ، وصرفه إلى المجاز الأعم يعني مطلق المرجوحية مجاز بعيد ، ولا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد الإحاطة بما ذكرناه ، خصوصا دعوى الالتزام باستثناء الأمور المخصوصة التي يمكن دعوى الإجماع المركب على خلافها وإن اختاره في المسالك وتبعه بعض من تأخر عنها ، وكذا ما سمعته من احتمال كون المراد بالمشابهة خصوص نبت البراري ، بل وكذا دعوى الاستبعاد في عموم المجاز الغالب الاستعمال في النصوص ، خصوصا في المقام المتكرر فيه لفظ « لا » بناء على أنها غير عاطفة ، وبالجملة الأولى الكراهة شما بل واستعمالا.

والمراد بالرياحين ما هو المتعارف منها ، وعن العين الريحان اسم جامع للرياحين الطيبة الريح ، قال : « والريحان أطراف كل بقلة طيبة الريح إذا خرج عليه أوائل النور » وعن ابن الأثير « هو كل نبت طيب الريح من أنواع المشموم » وعن كتابي المطرزي « عند الفقهاء الريحان ما لساقه رائحة طيبة كما لورده ، والورد ما لورقه رائحة طيبة كالياسمين » وفي القاموس « نبت معروف طيب الرائحة أو كل نبت كذلك ، أو أطرافه أو ورقه ، وأصله ذو الرائحة ، وخص بذي الرائحة الطيبة ، ثم بالنبت الطيب الرائحة ، ثم بما عدا الفواكه والأبازير ، ثم بما عداها ونبات الصحراء ، ومن الأبازير الزعفران ، وهو المراد هنا ، ثم بالمعروف بأسهم » ‌

٤٣٥

وفي التذكرة « ان النبات الطيب ثلاثة أقسام : الأول ما لا ينبت للطيب ولا يتخذ منه كنبات الصحراء من الشيخ والقيصوم والخزامى والإذخر والدارصيني والمصطكا والزنجبيل والسعد وحبق الماء بالحاء المفتوحة غير المعجمة والباء المنقطة تحتها نقطة المفتوحة والقاف ، وهو الحندقوقي ، وقيل الفودنج ، والفواكه كالتفاح والسفرجل والنارنج والأترج ، وهذا كله ليس بمحرم ، ولا تتعلق به كفارة إجماعا ، وكذا ما أنبته الآدميون لغير قصد الطيب كالحناء والعصفر ـ إلى ان قال ـ : الثاني ما ينبته الآدميون للطيب ولا يتخذ منه طيب كالريحان الفارسي والمرزجوش والنرجس والبرم ، قال الشيخ : فهذا لا تتعلق به الكفارة ، ويكره استعماله ، وبه قال ابن عباس وعثمان بن عفان والحسن ومجاهد وإسحاق ومالك وأبو حنيفة ، لأنه لا يتخذ للطيب فأشبه العصفر ، وقال الشافعي في الجديد تجب به الفدية ويكون محرما ، وبه قال جابر وابن عمر وأبو ثور ، وفي القديم لا تتعلق به الفدية ، لأنه لا يبقى له رائحة إذا جفت ، وعن احمد روايتان ، لأنه يتخذ للطيب فأشبه الورد ، الثالث ما يقصد شمه ويتخذ منه الطيب كالياسمين والورد والنيلوفر ، والظاهر أن هذا يحرم شمه وتجب فيه الفدية ، وبه قال الشافعي ، لأن الفدية تجب فيما يتخذ منه ، فكذا في أصله ، وقال مالك وأبو حنيفة : لا تجب » ونحو ذلك في المنتهى إلا أن فيه القطع بعدم الفدية في الثاني ، ولم يتعرض فيه لحرمة أو كراهة ، وكذا عن التحرير لكنه استقرب فيه تحريم الثاني أيضا ، ونص على عدم الفدية في الريحان لفارسي ، ولا يخفى عليك ما في ذلك كله مما لا يرجع إلى حاصل ، بل وفيما ذكروه من حرمة الثالث إذا لم يكن مندرجا في الطيب ولا في اسم الريحان ، فالعمدة حينئذ تحقيق ذلك وتحقيق الحكم فيه ، هذا.

