جواهر الكلام - ج ١٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وكيف كان فقد عرفت وتعرف أن الإحرام لعمرة كان أو لحج من الميقات الذي وقته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له مع الاختيار وعرفت أيضا أن مكة ميقات لحج التمتع وحينئذ ف لو أحرم بحج التمتع من غير مكة لم يجزه ولو دخل مكة بإحرامه على الأشبه بأصول المذهب وقواعده التي منها اعتبار موافقة الأمر في صحة العبادة وإجزائها ووجب استئنافه منها ليوافق الأمر به ، ودخول مكة بالإحرام من غيرها ولو من ميقات العمرة مع عدم تجديده منها لا يجدي في امتثال الأمر به منها ، خصوصا بعد فساد الإحرام الأول الحاصل من غير الميقات عمدا ، واستدامة النية على ذلك الإحرام عند مروره ليست نية لإنشائه ، بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بيننا ، بل عن التذكرة والمنتهى نسبته إلى علمائنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه عندنا ، نعم عن أحمد أنه يحرم للحج من الميقات ، وعن الشافعي جواز ذلك له ، وربما أشعرت عبارة المتن بوجود خلاف فيه بيننا ، لكن عن شارح ترددات الكتاب إنكار ذلك ، بل نقل عن شيخه أن المصنف قد يشير في كتابه بنحو ذلك إلى خلاف الجمهور ، أو إلى ما يختاره من غير أن يكون خلافه مذهبا لأحد من الأصحاب فيظن أن فيه خلافا وبالجملة لا إشكال بل ولا خلاف محقق في فساد الإحرام لحج التمتع من غير مكة مع الاختيار ، فلا يجديه حينئذ المرور فيها ما لم يجدد الإحرام منها له ، كما هو واضح.

نعم لو تعذر ذلك ولو لضيق الوقت قيل والقائل الشيخ في المحكي من خلافه يجزيه ذلك الإحرام الذي أوقعه في غيرها لعذر من نسيان أو غيره ، وتبعه في كشف اللثام حاكيا له عن التذكرة أيضا للأصل ومساواة ما فعله لما يستأنفه في الكون من غير مكة ، وفي العذر ، لأن النسيان عذر والوجه أنه يستأنفه حيث أمكن ولو بعرفة إن لم يتعمد ذلك عالما بالحال ،

٢١

لأن ما أوقعه أولا لم يوافق أمرا به ، فهو فاسد ، ومن هنا كان مقتضى الأصل الفساد لا الصحة ، وأما دعوى المساواة فلا ريب في أنها قياس والأصل يقتضي العكس ، إذ المصحح للإحرام المستأنف انما هو الإجماع على الصحة معه ، وليس النسيان مصححا له حتى يتعدى به إلى غيره ، وانما هو مع العذر عذر في عدم وجوب العود ، وهو لا يوجب الاجتزاء بالإحرام معه حيثما وقع ، بل انما يجب الرجوع إلى الدليل ، وليس هنا سوى الاتفاق ، ولم ينعقد إلا على الإحرام المستأنف ، وأما السابق فلا دليل عليه ، نعم قد يقال بصحة إحرام مصادف العذر واقعا ، كما لو نسي الإحرام منها وأحرم من غيرها في حال عدم تمكنه من الرجوع إليها لو كان متذكرا ، لمصادفته الأمر به واقعا حينئذ ، فتأمل.

هذا كله في المعذور ، أما العامد فإن أمكنه استئنافه منها استأنفه ، وإلا بطل حجه ولم يفده الاستئناف من غيرها ، بل قد يتوهم من نحو إطلاق المتن عدم الفرق بين جاهل الحكم وغيره اللهم إلا أن يدعى إرادة العالم من العامد ، ولعله كذلك ، لتظافر الأخبار بعذرة إذا أخر الإحرام عن سائر المواقيت ، قال زرارة (١) « عن أناس من أصحابنا حجوا بامرأة معهم فقدموا إلى الوقت وهي لا تصلي فجهلوا أن مثلها ينبغي أن تحرم فمضوا بها كما هي حتى قدموا مكة وهي طامث حلال ، فسألوا بعض الناس فقالوا : تخرج إلى بعض المواقيت فتحرم منه وكانت إذا فعلت لم تدرك الحج ، فسألوا أبا جعفر عليه‌السلام فقال : تحرم من مكانها قد علم الله نيتها » وقال ابن عمار (٢) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم فقالوا : ما ندري أعليك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦ من كتاب الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الحج.

