جواهر الكلام - ج ١٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

صاحبه : والله لا تعمله ، فيقول : والله لأعملنه ، فيحالفه مرارا أيلزمه ما يلزم صاحب الجدال؟ قال : انما أراد بهذا إكرام أخيه ، انما ذلك ما كان فيه معصية » وفي‌ خبر يونس بن يعقوب (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يقول : لا والله وبلى والله وهو صادق عليه شي‌ء قال : لا » الى غير ذلك من النصوص المتفقة كالفتاوى على اعتبار اليمين في الجدال الذي لا ريب في تحققه عرفا بدونه ضرورة كونه الخصومة لا خصوص المتأكدة باليمين.

ولكن في كشف اللثام وكأنه لا خلاف عندنا في اختصاص الحرمة بها ، وحكى السيدان الإجماع عليه ، ويؤيده مع ذلك أصالة البراءة من غيره ، بل في الغنية والجدال وهو عندنا قول : لا والله وبلى والله بدليل إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط ، وقول المخالف : ليس في لغة العرب ان الجدال هو اليمين ليس بشي‌ء ، لأنه ليس بممتنع أن يقتضي العرف الشرعي ما ليس في الوضع اللغوي كما تقوله في لفظ الغائط ، بل ظاهر الأخير منها بل وسابقه اعتبار الكذب ، أو كونه في معصية مع ذلك ، فلو جادل صادقا لم يكن عليه شي‌ء ، مؤيدا ذلك بأصل البراءة وبنفي الضرر والحرج في الدين ، وبأنه ربما وجب عقلا وشرعا ، إلا ان عموم النص والفتوى وخصوص نص (٢) الكفارة على الصادق بخلافه ، ولعله لذا قال الجعفي على ما في الدروس : الجدال فاحشة إذا كان كاذبا أو في معصية ، فإذا قاله مرتين فعليه شاة ، بل في القواعد وفي دفع الدعوى الكاذبة اي بالصيغتين اشكال ، بل في كشف اللثام هو ـ اي عدم الحرمة ـ الأقوى ، ولا ينافيه وجوب الكفارة ، وفي الدروس « لو اضطر إلى اليمين لإثبات حق أو نفي باطل فالأقرب جوازه ، وفي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٨.

٣٦١

الكفارة تردد ، أشبهه الانتفاء » وقال ابن الجنيد : « يعفى عن اليمين في طاعة الله وصلة الرحم ما لم يدأب في ذلك » وارتضاه الفاضل ، وتبعه الكركي وثاني الشهيدين وسبطه وغيرهم.

والانصاف عدم خلو ذلك عن إشكال أو منع مع عدم الوصول إلى حد الضرورة التي يباح لها مثله ، وخصوصا نفي الكفارة المصرح بخلافه في النصوص المعتبرة التي منها يستفاد عدم جوازه من حيث الجدال في الإحرام ، لأن الأصل فيها عدم وجوبها فيما لا معصية فيه ، نعم قد يشك في ثبوتها مع الضرورة المزبورة مع احتماله ، لأنها من باب الأسباب ، ولا ريب في انه أحوط ، وكذا الاشكال فيما في الدروس أيضا ، فإنه بعد ان حكى عن بعض الأصحاب تخصيص الجدال بهاتين الصيغتين قال : والقول بتعديتها إلى ما يسمى يمينا أشبه ، ضرورة كونه بعد حمل المطلق في النصوص على المقيد كالاجتهاد في مقابلة النص الحاصر للجدال فيهما ، والمصرح بعدم كون قول : لعمر الله ونحوه جدالا ، والمعتضد بأصل البراءة ونحوه وبالفتاوى ومعقد الإجماع المزبور ، ويقرب منه ما عن الانتصار وجمل العلم والعمل من انه الحلف بالله الذي هو أعم من الصيغتين ، بل ربما أيد بعموم لفظ الجدال لكل ما كان في خصومة ، واحتمال الحصر في الأخبار الإضافية والتفسير باللفظين التخصيص بالرد المؤكد بالحلف بالله لا بغيره ، وقول الصادق عليه‌السلام في حسن معاوية (١) المتقدم ونحوه ، إلا ان الجميع كما ترى ، ضرورة ظهور النص والفتوى ومعقد الإجماع في اختصاص الجدال بما سمعت ، ومجرد الاحتمال لا ينافي حجية الظهور ، والمراد من إطلاق النصوص المزبورة اليمين التي هي جدال ، وانما أطلقت لأن المقصود فيها بيان ما يوجب الكفارة منها والفصل بين الصادقة والكاذبة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣.