وفي الدروس كراهة غسل الرأس بالسدر والخطمي وخطبة النساء والمبالغة في السواك ، وفي ذلك الوجه والرأس في الطهارة ، والهذر من الكلام ، والاغتسال‌

٤٣٦

للتبرد ، بل عن الحلبي تحريمه ، والاحتباء في المسجد الحرام والمصارعة ، ولا بأس به بل يستفاد من النصوص غير ذلك ، بل‌ قال الصادق عليه‌السلام في خبر حماد بن عثمان (١) : « يكره الاحتباء للمحرم ، ويكره في المسجد الحرام » بل في‌ خبره الآخر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « يكره رواية الشعر للصائم والمحرم وفي الحرم وفي يوم الجمعة ، وأن يروي بالليل ، قال : قلت : وإن كان شعر حق قال : وإن كان شعر حق » بل‌ خبر علي بن جعفر (٣) عن أخيه عليه‌السلام « سألته عن المحرم يصارع هل يصلح له؟ قال : لا يصلح مخافة أن يصيبه جراح أو يقع بعض شعره » دال على كراهة كل ما يخاف منه ذلك ، بل أو غيره مما لا ينبغي وقوعه في الإحرام ، والله العالم والموفق والمؤيد والمسدد.

خاتمة

كل من دخل مكة وجب أن يكون محرما بلا خلاف أجده فيه ؛ بل في المدارك ومحكي الخلاف الإجماع عليه وإن دخل في السنة مرتين أو ثلاثا كما عن المقنع ، وفي‌ خبر علي بن أبي حمزة (٤) « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن رجل يدخل مكة في السنة المرة والمرتين والثلاث كيف يصنع؟ قال : إذا دخل فليدخل ملبيا ، وإذا خرج فليخرج محلا » وفي‌ صحيح ابن مسلم (٥) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام؟ قال : لا إلا مريضا أو من به بطن » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩٦ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩٤ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٤.

٤٣٧

وفي‌ صحيحه الآخر (١) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته هل يدخل الرجل الحرم بغير إحرام؟ قال : لا إلا أن يكون مريضا أو به بطن » وصحيح عاصم بن حميد (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيدخل احد الحرم إلا محرما؟ قال : لا إلا مريض أو مبطون » وظاهرهما عدم جواز دخول الحرم إلا محرما فضلا عن دخول مكة كما عن التذكرة والجامع ، وفي الوسائل التصريح به ، ولكن قد عرفت سابقا عدم وجوب الإحرام على من لم يرد النسك بل أراد حاجة في خارج مكة ، بل في المدارك إجماع العلماء عليه ، وحينئذ فيمكن حملهما على داخل الحرم لإرادة دخول مكة الذي لا إشكال في وجوب الإحرام فيه لما عرفت ، مضافا إلى‌ حسن معاوية بن عمار (٣) قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم فتح مكة : إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، وهي حرام إلى أن تقوم الساعة ، لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار » بناء على أن المراد من تحريمها عدم جواز الدخول إليها إلا بإحرام ، وبه يتضح حينئذ دلالة‌ صحيح سعيد الأعرج (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام على المطلوب قال : « إن قريشا لما هدموا الكعبة وجدوا في قواعده حجرا فيه كتاب لم يحسنوا قراءته حتى دعوا رجلا قرأه فإذا فيه أنا الله ذو بكة حرمتها يوم خلقت السماوات والأرض ، ووضعتها بين هذين الجبلين ، وحففتها بسبعة أملاك حفا » وحسن كليب الأسدي (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استأذن الله عز وجل في مكة ثلاث مرات من الدهر ، فأذن له فيها ساعة من النهار ثم جعلها حراما ما دامت السماوات والأرض » وخبر بشر النبال (٦) عنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٩.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١٢.