٢٢

إحرام أم لا وأنت حائض ، فتركوها حتى دخلت الحرم ، فقال : إن كان عليها مهلة فلترجع إلى الوقت فلتحرم منه ، وإن لم يكن عليها وقت فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها الحج فتحرم » وقال سورة بن كليب (١) « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : خرجت معنا امرأة من أهلنا فجهلت الإحرام فلم تحرم حتى دخلنا مكة ونسينا أن نأمرها بذلك فقال : فمروها فلتحرم من مكانها من مكة أو من المسجد » وقال عبد الله (٢) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل مر على الوقت الذي أحرم الناس منه فنسي أو جهل فلم يحرم حتى أتى مكة فخاف إن رجع إلى الوقت أن يفوته الحج فقال : يخرج من الحرم فيحرم ويجزيه ذلك » وقال الكناني (٣) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل جهل أن يحرم حتى دخل الحرم كيف يصنع؟ قال : يخرج من الحرم ثم يهل بالحج » بل أطلق في‌ خبر الحلبي (٤) على وجه يشمل العالم العامد وإن لم نجد به قائلا هنا ، بل صرح غير واحد بفوات نسكه حينئذ كما هو مقتضى القواعد ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم فقال : يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذين يحرمون منه فيحرم ، وإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه ، فان استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج » بل في‌ مرسل جميل (٥) عن أحدهما عليهما‌السلام « في رجل نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المناسك كلها وطاف وسعى قال : يجزيه نيته إذا كان قد نوى ذلك فقد تم حجه وإن لم يهل » بل في‌ صحيح علي بن جعفر (٦) عن أخيه عليهما‌السلام الذي استدل به في المدارك على الحكم المزبور‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المواقيت الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المواقيت الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المواقيت الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المواقيت الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢.

٢٣

وإن كان فيه ما فيه ـ خصوص المتمتع ، قال : « سألته عن رجل كان متمتعا خرج إلى عرفات وجهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده قال : إذا قضى المناسك كلها فقد تم حجه » إلا ان الاستدلال به موقوف على القول بمضمونه حتى يستفاد منه حكم المقام بالأولوية ، وتسمع إن شاء الله تحقيق القول في ذلك ، واحتمال الفرق بين ميقات إحرام حج التمتع وغيره بعيد ، بل‌ قوله عليه‌السلام في بعضها : « قد علم الله نيتها » مما هو كالتعليل الشامل للمقام.

وعلى كل حال ف هل يسقط الدم والحال هذه أي أحرم بالحج من غير مكة للعذر بل في ميقات العمرة أو مر عليه وهو محرم بالحج؟ فيه تردد ينشأ من انه جبران لما فات من إحرام الحج من الميقات كما عن الشافعي ، فيتجه حينئذ سقوطه في الأول المفروض فيه حصوله من الميقات ، بل والثاني في وجه وهو مروره وهو متلبس به عليه ، بل قيل هو ظاهر المبسوط ، وحينئذ فيسقط عن الأول بطريق الأولى ، ومن انه نسك مستقل لا مدخلية له في ذلك ـ كما هو ظاهر الأصحاب ، بل والأدلة بل عن صريح المبسوط وصريح الخلاف انه نسك بل عن صريح الثاني منهما عدم سقوطه عنهما ـ فالتردد فيه حينئذ واضح الضعف.

ولا يجوز للمتمتع الخروج من مكة حتى يأتي بالحج وفاقا للمشهور على ما في المدارك لأنه صار مرتبطا به كما سمعت المعتبرة المستفيضة به إلا على وجه لا يفتقر إلى تجديد عمرة بأن يخرج محرما بالحج باقيا على إحرامه حتى يحصل الحج منه ، أو يعود للحج قبل مضي شهر كما في القواعد جمعا بين النصوص السابقة وبين‌ مرسل موسى بن القاسم (١) عن بعض أصحابنا « انه سأل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣.

٢٤

أبا جعفر عليه‌السلام في عشر من شوال فقال : إني أريد ان أفرد عمرة هذا الشهر فقال : أنت مرتهن بالحج ، فقال له الرجل : ان المدينة منزلي ومكة منزلي ولي فيهما أهل وبينهما أموال فقال : أنت مرتهن بالحج ، فقال له الرجل : فإن لي ضياعا حول مكة وأريد الخروج إليها فقال : تخرج حلالا وترجع حلالا الى الحج » بناء على كون السؤال منه عن إفراد العمرة بعد ان قصد التمتع بها ، وإطلاقه الحل خارجا وراجعا مقيد بما إذا رجع قبل شهر ، لخبر إسحاق بن عمار (١) سأل أبا الحسن عليه‌السلام « عن المتمتع يجي‌ء فيقضي متعته ثم تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة والى ذات عرق والى بعض المعادن قال : يرجع الى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه ، لأن لكل شهر عمرة ، وهو مرتهن بالحج » ومرسل الصدوق (٢) عن الصادق عليه‌السلام « إذا أراد المتمتع الخروج من مكة الى بعض المواضع فليس له ذلك لأنه مرتبط بالحج حتى يقضيه إلا ان يعلم أنه لا يفوته الحج ، وان علم وخرج وعاد في الشهر الذي خرج فيه دخل مكة محلا ، وان دخلها في غير ذلك الشهر دخل محرما » وحسن حماد (٣) السابق.

لكن فيه أن المرسل الأخير يقتضي الجواز ولو بعد شهر لكن يعود بعمرة جديدة ، على أن هذه النصوص غير جامعة لشرائط الحجية ، ولا شهرة محققة جابرة لها ، بل لم نعرف ذلك إلا للمصنف والفاضل ، بل في كشف اللثام أنه أطلق المنع في الوسيلة والمهذب والإصباح وموضع من النهاية والمبسوط ، واستثنى ابن حمزة الاضطرار وان قال الشهيد : لعلهم أرادوا بالخروج المحوج إلى عمرة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٦.

