جواهر الكلام - ج ١٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

صحيح ذريح المحاربي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج وأحصر بعد ما أحرم كيف يصنع؟ قال : فقال : أو ما اشترط على ربه قبل أن يحرم أن يحله من إحرامه عند عارض عرض له من أمر الله تعالى؟ فقلت : بلى قد اشترط ذلك ، قال : فليرجع إلى أهله حلالا لا إحرام عليه ، إن الله تعالى أحق من وفى ما اشترط عليه ، فقلت : فعليه الحج من قابل قال : لا » وصحيح البزنطي (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن محرم انكسرت ساقه ما حاله أي شي‌ء يكون حاله وأي شي‌ء عليه؟ قال : هو حلال من كل شي‌ء ، فقلت : من النساء والثياب والطيب فقال : نعم من جميع ما يحرم على المحرم ، وقال : أو ما بلغك قول أبي عبد الله عليه‌السلام : وحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي » ولو بقاعدة تأخير البيان عن وقت الحاجة لو كان واجبا ، بل من الأخير يستفاد الاستدلال بكل ما دل على مشروعية الشرط المزبور بناء على إفادته ذلك.

وقيل والقائل الإسكافي والشيخ في محكي الخلاف والمبسوط والمصنف في النافع والفاضل في المختلف وغيرهم لا يسقط وهو الأشبه بأصول المذهب وقواعده التي منها الأصل وعموم الآية وغيرها والاحتياط وقول الصادق عليه‌السلام في خبر عامر بن عبد الله بن جذاعة المروي عن الجامع من كتاب المشيخة لابن محبوب « في رجل خرج معتمرا فاعتل في بعض الطريق وهو محرم قال : ينحر بدنة ويحلق رأسه ويرجع إلى رحله ولا يقرب النساء ، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما ، فإن برأ من مرضه اعتمر ان كان لم يشترط على ربه في إحرامه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الإحصار والصد ـ الحديث ١.

٢٦١

وإن كان قد اشترط فليس عليه ان يعتمر إلا أن يشاء فيعتمر ، ويجب أن يعود للحج الواجب المستقر وللأداء إن استمرت الاستطاعة في قابل ، والعمرة الواجبة كذلك في الشهر الداخل ، وان كانا متطوعين فهما بالخيار » مؤيدا بما تسمعه من صحيح معاوية (١) في حصر الحسين عليه‌السلام.

وحينئذ ف فائدة الاشتراط جواز التحلل كما عن المبسوط والخلاف والمهذب في المحصور والوسيلة في المصدود أي عند الإحصار كما عن التحرير والتذكرة والمنتهى بمعنى أنه من غير تربص كما في النافع وكشفه والمحكي من شرح ترددات الكتاب ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (٢) : « ان الحسين بن علي عليه‌السلام خرج معتمرا فمرض في الطريق فبلغ عليا عليه‌السلام وهو بالمدينة فخرج في طلبه فأدركه بالسقيا وهو مريض ، فقال : يا بني ما تشتكي؟ قال : رأسي ، فدعا عليه‌السلام ببدنة فنحرها وحلق رأسه ورده إلى المدينة » بناء على أنه كان قد اشترط باعتبار كونه مستحبا ، فلا يتركه الحسين عليه‌السلام فيدل حينئذ بالتأسي ، وبأنه متى شرع النحر تحليلا نافى السقوط ، إذ احتمال سقوط الوجوب خاصة لم نعرفه قولا لأحد ، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه ونحوه صحيح رفاعة (٣) عنه عليه‌السلام لكن فيه أنه عليه‌السلام كان ساق بدنة فنحرها وحلق رأسه ، وحينئذ يكون خارجا عما نحن فيه ، إذ الظاهر عدم خلاف معتد به في عدم سقوط الهدي عنه ، بل عن الإيضاح أن عليه إجماع الأمة ، فيحمل النحر فيه على البعث للنحر في محله ، ثم الحلق بعده ، وإن كان بعيدا ، بل يمكن دعوى القطع بفساده ، وليس هو أولى من حمل سوق البدنة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الإحصار والصد ـ الحديث ٢.

٢٦٢

فيه على سوقها لا على كونها حج قران ، فيكونان حينئذ معا دالين على المطلوب

نعم لا إشكال في أن حكم القارن البعث وان اشترط ، لصحيحي محمد بن مسلم (١) ورفاعة (٢) عن الباقر والصادق عليهما‌السلام « القارن يحصر وقد قال واشترط فحلني حيث حبستني يبعث بهديه ، قلت : هل يتمتع من قابل؟ قال : لا ، ولكن يدخل في مثل ما خرج عنه » وما عن الفقيه من عدم البعث فيه أيضا واضح الضعف ، أو أنه من تحريف النساخ.

