جواهر الكلام - ج ١٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

أو صحيحه (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه وغيرها التي أحرم فيها قال : لا بأس بذلك ان كانت طاهرة » بناء على ارادة الجمع من المقارنة فيه ، فيتم التأييد به على الوجه المزبور ، نعم لا يبطل الإحرام بذلك وان أثم كغيره مما يعتبر فيهما ، لما عرفته من عدم شرطية أصل اللبس فيه فضلا عن صفات الملبوس.

وعلى كل حال فقد يندرج في المفهوم المزبور بناء على ما ذكرنا عدمه في الحرير للرجال الذي صرح به غير واحد ، بل لا أجد خلافا فيه ، مضافا إلى‌ خبر أبي بصير (٢) قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الخميصة سداها إبريسم ولحمتها من غزل ، قال : لا بأس ان يحرم فيها ، انما يكره الخالص منه » ونحوه خبر أبي الحسن النهدي (٣) لمعلومية إرادة الحرمة من الكراهة فيهما ولو لان لبسهما محرم ، ومن هنا يتجه الاستدلال زيادة على ذلك بأن وجوب اللبس بناء على ما عرفته لا يجتمع مع النهي عنه.

ومنه يعلم عدم الجواز في المغصوب وفي جلد الميتة وفي المذهب للرجال ، بل لو قلنا بشرطية لبسهما في الإحرام اشترط إباحته أيضا ولو لان دليل الشرطية لا يشمل المحرم ، فلا يجوز حينئذ في الحرير للرجال ، ولا في جلد الميتة والمغصوب والمذهب ، وبذلك كله يظهر لك فساد ما في كشف اللثام من المناقشة في اعتبار جميع ما يشترط في ثوب الصلاة ، إذ لا دليل له إلا الخبران في الطهارة وظاهرهما مبادرة المحرم إلى التطهير كلما ينجس وجوبا أو استحبابا ، ومفهوم خبر حريز ، وهو بعد التسليم لا ينص على الحرمة ، ولو سلمت لم يفهم العموم خصوصا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

٢٤١

المتنجس الذي عرض له المانع من الصلاة ، إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا ، نعم لو لم نقل بوجوب اللبس لا شرطا ولا شرعا فحرمة المغصوب والحرير والمذهب والميتة عامة للمحرم وغيره لا تفتقر إلى دليل خاص ، وما عداها على الحل ، لكن قد عرفت الدليل على الوجوب شرعا ، وعدم تعرض الشيخ في الجمل وابني إدريس وسعيد لاعتبار ما قلناه فيهما لا يقتضي الجواز ، كاقتصار السيد في الجمل على الإبريسم ، وابن حمزة على النجس ، والمفيد على الديباج والحرير والخز والمغشوش بوبر الأرانب والثعالب ، بل قد يقال للمفهوم السابق المعتضد بما عرفت باعتبار عدم كون الإزار حاكيا للعورة كما جزم به في الدروس ، بل جعل اعتبار ذلك في الرداء أحوط ، وان قال في المدارك : إطلاق عبارات الأصحاب يقتضي جواز الإحرام فيهما مطلقا ، إذ قد يمنع في نحو عبارة المصنف وما شابهها الذي هو معقد نفي الخلاف وغيره ، بل استحباب التكفن بهما تأسيا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشعر بذلك.

وهل يجوز الإحرام في الحرير للنساء؟ قيل والقائل المفيد في كتاب أحكام النساء وابن إدريس في محكي السرائر والفاضل في القواعد وغيرهم ، بل نسب إلى أكثر المتأخرين نعم ، لجواز لبسهن له في الصلاة فيندرج في خبري (١) حريز السابقين ، مضافا إلى الأصل ، وصحيح يعقوب بن شعيب (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المرأة تلبس القميص تزره عليها وتلبس الحرير والخز والديباج فقال : نعم لا بأس به ، وتلبس الخلخالين والمسك » وعن النهاية المسكة بالتحريك السوار من الذبل ، وهي قرون الأوعال ، وقيل : جلود دابة بحرية ، وعلى كل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

٢٤٢

حال فلا ريب في ظهورها في حال الإحرام ، فلا وجه للمناقشة فيها من هذه الجهة وخبر النضر بن سويد (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام « سألته عن المرأة المحرمة أي شي‌ء تلبس من الثياب؟ قال : تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران والورس ، ولا تلبس القفازين ، ولا حليا تتزين به لزوجها ، ولا تكتحل إلا من علة ، ولا تمس طيبا ، ولا تلبس حليا ولا فرندا ، ولا بأس بالعلم في الثوب » والقفاز كرمان شي‌ء يعمل لليدين ويحشى بقطن تلبسهما المرأة للبرد ، أو ضرب من الحلي لليدين والرجلين ، والفرند بكسر الفاء والراء ثوب معروف.

