جواهر الكلام - ج ١٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المتجه حمل ذلك كله على الكراهة كما يومي اليه‌ خبر قاسم الصيقل (١) قال : « ما رأيت أحدا كان أشد تشديدا في الظل من أبي جعفر عليه‌السلام كان يأمر بقلع القبة والحاجبين إذا أحرم » فإن التشديد ظاهر في الزيادة على الواجب ، وهذا وإن كان من الراوي إلا أنه ظاهر في معلومية الحكم عندهم سابقا ، وهو شاهد على صحة الإجماع المزبور الذي يقيد به المطلقات المذكورة ، وأخبار التكفير انما جاءت لبيان ثبوت الكفارة في المحرم من التظليل للمختار إذا اقتضته الضرورة ، وهو ما فوق الرأس.

بل قد يشهد لما ذكرناه ما في‌ خبر سعيد الأعرج (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عن المحرم يستتر من الشمس بعود وبيده قال : لا إلا من علة » لما عرفت من جواز الاستتار باليد الذي فعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على وجه يقصر عن معارضته ، فلا بد من حمله على ضرب من الكراهة ، ولكن مع ذلك كله الاحتياط لا ينبغي تركه ، وفي الدروس « فرع هل التحريم في الظل لفوات الضحى أو لمكان الستر؟ فيه نظر ، لقوله عليه‌السلام : « اضح لمن أحرمت له » والفائدة فيمن جلس في المحمل بارزا للشمس ، وفيمن تظلل به وليس فيه » وفي كشف اللثام يعني يجوز الأول على الثاني دون الأول ، والثاني بالعكس ، ثم قال فيهما ، وفي الخلاف لا خلاف أن للمحرم الاستظلال بثوب ينصبه ما لم يمسه فوق رأسه ، وعن نسخة « ما لم يكن » وقضيته اعتبار المعنى الثاني ، قلت : يمكن كون التظليل محرما لنفسه وإن لم يفت معه الضحى للشمس ، اي البروز بما أحرم به لها كما إذا كانت في وجهه ، ولذا حرم حيث لا تكون شمس ، وإن أبيت ذلك فليس إلا الاحتمال الأول ، ضرورة أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٥.

٤٠١

الستر لا أثر له في النصوص سوى بعض المطلقات في النهي عن الاستتار المحمولة على الستر المخصوص ، وأما الأول ـ أي الاضحاء ـ فقد عرفت تكرار الأمر به في النصوص المزبورة على وجه يظهر منه كون العلة في حرمة التظليل فوات الاضحاء المراد به كما في المنتهى البروز للشمس ، وعن النهاية الأثيرية ضحى ظله ـ اي مات ـ يقال ضحى الظل ـ اي صار شمسا ـ فإذا صار شمسا فقد بطل ، ومنه حديث الاستسقاء اللهم ضاحت بلادنا واغبرت أرضنا ـ اي برزت للشمس وظهرت ـ لعدم النبات فيها ، الى إن قال : ومنه أيضا حديث ابن عمر (١) رأي محرما قد استظل فقال : أضح لمن أحرمت ـ اي أظهر واعتزل ـ ولكن يقال : ضحيت للشمس وأضحيت أضحى ( إضحاء ظ ) إذا أبرزت لها وظهرت ، ومن هنا جزم في الحدائق بكونه العلة في التحريم ، بل شدد الإنكار على احتمال كون العلة في التحريم الستر ، وفرع عليه حرمة التظليل وإن لم يكن فوق الرأس ، ولكن فيه أن الأمر بالأضحاء قد جاء في‌ صحيح حفص وهشام (٢) عن الصادق عليه‌السلام على نحو التعليل للمكروه ، قال : « يكره للمحرم أن يجوز بثوبه انفه من أسفل ، وقال عليه‌السلام : اضح لمن أحرمت له » فلا يبعد القول بالكراهة فيما نافى الاضحاء من التستر بما لا يكون فوق الرأس ، والحرمة بما كان فوقه ، هذا.

وفي المسالك يتحقق التظليل بكون ما يوجب الظل فوق رأسه كالمحمل ، فلا يقدح فيه المشي في ظل المحمل ونحوه عند ميل الشمس إلى احد جانبيه وإن كان قد يطلق عليه التظليل لغة ، وانما يحرم حالة الركوب ، فلو مشى تحت الظل‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٥ ص ٧٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

٤٠٢

كما لو مر تحت الحمل والمحمل جاز ، وفي الروضة في شرح قول الشهيد : « والتظليل للرجل الصحيح سائرا » قال : فلا يحرم نازلا إجماعا ولا ماشيا إذا مر تحت المحمل ونحوه ، والمعتبر منه ما كان فوق رأسه ، فلا يحرم الكون في ظل المحمل عند ميل الشمس إلى احد جانبيه ، وأطلق في القواعد ، وما سمعته من المنتهى جواز المشي تحت الظلال ، كمحكي النهاية والمبسوط والوسيلة والسرائر والجامع.