٣٦٢

وبذلك يظهر لك ما في الرياض فإنه بعد ان ذكر عن الأكثر تفسيره بالصيغتين قال : « وفي الغنية الإجماع عليه ، ولكن يحتمل رجوعه إلى تفسير الجدال بالخصومة المؤكدة باليمين بمثل الصيغتين لا إليهما ، وعن المرتضى الإجماع عليه أيضا وبمثل ذلك يمكن الجواب عن الصحاح المستفيضة وغيرها المفسرة للجدال بهما بإرادة الرد بذلك على من جعل الجدال مطلق الخصومة لا الخصومة المؤكدة باليمين ولو مطلقها ، وربما يستفاد ذلك من‌ الصحيح (١) « عن المحرم يريد العمل فيقول له صاحبه : والله لا تعمله » الى آخره ، فان تعليل نفي الجدال بذلك دون فقد الصيغتين أوضح شاهد على انه لولا ارادة الإكرام لثبت الجدال بمطلق والله كما هو فرض السؤال ، وعلى هذا فيقوى القول بأنه مطلق الحلف بالله تعالى وما يسمى يمينا كما عليه الماتن هنا والشهيد في الدروس » الى آخره ، إذ قد سمعت عبارة الغنية التي يبعد فيها الاحتمال المزبور ان لم يكن ممتنعا ، وعلى تقديره فهو احتمال لا يصلح للاستدلال على ما ذكره ، والتعليل في الصحيح المزبور لا ينافي وجود علة أخرى ، على انه قد فقد لفظ لا أو بلى ، ويمكن عدم اعتبارهما ، فلا يثبت به مطلق ما يسمى يمينا ، على انك قد سمعت ما في الغنية من كونه وضعا شرعيا ، فلا يبعد اعتبار خصوصه ، نعم لا يعتبر لفظ لا وبلى نحو‌ قوله عليه‌السلام (٢) : « انما الطلاق أنت طالق » فإن صيغة القسم هو قول والله ، واما لا وبلى فهو المقسوم عليه ، فلا يعتبر خصوص اللفظين في مؤداه ولو بشهادة الصحيح المزبور ، بل يكفي الفارسية ونحوها فيه وان لم تكف في لفظ الجلالة ، فتأمل جيدا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب مقدمات الطلاق ـ الحديث ٣ من كتاب الطلاق.

٣٦٣

بل قد يشكل ما عن ظاهر الدروس والمنتهى والتذكرة من العموم لما يكون خصومة وغيره بعدم صدق الجدال بدونها ، بل لعل قوله : لا والله وبلى والله إشارة إلى ذلك ، فان المراد النفي من واحد والإثبات من آخر ، ومن هنا جزم في الدروس بأنه لا كفارة في اللغو من ذلك ، لأنه كالساهي.

ثم ان الظاهر عدم اعتبار وقوع الأمرين في تحقق الجدال ، فيكفي أحدهما وفاقا لجماعة منهم الفاضل الأصبهاني حاكيا له عن المنتهى والتذكرة ، بل قال : وبه قطع في التحرير ، ولعله للصدق عرفا بعد معلومية إرادة ما ذكرناه منهما ، لا ان قولهما معا من الواحد أو من الاثنين معتبر في الجدال ، فتلخص مما ذكرنا كون الجدال الحلف بالله بالصيغة المخصوصة لا مطلق اليمين ولا غيرها ، ولا مطلق الحلف بالله وان لم يكن بالصيغة المزبورة ، وبقي الكلام في الكفارة ويأتي البحث عنها ان شاء الله ، والله العالم.

وقتل هوام الجسد ودوابه كما في النافع والقواعد وان كانت على ثوبه حتى القمل الذي عن الأكثر النص عليه ، والصئبان ونحوها مباشرة أو تسبيبا بالزئبق ونحوه ، وفاقا للمشهور ، نقلا في المدارك والذخيرة وان كنا لم نتحققها في العنوان المزبور ، كما لم نتحققه في شي‌ء مما وصل إلينا من النصوص ، نعم في‌ صحيح حماد بن عيسى (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها قال : يطعم مكانها طعاما » ونحوه صحيح ابن مسلم (٢) عنه عليه‌السلام أيضا ، وستسمع ما في صحيح حريز (٣) وغيره في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ١.

٣٦٤

جواز إزالة الشعر للقمل ، وقال هو عليه‌السلام أيضا في حسن ابن أبي العلاء (١) : « في المحرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمدا ، ومن فعل شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما قبضة بيده » اللهم إلا ان يقال ان القتل اولى من الإلقاء والنزع ، وفي كشف اللثام « وإذا وجبت الكفارة بالقتل خطأ ففي العمد أولى » وفيه ان الموجود في نسخة معتبرة « وان فعل » بالعين المهملة ، والأمر سهل أو يستند إلى‌ خبر أبي الجارود (٢) المنجبر بالشهرة المزبورة سأل رجل أبا جعفر عليه‌السلام « عن رجل قتل قملة وهو محرم قال : بئسما صنع ، قال : فما فداؤها؟ قال : لا فداء لها » متمما بعدم القول بالفصل بينها وبين غيرها ، وأوضح منه‌ صحيح زرارة (٣) « سألته عن المحرم هل يحك رأسه أو يغتسل بالماء قال : يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة ، ولا بأس بأن يغتسل بالماء ويصب على رأسه ما لم يكن ملبدا ، فان كان ملبدا فلا يفيض على رأسه الماء إلا من الاحتلام » الظاهر في إرادة القمل ونحوه من الدابة فيه.

ومنه حينئذ يتجه الاستدلال بصحيح معاوية (٤) عنه عليه‌السلام أيضا المحكي عن المقنع الفتوى بمضمونه ، قال : « إذا أحرمت فاتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة » مؤيدا ذلك كله بمنافاته لعدم الترفه المراد من المحرم الذي هو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٨.