وعلى كل حال فيكون فائدة الشرط تعجيل التحليل في المحصور ، وبدونه لا يجوز ما لم يبلغ الهدي محله كما هو مقتضي الآية المحمول إطلاقها على غير صورة الشرط ، وإجماع المرتضى لم نتحققه ، بل لعل المتحقق خلافه ، والصحيحان لا صراحة فيهما بعدم الهدي بل ولا ظهور بحيث يعارض خبر عامر وصحيح معاوية (٣) وقاعدة تأخير البيان مع منع تحقق موضوعها في المقام يمكن أن يكون ترك بيانه للاتكال على الآية وغيرها ، نعم هما دالان على التعجيل الذي هو المختار وإن كان مع الهدي ، لما سمعته من دليله ، بل قد يقال ان الشرط لا يدل على أزيد من ذلك ، فان المراد عدم لزوم البقاء على الإحرام بعد الحصر ، وأنه يتحلل من إحرامه بمحلله الشرعي ، لا أنه يثبت به تحليل خاص لا يحتاج معه إلى هدي ولا غيره ، بل ربما ظهر من بعض العبارات عدم الاحتياج معه إلى النية ، ويمكن القطع بعدمه ، فظهر لك من ذلك كله أن الأقوى كون فائدة الشرط التعجيل المزبور لا سقوط الهدي ولا غيره من الفوائد التي تسمعها.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الإحصار والصد ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الإحصار والصد ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد ـ الحديث ٣.

٢٦٣

وأما ما في المتن من أنه قيل : يجوز التحلل من غير شرط فلم يظهر لي لمن أشار بالقول المزبور ، فإن أصل التحليل للمحصور لا إشكال فيه ولا خلاف للآية والرواية ، وان أراد به جواز التعجيل من غير شرط فلم أعرفه لأحد من أصحابنا ، ويمكن أن يريد به الإشارة إلى أن الشرط وجوده كعدمه ولا يترتب عليه إلا الثواب كما هو المشهور بين العامة ، واختاره ثاني الشهيدين ، وربما كان ظاهر المبسوط والخلاف والمهذب ، وإن كان ستعرف ضعفه ان شاء الله.

وعلى كل حال فلا ريب في أن الأول وهو القول بأن فائدته التعجيل أظهر مما سمعته من المرتضى ، بل من القول بأنه لا فائدة فيه أصلا سوى ترتب الثواب ، ومما في الإيضاح ، فإنه ـ بعد أن ذكر قول والده في القواعد : وفائدة الشرط جواز التحلل على رأي ـ قال : « ان معني كلام المصنف ليس المنع من التحلل إذا لم يشترط ، بل معناه أن التحلل ممنوع منه ، ومع العذر وعدم الاشتراط يكون جواز التحلل رخصة ، ومع الاشتراط يصير التحلل مباح الأصل ، وسبب إباحته بالأصالة الاشتراط والعذر ـ قال ـ : والفائدة تظهر فيما لو نذر أن يتصدق كلما فعل رخصة بكذا ، وفي التعليق » وهو كما ترى مرجعه في الحقيقة إلى عدم الفائدة للشرط في خصوص المشترط فيه من الحج والعمرة ، فيكون حينئذ تعبدا محضا كما عن أكثر العامة ، مضافا إلى عدم الفائدة أيضا في ذكر خصوص الحصر ، اللهم إلا أن يراد منه ما يعم الصد ، وإلى ظهور عبارة الفاضل والمصنف في كون الفائدة نفس التحلل لا كونه أصليا في مقابل الرخصة وان أمكن ذلك على ضرب من التجوز ، لكن لا يخفى عليك بعده.

وكيف كان فقد استدل له بعموم الآية (١) وما يحكى من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

٢٦٤

في المصدود (١) وب‌ خبر حمزة بن حمران (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الذي يقول : حلني حيث حبستني قال : هو حل حيث حبسه قال : أو لم يقل » وحسن زرارة (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « هو حل إذا حبسه اشترط أو لم يشترط » وفيه أن الآية ـ مع انها مساقة لبيان حكم أصل الحصر لا خصوص المشترط ـ مقيدة بما عرفت ، وفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد إن كان مصدودا لا محصورا خارج عما نحن فيه وخبرا حمزة وزرارة ـ مع عدم صحة سند الأول منهما ، وموافقتهما للعامة ، واحتمال كونهما في المصدود ـ لا دلالة فيهما إلا على ثبوت أصل التحلل مع الشرط وعدمه ، وان اختص الأول بأمر زائد على ذلك كما سمعت التصريح به في النص مضافا إلى استبعاد الأمر بالشرط المزبور مع عدم فائدة به ، ومن الغريب انه على ضعفه أو فساده وافقه عليه الشهيد في الدروس والمحقق الثاني في حاشية الكتاب في تفسير عبارة المصنف وما شابهها ، قال في الأول : « وحكمهما اي الممتنع وغيره في استحباب الاشتراط أيضا واحد ، وفائدته جواز أصل التحلل عند العارض كقول ابن حمزة والشرائع ، أو جواز التعجيل للحصر كقول النافع ، أو سقوط الهدي عن المحصر والمصدود غير السائق كقول المرتضى ، أو سقوط قضاء الحج لمتمتع فاته الموقفان كقول الشيخ في التهذيب لرواية ضريس بن عبد الملك الصحيحة (٤) » وقال في الثاني : « قول المصنف : وفائدة الاشتراط إلى آخره ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الإحصار والصد ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٢ عن ضريس بن أعين كما في التهذيب ج ٥ ص ٢٩٦ ـ الرقم ١٠٠١ وهو الصحيح كما يشهد لذلك نقل الحديث عنه فيما يأتي في ص ٢٦٦.