وعلى كل حال فصريح ثاني الشهيدين اختصاص حرمة التظليل بحال الركوب دون المشي ، وفيه منع واضح ، لإطلاق الأدلة التي لا ينافيها النهي عنه حال الركوب الذي هو أحد الأفراد ، نعم في‌ صحيح ابن بزيع (١) « كتب إلى الرضا عليه‌السلام هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظل المحمل؟ فكتب نعم » وفي خبر الاحتجاج (٢) « يجوز له المشي تحت الظلال » إلا أنه يمكن دعوى انسياقه إلى إرادة المشي في ظله لا الكون تحت الحمل والمحمل ، وحينئذ فلا يختص بالماشي ، بل يجوز للراكب ذلك أيضا ، على أنه لو سلم كان ينبغي الاقتصار عليه لا تخصيص الحرمة بحال الركوب على وجه يجوز له المشي مع التظليل بشمسية ونحوها مما يكون فوق رأسه ، بل لعل ما سمعته من إجماع المنتهى دال عليه ، فان السائر أعم من كونه راكبا ، ولا ينافيه ما ذكره قبل ذلك من جواز المشي تحت الظلال المحمول على حال النزول أو الظلال المستقر لا السائر معه ، فإنه قد يقال بجوازه للأصل بعد قصور النصوص عن تناوله ، ضرورة عدم صدق التظليل به ، بل ربما يؤيده دخول المحرمين مكة الذي لا ينفك عن مرورهم تحت ظل من باب ونحوه ، اللهم إلا أن يكون ذلك من الضرورة ، وفيه منع بالنسبة إلى بعض الأفراد ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٦ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٦.

٤٠٣

خصوصا مع عدم إشارة في شي‌ء من النصوص إلى ذلك ولا إلى كونه من حال النزول الذي لا يتم حال وقوعه للحج من مكة أو من المسجد ، ولعله لذا حكي عن فخر الإسلام في شرح الإرشاد القطع بأن المحرم عليه سائرا انما هو الاستظلال بما ينتقل معه كالمحمل ، أما لو مر تحت سقف أو ظل بيت أو سوق أو شبهه فلا بأس ، بل يمكن حمل ما في خبر الاحتجاج السابق عليه ، لكن في كشف اللثام بعد أن حكى عن الفخر ما سمعت قال : « أكثر هذه تدخل في الضرورة ، وأما جواز المشي في الطريق في ظل المحامل والجمال والأشجار اختيارا ففيه كلام خصوصا تحتها ، ولم يتعرض لذلك الأكثر ، ومنهم المصنف في غير الكتاب والمنتهى والشيخ في غير الكتابين ، بل أطلقوا حرمة التظليل أو إلى النزول » قلت : ولا ريب في ظهوره في غير الفرض كالنصوص ، وبذلك كله يظهر لك النظر فيما في المدارك من وجوه ، قال : ويجوز للمحرم المشي تحت الظلال كما نص عليه الشيخ وغيره ، وقال الشارح رحمه‌الله إلى آخره ، ويدل على الجواز صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح (١) عن محمد بن إسماعيل بن بزيع إلى آخره ، وقال العلامة في المنتهى إنه يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظل المحمل وأن يستظل إلى آخره ، ومقتضى ذلك تحريم الاستظلال في حال المشي بالثوب إذا جعله فوق رأسه ، وربما كان مستنده صحيح إسماعيل بن عبد الخالق (٢) المتضمن لتحريم الاستتار من الشمس إلا أن المنساق منه حال الركوب ، والمسألة محل تردد وإن كان الاقتصار في المنع من التظليل على حالة الركوب كما ذكره الشارح لا يخلو من قرب ، فإنك بعد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١ وهو مروي بطريق الكليني ( قده ).

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٩.

٤٠٤

الإحاطة بما ذكرناه لا يخفى عليك ما فيه ، بل وما في كشف اللثام فإنه بعد أن حكى جواز المشي تحت الظلال عمن سمعت قال : وهل معنى ذلك أنه إذا نزل المنزل جاز له ذلك كما جاز جلوسه في الخيمة والبيت وغيرهما لا في سيره ، أو جوازه في السير أيضا حتى أن حرمة الاستظلال يكون مخصوصا بالراكب ، كما يظهر من المسالك ، أو المعنى المشي في الظل سائرا لا بحيث يكون ذو الظل فوق رأسه؟ أوجه ، ففي المنتهى إذا نزل إلى قوله : وان يمشي تحت الظلال ثم قال : وهو يفيد الأول ، وهو أحوط ، لإطلاق كثير من الأخبار النهي عن التظليل ، ثم الأحوط من الباقين هو الأخير ، ثم حكى ما سمعته من الفخر ، وهو كما ترى مجرد تشكيك ، بل لعله ترك فيه ما هو الأقوى من ذلك ، وهو كون المراد جواز المشي تحت الظلال الذي لا ينتقل معه ، لما عرفته من الأصل بعد ظهور النصوص في غيره.

