جواهر الكلام - ج ١٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المعارض ، ضرورة توقف ذلك على رجحانه على احتمال الحرمة منها ، وتأويل المعارض بما ستعرف إن شاء الله : بل هو أرجح من وجوه كما تسمع إن شاء الله واشتمال صحيح حريز على الريحان بعد تسليم كراهته لا ينافي الحرمة في الطيب ، خصوصا بعد استقلاله بنهي آخر بناء على أن قوله « ولا نهي » لا زائدة ، إذ أقصاه كونه كالعام المخصوص حينئذ ، فتأمل جيدا.

نعم قد استثنى المصنف وغيره من ذلك فقال ما خلا خلوق الكعبة وهو ضرب من الطيب مائع فيه صفرة كما عن المغرب والمعرب ، وعن النهاية « انه طيب معروف مركب من الزعفران وغيره من أنواع الطيب ، وتغلب عليه الحمرة والصفرة » وعن ابن جزلة المتطبب في منهاجه « ان صفته زعفران ثلاثة دراهم ، قصب الذريرة خمسة دراهم ، اشنه درهمان قرنفل وقرفد من كل واحد درهم ، يدق ناعما وينخل ويعجن بماء ورد ودهن ورد حتى يصير كالرهشي في قوامه ، والرهشي هو السمسم المطحون قبل ان يعصر ويستخرج دهنه » وعلى كل حال فقد استثناه غير واحد ، بل في المنتهى ومحكي الخلاف الإجماع عليه ، لنحو‌ صحيح حماد بن عثمان (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن خلوق الكعبة وخلوق القبر يكون في ثوب الإحرام قال : لا بأس به ، هما طهوران » وسأله أيضا ابن سنان (٢) في الصحيح « عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المحرم قال : لا بأس ، ولا يغسله فإنه طهور » ولعله لهما زاد ابن سعيد خلوق القبر ، ولا بأس به ، بل في التهذيب والنهاية والسرائر والتحرير والمنتهى والتذكرة زيادة زعفرانها أيضا ، لاشتمال الخلوق عليه ول‌ صحيح يعقوب بن شعيب (٣) سأله عليه‌السلام « عن المحرم يصيب ثوبه الزعفران من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢ وفيه‌ « عن المحرم يصيب ثوبه الزعفران من الكعبة قال : لا يضره ولا يغسله » وما ذكر له في الجواهر من الذيل انما هو من صحيح حماد بن عثمان الذي يرويه في الوسائل بعد صحيحة يعقوب بن شعيب.

٣٢١

الكعبة ، وخلوق القبر يكون في ثوب الإحرام فقال : لا بأس بهما ، هما طهوران » وخبر سماعة (١) سأله عليه‌السلام أيضا « عن الرجل يصيب ثوبه زعفران الكعبة وهو محرم فقال : لا بأس وهو طهور ، فلا تتقه ان يصيبك » بل في التذكرة والمنتهى جواز الجلوس عند الكعبة وهي تجمر حملا على الخلوق ، ولكن في الدروس عن الشيخ لو دخل الكعبة وهي تجمر أو تطيب لم يكن له الشم ، وإن كنا لم نتحققه ، بل في كشف اللثام الذي ظفرت به حكايته له في الخلاف عن الشافعي ، ثم قال فيه أيضا : وأجاد صاحب المسالك حيث حرم غير الخلوق إذا طيبت به الكعبة بالتجمير أو غيره اقتصارا على المنصوص ، قال : لكن لا يحرم عليه الجلوس فيها وعندها حينئذ ، وانما يحرم الشم ، ولا كذلك الجلوس في سوق العطارين وعند المتطيب ، فإنه يحرم ، وفيه ان زعفرانها منصوص ، بل يشم منه ومن غيره ـ خصوصا نفي البأس عن الريح الطيبة بين الصفا والمروة الذي سمعته ـ ان مطلق ما يطيب به الكعبة بالتجمير وغيره لا بأس به ، ولعله لعسر تجنبه أو منافاة القبض على الأنف لاحترامها بل لعل الاذن في ذلك فيها مع عدم الأمر بالاجتناب والإمساك على الأنف والتحفظ عن إصابة الثياب ظاهر في عدم البأس ، بل لعل قوله عليه‌السلام : هو طهور مع إشعاره بالتعليل يشم منه انه من التطهير الذي أمر الله تعالى به إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام للطائفين وغيرهم ، وليس استثناء الجلوس عندها وفيها بخلاف الجلوس في سوق العطارين والمتطيب بأولى مما ذكرناه ، وما ذكره من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٤.

٣٢٢

حصر التحريم في الشم يقتضي عدم الفرق بينها وبين السوق والمتطيب كما هو واضح بل يمكن ان يكون ذلك من الضرورة التي لا خلاف في الجواز معها ، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه ، لنفي العسر والحرج في الدين ، وصحيح إسماعيل بن جابر (١) « وكانت عرضت له ريح في وجهه من علة أصابته وهو محرم قال : فقلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن الطبيب الذي يعالجني وصف لي سعوطا فيه مسك فقال : اسعط به » وفي‌ خبره الآخر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن السعوط للمحرم وفيه طيب فقال : لا بأس » المحمول على حال الضرورة جمعا.