(٣) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٧٣ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٤ وذيله في الباب ٧٥ منها الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨١ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢ وفيه « ثم اتق » إلا أن الموجود في الكافي ج ٤ ص ٣٦٣ الطبع الحديث كما في الجواهر.

٣٦٥

أشعث أغبر ، بل لعل ما عن النهاية والسرائر من انه لا يجوز قتل شي‌ء من الدواب يشملها أيضا ، وكذا ما عن الكافي « ان مما يجتنبه المحرم قتل شي‌ء من الحيوان عدا الحية والعقرب والفأرة والغراب ما لم يخف شيئا منه » بل عن المبسوط « لا يجوز له قتل شي‌ء من القمل والبراغيث وما أشبههما » ولكن مع ذلك كله جوز ابن حمزة قتل القمل إذا كان على البدن مع تحريم إلقائه عنه ، ولعله للأصل وصحيح معاوية (١) سأل الصادق عليه‌السلام « ما تقول في محرم قتل قملة؟ قال : لا شي‌ء عليه في القمل ، ولا ينبغي ان يتعمد قتلها » بناء على إرادة الكراهة من قوله : « لا ينبغي » فيه ، مضافا إلى عموم لا شي‌ء فيه للعقاب أيضا ، وصحيحه الآخر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « لا بأس بقتل القملة في الحرم وغيره » ومرسل ابن فضال (٣) « لا بأس بقتل البرغوث والقملة والبقة في الحرم » بعد منع أولوية القتل من الإلقاء المصرح به في النصوص المزبورة ، وعلى تقديرها فهي معارضة بالنصوص المزبورة التي مقتضاها جواز الإلقاء بطريق اولى ، خصوصا بعد ما في‌ خبر مرة مولى خالد (٤) انه سأل الصادق عليه‌السلام « عن المحرم يلقي القملة فقال : ألقوها أبعدها الله غير محمودة ولا مفقودة » وظهور الصحيح الأخير في كون المستثنى منه من جنس المستثنى ، فلا يشمل محل النزاع ، كل ذلك مضافا إلى موافقة نصوص الحرمة للعامة بخلاف نصوص الجواز.

وفيه أن الأصل مقطوع بظاهر خبر أبي الجارود وصحيح زرارة المنجبر سند أولهما بما عرفت ، بل لهما يتعين حمل « لا ينبغي » في الصحيح الأول على إرادة الحرمة ، وإرادة عدم الكفارة من لا شي‌ء فيه بناء على استحبابها ، كما ان لهما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨٤ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨٤ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٦.

٣٦٦

أيضا ينبغي تخصيص الآخر والمرسل بغير المحرم ، خصوصا بعد معلومية شذوذ خلاف ابن حمزة الذي قد سمعت اشتراطه الجواز بما إذا كان على البدن ، مع أن مقتضى النصوص المزبورة الجواز مطلقا فهي أيضا شاذة لا عامل بها على إطلاقها كما أن قوله : « شاذ » لا مستند له بخصوصه ، والأولوية المزبورة واضحة الوجه ضرورة عدم النهي عن الإلقاء إلا للتعريض لتلفها ، أو لاقتضائه الترفه أو لنحو ذلك مما هو متحقق في القتل ، ولا ينافيها الفرق في الكفارة إن قلنا به ، كوضوح منع المعارضة المزبورة ، خصوصا بعد ظهور اتفاق الأصحاب على حرمة الإلقاء ، بل عن ابن زهرة نفي الخلاف عنه ، مضافا إلى النصوص السابقة المصرحة بذلك وبوجوب الفداء ، والآتية على وجه لا يعارضها الخبر المزبور المحتمل لصورة الإيذاء ، بل قيل يمكن أن يكون ألفوها بالفاء من الألفة أي لا تلقوها وإن كان بعيدا ، ودعوى ظهور كون المستثنى منه بجنس المستثنى على وجه يقتضي تخصيص العام واضحة المنع أيضا خصوصا بعد ما عرفت من إطلاق الدابة في الصحيح الآخر على ما يشمل القمل ، والخلاف للعامة لا يجدي في مقابلة عمل الخاصة.

وبذلك يظهر لك حرمة قتل القمل وإلقائه ، واقتصار جماعة من القدماء على الثاني لا يقتضي إباحتهم الأول ، بل يمكن اكتفاؤهم بذكره عنه ، بل الظاهر إلحاق غيره به لمفهوم صحيح زرارة السابق وغيره في القتل ، أما الإلقاء فقد يشكل إن لم يفهم بالفحوى منه بما تسمعه من النص الصريح في جوازه عموما (١) في الدواب وخصوصا (٢) في بعضها ، اللهم إلا ان يقال إن حرمة إلقاء القمل لأنها من الجسد كما تسمع التصريح به في صحيح معاوية (٣) وغيره ، وغالب هوام الجسد كذلك ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٩ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٥.

٣٦٧

لكن قد يتوقف في الصؤاب الذي هو بيض القمل باعتبار أنه ليس دابة ، اللهم إلا أن يقال إنه من التابع للقمل في كونه من الجسد.