وقيل والقائل الشيخ والصدوق لا يجوز ، بل هو ظاهر ما سمعته سابقا من عبارتي المفيد والسيد ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح العيص (٢) : « المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفازين » وخبر أبي عيينة (٣) سأله عليه‌السلام أيضا « ما يحل للمرأة ان تلبس وهي محرمة؟ فقال : الثياب كلها ما خلا القفازين والبرقع والحرير ، قال : أتلبس الخز؟ قال : نعم ، قلت : فان سداه إبريسم وهو حرير فقال : ما لم يكن حريرا خالصا فلا بأس » وخبر إسماعيل بن الفضل (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة هل يصلح لها ان تلبس ثوبا حريرا وهي محرمة؟ قال : لا ، ولها ان تلبسه في غير إحرامها » وموثق ابن بكير (٥) عن بعض أصحابنا عنه عليه‌السلام أيضا « النساء تلبس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١٠ عن إسماعيل بن الفضيل وهو سهو فان الموجود في الكافي ج ٤ ص ٣٤٦ أيضا إسماعيل بن الفضل.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣.

٢٤٣

الحرير والديباج إلا في الإحرام » وخبر سماعة (١) سأله « عن المحرمة تلبس الحرير فقال : لا يصلح أن تلبس حريرا محضا لا خليط فيه ، فأما الخز والعلم في الثوب فلا بأس أن تلبسه وهي محرمة ، وإن مر بها رجل استترت منه بثوبها ، ولا تستتر بيدها من الشمس ، وتلبس الخز ، أما انهم يقولون : إن في الخز حريرا وانما يكره الحرير المبهم » وفي‌ موثقه الآخر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة ، فأما في الحر والبرد فلا بأس » وخبر جميل (٣) المروي عن نوادر البزنطي سأله « عن المتمتع كم يجزيه؟ قال : شاة ، وعن المرأة تلبس الحرير قال : لا » وخبر جابر (٤) المروي عن الخصال عن أبي جعفر عليه‌السلام « ويجوز للمرأة لبس الحرير والديباج في غير صلاة وإحرام » وخبر أبي بصير (٥) « سألته عن القز تلبسه المرأة في الإحرام قال : لا بأس ، إنما يكره الحرير المبهم » وخبر أبي الحسن الأحمسي (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن العمامة السابري فيها علم حرير تحرم فيها المرأة قال : نعم ، انما كره ذلك إذا كان سداه ولحمته جميعا حريرا ، ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : قد سألني أبو سعيد الأعرج عن الخميصة سداها إبريسم وكان وجد البرد فأمرته أن يلبسها ».

ولا ريب في أن الاجتناب هو الأحوط وإن كان التدبر في النصوص ولو بملاحظة « لا ينبغي » و « لا يصلح » ولفظ الكراهة ونحو ذلك يقتضي الحمل على الكراهة جمعا بين النصوص ، بل هي فيه أشد منها في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الإحرام الحديث ١١ : « قد سألني أبو سعيد عن الخميصة » كما أن الموجود في الكافي ج ٤ ص ٣٤٥ كذلك أيضا.

٢٤٤

الصلاة ، وهو أولى من الجمع بينها بحمل نصوص الجواز على الممتزج ، ونصوص المنع على الخالص من وجوه.

وهل يلحق الخنثى في ذلك بالرجل أو بالمرأة؟ نظر كما في المسالك من تعارض الأصل والاحتياط ، بل الإشكال في أصل جواز لبسه لها ، وإن كان قد يقوى الأول ، لأن الاحتياط ما لم يكن واجبا للمقدمة لا يعارض الأصل ، فتأمل.

ثم إن الظاهر عدم وجوب لبس ثوبين لخصوص الإحرام للامرأة تحت ثيابها وإن احتمله بعض الأفاضل ، بل جعله أحوط ، ولكن الأقوى ما عرفت ، خصوصا بعد عدم شمول النصوص السابقة للإناث إلا بقاعدة الاشتراك التي يخرج عنها هنا بظاهر النص والفتوى ، والله العالم.

ولا خلاف ، كما لا إشكال في أنه يجوز أن يلبس المحرم أكثر من ثوبين للأصل ، وحسن معاوية بن عمار (١) المتقدم المشتمل على السؤال عن قرن المحرم ثياب غير الإحرام معها ، وحسن الحلبي أو صحيحة (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يتردى بالثوبين قال : نعم والثلاثة إن شاء ، يتقي بها الحر والبرد » ونحوه خبره (٣) عنه عليه‌السلام أيضا ، وما عن الشيخ وجماعة منهم الفاضل في المنتهى والتحرير والتذكرة من الاقتصار على مضمونه ليس خلافا محققا ، وعلى تقديره فلا ريب في ضعفه ، للأصل الذي لا ينافيه الخبر المزبور ، مضافا إلى الحسن الأول ، ولعله لذا عبر المصنف وغيره بما سمعت.

وكذا يجوز له أن يبدل ثياب إحرامه للأصل ، ول‌ قول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الإحرام الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الإحرام الحديث ١.