وكيف كان فقد بان لك وجوب اجتناب المحرم الطيب شما وتطيبا وأكلا ولو في الطعام لعموم الأدلة وإطلاقها ، مضافا إلى خصوص بعض النصوص السابقة ، بل في التذكرة نسبته إلى إجماع علماء الأمصار ، لكن ينبغي اعتبار عدم استهلاكه فيه على وجه يعد انه آكل له ومستعمل إياه ولو ببقاء رائحته التي هي المقصد الأعظم منه ، كما ان المقصد الأعظم من الزعفران لونه أيضا ، اما إذا استهلك على وجه لم يبق شي‌ء من صفاته لم يحرم ، للأصل بعد عدم صدق اكله واستعماله ، وربما يؤيده في الجملة‌ صحيح عمران الحلبي (٣) عن الصادق عليه‌السلام « انه سئل عن المحرم يكون به الجرح فيداوي بدواء فيه الزعفران فقال : إن كان الزعفران الغالب على الدواء فلا ، وإن كانت الأدوية الغالبة فلا بأس » فما عن الخلاف والتحرير والمنتهى وموضع من التذكرة من حرمة أكل ما فيه طيب وإن زالت أوصافه لعموم النهي عن أكل ما فيه طيب أو زعفران أو مسه واضح الضعف بعد ما عرفت من منع تناول العموم له ، ولم نجد في النصوص المعتبرة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٩ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣.

٣٢٣

ما يدل على حرمة ما فيه طيب على وجه يتناول المستهلك ، ومن الغريب دعوى الإجماع في المنتهى على ذلك مع أنه مظنة العكس ، ولا فرق عندنا بين ما مسته النار وغيره ، خلافا لمالك وأصحاب الرأي فأباحوا ما مسته النار بقيت أوصافه أم لا.

والتحقيق ما عرفت من حرمة أكله إذا لم يكن مستهلكا ، نعم لو اضطر إلى أكل ما فيه طيب أو لمس الطيب خاصة قبض على أنفه تقديرا للضرورة بقدرها ، وعملا بالنصوص (١) كما أنه لو اضطر إلى شمه خاصة اقتصر عليه دون أكله ، والاستعاط السابق من جملة الضرورة التي لا ينبغي التأمل في الجواز معها وإن كان قد يشعر به نسبة ذلك في التحرير إلى الصدوق ، لكنه في غير محله ، كما لا تأمل في الحرمة بدونها ، وإن قال في المنتهى والتذكرة ان الوجه المنع مشعرا باحتمال الجواز ، إلا أنه أيضا في غير محله.

وعلى كل حال فقد قيل والقائل الشيخ في النهاية وابن حمزة في الوسيلة انما يحرم على المحرم المسك والعنبر والزعفران والعود والكافور والورس بل عن الخلاف الإجماع على أنه لا كفارة في غيرها ، وعن الجمل والعقود والمهذب والإصباح والإشارة حصره في خمسة بإسقاط الورس ، بل في الغنية نفي الخلاف عن حرمتها وقد يقتصر بعض كما سمعته من الصدوق في المقنع على أربعة : المسك والعنبر والزعفران والورس بل هو المحكي عن التهذيب وابن سعيد لصحيح معاوية (٢) السابق ، وخبر عبد الغفار (٣) عنه عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ و ٢٦ ـ من أبواب تروك الإحرام.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١٦ وليس فيه « وخلوق الكعبة لا بأس به » وانما هو من كلام الشيخ ( قده ) كما يظهر بمراجعة التهذيب ج ٥ ص ٢٩٩.

٣٢٤

أيضا « الطيب المسك والعنبر والزعفران والورس ، وخلوق الكعبة لا بأس به » ومنه يعلم كون المراد منه ذلك بالنسبة للمحرم ، لا أن المراد حصر الطيب في نفسه ، بل في‌ صحيح معاوية (١) الآخر عنه عليه‌السلام أيضا « الرجل يدهن بأي دهن شاء إذا لم يكن فيه مسك ولا عنبر ولا زعفران ولا ورس قبل أن يغتسل للإحرام ، غير أنه يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح » وبذلك يظهر لك أنه لا وجه لإسقاط الورس ممن سمعت وان‌ قال الصادق عليه‌السلام في خبر ابن أبي يعفور (٢) : « الطيب المسك والعنبر والزعفران والعود » فان المتجه في الجمع بينها الحكم بحرمة الخمسة التي نفي الخلاف فيها في محكي الغنية ، بل ينبغي إضافة الكافور إليها ، لفحوى ما دل (٣) على منع الميت المحرم منه ، فالحي أولى ، بل لعل الحصر المزبور في النصوص المذكورة فيما عداه باعتبار قلة استعمال الأحياء له ، كما أنه يجوز كون ترك العود في نصوص الأربعة لاختصاصه غالبا بالتجمير ، وكونها مما يستعمل لنفسه ، وبما ذكرنا ظهر لك حجة القول بالستة والخمسة والأربعة ، وعلى كل حال فيخص أو يقيد ما دل (٤) على حرمة مطلق الطيب أو يحمل على الكراهة كما عساه يشعر بها ما عرفت من قول « ينبغي » ونحوه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١ إلا أنه لم يذكر فيه‌ قوله عليه‌السلام : « غير أنه يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح » وانما ذكر ذلك في ذيل حديثه الآخر المروي في الباب ١٨ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب غسل الميت من كتاب الطهارة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٠.

