جواهر الكلام - ج ١٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

في الدعاء الذي يستحب عند إرادة الإحرام ، وفي بعض الاخبار (١) ما يدل على ذكره في التلبية ، وليس من طرقنا ، ويمكن ذكره في خلال النية ، كما في الشرط في الاعتكاف المندوب ، والظاهر إجزاء الجميع ، فإن التلبية هي التي يعقد بها الإحرام وهو جيد إلا ما ذكره أولا من كون المفهوم ، الى آخره ، ضرورة كون ذلك من النية لا أنه دعاء خارج عنها ، وإلا فلو فرض خروجه والفصل بينه وبين النية أشكل الاكتفاء به للأصل وغيره ، فان المتيقن من النص والفتوى كون الشرط في الإحرام ، بمعنى انه في خلال نيته أو خلال عاقده لا قبله ، اللهم إلا ان يراد بالنية على حسب ما ذكر ، وربما كان المراد من قوله قبيل النية ما يصدق معه الاتصال عرفا ، وكونه شرطا في الإحرام ، ولو نوى الاشتراط ولم يتلفظ به فالظاهر عدم الاعتداد به ، لعدم صدقه عليه ، وكونه خلاف المأثور ، مضافا إلى أصالة عدم ترتب ما سمعته من الفائدة إلا على الشرط المذكور لفظا ، ضرورة كون الأصل عدم التحليل من الإحرام إلا بإتمام فعل ما أحرم به ، واحتمال كونه تابعا للإحرام وهو ينعقد بالنية فتكفي هي حينئذ في اشتراطه كما ترى ، خصوصا بعد ما سمعت انعقاده بالتلبية دونها.

ويستحب أيضا أن يحرم في الثياب القطن بلا خلاف أجده فيه ، بل نسبه بعض الأفاضل إلى قطع الأصحاب ، وكفى بذلك حجة لمثله ، مضافا إلى التأسي به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لما عرفت من انه أحرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ثوبي كرسف (٢) وقد سمعت‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن عمار (٣) : « كان ثوبا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللذان أحرم فيهما يمانيين ، عبري وأظفار ، وبهما كفن » بل قيل وإلى‌

__________________

(١) كنز العمال ج ٣ ص ١٩ الرقم ٤٢٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

٢٨١

قول أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) : « البس القطن فإنه لباس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو لباسنا » وفي‌ خبر أبي بصير وابن مسلم (٢) المروي عن خصال الصدوق « البسوا ثياب القطن فإنها لباس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو لباسنا ، ولم يكن يلبس الشعر والصوف إلا من علة ».

وأفضلها البيض التي تظافرت الأخبار (٣) بالأمر بلبسها ، وكونها خير الثياب وأحسنها وأطيبها وأطهرها ، ولكن فيه أيضا الإشكال السابق لولا ما في‌ خبر الدعائم (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام « يتجرد المحرم في ثوبين نقيين أبيضين ، فان لم يجد فلا بأس بالصبغ ما لم يكن بزعفران أو ورس أو طيب ، وكذلك المحرمة لا تلبس مثل هذا من الصبغ ».

ويستحب له أيضا إذا أحرم بالحج من مكة رفع صوته بالتلبية إذا أشرف على الأبطح كما صرح به غير واحد من المتقدمين والمتأخرين ، لقول الصادق عليه‌السلام في حسن معاوية بن عمار (٥) : « إذا كان يوم التروية إن شاء الله فاغتسل ثم البس ثوبيك وادخل المسجد حافيا وعليك السكينة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب أحكام الملابس ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة والخصال ج ٢ ص ١٥٧ الطبع القديم.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أحكام الملابس من كتاب الصلاة.

(٤) ذكر صدره في المستدرك في الباب ٢٩ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢ وذيله في الباب ٣١ منها الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

٢٨٢

والوقار ، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام أو في الحجر ، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة. ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة ، فأحرم بالحج ثم امض وعليك السكينة والوقار ، فإذا انتهيت الى الرقطاء دون الردم فلب ، فإذا انتهيت إلى الردم وأشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية » الذي يمكن ان يرجع اليه‌ قوله عليه‌السلام أيضا في صحيح الحلبي وعبد الرحمن بن الحجاج ومعاوية بن عمار وحفص بن البختري جميعا (١) : « إن أهللت من المسجد الحرام للحج فإن شئت فلب خلف المقام ، وأفضل ذلك أن تمضي حتى تأتي الرقطاء ، وتلبي قبل أن تصير إلى الأبطح » وعبر في محكي الهداية بمضمون الصحيح الأول ، وأورد عليه في الرياض بأنه مناف لما ذكره من اعتبار مقارنة التلبية للنية ، إذ الخبر صريح في خلافها ، إلا ان يكون لم يعتبرها هنا وان اعتبرها ثمة ، كما هو ظاهر المحكي عن السرائر والمنتهى والتذكرة حيث أنهم عبروا عن المستحب هنا في إحرام الحج بما حكي عن المبسوط والنهاية والجامع والوسيلة من انه إن كان ماشيا لبى من موضعه الذي صلى فيه ، وإن كان راكبا لبى إذا نهض به بعيره ، فإذا انتهى إلى الردم وأشرف على الأبطح رفع صوته بالتلبية ، وحينئذ فينبغي القطع بعدم اعتبارها هنا ، خلافا لشيخنا في المسالك حيث قال : « والكلام في التلبية التي يعقد بها الإحرام كما مر فيلبي سرا بعد النية ويؤخر الجهر إلى الأبطح » قلت : لا ينبغي التأمل في اتحاد مسألة المقارنة في المقام وغيره ، ضرورة اتحاد كيفية عقد الإحرام في الجميع ، وقد عرفت بناء على أنها الداعي ان لا دلالة في شي‌ء من هذه النصوص بل ولا الفتاوى على عدم اعتبارها لحصوله عند إرادة عقد الإحرام بها ، كما انك قد عرفت هناك عدم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

