جواهر الكلام - ج ١٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المستفاد من غير واحد ، قال في الأول : « يجوز للمرأة لبس المخيط إجماعا ، لأنها عورة ، وليست كالرجال » وكذا المنتهى ، بل قال : « لا نعلم فيه خلافا إلا قولا شاذا للشيخ لا اعتداد به » وهو كالصريح في انعقاد الإجماع بعد الشيخ وعن موضع آخر منه أيضا وقال بعض منا شاذ لا تلبس المخيط ، وهو خطأ محض ولعله لذا استدل في المختلف بالإجماع على جوازه مع نقل خلافه ، وفي محكي السرائر الأظهر عند أصحابنا أن لبس الثياب المخيطة غير محرم على النساء ، بل عمل الطائفة وفتواهم وإجماعهم على ذلك ، وكذلك عمل المسلمين ، إلى غير ذلك من العبارات الظاهرة والصريحة في معلومية الحكم ، كل ذلك مضافا إلى خصوص المعتبرة (١) المستفيضة المتقدمة في مسألة جواز لبس الحرير لهن ، وبذلك تخص قاعدة الاشتراك والمحرم في بعض النصوص بناء على إرادة الجنس منه الشامل لهن.

نعم في جملة منها (٢) فيها الصحيح وغيره النهي لهن عن القفازين الذي حقيقته الحرمة المحكي عليها الإجماع في صريح الخلاف والغنية وظاهر المنتهى والتذكرة ، فاحتمال بعض متأخري المتأخرين إرادة الكراهة من النهي المزبور ـ لأنهما اما من جنس الثياب بناء على تفسيرهما بأنهما شي‌ء يعمل لليدين يحشى بقطن ويكون له أزرار تزر على الساعدين من البرد تلبسه المرأة في يديها ، وعن الأزهري قال شمر : القفازان شي‌ء تلبسه نساء الاعراب في أيديهن يغطي اصابعهن وأيديهن مع الكف ، يعني كما يلبسه حملة الجوارح من البازي ونحوه كما قاله النووي وغيره ، وعنه أيضا عن خالد بن جنبة القفازان تقفزهما المرأة إلى كعوب المرفقين فهو سترة لها ، وإذا لبست برقعها وقفازيها وخفها فقد تكننت ، والقفاز يتخذ من القطن فيحشى له بطانة وظهارة من الجلود واللبود ، إلى غير ذلك مما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الإحرام.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الإحرام.

٣٤١

يدل على انه من الثياب التي دلت الأدلة على جوازها لهن ، أو من جنس الحلي لليدين والرجلين كما عن بني دريد وفارس وعباد ، فيتحد حكمهما معه وهو جواز اللبس لغير الزينة ـ واضح الضعف ، ضرورة تقديم الخاص على العام ، بل هو أرجح من الجمع بالكراهة من وجوه كما هو محرر في محله ، وخصوصا في المقام ، ولفظ الكراهة بدل النهي في بعض الاخبار (١) لا يصلح قرينة عليها بالمعني المصطلح لكونه في الاخبار للأعم منها ومن الحرمة ، ولو سلم فيكفي الإجماعات المزبورة قرينة على إرادة الحرمة منه ، وبقاء النهي على حقيقته ، ثم ان في خبر أبي عنبسة (٢) عن الصادق عليه‌السلام النهي لهن عن البرقع مع القفازين ، وفي‌ خبر يحيى بن أبي العلاء (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام « انه كره للمحرمة البرقع والقفازين » بل أفتى به في التذكرة مستدلا عليه بالخبر الثاني بناء منه على إرادة الحرمة من الكراهة فيه ولو بقرينة كونها كذلك في القفازين ، ولكن لم يحضرني الآن موافق له على تحريم ذلك ، بل لعل ظاهر اقتصار غيره على القفازين خلافه ولعله للأصل بعد عدم اجتماع شرائط الحجية في الخبرين المزبورين ، سيما بعد ظهور الاقتصار على القفازين من غير واحد في خلافه ، والله العالم.

وأما الغلالة بكسر الغين ثوب رقيق يلبس تحت الثياب للحائض فجائز لها أي لبسها إجماعا كما اعترف به في التذكرة والمنتهى ، ولعله لأن الشيخ في النهاية وإن منع المخيط لهن كالرجال لكن قال فيها : ويجوز للحائض أن تلبس تحت ثيابها غلالة تتقي ثيابها من النجاسات ، كل ذلك مضافا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣ عن أبي عيينة كما في الكافي ج ٤ ص ٣٤٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٦.

٣٤٢

إلى الأصل ، وقول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (١) : « تلبس المرأة الحائض تحت ثيابها غلالة ».

وكذا لا خلاف أيضا في جواز لبس السراويل لهن كما اعترف به في المنتهى فان الشيخ في النهاية صرح بجوازها لهن كما سمعته سابقا في كلامه ، وفي‌ الصحيح عن محمد بن علي الحلبي (٢) انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن المرأة إذا أحرمت تلبس السراويل فقال : نعم ، انما تريد بذلك الستر ».