٣٢٥

ولكن مع ذلك الأول أظهر من ذلك كله : خصوصا القول بالأربعة الذي هو في غاية الندرة ، حتى أن الشيخ الذي قال به في التهذيب قد رجع عنه في المبسوط إلى العموم ، وفي الخلاف إلى الستة ، ومنه يعلم المناقشة في الحصر في الصحيح بالأربعة المشتمل على ما لا يقول به أحد من الكفارة بأنه لا بد من صرفه عن ظاهره بالنسبة إلى الكافور والعود لما عرفت ، فيكون مجازا بالنسبة إلى ذلك ، وهو ليس بأولى من إبقاء العموم على حاله وحمله على ما هو أغلظ تحريما أو المختص بالكفارة ، بل لعله أولى وإن كان التخصيص بالترجيح أحرى من المجاز حيث ما تعارضا ، فان ذلك حيث لا يلزم إلا أحدهما ، واما إذا لزم المجاز على كل تقدير فلا ريب في أن اختيار فرد منه يجامع العموم أولى من الذي يلزم معه التخصيص كما لا يخفى ، والعمدة كثرة النصوص المزبورة مع عمل المشهور بمضمونها ، واشتمال بعضها على التعليل بأنه لا ينبغي للمحرم التلذذ بذلك المناسب لمعنى الإحرام ، ولما ورد (١) في دعائه من إحرام الأنف وغيره ، فيكون الظن بها أقوى ، وإجماع الخلاف على نفي الكفارة فيما عدا الستة لا ينافي الحرمة بعد تسليمه ، كما أن إجماع ابن زهرة لا ينافي حرمة غيرها ، كل ذلك مضافا إلى معلومية عدم الحصر المزبور مع فرض إرادة ما يشمل الدهن من الطيب ، ضرورة المفروغية من حرمته ، قال في المنتهى « أجمع علماؤنا على أنه يحرم الادهان في حال الإحرام بالادهان الطيبة كدهن الورد والبان والزيبق ، وهو قول عامة أهل العلم ، ويجب به الفدية إجماعا » ومقتضى ذلك كون النزاع هنا في الطيب غير الادهان الذي سيتعرض له المصنف ، اللهم إلا أن يكون المراد هناك خصوص الادهان دون الشم والأكل ، فإنه من مفروض البحث هنا ، ويأتي إن شاء الله تمام الكلام فيه ، وإن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

٣٢٦

كان قد عرفه في التذكرة بأنه ما تطيب رائحته ويتخذ للشم كالمسك والعنبر والكافور والزعفران وماء الورد والأدهان الطيبة كدهن البنفسج والورس ، والمعتبر أن يكون معظم الغرض منه التطيب أو يظهر فيه هذا الغرض ، وقال الشهيد : « يعني به كل جسم ذي ريح طيبة بالنسبة إلى معظم الأمزجة أو إلى مزاج المستعمل له غير الرياحين » وفي المسالك « هو الجسم ذو الريح الطيبة المتخذة للشم غالبا غير الرياحين ، كالمسك والعنبر والزعفران وماء الورد والكافور » هذا.

وقد قيل : ذكر الفاضل أن أقسام النبات الطيب ثلاثة : الأول ما لا ينبت للطيب ولا يتخذ منه كالشيخ والقيصوم والخزامى والفواكه كلها من الأترج والتفاح والسفرجل وأشباهها ، وهذا كله ليس بمحرم ، ولا يتعلق به كفارة إجماعا ، قال الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية بن عمار (١) : « لا بأس أن تشم الإذخر والقيصوم والخزامى والشيح وأشباهه وأنت محرم » ١٦٧٦٦‌ وسأله عليه‌السلام عمار الساباطي (٢) « عن المحرم يتخلل قال : نعم لا بأس به ، قلت له : أيأكل الأترج؟ قال : نعم ، قلت : فان له ريحة طيبة قال : إن الأترج طعام وليس هو من الطيب » ومنه وغيره يعلم أن الأمر بالإمساك عنه في‌ مرسل ابن أبي عمير (٣) عن بعض أصحابه عنه عليه‌السلام أيضا لضرب من الندب ، قال : « سألته عن التفاح والأترج والنبق وما طاب ريحه قال : يمسك عن شمه ويأكله » الثاني ما ينبته الآدميون للطيب ولا يتخذ منه طيب كالريحان الفارسي والمرزنجوش والنرجس ، وقد اختلف الأصحاب في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٩٢ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٣ وذيله في الباب ـ ٢٦ ـ منها الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

٣٢٧

حكمه ، فقال الشيخ : إنه غير محرم ، ولا تتعلق به كفارة ، واستقرب العلامة في التحرير تحريمه ، والظاهر كونه من الرياحين التي ستعرف الكلام فيها ، الثالث ما يقصد شمه ويتخذ منه الطيب كالياسمين والورد والنيلوفر ، وقد وقع الاختلاف في حكمه أيضا ، واستقرب الفاضل أيضا حرمته ، لأن الفدية تجب فيما يتخذ منه ، فكذا في أصله ، وفي محكي المبسوط الطيب على ضربين أحدهما تجب فيه الكفارة وهي الأجناس الستة التي ذكرناها : المسك والعنبر والكافور والزعفران والعود والورس ، والضرب الآخر على ثلاثة أضرب ، أولها ينبت للطيب ويتخذ منه الطيب مثل الورد والياسمين والجبزي ( والخبزي خ ل ) والكازي والنيلوفر ، فهذا يكره ، ولا يتعلق باستعماله كفارة إلا ان يتخذ منه الأدهان الطيبة ، فيدهن بها ، فيتعلق بها كفارة ، وثانيها لا ينبت للطيب ولا يتخذ منه الطيب مثل الفواكه كالتفاح والسفرجل والنارنج والأترج والدارصيني والمصطكا والزنجبيل والشيح والقيصوم والإذخر وحبق الماء والسعد ونحو ذلك ، وكل ذلك لا تتعلق به كفارة ولا هو محرم بلا خلاف ، وكذلك حكم أنوارها وأورادها ، وكذلك ما يعتصر منها من الماء ، والاولى تجنب ذلك للمحرم ، الثالث ما ينبت للطيب ولا يتخذ منه الطيب مثل الريحان الفارسي ، ولا تتعلق به كفارة ، ويكره استعماله ، وفيه خلاف ، وهو نحو ما سمعته من التذكرة إلا ما عرفت من الحرمة في مثل الورد.

