جواهر الكلام - ج ١٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وكذا تحرم عليه شهادة على العقد أي عقد النكاح للمحلين والمحرمين والمفترقين بلا خلاف محقق أجده فيه ، بل في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب ، بل عن محتمل الغنية الإجماع عليه ، بل عن الخلاف دعواه صريحا ، لقول الصادق عليه‌السلام في مرسل ابن فضال (١) المنجبر بما عرفت‌ « المحرم لا ينكح ولا ينكح ولا يخطب ولا يشهد النكاح ، وان نكح فنكاحه باطل » وفي‌ مرسل أبي شجرة (٢) « في المحرم يشهد نكاح المحلين قال : لا يشهد ، ثم قال : يجوز للمحرم أن يشير بصيد على محل » المراد منه على الظاهر الإنكار والتنبيه على أنه إذا لم يجز ذلك فكذلك لا تجوز الشهادة ، كما انه يستفاد منه الشهادة على غير المحلين بالأولوية ، وعلى كل حال فوسوسة بعض متأخري المتأخرين فيه لضعف الخبرين في غير محلها بعد ما عرفت ، وخلو المقنع والمقنعة وجمل العلم والعمل والكافي والاقتصاد والمصباح ومختصره والمراسم عن ذلك لا يقتضي الخلاف فيه ، نعم في المدارك « ينبغي قصر الحكم على حضور العقد لأجل الشهادة ، فلو اتفق حضوره لا لها لم يكن محرما » وفيه أن الشهادة الحضور ، فيحرم عليه وإن لم يحضر لها كما عن الجامع التصريح به.

وكذا تحرم عليه إقامة أي إقامتها على العقد كما عن المبسوط والسرائر ، بل في الرياض نسب إلى المشهور ، بل في الحدائق ظاهرهم الاتفاق عليه لاحتمال دخولها في الشهادة المنهي عنها في الخبرين والفتاوى ، وفيه منع واضح ، لأن شهادته غير الشهادة عليه ، ولفحوى الإنكار المتقدم في أحد الخبرين ، ولكن في القواعد الإشكال في ذلك ، ولعله مما عرفت ، ومن عموم أدلة النهي عن الكتمان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٨.

٣٠١

وتوقف ثبوت النكاح شرعا عليها ، ووقوع مفاسد عظيمة إن لم تثبت بخلاف إيقاعه ، إذ لا يتوقف عليها عندنا ، ولذا يصح العقد وإن حضره ، قيل ولأنها أخبار لا إنشاء ، والخبر إذا صدق ولم يستلزم ضررا لم يحسن تحريمه ، ولأنها أولى بالإباحة من الرجعة التي هي إيجاد للنكاح في الخارج ، على أنه لا جابر للخبرين المزبورين في إرادة ذلك من الشهادة فيهما ، والنسبة إلى الشهرة لم نتحققها ، على أنك قد عرفت ظهور الخبرين في حضور العقد لا الفرض ، ومرسل الإنكار مع أنه لا جابر له أيضا لم يعلم إرادة ما يشمل الفرض منه ، ولعله أولى وإن كان الأول أحوط ، بل ربما يومئ النهي عن شهادته إلى عدم إقامتها.

ثم على التحريم قيل تحرم الإقامة حاله ولو تحملها محلا أو كان بين محلين ، لانتفاء المخصص وإن تأكد المنع إذا تحملها محرما ، أو كان على محرمين ، بل قيل : لا تسمع ، لخروجه به عن العدالة ، فلا يثبت بشهادته ، وفيه أنه ممنوع لجواز الجهل والغفلة والتوبة ، وسماع العقد اتفاقا ، بل يمكن القول بقبولها لو أداها محرما لغفلة ونحوها ، وفي محكي التذكرة « ولو قيل إن التحريم مخصوص بالعقد الذي أوقعه المحرم كان وجها » بل قال : « إن ذلك معنى كلام الأصحاب » على ما حكاه عنه ولده ، وفي المدارك لا بأس به قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق إن تم ، وإلا اتجه عدم التحريم مطلقا ، وفيه انه يمكن المنع بناء على أنه نوع تعلق في النكاح.

ولو خاف المحرم من ترك إقامتها وقوع الزنا ففي المدارك وجب عليه تنبيه الحاكم على أن عنده شهادة ، ليوقف الحكم على إحلاله ، ولو لم يندفع إلا بالشهادة وجب إقامتها قطعا ، وفيه أنه لا دليل على وجوب التنبيه المزبور ، ولا على وجوب إقامتها بعد فرض إطلاق دليل المنع.

وكيف كان ف لا بأس به بعد الإحلال كما صرح به الفاضل‌

٣٠٢

وغيره على معنى ثبوت النكاح بإقامتها بعده وان علم تحملها محرما ، لإطلاق الأدلة وما عرفت من عدم خروجه بذلك عن العدالة ، خلافا للمحكي عن المبسوط من عدم ثبوتها إذا كان التحمل في حال الإحرام ، إما لفسقه ، وفيه ما عرفت ، أو لأن هذه الشهادة شهادة مرغوب عنها شرعا فلا تعتبر وان وقعت جهلا أو سهوا أو اتفاقا ، وهو مجرد دعوى لا دليل عليها ، بل ظاهر الأدلة خلافها ، والله العالم.