وأما الخنثى المشكل فقد صرح الفاضل وغيره بالجواز لها للأصل بعد عدم العلم بكونها رجلا ، وفيه انه يمكن إرادة الجنس من المحرم في النصوص ، فيشمل الخنثى حينئذ ، وتختص المرأة بالخروج ، ولكن يمكن منعه ، كمنع اقتضاء قاعدة الشغل بعد القول بالأعم.

وكذا لا خلاف أيضا في انه يجوز لبس السراويل للرجل إذا لم يجد إزارا كما اعترف به في المنتهى والمدارك والذخيرة ، بل في التذكرة إجماع العلماء عليه ، لصحيح معاوية بن عمار وحسنه (٣) المتقدمين آنفا ، وقول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر حمران (٤) : « المحرم يلبس السراويل إذا لم يكن معه إزار » وفي محكي الخلاف نفي الفدية عليه ، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا ، بل في المنتهى اتفق عليه العلماء إلا مالكا وأبا حنيفة ، وهو الحجة ، لا خلو أخبار المقام عنه ، ولا الأصل الذي يمكن قطعه بما دل على وجوبها مع الضرورة ، كصحيح ابن مسلم (٥)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١ و ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ١.

٣٤٣

عن أبي جعفر عليه‌السلام « عن المحرم يحتاج إلى ضروب من الثياب يلبسها فقال عليه‌السلام : لكل صنف منها فداء » وخبر العيص (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يلبس القميص متعمدا قال : عليه دم ، ومن اضطر الى لبس ثوب يحرم عليه مع الاختيار جاز له لبسه ، وعليه دم شاة » بل ذيله بناء على أنه من الصادق عليه‌السلام أوضح من غيره في شمول الفرض ، بل وصحيح زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله وهو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة » اللهم إلا أن يقال إنه عند الضرورة ينبغي له لبسه ، لكن يضعفه‌ قوله عليه‌السلام : « ففعل ذلك ناسيا » ولعل خلو أخبار المقام للاتكال على وجوده في غيرها ، فما في المدارك ـ من أنه لا ريب في بطلان القول بوجوب الفدية لأنه إثبات شي‌ء لا دليل عليه ـ لا يخفى عليك ما فيه ، اللهم إلا أن يمنع تناول النص للمفروض باعتبار ظهوره في المحرم دون المقام الذي هو من أول الأمر فاقد الإزار وفيه أنه أعم من ذلك ، نعم ظاهر النصوص بل صريحها كالفتاوى ومعقد نفي الخلاف والإجماع عدم وجوب فتقه ، فما عن الغنية والإصباح من أنه عند قوم من أصحابنا لا يلبس حتى يفتق ويجعل كالمئزر وأنه أحوط واضح الضعف ، مع‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٨ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث ٢ عن سليمان بن العيص والظاهر أن الذيل ليس من الخبر كما أنه ليس في التهذيب ج ٥ ص ٣٨٤ الرقم ١٣٣٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ١.

٣٤٤

انا لم نعرف القوم المزبورين ، بل لا حاجة معه حينئذ إلى قيد الاضطرار ، ولا إلى احتمال الفدية ، ضرورة خروجه عن كونه مخيطا ، اللهم إلا أن يراد فتقه في الجملة والله العالم.

وكذا يجوز له لبس طيلسان له أزرار كما صرح به الصدوق والشيخ والفاضل والشهيد وغيرهم ، بل ظاهر الجميع جوازه اختيارا ، بل كاد يكون صريح التذكرة والمنتهى والدروس ، وخصوصا الأخير ، ولكن في الإرشاد ولا يزر الطيلسان لو اضطر اليه ، وقد يشعر باشتراط الضرورة ، وفيه أنه مناف لإطلاق ما سمعته من النصوص المعتضدة بظاهر الفتاوى ، بل ظاهرها وظاهر خبري معاوية ابن عمار المتقدمين عدم وجوب نزع أزراره ولكن لا يزره على نفسه كما هو ظاهرها أيضا أو صريحها ، بل في المسالك ومنه يستفاد بالإيماء عدم جواز عقد ثوب الإحرام الذي يكون على المنكبين ، ولو زره أو عقد الثوب فالظاهر انه كلبس المخيط ، فتجب الفدية ، ولكن فيه نظر أو منع ، وعلى كل حال فهو خارج عن حكم المخيط بناء على انه منه ولو لقلة الخياطة فيه ، أو عن الثوب الممنوع على المحرم في النصوص ، أو عن حكم الملحق به ، وإن كان هو لا خياطة فيه ، لأنه على ما في المسالك « ثوب منسوج محيط بالبدن » وعن مغرب المطرزي ومعربة وتهذيب الأسماء أنه معرب « تالشان » وعن المطرزي « هو من لباس العجم مدور أسود » قال : « وعن أبي يوسف في قلب الرداء في الاستسقاء أن يجعل أسفله أعلاه ، فإن كان طيلسانا لا أسفل له أو خميصة اي كساء يثقل قلبها حول يمينه على شماله » قال : « وفي جمع التفاريق الطيالسة لحمتها قطن وسداها صوف » وعن مجمع البحرين « هو ثوب محيط بالبدن ، ينسج للبس ، خال عن التفصيل والخياطة ، وهو من لباس العجم ، والهاء في الجمع للعجمة ؛ لأنه فارسي معرب تالشان » والله العالم.