وعلى كل حال فلا يخفى عليك عدم عد شي‌ء منها من الطيب عرفا ، كما أن الرياحين أيضا كذلك وإن كان قد يظهر من استثناء محكي المصباح ومختصره الفواكه من الطيب وكذا الإرشاد والتلخيص مع زيادة الرياحين دخولها في الطيب ، إلا أنه في غير محله ، ويمكن إرادة المنقطع من الاستثناء.

وحينئذ يتخلص من ذلك كله أن ما كان من الطيب من الأدهان لا إشكال‌

٣٢٨

في حرمته على المحرم كما عرفت وتعرف ، كما أن الأقوى حرمة مطلق الطيب من غيرها كالمسك والعنبر والعود والزعفران وقصب الذريرة وغيرها مما هو طيب عرفا ويتطيب به عادة ولو للطعام ، كالزعفران الذي يمكن كونه في القديم يتطيب به ، خصوصا الأربعة ، وخصوصا العود منها ، وخصوصا الكافور ، وأما غيره مما هو طيب الرائحة وليس من الطيب عرفا فقد عرفت إباحة ما كان منه طعاما كالتفاح والسفرجل والأترج ونحوها ، وكذا ما كان نبتا بريا طيب الرائحة كالشيح والقيصوم ونحوهما ، خصوصا بعد اندراجها في الرياحين وقلنا بالجواز فيها ، وأما غير ذلك مما هو طيب الرائحة وليس طعاما ولا ريحانا ولا مثل الشيح والقيصوم فالظاهر جوازه أيضا للأصل وغيره ، كصحيح العلاء (١) سأل الصادق عليه‌السلام « انه حلق وذبح أيطلي رأسه بالحناء وهو متمتع؟ قال : نعم من غير أن يمس شيئا من الطيب » وسأله عليه‌السلام ابن سنان (٢) في الصحيح « عن الحناء فقال : إن المحرم ليمسه ويداوي به بعيره وما هو بطيب ، وما به بأس » وفي مرسل الصدوق (٣) « انه يجوز أن يضع الحناء على رأسه ، إنما يكره المسك وضربه ، إن الحناء ليس بطيب » بل خبر عمار (٤) المتقدم كالصريح في أن المحرم الطيب لا مطلق ذي الرائحة الطيبة التي قد يعسر اجتنابها أوقات الربيع في الحرم وغيره ، وخصوصا الرياحين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٥ إلا أن الموجود في الفقيه ج ٢ ص ٣٠٢ الرقم ١٥٠٣ « السك » بالضم بدل « المسك » وهو نوع من الطيب.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

٣٢٩

منها ، بل لعل السيرة القطعية على خلافه ، وكذا الفواكه ، وإن قال في الدروس : « إنه اختلف فيها » إلا انه لم نتحققه ، ويمكن أن يريد ما سمعته من الاختلاف في الرواية ، وحينئذ فيحمل الأمر بإمساك الأنف عن الرائحة الطيبة على القدر المشترك إذا كان المراد ما يشمل الطيب وغيره.

وكيف كان فما في كشف اللثام من الوجوه التسعة في الأجسام الطيبة الريح لا نعرف بها قائلا بل ولا مأخذا لبعضها ، فإنه ـ بعد أن استظهر من المصنف والفاضل والشهيد خروج الرياحين من الطيب ، ومن الشيخ في المصباح دخول الفاكهة فيه لاستثنائها منه وكذا في الإرشاد والتلخيص مع زيادة استثناء الرياحين ـ قال : « الأول حرمتها مطلقا ، والثاني حرمتها إلا الفواكه ، والثالث حرمتها إلا الرياحين ، والرابع حرمتها إلا الفواكه والرياحين ، والخامس حرمتها إلا الفواكه والرياحين ، وما لا ينبت للطيب ، ولا يتخذ منها الطيب ، وهي نبات الصحراء والإذخر والأبازير خلا الزعفران ، والسادس حرمتها إلا الفواكه والأبازير غير الزعفران ، وما لا يقصد به الطيب ولا يتخذ منه ، والسابع إباحتها إلا ستة ، والثامن إباحتها إلا أربعة ، والتاسع إباحتها إلا خمسة ، وفي الأربعة وجهان » ولعله لذلك كتب فيما حضرني من نسخة كتبها بيده في الحاشية عوضا عن ذلك على الظاهر « وبالجملة فلا كلام في حرمة الأربعة ، والورس منها أظهر من العود ، وفيما زاد أقوال ، منها حرمة خمسة ، ومنها حرمة ستة ، ومنها حرمة الطيب مطلقا ، وفي شموله الفواكه وجهان ، وكذا في شموله الرياحين ، وفي شموله الأبازير كالقرنفل والدارصيني وكذا في شموله أو شمول الرياحين لما لا ينبت للطيب ولا يتخذ منه الطيب كالحناء والعصفر ونبات البر كالإذخر والشيح » ثم ذكر النصوص الدالة على جواز الحناء للمحرم التي ذكرناها وهو وإن كان في جملة منه نظر واضح أيضا إلا انه أولى من كلامه السابق ، وعلى كل حال فالتحقيق ما عرفت.