هذا كله في الرجل ، أما المرأة فيجوز لها التظليل بلا خلاف محقق أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى ما سمعته من النصوص (١) المصرحة بذلك ، وإلى كونها عورة يناسبها الستر ؛ وضعيفة عن مقارفة الحر والبرد ونحوهما نعم عن نهاية الشيخ أن اجتنابه أفضل ، وعن المبسوط أنه يحتمله ، قيل وكأنه لإطلاق المحرم والحاج في كثير من الأخبار وبعض الفتاوى كفتوى المقنعة وجمل العلم والعمل ، بل والشيخ في جملة من كتبه وسلار والقاضي والحلبيين ، وإن كان فيه أن الظاهر إرادة الرجل المحرم منه فيهما.

كما أنه لا خلاف في جوازه للرجل حال النزول ، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى النصوص السابقة ، وبذلك يقيد إطلاق غيرها ، نعم قد يتوقف في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ و ٦٥ و ٦٨ ـ من أبواب تروك الإحرام.

٤٠٥

تظليل يسير معه راكبا أو ماشيا للتردد في المنزل ونحوه ، فالأحوط إن لم يكن أقوى اجتنابه ، وفي كشف اللثام بعد الجزم بجواز التظليل جالسا في المنزل قال : وهل الجلوس في الطريق لقضاء حاجة أو إصلاح شي‌ء أو انتظار رفيق أو نحوها كذلك؟ احتمال ، ومقتضاه احتمال عدم الجواز أيضا فيه ، وإن كان التحقيق خلافه ، إلا أنه الأحوط.

وكذا لا بأس بالتظليل على الصبيان لما سمعته في صحيح حريز (١) السابق الذي افتى به غير واحد ، بل لا أجد فيه خلافا بينهم ، ولعله لضعفهم عن مقارفة الحر والبرد.

ولو زامل الصحيح عليلا أو امرأة اختص العليل والمرأة بجواز التظليل بلا خلاف محقق أجده فيه ، لإطلاق الأدلة ، وخصوص خبر بكر بن صالح أو‌ صحيحه (٢) « كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام أن عمتي معي ، وهي زميلتي ، ويشتد عليها الحر إذا أحرمت أفترى أن أظلل علي وعليها؟ قال : ظلل عليها وحدها » ولا يعارضه‌ مرسل العباس بن معروف (٣) عن الرضا عليه‌السلام « سألته عن المحرم له زميل فاعتل فظلل على رأسه أله أن يستظل؟ قال : نعم » لقصوره عن ذلك من وجوه ، بل عن الشيخ احتمال عود الضمير في قوله : « أله » إلى المريض ، واولى من ذلك احتمال إرادة الاستظلال بما يحدث من ظلال العليل الذي قد عرفت جوازه باعتبار عدم كونه على الرأس.

ثم إن الظاهر عدم صدق الاستظلال بالخشب الباقية في المحمل والعمارية ونحوهما بعد رفع الظلال ، ويؤيده التوقيع المروي عن الاحتجاج في جواب‌ محمد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٨ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٨ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

٤٠٦

ابن عبد الله بن جعفر الحميري (١) « كتب إلى صاحب الزمان ( عليه وعلى آبائه آلاف التحية والسلام ) يسأله عن المحرم يرفع الظلال هل يرفع خشب العمارية أو الكنيسة ويرفع الجناحين أم لا؟ فكتب عليه‌السلام في الجواب لا شي‌ء عليه في ترك رفع الخشب » ولا ينافي ذلك ما تقدم في خبر الصيقل (٢) من أن أبا جعفر عليه‌السلام كان يأمر بقلع القبة والحاجبين بعد حمله على الندب ، والله العالم.

ويحرم على المحرم إخراج الدم في الجملة إلا عند الضرورة كما في المقنعة وجمل العلم والعمل والنهاية والمبسوط والاستبصار والتهذيب والاقتصاد والكافي والغنية والمراسم والسرائر والمهذب والجامع على ما حكي عن بعضها ، لخبر الصيقل (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام سأله « عن المحرم يحتجم قال : لا إلا أن يخاف التلف ولا يستطيع الصلاة ، وقال : إذا آذاه الدم فلا بأس به ويحتجم ولا يحلق الشعر » وحسن الحلبي (٤) سأله عليه‌السلام أيضا « عن المحرم يحتجم فقال : لا إلا أن لا يجد بدا فليحتجم ولا يحلق مكان المحاجم » وخبر ذريح (٥) سأله عليه‌السلام أيضا « عن المحرم يحتجم قال : نعم إذا خشي الدم » وخبر زرارة (٦) عن أبي جعفر عليه‌السلام « لا يحتجم المحرم إلا أن يخاف على نفسه أن لا يستطيع الصلاة » إلى غير ذلك من النصوص.