٤٣٨

عليه‌السلام أيضا في حديث فتح مكة « ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ألا إن مكة محرمة بتحريم الله ، لم تحل لأحد كان قبلي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار إلى أن تقوم الساعة ، لا يختلى خلاها ، ولا يقطع شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد ، قال : ودخل مكة وعليه السلاح ، ودخل البيت ولم يدخله في حج ولا عمرة ، ودخل وقت الصلاة فأمر بلالا فصعد الكعبة فأذن » إلى غير ذلك من النصوص.

بل في‌ خبري رفاعة بن موسى (١) عدم جواز ذلك حتى للمريض ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل به بطن ووجع شديد يدخل مكة حلالا قال لا يدخلها إلا محرما ، وقال : يحرمون عنه » وفي خبره الآخر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن الرجل يعرض له المرض الشديد قبل أن يدخل مكة قال : لا يدخلها إلا محرما » وإن كان الظاهر الحمل على الندب حتى في الإحرام عنه إذا كان المرض على وجه لا يتمكن من نية الإحرام معه كالجنون ونحوه ، لما عرفت من الرخصة للمريض في الإحلال في المعتبرة التي أفتى بمضمونها الشيخ ويحيى بن سعيد وغيرهما ، بل لا أجد فيه خلافا بينهم ، هذا.

وفي المدارك « والظاهر أنه انما يجب الإحرام لدخول مكة إذا كان الدخول إليها من خارج الحرم ، فلو خرج احد من مكة ولم يصل إلى خارج الحرم ثم عاد إليها دخل بغير إحرام » وظاهره المفروغية من ذلك ، فان كان إجماعا أو سيرة قاطعة فذاك ، وإلا كان منافيا لإطلاق النص والفتوى أو عمومهما ، ولا ينافي ذلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣ إلا أن ذيله لم يذكر في الوسائل وقد ذكر في التهذيب ج ٥ ص ١٦٥ الرقم ٥٥٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٨.

٤٣٩

كون الميقات ادنى الحل ، ضرورة انه بناء على الوجوب يجب عليه أن يخرج اليه مع التمكن ، وإلا أحرم من مكانه كغيره ممن يجب عليه الإحرام ، نعم قد يقال إن النصوص الدالة على حرمة مكة يراد بها ما يشمل حرمها ، ولذا ذكر فيها عدم تنفير الصيد وغيره مما هو من أحكام الحرم ، فمع فرض عدم الخروج عنه لا يجب عليه إحرام ، بخلاف ما لو خرج عنه ثم أراد الدخول بقصد الدخول في مكة ، فإنه يجب عليه الإحرام حينئذ مع فرض مضي الشهر الذي ستعرف الكلام فيه ، ثم قال فيها أيضا : « ويجب على الداخل فيها أن ينوي بإحرامه الحج أو العمرة ، لأن الإحرام عبادة ولا يستقل بنفسه ، بل إما أن يكون بحج أو عمرة ، ويجب إكمال النسك الذي تلبس به ليتحلل من الإحرام » وفيه أنه إن كان إجماعا فذاك وإلا أمكن الاستناد في مشروعيته نفسه إلى إطلاق الأدلة في المقام وغيرها ، وكونه جزء منهما لا ينافي مشروعيته في نفسه ، وفي‌ مرسل الفقيه (١) « روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام أنه وجب الإحرام لعلة الحرم » وفي مرسل العباس بن معروف (٢) المروي عن العلل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « حرم المسجد لعلة الكعبة ، وحرم الحرم لعلة المسجد ، ووجب الإحرام لعلة الحرم » وفي‌ خبر أبي المعزى (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « كانت بنو إسرائيل إذا قربت القربان تخرج نار تأكل قربان من قبل منه ، وإن الله جعل الإحرام مكان القربان » وخبر جابر (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام « أحرم موسى بن عمران من رملة مصر ، قال : ومر بصفاح الروحاء محرما يقود ناقته بخطام من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحرام الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٢.

٤٤٠