٣٣٠

ثم إنه لا إشكال في جواز اجتياز المحرم في موضع يباع فيه الطيب مثلا ، أو يجلس عند متطيب إذا لم يكتسب جسده ولا ثوبه من ريحه وكان قابضا على أنفه كما صرح به غير واحد ، للأصل بعد عدم صدق عنوان النهي من المس والأكل والاستعمال ، وفي‌ صحيح ابن بزيع (١) « رأيت أبا الحسن عليه‌السلام كشف بين يديه طيب لينظر اليه وهو محرم فأمسك بيده على أنفه من رائحته » وحينئذ فلا بأس ببيعه وشرائه وغيرهما مما لا يندرج في عنوان النهي ، نعم يجب الامتناع عن شمه بقبض الأنف ونحوه لحرمة ذلك عليه ، وللخبر المزبور المعتضد بالأمر في النصوص السابقة بذلك عن الرائحة الطيبة ، خلافا للمحكي عن ظاهر المبسوط والاستبصار والسرائر والجامع فلا يجب ، للأصل بعد منع اندراج إصابة الرائحة في الطريق في موضوع النهي ، بخلاف الشم والمباشرة والأكل المؤديين له ولما سمعته من‌ خبر هشام بن الحكم (٢) « لا بأس بالريح الطيبة » الى آخره ، وهو كما ترى ، ضرورة انقطاع الأصل بما عرفت ، واختصاص الخبر المزبور في المكان المخصوص للضرورة أو غيرها ، بل لعل تعمد الاجتياز في الطريق المزبور مثلا كالمباشرة والتناول وغيرهما المؤدي إلى الشم.

هذا كله في الرائحة الطيبة ، أما الرائحة الكريهة فالمشهور حرمة إمساك الأنف عن شمها ، بل عن ابن زهرة نفي الخلاف فيه للنهي عنه فيما سمعته من النصوص المعتبرة التي منها‌ صحيح ابن سنان (٣) عن الصادق عليه‌السلام « المحرم إذا مر على جيفة فلا يمسك على أنفه » فلا وجه للمناقشة باحتمال ارادة نفي الوجوب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣.

٣٣١

في مقابل ريحة الطيب بعد ما سمعته من نفي الخلاف والشهرة.

ويجب أن يزيل ما أصابه منه فورا كما صرح به الفاضل ، لحرمة الاستدامة كالابتداء ، وفي الدروس « أمر الحلال بغسله أو غسله بآلة » ولكن في محكي التهذيب والتحرير والمنتهى التصريح بجواز إزالته بنفسه ، ولعله لقول أحدهما عليهما‌السلام في مرسل ابن أبي عمير (١) : « في محرم أصابه طيب لا بأس أن يمسحه بيده أو يغسله » ولانه مزيل للطيب تارك له لا متطيب ، كالغاصب إذا خرج من الدار المغصوبة بنية تركها ، ولظاهر‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) لمن رأى عليه طيبا : « اغسل عنك الطيب » كخبر إسحاق بن عمار (٣) « عن المحرم لمس الطيب وهو نائم لا يعلم قال : يغسله وليس عليه شي‌ء ، وعن المحرم يدهنه الحلال بالدهن الطيب والمحرم لا يعلم ما عليه قال : يغسله أيضا ، وليحذر ».

لكن لا ريب في أن الأحوط ما سمعته من الدروس ، بل يمكن القول بتعينه بعد معلومية حرمة مسه بالإجماع بقسميه والنصوص (٤) ولو بالباطن كباطن الجرح والاكتحال والاحتقان والاستعاط على وجه لا يخرج عنه بمثل النصوص المزبورة ، ويمكن حملها على حال الضرورة ، بل لعل‌ قوله عليه‌السلام في الأخير : « يغسله وليحذر » إشارة منه إلى مسه.

ولو كان معه ماء لا يكفيه لغسل الثوب والطهارة ولم يمكن قطع رائحة الطيب بشي‌ء غير الماء ففي المدارك صرفه لغسله ، وتيمم للطهارة ، قال : « لأن للطهارة المائية بدلا ، ولا بدل للغسل الواجب » بل في الدروس « وصرف الماء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

(٢) صحيح مسلم ج ٤ ص ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب تروك الإحرام.

٣٣٢

في غسله أولى من الطهارة وإزالة النجاسة ، فيتيمم » وهو صريح في عدم الفرق بين الحدث والخبث الذي لا بدل له أيضا ، واحتمل في المدارك وجوب الطهارة به ، لان وجوبها قطعي ، ووجوب الإزالة والحال هذه مشكوك فيه ، لاحتمال استثنائه للضرورة كما في الكعبة والمسعى ، والاحتياط يقتضي تقديم الغسل على التيمم ، لتحقق فقد الماء حالته ، قلت : لا يخفى عليك ما في ذلك كله ، والمتجه التخيير ، هذا.

وقد عرفت سابقا وجوب اجتنابه في مطلق استعماله للتطيب ولو بحمل ما فيه طيب من غير أن يمس ثوبه ولا بدنه ولكن تظهر رائحته عليه بحمله ، وكذا التبخر أو لبس ثوب مطيب بصبغ فيه أو غمس أو ذر أو غير ذلك مما يكون به مطيبا ، بل عن التذكرة إجماع علماء الأمصار على حرمة ثوب فيه طيب ، لخبر حماد بن عثمان (١) السابق ، ومفهوم‌ خبر الحسين بن أبي العلاء (٢) « عن ثوب المحرم يصيبه الزعفران ثم يغسل قال : لا بأس به إذا ذهب ريحه » وخبر إسماعيل ابن الفضل (٣) « عن المحرم يلبس الثوب قد أصابه الطيب فقال : إذا ذهب ريح الطيب فلا بأس فيلبسه » وغير ذلك.