٢٨٣

تأخير تلبية العقد عن الميقات الذي لا يجوز تجاوزه غير محرم ، ولكن ذلك لا يقتضي المقارنة على نحو مقارنة نية الصلاة لتكبيرها ، ولا صراحة في الخبر المزبور بتأخير تلبية العقد ، إذ يمكن استحباب تلبية اخرى سرا عند الرقطاء ، والجهر بها عند الاشراف على الأبطح ، بل مقتضي قوله : « فأحرم بالحج » الى آخره الأمر بعقد الإحرام ولو بتلبيته سرا ، بل ينبغي الجزم بذلك بناء على ان الرقطاء خارجة عن مكة ، فإنه قيل قد فتشنا تواريخ مكة فلم نجد الرقطاء اسم موضع منها نعم بناء على ان الرقطاء اسم موضع بمكة جاز تأخير التلبية للعقد إليها ، لأنها من الميقات حينئذ ، والفرض عدم اعتبار المقارنة نحو تكبيرة الإحرام ، بل المراد عدم الخروج عن الميقات قبل وقوعها.

وبذلك ومما تقدم سابقا ظهر لك ان الأمر هنا نحو ما سمعته هناك ، وعن شرح القاضي للجمل إذا أحرم بالحج يوم التروية فلا يلبي بعد عقد إحرامه حتى ينتهي إلى الردم ، وهو ظاهر في أنها تلبية أخرى بعد عقد الإحرام ، ولعل ذلك هو مراد الكتب السابقة أيضا ، بل في كشف اللثام إضافة التحرير إليها وروض الجنان ، قال : إلا انه زاد قوله : ويسر بالتلبيات الأربع المفروضة قائما أو قاعدا على باب المسجد أو خارجه مستقبل الحجر الأسود ، وهذه الزيادة صريحة أو ظاهرة فيما قلناه.

وكيف كان فعن التهذيب والاستبصار الماشي يلبي من الموضع الذي يصلي فيه ، والراكب يلبي عند الرقطاء أو عند شعب الدب ، ولا يجهران بالتلبية إلا عند الاشراف على الأبطح جامعا به بين‌ خبري زرارة (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام متى تلبي بالحج؟ قال : إذا خرجت إلى منى ـ ثم قال ـ : إذا جعلت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٥.

٢٨٤

شعب الدب عن يمينك والعقبة عن يسارك » وأبي بصير (١) عن الصادق عليه‌السلام « ثم تلبي من المسجد الحرام كما لبيت حين أحرمت » مستشهدا لهذا الجمع بخبر عمر بن يزيد (٢) عنه عليه‌السلام « فان كنت ماشيا فلب عند المقام وان كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك » قيل ونحوهما المصباح ومختصره ، لكن ليس فيهما شعب الدب ، وفيه ما لا يخفى في الشاهد والمشهود عليه ، كما انه لا يخفي عليك ظهور خبر أبي بصير فيما قلناه ، بناء على كون المراد حين الإحرام فيه ، وعن الكافي « ثم يلبي مستسرا ، فإذا نهض به بعيره أعلن بالتلبية ، وإن كان ماشيا فليجهر بها من عند الحجر الأسود » وفي المقنعة بعد الدعاء ولفظ النية « ثم ليلب حتى ينهض به بعيره ويستوي به قائما ، وإن كان ماشيا فليلب من عند الحجر الأسود ، ويقول : لبيك لبيك بحجة تمامها عليك ، ويقول وهو متوجه إلى منى : اللهم إياك أرجو ، وإياك أدعو ، فبلغني أملي وأصلح لي عملي ، فإذا انتهى الى الرقطاء دون الردم وأشرف على الأبطح فليرفع صوته بالتلبية حتى يأتي منى » وهو صريح في أنها غير التلبيات الأربع ، كما أن ما قبله وجه آخر للجمع بين النصوص ، إلا ان ذلك كله ظاهر في غير تلبية العقد كما لا يخفى على المتأمل ، ولا ريب في ان الأحوط مقارنة التلبية للنية في المسجد ، بل إن لم يقارن بها فلا يؤخرها إلى الرقطاء ، لاحتمال خروجها عن الميقات ، هذا ، والردم موضع بمكة يرى من الكعبة كما عن تهذيب الأسماء ، ومضاف إلى بني جمح ، وهو لبني فزارة كما عن القاموس ، وقيل انه مكان قد يدعو به الجائي من الأبطح قبل الوصول إلى الكعبة تشريفا لها ، وكانت فيه عمارة فردمت وصارت تلا ، والله العالم.