وقيل والقائل الشيخ في محكي الخلاف يكره الاحتجام ، وتبعه المصنف في النافع ، وعن المصباح ومختصره كراهيته والفصد ، ولعله للجمع بين ما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

٤٠٧

سمعت وبين‌ صحيح حريز (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا بأس بأن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر » وخبر يونس بن يعقوب (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يحتجم قال : لا أحبه » المؤيدين بمرسل الفقيه (٣) « احتجم الحسن عليه‌السلام وهو محرم » وهو لا يخلو من وجه لو لا الشهرة المزبورة التي ترجح الجمع بين النصوص بالتقييد بالضرورة ، على أن الأخيرين غير جامعين لشرائط الحجية ، بل قيل : لا ظهور في قوله : « لا أحبه » في الكراهة نحو « لا ينبغي ».

وكذا الكلام على ما قيل في حك الجلد المفضي إلى إدمائه الذي اقتصر عليه في محكي الاقتصاد والكافي لقول الصادق عليه‌السلام في خبر عمر بن يزيد (٤) : « ويحك الجسد ما لم يدمه » وصحيح معاوية بن عمار (٥) سأله عليه‌السلام « عن المحرم كيف يحك رأسه؟ قال : بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر ».

وكذا الكلام في السواك المفضي إلى الإدماء الذي عن القاضي الاقتصار عليه وعلى الحك ، كما عن النهاية والمبسوط والسرائر والجامع ذكرهما مع الاحتجام خاصة ، وعن المقنعة معه والاقتصاد وعن جمل العلم والعمل ذكر الاحتجام والاقتصاد وحك الجلد حتى يدمي ، وفي‌ صحيح الحلبي (٦) « سألت أبا عبد الله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٣.

٤٠٨

عليه‌السلام عن المحرم يستاك قال : نعم ولا يدمي » ولكن في‌ خبر علي بن جعفر (١) عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن المحرم هل يصلح له أن يستاك قال : لا بأس ولا ينبغي أن يدمي » بناء على إشعاره بالكراهة ، مضافا إلى‌ صحيح معاوية ابن عمار (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المحرم يستاك قال : نعم ، قلت : فإن أدمى يستاك قال : نعم هو من السنة » بل وصحيحه الآخر (٣) سأله عليه‌السلام « عن المحرم يعصر الدمل ويربط عليها الخرقة فقال : لا بأس به » وموثق عمار (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن المحرم يكون به الجرب فيؤذيه قال : يحكه ، وإن سال منه الدم فلا بأس ».

ولعله لذا مضافا إلى الأصل كانت الكراهة فيهما أظهر عند المصنف كما عن الجمل والعقود والوسيلة ، لكن فيه أن موثق الجرب ظاهر في الضرورة بناء على انسياقها من الأذية فيه ، فيبقى ما دل على حرمة الحك مع الإدماء بلا معارض ، وصحيح السواك متروك الظاهر ، لدلالته على أنه من السنة مطلقا حتى في الصورة المفروضة ، ولا قائل بها ، للإجماع على الكراهة ، فينبغي طرحه أو حمله على صورة عدم العلم بالإدماء ، وحينئذ يبقى ما دل على المنع بلا معارض ، نعم قد يقال إن مقتضى الأصل جواز إخراج الدم بغير ما عرفت كعصر الدمل وقلع الضرس وغير ذلك مما لا يدخل في النصوص المزبورة ، مضافا إلى‌ خبر الصيقل (٥) أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن المحرم يؤذيه ضرسه أيقلعه؟ قال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩٢ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧١ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩٥ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

٤٠٩

نعم لا بأس به » وإن كان يمكن حمله على الضرورة ، إلا أنه يكفي في الجواز الأصل بعد عدم ما يدل على حرمة مطلق الإدماء إلا ما تسمعه إن شاء الله ، ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط.

وعلى كل حال فلا إشكال ولا خلاف في الجواز مع الضرورة ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل وعلى عدم الفدية معها ، مضافا إلى الأصل والنصوص السابقة ، بل الظاهر عدم الفدية مع الاختيار على الحرمة ، للأصل بعد خلو النصوص المذكورة في مقام البيان ، لكن في الدروس وفدية إخراج الدم شاة ذكره بعض أصحاب المناسك ، وقال الحلبي في حك الجسم حتى يدمي مد طعام مسكين ، قلت : لا ريب في أنه أحوط وإن لم يحضرني دليله بالخصوص ، نعم في‌ المرسل (١) « أن مسألة وقعت في الموسم ولم يكن عند مواليك فيها شي‌ء ، محرم قلع ضرسه فكتب يهريق دما » واليه أشار في الدروس قال : الثالث والعشرون قلع الضرس ، وفيه دم ، والرواية مقطوعة ، وقال ابن الجنيد وابن بابويه : لا بأس مع الحاجة ولم يوجبا شيئا ، وظاهره التردد في الفدية لا في الحرمة ، لكن قد عرفت الحال فيه ولعله بناء على حرمة مطلق إخراج الدم ، قال فيها : العشرون الحجامة إلا مع الحاجة في الأظهر لرواية الحسن الصيقل (٢) وقال في المبسوط : « لا يجوز للمحرم أن يحتجم ويفتصد » وقال في الخلاف وتبعه ابن حمزة : يكره وهو في صحيح حريز ، وفي حكم الحجامة الفصد وإخراج الدم ولو بالسواك أو حك الرأس ، وتبعه عليه في المسالك وغيرها ، ولكن قد عرفت عدم دليل على العموم ، اللهم إلا أن يكون قد فهم من ذلك المثال لمطلق الإدماء ، خصوصا بعد ملاحظة ما في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣.