٢٦٥

جواب عن سؤال مقدر يرد على عدم سقوط الهدي عن المشترط ، صورته أنه حينئذ لا فرق بين المشترط وغيره في وجوب الهدي إذا أحصر ، فلا فائدة للشرط حينئذ ، وجوابه ان فائدته كون التحليل مستحقا بالأصالة بعد إن كان رخصة ، ومن فوائده انه عبادة فيترتب عليه الثواب » والجميع كما ترى ، فإن العبارة كادت تكون صريحة ، خصوصا بملاحظة كلامه في النافع في ان الفائدة تعجيل التحليل بخلاف غير المشترط الذي يجب عليه الانتظار حتى يبلغ الهدي محله ، بل لعل ذلك هو مراد كل من عبر بأنه يتحلل مع الشرط كما عن المبسوط والخلاف والمهذب وغيرها ، ضرورة ثبوت أصل التحليل للمحصور من غير شرط ، فليس المراد إلا تعجيله.

ثم لا يخفى عليك أن ما ذكره الشهيد في الدروس أخيرا هو الرابع من الأقوال في الفائدة ، وقد ذكره الشيخ في موضع من التهذيب مستدلا عليه بصحيح ضريس بن أعين (١) « سألت أبا عبد الله ( عليه‌السلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر فقال : يقيم على إحرامه ويقطع التلبية حين يدخل مكة ، فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق رأسه وينصرف إلى اهله إن شاء ، قال : هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه ، فان لم يكن اشترط فان عليه الحج من قابل » وهو مع احتمال كون القائل ضريسا لا الامام عليه‌السلام يشكل بأن الحج الفائت إن كان واجبا لم يسقط فرضه في القابل بمجرد الاشتراط بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في محكي المنتهى ، قال : الاشتراط لا يفيد سقوط الحج في القابل لو فاته ، ولا نعلم فيه خلافا بل ولا إشكالا كما سيذكره المصنف ، وإن لم يكن واجبا لم يجب بترك الاشتراط ، فالوجه إرادة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٢.

٢٦٦

شدة الندب فيه لمن ترك الاشتراط ، كل ذلك مضافا إلى ما فيه من المشقة بناء على ما قيل من كون المراد منه البقاء على إحرامه إلى قابل ليحج به ، وإن كان فيه منع واضح.

والخامس ما في المسالك فإنه بعد ان ذكر الفوائد المزبورة عدا ما سمعته من الفخر قال : « وكل واحدة من هذه الفوائد مما لا تأتي على جميع الأفراد التي يستحب فيها الاشتراط ، أما سقوط الهدي فمخصوص بغير السائق ، إذ لو كان قد ساق هديا لم يسقط ، وأما تعجيل التحليل فمخصوص بالمحصر دون المصدود ، وأما كلام التهذيب فمخصوص بالمتمتع ، وظاهر أن ثبوت التحليل بالأصل والعارض لا مدخل له في شي‌ء من الأحكام ، واستحباب الاشتراط ثابت لجميع أفراد الحاج ومن الجائز كونه تعبدا أو دعاء مأمورا به يترتب على فعله الثواب » ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه من النصوص المصرحة بفائدة الشرط والفتاوى وغيرهما ، على أنه موافق لكثير من العامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم ، كطاوس وسعيد بن جبير والزهري ومالك ، بل ابن عمر منهم كان ينكر ذلك ، ويقول : حسبكم سنة نبيكم ، ولأنه عبادة واجبة بأصل الشرع لا يفيد الاشتراط فيها كالصوم والصلاة ، وهو كما ترى مجرد قياس وافتراء على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالتحقيق ما عرفت.

وربما احتمل أو قيل كون الفائدة التحلل من كل شي‌ء حتى النساء كما سمعته في صحيح البزنطي (١) بل ربما احتمل إرادة الفاضل ومن عبر كعبارته ذلك أيضا ولكن يدفعه‌ صحيح معاوية بن عمار (٢) المتقدم في حديث حصر الحسين عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الإحصار والصد ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد ـ الحديث ٣.

٢٦٧

سأل الصادق عليه‌السلام « أرأيت حين بري‌ء من وجعه أحل له النساء؟ فقال : لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ، قال : فما بال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين رجع إلى المدينة حل له النساء ولم يطف؟ فقال : ليس هذا مثل هذا ، النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مصدودا والحسين عليه‌السلام كان محصورا » ويمكن قطع النظر فيه عن الشرط وكون السؤال عن المحصور إذا أحل هل يحل له النساء كالمصدود ، كما يمكن بعيدا تقييد خبر البزنطي بما إذا طيف عنه ، وتسمع تحقيق الحال فيه في محله إن شاء الله ، هذا.