وكذا يحرم الجلوس عليه أو في حانوت عطار مثلا فتشبث به الرائحة لذلك كما أومى إليه في خبر حماد بن عثمان السابق المشتمل على اكتساب ثوبي الإحرام من الثياب المجمرة الذي أمر فيه بنشرها حتى يذهب ريحها ، بل في محكي التذكرة والمنتهى والتحرير « لو داس بنعله طيبا فعلق بنعله أثم وكفر » وما عن الخلاف ـ من أنه يكره للمحرم أن يجعل الطيب في خرقة ويشمها ، فان فعل فعليه الفداء ـ

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٥.

٣٣٣

يراد به الحرمة بقرينة الفداء ، كما أن ما عنه والتذكرة ـ من كراهة القعود عند العطار الذي يباشر العطر ، فان جاز عليه أمسك على أنفه ، وعن المبسوط زيادة ويكره الجلوس عند الرجل المتطيب إذا قصد ذلك غير أنه لا يتعلق به فدية ، ونحوه عن الوسيلة في الحكم بكراهة الجلوس إلى متطيب أو مباشر للطيب ـ محمول على غير المكتسب لذلك وغير الشام ، ولذا قال في محكي التذكرة ، ولا يجوز الجلوس عند رجل متطيب ولا في سوق العطارين ، لأنه يشم الطيب حينئذ ، نعم لو فرش فوق ثوب مطيب ثوبا يمنع رائحته ثم جلس أو نام عليه لم يأثم ، للأصل بعد عدم اندراجه في موضوع النهي ، بل يمكن القول بالاكتفاء بثيابه مع عدم العلوق به خلافا للاصبهاني فقال : لا يكفي حيلولة ثياب بدنه ، وفي محكي التذكرة استعمال الطيب عبارة عن شمه أو إلصاق الطيب بالبدن أو الثوب أو تشبث الرائحة بأحدهما قصدا للعرف قال : « فلو تحقق الريح دون العين بجلوسه في حانوت عطار أو في بيت يجمره ساكنوه وجبت الفدية ان قصد تعلق الرائحة به ، وإلا فلا ، والشافعي أطلق القول بعدم وجوب الفدية ، ولو احتوى على مجمرة لزمت الفدية عندنا وعنده أيضا ، وقال أبو حنيفة : لا تجب الفدية ، ولو مس جرم العود فلم تتعلق به رائحته فلا فدية ، وللشافعي قولان ، ولو حمل مسكا في فأرة مضمومة الرأس فلا فدية إذا لم يشمها ، وبه قال الشافعي ، ولو كانت غير مضمومة فللشافعية وجهان وقال بعضهم : إن حمل الفأرة تطيب » ولا يخفى عليك منافاة بعضه لبعض ما ذكرناه كما أن ما عن الخلاف من أنه إن كان الطيب يابسا مسحوقا فان علق ببدنه منه شي‌ء فعليه الفدية ، فان لم يعلق بحال فلا فدية ، وإن كان يابسا غير مسحوق كالعود والعنبر والكافور فان علق ببدنه رائحته فعليه الفدية ، ونحوه عن المبسوط إلا أنه ليس فيه ذكر المسحوق ، وعن غيره زيادة وان لم يعلق فلا شي‌ء عليه ، ونحوهما الورس كذلك في الجملة أيضا ، والتحقيق ما عرفت ، ضرورة كون المدار‌

٣٣٤

في المنع على ما يندرج في عنوان النهي من اللمس والتطيب والأكل والشم ، وفاقد حاسة الشم ترتفع عنه حرمة الشم دون غيرها ، والله العالم.

ولبس المخيط للرجال بلا خلاف أجده فيه كما عن الغنية والمنتهى والتحرير والتنقيح والمفاتيح وغيرها على ما حكي عن بعضها ، بل عن التذكرة وموضع آخر من المنتهى إجماع العلماء كافة عليه ، بل عن الأخير منهما عن ابن عبد البر أنه لا يجوز لبس شي‌ء من المخيط عند جميع أهل العلم ، وفي الأول عن ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن المحرم يمنع من لبس القميص والعمامة والسراويل والخف والبرنس ، لما‌ روى العامة (١) « ان رجلا سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحدا لا يجد النعلين ، فليلبس الخفين ، وليقطعهما أسفل من الكعبين » وفي الدروس يجب تركه على الرجال وإن قلت الخياطة في ظاهر كلام الأصحاب ، وربما استدل له بما تسمعه من نزع أزرار الطيلسان الذي هو كما ستعرف لا خياطة فيه إلا بالأزرار ، فليس حينئذ إلا لأن الخياطة وإن قلت مانعة ، ولكن ستسمع ما فيه ، نعم ما سمعته من معاقد الإجماعات كاف في جعل العنوان لبس المخيط وإن لم أجده في شي‌ء مما وصل إلينا من النصوص الموجودة في الكتب الأربعة وغيرها كما اعترف به غير واحد حتى الشهيد في الدروس حيث قال : لم أقف إلى الآن على رواية بتحريم عين المخيط ، انما نهي عن القميص والقباء والسراويل ، وهو كذلك ، فان النصوص المتقدمة سابقا في ثوبي الإحرام وفي جواز لبس القباء مقلوبا ولبس السراويل مع الضرورة وفي المقام انما تدل على النهي عن ثوب تزره أو تدرعه ، وعن لبس السراويل‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٥ ص ٤٩.