٢٥

أخرى كما قاله في المبسوط أو الخروج لا بنية العود ، لكن فيه انه لا داعي الى ذلك بل يمكن ان يكون لحرمة الخروج مطلقا عندهم.

وعلى كل حال فالمتجه الاقتصار في الخروج على الضرورة ، وان لا يخرج معها إلا محرما ، لإطلاق النصوص المزبورة ، ولاحتمال عدم التمكن بعد ذلك من العود إلى مكة للإحرام بالحج ، أو لصدق الاتصال حينئذ بالحج ، ولغير ذلك ، لكن في كشف اللثام إلا ان يتضرر كثيرا بالبقاء على الإحرام لطول الزمان ، فيخرج محلا حينئذ للأصل وانتفاء الحرج ، ومرسل موسى بن القاسم المتقدم على وجه ، بل قال : ومرسل الصدوق يحتمله والجهل وفيه ان الأصل مقطوع بإطلاق الأدلة ، وعدم الحرج الذي يصلح مقيدا له ، كالاحتمال في المرسلين اللذين لا جابر لهما ، ودعوى ان الحرمة انما هي لفوات الارتباط بين الحج وعمرته فلا معنى لها مع فرض عدم الافتقار إلى عمرة بالرجوع قبل شهر يدفعها انها كالاجتهاد في مقابلة النصوص السابقة بناء على العمل بها ، نعم عن السرائر والنافع والمنتهى والتذكرة وموضع من التحرير وظاهر التهذيب وموضع من النهاية والمبسوط كراهة الخروج لا حرمته. للأصل والجمع بين النصوص بشهادة‌ قوله عليه‌السلام : « ما أحب » في خبر حفص (١) منها ، وهو لا يخلو من وجه.

وكيف كان ف لو جدد عمرة بخروجه محلا لرجوعه بعد شهر تمتع بالأخيرة وتصير الأولى مفردة ، لحسن حماد السابق ، ولارتباط عمرة التمتع بحجه ، وظهور الآية (٢) في الاتصال ، بل في كشف اللثام ولعله اتفاقي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٧ وهو خبر الحلبي.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

٢٦

والظاهر عدم طواف للنساء عليه وإن احتمله بعضهم ، لأنه أحل منها بالتقصير وربما أتى النساء قبل الخروج ، ومن البعيد جدا حرمتهن عليه بعده من غير موجب ، ولو رجع قبل شهر دخل مكة محلا ، لكن عن التهذيب والتذكرة ان الأفضل ان يدخل محرما بالحج ، لخبر إسحاق بن عمار المتقدم سابقا في الإحرام من مكة الذي قلنا لا صراحة فيه بذلك أي جواز الإحرام لحج التمتع من غير مكة ، لجواز حج الصادق عليه‌السلام مفردا أو قارنا ، بل في كشف اللثام وكلام الشيخ يحتمله بعيدا ، وإعراض الكاظم عليه‌السلام عن الجواب وجواز صورة الإحرام تقية ، وأمر الكاظم عليه‌السلام أيضا بها تقية ويمكن القول باستحبابه أو وجوبه تعبدا وان وجب تجديده بمكة ، ويجوز كون الحج بمعنى عمرة التمتع بل العمرة مطلقا ، ويأتي إنشاء الله تمام الكلام فيه كما أنه يأتي الكلام في اعتبار الفصل بالشهر بين العمرتين ، وان ظاهر نصوص المقام اعتبار كون الرجوع في غير شهر عمرته في العمرة الجديدة ، لا فصل شهر كما هو ظاهر الأصحاب وصريح بعضهم حتى أنهم اختلفوا في مبدأ حساب الشهر وانه من إخلاله بالعمرة أو غير ذلك ، بل ان لم يكن إجماعا أمكن القول ان ذلك البحث إنما هو في الفصل بين العمرتين المفردتين لا في مثل الفرض الذي هو عمرة التمتع التي يجب إكمالها بالحج بعدها ، وقد دخلت فيه دخول الشي‌ء بعضه في بعض كما هو مقتضى تشبيك أصابعه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو حينئذ قبل قضائه في أثناء العمل ، فلا وجه لاستئنافه عمرة في أثنائه ، والنصوص المزبورة مع عدم جامعية كثير منها شرائط الحجية يمكن حملها على التقية ، ولعل ما في النصوص من الخروج محرما تعليم للجمع بين قضاء ضرورته وإيصال حجه بعمرته ، نعم لو قلنا بفساد عمرة تمتعه بخروجه ورجوعه بعد شهر أمكن حينئذ القول باستئناف عمرة جديدة ، لوجوب الحج عليه بإفساده‌

٢٧

إلا أنه ليس قولا لأحد من الأصحاب والحاصل ان المسألة غير محررة في كلام الأصحاب ، والتحقيق ما ذكرنا ، وربما يأتي لذلك إنشاء الله تتمة.