وفي الإيضاح حكاية قول سادس أو سابع ، وهو أن فائدته سقوط الهدي عن المصدود وجواز تحلل المحصور ، أما الأول فلأنه يجوز له التحلل شرط أو لم يشترط لخبري زرارة (١) وحمزة بن حمران (٢) ولا يراد فيهما المحصور للآية ، فلو لم يسقط الهدي لم يكن له فائدة ، وأما الثاني فلما‌ روي (٣) « ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل على ضباعة بنت الزبير ، فقال لها : لعلك أردت الحج فقالت : والله ما أجد في إلا وجعة ، فقال لها : حجي واشترطي وقولي : اللهم تحلني حيث حبستني » وفي رواية (٤) « قولي : لبيك اللهم لبيك ، وتحلني من الأرض حيث حبستني ، فإن لك على ربك ما استثنيت ، ولكن انما يتحلل بهدي يبعثه ويتوقع بلوغه المحل للآية ، وإن لم يشترط لم يحل حتى يدرك الحج أو العمرة » وفيه ـ مضافا إلى عدم معرفة القائل بذلك ، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه ـ ان الآية مطلقة لم تقيد بالاشتراط ، بل لعلها ظاهرة في صورة عدم الشرط ، وسقوط التربص‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

(٣) سنن البيهقي ج ٥ ص ٢٢١.

(٤) كنز العمال ج ٣ ص ١٩ الرقم ٤٢٥.

٢٦٨

فائدة ولا بأس بانتفاء الفائدة في الصد ، هذا.

وفي المدارك بعد نقل الأقوال قال : « والذي يقتضيه النظر أن فائدته سقوط التربص عن المحصر كما يستفاد من‌ قوله عليه‌السلام : « وحلي حيث حبستني » وسقوط الهدي عن المصدود لما ذكرناه من الأدلة ، مضافا إلى ضعف دليل وجوبه بدون الشرط كما سنبينه في محله إن شاء الله ، بل لا يبعد سقوط الهدي مع الحصر أيضا كما ذهب اليه المرتضى وابن إدريس ( رحمهما الله ) ولا ينافي ذلك‌ قوله عليه‌السلام في حسنة زرارة (١) : « هو حل إذا حبسه اشترط أو لم يشترط » لأن أقصى ما يستفاد من الرواية ثبوت التحلل مع الحبس في الحالين ، ونحن نقول به ، ولا يلزم من ذلك تساويهما من كل وجه ، فيجوز افتراقهما بسقوط الدم مع الشرط ، ولزومه بدونه » وتبعه على ذلك بعض من تأخر عنه ، ولا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرنا مواضع النظر فيه ، وما ندري الأدلة التي ذكرها على سقوط الهدي في المصدود.

والتحقيق عدم سقوط الهدي مطلقا سيما القارن لما عرفت ، وسقوط التربص في المحصور مع الشرط ، والمصدود مطلقا ، أما في الأول فلما سمعته من النصوص وأما في المصدود فللاتفاق في المسالك على جواز التعجيل له من غير شرط ، ولا يضر عدم الفائدة للشرط فيه بعد الاتفاق المزبور ، كما لا يضر أيضا في القارن وإن لم يعجل ، وبذلك كله يظهر لك ما في المحكي عن ابن إدريس الذي قد كفانا مئونته الفاضل في المختلف حيث قال : « وأما ابن إدريس فلم يزد في الاستدلال على ما قاله السيد إلا تعجبه من الشيخ واستطراف كلامه في الخلاف ، وتوهم لجهله بالأحكام مناقضة الشيخ نفسه في مسألتين متتاليتين ، فقال : إن الشيخ قال : مسألة يجوز‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

٢٦٩

للمحرم ان يشترط ويكون ذلك صحيحا ، ويجوز أن يتحلل إذا عرض له عارض إلى أن قال : وقال بعض الشافعية : لا تأثير لهذا الشرط ، ووجوده كالعدم ، إلى آخره ، ثم قال : مسألة إذا شرط على ربه في حال الإحرام ثم حصل الشرط وأراد التحلل فلا بد من نية التحلل والهدي ، وللشافعي قولان ، دليلنا عموم الآية والاحتياط ، قال ابن إدريس : الشيخ يناظر ويخاصم في المسألة الأولى ، من قال : إن الشرط لا تأثير له ووجوده كعدمه ، وأنه لا يفيد شيئا ، ثم يستدل على صحته وتأثيره ، وفي الثانية يذهب إلى ان وجوده كعدمه ، ولا بد من الهدي وان اشترط ، ويستدل بعموم الآية ، وهذا عجب طريف فيه ما فيه ، أقول : أي عجب فيما ذكره الشيخ ، واي استطراف فيه ، ولعله توهم ان الشيخ حيث أوجب الهدي جعل وجود الشرط كعدمه ، ولم يتفطن ان التحلل انما يجوز مع الاشتراط ، وانه لولاه لم يجز التحلل ، وهل هذا إلا جهل منه وقلة تأمل لفتاوى الفقهاء ، وعدم مزيد لتحصيل مقاصدهم » قلت : هو كذلك مع فرض ان مراد الشيخ بالتحليل التعجيل لا أصله.