نعم يقوى عدم كون البرغوث منها ، خلافا لبعضهم ، وعن القاضي حرمة قتله والبق وما أشبه ذلك إذا كان في الحرم ، وجوزه في غيره ، وعن ابن زهرة يحرم عليه أن يقتل شيئا من الجراد والزنابير مع الاختيار ، فأما البق والبراغيث فلا بأس أن يقتل في غير الحرم ، وعن ابن سعيد لا يقتل المحرم البق والبرغوث في الحرم ، ولا بأس به في الحل ، مع إطلاقه قبل ذلك حرمة قتل القمل والبرغوث عليه ولعل الأقوى حل قتله مع قصده إياه أو إيذائه له كما دل عليه‌ خبر زرارة (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عن المحرم يقتل البقة والبرغوث إذا أراده قال : نعم » وعن نسخة « إذا رآه » والصحيح (٢) المروي عن آخر السرائر « عن المحرم يقتل البقة والبرغوث إذا آذاه قال : نعم » أما إذا لم يؤذه فالأحوط ان لم يكن أقوى عدم قتله ، وخصوصا إذا كان في الحرم ، للعموم في الصحيح السابق الذي لا يقاومه المرسل المزبور على وجه يخصص به.

وكيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أنه يجوز نقله اي هوام الجسد من القمل ونحوه من مكان إلى آخر من جسده مساو للأول أو أحرز منه ، للأصل وقول الصادق عليه‌السلام في الصحيح (٣) : « المحرم يلقي عنه الدواب كلها إلا القملة فإنها من جسده ، فإذا أراد أن يحوله من مكان إلى مكان فلا يضره » بل مقتضى إطلاقه عدم اشتراط كون المنقول اليه كالمنقول عنه أو أحرز كما صرح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٩ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٥.

٣٦٨

به بعضهم ، وإن كان هو أحوط ، نعم قد يقال باعتبار تحويله إلى مكان غير معرض فيه للسقوط ، لأنه في معنى الإلقاء ، والله العالم.

وكذا يجوز إلقاء القراد والحلم بفتح الحاء واللام جمع حلمة كذلك ، وهو القراد العظيم كما عن الجوهري ، وفي كشف اللثام عن الأصمعي أول ما يكون القراد يكون قمقاما ، ثم جمنانا ، ثم قرادا ، ثم حلما ، ولكن ستسمع ما في الخبر من المنافاة لذلك.

وعلى كل حال فيجوز إلقاؤهما عن نفسه بلا خلاف ولا إشكال ، للأصل بعد ان لم يكونا من هوام الجسد للصحيح السابق وصحيح ابن سنان (١) سأل الصادق عليه‌السلام « أرأيت إن وجدت علي قرادا أو حلمة أطرحهما فقال : نعم وصغار لهما ، أنهما رقيا في غير مرقاهما ».

بل وعن بعيره في القراد كما صرح به غير واحد ، بل لا أجد فيه خلافا للأصل والأخبار الكثيرة التي لا معارض لها ، منها‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (٢) : « إن ألقى المحرم القراد عن بعيره فلا بأس ، ولا يلقي الحلمة » وفي‌ حسن حريز (٣) « ان القراد ليس من البعير ، والحلمة من البعير بمنزلة القملة من جسدك فلا تلقها ، والق القراد » وخبر عمر بن يزيد (٤) قال : « لا بأس أن تنزع القراد عن بعيرك ولا ترم الحلمة » ومنها يستفاد عدم جواز إلقاء الحلمة كما عن الشيخ وجماعة ، خلافا للمحكي عن الأكثر فيجوز ، للأصل المقطوع بما عرفت ، والصحيح الأول الظاهر في النفس ، بل قيل ظاهر التعليل فيه يقتضي المنع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٩ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨٠ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨٠ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨٠ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٤.

٣٦٩

عنه في البعير ، بل في الرياض وربما يستفاد منه المنع عن إلقاء كل ما يرقى في الجسد من نحو البرغوث ، ولعله المراد عن هوام الجسد في نحو المتن ، فيتضح له المستند ولا يضر تخالف حكم المتن والنص في الإطراح والقتل ، لاحتمال التعدي من أحدهما إلى الآخر بفحوى الخطاب كما صرح به جمع ، وفيه أن المراد من التعليل عدم اعتياد الجسد لذلك غالبا ، بخلاف القمل ونحوه ، فلا وجه حينئذ لاستفادة كون البرغوث أيضا من هوام الجسد باعتبار كونه يرقى ، وإلا لكان البق منه أيضا ، فلا ريب في خروج البرغوث عن ذلك كما عرفت الكلام فيه.

نعم قد يظهر من تعليل الفرق بين القراد والحلمة عدم إلقاء ما يتكون من الجسد وإن كان لم يظهر لنا وجه الحكمة فيه ، لكن‌ أبا عبد الرحمن (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن المحرم يعالج دبر الجمل فقال : يلقي عنه الدواب ولا يدميه » ويمكن حمله على صورة المعالجة وخوف الضرر من البقاء ، كما يمكن حمل كلام الأكثر على الحلم الذي هو من القراد ، لإطلاق الأدلة ، لا المتكون من جسد البعير الذي قد صرحت به النصوص المزبورة ، والله العالم.