ولعله لذا تردد الشهيد في حواشي الدروس في بعض أحكام المسألة قال : « وهنا فوائد الأولى هل يحرم بهذه العمرة من خارج الحرم أو من ميقات عمرة التمتع؟ نظر. الثانية هل هذه عمرة التمتع حقيقة أو لضرورة الدخول إلى مكة لمكان الإحرام؟ احتمالان ، والفائدة في وجوب طواف النساء فيها ، فعلى الثاني يجب ، وعلى الأول لا يجب ، وفي النية ، فعلى الثاني ينوي عمرة الافراد ، وعلى الأول ينوي عمرة التمتع. الثالثة لو عرض في هذه (١) مانع من الإكمال فهل يعدل الى حج الافراد أو لا؟ وتصريح الأصحاب بالتمتع بها يمكن حمله على اتصالها بالحج وإن كانت مفردة ، لأن امتثال الأمر حصل بالأولى ، وهو يقتضي الإجزاء » قلت : وكان آخر كلامه صريح في ان عمرة التمتع الاولى لا الثانية وان جوزنا العدول منها الى الحج أيضا باعتبار اتصالها به ، ولعله على هذا يحمل الخبر المزبور لا أن الاولى بطلت متعة بالخروج ، والمتمتع بها الثانية كما هو ظاهر عبارة المصنف وغيره ، وبالجملة المسألة غير محررة حتى بالنسبة إلى اعتبار الشهر ، فإنه ان كان لأنه أقل ما يفصل به بين العمرتين فستعرف تحقيق الحال في ذلك ، وانه تشرع العمرتان بأقل من ذلك ، على ان المسألة خلافية ، ولم يشر احد منهم الى بناء ذلك على ذلك الخلاف ، وان كان هو لخصوص هذه الأدلة وان لم نقل به في غيرها فقد عرفت ان كثيرا‌

__________________

(١) في المخطوطة المبيضة « ولو عرض في هذا » ولكن في المسودة « ولو عرض في هذه » وهو الصواب لان « هذه » إشارة إلى العمرة لا الإحرام فإن الكلام في أحكام العمرة.

٢٨

منها غير جامع لشرائط الحجية ، فلا ريب في ان الاولى والأحوط الاقتصار في الخروج من مكة على الضرورة ، وانه لا يخرج إلا محرما بالحج ، هذا. وليس في كلامهم تعرض لما لو رجع حلالا بعد شهر ولو آثما ، فهل له الإحرام بالحج بانيا على عمرته الأولى أو انها بطلت للتمتع بالخروج شهرا؟ ولكن الذي يقوى في النظر الأول ، لعدم الدليل على فسادها ، بل هذا مؤيد لما ذكرناه فتأمل وكيف كان فالأولى والأحوط ما سمعت من الاقتصار ، والله العالم.

ولو دخل بعمرة إلى مكة وخشي ضيق الوقت جاز له نقل النية الى الافراد وكان عليه عمرة مفردة بلا خلاف أجده فيه ، بل لعل الإجماع بقسميه عليه ، وانما الخلاف في حد الضيق ، ففي القواعد وعن الحلبيين وابني إدريس وسعيد يحصل التمتع بإدراك مناسك العمرة وتجديد إحرام الحج وان كان بعد زوال الشمس يوم عرفة إذا علم إدراك الوقوف بها ، وحينئذ فحد الضيق خوف فوات اختياري الركن من وقوف عرفة ، ولعله يرجع اليه ما عن المبسوط والنهاية والوسيلة والمهذب من الفوات بزوال الشمس من يوم عرفة قبل إتمام العمرة بناء على تعذر الوصول غالبا الى عرفة بعد هذا الوقت لمضي الناس عنه ، لا أن المراد حتى إذا تمكن وأدرك مسمى الوقوف بعد الزوال ، وعن علي بن بابويه والمفيد « ان حد فوات السعة زوال الشمس من يوم التروية » وعن المقنع والمقنعة « أنه غروب الشمس منه قبل الطواف والسعي » وفي الدروس عن الحلبي انه قال : « وقت طواف العمرة إلى غروب الشمس يوم التروية للمختار والمضطر الى ان يبقى ما يدرك عرفة آخر وقتها » وعن ظاهر ابن إدريس ومحتمل أبي الصلاح في حجة الإسلام ونحوها مما تعين فيها المتعة لم يجز العدول ما لم يخف فوات اضطراري عرفة.