ثم إن الشرط انما يصح وتترتب عليه الفائدة التي ذكرناها إذا كان على وفق ما يثبت شرعا ، مثل ان يقول : حيث حبستني أو إن عرض لي شي‌ء أو نحو ذلك مما جاء في النصوص ، نعم الظاهر صحته أيضا مع ذكر التفصيل ، كما لو قال : إن مرضت أو منعني عدو أو قلت نفقتي أو ضاق الوقت أو نحو ذلك كما صرح به الفاضل وغيره ، ولا ينافي ذلك ذكر المحصور في كلامهم ، لإمكان إرادة الأعم من المريض ، قال في الصحاح : كل من امتنع عن شي‌ء فلم يقدر عليه فقد حصر عنه ولهذا قيل حصر في القراءة وحصر عن اهله ثم حكى عن أبي عمير الشيباني ان حصرني الشي‌ء وأحصرني أي حبسني ، أو ان المراد من الشرط المشروع الأعم‌

٢٧٠

من الحصر بمعنى المرض ، وقد سمعت ما في صحيح ضريس بن أعين (١) المشتمل على ضيق الوقت ، فلاحظ ، أو ان المراد من مشروعية الشرط مطلق المانع الشامل للمرض وغيره ، نعم يختص المصدود بعدم الفرق فيه بين الشرط وغيره ، ويمكن إرادة الأصحاب من الحصر المثال.

وعلى كل حال فلا يصح اشتراط حلني حيث شئت بعد عدم مشروعيته ، فلا تترتب عليه الفائدة المزبورة ، ولعل من ذلك اشتراط التحلل بحدوث العذر اي من غير نية للتحلل ولا هدي ، وذلك لأن الإحلال بغير إتمام لما أحرم له وسقوط الدم خلاف الأصل ولو بالشرط ، فيقتصر فيه على محل النص والإجماع ، والمتيقن منهما الإحلال بالنية والهدي على حسب ما عرفت ، والله العالم.

المسألة الخامسة إذا تحلل المحصور أو المصدود لا يسقط عنه الحج في القابل إن كان واجبا مستقرا في ذمته ، أو بقيت استطاعته ، وكذا العمرة بلا خلاف معتد به كما سمعته من المنتهى ولا إشكال ، للأصل والعمومات وخبر المشيخة الذي قد سمعته سابقا نعم يسقط إن كان ندبا شرط أو لم يشترط ، إذ هو ليس من الفاسد الذي يوجب الحج من قابل ، فيبقى حينئذ على حكم الندب الذي مقتضى الأصل عدم وجوبه ، بل لعل التعبير بالسقوط باعتبار ما يقال إنه يجب المضي بالنسك إذا أحرم به ، مضافا إلى ما سمعته من الخبر المروي عن كتاب المشيخة ، وعموم صحيح ذريح المحاربي (٢) نعم يبقى البحث في حرمة النساء على المحصور إلى ان يطاف عنه مطلقا أو إلا مع الشرط ، ويأتي البحث فيه إن شاء الله.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

٢٧١

هذا كله في كيفيته الواجبة وأحكامه‌ وأما المندوبات ف رفع الصوت بالتلبية للرجال كما هو المشهور ، بل في كشف اللثام الإجماع في الظاهر ولعله كذلك ، إذ ما في التهذيب من انه واجب مع القدرة والإمكان محمول على شدة الندب ، خصوصا بعد قوله في محكي الخلاف لم أجد من ذكره فرضا ، لكن عن المصباح ومختصره وفي أصحابنا من قال : الإجهار فرض إلا انا لم نتحققه وإن مال اليه بعض متأخري المتأخرين ، للأمر به في النصوص (١) المحمول على الندب بقرينة الشهرة وغيرها ، وخصوصا في‌ صحيح عمر بن يزيد (٢) « واجهر بها كلما ركبت وكلما نزلت وكلما هبطت واديا أو علوت اكمة أو لقيت راكبا وبالأسحار » وإلا وجب تكريرها في كل ذلك ، وهو مقطوع بعدمه ، وفي‌ مرفوع حريز (٣) عن الصادقين عليهما‌السلام « لما أحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاه جبرئيل عليه‌السلام فقال له : مر أصحابك بالعج والثج ، والعج رفع الصوت بالتلبية ، والثج نحر البدن » قال : وقال جابر بن عبد الله : « ما بلغنا الروحاء حتى بحت أصواتنا » إلى غير ذلك من النصوص المشتملة على الأمر به المحمول عليه على ما عرفت ، نعم في‌ خبر أبي عبد الله عليه‌السلام (٤) « وليس على النساء جهر بالتلبية » وفي مرسل فضالة (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « أن الله تعالى وضع عن النساء أربعا : الجهر بالتلبية ، والسعي بين الصفا والمروة ، ودخول الكعبة ، واستلام الحجر » ومن هنا خصه المصنف بالرجال ، مضافا إلى مناسبته للستر.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الإحرام.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