وكيف كان ف يلحق بذلك تروك أي متروكات الإحرام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

٢٨٥

وهي إما محرمات أو مكروهات ، فالمحرمات عند المصنف هنا عشرون شيئا وفي الدروس ثلاثة وعشرون ، وفي الإرشاد ثمانية عشر ، وفي النافع والتبصرة أربعة عشر ، ولكل وجه تعرفه إن شاء الله‌ مصيد البر كما في بعض النسخ ، منها نسخة ثاني الشهيدين ، وفي أخرى « صيد » بمعنى المصيد لقوله اصطيادا وأكلا ولو صاده محل ، وإشارة ودلالة لصائده المحل والمحرم وإن ضمناه معا في الثاني على ما في المسالك ، بخلاف العكس فإنه يضمنه المحرم وإن دله عليه المحل لكنه يأثم ، بناء على انه من الإعانة على الإثم ، وعلى كل حال لا يجوز الدلالة بل مطلق الإعانة ولو بإعارة السلاح أو مناولته ، بل في المنتهى نسبة تحريمها الى العلماء وإغلاقا عليه حتى يموت أو يصيده غيره وذبحا بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل عن المنتهى انه قول كل من يحفظ عنه العلم وإن كان المحكي عن الثوري وإسحاق الخلاف في الثاني ، وعن الشافعي وأبي حنيفة الخلاف في أكل ما صاده المحل وذبحه من دون أمر ولا دلالة ولا إعانة ، إلا ان خلاف مثل هؤلاء غير قادح ، وحينئذ فهو الحجة بعد قوله تعالى (١) ( لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) وقوله (٢) ( حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً ) الدال على حرمة اصطياده وأكله ، بل يمكن إرادة مطلق المدخلية في صيده ولو بمعونة ما سمعته من الإجماع ، وقول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (٣) : « لا تستحلن شيئا من الصيد وأنت حرام ، ولا وأنت حلال في الحرم ، ولا تدل عليه محلا ولا محرما فيصطاده ، ولا تشر اليه فيستحل من أجلك ، فإن فيه الفداء عن تعمده » ضرورة كونه تعليلا شاملا لمطلق المدخلية‌

__________________

(١) سورة المائدة ـ الآية ٩٦.

(٢) سورة المائدة ـ الآية ٩٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

٢٨٦

في اصطياده ، وفي‌ صحيح منصور بن حازم (١) « المحرم لا يدل على الصيد ، فان دل عليه فقتل فعليه الفداء » وقال أيضا في خبر عمر بن يزيد (٢) : « واجتنب في إحرامك صيد البر كله ، ولا تأكل ما صاده غيرك ، ولا تشر اليه فيصيده غيرك » وفي‌ صحيح معاوية بن عمار (٣) « لا تأكل من الصيد وأنت حرام وان كان اصابه محل ، وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلا الصيد ، فان عليك الفداء فيه بجهل كان أو عمد » وحسنه أو صحيحه الآخر (٤) « ما وطأته أو وطأه بعيرك وأنت محرم فعليك فداؤه ، وقال : اعلم انه ليس عليك فداء شي‌ء أتيته وأنت جاهل به وأنت محرم في حجك ، ولا في عمرتك إلا الصيد ، فان عليك فيه الفداء بجهالة كان أو تعمد » وسأله عليه‌السلام الحلبي (٥) « عن لحوم الوحش تهدي للرجل وهو محرم لم يعلم بصيده ولم يأمر به أيأكله؟ قال : لا » وسأل البزنطي (٦) الرضا عليه‌السلام في الصحيح « عن المحرم يصيب الصيد بجهالة قال : عليه كفارة ، قلت : فإن أصابه خطأ قال : وأي شي‌ء الخطأ عندك؟ قلت : يرمي هذه النخلة فيصيب نخلة أخرى قال : نعم هذا الخطأ وعليه الكفارة ، قلت : فإن أخذ طيرا متعمدا فذبحه وهو محرم قال : عليه الكفارة ، قلت : ألست قلت إن الخطأ والجهالة والعمد ليسوا سواء ، فبأي شي‌ء ينفصل المتعمد عن الخاطي؟ قال : إنه أثم ولعب بدينه » الى غير ذلك من النصوص التي يمكن دعوى القطع بمضمونها ان لم تكن متواترة اصطلاحا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

٢٨٧

نعم الظاهر اختصاص الحكم بما هو المنساق من النص والفتوى من كون الإشارة والدلالة مسببة للصيد ، فلا تحرم دلالة من يرى الصيد بحيث لا يفيده ذلك شيئا ولا دلالة من لا يريد الصيد كما صرح به غير واحد ، للأصل وغيره ، بل قد يمنع كون مثله من الدلالة التي هي على ما قيل أعم من الإشارة باعتبار تحققها بالكتابة وغيرها ، بخلاف الإشارة المختصة بأجزاء البدن ، وإن كان لا يخلو من نظر ، ولو ضحك أو تطلع اليه ففطن غيره فصاده فان تعمد ذلك للدلالة عليه أثم ، وإلا فلا ، للأصل في الأخير ، بخلاف الأول الذي هو تسبيب فان المراد منه هنا مطلق المدخلية في اصطياده أو إتلافه ولو على جهة الشرطية كما أومى إليه بقوله عليه‌السلام : « ولا تشر اليه فيستحل من أجلك ».