٣٣٥

والخفين والقميص ، بل في‌ صحيح زرارة (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عما يكره للمحرم أن يلبسه فقال : يلبس كل ثوب إلا ثوبا يتدرعه » وفي‌ صحيح معاوية وحسنه (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا تلبس وأنت تريد الإحرام ثوبا تزره ، ولا تدرعه ولا تلبس سراويل إلا أن لا يكون لك إزار ، ولا خفين إلا أن لا يكون لك نعلان » وفي‌ صحيح الحلبي (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في المحرم يلبس الطيلسان المزرور فقال : نعم في كتاب علي عليه‌السلام لا تلبس طيلسانا حتى تنزع أزراره ، وقال : انما كره ذلك مخافة أن يزره الجاهل ، فأما الفقيه فلا بأس بأن يلبسه » وفي‌ صحيح يعقوب بن شعيب (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يلبس الطيلسان المزرور قال : نعم ، وفي كتاب علي عليه‌السلام لا تلبس طيلسانا حتى تنزع أزراره ، فحدثني أبي انه انما كره ذلك مخافة أن يزره الجاهل » وهي كما ترى ظاهرة في كون المانع الادراع والزر لا كونه مخيطا ، وربما يرشد اليه ما تقدم سابقا من طرح القميص على العاتق أن لم يكن له رداء ، ولبس القباء منكوسا من غير إدخال اليدين في الكمين ، ولعله لذلك لم يذكر في المقنعة اجتناب المحرم المخيط ، وانما ذكر أنه لا يلبس قميصا.

بل قد ينقدح الشك من صحيحي الطيلسان فيما سمعته من الدروس من دعوى ظهور كلام الأصحاب في حرمة المخيط وان قلت الخياطة ، ضرورة ظهورهما في الجواز وإن كان فيه أزرار مخيطة ، بل قد يدعى انصراف المخيط إلى غير ذلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

٣٣٦

خصوصا بناء على استفادة حرمته ولو بمعونة الإجماع المزبور مما ورد من الثوب الذي يدع والقميص والسراويل والخف ونحو ذلك ، بناء على أنها مثال لكل مخيط نحوها دون الخياطة القليلة في الإزار والرداء ، بل قد يدعى انسياق الموضوع على الخياطة مما شابه الأشياء المزبورة ، بل لعل إطلاق الإزار والرداء يشمل المخيطين وغيرهما ، ولكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط في اجتناب مطلق المخيط.

نعم قد يشك في اندراج ما يستعمل لكف نزول الريح في الأنثيين من المخيط المسمى في الفارسية بالباد فتح من حيث عدم كونه من اللباس المعتاد المخيط الذي هو نحو الأشياء المزبورة ، بل لعل إلحاقه بالهميان المشدود على الوسط والمنطقة وعصابة القروح أولى من إلحاقه بالخفين ، فالأقوى جوازه اختيارا ، والأحوط تركه.

وكيف كان فلا يعتبر في حرمة المخيط كونه محيطا بالبدن ، لإطلاق الأدلة المزبورة ، خلافا للمحكي في الدروس عن ظاهر ابن الجنيد من اشتراطه حيث قيد المخيط بالضام للبدن ، قال في الدروس : فعلى الأول يحرم التوشح بالمخيط والتدثر وفيه أنه يمكن عدمها عليه أيضا باعتبار عدم صدق اللبس على الثاني ، فإنه العنوان في معقد الإجماع لا حرمة المخيط مطلقا ، ولذا صرح هو بجواز افتراشه ، وظهور قوله عليه‌السلام : « يدرعه » في كون المحرم الادراع به لا التوشح ونحوه ، ولعله لذا نفي الكفارة فيه الفاضل في القواعد على إشكال ، فتأمل جيدا فإنه قد يقال إن مثله لبس ، هذا.

وفي المدارك ألحق الأصحاب بالمخيط ما أشبهه كالدرع المنسوج وجبة اللبد والملصق بعضه ببعض ، وقال في التذكرة وقد ألحق أهل العلم بما نص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما في معناه ، فالجبة والدراعة وشبههما ملحق بالقميص ، والتبان والران وشبههما‌