٢٧٢

ويستحب تكرارها خصوصا عند نومه واستيقاظه وعند علو الآكام ونزول الأهضام وبعد كل صلاة وبالأسحار وملاقاة راكب ، لأنها شعار المحرم ، وإجابة لندائه تعالى ، وذكر وتذكير للآخرة ، وفي‌ مرسل ابن فضال (١) « من لبى في إحرامه سبعين مرة إيمانا واحتسابا أشهد الله تعالى له ألف ألف ملك ببراءة من النار ، وبراءة من النفاق » وفي مرسل الصدوق (٢) « ما من محرم يضحى ملبيا حتى تزول الشمس إلا غابت ذنوبه معها » وللتأسي ، قال جابر بن عبد الله : ما سمعته سابقا ، وقد سمعت صحيح عمر بن يزيد (٣) وفي‌ صحيح ابن سنان (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلبي كلما لقي راكبا أو علا اكمة أو هبط واديا وفي آخر الليل وفي أدبار الصلوات » وفي صحيح معاوية بن عمار (٥) « تقول هذا في دبر كل صلاة مكتوبة أو نافلة ، وحين ينهض بعيرك ، وإذا علوت شرفا أو هبطت واديا ، أو لقيت راكبا أو استيقظت من منامك وبالأسحار ، وأكثر ما استطعت » إلى غير ذلك من النصوص ، بل عن المنتهى والتذكرة استحباب ذلك بإجماع العلماء إلا مالكا ، فلا يستحبه عند اصطدام الرفاق ، نعم لم نجد فيما وصل إلينا من النصوص خصوص النوم كما اعترف به في المدارك ، بل في كشف اللثام لم أر لمن قبل الفاضلين التعرض للنوم ، ويمكن ان يكون وجهه ما يظهر من النصوص من استحباب تكريرها عند كل حادث كالنوم والاستيقاظ وملاقاة غيره ، ولعله لذا عبر به الفاضل في القواعد ، وجعل الأحوال المزبورة مثالا ، وإن قال في كشف اللثام لم أره لمن قبله ، بل لعل من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٢.

٢٧٣

ذلك أيضا ما عن المقنعة والمقنع والمراسم والفقيه من استحبابها أيضا عند صعود الدابة والنزول منها ، أو لصحيح عمر بن يزيد السابق ، خصوصا بعد التسامح في أدلة السنن ، وخصوصا مثل هذه السنة التي هي ذكر في نفسها ، والله العالم.

وكيف كان فان كان حاجا مفردا أو قارنا استمر على تكرارها الى يوم عرفة عند الزوال لصحيح ابن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « الحاج يقطع التلبية يوم عرفة زوال الشمس » وصحيح عمر بن يزيد (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا زاغت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية » ونحوه صحيح معاوية بن عمار (٣) عنه عليه‌السلام أيضا ، وظاهرها الوجوب كما عن نص الخلاف والوسيلة ، وحكي عن علي بن بابويه والشيخ ، واستحسنه بعض لظاهر الأمر ، ولا ريب في أنه أحوط.

وإن كان معتمرا بمتعة فإذا شاهد بيوت مكة كما صرح به غير واحد بل قيل إنه مقطوع به في كلام الأصحاب ، لقول الصادق عليه‌السلام في حسن الحلبي (٤) : « المتمتع إذا نظر إلى بيوت مكة قطع التلبية » وفي حسن معاوية (٥) « إذا دخلت مكة وأنت متمتع فنظرت إلى بيوت مكة فاقطع التلبية ، وحد بيوت مكة التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيين ، فان الناس قد أحدثوا بمكة ما لم يكن ، فاقطع التلبية ، وعليك بالتكبير والتهليل والتحميد والثناء على الله عز وجل ما استطعت » وقولهما عليهما‌السلام في خبر سدير (٦) : « إذا رأيت أبيات مكة فاقطع التلبية » الى غير ذلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب إحرام الحج ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الإحرام الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٥.

٢٧٤

من النصوص التي ظاهرها الوجوب ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، ولا بأس به ، لكن في‌ خبر زرارة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته متى يمسك المتمتع عن التلبية؟ فقال : إذا دخل البيوت بيوت مكة لا بيوت الأبطح » وهو مع ضعفه يمكن حمله على إرادة الأشراف ، كما انه يمكن حمل‌ ضعيف زيد الشحام (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن تلبية المتعة متى تقطع؟ قال : حين يدخل الحرم » على إرادة الجواز كما عن الفقيه والاستبصار على معنى عدم تأكد استحباب فعلها قبل ( بعد ظ ) دخوله ، وقال أبان بن تغلب (٣) في الحسن : « كنت مع أبي جعفر عليه‌السلام في ناحية من المسجد وقوم يلبون حول الكعبة فقال : أترى هؤلاء الذين يلبون والله لأصواتهم أبغض إلى الله من أصوات الحمير » ولعله لأنهم كانوا من العامة الذين لا حج لهم.

انما الكلام فيما سمعته في ذيل حسن معاوية بن عمار من أن حد بيوت مكة قبل اليوم عقبة المدنيين ، وفي‌ خبر الفضيل بن يسار (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام قلت : دخلت بعمرة فأين أقطع التلبية؟ قال : حيال العقبة عقبة المدنيين ، قلت : فأين عقبة المدنيين؟ قال : بحيال القصارين » وفي‌ خبر أبي خالد مولى علي بن يقطين (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمن أحرم من حوالي مكة من الجعرانة والشجرة من اين يقطع التلبية قال : يقطع التلبية عند عروش مكة ، وعروش مكة ذو طوى » ويحتمل غير عمرة التمتع ، بل لعله ظاهر في ذلك ، وفي‌ صحيح البزنطي (٦) عن الرضا عليه‌السلام « أنه سئل عن المتمتع متى يقطع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٤.