وكيف كان ف لو ذبحه أي المحرم كان ميتة حراما على المحل والمحرم كما صرح به الشيخ والحلي والقاضي ويحيى بن سعيد والفاضلان وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، بل هو المشهور شهرة عظيمة ، بل لم يحك الخلاف فيه بعض من عادته نقله وإن ضعف ، بل في المنتهى وعن التذكرة الإجماع عليه ، بل هو المراد أيضا مما في النهاية والمبسوط والتهذيب والوسيلة والجواهر على ما حكي عن بعضها أنه كالميتة ، بل في الأخير الإجماع عليه أيضا ، كل ذلك مضافا إلى‌ خبر وهب بن وهب (١) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحرام والحلال ، وهو كالميتة ، وإذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة ، حلال ذبحه أو حرام » وخبر إسحاق (٢) عن جعفر عليه‌السلام أيضا « ان عليا عليه‌السلام كان يقول : إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٥.

٢٨٨

ميتة لا يأكله محل ولا محرم ، وإذا ذبح المحل الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم » المنجبرين بما عرفت المؤيدين بأخبار الأمر بدفنه ، كمرسل ابن أبي عمير (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قلت له : المحرم يصيب الصيد فيفديه أيطعمه أو يطرحه؟ قال : إذا يكون عليه فداء آخر ، قلت : فما يصنع به؟ قال : يدفنه » وحسنة معاوية بن عمار (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا أصاب المحرم الصيد في الحرم وهو محرم فإنه ينبغي له أن يدفنه ولا يأكله أحد ، وإذا أصابه في الحل فان الحلال يأكله وعليه هو الفداء » وبأن التذكية انما تتحقق بذكر الله على ذبحه ، ولا معنى لذكره على ما حرمه ، فيكون لغوا ، وبأخبار (٣) تعارض الميتة والصيد للمحرم المضطر ، سيما ما رجح (٤) منها الميتة على الصيد ، وإن كان قد يناقش بإيماء الأول إلى جواز إطعامه وان أوجب فداء آخر ، وباشتمال الآخر على لفظ ينبغي المشعر بالندب وعلى التفصيل المنافي للمطلوب ، وبأنه لا منافاة بين الذكر (٥) والحرمة كتذكية المغصوب ، وبأن الأظهر ترجيح الصيد على الميتة ، وليس إلا لعدم كونه ميتة ، وإلا لكان العكس ، ضرورة عدم الحرمة الصيدية فيه ، بل في بعض النصوص (٦) المرجحة له التعليل بأنه ماله ، لأنه يعطيه فداءه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب كفارات الصيد.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب كفارات الصيد ـ الحديث ٨ و ١١ و ١٢.

(٥) في المخطوطة المبيضة « الذكاة » ولكن في المسودة « الذكر » وهو الصواب لأنه جواب عما تقدم من قوله : « لا معنى لذكره على ما حرمه ».

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب كفارات الصيد ـ الحديث ٥ و ٦ و ٧.

٢٨٩

بخلاف الميتة ، وهو كالصريح في كونه مذكى ، وإلا لم يكن مالا ، وستسمع إن شاء الله زيادة تحقيق لذلك عند تعرض المصنف له ، بل يأتي له تتمة إن شاء الله في كتاب الأطعمة.

وعلى كل حال فلا دلالة فيها على المطلوب ، فالعمدة ما عرفته أولا ، لكن عن الفقيه والمقنع والمختصر الأحمدي « أنه إن ذبحه في الحل جاز للمحل أن يأكله » بل في الأول « أنه لا بأس أن يأكل المحل ما صاده المحرم ، وعلى المحرم فداؤه » نحو المحكي عن المفيد والمرتضى أيضا ، لكن يمكن إرادة عدم حرمة عين صيد المحرم على المحل على معنى أن له تذكيته وأكله ، لا أن المراد الأكل مما ذكاه المحرم بصيده.

وعلى كل حال فقد مال اليه بعض متأخري المتأخرين للطعن في سند الخبرين الأولين ، فلا يصلحان معارضين لما دل على الحل من العموم ، وصحيح معاوية ابن عمار (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أصاب صيدا وهو محرم أيأكل منه الحلال؟ فقال : لا بأس ، إنما الفداء على المحرم » وصحيح حريز (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن محرم أصاب صيدا أيأكل منه المحل؟ قال : ليس على المحل شي‌ء ، إنما الفداء على المحرم » وصحيح منصور بن حازم (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل أصاب صيدا وهو محرم آكل وأنا حلال قال : أما أنا كنت فاعلا قلت : فرجل أصاب مالا حراما فقال : ليس هذا مثل هذا يرحمك الله » وحسن الحلبي أو صحيحه (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٦.