والأصل في هذا الاختلاف اختلاف النصوص ، إلا أن الكثير منها ينطبق‌

٢٩

على الأول ، ففي‌ مرسل ابن بكير (١) عن بعض أصحابنا انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن المتعة متى تكون؟ قال : يتمتع ما ظن انه يدرك الناس بمنى » قلت : أي ذاهبين الى عرفة ، وخبر يعقوب بن شعيب الميثمي (٢) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا بأس للمتمتع ان لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسر له ما لم يخف فوات الموقفين » وعن بعض النسخ « ان يحرم من ليلة عرفة » مكان « ان لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسر له » يعني يحرم متى ما تيسر له ، وفي‌ مرفوع سهل (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في متمتع دخل يوم عرفة قال : متعته تامة الى ان يقطع التلبية » قلت : الى أن يقطع الناس تلبيتهم وهو زوال الشمس من يوم عرفة ، فإنه وقت قطع التلبية أراد عليه‌السلام انه إذا دخل مكة قبل زوال آالشمس أمكن إدراك المتعة تامة ، وفي‌ المرسل (٤) عن أبي بصير « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المرأة تجي‌ء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة ، فقال : ان كانت تعلم انها تطهر وتطوف بالبيت وتحل من إحرامها وتلحق بالناس فلتفعل » وفي‌ خبر العقرقوفي (٥) قال : « خرجت أنا وحديد فانتهينا الى البستان يوم التروية ، فتقدمت على حمار فقدمت مكة فطفت وسعيت وأحللت من تمتعي ثم أحرمت بالحج وقدم حديد من الليل ، فكتبت الى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٣ وهو مسند الى أبي بصير على ما في الوسائل وكذلك في التهذيب ج ٥ ص ٤٧٥ ورواه الشيخ قدس‌سره في الاستبصار ج ٢ ص ٣١١ والتهذيب ج ٥ ص ٣٩١ والكليني ( قده ) في الكافي ج ٤ ص ٤٤٧ مرسلا عن أبي بصير.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٤.

٣٠

أبي الحسن عليه‌السلام أستفتيه في أمره فكتب الي مره يطوف ويسعى ويحل من متعته ويحرم بالحج ويلحق الناس بمنى ولا يبيتن بمكة » وفي‌ خبر الحلبي (١) عن الصادق عليه‌السلام « المتمتع يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ما أدرك الناس بمنى » وفي‌ خبر مرازم بن حكم (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المتمتع يدخل ليلة عرفة مكة أو المرأة الحائض متى تكون لهما المتعة؟ فقال : ما أدركوا الناس بمنى » وصحيح الحلبي (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أهل بالحج والعمرة جميعا قدم مكة والناس بعرفات فخشي ان هو طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يفوته الموقف فقال : يدع العمرة فإذا أتم حجه صنع كما صنعت عائشة ولا هدي عليه » وصحيح جميل (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة ، وله الحج إلى زوال الشمس من يوم النحر » وفي‌ خبر محمد بن سرو أوجزك (٥) « كتبت إلى أبي الحسن الثالث‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١٤ عن مرازم بن حكيم كما في التهذيب ج ٥ ص ١٧١ والاستبصار ج ٢ ص ٢٤٧ وهو الصحيح.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١٦ عن محمد ابن مسرور ، ولكن في التهذيب ج ٥ ص ١٧١ والاستبصار ج ٢ ص ٢٤٧ محمد ابن سرو ، وفي جامع الرواة : محمد بن سرد في نسخة واخرى سرو ، وذكر انه الراوي لهذا الحديث ، ولكن لم يرد فيه توثيق ، وأما محمد بن جزك فهو من أصحاب الهادي عليه‌السلام ثقة على ما عن الخلاصة ورجال الشيخ ( قده ) وقد روى هذا الحديث الشيخ حسن ( قده ) صاحب المعالم في المنتقى ج ٢ ص ٥٢١ عن محمد بن مسرور كالوسائل وذكر انه هو ابن جزك والغلط وقع في اسم أبيه من الناسخين.

٣١

عليه‌السلام ما تقول في رجل متمتع بالعمرة إلى الحج وافي غداة عرفة وخرج الناس من منى إلى عرفات أعمرته قائمة أو قد ذهبت منه ، إلى أي وقت عمرته قائمة إذا كان متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يواف يوم التروية ولا ليلة التروية؟ فكيف يصنع؟ فوقع عليه‌السلام ساعة يدخل مكة إن شاء يطوف ويصلي ركعتين ويسعى ويقصر ويحرم بحجته ويمضي إلى الموقف ويفيض مع الامام » وخبر زرارة (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يكون في يوم عرفة وبينه وبين مكة ثلاثة أميال وهو متمتع بالعمرة إلى الحج فقال : يقطع التلبية تلبية المتعة ، يهل بالحج بالتلبية إذا صلى الفجر ، ويمضي إلى عرفات فيقف مع الناس ويقضي جميع المناسك ويقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم ولا شي‌ء عليه » وهو كالصريح في خوف فوات اختياري عرفة ، إلى غير ذلك من النصوص المتفقة في الدلالة على مشروعية المتعة في ليلة عرفة ويومها ، بل إذا كان المراد مما قيد فيها بالزوال نحو ما ذكرناه في كلام المبسوط اتفقت جميعا على مختار المصنف الذي كاد يكون صريحا فيه الخبر الأخير ، بل يؤيدها أيضا ما تسمعه في مسألة الحائض إذ الظاهر عدم الفرق بينها وبين غيرها من ذوي الأعذار ، نعم لا يبعد القول بأن مشروعيتها بعد الزوال من يوم عرفة للمضطر خاصة ، لمزاحمتها حينئذ بعض وقوف عرفة وان لم يكن الركن منه.

ولا ينافيها‌ خبر العيص بن القاسم (٢) « سألت أبا عبد الله ( عليه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١٠.