٣٤٥

والاكتحال بالسواد على قول للمفيد والشيخ وسلار وبني حمزة وإدريس وسعيد وغيرهم ، للمعتبرة المستفيضة التي منها‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (١) : « لا يكتحل الرجل والمرأة المحرمان بالكحل الأسود إلا من علة » وفي‌ صحيح حريز وحسنه (٢) « لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد ، ان السواد زينة » وسأله الحلبي (٣) في الحسن كالصحيح « عن الكحل للمحرم قال : أما بالسواد فلا ، ولكن بالصبر والحضض » بل ظاهر التعليل المزبور حرمته وإن لم يقصد الزينة باعتبار كونه زينة في نفسه وإن لم يقصد ، مؤيدا ذلك‌ بالنبوي (٤) « الحاج أشعث أغبر » لكن في الاقتصاد والجمل والعقود والخلاف والغنية والنافع على ما حكي عن بعضها انه مكروه ، بل عن الشيخ دعوى إجماع الفرقة عليه للأصل بعد حمل النهي المزبور عليها ، لقول الصادق عليه‌السلام في خبر هارون بن حمزة (٥) : « لا يكحل المحرم عينيه بكحل فيه زعفران ، وليكحل بكحل فارسي » بناء على إرادة الإثمد منه ، وفيه منع ، مع انه لا مقاومة له لمعارضة النصوص المزبورة من وجوه ، فالتأويل فيه أولى ، وأما‌ صحيح (٦) فضالة وصفوان عنه عليه‌السلام أيضا « لا بأس أن يكتحل وهو محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه ، فأما للزينة فلا » فأقصاه العموم اللازم تخصيصه بما سمعت ، كما ان أقصاه الحرمة للزينة ، فلا ينافي الحرمة وإن لم يقصدها ، مع احتمال إرادة ما يسبب لها وإن لم يقصدها ، فيوافق السابق ، وكذا ما في‌ خبر أبي بصير (٧) عنه عليه‌السلام أيضا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٧.

(٤) سنن البيهقي ج ٥ ص ٥٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٦.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١ عن فضالة وصفوان عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام كما أشار إلى مضمونه في ص ٣٤٧ بعنوان صحيح معاوية.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١٣.

٣٤٦

« تكتحل المرأة المحرمة بالكحل كله إلا كحل أسود لزينة » كما عن الفقيه والمقنع بلام واحدة ، وإن قيل هو أظهر في التخصيص حينئذ ، بل قيل يمكن إرادة الحرمة من الخلاف ، فيقل المخالف حينئذ ، وعلى كل حال ففي المسالك لا فدية فيه على القولين ، ولعله للأصل ، كما انه صرح في محكي المنتهى بجواز الاكتحال بما عدا الأسود من أنواع الكحل إلا ما فيه طيب بلا خلاف.

قلت : قد يقال بكراهته ، لحسن الكاهلي (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : « سأله رجل وأنا حاضر فقال : اكتحل إذا أحرمت ، قال : لا ، ولم تكتحل؟ قال : إني ضرير البصر ، فإذا اكتحلت نفعني ، وإذا تركته ضرني ، قال : اكتحل قال : فإني أجعل مع الكحل غيره قال : ما هو؟ قال : آخذ خرقتين فأربعهما فأجعل على كل عين خرقة ، وأعصبهما بعصابة إلى قفاي ، فإذا فعلت ذلك نفعني ، وإذا تركته ضرني ، قال : فاصنعه » ومنه يستفاد الجواز للضرورة وإن كان بالأسود ، قال الصادق عليه‌السلام (٢) : « لا بأس للمحرم أن يكتحل بكحل ليس فيه مسك ولا كافور إذا اشتكي عينه » والله العالم.

أو بما فيه طيب كما هو المشهور ، بل في التذكرة والمنتهى الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد عموم المنع عن استعمال الطيب ، وخصوص المعتبرة المستفيضة التي منها صحيح معاوية (٣) المتقدم ، وصحيح عبد الله بن سنان (٤) عن الصادق عليه‌السلام « يكتحل المحرم إن هو رمد بكحل ليس فيه زعفران » ومرسل أبان (٥) عنه عليه‌السلام أيضا المنجبر بما عرفت « إذا اشتكي المحرم عينه فليكتحل بكحل ليس فيه مسك ولا طيب » فما عن الإسكافي والشيخ في الجمل والقاضي في المهذب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٩.

٣٤٧

وشرح جمل العلم والعمل من الكراهة واضح الضعف ، وان احتج له بالأصل بعد زعم خروجه عن استعمال الطيب عرفا ، لاختصاصه بالظواهر ، إلا انه كما ترى ، ضرورة انك قد عرفت الإجماع بقسميه على حرمة مسه ولو بالباطن ، على انه لو سلم فالنص الخاص هنا كاف ، فلا إشكال حينئذ في الحكم المزبور ، بل قيل قد تعطي النهاية والمبسوط الحرمة وان اضطر اليه ، ولعله لما سمعته من النصوص الناهية عنه مع الحاجة منطوقا ومفهوما ، وإن كان هو واضح الضعف أيضا ، لعموم ما دل على الإباحة معها على وجه لا يخرج عنه بمثل ذلك ، والنصوص المزبورة محمولة على الاندفاع بغير ذلك ، ثم ان فديته فدية الطيب على الظاهر كما صرح به في المسالك ، وهل يعتبر في الحرمة وجود الرائحة في الطيب كما هو مقتضي الحسن المزبور ، بل أفتى به في الذخيرة ، بل ربما يؤيده إمكان منع صدق اسم الطيب مع ذهاب الرائحة ، أو لا يعتبر لصدق المسك والزعفران على فاقدها؟ وجهان لا يخلو أولهما من قوة ، وقد تقدم نحوه فيما مزجه بالطعام ، والله العالم.