ويحرم لبس الخاتم للزينة كما قطع به الأكثر على ما في كشف اللثام بل في الذخيرة في شرح قوله في الإرشاد : « ولبس الخاتم للزينة لا للسنة » قال : لا اعرف خلافا بين الأصحاب في الحكمين المذكورين وإن كان فيه ما ستعرف ، لخبر مسمع (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته أيلبس المحرم الخاتم؟ قال : لا يلبسه للزينة » المنجبر بما عرفت ، والمعتضد بالتعليل في صحيحي حماد (٣) وحريز (٤)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٠ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٤.

٣٧٠

المتقدمين سابقا في الاكتحال بالسواد والنظر في المرآة ، وبالمرسل (١) في الكافي « لا يلبسه للزينة » وبما ورد من كون الحاج أشعث أغبر وغير ذلك مما يدل على عدم الترفه للحاج المنافي للزينة.

نعم لا خلاف أجده في أنه يجوز لغير الزينة كالسنة ونحوها للأصل والمفهوم السابق ، وإطلاق‌ قول أبي الحسن عليه‌السلام في خبر نجيح (٢) : « لا بأس بلبس الخاتم للمحرم » المقتصر في تقييده على خصوص ما كان للزينة ، بل في‌ صحيح ابن بزيع (٣) « رأيت العبد الصالح عليه‌السلام وهو محرم وعليه خاتم وهو يطوف طواف الفريضة » الذي ينبغي حمله على غير الزينة ، وعلى كل حال فلا ريب في أن ذلك اولى من احتمال الجمع بين النصوص بالكراهة كما هو خيرة المصنف في النافع ، بل هو المحكي عن الجامع أيضا من وجوه ، منها الموافقة للشهرة بين الأصحاب ، هذا ، وفي الذخيرة الظاهر أن المرجع في التفرقة بين ما كان للسنة أو للزينة إلى القصد كما قاله جماعة من الأصحاب ، إذ ليس هاهنا هيئة تختص بإحداهما دون الأخرى ، ونحوه في المسالك وحاشية الكركي ، ولا بأس به ، ولا ينافي ذلك تعليل الكحل المقتضي حرمة كل زينة وإن لم تكن مقصودة بعد تخصيصه بالمفروض لقوة دلالته وانجباره بفتوى الأصحاب ، نعم يمكن دعوى الحرمة في المشترك مع قصد الزينة وإن قصد معها غيرها على وجه الضم ، بل وعلى وجه الاستقلالية أيضا ، اما إذا كانا معا العلة فقد يقال بالجواز ، للأصل بعد عدم صدق اللبس للزينة ، والله العالم.

ولبس المرأة الحلي ولو المعتاد للزينة كما صرح به غير واحد ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٣.

٣٧١

بل لعله المشهور ، بل في المدارك نفي الاشكال فيه ، ولعله للمفهوم السابق المعتضد بما سمعت ، وبمفهوم‌ صحيح ابن مسلم (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « المحرمة تلبس الحلي كله إلا حليا مشهورا للزينة » وحسن الكاهلي (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « تلبس المرأة المحرمة الحلي كله إلا القرط المشهور والقلادة المشهورة » بناء على أن الزينة لا تكون إلا بالمشهور اي الظاهر ، وإلا أشكل الاستدلال بهما على تمام المقصود ، بل الأولى منافية له ، ضرورة اقتضائها التقييد للمقيد ، فيكون الممنوع خصوص المشهور للزينة لا غيره ، إلا أنه يسهل الخطب عدم قائل بذلك ، فوجب حمله على ما لا ينافي ما دل على تحريمه مطلقا للزينة ، معتضدا ـ مضافا إلى ما عرفت ـ بخبر النضر بن سويد (٣) عن أبي الحسن عليه‌السلام « سألته عن المرأة المحرمة أي شي‌ء تلبس من الثياب؟ قال : تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران والورس ، ولا تلبس القفازين ، ولا حليا تتزين به لزوجها ، ولا تكتحل إلا من علة ، ولا تمس طيبا ، ولا تلبس حليا ولا فرندا ، ولا بأس بالعلم في الثوب » وبغير ذلك.

وأما عدم لبسها ما لم يعتد لبسه منه ففي المتن على الاولى ولعله يرجع إلى ما في النافع ومحكي الاقتصاد والاستبصار والتهذيب والجمل والعقود والجامع من أنه مكروه ، وفي القواعد وعن النهاية والمبسوط والسرائر الحرمة ، بل في المسالك أنه المشهور ، لمفهوم‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح حريز (٤) : « إذا كان للمرأة حلي لم تحدثه للإحرام لم ينزع عنها » وقوله عليه‌السلام في حسن الحلبي (٥) : « المحرمة لا تلبس الحلي ولا المصبغات إلا صبغا لا يردع » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٩.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

٣٧٢

كإطلاق‌ قول أبي الحسن عليه‌السلام في خبر النضر : « لا تلبس حليا » وما عساه يشعر به صحيح ابن الحجاج الآتي (١).