وكذا يحرمن عليه تقبيلا بشهوة أو لا بها كما هو صريح بعض وظاهر آخر ، لقول الصادق عليه‌السلام في حسن أبي سيار (١) : « يا أبا سيار ان حال المحرم ضيقة ، ان قبل امرأته على غير شهوة وهو محرم فعليه دم شاة ، وإن قبل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور ويستغفر الله ، وان مس امرأته وهو محرم على شهوة فعليه دم شاة ، ومن نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور ، وإن مس امرأته أو لازمها من غير شهوة فليس عليه شي‌ء » بناء على اقتضاء ذلك الحرمة ، وخبر علي بن أبي حمزة (٢) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل قبل امرأته وهو محرم قال : عليه بدنة وان لم ينزل ، وليس له ان يأكل منها » وحسن الحلبي أو صحيحه (٣) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته قال : نعم يصلح عليها خمارها ويصلح عليها ثوبها ومحملها ، قلت : أفيمسها وهي محرمة؟ قال : نعم ، قلت : المحرم يضع يده بشهوة قال : يهريق دم شاة ، قلت : فان قبل قال : هذا أشد ينحر بدنة » وخبر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع ـ الحديث ٤.

(٣) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ١٧ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢ وذيله في الباب ١٨ منها الحديث ١.

٣٠٣

العلاء بن الفضيل (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وامرأة تمتعا جميعا فقصرت امرأته ولم يقصر فقبلها قال : يهريق دما ، وإن كان لم يقصرا جميعا فعلى كل واحد منهما أن يهريق دما ».

وبذلك كله يظهر لك المناقشة فيما في الذخيرة من أن الظاهر تقييد حرمة التقبيل بالشهوة وان تبعه في الرياض حاكيا له عن جماعة ، للأصل المقطوع بما سمعت ، وخبر الحسين بن حماد (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يقبل أمه قال : لا بأس به ، هذه قبلة رحمة ، إنما يكره قبلة الشهوة » المحمول على إرادة إنما يكره ما يحتمل الشهوة ، بخلاف الام وغيرها من المحارم المستفاد جواز تقبيلها من التعليل المزبور ، والأصل ، واختصاص النصوص السابقة بقبلة امرأته وان كان الظاهر إرادة الأعم منها ومن الأجنبية كما هو مقتضي الفتاوى ، هذا.

ولكن قد يقال ان المنساق من إطلاق تقبيل الامرأة كونه على وجه الاستمتاع والالتذاذ المقابل لتقبيل الرحمة ، وقوله عليه‌السلام في الخبر الأول : « من غير شهوة » محمول على إرادة عدم الامناء بقرينة المقابلة ، لا كونه تقبيل رحمة ونحوه مما لم يكن استمتاعا والتذاذا بالامرأة الذي يمكن دعوى ظهور النصوص في كون المدار عليه في منع المحرم ، كما تسمعه في المس والملازمة والحمل ونحوها ، وبذلك يقوى إرجاع القيد في نحو عبارة المتن إليه أيضا ، ولكن الأحوط الإطلاق.

نعم الظاهر تقييد جواز قبلة المحارم بما إذا كان لا عن شهوة ، لكونه أشد حرمة ، ولفحوى التعليل المزبور.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٥.

٣٠٤

وكذا يحرمن عليه نظرا بشهوة كما صرح به غير واحد ، وإن قيل خلا كتب الشيخ والأكثر عن تحريمه مطلقا ، لما سمعته من كون المستفاد حرمة الالتذاذ بالنساء من النصوص ، بل ربما استدل عليه بحسن معاوية بن عمار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى وهو محرم قال : لا شي‌ء عليه لكن ليغتسل ويستغفر ربه ، وان حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى فلا شي‌ء عليه ، وان حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم ، وقال في المحرم : ينظر إلى امرأته وينزلها بشهوة حتى ينزل قال : عليه بدنة » وخبر أبي سيار (٢) السابق ، وفيه انه انما يدل على حرمة النظر بشهوة حتى ينزل أو يمذي لا مطلقا ، اللهم إلا ان يقال إن من المعلوم عدم مدخلية الإمذاء في الكفارة ، فليس إلا النظر بشهوة ، فينتظم حينئذ في الدلالة على المطلوب التي منها فحوى ما دل من النصوص على حرمة المس والحمل إذا كان بشهوة لا بدونها كصحيح ابن مسلم (٣) وخبره (٤) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الرجل يحمل امرأته أو يمسها فأمنى أو أمذى فقال : إن حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو لم يمن أو أمذى أو لم يمذ فعليه دم شاة يهريقه ، وان حملها أو مسها بغير شهوة فليس عليه شي‌ء أمنى أو لم يمن ، أمذى أو لم يمذ » وغيره من النصوص حتى نصوص الدعاء عند التهيؤ للإحرام (٥) المشتملة على تحريم الاستمتاع عليه بالنساء.

بل لعله لا خلاف فيه في الأول كما اعترف به في كشف اللثام ، والمصنف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١ مع الاختلاف.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٦ مع الاختلاف.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٦ مع الاختلاف.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الإحرام.