٢٧٥

التلبية؟ قال : إذا نظر إلى عراش مكة عقبة ذي طوى ، قلت : بيوت مكة قال : نعم » ولعله لذا قال في الدروس : « وحدها عقبة المدنيين وعقبة ذي طوى » ونحوه في اللمعة وشرحها ، ولكن قيد الأول بما إذا دخلها من أعلاها ، والثاني بما إذا دخلها من أسفلها ، وعن السيد والشيخ الجمع بينهما بأن الأول لمن أتى على طريق المدينة ، والثاني لمن اتى على طريق العراق ، وتبعهما الحلي والديلمي ، وعن الصدوقين والمفيد تخصيص الثاني بمن اتى على طريق المدينة ، وعن ابن أبي عقيل « وحد بيوت مكة عقبة المدنيين والأبطح » وفي المختلف بعد ان حكي عن الجميع ما عرفت قال : « ولم نقف لأحدهم على دليل » وعن الغنية والمهذب « حد بيوت مكة من عقبة المدنيين إلى عقبة ذي طوى » وعن المصباح المنير « وذو طوى واد بقرب مكة على نحو فرسخ في طريق التنعيم ، ويعرف الآن بالزاهر » ونحو منه عن تهذيب الأسماء ، إلا انه قال : « موضع بأسفل مكة » ولم يحدد ما بينهما بفرسخ أو غيره.

قلت : لا يخفى عليك كون الأحوط قطعها في جميع ما هو مظنة ذلك أو محاذ له مع فرض عدم معلوميته في هذه الأزمنة بالخصوص باعتبار كون التكرار مستحبا ، والقطع واجبا ، وإن كان المتجه عدم وجوب القطع إلى حصول اليقين على ان عقبة المدنيين معروفة في هذا الزمان على ما جزم به بعض المترددين على طريق المدينة ، بل ذكر أن القطع به من شعار الشيعة يعرفه المخالف منهم ، فلا بأس بالعمل حينئذ بما تضمنه من النصوص المعتبرة ، وأما وادي طوى فالظاهر انه على غير الطريق المعروف في المدينة ، ولذا ذكر الشهيدان والسيد ما سمعت ، ويمكن ان يكون ما وقع من المفيد والصدوقين بطريق آخر من المدينة غير المتعارف ، وعلى كل حال فالأمر في ذلك هين ، هذا. وقد سمعت من النص ما يدل‌

٢٧٦

على الإكثار من التكبير والتحميد والتهليل والثناء بعد قطع التلبية كما نص عليه بعضهم.

هذا كله في عمرة التمتع فان كان بعمرة مفردة قيل والقائل الصدوق وتبعه المصنف في النافع كان مخيرا في قطع التلبية عند دخول الحرم أو مشاهدة الكعبة جمعا بين ما سمعته ـ من خبر الفضيل (١) بناء على أنه في العمرة المفردة وخبر يونس بن يعقوب (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يعتمر عمرة مفردة من أين يقطع التلبية؟ قال : إذا رأيت بيوت مكة ذي طوى فاقطع التلبية » ومرسل المفيد (٣) « انه سئل عن الملبي بالعمرة المفردة بعد فراقه من الحج متى يقطع التلبية؟ قال : إذا رأى البيت » والمرسل (٤) في الكافي « روي انه يقطع التلبية إذا نظر إلى بيوت مكة » وخبر ابن أبي نصر (٥) المروي عن قرب الاسناد « سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الرجل يعتمر عمرة المحرم من اين يقطع التلبية؟ قال : كان أبو الحسن عليه‌السلام يقول : يقطع التلبية إذا نظر الى بيوت مكة » ـ وبين‌ صحيح عمر بن يزيد (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « من دخل مكة مفردا للعمرة فليقطع التلبية حين تضع الإبل أخفافها في الحرم » وخبر معاوية بن عمار (٧) عنه عليه‌السلام أيضا « وان كنت معتمرا فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم » ومرسل زرارة (٨) عن أبي جعفر عليه‌السلام « تقطع تلبية المعتمر إذا دخل الحرم » وحسن مرازم (٩) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « يقطع صاحب العمرة المفردة التلبية إذا وضعت الإبل أخفافها في الحرم ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٥ عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٦.