٤١٠

الصحيح (١) السابق المشتمل على الرخصة في علاج دبر الجمل وإلقاء الدواب عنه ولكن لا يدميه ، ولا ريب في أنه أحوط وإن كان إثبات الحرمة بمثل ذلك كما ترى ، سيما بعد ما عرفت من اختلاف كلام الأصحاب بالنسبة إلى الاقتصار على بعض دون بعض على وجه يعلم منه عدم إرادة مطلق إخراج الدم ، وإلا كان ينبغي التعبير به ، بل قد سمعت تعبير المصنف به أولا ثم اختار الكراهة في الأخيرين على احد الوجهين في عبارته ، والله العالم.

وكذا يحرم عليه قص الأظفار بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل في المنتهى والتذكرة نسبته إلى علماء الأمصار ، وهو الحجة بعد‌ قول الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة (٢) : « من قلم أظافيره ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليه ، ومن فعله متعمدا فعليه دم » وموثق إسحاق بن عمار (٣) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل نسي أن يقلم أظفاره وهو عند إحرامه قال : يدعها ، قلت : فان رجلا من أصحابنا أفتاه بأن يقلم أظفاره ويعيد إحرامه ففعل ، فقال : عليه دم يهريقه » بل وموثقه الآخر (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن رجل أحرم ونسي أن يقلم أظفاره قال : فقال : يدعها ، قال : قلت : طوال قال : وإن كانت ، قلت : فان رجلا أفتاه أن يقلمها وأن يغتسل ويعيد إحرامه ففعل قال : عليه دم ».

ومنه يستفاد عدم قدح طولها في الوضوء كما يحكى عن بعض أفاضل العصر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٠ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

٤١١

بناء على أنه حاجب لما يجب غسله من السطح المعتاد.

وعلى كل حال فهو دال على المطلوب مضافا إلى غيره من النصوص المستفاد من القلم فيها الأعم من القص المعبر به في الفتاوى بناء على إرادة خصوص القطع بالمقص ـ اي المقراض ـ فيكون المدار على مطلق الإزالة.

ولو انكسر ظفره وتأذى ببقائه أذية يسقط معها التكليف ـ بل يكفي تحقق مسماها ـ فله إزالته ، بل عن المنتهى والتذكرة نفي الخلاف فيه ، مضافا إلى‌ صحيح معاوية (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن المحرم تطول أظفاره أو ينكسر بعضها قال : لا يقص منها شيئا ان استطاع ، فان كانت تؤذيه فليقصها وليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام » إلا أن قوله : « إن استطاع » ظاهر في بلوغه إلى حد الضرورة ، لكن قد يقال إن المراد بالاستطاعة فيه الأذية بقرينة قوله : « فإن ». إلخ ، نعم قد يقال : إن المنساق من الأذية فيه وفي معقد نفي الخلاف الوصول إلى حد الضرورة التي يسقط معها التكليف ، خصوصا بعد عدم معروفية غيرها في سائر المقامات ، وموافقته للاحتياط ، بل منه يستفاد أيضا عدم الفرق بين الكل والبعض كما صرح به غير واحد.

كما أنه لا إشكال في جواز قصه لو احتاج إلى مداواة قرحة مثلا ولا يمكن إلا بقص ظفره ، نعم فرق بعض بين ذلك وبين الضرر فيه نفسه فأوجب الفدية في الأول دون الثاني ، ويأتي البحث فيه إن شاء الله في محله.

ويحرم على المحرم وغيره قطع الشجر والحشيش من الحرم الذي هو بريد في بريد كما تسمعه في الصحيح (٢) بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٤.

٤١٢

بقسميه عليه ، بل في المنتهى وعن التذكرة نسبته إلى علماء الأمصار ، وهو الحجة بعد المعتبرة المستفيضة ، كصحيح حريز وحسنه (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « كل شي‌ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلا ما أنبته أنت أو غرسته » وصحيح معاوية (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل فقال : حرم فرعها لمكان أصلها ، قلت : فإن أصلها في الحل وفرعها في الحرم قال : حرم أصلها لمكان فرعها ، وكل شي‌ء ينبت في الحرم فلا يجوز قلعه على وجه » ومنه يعلم حرمة النابت في غير الحرم إذا كان فرعه فيه كما صرح به بعضهم وإن لم يعد أنه من نبات الحرم ، وحسن سليمان بن خالد (٣) سأله عليه‌السلام أيضا « عن الرجل يقطع من الأراك الذي بمكة قال : عليه ثمنه يتصدق به ولا ينزع من شجر مكة شيئا إلا النخل وشجر الفواكه » ونحوه موثقه (٤) ومرسل عبد الكريم (٥) وحسن حريز (٦) عنه عليه‌السلام أيضا ؛ قال : « لما قدم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٦ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩٠ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١ وليس في ذيله‌ « وكل شي‌ء ينبت. إلخ » كما انه ليس في الفقيه ج ٢ ص ١٦٥ الرقم ٧١٧ والكافي ج ٤ ص ٢٣١ وانما ذكر في التهذيب بعد الحديث ج ٥ ص ٣٧٩ الرقم ١٣٢١ والظاهر انه من كلام الشيخ ( قده ) لا من الحديث.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٩.