٣٢

السلام ) عن المتمتع يقدم مكة يوم التروية صلاة العصر تفوته المتعة قال : لا له ما بينه وبين غروب الشمس ، وقال : قد صنع ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ولا‌ خبر إسحاق بن عبد الله (١) « سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن المتمتع يدخل مكة يوم التروية فقال : للمتمتع ما بينه وبين الليل » ولا‌ خبر عمر بن يزيد (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا قدمت مكة يوم التروية وأنت متمتع فلك ما بينك وبين الليل أن تطوف بالبيت وتسعى وتجعلها متعة » ولا‌ المرسل (٣) في التهذيب والاستبصار روى لنا الثقة من أهل البيت عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام أنه قال : « أهل بالمتعة بالحج يريد يوم التروية إلى زوال الشمس وبعد العصر وبعد المغرب وبعد العشاء ما بين ذلك كله واسع » ضرورة عدم دلالة الجميع على عدم مشروعية غير ذلك إلا بالمفهوم الذي لا يصلح معارضا للنصوص الصريحة التي سمعتها.

نعم ينافيها‌ خبر زكريا بن عمران (٤) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المتمتع إذا دخل يوم عرفة قال : لا متعة له ، يجعلها عمرة مفردة » وخبر إسحاق ابن عبد الله (٥) عن أبي الحسن عليه‌السلام « المتمتع إذا قدم ليلة عرفة فليست له متعة يجعلها حجة مفردة ، إنما المتعة إلى يوم التروية » وخبر موسى بن عبد الله (٦) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المتمتع يقدم مكة ليلة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١٣.

(٤) الاستبصار ج ٢ ص ٢٤٩ الرقم ٨٧٤ ورواه في الوسائل في الباب ٢١ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٨ عن التهذيب ج ٥ ص ١٧٣ عن زكريا بن آدم.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٩.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١٠.

٣٣

عرفة قال : لا متعة له ، يجعلها حجة مفردة ويطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ويخرج إلى منى ولا هدي عليه ، إنما الهدي على المتمتع » وخبر علي ابن يقطين (١) « سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن الرجل والمرأة يتمتعان بالعمرة إلى الحج ثم يدخلان مكة يوم عرفة كيف يصنعان؟ قال يجعلانها حجة مفردة ، وحد المتعة إلى يوم التروية » وخبر عمر بن يزيد (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا قدمت مكة يوم التروية وقد غربت الشمس فليس لك متعة امض كما أنت بحجك ».

إلا أنها إخبار شاذة نادرة القائل تشبه بعض أخبار المواقيت ، بل فيها ما هو كالموضوع نحو‌ قوله : عليه‌السلام « قد صنع ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » مع انه لم يتمتع ابدا ، اللهم إلا ان يراد صنعه لغيره بأن أمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به أو أنه كان ذلك لحكمة عدم إرادة معروفية الشيعة في ذلك الوقت بالتخلف عن يوم التروية الذي يخرج الناس فيه إلى منى ، بل يلوح من بعضها آثار ما ذكرنا ، خصوصا‌ خبر ابن بزيع (٣) منها قال : « سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل ان تحل متى تذهب متعتها؟ قال : كان جعفر عليه‌السلام يقول : زوال الشمس من يوم التروية ، وكان موسى عليه‌السلام يقول : صلاة الصبح من يوم التروية ، فقلت : جعلت فداك عامة مواليك يدخلون يوم التروية ويطوفون ويسعون ثم يحرمون بالحج ، فقال : زوال الشمس ، فذكرت له رواية عجلان أبي صالح فقال : لا ، إذا زالت الشمس ذهبت المتعة ، فقلت : فهي على إحرامها أم تجدد إحرامها للحج؟ فقال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١٤.

٣٤

لا هي على إحرامها ، فقلت : فعليها هدي قال : لا إلا أن تحب أن تتطوع ، ثم قال : أما نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة » ضرورة أن نقله عن جعفر عليه‌السلام كذا وعن موسى عليه‌السلام كذا ـ مع أنه مناف لما سمعته من نصوص التوسعة في يوم التروية إلى غروب الشمس ، بل في بعضها بعد العشاء ـ هذا كله دليل على ما ذكرنا ، أو على اختلاف أوقات التمكن إلى الوصول إلى عرفات باختلاف الناس ، أو على أن المراد بيان تفاوت مراتب أفراد المتعة في الفضل بمعنى أن أفضل أنواع التمتع أن تكون عمرته قبل ذي الحجة ، ثم يتلوه ما تكون عمرته قبل يوم التروية ، ثم ما يكون قبل ليلة عرفة ، ثم ما يمكن معها إدراك الموقفين ، ثم من كانت فريضته التمتع يكتفي بإدراك الأخير منها ، ومن يتطوع بالحج ولم يتيسر له العمرة إلا بعد التروية أو عرفة فالمستفاد من بعض الأخبار أن العدول إلى الافراد أولى له ولو لبعض الأمور التي لا ينافيها أفضلية التمتع بالذات على الافراد ، وربما ظهر من بعض متأخري المتأخرين الجمع بين النصوص بالتخيير بين التمتع والافراد إذا فات زوال يوم التروية أو تمامه ، وهو جيد إن أراد ما ذكرناه ، لا في صورة وجوب حج التمتع المعلوم من مذهب الشيعة وجوبه على النائي إذا تمكن منه من غير استثناء حال من الأحوال ، ولذا صرح الشيخ ـ بعد الجمع بين النصوص المزبورة بإرادة نفي الكمال في المتعة ، وبالخيار بينها وبين الافراد على الوجه المزبور ـ بأن ذلك إذا كان الحج مندوبا لا فيما إذا كان هو الفريضة ، بل قد سمعت من ابن إدريس الاكتفاء في الوجوب بإدراك اضطراري عرفة وإن كان الأقوى خلافه.