٢٩٠

ويتصدق بالصيد على مسكين » وحسن معاوية بن عمار (١) المتقدم سابقا المراد بالإصابة فيه القتل بقرينة الأمر بالدفن في صدره ، فيتعدى إلى الذيل بشهادة السياق ، وهو لا يخلو من قوة ، خصوصا بملاحظة ما في بعض النصوص المرجحة له على الميتة عند الاضطرار التي أشرنا إليها ، وحينئذ فيكون المراد من كونه ميتة بالنسبة للمحرم لا المحل ، إلا أن الشهرة العظيمة والإجماعات المحكية الجابرة للخبرين المزبورين ترجح القول الآخر عليه وإن صحت أخباره ، خصوصا بعد عدم الصراحة في دلالة البعض ، لاحتمال إرادة غير القتل من الإصابة ، فيكون المحل هو المذكي له وإن كان الذي رماه المحرم ، وكون الباء في « بالصيد » للسببية و « الصيد » المصدرية أي يتصدق لفعله الصيد على مسكين أو مساكين ، خصوصا بعد ضعف القرينة المزبورة باختلاف النسخة في قوله : « يدفنه » على ما قيل ، فان بدلها في أخرى « يفديه » أو المراد جزاء الصيد أو غير ذلك ، بل عن الشيخ احتمال التفصيل بين الذبح والتذكية بالرمي ، فالأول ميتة ، بخلاف الثاني الذي يمكن حمل النصوص عليه ، بل قيل إنه ظاهر اختيار المفيد في المقنعة ، لكن يمكن دعوى الإجماع على كون المراد مطلق تذكية المحرم من الذبح نصا وفتوى ، هذا.

وقد قيل : إن الظاهر جريان جميع أحكام الميتة عليه ، فلا تجوز الصلاة في جلده ولا غيرها من الاستعمالات وخصوصا المائعات ، والفاضل في التحرير وإن استشكل فيه للإشكال في أنه ميتة أو كالميتة أو لاحتمال أن يكون لحمه كلحم الميتة لا جلده لكنه استقرب بعد ذلك عدم الجواز ، وإن كان لا يخفى عليك أن في النفس منه شيئا ، خصوصا مع ملاحظة ما سمعته من نصوص الترجيح له على الميتة والتعليل المزبور فيها والعمومات ، وعدم معروفية اشتراط كونه محلا في التذكية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

٢٩١

بل ظاهر تلك الأدلة خلافه ، فلا بعد في إرادة معنى كالميتة من قوله فيها ، فينصرف إلى حرمة الأكل لا غيره ، فتأمل جيدا.

هذا كله في ذبح المحرم ، أما ذبح المحل للصيد في الحرم فقد صرح غير واحد بحرمته أيضا ، وكونه كالميتة ، بل في الحدائق اتفاق الأصحاب عليه ، وهو الحجة بعد خبري وهب (١) وإسحاق (٢) المتقدمين المجبورين بذلك المؤيدين بصحيح منصور بن حازم (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في حمام ذبح في الحل قال : ما يأكله محرم ، وإذا أدخل مكة أكله المحل بمكة ، وإذا أدخل الحرم حيا ثم ذبح في الحرم فلا تأكله لأنه ذبح بعد أن دخل مأمنه » وخبر شهاب بن عبد ربه (٤) « قلت له أيضا : إني أتسحر بفراخ اوتي بها من غير مكة ، فتذبح في الحرم ، فأتسحر بها ، فقال : بئس السحور سحورك ، أما علمت أن ما دخلت به الحرم حيا فقد حرم عليك ذبحه وإمساكه » وصحيح الحلبي (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « انه سئل عن الصيد يصاد في الحل ثم يجاء به إلى الحرم وهي حي ؛ فقال : إذا أدخله الحرم حرم عليه أكله وإمساكه ، فلا تشترين في الحرم إلا مذبوحا قد ذبح في الحل ثم أدخل الحرم ، فلا بأس به للحلال » وصحيح معاوية (٦) انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن طير أهلي أقبل فدخل الحرم ، فقال : لا يمس ، ان الله عز وجل (٧) يقول ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) » وغير ذلك من النصوص.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب كفارات الصيد ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١ مع الاختلاف في اللفظ.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب كفارات الصيد ـ الحديث ١.

(٧) سورة آل عمران ـ الآية ٩١.

٢٩٢

نعم لو ذبحه المحل في الحل جاز أكله في الحرم للمحل حتى لو كان صيده بدلالة المحرم عليه وإعانته بدفع سلاح ونحوه بلا خلاف ولا إشكال ، للأصل والمعتبرة (١) المستفيضة التي تقدم بعضها ، بل لا يبعد جواز أكله مع الجهل بحاله إذا كان في يد مسلم لقاعدة الحل ، لكن في‌ صحيح منصور بن حازم (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أهدي لنا طير مذبوح فأكله أهلنا ، فقال : لا يرى أهل مكة به بأسا ، قلت : فأي شي‌ء تقول أنت؟ قال : عليهم ثمنه » ويمكن حمله على معلومية ذبحه في الحرم ، وسيأتي إن شاء الله التعرض في كلام المصنف لذلك وغيره من أحكام الحرم وأحكام الصيد والمراد به ، وغير ذلك ، والله العالم.