ولعل الكراهة مع فرض عدم قصد الزينة للأصل وإطلاق ما دل على جواز لبسها الحلي ، وخصوص‌ خبر مصدق بن صدقة (٢) : « تلبس المحرمة الخاتم من ذهب » وصحيح يعقوب بن شعيب (٣) « تلبس المسك والخلخالين » سيما بعد انسياق قصد الزينة في غير المعتاد من مفهوم الأول وما تسمعه من كراهة المصبغات في الثاني ، ولعل التحقيق حرمته عليها إذا كان زينة عرفا وإن لم تقصده ، لما سمعته من مفهوم تعليل الكحل والمرآة ، ولا ينافيه‌ قوله عليه‌السلام (٤) : « تتزين به لزوجها » بناء على ظهوره في القصد ، إذ هو بعد تسليمه يكون أحد الافراد ، ولا مفهوم له معتد به يصلح للمعارضة ، وحينئذ يكون المحرم عليها كلما قصدت به الزينة حال الإحرام ولو المعتاد ، وكلما كان زينة في نفسه وان لم تقصده.

وكيف كان ف لا بأس بما كان معتادا لها ولم تقصد به الزينة بلا خلاف أجده فيه ، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه ، وفي‌ صحيح ابن الحجاج (٥) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المرأة يكون عليها الحلي والخلخال والمسكة والقرطان من الذهب والورق تحرم فيه وهو عليها وقد كانت تلبسه في بيتها قبل حجها أتنزعه إذا أحرمت أو تتركه على حاله؟ قال : تحرم فيه وتلبسه من غير أن تظهره للرجال في مركبها ومسيرها » ولكن يدل على أنه يحرم عليها إظهاره لزوجها كما هو صريح الفاضل وظاهر المحكي عن الشيخ والحلي ، ولعله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٥ عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

٣٧٣

لما سمعته في خبر النضر ، إلا انه لا ينافي إطلاق الصحيح المزبور الشامل له ولغيره من الرجال ولو الخادم ، ولا بأس به وإن كان هو محرما قبل الإحرام ، نعم هو دال على عدم البأس في إحرامها بما كانت لابسة له وإن كان من الزينة ، إلا أن الممنوع بمقتضى صحيح حريز السابق إحداث الزينة في حال الإحرام لا الإحرام حالها ، وكونه كذلك في غيره من الموانع لا يقتضي كونه كذلك هنا بعد النصوص المزبورة التي لا ينافيها تعليل الكحل أيضا الذي هو إحداث زينة أيضا بل ولا صحيح ابن مسلم وحسن الكاهلي الذين يمكن ارادة التزين بما تلبسه من الحلي لزوجها من الشهرة فيهما لا نفس لبس الحلي وان لم تحصل به زينة ، لستره مثلا بشي‌ء أو غيره ، وعلى كل حال يكون الحاصل حرمة إحداث الزينة لها حال الإحرام وحرمة إظهار ما كانت متزينة به قبل الإحرام للرجال في مركبها ومسيرها ، وربما يرجع إلى ذلك ما في اللمعة ، قال : « والتختم للزينة ولبس المرأة ما لم تعتده من الحلي وإظهار المعتاد منه للزوج » فتأمل جيدا فإن المسألة في غاية التشويش في كلامهم ، والله العالم.

واستعمال دهن فيه طيب فإنه محرم بعد الإحرام بلا خلاف ولا إشكال بل في المنتهى أجمع علماؤنا على انه يحرم الادهان في حال الإحرام بالأدهان الطيبة كدهن الورد والبان والزيبق ، وهو قول عامة أهل العلم ، وتجب له الفدية إجماعا ويمكن حمل كلام المصنف وغيره على إرادة الادهان مما ذكروه من الاستعمال ، خصوصا بعد اقتصار النصوص هنا على الادهان ، فيبقى الشم حينئذ خارجا عن البحث هنا ، وحينئذ فالبحث فيه على ما عرفت سابقا من عموم الطيب وخصوصه ويحتمل خروج الادهان كما أشرنا إليه سابقا ، ولعل الأول أولى.

وعلى كل حال فلا إشكال كما لا خلاف في حرمة الادهان به بعده بل أو قبله إذا كان ريحه يبقى إلى الإحرام كما في القواعد ومحكي النهاية والسرائر‌

٣٧٤

بل في المدارك نسبته إلى الأكثر ، لحرمة الطيب للمحرم ابتداء واستدامة ، ول‌ قول الصادق عليه‌السلام في حسن الحلبي وصحيحه (١) : « لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم ، وادهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم ، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل » وخبر علي بن أبي حمزة (٢) « سألته عن الرجل يدهن بدهن فيه طيب وهو يريد أن يحرم فقال : لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك ، ولا عنبر يبقى ريحه في رأسك بعد ما تحرم ، وادهن بما شئت حين تريد أن تحرم قبل الغسل وبعده ، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل » خلافا للمحكي عن الجمل والعقود والوسيلة والمهذب من الكراهة ، لجوازه ما دام محلا ، غايته وجوب الإزالة فورا بعد الإحرام ، وهو كالاجتهاد في مقابلة النص.