٣٠٥

وان تركه هنا لكن ذكر في الكفارات ان كفارته شاة ، بل ربما كان مقتضى إطلاق بعض العبارات حرمته مطلقا ، كاقتضاء بعض آخر حرمة النظر كذلك أيضا وإن كان هو واضح الضعف للأصل وما سمعته من النص ، كضعف القول بجواز النظر إلى امرأته بشهوة المحكي عن الصدوق ، بل مال إليه في كشف اللثام للأصل المقطوع بما عرفت ، والموثق (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في محرم نظر إلى امرأته بشهوة فأمنى قال : ليس عليه شي‌ء » القاصر عن معارضة غيره من وجوه الذي حمله الشيخ على حال السهو دون العمد ، بل نفي الشي‌ء عليه لا يدل على نفي الحرمة كحسن علي بن يقطين (٢) سأل الكاظم عليه‌السلام « عن رجل قال لامرأته أو جاريته بعد ما حلق ولم يطف ولم يسع بين الصفا والمروة : اطرحي ثوبك ونظر إلى فرجها قال : لا شي‌ء عليه إذا لم يكن غير النظر » الخالي عن التقييد بالشهوة مع ذلك الذي قد عرفت جوازه ، بل الظاهر جوازه أيضا في الأمة للسوم والحرة المخطوبة بل الأجنبية في النظرة الأولى ، بناء على جوازها ، بخلاف ما إذا كان بشهوة فإنه يحرم في الجميع ، وفي المسالك لا فرق في تحريم النظر بشهوة بين الزوجة والأجنبية بالنسبة إلى النظرة الأولى ان جوزناها والنظر إلى المخطوبة ، وإلا فالحكم مخصوص بالزوجة ، قيل وكان وجه الاختصاص عموم تحريم النظر إلى الأجنبية على هذا التقدير ، وعدم اختصاصه بحالة الشهوة ، وتبعه في كشف اللثام ، وفيه أن ذلك لا ينافي اختصاص التحريم الإحرامي بالشهوة ، كما هو مقتضى الفتاوى ، قال أبو بصير (٣) في الموثق : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل محرم نظر إلى ساق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع ـ الحديث ٢ مع الاختلاف.

٣٠٦

امرأة فأمنى قال : إن كان موسرا فعليه بدنة ، وإن كان بين ذلك فبقرة ، وإن كان فقيرا فشاة ، أما اني لم أجعل ذلك عليه من أجل الماء لكن من أجل أنه نظر إلى ما لا يحل له » وفي‌ حسن معاوية بن عمار (١) « في محرم نظر إلى غير أهله فأمنى قال : عليه دم ، لأنه نظر إلى غير ما يحل له ، وان لم يكن أنزل فليتق الله ولا يعد ، وليس عليه شي‌ء » والله العالم.

وكذا في الحرمة على المحرم الاستمناء الذي هو استدعاء المني بلا خلاف أجده فيه ، لصحيح ابن الحجاج (٢) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن الرجل يعبث بامرأته حتى يمني وهو محرم من غير جماع ، أو يفعل ذلك في شهر رمضان فقال : عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع » وخبر إسحاق بن عمار (٣) عن أبي الحسن عليه‌السلام « قلت : ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى قال : أرى عليه مثل ما على من اتى اهله وهو محرم بدنة والحج من قابل » وغيرهما من النصوص التي تقدم بعضها ، ويأتي آخر في الكفارات إن شاء الله.

بل الظاهر عدم الفرق بين أسبابه من الملاعبة والتخيل والخضخضة وغير ذلك كما صرح به غير واحد حتى السيد في الجمل ، قال : على المحرم اجتناب الرفث ، وهو الجماع ، وكل ما يؤدي إلى نزول المني من قبلة وملامسة ونظر بشهوة ، بناء على ارادته ما يقصد به الامناء كما في شرحها للقاضي ، قال : فأما الواجب فهو أن لا يجامع ولا يستمني على أي وجه كان من ملامسة أو نظر بشهوة أو غير ذلك بل عن بعضهم إدراج اللواط ووطء الدواب ، وإن كان فيه منع واضح ، ولذا قال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع ـ الحديث ١.

٣٠٧

في كشف اللثام : انهما يدخلان في الرفث وان لم ينزل ، وإن كان فيه انه جماع النساء في الصحيح (١) عن الكاظم عليه‌السلام الذي يرجع اليه مطلق الجماع في الصحيح الآخر (٢) مع أنه المنساق منه ، فلا يبعد القول ببقائه على الحرمة السابقة على الإحرام ، اللهم إلا ان يقال انه يستفاد من التأمل في النصوص شدة التحريم في حال الإحرام في كل ما حرم الجائز منه للإحرام ، فان الاستمناء في العبث بالزوجة كان جائزا ولكنه حرم عليه في الإحرام ، ففي الأجنبية أشد ، وهكذا بقية الاستمتاعات كما أومى إليه في النصوص السابقة.

وعلى كل حال فالظاهر أنه لا إشكال في الحرمة من جهة الإحرام في الفرض مع ارادة الاستمناء بذلك ، لكن بشرط خروج المني منه به ، كما في غيره من أفراد الاستمناء المدلول عليه بالصحيح السابق وغيره ، وإلا فالمقدمات من دون إنزال لا يترتب عليها كفارة الاستمناء للأصل وغيره ، وان اقتضاه ظاهر التعبير ، كما أن الظاهر عدم شي‌ء عليه فيما لو سبقه المني من غير استمناء منه كما سمعته في النصوص السابقة ، مضافا إلى الأصل وإلى‌ خبر أبي بصير (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل سمع كلام امرأة من خلف حائط وهو محرم فتشاها حتى أنزل قال : ليس عليه شي‌ء » ومرسل ابن أبي نصر (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « في محرم استمع على رجل مجامع أهله فأمنى قال : ليس عليه شي‌ء » وخبر سماعة (٥) « في المحرم تنعت له المرأة الجميلة الخلقة فيمني قال : ليس عليه شي‌ء » والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث ١.