وكذا يحرم فرخه وبيضه أكلا وإتلافا مباشرة ودلالة وإعانة بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل في المنتهى انه قول كل من يحفظ عنه العلم ، مضافا إلى المعتبرة (٣) المستفيضة حد الاستفاضة التي تسمعها إن شاء الله في الكفارات ، نعم لا يحرم البيض الذي أخذه المحرم أو كسره على المحل في الحل للأصل وعدم اشتراط حله بنحو تذكيته أو بشي‌ء فقد هنا ، خلافا للمحكي عن المبسوط ، والله العالم.

والجراد في معنى الصيد البري عندنا ، بل في المنتهى وعن التذكرة أنه قول علمائنا وأكثر العامة ، وفي المسالك لا خلاف فيه عندنا ، خلافا لأبي سعيد الخدري والشافعي وأحمد في رواية ، قال الباقر عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم (٤) : « مر علي عليه‌السلام على قوم يأكلون جرادا وهم محرمون فقال : سبحان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب تروك الإحرام.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب كفارات الصيد.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

٢٩٣

الله وأنتم محرمون ، فقالوا : انما هو من صيد البحر ، فقال : ارمسوه بالماء أذن » أي لو كان بحريا لعاش فيه ، وقال الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (١) : « الجراد من البحر ، وكل شي‌ء أصله من البحر ويكون في البر والبحر فلا ينبغي للمحرم أن يقتله ، فان قتله فعليه الفداء ، كما قال الله تعالى » وفي صحيحه الآخر (٢) « ليس للمحرم ان يأكل جرادا ولا يقتله ، قال : قلت : ما تقول في رجل قتل جرادة وهو محرم؟ قال : تمرة خير من جرادة ، وهو من البحر ، وكل شي‌ء يكون أصله من البحر ويكون في البر والبحر فلا ينبغي للمحرم ان يقتله ، فان قتله متعمدا فعليه الفداء كما قال الله تعالى » وقال له أيضا في الصحيح (٣) : « الجراد يكون في الطريق والقوم محرمون كيف يصنعون؟ قال : ينكبونه ما استطاعوا ، قال : فان قتلوا منه شيئا ما عليهم؟ قال : لا بأس عليهم » أي مع عدم الاستطاعة كما في‌ خبر حريز (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « على المحرم ان يتنكب الجراد إذا كان على طريقه ، فان لم يجد بدا فقتل فلا بأس » وفي‌ خبر أبي بصير (٥) « سألته عن الجراد يدخل متاع القوم فيدوسونه من غير تعمد لقتله ، أو يمرون به في الطريق فيطؤونه قال : إن وجدت معدلا فاعدل عنه ، وإن قتل غير متعمد فلا بأس » بناء على ارادة المحرمين منه ، وفي‌ حسن معاوية (٦) عنه عليه‌السلام أيضا « اعلم انه ما وطأت من الدبا أو وطأه بعيرك فعليك فداؤه » إلى غير ذلك من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب كفارات الصيد ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٨.

٢٩٤

النصوص التي تسمعها إن شاء الله في الكفارات.

لكن في محكي التهذيب ان منه بريا ومنه بحريا ومقتضاه حل البحري منه. لأنه لا يحرم على المحرم صيد البحر بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل عن المنتهى دعوى إجماع المسلمين عليه ، وانه لا خلاف فيه بينهم ، مضافا إلى قوله تعالى (١) ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ ) وقول الصادق عليه‌السلام في صحيح حريز (٢) ومعاوية (٣) في التهذيب ، والمرسل (٤) في الكافي والفقيه « لا بأس بصيد المحرم السمك ، ويأكل طريه ومالحه ويتزود ، قال الله تعالى : « ( أُحِلَّ لَكُمْ ). إلخ » قال : مالحه الذي تأكلون ، وفصل ما بينهما كل طير يكون في الآجام يبيض ويفرخ في البر فهو من صيد البر ، وما كان من الطير يكون في البحر ويفرخ في البحر فهو من صيد البحر »

ومنه يستفاد أن صيد البحر هو ما يبيض ويفرخ في الماء وإن كان هو في البر ، بل في المنتهى انه لا يعلم فيه خلافا إلا من عطاء ، وحينئذ فالميزان لما يعيش من الطيور في البر والبحر البيض والفرخ وان ارتزق في أحدهما ومرسل ابن سماعة عن غير واحد عن‌ أبان عن الطيار (٥) « لا يأكل المحرم طير الماء » محمول على المرتزق فيه ولكن يبيض ويفرخ في البر ، وربما حمل على المشتبه وفيه اشكال ، خصوصا بعد‌ قول الصادق عليه‌السلام في حسن معاوية (٦) : « كل شي‌ء يكون أصله في البحر ويكون في البر والبحر فلا ينبغي للمحرم ان يقتله فان قتله فعليه الفداء كما قال الله عز وجل » وقد يدفع بأن المحرم صيد البر لا مطلق‌

__________________

(١) سورة المائدة ـ الآية ٩٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

٢٩٥

الصيد ، فيبقى غيره على الإباحة ، اللهم إلا ان يقال ان غير الآية المزبورة والرواية مطلقة في حرمة الصيد المقتصر في الخروج منه على صيد البحر ، لا ان المحرم خصوص صيد البر الذي هو وان وجد في الآية لكنه موافق للمطلق ، فلا يصلح مقيدا ، فتأمل جيدا.