(٦) ذكر ذيله في الوسائل ـ الباب ـ ٨٨ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١ وتمامه في الكافي ج ٤ ص ٢٢٥.

٤١٣

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكة يوم افتتحها فتح باب الكعبة فأمر بصور في الكعبة فطمست ثم أخذ بعضادتي الباب فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ، ماذا تقولون وما ذا تظنون؟ قالوا : نظن خيرا ونقول خيرا أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت ، قال : فإني أقول كما قال أخي يوسف : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين ، إلا ان الله تعالى قد حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، فهي حرام بحرم الله الى يوم القيامة ، لا ينفر صيدها ، ولا يعضد شجرها ، ولا يختلى خلاها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد ، فقال العباس : يا رسول الله إلا الإذخر فإنه للقبر والبيوت‌ ـ وفي آخر « فإنه للقبر ولسقوف بيوتنا » (١) وفي ثالث « لصاغتنا وقبورنا » (٢) وفي رابع « فإنه لقينهم ولبيوتهم » (٣) ـ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إلا الإذخر » وفي الدعائم (٤) روينا عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي عليهم‌السلام « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن ينفر صيد مكة ، وأن يقطع شجرها ، وأن يختلى خلاها ورخص في الإذخر وعصا الراعي » وفيها‌ عنه عليه‌السلام أيضا (٥) « من أصبتموه اختلى الخلا أو عضد الشجر أو نفر الصيد يعني في الحرم فقد حل لكم سلبه وأوجعوا ظهره بما استحل في الحرم » وصحيح زرارة وموثقه (٦) عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٨ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٤.

(٢) مسند احمد ج ٤ ص ٧٥ الرقم ٢٢٧٩.

(٣) مسند احمد ج ٤ ص ٣٢١ الرقم ٢٨٩٨.

(٤) ذكر صدره في المستدرك في الباب ٦٨ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢ وذيله في الباب ٦٩ منها ـ الحديث ٢.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ٦٨ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٨٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٤ و ٧.

٤١٤

أبي جعفر عليه‌السلام « حرم الله حرمه بريدا في بريد أن يختلى خلاه ، ويعضد شجره إلا الإذخر أو يصاد طيره ، وحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المدينة ما بين لابتيها صيدها ، وحرم حولها بريدا في بريد أن يختلى خلاها ، ويعضد شجرها إلا عودي الناضح » قال الجوهري : « الخلا مقصورا الحشيش اليابس ، تقول : خليت الخلا واختليته اي جززته وقطعته » ولكن في القاموس « الخلا مقصورا الرطب من النبات أو كل بقلة قلعتها » وعن النهاية « الخلا مقصورا النبات الرقيق ما دام رطبا ، واختلاؤه قطعه » وعن مجمع البحرين « اي لا يجتز نبتها الرقيق ما دام رطبا ، وإذا يبس سمي حشيشا » وصحيح جميل أو المرسل (١) اليه قال : « رآني علي بن الحسين عليهما‌السلام وأنا أقلع الحشيش من حول الفساطيط فقال : يا بني ان هذا لا يقلع » وصحيح ابن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « قلت له : المحرم ينزع الحشيش من غير الحرم فقال : نعم ، قلت : فمن الحرم؟ قال : لا » الى غير ذلك من النصوص التي سيمر عليك بعضها أيضا الظاهرة فيما ذكرناه من عدم الفرق بين المحرم والمحل في ذلك.

نعم لا إشكال ولا خلاف في جواز قطعهما ذلك من الحل ، بل وفي عدم الفرق بين القلع والقطع والنزع وغير ذلك مما اشتملت عليه النصوص التي لا تعارض فيها بالنسبة إلى ذلك ، بل وفي عدم الفرق بين الورق والأغصان والثمر وغير ذلك بل وفي عدم الفرق بين الرطب واليابس عدا خبري الخلا (٣) بناء على أنه الرطب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٦ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢ وفيه‌ عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : رآني علي بن الحسين عليهما‌السلام. إلخ.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨٥ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٤ و ٧.

٤١٥

وعلى تقديره فهو غير معارض لغيره ، لكن عن التذكرة والتحرير وفي الدروس والمسالك وغيرها جواز قطع اليابس ، بل في الأخير منها وإن كان متصلا بالأخضر لأنه كقطع أعضاء الميتة من الصيد ، وهو لا يوافق أصولنا ، وعن الأول منها نعم لا يجوز قلعه ، فان قلعه فعليه الضمان ، لأنه لو لم يقلع لنبت ثانيا ، ذكره بعض الشافعية ، ولا بأس به ، وظاهره الفرق بين القلع والقطع ، لكن عن المنتهى لا بأس بقلع اليابس من الشجر والحشيش ، لأنه ميت ، فلم تبق له حرمة ، وهو مناف لما سمعته منه في التذكرة إلا أن يحمل على يابس لا ينبت.