٣٠٨

تفريعان : الأول قد عرفت بطلان عقد النكاح الواقع في حال الإحرام فيسقط ما اقتضاه من المهر قبل الدخول مع اتفاقهما على ذلك ، سواء كانا عالمين ، أو جاهلين ، أو مختلفين ، اما مع الدخول فلها مهر المثل مع جهلها بما استحل من فرجها ، اما مع علمها فلا مهر لها ، لأنها بغية حينئذ ، هذا كله مع اتفاقهما على وقوع العقد حال الإحرام ، وأما إذا اختلفا أي الزوجان في العقد فادعى أحدهما وقوعه في الإحرام ، وأنكر الآخر فالقول قول من يدعي الإحلال ترجيحا لجانب الصحة المحمول فعل المسلم عليها في صورة النزاع وغيره من أحوال الشك في العقد المفروض اتفاقهما على وقوعه كما في غير المقام من صور مدعي الصحة والفساد التي من الواضح كون مدعيها موافقا لأصلها ، على ان مدعي الفساد يدعي وصفا زائدا يقتضي الفساد ، وهو وقوع العقد حال الإحرام فالقول قول المنكر بيمينه لأنه منكر للمفسد كما صرح بذلك الكركي في حاشيته وثاني الشهيدين في المسالك ، لكن في المدارك المناقشة في الأول بأنه انما يتم إذا كان المدعي لوقوع الفعل في حال الإحرام عالما بفساد ذلك ، أما مع اعترافهما بالجهل فلا وجه للحمل على الصحة ، وفي الثاني بان كلا منهما مدع وصفا ينكره الآخر ، فتقديم أحدهما يحتاج إلى دليل ، وفيه أن أصل الصحة في العقد ونحوه لا يعتبر فيه العلم ، لإطلاق دليله ، نعم أصل عدم وقوع المعصية من المسلم يعتبر فيه العلم ، وهو غير أصل الصحة التي هي بمعنى ترتب الأثر كما هو واضح ، وأن مدعي الفساد المعترف بحصول جميع أركان العقد المحمول إقراره على الصحة يدعي وقوع العقد حال الإحرام ، والآخر ينكره وإن كان يلزمه كونه واقعا حال الإحلال ، ولا ريب في أن الأصل عدم مقارنة العقد للحال المزبور ، وذلك كاف في إثبات صحته من غير حاجة إلى إثبات كونه في حال الإحلال ، بل يكفي احتماله ، فلا يكون مدعيا كالأول ، كل ذلك مضافا إلى ملاحظة كلام الأصحاب‌

٣٠٩

وحكمهم بتقديم مدعي الصحة على مدعي الفساد فيما هو أعظم من ذلك ، كدعوى عدم البلوغ ، وكون المبيع خنزيرا أو شاة مثلا ، وغير ذلك مما يرجع بالأخرة إلى أوصاف أركان العقد فضلا عن المقام ، فما ادري ما الذي اختلجه في خصوص ما نحن فيه ، ثم انه قال في صورة الجهل : يحتمل تقديم قول من يدعي تأخير العقد مطلقا ، لاعتضاد دعواه بأصالة عدم التقدم ، ويحتمل تقديم قول من يدعي الفساد لأصالة عدم تحقق الزوجية إلى أن تثبت شرعا ، والمسألة محل تردد ، وفيه أنه خلاف مفروض المسألة الذي هو مجرد دعوى الفساد بوقوعه في الإحرام ودعوى الصحة بعدم كونه كذلك من غير تعرض للتقديم والتأخير ، وأنه لا وجه لاحتمال تقديم مدعي الفساد فيما فرضه مع فرض كون مدعي الصحة يدعي تأخيره عن حال الإحرام الذي هو مقتضى الأصل ، اللهم إلا أن يكون ذلك من الأصول المثبتة ، ضرورة عدم اقتضائه التأخر عنه ، لكن مقتضى ذلك مجهولية التقدم والتأخر بعد الاتفاق على عدم الاقتران ، والمتجه فيه جريان أصل الصحة لا الفساد ، فتأمل جيدا ، فان كلام الأصحاب في المقام وغيره مطلق بالنسبة إلى الحكم بالصحة من غير التفات إلى مسألة التاريخ.

هذا وفي كشف اللثام ـ بعد أن حكم بتقديم قول مدعي الصحة في مفروض المسألة وإن كان المدعي يدعي إحرام نفسه ـ قال : وكذا ان وجه الدعوى إلى تاريخ الإحرام مع الاتفاق على تاريخ العقد ، فادعى أحدهما تقديم الإحرام عليه لذلك ولأصل التأخر وان ادعى إحرام نفسه إلا ان يتفقا على زمان ومكان يمكن فيهما الإحرام فيمكن ان يقال القول قوله ، لأنه أبصر بأفعال نفسه وأحواله ، أما ان اتفقا على تاريخ الإحرام ووجه الدعوى إلى تاريخ العقد فادعى تأخره أمكن ان يكون القول قوله للأصل ، بل لتعارض أصلي الصحة والتأخر الموجب للفساد وتساقطهما ، فيبقى أصل عدم الزوجية بلا معارض ، وفيه ان البصيرة بأفعال نفسه لا يقتضي‌