وعلى كل حال ف يستوي في ذلك الرجل والمرأة بلا خلاف ولا إشكال ، بل في النصوص السابقة (١) ما يدل عليه.

وكذا لا يجوز لهما في حال الإحرام النظر في المرآة على الأشهر كما عن الصدوق والشيخ وأبي الصلاح وابني إدريس وسعيد ، بل نسبه غير واحد إلى الأكثر ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح حماد (٢) : « لا تنظر في المرآة وأنت محرم فإنه من الزينة » وفي‌ صحيح حريز (٣) « لا تنظر في المرآة وأنت محرم لأنه من الزينة » وفي‌ حسن معاوية (٤) « لا ينظر المحرم في المرآة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب تروك الإحرام.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٤.

٣٤٨

لزينة ، فإن نظر فليلب » ومنه يستفاد استحباب التلبية بعد الإجماع على عدم الوجوب ، وعلى كل حال فلا إشكال في الحرمة ، ولكن عن الجمل والعقود والوسيلة والمهذب والغنية انه مكروه كالمصنف في النافع ، بل قيل والخلاف ، ولكن يحتمل إرادة الحرمة منها للاستدلال عليها بالإجماع وطريقة الاحتياط ، فيكون حجة أخرى للحرمة ، مضافا إلى النصوص المزبورة وغيرها التي لا داعي إلى حمل النهي فيها على الكراهة ، نعم في الذخيرة ينبغي تقييد الحكم بما إذا كان النظر للزينة جمعا بين الأخبار المطلقة والمقيدة ، وفيه أنه لا منافاة كما سمعته في الكحل ، ولا بأس بما يحكي الوجه مثلا من ماء وغيره من الأجسام الصقيلة ، بل لا بأس بالنظر في المرآة في غير المعتاد فعله للزينة ، والله العالم.

ولبس الخفين وكل ما يستر ظهر القدم اختيارا كما في الاقتصاد والجمل والعقود والوسيلة والمهذب والنافع والقواعد والإرشاد وغيرها على ما حكي عن بعضها ، بل في الذخيرة نسبته إلى قطع المتأخرين ، بل في المدارك إلى الأصحاب بل في الغنية نفي الخلاف ، قال فيها : وان يلبس ما يستر ظاهر القدم من خف أو غيره بلا خلاف ، بل ظاهره نفيه بين المسلمين فضلا عن إرادة الإجماع منه ، للمعتبرة المستفيضة التي منها‌ صحيح معاوية (١) السابق عن الصادق عليه‌السلام المشتمل على قوله عليه‌السلام : « ولا خفين إلا أن لا يكون لك نعلان » وصحيح الحلبي (٢) « أي محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخفين إذا اضطر إلى ذلك ، والجوربين يلبسهما إذا اضطر إلى لبسهما » والخبر (٣) « عن المحرم يلبس الجوربين قال : نعم ، والخفين إذا اضطر إليهما » إلا انها جميعها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٤.

٣٤٩

مختصة بالخف والجورب ، ولذا اقتصر عليهما في محكي المقنع والتهذيب ، بل في كشف اللثام وفي النهاية على الخف ، وفي المبسوط والخلاف والجامع عليه وعلى الشمشك ، ولم يتعرض لشي‌ء من ذلك في المصباح ومختصره ، ولا في الكافي ولا في جمل العلم والعمل ولا في المقنعة ولا في المراسم ولا في الغنية ، لكن قد سمعت ما في الغنية مع سابقيه الذي أقله الشهرة العظيمة في التعدية عنهما إلى غيرهما مما يكون لبسه ساترا لظهر القدم ، خصوصا مع قوة احتمال خروجهما في النص والفتوى مخرج الغالب في استعمالهما ، وخلو الكتب المزبورة عنه لا ظهور فيه في الخلاف ، نعم الظاهر اختصاص الحرمة بما كان لباسا ساترا لظهر القدم بتمامه ، فلا يحرم الساتر لبعضه ، وإلا لم يجز النعل ، ودعوى ان حرمة الجميع تقتضي حرمة البعض ممنوعة بعد أن كان العنوان في الحرمة المجموع الذي لا يصدق على البعض ، وحينئذ فما في الروضة من أن الظاهر أن بعض الظهر كالجميع إلا ما يتوقف عليه لبس النعلين واضح الفساد ، خصوصا بعد ما في كشف اللثام ولا يحرم عندنا إلا ستر ظهر القدم بتمامه باللبس مشعرا بالإجماع عليه ، وهو كذلك بملاحظة فتاوى الأصحاب ، وحينئذ فلا يحرم ستر بعضه كما ذكرنا ، ولا ستره جميعه بغير اللبس كالجلوس وإلقاء طرف الإزار وكونه تحت الغطاء في النوم ، للأصل بعد الخروج عن النص والفتوى ، بل ان لم يكن إجماعا أمكن الاختصاص بما شابه الخف والجورب من لباس القدم ذي الساق دون غيره ، لأنه المناسب لكونهما مثالا لغيرهما ، بل يمكن اعتبار ستر الظاهر والباطن فيه ، لان الغالب فيهما ذلك ، إلا أني لم أجد من اعتبر شيئا من ذلك ، بل لعل ظاهر الأصحاب خلافه ، كما أن ظاهرهم حرمة ذلك على المحرم بخصوصه خارجا عن مسألة المخيط ، ولذا يذكرونه مستقلا عنه ، ولولاه لأمكن القول بأنه منه على معنى كون المحرم الخف لما فيه من الخياطة ،