وعلى كل حال فلا ريب في أن الأقوى ما قلناه ، وعليه استقر المذهب بل ما تسمعه في المسألة الآتية مؤيد لذلك ، وهي التي أشار إليها المصنف بقوله : وكذا الحائض والنفساء إذا منعهما عذرهما عن التحلل وإنشاء الإحرام بالحج‌

٣٥

لضيق الوقت عن التربص لقضاء أفعال العمرة على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة ، بل في المنتهى الإجماع عليه ، قال : « إذا دخلت المرأة مكة متمتعة طافت وسعت وقصرت ثم أحرمت بالحج كما يفعل الرجل سواء ، فان حاضت قبل الطواف لم يكن لها أن تطوف بالبيت إجماعا ، لأن الطواف صلاة ، ولأنها ممنوعة من الدخول إلى المسجد ، وتنتظر إلى وقت الوقوف بالموقفين ، فان طهرت وتمكنت من الطواف والسعي والتقصير وإنشاء الإحرام بالحج وإدراك عرفة صح لها التمتع ، وإن لم تدرك ذلك وضاق عليها الوقت أو استمر بها الحيض إلى وقت الوقوف بطلت متعتها وصارت حجتها مفردة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع » قيل ونحوه عن التذكرة ، وليس فيهما إشارة إلى الخلاف السابق في فوات وقت العمرة فهو حينئذ شاهد على المختار هناك ، إذ الظاهر عدم الفرق بين الأعذار ، واحتمال خروج الحائض من بينها للأدلة الخاصة يدفعه أن من نصوص توقيت المتعة بيوم التروية ما هو في الحائض.

وعلى كل حال فلا ريب في أن الأصح ما عليه المشهور ، لصحيح جميل (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية قال : تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة ، ثم تقيم حتى تطهر وتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة » قال ابن أبي عمير « كما صنعت عائشة » وخبر إسحاق (٢) عن أبي الحسن عليه‌السلام « سألته عن المرأة تجي‌ء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتى تخرج إلى عرفات قال : تصير حجة مفردة ، قلت : عليها شي‌ء قال : دم تهريقه وهي أضحيتها » وصحيح ابن بزيع (٣) المتقدم سابقا ، وخبر الأعرج (٤)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

٣٦

الآتي في المسألة الآتية.

خلافا للمحكي عن الإسكافي وعلي بن بابويه وأبي الصلاح من بقائها على متعتها ، فتفعل حينئذ غير الطواف من أفعالها وتقصر ثم تحرم بالحج من مكانها ثم تقضي ما فاتها من الطواف بعد أن تطهر وحكاه في كشف اللثام عن الحلبيين وجماعة ، كما أنه حكي فيه عن أبي علي التخيير بينهما ، وعلى كل حال فالأول لخبر العلاء بن صبيح والبجلي وابن رئاب وعبد الله بن صالح كلهم (١) يروونه عن أبي عبد الله عليه‌السلام « المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها وبين التروية ، فإن طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة وإن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت واحتشت وسعت بين الصفا والمروة ثم خرجت إلى منى ، فإذا قضت المناسك وزارت البيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها ، ثم طافت طوافا للحج ثم خرجت فسعت ، فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شي‌ء يحل منه المحرم إلا فراش زوجها ، فإذا طافت أسبوعا آخر حل لها فراش زوجها » وخبر عجلان أبي صالح (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : متمعة قدمت مكة فرأت الدم كيف تصنع؟ قال : تسعى بين الصفا والمروة وتجلس في بيتها ، فان طهرت طافت بالبيت وإن لم تطهر فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء وأهلت بالحج وخرجت إلى منى فقضت المناسك كلها ، فإذا فعلت ذلك فقد حل لها كل شي‌ء ما عدا فراش زوجها ، قال : وكنت أنا وعبد الله بن صالح سمعنا هذا الحديث في المسجد فدخل عبد الله على أبي الحسن عليه‌السلام فخرج إلى فقال : قد سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رواية عجلان فحدثني بنحو ما سمعنا من عجلان » ونحوه‌ خبر درست (٣) إلى قوله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢ عن درست الواسطي عن عجلان أبي صالح.

٣٧

عليه‌السلام : « فراش زوجها » إلا أنه قال : « وأهلت بالحج من بيتها » وزاد بعد قوله عليه‌السلام : « وقضت المناسك كلها » « فإذا قدمت مكة طافت بالبيت طوافين وسعت بين الصفا والمروة » وخبره الآخر (١) أنه سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إذا اعتمرت المرأة ثم اعتلت قبل أن تطوف قدمت السعي وشهدت المناسك ، فإذا طهرت وانصرفت من الحج قضت طواف العمرة وطواف الحج وطواف النساء ثم أحلت من كل شي‌ء » وكان التخيير المزبور وجه جمع بين النصوص ، إلا أنه مع كونه لا شاهد له فرع التكافؤ المفقود في المقام من وجوه.