وعلى كل حال لا يخفى عليك ما فيه بعد ما سمعته من النصوص التي منها صحيح حريز وحسنه المشتملان على كل شي‌ء ينبت في الحرم ، نعم ما عنهما وفي غيرهما ـ من جواز أخذ الكماة والفقع من الحرم للمحرم وغيره ـ في محله في الأول للأصل بعد عدم تناول النصوص المزبورة له ، وتفسير تحريم مكة بتحريم قطع ما نبت فيها فيما سمعته من النصوص ، بخلاف الكماة التي تخلق في الأرض فهي كالتمرة الملقاة عليها ، وأما الثاني فالذي نعرفه شي‌ء ينبت في الأرض ويكون له ساق فيندرج في صحيحة حريز.

وكذا يجوز الانتفاع بالغصن المكسور والورق الساقط بغير فعل آدمي له أيضا بعد ظهور النصوص في كون المحرم القطع ، بل عن التذكرة القطع بذلك ، بل عنها وعن المنتهى الإجماع عليه ، بل الظاهر ذلك حتى إذا كان بفعل آدمي وإن كان هو الجاني ، للأصل المزبور بعد حرمة القياس على الصيد المذبوح في الحرم مع وضوح الفرق بوجود النص في الصيد وافتقار حله إلى أهلية الذابح وذبحه بشروط ، نعم قد يقال بتناول التحريم في صحيح حريز السابق وحسنه لمثل الاستعمال المزبور.

٤١٦

لكن الذي يظهر ولو بقرينة الفتاوى وغيرهما من النصوص إرادة تحريم القطع والقلع للنبات والشجر إلا أن ينبت في ملكه فإنه يجوز حينئذ قطعه بل قلعه كما صرح به غير واحد ، بل لا أجد فيه خلافا محققا لو كان في داره أو منزله ، لخبر حماد بن عثمان أو قويه (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم فقال : إن بنى المنزل والشجرة فيه فليس له أن يقلعها ، وإن كانت نبتت في منزله وهو له فليقلعها » وصحيحه الآخر أو خبره عنه عليه‌السلام (٢) أيضا « سألته عن الرجل يقلع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم فقال : إن كانت الشجرة لم تزل قبل أن يبني الدار أو يتخذ المضرب فليس له أن يقلعها ، وإن كانت طرأت عليه فله قلعها » وخبر إسحاق أو حسنه (٣) « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : الرجل يدخل مكة فيقطع من شجرها قال : اقطع ما كان داخلا عليك ، ولا تقطع ما لم يدخل منزلك » وفي التهذيب بعد أن روى صحيح حريز الذي ذكرناه في أول المسألة قال متصلا بقوله : « إلا ما أنبته أو غرسته » : وكل ما دخل على الإنسان فلا بأس بقلعه ، فان بنى هو في موضع يكون فيه نبت لا يجوز له قلعه ، فيحتمل أن يكون ذلك من تتمة الصحيح ، وإلا كانت فتوى منه مستظهرا لها من الخبرين الأولين اللذين هما وإن كانا مشتملين على خصوص الشجر إلا أنه لا قائل بالفرق بينه وبين غيره ، بل لعل ظاهر النصوص كون المدار على النبات سابقا ولاحقا ، ولعله لذا ذكر الحشيش في محكي الجمل والعقود ، قال : ولا تقلع شجرا نبت في الحرم إلا شجر الفواكه والإذخر ، ولا حشيشا إذا لم ينبت في ملك الإنسان ، كما أن الظاهر عدم الفرق بين المنزل وغيره ، خصوصا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٧ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨٧ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨٧ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٦.

٤١٧

بعد‌ قوله عليه‌السلام في الصحيح (١) « مضربه » بل في الأخير اقطع ما كان داخلا عليك ، وإن ذكر فيه المنزل بعد ذلك ، فما في الرياض ـ بعد منع عدم القول بالفصل قال : فإذا الأجود الاقتصار على مورد الخبرين ان عملنا بهما بزعم انجبار ضعف سندهما بفتوى الجماعة ، وإلا يشكل هذا الاستثناء ـ لا يخلو من نظر ، خصوصا بعد صحة الخبر الأول ، وكذا ما عن التهذيب والتحرير والمنتهى من الاقتصار على المنزل ، بل عن الأول منها الاختصاص بالدار من مدر أو غيره ، وهي المنزل ، بل عن النهاية والمهذب والسرائر والجامع والتلخيص والنزهة الاقتصار عليها إن أرادوا عدم الجواز في غيرها ، بل قد يقال بعدم اعتبار الملك الذي ذكره المصنف وغيره أيضا لما سمعت ، بل ظاهر النصوص المزبورة جواز قطع ما أنبته الله في ذلك ، كما عن المبسوط والتذكرة النص عليه فضلا عما أنبته هو ، فما عن الغنية والإصباح من الاقتصار على ما غرسه الإنسان في ملكه في غير محله إن أراد عدم جواز غيره ، خصوصا بعد ما سمعته من صحيح زرارة (٢) الظاهر في جواز قطع ما أنبته وغرسه وإن لم يكن في ملكه كما عن النهاية والمبسوط والسرائر والنزهة والمنتهى والتذكرة ، فما عن ابني زهرة والبراج والكيدري من التقييد بملكه في غير محله.