نعم لا بأس بغير المطيب قبل الإحرام ، بل عن التذكرة الإجماع عليه ، بل ولا به إذا لم تبق رائحته للأصل والنصوص ، بل ظاهرها كالفتاوى عدم الفرق بين ما تبقى عينه وغيره ، فما عن بعضهم من احتمال المنع في الأول قياسا على المطيب واضح الضعف ، ثم لا يخفى عليك أن تحريم الادهان بالمطيب الذي يبقى أثره انما يتحقق مع وجوب الإحرام وتضيق وقته ، وإلا لم يكن الادهان محرما وان حرم إنشاء الإحرام قبل زوال أثره كما هو واضح.

وكذا لا يجوز للمحرم الادهان بما ليس بمطيب من الدهن اختيارا بعد الإحرام وفاقا للمشهور ، بل عن ظاهر الخلاف الإجماع عليه ، لما سمعته من النهي عنه في النصوص المزبورة ، مضافا إلى ما تقدم سابقا من‌ قول الصادق عليه‌السلام في حسن معاوية (٣) : « لا تمس شيئا من الطيب وأنت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

٣٧٥

محرم ولا من الدهن » وغيره من كون الحاج أشعث أغبر ونحوه خلافا لصريح المفيد وظاهر المحكي عن الجمل والعقود والكافي والمراسم للأصل المقطوع بما سمعت‌ وصحيح ابن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عن محرم تشققت يداه فقال : يدهنهما بزيت أو بسمن أو إهالة » وصحيح هشام (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا خرج بالمحرم الجراح أو الدمل فليبطه وليداوه بسمن أو زيت » الظاهرين في حال الاضطرار الذي أشار إليه المصنف بقوله ويجوز اضطرارا بل لا أجد فيه خلافا بل الإجماع بقسميه عليه ، ولما نص من الأخبار على جواز الادهان بعد الغسل قبل الإحرام ، كصحيح الحسين بن أبي العلاء (٣) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الرجل المحرم يدهن بعد الغسل قال : نعم ، قال : فأدهنا عنده بسليخة بان ، وذكر أن أباه كان يدهن بعد أن يغتسل للإحرام ، وأنه يدهن بالدهن ما لم يكن فيه غالية أو دهنا فيه مسك أو عنبر » وصحيح هشام (٤) سأله عليه‌السلام « عن الدهن بعد الغسل للإحرام فقال : قبل وبعد ومع ليس به بأس » بناء على كون الظاهر بقاؤه عليه إلى الإحرام وتساوي الابتداء والاستدامة ، وهما معا ممنوعان ، نعم قد تستفاد الكراهة من‌ صحيح ابن مسلم (٥) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لا بأس بأن يدهن الرجل قبل أن يغتسل للإحرام وبعده ، وكان يكره الدهن الخاثر الذي يبقى ».

هذا كله في الادهان بغير المطيب ، أما أكله فلا إشكال في جوازه اختيارا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٣.

٣٧٦

للأصل ، بل الإجماع بقسميه ، ولا فدية بالادهان به وإن أثم للأصل ، بخلاف المطيب فتجب وإن اضطر اليه على ما ذكره الفاضل وغيره ، بل قد سمعت دعوى الإجماع منه على أصل وجوبها ، لصحيح معاوية (١) « في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج قال : إن كان فعله بجهالة فعليه إطعام مسكين ، وإن كان تعمدا فعليه دم شاة » ويأتي إن شاء الله تمام الكلام فيه.

وإزالة الشعر قليله وكثيره حتى الشعرة ونصفها عن الرأس أو اللحية أو الإبط أو غيرها بالحلق أو القص أو النتف أو النورة أو غيرها بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل في التذكرة والمنتهى إجماع العلماء ، مضافا الى كون بعض أفراده ترفها ، وإلى قوله تعالى (٢) ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) وإلى مفهوم قوله تعالى (٣) أيضا ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) وإلى‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيح زرارة (٤) : « من حلق أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليه ، ومن فعله متعمدا فعليه دم » ونحوه‌ صحيحه الآخر (٥) عنه عليه‌السلام أيضا ، والصادق عليه‌السلام في صحيح حريز (٦) « إذا نتف الرجل إبطيه بعد الإحرام فعليه دم » وفي‌ حسن الحلبي (٧) « ان نتف المحرم من شعر لحيته وغيرها شيئا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ٥.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

(٣) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٦.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ٩.

٣٧٧

فعليه أن يطعم مسكينا في يده » بناء على اقتضاء وجوب الفدية الإثم بالفعل ، وفي‌ صحيح معاوية (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم كيف يحك رأسه؟ قال : بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر » وفي‌ صحيح الحلبي (٢) « سألته عليه‌السلام أيضا عن المحرم يحتجم قال : لا إلا أن لا يجد بدا فليحتجم ولا يحلق مكان المحاجم » وفي‌ خبر عمر بن يزيد (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « لا بأس بحك الرأس واللحية ما لم يلق الشعر ، ويحك الجسد ما لم يدمه ».