٣٥٠

ويلحق به ما شابهه وان لم تكن فيه خياطة كالجورب ونحوه ، بل في المنتهى الاستدلال عليه بذلك.

وحينئذ يتجه اختصاصه بالرجال لما عرفت من جوازه لهن كما جزم به الشهيد هنا حاكيا له عن الحسن ، خلافا لما عن ظاهر النهاية والمبسوط من عموم المنع ، وأظهر منهما الوسيلة لعموم الاخبار والفتاوى وقاعدة الاشتراك ، ولكن فيه ما لا يخفى بناء على ما ذكرناه من كونه من مسألة المخيط التي قد عرفت البحث فيها مع الشيخ أيضا ، بل لعل المنع منه هنا بناء على منعه المخيط على النساء ، مؤيدا ذلك بالأصل ، وفحوى تعليل اباحة السراويل بالستر ، قيل : بل يشمله قوله في‌ صحيح العيص (١) : « تلبس ما شاءت من الثياب » بناء على أن الخف منه ، مضافا إلى ما دل من النصوص (٢) على ان إحرامها في وجهها وإن كان فيه أن ذلك غير مناف نحو‌ قوله عليه‌السلام (٣) : « إحرام الرجل في رأسه »

وعلى كل حال فلا اشكال ولا خلاف كما اعترف به في المنتهى في انه إذا اضطر اليه جاز له لبسه ، بل الإجماع محصل ومحكي في كشف اللثام ومحكي السرائر والمختلف عليه ، وهو الحجة بعد النصوص (٤) المصرحة بذلك في الخف والجورب الملحق بهما غيرهما كالشمشك ونحوه ، بل قيل ، هو أولى ، لكن عن المبسوط والوسيلة عدم جواز الشمشك مع الضرورة أيضا ، وإن كان هو كما ترى ، ضرورة قوة عموم أدلة الضرورة وخصوصها في المقام ، وان قال في كشف اللثام : وكأنهما يريدان بدون الشق ، إذ ذلك لا يجدي في اختصاص الشمشك بذلك ، كما هو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب تروك الإحرام.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب تروك الإحرام.

٣٥١

واضح ، هذا. وفي المسالك ولا فدية في لبس الخفين عند الضرورة عند علمائنا نص عليه في التذكرة ، ولعله لإطلاق الأدلة ، وعدمها في نظائره ، ولكن عن بعضهم وجوبها ، ولعله لكون الخف من المخيط الذي تسمع وجوبها في لبسه ولو للضرورة إلا فيما عرفت من السراويل والقباء ، ولا ريب في انه أحوط وإن كان الأول أقوى.

وكيف كان ف ان اضطر جاز بلا خلاف ولا اشكال ولكن قيل والقائل الشيخ في محكي المبسوط وابنا حمزة وسعيد في الوسيلة والجامع والفاضل في محكي المختلف والشهيدان في الدروس والمسالك والكركي في حاشية الكتاب : يجب عليه أن يشقهما حينئذ ، ولعله لقول الباقر عليه‌السلام في خبر محمد بن مسلم (١) « في المحرم يلبس الخف إذا لم يكن له نعل قال : نعم ولكن يشق ظهر القدم » والمرسل (٢) عن بعض الكتب « لا بأس للمحرم إذا لم يجد نعلا واحتاج أن يلبس خفا دون الكعبين » والصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٣) « في رجل هلكت نعلاه فلم يقدر على نعلين قال له ان يلبس الخفين إذا اضطر إلى ذلك ويشقه من ظهر القدم » والنبوي العامي (٤) « فان لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين » وللاحتياط ، وحرمة لبس ما يستر ظهر القدم بلا ضرورة ، ولا ضرورة إذا أمكن الشق.

وهو مع قول المصنف : انه قول متروك مشعرا بالإجماع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٥.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣.

(٤) سنن البيهقي ج ٥ ص ٥١.