٢٧٧

وقيل والقائل المشهور على ما في كشف اللثام إن كان ممن خرج من مكة للإحرام فإذا شاهد الكعبة ، وإن كان ممن أحرم من خارج فإذا دخل الحرم تنزيلا للنصوص المزبورة على ذلك ، لقول الصادق عليه‌السلام في خبر معاوية بن عمار (١) : « من اعتمر من التنعيم فلا يقطع التلبية حتى ينظر إلى المسجد » وفي‌ صحيح عمر بن يزيد (٢) « من خرج من مكة يريد العمرة ثم دخل معتمرا لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة » ومن هنا أنكر الشيخ على الصدوق القول بالتخيير الذي من شرطه التنافي ، والفرض عدمه ، فان ما تضمن قطعها عند عقبة المدنيين محمول على من جاء من طريق المدينة ، وما تضمن قطعها عند ذي طوى محمول على من جاء من طريق العراق ، وما تضمن قطعها عند النظر إلى الكعبة محمول على من خرج من مكة ، وفيه مع انه خلاف المشهور أيضا يمكن ان يكون مراد الصدوق ما ذكره المصنف بقوله والكل جائز عملا بجميع النصوص وإن اختلفت أفرادها ، ولا بأس به بناء على عدم وجوب القطع ، أما عليه فلا ريب في ان الأولى مراعاة الاحتياط.

ويستحب له أيضا أن يرفع صوته بالتلبية إذا حج على طريق المدينة إذا علت راحلته البيداء ، وإن كان راجلا فحيث يحرم لما عرفته من ان ذلك أولى الوجوه المذكورة في الجمع بينها كما سمعت الكلام فيه مفصلا ، فلاحظ وتأمل.

ويستحب التلفظ بما يعزم عليه من حج مفرد أو تمتع أو عمرة مفردة أو متمتع بها ، فيقول : لبيك بعمرة أو بحج أو بعمرة إلى الحج أو بحج متعة أو عمرة متعة أو بحج وعمرة كما صرح به غير واحد ، للأمر به في النصوص السابقة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٨.

٢٧٨

منها‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (١) « تقول : لبيك بمتعة بعمرة إلى الحج » وفي‌ صحيح عمر بن يزيد (٢) « تقول : لبيك بحجة تمامها عليك » ومنها ما سمعته من‌ قول أمير المؤمنين عليه‌السلام (٣) : « لبيك بحجة وعمرة » وسأله عليه‌السلام يعقوب بن شعيب (٤) في الصحيح ((١٦٤٦٦)) « كيف ترى أن أهل؟ فقال : إن شئت سميت ، وإن شئت لم تسم شيئا فقال : كيف تصنع؟ قال : أجمعهما فأقول : لبيك بحجة وعمرة معا » الى غير ذلك من النصوص التي يستفاد من الأخير ونحوه منها عدم وجوب ذلك ، مضافا إلى الأصل وإن كان قد يوهمه المحكي عن عبارة المصباح ومختصره بل والاقتصاد إلا أنه في غير محله ، كما ان ما عن الحلبيين والفاضل من النهي عن الإهلال بهما لعدم تعلق الإحرام بهما معا يشبه أن يكون من الاجتهاد في مقابلة النص ، خصوصا بعد معلومية كون المراد التمتع بالعمرة إلى الحج ، وإن اختلفت العبارات في تأديته كما أشرنا الى ذلك سابقا ، بل وأشرنا سابقا إلى أولوية الإضمار والاسرار بذلك عند التقية ، بل قد يجب كما أومأت اليه النصوص (٥) وصرح به الأصحاب ، بل هو مقتضي عمومات التقية أيضا ، لكن من المعلوم ان ذلك من حيث الجهر بها كذلك لا أصل قول ذلك على وجه لا يسمعه المخالف ، والأمر في ذلك سهل ، هذا.

وربما يستفاد من العبارة ونحوها استحباب التلفظ بها في غير التلبية كما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٥ و ٦ والباب ٢١ منها ـ الحديث ٤.

٢٧٩

يومي اليه ما في بعض‌ النصوص (١) أيضا من الأمر بقول : « اللهم اني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأقبلها » والله العالم.

ويستحب أيضا اشترط أن يحله حيث حبسه سواء أحرم بعمرة مفردة أو تمتع أو غيرهما وفي خصوص الحج يقول إن لم تكن حجة فعمرة بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك نصا وفتوى ، نعم أنكره جماعة من العامة ، بل لعل كثرة ذكره في النصوص المعتبرة للإشارة إلى خلافهم ، منها‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر الفضيل بن يسار (٢) : « المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربه ان يحله حيث حبسه ، ومفرد الحج يشترط على ربه إن لم تكن حجة فعمرة » وفي‌ صحيح ابن سنان (٣) « إذا أردت الإحرام بالتمتع فقل : اللهم اني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج فيسر ذلك وتقبله وأعني عليه ، وحلني حيث حبستني بقدرك الذي قدرت علي » وفي‌ صحيح ابن عمار (٤) « تقول : اللهم إني أسألك ـ إلى قوله ـ : فان عرض لي شي‌ء يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي اللهم ان لم تكن حجة فعمرة » إلى غير ذلك من النصوص التي تقدم جملة منها ، وظاهرها كون الشرط في خلال النية على وجه يكون انعقاد الإحرام على ذلك ، ويمكن الاكتفاء بذكره في التلبيات ، وفي حاشية الكركي المفهوم من الأخبار ان موقع الاشتراط قبيل النية ، لأنه مذكور‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢ وليس فيه « فأقبلها ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

٢٨٠