٣١٠

إثبات حق على الآخر ، خصوصا مع إمكان الاطلاع على أحواله بإقرار وغيره مما يعلم منه انه كاذب في دعوى الإحرام ، والتعارض انما هو في افراد وقوعه لا بين أصالة التأخر وأصل الصحة كي يتجه ما ذكر ، بخلاف ما قلناه ، فان المتجه فيه الصحة لبقاء أصلها بلا معارض ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فقد ظهر لك ان القول قول مدعي الصحة في مفروض المسألة ونظائره ، ولكن ان كان المنكر المرأة ففي محكي المبسوط كان لها نصف المهر ان لم يدخل بها لاعترافه بما يمنع من الوطء فيكون كالطلاق قبل الدخول ، أو لأن العقد إنما يملك نصف المهر ، ومملك النصف الآخر هو الوطء أو الموت ، إلا ان الجميع كما ترى ، ضرورة كون الأول قياسا ، كضرورة اقتضاء العقد ملكها تمام المهر ، وإنما ينصف بالطلاق لدليله ومن هنا يظهر لك انه لو قيل لها المهر كله وان لم يكن دخل بها بل جزم به كل من تأخر عنه كان حسنا بل ربما احتمل كون مراد الشيخ النصف بعد الطلاق ، وأطلق بناء على الغالب من اختيار الزوج ذلك تخلصا من غرامة الجميع ، ولا يقدح دعواه الفساد المقتضية لكون الطلاق لغوا ، إذ هو وإن كان كذلك لكنه في حقها باعتبار دعواها الصحة مؤثر لسقوط مطالبتها بالجميع إن لم تكن قد قبضته ، وموجب لرد النصف إن كان قد قبضته ، ولكن في كشف اللثام ـ بعد ان حكم بان لها المهر كاملا دخل بها أم لا ـ قال : « إلا ان يطلقها قبل الدخول باستدعائها ، فإنه يلزم به حينئذ ، وإن كان بزعمه في الظاهر لغوا ويكون طلاقا صحيحا شرعيا ، فإذا بعدم الدخول يتنصف المهر ، واما إذا لم تستدع الطلاق وصبرت فلها المهر كاملا وان طلقها قبل الدخول ، فإنه بزعمه لغو ، والعقد الصحيح مملك لها المهر كاملا » وفيه ان استدعاءها وعدمه لا مدخلية له في ذلك إذ الطلاق إن كان صحيحا ممن يدعي الفساد في حق مدعي الصحة يترتب عليه‌

٣١١

حكمه ، وإلا فلا ، كما هو واضح ، هذا. وفي الدروس « وظاهر الشيخ انفساخ العقد حينئذ ، ووجوب نصف المهر إن كان قبل المسيس ، وجميعه بعده » وفيه ان الاختلاف في الصحة والفساد لا يقتضي الانفساخ في حق مدعي الصحة لا في المقام ولا في غيره ، وعلى تقديره هنا فلا دليل على إلحاقه بالطلاق.

هذا كله إذا كانت هي المنكرة ، ولو كان هو المنكر للفساد فليس لها المطالبة بشي‌ء من المهر قبل الدخول مع عدم القبض ، كما أنه ليس له المطالبة برد شي‌ء منه مع قبضه ، أخذا لهما بإقرارهما ، وأما بعد الدخول وإكراهها أو جهلها بالفساد أو الإحرام فلها المطالبة بأقل الأمرين من المسمى ومهر المثل ، لأنه المستحق لها عليه ظاهرا قطعا بعد دعواها الفساد التي تقدمت عليها دعوى الصحة دون غيره ، ولعل إطلاق‌ خبر سماعة (١) « لها المهر إن كان دخل بها » منزل على ذلك.

وعلى كل حال فظاهر الأصحاب في المقام مؤاخذة كل منهما ظاهرا بإقراره في لوازم الزوجية وعدمها ، وأما في الواقع فعلى كل منهما حكمه في نفس الأمر يفعله مع التمكن منه ، فعليها ان تخلص نفسها منه مع دعواها الفساد ببذل على الفراق ونحوه ، وعليه أن يخلص نفسه من لوازم الزوجية المستحقة عليه ظاهرا مع دعواه الفساد بطلاق ونحوه ، وليس لأحد منهما المخالفة في حق الآخر في الظاهر بعد الحكم بصحة العقد ، ولعل هذا هو مراد ثاني الشهيدين في المسالك وإن كان في عبارته بعض القصور ، فإنه قال : « حيث تكون المرأة المنكرة للفساد يلزم الزوج حكم البطلان فيما يختص به ، فيحكم بتحريمها عليه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٥.