٣٥٢

على خلافه ، بل عن ابن إدريس الإجماع صريحا على ذلك ـ لا جابر لخبريه الموافقين لأكثر العامة ، ومنهم أبو حنيفة على وجه يصلحان مقيدين لإطلاق النصوص المزبورة الواردة في مقام البيان المعتضدة بإطلاق فتوى المقنع والنهاية والتهذيب والمهذب على ما حكي عنها ، وصريح غيرها كالمحكي عن السرائر ، وبما رواه الجمهور عن علي عليه‌السلام من عدم الشق ، بل‌ رووا أنه قال : « قطع الخفين فساد يلبسهما كما هما » بل ربما كان ذلك منه إشارة إلى أنه إتلاف مال وإضاعة له يدخل به تحت الإسراف والتبذير ، ضرورة عدم فائدة في ذلك بعد حرمة اللبس اختيارا معه أيضا ، وبما‌ رووا عن عائشة (١) أيضا من ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رخص للمحرم أن يلبس الخفين ولا يقطعهما ، بل عن صفية (٢) « كان ابن عمر يفتي بقطعهما ، فلما أخبرته بحديث عائشة رجع » بل عن بعضهم الظاهر أن القطع منسوخ ، وذلك لأن حديث ابن عمر الذي روى فيه القطع كان بالمدينة ، والحديث الآخر قد كان في عرفات ، الى غير ذلك من المؤيدات لما ذكرناه ، فلا بأس بحمل النصوص المزبورة على ضرب من الندب.

ثم إن ظاهر المنتهى والتذكرة كون الشق هو القطع حتى يكونا أسفل من الكعبين الذي رواه العامة وأفتى به الشيخ في محكي الخلاف والإسكافي ، بل عن الفاضل في التحرير وموضع من المنتهى والتذكرة القطع بوجوب هذا القطع ، وعن موضع آخر من المنتهى أنه أولى خروجا من الخلاف وأخذا بالتقية ، وقال‌

__________________

(١) سنن أبي داود ج ١ ص ٤٢٥ المطبوعة عام ١٣٧١ ـ إلا أن فيه‌ « رخص للنساء في الخفين ».

(٢) سنن الدارقطني ـ ج ٢ ص ٢٧٢ ـ الرقم ١٧٠.

٣٥٣

ابن حمزة : شق ظاهر القدمين وإن قطع الساقين كان أفضل ، وهو صريح في المغايرة وقد سمعت المرسل عن الباقر عليه‌السلام في بعض الكتب ، فالمتجه التخيير بينهما ، وإن كان الأحوط الجمع بين القطع المزبور وشق ظهر القدم ، ولا إسراف ولا تبذير ولا إضاعة ، مع كون ذلك للاحتياط الذي هو من أغراض العقلاء.

وعلى كل حال فالظاهر أن القطع أو الشق واجب أو مندوب في حال الضرورة ، لا أنه طريق لجواز اللبس باعتبار عدم كونه حينئذ ساترا لتمام الظهر ، فان اسم الخف والجورب باق معهما ، والمراد كونه لباسا ساترا قوة أو من شأنه وان لم يكن ساترا فعلا ، فهما حينئذ نحو قلب القباء ولبسه منكوسا في حال الضرورة ، لا أنه شي‌ء يقتضي الجواز اختيارا.

ومن هنا نص في محكي الخلاف والتذكرة والمنتهى والتحرير على أنه مع وجود النعلين لا يجوز لبس الخفين ، ولا مقطوعين إلى ظهر القدم ، لكونه حينئذ كالجورب والشمشك ، وفي كشف اللثام وكذا إذا وجب الشق فوجد نعلين لم يجز لبس خفين مشقوقين ، إذ لم يجز في الشرع لبسهما إلا اضطرارا مع إيجاب الشق نعم إن لم يجب الشق كان النعل أولى كما في الدروس لا متعينة ، والموجود في الدروس بعد أن أوجب الشق قال : ولو وجد نعلين فهما أولى من الخف المشقوق والظاهر إرادة الأولوية الواجبة ، لتصريح النصوص (١) باشتراط جواز لبس الخفين ـ أي ولو مشقوقين ـ بعدم النعل ، بل مقتضي إطلاقها عدم الفرق في النعل بين المخيطة وغيرها ، ولا بأس باستثناء ذلك من المخيط.

وعلى كل حال فما ذكرنا ظهر لك أنه لا وجه لدعوى وجوب الشق مقدمة للتخلص من حرمة ستر ظهر القدم ، ضرورة كون المراد مما في الفتاوى حرمة لباس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب تروك الإحرام.

٣٥٤

الساتر شأنا ، فلا يجوز لبسه ولو على وجه لا يكون به ساترا ، على أنه لا يكفي شقه عن ظهر القدم في جواز لبسه اختيارا ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

والفسوق بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص (١) مضافا إلى الكتاب (٢) وانما الكلام في المراد به ، ففي المتن وتفسير علي بن إبراهيم والمقنع والنهاية والمبسوط والاقتصاد والسرائر والجامع والنافع وظاهر المقنعة والكافي على ما حكي عن بعضها هو الكذب ورواه‌ الصدوق في معاني الأخبار عن زيد الشحام (٣) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرفث والفسوق والجدال قال : أما الرفث فالجماع ، وأما الفسوق فهو الكذب ، ألا تسمع لقوله تعالى (٤) ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ ) والجدال هو قول الرجل : لا والله ، وبلى والله ، وسباب الرجل الرجل » والعياشي (٥) في تفسيره عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) (٦) فالرفث الجماع ، والفسوق الكذب ، والجدال قول الرجل : لا والله وبلى والله » وعن الفقه المنسوب (٧) الى الرضا عليه‌السلام « والفسوق الكذب ، فاستغفر الله منه ، وتصدق بكف من طعام » وفي كشف اللثام أنه رواه العياشي (٨) في تفسيره عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه‌السلام وعن محمد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٠.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ١٩٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٨.