٣٣٧

ملحق بالسراويل ، والقلنسوة وشبهها مساو للبرنس ، والساعدان والقفازان وشبههما مساو للخفين ، قال : « إذا عرفت هذا فيحرم لبس الثياب المخيطة وغيرها إذا شابهها كالدرع المنسوج ، والمعقود كجبة اللبد ، والملصق بعضه ببعض حملا على المخيط ، لمشابهته له في المعني من الترفه والتنعم » وفي المدارك وغيرها أن الأجود الاستدلال عليه بالنصوص المزبورة المتناولة بإطلاقها لهذا النوع ، إذ ليس فيها المخيط حتى يكون إلحاق غيره به خروجا عن المنصوص ، وهو جيد في خصوص المتخذ منها على وجه يصدق عليه الثوب والقباء والسراويل بناء على عدم انصراف المخيط منها ، أما إذا لم تكن كذلك وأراد الإحرام بها فينبغي الجواز ، ضرورة عدم صدق الدرع والقميص والسراويل حينئذ عليها ، فإن أراد الملحق المنع في خصوص الأشياء المزبورة اتجه ذلك ، وإلا فلا مناص عن دعوى كون هذا التلبد وإلصاق البعض بالبعض ملحقا بالخياطة ، وحينئذ إن تم إجماعا فذاك ، وإلا كان للمنع فيه مجال ، نعم قد يقال بحرمة لبس غير المنسوج منها في الإحرام بناء على انصراف الأمر بلبس ثوبي الإحرام إلى المنسوج دون غيره ، فيمنع حينئذ لذلك لكن فيه أن المتجه حينئذ جواز لبسه معهما ، لعدم المانع وإن لم يكتف بهما في ثوبي الإحرام ، ولعله لا يخلو من قوة ، ضرورة عدم صدق المخيط على شي‌ء منها وعدم معلومية الإجماع على إلحاق مطلق التلبيد والإلصاق وإن لم تكن على هيئة المخيط ، وانما المسلم منه ما كان على هيئة المخيط ولكن بالنسج والتلبيد والإلصاق ونحو ذلك على وجه يكون قميصا وقباء وسراويل وجبة وشبهها ، لا أن مطلق التلبيد والإلصاق ملحق بالخياطة وإن لم يكن على هيئة شي‌ء مما عرفت ، ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط ، فان عباراتهم لا تخلو من تشويش بالنسبة إلى ذلك.

ثم إنك قد عرفت سابقا تصريح الفاضل والشهيد بحرمة عقد الرداء ودليله بل عن الأول منهما هنا حرمة زره وتخليله ، ويدل على الأول منهما النهي عن زر‌

٣٣٨

الثوب الذي يدخل فيه الرداء بالأولوية ، كما أنه يدل على الثاني منهما أنه خياطة أو ملحق بها ، بل في المسالك أنه يلحق بالخياطة ما أشبهها من العقد والزر والخلال للرداء ، وإن كان فيه ما لا يخفى ، وأما الإزار فقد صرح الفاضل وغيره أيضا بجواز عقده لما سمعته سابقا من بعض النصوص (١) المعتضد بالأصل ، وبالاحتياج اليه لستر العورة ، فيباح كاللباس للمرأة ، لكن قد سمعت النهي عنه أيضا في مكاتبة الحميري (٢) وكذا صرح الفاضل والصدوق وابن حمزة ويحيى بن سعيد والشهيد وغيرهم بجواز لبس المنطقة وشد الهميان للأصل وإن كانا مخيطين ، لصحيح يعقوب بن شعيب (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يصر الدراهم في ثوبه قال : نعم ، ويلبس المنطقة والهميان » وخبر يعقوب بن سالم (٤) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : تكون معي الدراهم فيها تماثيل وأنا محرم وأجعلها في همياني وأشده في وسطي فقال : لا بأس ، أو ليس هي نفقتك وعليها اعتمادك بعد الله عز وجل؟ » وخبر يونس بن يعقوب (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام المحرم يشد الهميان في وسطه فقال : نعم ، وما خيره بعد نفقته » وصحيح أبي بصير (٦) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يشد على بطنه العمامة قال : لا ، ثم قال : كان أبي عليه‌السلام يشد على بطنه المنطقة التي فيها نفقته ، يستوثق منها فإنها من تمام حجه » وخبره الآخر (٧) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يشد على بطنه المنطقة التي فيها نفقته قال : يستوثق منها فإنها تمام حجه » بل في المنتهى والتذكرة أن جواز لبس الهميان قول جمهور العلماء ، وكرهه ابن عمر ونافع ، وأنه تشتد الحاجة إليه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٦.

٣٣٩

فلو لم يجز لزم الحرج ، نعم في أولهما أيضا « انه لو أمكن إدخال سيور الهميان بعضها في بعض وعدم عقدها فعل ، لانتفاء الحاجة إلى العقد ، ولو لم يثبت بذلك كان له عقده » وفيه أن النص مطلق ، بل قد يمنع اندراجه في لبس المخيط ، هذا ، وظاهر صحيح أبي بصير (١) حرمة شد العمامة ، لكن في‌ صحيح عمران الحلبي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « المحرم يشد على بطنه العمامة ، وإن شاء يعصبها على موضع الإزار ، ولا يرفعها إلى صدره » إلا ان الأحوط مع ذلك اجتنابه.

هذا كله في الرجال واما في النساء ففيه خلاف ولكن الأظهر والأشهر الجواز اضطرارا واختيارا بل هو المشهور شهرة عظيمة بل لا يبعد دعوى الإجماع معها ، لندرة المخالف الذي هو الشيخ في النهاية التي هي متون أخبار ، ومعروفية نسبه ، على أنه قد رجع عنه في ظاهر محكي المبسوط في القميص ، بل عن موضع آخر منه مطلق المخيط ، بل عبارته فيها غير صريحة ، قال : ويحرم على المرأة في حال الإحرام من لبس الثياب جميع ما يحرم على الرجل ويحل لها جميع ما يحل له ثم قال بعد ذلك : وقد وردت رواية (٣) بجواز لبس القميص للنساء ، والأفضل ما قدمناه ، وأما السراويل فلا بأس بلبسه لهن على كل حال ، بل لعل قوله : « والأفضل ما قدمناه » صريح في الجواز ، لكن عن بعض النسخ « والأصل ما قدمناه » كل ذلك مضافا إلى الإجماع صريحا في التذكرة والمنتهى والسرائر والمختلف والتنقيح على ما حكي عن بعضها فضلا عن ظاهره‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

٣٤٠