٣١٢

لعموم إقرار العقلاء ، ولأن الزوج يملك الفرقة ، فإذا اعترف بما يتضمنها قبل ولا يقبل قوله في حقها فلها المطالبة بحق الاستمتاع والنفقة ، فما يمكن فعله منه كأداء النفقة يكلف به ، وما لا يمكن كالوطء فإنه بزعمه محرم يتعارض فيه الحقان فلا يكلف به ، بل ينبغي التخلص من ذلك بإيقاع صيغة الطلاق ولو معلقة على شرط ، مثل إن كانت زوجتي فهي طالق ـ إلى ان قال ـ : وما يختص بها من الأحكام المترتبة على دعواها يلزمها قبل الطلاق ، فلا يحل لها التزوج بغيره ، ولا الأفعال المتوقفة على إذنه بدونه ، ويجوز له التزويج بأختها وخامسة ونحو ذلك من لوازم الفساد ، هذا بحسب الظاهر ، وأما فيما بينهما وبين الله تعالى فيلزمهما حكم ما هو الواقع في نفس الأمر ، ولو انعكست الدعوى وحلف الزوج استقر له النكاح ظاهرا وعليه النفقة والمبيت عندها ، ويحرم عليه التزوج بالخامسة والأخت ، وليس لها المطالبة بحقوق الزوجية من النفقة والمبيت عندها ، ويجب عليها القيام بحقوق الزوجية ظاهرا ، ويجب عليها فيما بينها وبين الله تعالى أن تعمل ما تعلم أنه الحق بحسب الإمكان ولو بالهرب ، أو استدعاء الفرقة ـ إلى ان قال ـ : وانما جمعنا بين هذه الأحكام المتنافية مع ان اجتماعها في الواقع ممتنع جمعا بين الحقين المبنيين على المضايقة المحضة ، وعملا في كل سبب بمقتضاه حيث يمكن » ونحوه في حاشية الكركي ، وفيه أنه إذا كان لا يكلف هو بوطئها لأنه حرام بزعمه في الصورة الأولى ينبغي أن لا تكلف هي بتمكينه من نفسها في الصورة الثانية ، لأنه حرام بزعمها ، وأيضا له التزويج بأختها وبالخامسة إن كان صادقا فيما بينه وبين الله تعالى ، ولكن لا يمكن منه في الظاهر بعد الحكم شرعا بصحة العقد المانع من ذلك ، وفي المدارك بعد ان حكى عن قطع الأصحاب ما سمعت « ان إثبات هذه الأحكام مشكل جدا للتضاد ، خصوصا جواز تزويجه بأختها مع دعواه الفساد ، إذ اللازم منه جواز تزويجها بغيره إذا ادعت ذلك ، وهو معلوم البطلان ، والذي يقتضيه النظر انه حكم بصحة‌

٣١٣

العقد شرعا متى ترتبت عليه لوازمه ، فيجوز لها المطالبة بحقوق الزوجية ظاهرا وإن ادعت الفساد ، ولا يجوز له التزويج بأختها وإن ادعى ذلك ، لحكم الشارع بصحة العقد ظاهرا ، وأما في نفس الأمر فيكلف كل منهما بحسب ما يعلمه من حاله لكن لو وقع منهما أو من أحدهما حكم مخالف لما ثبت في الظاهر وجب الحكم ببطلانه كذلك » وهو جيد إلا قوله « فيجوز لها المطالبة » إلى آخره ضرورة كونه منافيا لإقرارها الذي هو ماض عليها بالنسبة إلى حقها ، وغير ماض في حق الغير فليس لها الامتناع مع طلب الاستمتاع بها ، وليس لها مطالبته بذلك ، وعلى هذا يكون المدار فيها وفيه كما عرفت ، والله العالم والموفق والمؤيد والمسدد.

الثاني إذا وكل محرم في حال إحرامه محلا أو محل محلا على عقد نكاح ثم أحرم الموكل فأوقع الوكيل فان كان قبل إحلال الموكل بطل بلا خلاف بل ولا إشكال بعد ما سمعت من النص والفتوى على انه لا يتزوج ولا ينكح الصادق على الفرض ، وخصوصا ما في صحيح محمد بن قيس (١) عن أبي جعفر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام المتقدم المشتمل على ملك المحرم بضع امرأة وان احتمل فيه انه قضية ( قضاء خ ل ) في واقعة كان الملك له فيها بنفسه لا بالتوكيل ، إلا انه كما ترى وقال الصادق عليه‌السلام في خبر سماعة (٢) : « لا ينبغي للرجل الحلال ان يزوج محرما وهو يعلم أنه لا يحل له ، قال : فان فعل فدخل بها المحرم فقال : إن كانا عالمين فان على كل واحد منهما بدنة ، وعلى المرأة إن كانت محرمة بدنة ، وإن لم تكن محرمة فلا شي‌ء عليها إلا أن تكون قد علمت أن الذي تزوجها محرم ، فان كانت علمت ثم تزوجته فعليها بدنة » بل لا يخفى على المتأمل في النصوص ظهورها في منافاة الإحرام لحصول النكاح حاله مباشرة أو توكيلا أو ولاية ، فليس لولي الطفل والمجنون العقد لهما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١٠.

٣١٤

مباشرة وتوكيلا وإن كانا محلين حال إحرامهما ، والله العالم.

وإن كان قد أوقع العقد بعده أي الإحلال صح بلا خلاف أيضا ولا إشكال ، لإطلاق أدلة الوكالة (١) وعمومها السالمين عن المعارض حتى لو كانت الوكالة في حال الإحرام ، إذ لا دليل على بطلانها ، قيل إلا أن يكون في حال إحرام الوكيل ، ولعله لعدم قابليته لإيقاعه حال التوكيل ، ولكن لا يخلو من نظر أو منع ، خصوصا بعد ان اعترف بصحة التوكيل محرما على النكاح ، وحينئذ فالصور الأربع صحيحة مع عدم تقييد الإيقاع حال الإحرام ، وتخلل عدم الصحة في زمان الإحرام لا ينافي صحة الوكالة على الفعل بعده ، فلا أقل من بقاء الإذن الكافي في صحة النكاح لو سلم بطلان عقد الوكالة ، ضرورة كونه كالبطلان بالشرط الفاسد ، وليس هو كالجنون ونحوه الرافع لأصل الإذن باعتبار انتقال الولاية لغير الموكل كما أوضحناه في محله ، وبه جزم هنا في المنتهى في صورة ما لو وكل المحرم الحلال على التزويج ، وإن كان لنا نظر في بطلان الوكالة المزبورة ضرورة كونه من المانع على نحو المانع في الموكل فيه كالحيض في طلاق الزوجة ونحوه ، والله العالم.