(٤) سورة الحجرات ـ الآية ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٩.

(٦) سورة البقرة ـ الآية ١٩٣.

(٧) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ٢.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ١٠.

٣٥٥

ابن مسلم (١) وفي التبيان ومجمع البيان وروض الجنان أنه رواية أصحابنا ، وفي فقه القرآن للراوندي أنه رواية بعض أصحابنا ، وبذلك يجبر السند المحتاج إلى جبر ، وفي جمل العلم والعمل والمختلف والدروس أنه الكذب والسباب ، واليه يرجع ما عن الحسن من أنه الكذب والبذاء واللفظ القبيح ، وإن كان قد جعل في ذيل صحيح معاوية (٢) من جملة التفث الكلام القبيح كما ستسمعه ، إلا أنه يمكن ارادة غير السب منه الذي هو فسوق أيضا ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (٣) : « إذا أحرمت فعليك بتقوى الله تعالى وذكر الله تعالى وقلة الكلام إلا بخير ، فان تمام الحج والعمرة أن يحفظ المرء لسانه إلا من خير ، كما قال الله تعالى ، فان الله تعالى يقول ( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) فالرفث الجماع ، والفسوق الكذب والسباب ، والجدال قول الرجل : لا والله وبلى والله » مؤيدا بما‌ في الخبر (٤) من أن سباب المسلم فسوق ، بل لعل اليه يرجع ما في صحيح علي بن جعفر (٥) عن أخيه عليه‌السلام من انه الكذب والمفاخرة ، بناء على ان المفاخرة لا تنفك عن السباب ، لأنها انما تتم بذكر فضائل لنفسه وسلبها عن خصمه ، وسلب رذائل عن نفسه وإثباتها لخصمه ، وهو معنى السباب.

وعن الجمل والعقود أنه الكذب على الله ، وعن الغنية والمهذب والإصباح‌

__________________

(١) تفسير العياشي ج ١ ص ٩٦ الرقم ٢٦٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥٨ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ٣ وفيه‌ « سباب المؤمن فسوق ». (٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٤.

٣٥٦

والإشارة أنه الكذب على الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أحد الأئمة عليهم‌السلام بل في الأول منها انه عندنا كذلك ، وهو مع كونه منافيا لما سمعته من النصوص لم نعثر لهم على دليل سوى إشعار الإجماع المزبور المتحقق خلافه ، وكونه المبطل للصوم لا يقتضي كونه المراد من الفسوق ، وكذا ما عن التبيان من أن الأولى حمله على جميع المعاصي التي نهي المحرم عنها ، وعن الراوندي في فقه القرآن متابعته ، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النصوص المعتبرة والفتاوى ، بل عن الشيخ انه غلط من خصه بما يحرم على المحرم لا حرامه ويحل له لو لم يكن محرما بأنه تخصيص بلا دليل ، وما أدري ما السبب الداعي إلى الاعراض عن النصوص التي يمكن الجمع بينها بأنه عبارة عن جميع ما ذكر فيها من الكذب والسباب والمفاخرة على الوجه المحرم ، بناء على أنها غير السباب الذي هو وان جعل في رواية الصافي (١) من الجدال ، إلا انه يمكن وقوعه على وجوه ، منها ان يجتمع فيه الجدالية ، فلا مانع من ان يكون فسقا وجدالا بل وكذا المفاخرة التي جعلت من التفث في صحيح معاوية المفسر فيه الفسوق بالكذب والسباب ، فإنه بعد ذلك بفاصلة قال : واتق المفاخرة إلى آخر ما تسمعه إن شاء الله ، إذ هي أيضا تارة تكون فسوقا إذا كانت على وجه السب ، وأخرى لا تكون كذلك ، واحتمال تفسير الفسوق بها خاصة ـ مع انه لا قائل به وإن قيل : إنه حكاه الشهيد في بعض حواشيه ـ لا شاهد له ، فان الصحيح المزبور لم يشتمل على تفسير الفسوق بها.

ومن الغريب ما في المدارك من ان الجمع بين الصحيحتين يقتضي المصير إلى أن الفسوق هو الكذب خاصة ، لاقتضاء الاولى نفي المفاخرة ، والثانية نفي السباب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٨ وهو رواية معاني الأخبار كما تقدم.

٣٥٧

ضرورة عدم كون ذلك جمعا ، إذ هو طرح لكل منهما ، والجمع ما ذكرناه من تحكيم منطوق كل منهما على مفهوم الأخرى ، فيكون الفسوق عبارة عن الكذب والسباب والمفاخرة ، وفيها أيضا بعد ان حكى الإجماع على تحريم الفسوق في الحج وغيره وان الأصل فيه الآية قال : ويتحقق الحج بالتلبس بإحرامه ، بل بالتلبس بإحرام عمرة التمتع لدخولها في الحج ، وفيه ان المستفاد من الفتاوى ومعاقد الإجماعات بل وبعض النصوص (١) كونه من محرمات الإحرام ولو للعمرة المفردة ولا منافاة بين الحرمة فيه وكونه محرما في نفسه ، كما هو واضح.