ومن هنا جمع بعض المتأخرين بينها بطريق آخر ، وهو الفرق بين من أحرمت وهي طاهر فإنها تقضي طوافها بعد ذلك ، وبين من أحرمت وهي حائض فإنها تبطل متعتها وتعدل إلى حج الافراد ، والشاهد على ذلك‌ خبر أبي بصير (٢) قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في المرأة المتمتعة إذا أحرمت وهي طاهر ثم حاضت قبل أن تقضي متعتها : سعت ولم تطف حتى تطهر ثم تقضي طوافها وقد قضت عمرتها ، وإن هي أحرمت وهي حائض لم تسع ولم تطف حتى تطهر » وهو ـ مع أنه قول لم نعرف لأحد من أصحابنا ، بل لا يوافق الاعتبار ، ضرورة عدم الفرق بين الحالين بعد عدم اعتبار ( عدم ظ ) الحيض في السعي والتقصير ـ لا يتم في بعض (٣) النصوص السابقة الذي هو كالصريح في بطلان متعتها في الأول.

ومن هنا جمع الشيخ بينها بحمل نصوص قضاء الطواف على من طافت أربعا كما تسمعه في المسألة الآتية ونصوص العدول إلى الافراد على من لم تطف شيئا منه ، وجعل الخبر المزبور شاهدا على ذلك باعتبار أنها لو أحرمت وهي حائض قد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١٣.

٣٨

علم عدم وقوع شي‌ء من الطواف منها ، بخلاف من أتاها الحيض بعد الإحرام الذي هو موضوع نصوص القضاء ، ولا بأس به بعد أن عرفت استحقاقها للطرح باعتبار عدم مقاومتها للأخبار السابقة من وجوه ، وأما ما يحكى عن بعض الناس من استنابتها من يطوف عنها فلم نعرف القائل به ولا دليله ، بل مقتضي القواعد فضلا عن الأدلة خلافه ، وكذا ما في بعض النصوص (١) من تأخيرها السعي لو فرض عروض الحيض لها بعد إتمام الطواف لم نعرف قائلا به.

ولو تجدد العذر وقد طافت أربعا صحت متعتها وأتت بالسعي وبقية المناسك التي قد عرفت عدم اشتراط شي‌ء منها بالطهارة وقضت بعد طهرها ما بقي من طوافها قبل طواف الحج ، لتقدم سببه كما في كلام بعض ، أو بعده كما في كلام آخر ، أو مخيرة كما هو مقتضى إطلاق الأدلة على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة ، لعموم ما دل (٢) على إحراز الطواف بإحراز الأربعة منه ، وخصوص النصوص كخبر أبي بصير (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بين الصفا والمروة فجازت النصف فعلمت ذلك الموضع ، فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الذي علمته ، وان هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله » وخبر أحمد بن عمر الحلال (٤) عن أبي الحسن عليه‌السلام « سألته عن امرأة طافت خمسة أشواط ثم اعتلت قال : إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بين الصفا والمروة وجاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت ، فإذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من اوله » والمراد بمجاوزة النصف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٩ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

٣٩

بلوغ الأربع فما زاد بقرينة غيره من النص والفتوى ، وذكر الصفا والمروة معه لا ينافي حجيتهما فيه كما هو واضح ، وخبر إسحاق بياع اللؤلؤ (١) عمن سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « المرأة المتمتعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثم رأت الدم فمتعتها تامة » وزاد في التهذيب والاستبصار « وتقضي ما فاتها من الطواف بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، وتخرج إلى منى قبل ان تطوف الطواف الأخير » قلت : لعل المراد بالطواف الأخير الطواف المقضي ، وصحيح سعيد الأعرج (٢) « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت قال : تتم طوافها فليس عليها غيره ، ومتعتها تامة ، فلها ان تطوف بين الصفا والمروة ، وذلك لأنها زادت على النصف وقد قضت متعتها وتستأنف بعد الحج » وزاد في الفقيه (٣) بعد ان رواه مرسلا « وإن هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج ، فإن أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج إلى الجعرانة أو إلى التنعيم فلتعتمر » بل في‌ خبر محمد (٤) الاكتفاء بثلاثة أشواط أو أقل ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك ثم رأت دما قال : تحفظ مكانها ، فإذا طهرت طافت منه واعتدت بما مضى » بل في الفقيه بهذا الحديث افتي دون الحديث السابق عليه لأن إسناده متصل ومضمونه رخصة ورحمة ، بخلاف الأول ، وفيه ـ مع ندرة القول بذلك ، بل استقرت الكلمة بعده على خلافه ـ ان الخبر المزبور هو قد رواه مرسلا ، وإلا ففي التهذيب وغيره مسند ، على ان الدليل غير منحصر فيه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨٦ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٣.

٤٠