وكيف كان فلا إشكال ولا خلاف في أنه يجوز للمحرم حال إحرامه مراجعة المطلقة الرجعية المحرمة فضلا عن غيرها وشراء الإماء في حال الإحرام بلا خلاف كما عن التذكرة والمنتهى الاعتراف به ، بل ولا إشكال بعد عدم تناول النهي المزبور لمثله ، فيبقى على الأصل والعموم الذي منه قوله تعالى (٢) ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ) من غير فرق بين المطلقة تبرعا والتي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الوكالة والباب ١٠ من أبواب عقد النكاح من كتاب النكاح.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ٢٢٨.

٣١٥

رجعت ببذلها ، مضافا إلى‌ خبر أبي بصير (١) عن الصادق عليه‌السلام « المحرم يطلق ولا يتزوج » وخبر حماد بن عثمان (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن المحرم يطلق قال : نعم » وصحيح سعد بن سعد (٣) عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام « سألته عن المحرم يشتري الجواري ويبيع قال : نعم » وغيره ، بل الظاهر الصحة حتى لو كان القصد التسري وإن حرم عليه المباشرة لهن حال الإحرام ، بل الظاهر صحة الشراء وإن قصد المباشرة حاله حين الإحرام وإن أثم بالقصد المزبور ، لكنه لا يقتضي فساد العقد وإن احتمله في التذكرة ، لحرمة الغرض الذي وقع العقد له ، كمن اشترى العنب لاتخاذه خمرا ، لكن فيه أنه إن تم ففيما إذا شرط ذلك في متن العقد لا في الفرض الذي لم يكن الشراء فيه منهيا عنه بخصوصه ، ولا علة في المحرم أعني المباشرة ، فلا يكون تحريمها مستلزما لتحريمه ، كما هو واضح.

ويجوز له مفارقة النساء بالطلاق والفسخ أو غيرهما بلا خلاف ولا إشكال للأصل والنصوص (٤) ومحكي الإجماع.

وتكره للمحرم الخطبة كما في القواعد ومحكي المبسوط والوسيلة للنهي عنه في‌ النبوي (٥) « لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يشهد ولا يخطب » والمرسل (٦) السابق المحمول عليها بعد القصور عن إثبات الحرمة مؤيدا بأنها تدعو إلى المحرم كالصرف الداعي إلى الربا ، فما عن ظاهر أبي علي من الحرمة واضح الضعف ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ و ١٧ ـ من أبواب تروك الإحرام.

(٥) سنن البيهقي ج ٥ ص ٦٥ وليس فيه « ولا يشهد ».

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٧.

٣١٦

بل الظاهر عدم الفرق في الكراهة بين كونها لنفسه أو لغيره من المحلين لإطلاق الخبرين ، هذا.

والظاهر ثبوت الأحكام المزبورة للمرأة المحرمة كالرجل ، ضرورة عدم كونه من خواص الرجل ، بل لا يبعد إرادة الجنس من المحرم في نحو‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا ينكح ولا ينكح » قال في المنتهى : « لا يجوز للمحرم أن يزوج ولا يتزوج ولا يكون وليا في النكاح ولا وكيلا فيه ، سواء كان رجلا أو امرأة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال علي عليه‌السلام (١) » وفي القواعد وكشفها « ولو كانت المرأة محرمة والرجل محلا فالحكم كما تقدم من حرمة نكاحها وتلذذها بزوجها تقبيلا أو لمسا أو نظرا أو تمكينا له من وطئها وكراهة خطبتها وجواز رجعتها وشرائها ومفارقتها » بل في الأخير الاتفاق على ذلك ، مضافا إلى عموم الأدلة الصالح لتناول مثل ذلك ، أما غيره فالعمدة فيه الإجماع المزبور ، وما يستفاد من الأدلة من حرمة الاستمتاع للمحرم رجلا وامرأة ، وحرمة مباشرة عقد النكاح له ولغيره ، وإلا فقاعدة الاشتراك لا تأتي في مثل ما ورد من النهي عن تقبيل الرجل امرأته ، ولا دليله شامل للمرأة ، فليس حينئذ إلا ما عرفت ، فيثبت عدم جواز تقبيلها لزوجها مثلا وهي محرمة وعلى هذا القياس ، والله العالم.

والطيب إجماعا في الجملة بين المسلمين فضلا عن المؤمنين ، بل النصوص متواترة فيه ، بل في المتن والقواعد وغيرهما هو على العموم وفاقا للمقنعة وجمل العلم والعمل والمراسم والسرائر والمبسوط والكافي وغيرها على ما حكي عن بعضها ، كما حكي عن الحسن بل والمقنع والاقتصاد وإن كان المحكي عن أولهما انه نص على النهي عن مس شي‌ء من الطيب ، لكن عقبه بقوله : « وانما يحرم عليك‌

__________________

(١) كنز العمال ج ٣ ـ ص ٥٦ ـ الرقم ١٠٣٢ و ١٠٣٣.