وبذلك يتجه حرمة كل صيد إلا صيد البحر ، بل ومنه المتولد بين الصيد وغيره إذا انتفى عنه الاسمان ، اما إذا لحقه أحدهما تبعه في الحكم دون ما إذا انتفى عنه الاسمان وكان ممتنعا ، فإنه صيد محرم بناء على عدم اختصاص التحريم للمحرم بالستة الأنواع المشهورة ، وإلا اعتبر في ذلك الإلحاق بأحدها ، ولو اختلف جنس الحيوان كالسلحفاة فإن منها برية ومنها بحرية فلكل حكم نفسه ، ومع الاشتباه فالمتجه الحرمة بناء على ما حررناه في الأصول من ان فائدة العموم دخول الفرد المشتبه.

ثم ان الظاهر إلحاق حكم التوالد بحكم البيض والفرخ ، بل لعله اولى ، بل يمكن ارادة ما يشمله من قوله : « ويفرخ » وحينئذ فالمدار في كونه من صيد البر والبحر في مثل الطير ونحوه ذلك ، كما ان مقتضى‌ قوله عليه‌السلام (١) « ارمسوه في الماء » ان كل ما لا يعيش في الماء ( من البر البتة ، وحينئذ يفهم منه (٢) كون ذلك من البري أيضا ، وكذا مقتضى الحقيقة في‌ قوله : « يبيض ويفرخ في الماء » كون ذلك في نفس الماء لا في حواليه ولا في الآجام ونحوهما ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) ما بين القوسين ليس في النسخة المخطوطة المسودة ولا حاجة إليه أيضا وإن كان موجودا في المبيضة.

٢٩٦

وربما يؤيد ذلك تصريح البعض بكون البط من صيد البر ، بل في المنتهى انه قول عامة أهل العلم مع أنه غالبا يبيض ويفرخ حول الماء لا في الماء نفسه ، وحينئذ فغالب الطيور المائية يكون من صيد البر ، لأنا لا نعرف ما يبيض ويفرخ في نفس الماء ، كما أنه بناء على هذا الميزان لا ينبغي الالتفات إلى الحكم بكونه من صيد البحر عرفا تقديما للاعتبار الشرعي عليه ، ولكن لم نجد ذلك منقحا في كلامهم ، إذ من المحتمل كون ذلك ميزانا لغير المحكوم بكونه من صيد البحر عرفا ، بل من المحتمل الاكتفاء في كونه صيد بحر بالبيض والفرخ في حوالي الماء أو في الآجام التي فيه أو نحو ذلك ، إلا أن الاحتياط يقتضي اجتنابه.

والمراد بالبحر ما يعم النهر قطعا بل عن التبيان أن العرب تسمي النهر بحرا ، ومنه قوله تعالى (١) ( ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) والله العالم.

والنساء وطءا قبلا ودبرا بلا خلاف أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى قوله تعالى (٢) ( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) والرفث هو الجماع بالنص‌ الصحيح عن الصادق والكاظم عليهما‌السلام قال الأول عليه‌السلام في صحيح ابن عمار (٣) : « إذا أحرمت فعليك بتقوى الله وذكر الله وقلة الكلام إلا بخير ، فإن إتمام الحج والعمرة أن يحفظ لسانه إلا من خير ، كما قال الله تعالى : ( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) والرفث هو الجماع ، والفسوق الكذب والسباب ، والجدال قول الرجل : لا والله وبلى والله » وقال الثاني عليه‌السلام بعد أن سأله أخوه علي في الصحيح (٤) أيضا « عن الرفث‌

__________________

(١) سورة الروم ـ الآية ٤٠.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ١٩٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٤) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٣٢ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٤ وذيله في الباب ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع ـ الحديث ٤.

٢٩٧

والفسوق والجدال ما هو؟ وما على من فعله؟ الرفث جماع النساء ، والفسوق الكذب والمفاخرة ، والجدال قول الرجل : لا والله وبلى والله ، فمن رفث فعليه بدنة ينحرها ، وإن لم يجد فشاة ، وكفارة الفسوق يتصدق به إذا فعله وهو محرم » ولعله سقط من الخبر شي‌ء كما احتمله في الوافي ، وعن‌ قرب الاسناد للحميري (١) « وكفارة الجدال والفسوق شي‌ء يتصدق به » فيمكن كون الساقط هنا « شي‌ء » وعن المنتقى أنه تصحيف يستغفر ربه ، وهو كما ترى ، وإلى ما يستفاد من نصوص الدعاء (٢) المشتملة على إحرام الفرج.