وغير ذلك من النصوص ، نعم مع الضرورة من أذية قمل أو قروح أو صداع أو حر أو غير ذلك لا إثم بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى الأصل وعموم أدلتها وإلى نفي العسر والحرج والضرر والضرار والآية (٤) وصحيح حريز (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « مر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كعب بن عجزة الأنصاري والقمل يتناثر من رأسه فقال : أتؤذيك هوامك؟ فقال : نعم ، فنزلت الآية ، فأمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحلق رأسه وجعل عليه الصيام ثلاثة أيام ، والصدقة على ستة مساكين ، لكل مسكين مدان ، والنسك شاة ـ وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ـ : وكل شي‌ء في القرآن « أو » فصاحبه بالخيار يختار ما شاء ، وكل شي‌ء في القرآن فان لم يجد كذا فعليه كذا فالأول الخيار » اي هو المختار ، وما بعده عوض عنه مع عدم إمكانه ، وفي الفقيه (٦)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

(٤) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٤.

٣٧٨

« مر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كعب بن عجرة الأنصاري وهو محرم وقد أكل القمل رأسه وحاجبيه وعينيه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما كنت أرى أن الأمر يبلغ ما أرى فأمره فنسك عنه نسكا ، وحلق رأسه يقول الله تعالى ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ ) الآية فالصيام ثلاثة أيام ؛ والصدقة على ستة مساكين ، لكل مسكين صاع من تمر ، والنسك شاة لا يطعم منها أحدا إلا المساكين » وخبر عمر بن يزيد (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال الله تعالى في كتابه ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ ) الآية ، فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى بما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا فالصيام ثلاثة أيام ، والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام ، والنسك شاة يذبحها فيأكل ويطعم ، وانما عليه واحد من ذلك » الى غير ذلك من النصوص.

لكن في المنتهى لو كان له عذر من مرض أو وقع في رأسه قمل أو غير ذلك من أنواع الأذى جاز له الحلق إجماعا للآية وللأحاديث السابقة ، ثم ينظر فان كان الضرر اللاحق به من نفس الشعر فلا فدية عليه ، كما لو نبت في عينيه أو نزل شعر حاجبيه بحيث يمنعه الإبصار ، لأن الشعر أضر به ، فكان له إزالة ضرره كالصيد إذا صال عليه ، وإن كان الأذى من غير الشعر لكن لا يتمكن من إزالة الأذى إلا بحلق الشعر كالقمل والقروح برأسه والصداع من الحر بكثرة الشعر وجبت الفدية ، لأنه قطع الشعر لازالة ضرره عنه ، فصار كما لو أكل الصيد للمخمصة ، لا يقال القمل من ضرر الشعر ، والحر سببه كثرة الشعر ، فكان الضرر منه أيضا لأنا نقول : ليس القمل من الشعر ، وانما لا يمكنه القيام إلا بالرأس ذي الشعر ، فهو محله لا سبب ، وكذلك الحر من الزمان ، لأن الشعر يوجد في البرد ولا يتأذى به ، فقد ظهر أن الأذى في هذين النوعين ليسا من الشعر.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ٢.

٣٧٩

وفي الدروس « لو نبت في عينه شعر أو طال حاجبه فغطى عينه فإزالة فلا فدية ، ولو تأذى بكثرة الشعر في الحر فإزالة فدى ، والفرق لحوق الضرر من الشعر في الأول ، ومن الزمان في الثاني ، وفي إزالته لدفع القمل الفدية ، لأنه محل المؤذي لا مؤذ » وفي كشف اللثام بعد أن ذكر جواز الإزالة للضرورة قال : ولكن لا يسقط بشي‌ء من ذلك الفدية للنصوص إلا في الشعر النابت في العين والحاجب الذي طال فغطى العين ، ففي المنتهى والتحرير والتذكرة والدروس أن لا فدية لازالتهما ، لأن الضرر بنفس الشعر ، فهو كالصيد الصائل ، هذا ، ولكن في المدارك بعد أن حكى ما سمعته من المنتهى قال : وهو غير واضح ، والمتجه لزوم الفدية إذا كانت الإزالة بسبب المرض أو الأذى الحاصل في الرأس مطلقا ، لإطلاق الآية (١) الشريفة دون ما عدا ذلك ، لأن الضرورة مسوغة لإزالته ، والفدية منتفية بالأصل ، ونوقش بأن مورد الأخبار الموجبة لجواز الحلق مع الضرورة انما هو التضرر بالقمل أو الصداع كما في رواية المحصر (٢) وعليه يحمل إطلاق الآية ويبقى ما عداه خارجا عن محل البحث ، ويدفع بأن أخصية المورد لا توجب تقييد المطلق ، لعدم التعارض بينهما بوجه ، وفي الرياض نعم يمكن الجواب عن الإطلاق بعدم عموم فيه يشمل غير المورد ، لعدم انصرافه بحكم الغلبة إليه ، فتدبر ، ولعله أشار بالتدبر إلى إمكان منع عدم الانصراف ، ضرورة صدق الأذى على الجميع ، بل لعل الظاهر عدم الفرق بين الرأس وغيره من الأعضاء ، بل قد سمعت ما في خبر عمر بن يزيد (٣) الشامل للرأس وغيره ، انما الكلام فيما ذكره الفاضل والشهيد‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الإحصار والصد.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ٢.

٣٨٠