٣١٧

من الطيب أربعة أشياء : المسك والعنبر والورس والزعفران » فهو إما تفسير للطيب أو تصريح بأن النهي يعم الكراهة ، وعن ثانيهما انه قال : « وينبغي ان يجتنب في إحرامه الطيب كله وأكل طعام يكون فيه طيب » بل في الذخيرة نسبته إلى أكثر المتأخرين ، بل في المنتهى إلى الأكثر ، بل في الرياض نسبته إلى الشهرة العظيمة ، لقول الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة (١) : « من أكل زعفرانا متعمدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم ، فان كان ناسيا فلا شي‌ء عليه ، ويستغفر الله ويتوب اليه » والصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (٢) : « لا تمس شيئا من الطيب ولا من الدهن في إحرامك ، واتق الطيب في طعامك ، وأمسك على أنفك من الرائحة الطيبة ، ولا تمسك عليه من الريح المنتنة ، فإنه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة ، فمن ابتلى بشي‌ء من ذلك فعليه غسله ، وليتصدق بقدر ما صنع ، وانما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء : المسك والعنبر والورس والزعفران غير انه يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح » وصحيح حريز (٣) « لا يمس المحرم شيئا من الطيب ولا من الريحان ، ولا يتلذذ به ، فمن ابتلى بشي‌ء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع بقدر شبعه من الطعام » وفي الكافي بقدر سعته ، وحسن الحلبي (٤) « المحرم يمسك على أنفه من الريح الطيبة ولا يمسك على أنفه من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٨ إلا ان صدره لم يطابق هذا الحديث وانما يتفق مع الحديث الخامس من هذا الباب.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

٣١٨

الريح الخبيثة » ونحوه في‌ صحيح هشام (١) مع زيادة « لا بأس بالريح الطيبة فيما بين الصفا والمروة من ريح العطارين ، ولا يمسك على أنفه » وقال له عليه‌السلام أيضا الحسن بن زياد (٢) : « الأشنان فيه الطيب أغسل به يدي وأنا محرم قال : إذا أردتم الإحرام فانظروا مزاودكم واعزلوا الذي لا تحتاجون اليه ، وقال : تصدق بشي‌ء كفارة للأشنان الذي غسلت به يدك » وفي‌ خبر سدير (٣) « قلت ٤ لأبي جعفر عليه‌السلام : ما تقول في الملح فيه زعفران؟ قال : لا ينبغي للمحرم ان يأكل شيئا فيه زعفران ، ولا يطعم شيئا من الطيب » وفي‌ صحيح ابن مسلم (٤) عن أحدهما عليهما‌السلام في قول الله عز وجل (٥) ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) « حفوف الرجل من الطيب » وفي‌ خبر الحسين بن زياد (٦) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : وضأني الغلام ولم اعلم بدستشان فيه طيب ، فغسلت يدي وأنا محرم قال : تصدق بشي‌ء من ذلك » وقال الصدوق (٧) : « كان علي بن الحسين عليهما‌السلام إذا تجهز إلى مكة قال لأهله : إياكم ان تجعلوا في زادنا شيئا من‌

__________________

(١) ذكر ذيله في الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١ وذكر تمامه في الكافي ج ٤ ص ٣٥٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١٣.

(٥) سورة الحج ـ الآية ٣٠.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام ـ الحديث ٤ وفي الوسائل الحسن بن زياد إلا ان الموجود في الفقيه ج ٢ ص ٢٢٣ الرقم ١٠٤٧ الحسين بن زياد.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١٨.

٣١٩

الطيب ولا الزعفران نأكله أو نطعمه » وفي‌ خبر النضر بن سويد (١) عن الكاظم عليه‌السلام « ان المرأة المحرمة لا تمس طيبا » وسأل الصادق عليه‌السلام حماد بن عثمان (٢) « أنه جعل ثوبا إحرامي مع أثواب جمرت فأخذا من ريحها فقال : فانشرها في الريح حتى تذهب ريحها » وما نص (٣) على ان الميت المحرم لا يمس شيئا من الطيب ، وخصوصا ما‌ روي (٤) « ان محرما وقصت به ناقته فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تقربوه طيبا فإنه يحشر يوم القيامة ملبيا » ، والنبوي (٥) « الحاج أشعث أغبر » المنافي للتطيب ، وتعليل عدم البأس بالفواكه الطيبة انها ليست بطيب (٦) الى غير ذلك من النصوص الدالة منطوقا ومفهوما التي لا يقدح ما في سند بعضها بعد الاعتضاد والانجبار بما عرفت ، كما لا يقدح التعبير بلفظ « لا ينبغي » في بعضها ، خصوصا إذا قلنا بأنها للقدر المشترك بين الحرمة والكراهة ، ضرورة توجه الجمع حينئذ بينها وبين غيرها بإرادة الحرمة المستفادة من النهي في غيره ، بل يمكن القول بظهورها في إرادة الحرمة هنا للإجماع على حرمة الطيب في الجملة المانع عن إرادة الكراهة منه ، وخصوصا بعد التعبير به في الزعفران الذي لا خلاف في حرمته ، ودعوى كونها المرادة إلا ما خرج كما ترى ، نحو دعوى إرادة القدر المشترك ولو بقرينة ما تسمعه من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب غسل الميت من كتاب الطهارة.

(٤) صحيح مسلم ج ١ ص ٤٥٧.

(٥) سنن البيهقي ج ٥ ص ٥٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

٣٢٠