بل الظاهر عدم الفرق بين أن يكون من الجنس الذي من شأنه أن ينبته الآدميون كشجر الفواكه وعدمه ، بل لا يبعد اندراج ما يخرج مع الزرع الذي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

(٢) الصواب « صحيح حريز » حيث انه لم يتقدم في صحيح زرارة ما يدل على جواز قطع ما أنبته أو غرسه وانما هو مذكور في صحيح حريز المتقدم في ص ٤١٣.

٤١٨

بذره بسقيه وعمله وإن لم يكن بذره منه ، لصدق أنه أنبته ، بل لو غصب بذرا أو شجرا وغرسه في الحرم كان له قلعه من هذه الحيثية.

وبذلك ظهر لك أن عبارة المصنف وما شابهها لا تفي بما ذكرناه ، حتى لو جعل « ملكه » فيها مصدرا على معنى كون النبات في ملكه ، فإنه وإن عمم الأمرين : ما نبت في أرض مملوكة له ، وما أنبته في أرض مباحة ، إذ هما مملوكان له ، لكنه لا يشمل المغصوب ونحوه ، فالتعبير حينئذ بما في الخبر كما سمعته من الفتاوى السابقة أولى.

ثم إن الظاهر عدم الفرق بين قلعه نفسه لما أنبته أو غرسه وبين غيره ، لإطلاق الدليل المراد منه عدم الحرمة لذلك باعتبار عدم كونه من نبات الحرم ، والله العالم.

وكذا يجوز قلع شجر الفواكه من الحرم بلا خلاف أجده فيه ، بل نسبه غير واحد إلى قطع الأصحاب ، كما عن ظاهر المنتهى الاتفاق عليه بل عن الخلاف الإجماع على نفي الضمان عما جرت العادة بغرس الآدمي له نبت بغرسه أولا ، كل ذلك مضافا إلى ما تقدم من خبر سليمان بن خالد (١) ومرسل عبد الكريم (٢) المنجبرين بذلك.

وكذا يجوز قطع الإذخر والنخل بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد ، بل عن المنتهى والتذكرة الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد ما سمعته من النص على الإذخر والنخل ، مضافا إلى‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر زرارة (٣) : « رخص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قطع عودي المحالة ، وهي البكرة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٥.

٤١٩

التي يستقى بها من شجر الحرم والإذخر » وإلى هذه أشار المصنف بقوله : وعودي المحالة على رواية بل في التهذيب وعن الجامع الفتوى بها ، بل تبعهما غير واحد من المتأخرين ، لكن فيها جهل وإرسال ، ولا جابر لها على وجه يعتد أو يخص بها ما سمعت ، بل عن الحلبي إطلاق حرمة قطع شجر الحرم واختلاء خلاه من غير استثناء ، وإن كان فيه ما عرفت ، ثم على تقدير الجواز ينبغي الاقتصار على خصوص البكرة العظيمة المسماة بالمحالة اقتصارا على خصوص المنصوص وما في صحيح زرارة السابق من عودي الناضح انما هو في نبات حرم المدينة ، مع احتمال كونه المحالة أيضا ، وعلى كل حال يمكن الاستدلال به على أصل المسألة بناء على عدم القول بالفصل بين حرم المدينة ومكة بالنسبة إلى ذلك ، وستعرف الحال فيه إن شاء الله ، وعلى كل حال فلا ريب في أن الأحوط الاجتناب.

وأما استثناء عصا الراعي فلم أجده في نص ولا فتوى إلا في خبر الدعائم (١) الذي سمعته سابقا ، نعم لا بأس أن يترك المحرم فضلا عن غيره إبله ترعى في الحشيش مثلا وإن حرم عليه قطعه ، للأصل بعد عدم تناول النصوص لذلك ، والسيرة القطعية التي هي فوق الإجماع ، وصحيح حريز (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « يخلي عن البعير يأكل في الحرم ما شاء » بل في المدارك لو قيل بجواز نزع الحشيش للإبل لم يكن بعيدا ، للأصل وصحيح جميل ومحمد بن حمران (٣) قالا :

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٦٩ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨٩ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨٩ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢ وهو‌ عن جميل وعبد الرحمن بن أبي نجران عن محمد بن حمران قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام. إلخ » كما في التهذيب ج ٥ ص ٣٨٠ الرقم ١٣٢٨.

٤٢٠