ثم ان الظاهر كونه كغيره من المحرمات فيه التي لا تقتضي فساده ، فما عن المفيد من كون الكذب مفسدا للإحرام واضح الضعف ، وإن كان قد يستأنس له بملاحظة‌ الصحيح (٢) عن قول الله عز وجل (٣) ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ) قال : « إتمامهما أن لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج » ونحوه آخر (٤) إلا ان من المعلوم عدم إرادة الفساد من عدم الإتمام ، كما هو واضح.

وعلى كل حال فلا كفارة فيه ، لما رواه‌ الحلبي ومحمد بن مسلم في الصحيح (٥) « انهما قالا لأبي عبد الله عليه‌السلام : أرأيت إن ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال : لم يجعل الله تعالى له حدا ، يستغفر الله تعالى » ولكن قد سمعت ما عن فقه الرضا عليه‌السلام (٦) وعن الحسن أنه لا كفارة في الفسوق سوى الكلام الطيب في الطواف والسعي ، وفي‌ ذيل صحيح معاوية بن عمار (٧) المشتمل على تفسير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٦.

(٣) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٥) الفقيه ج ٢ ص ٢١٢ الرقم ٩٦٨.

(٦) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٥.

٣٥٨

الفسوق بالكذب والسباب « واتق المفاخرة ، وعليك بورع يحجزك عن المعاصي فإن الله عز وجل (١) يقول ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ، وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : من التفث أن تتكلم في إحرامك بكلام قبيح ، فإذا دخلت مكة فطفت بالبيت تكلمت بكلام طيب ، فان ذلك كفارة لذلك » ، وقد سمعت صحيح علي بن جعفر (٢) عن أخيه عليه‌السلام الذي ذكرناه في حرمة وطء النساء ، وكيف كان فلا فائدة مهمة في البحث عن المراد بالفسوق بعد القطع بتحريمه على جميع التفاسير ، وعدم وجوب كفارة فيه سوى الاستغفار ، وعدم بطلان الإحرام به إلا في النذر وأخويه ونحو ذلك من الأمور النادرة ، والله العالم.

والجدال كتابا (٣) وسنة (٤) وإجماعا بقسميه وهو على ما في أكثر كتب الأصحاب أو جميعها وأكثر النصوص التي تقدم جملة منها قول لا والله وبلى والله ومنها‌ صحيح معاوية بن عمار (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يقول : لا لعمري وهو محرم فقال : ليس بالجدال ، انما الجدال قول الرجل : لا والله وبلى والله ، واما قوله : لاها فإنما طلب الاسم ، وقوله : يا هناه فلا بأس به ، وأما قوله ، لا بل شانيك فإنه من قول الجاهلية » وفي صحيحه الآخر (٦) عنه عليه‌السلام أيضا « والجدال هو قول الرجل : لا والله وبلى‌

__________________

(١) سورة الحج ـ الآية ٣٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٤.

(٣) سورة البقرة ـ الآية ١٩٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ٣.

٣٥٩

والله ، واعلم أن الرجل إذا حلف بثلاث أيمان ولاء في مقام واحد وهو محرم فقد جادل ، فعليه دم يهريقه ويتصدق به ، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل ، وعليه دم يهريقه ويتصدق به ». وفي صحيحه الآخر (١) « ان الرجل إذا حلف بثلاث أيمان ولاء في مقام واحد وهو محرم فقد جادل ، وعليه حد الجدال دم يهريقه ويتصدق به » وفي صحيح ابن مسلم (٢) عن الباقر عليه‌السلام « سألته عن الجدال في الحج فقال : إن زاد على مرتين فقد وقع عليه الدم ، فقيل له الذي يجادل وهو صادق فقال : عليه شاة ، والكاذب عليه بقرة » وفي صحيحه الآخر (٣) وصحيح الحلبي (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « من ابتلى بالجدال ما عليه؟ قال : إذا جادل يوما مرتين فعلى المصيب دم يهريقه شاة ، وعلى المخطئ بقرة » ونحوه غيره ، وفي‌ خبر ابان بن عثمان (٥) عن أبي بصير على ما في التهذيب قال : « إذا حلف الرجل ثلاث أيمان وهو صادق وهو محرم فعليه دم يهريقه ، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبا فقد جادل ، فعليه دم يهريقه » ورواه في‌ الكافي عن أبي بصير (٦) عن أحدهما عليهما‌السلام « إذا حلف ثلاث أيمان متتابعات » إلى آخره ، وخبر أبي بصير الآخر (٧) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا جادل الرجل وهو محرم فكذب متعمدا فعليه جزور » وفي خبره (٨) الثالث « سألته عن المحرم يريد أن يعمل العمل فيقول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ٢ عن الصادق عليه‌السلام.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ٧.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ٤.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ٩.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٧.

٣٦٠