وكذا تحرم عليه النساء لمسا بشهوة ، لقول الصادق عليه‌السلام (٣) في حسن أبي سيار الذي ستسمعه : « وإن مس امرأته بيده وهو محرم على شهوة فعليه دم شاة » بل وعقدا لنفسه أو لغيره بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما مستفيض إن لم يكن متواترا كالنصوص ، منها‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحاح ابن سنان (٤) : « ليس للمحرم أن يتزوج ولا يزوج ، فان تزوج أو زوج محلا فتزويجه باطل » وزاد في أحدها (٥) « وإن رجلا من الأنصار تزوج وهو محرم فأبطل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نكاحه » كما أن‌ في آخر (٦) « ليس ينبغي » المراد به التحريم قطعا ، وفي‌ خبر أبي بصير (٧)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب كفارات الاستمتاع ـ الحديث ١٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الإحرام.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٦.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١ وفيه‌ « المحرم يطلق ولا يتزوج » كما يأتي نقله كذلك في الجواهر أيضا.

٢٩٨

« للمحرم أن يطلق ولا يزوج ، فان نكاحه باطل » وفي مضمر ابن عمار (١) « لا يتزوج ولا يزوج ، فان نكاحه باطل » وفي‌ خبر محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام (٢) « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل ملك بضع امرأة وهو محرم قبل أن يحل أن يخلى سبيلها ولم يجعل نكاحه شيئا ، فإذا أحل خطبها إن شاء ، وإن شاء أهلها زوجوه ، وإن شاؤوا لم يزوجوه ».

إلا أنه ظاهر في عدم حرمتها أبدا عليه بالعقد ، وهو محمول على الجاهل جمعا بينه وبين‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبري الخزاعي (٣) وإبراهيم بن الحسين (٤) « إن المحرم إذا تزوج وهو محرم فرق بينهما ولا يتعاودان أبدا » بشهادة‌ خبر زرارة وداود بن سرحان (٥) عنه عليه‌السلام أيضا في حديث « والمحرم إذا تزوج وهو يعلم أنه حرام لم يحل له أبدا » المعتضد بالنسبة إلى علمائنا في محكي التذكرة والمنتهى ، بل هو مفروغ منه في كتاب النكاح كما تعرفه إن شاء الله ، فوسوسة بعض الناس في غير محلها ، كما أن ما عن أبي حنيفة والثوري والحكم من جواز نكاحه لنفسه فضلا عن غيره من جملة إحداثهم في الدين.

بل الظاهر عدم الفرق في الحرمة في الأول بين المباشرة والتوكيل كما عن الشيخ وغيره التصريح به ، بل لو كان قد وكل حال الحل لم يجز للوكيل العقد له حال الإحرام ، أما لو وكل حال الإحرام محلا على العقد له حال الإحلال صح بناء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١ عن إبراهيم بن الحسن.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ـ الحديث ١ من كتاب النكاح.

٢٩٩

على عدم اعتبار إمكان وقوع الموكل فيه من الموكل حال الوكالة ، لأن التوكيل ليس نكاحا ، وستسمع تحقيقه في التفريع الذي ذكره المصنف ، وكذا بين الفضولي والوكالة والولاية في الثاني ، بل قد عرفت صراحة النصوص في بطلان العقد كما هو معقد محكي صريح الإجماع في الخلاف والغنية والتذكرة ، وظاهره في غيرها.

نعم في القواعد الأقرب جواز توكيل الجد المحرم محلا أي في تزويج المولى عليه ، بل مقتضاه الصحة وان أوقعه الوكيل والولي محرم ، ولعله لأنه والمولى عليه محلان ، والتوكيل ليس من التزويج المحرم بالنص والإجماع ، وفيه ما لا يخفى عليك فيما لو أوقعه الوكيل حال الإحرام ، إذ الوكيل نائب الموكل ، ولا نيابة فيما ليس له فعله من التزويج المنهي عنه في النصوص الذي يشمل التوكيل ، ولذا قطعوا بحرمة توكيل المحرم على التزويج لنفسه وبطلان العقد ، ولعله من هنا كان خيرة محكي الخلاف عدم الجواز مدعيا عليه الإجماع ، على أنه لا وجه لتخصيص الجد بالذكر.

والظاهر إلحاق المنقطع بالدائم هنا ، مع احتمال العدم ، وإجازة الفضولي حال الإحرام كالمباشرة لو وقعت منه حال الإحرام أيضا بل لا تؤثر لو وقعت منه بعد الحل أي للعقد الواقع فضولا حال الإحرام بناء على الكشف ، كما لا تؤثر إجازة الغير للعقد الصادر من المحرم فضولا ، بل لا تؤثر إجازته في حال الإحرام للعقد الفضولي الواقع حال الحل في وجه من وجهي الكشف ، بل يحتمل مطلقا بناء على أنه نوع تعلق في النكاح ممنوع منه كما تسمع الإشارة إليه في مرسل أبي شجرة (١) ويحتمل الجواز لأنه ليس تزويجا حال الإحرام بناء على الكشف والأحوط الأول وإن كان الثاني لا يخلو من قوة.

نعم الظاهر عدم إلحاق التحليل بالنكاح في الحكم المزبور على إشكال ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٨.

٣٠٠