٢٤٥

الصادق عليه‌السلام في حسن الحلبي أو صحيحه (١) : « لا بأس بأن يحول المحرم ثيابه قلت : إذا أصابها شي‌ء قال : نعم ، وان احتلم بها فليغسلها » وفي خبره الآخر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن المحرم يحول ثيابه فقال : نعم ، وسألته يغسلها إن أصابها شي‌ء قال : نعم ، وإذا احتلم فيها فليغسلها » وقوله عليه‌السلام أيضا في حسن معاوية (٣) : « لا بأس بأن يغير المحرم ثيابه ، ولكن إذا دخل مكة لبس ثوبي إحرامه اللذين أحرم فيهما ، وكره أن يبيعهما » وبحمل الأمر فيه على الندب كما عن ظاهر المتأخرين قال المصنف وغيره فإذا أراد الطواف فالأفضل أن يطوف فيهما وإن قيل قد يوهم الوجوب عبارة الشيخ وجماعة ، ولا ريب في أنه أحوط وإن كان الأول أقوى.

وإذا لم يكن مع الإنسان ثوبا الإحرام وكان معه قباء جاز لبسه مقلوبا بأن يجعل ذيله على كتفيه بلا خلاف أجده في أصل الحكم ، بل عن ظاهر التذكرة والمنتهى انه موضع وفاق ، بل ادعاه صريحا غير واحد من متأخري المتأخرين ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (٤) : « إذا اضطر المحرم إلى القباء ولم يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا ولا يدخل يديه في يدي القباء » وصحيح عمر بن يزيد (٥) « يلبس المحرم الخفين إذا لم يجد نعلين ، وإن لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه أو قباه بعد أن ينكسه » وحسن معاوية بن عمار وصحيحه (٦) « لا تلبس ثوبا له أزرار وأنت محرم إلا أن تنكسه ، ولا ثوبا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢ مع الاختلاف.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

٢٤٦

تدرعه ولا سراويل إلا أن لا يكون لك إزار ، ولا خفين إلا أن لا يكون لك نعلان » وخبر علي بن أبي حمزة (١) « ان اضطر المحرم إلى أن يلبس قباء من برد ولا يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا ، ولا يدخل يديه في يدي القباء » وخبر مثنى الحناط (٢) « من اضطر إلى ثوب وهو محرم وليس معه إلا قباء فلينكسه ، وليجعل أعلاه أسفله ويلبسه » وفي رواية أخرى (٣) « يقلب ظهره بطنه إذا لم يجد غيره » و « في رجل هلكت نعلاه ولم يقدر على نعلين قال : له أن يلبس الخفين إذا اضطر إلى ذلك ، وليشقه من ظهر القدم ، وإن لبس الطيلسان فلا يزره عليه ، وان اضطر إلى قباء من برد ولم يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا ، ولا يدخل يديه في يدي القباء (٤) » وخبر محمد بن مسلم (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في المحرم يلبس الخف إذا لم يكن له نعل قال : نعم ، ولكن يشق ظهر القدم ، ويلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء ، ويقلب ظهره لبطنه ».

والظاهر من الأخير وصحيح عمر بن يزيد الاكتفاء في جواز لبسه بفقد الرداء خاصة كما هو مفاد غير واحد من النصوص ، وصريح الدروس وغيرها ، خلافا لما عساه يظهر من المصنف من اعتبار فقدهما ، بل في كشف اللثام أنه نص كثير منهم ومن الأخبار ، قال : وزادت الاضطرار إلا ما سمعته من خبري عمر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٤.

(٤) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٥١ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٣ ووسطه في الباب ٣٦ منها الحديث ٤ وذيله في الباب ـ ٤٤ ـ منها الحديث ٥.

(٥) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٥١ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٥ وذيله في الباب ـ ٤٤ ـ منها الحديث ٧.

٢٤٧

ابن يزيد ومحمد بن مسلم ، فليس فيهما اضطرار ولا فقد غير الرداء ، ووافقهما الشهيد وهو غير بعيد على القول بوجوب لبس الثوبين مع الإمكان ، مع احتمال أن لا يكون الواجب إلا الثوبين المعهودين ، وهما غير المخيطين ، إذ لو سلم الاتفاق فعليهما ، والأحوط عندي التجنب لغير ضرورة ، ومنها أن لا يكون له ثوب أو إلا رداء لا يمكنه الاتزار به ، فيتزر إما بقباء أو سراويل أو نحوهما ، فهذه المسألة وما يأتي من فقد الإزار مسألة واحدة ، ولعله غير مخالف لما قلناه ، نعم قد يظهر من بعض النصوص الاكتفاء به عن الثوبين إذا لم يكن غيره ، وعلى كل حال فالأقوى ما عرفت ، بل في المسالك الاكتفاء في جواز لبسه بفقد أحدهما ، ومقتضاه جواز لبسه مع فقد الإزار خاصة ، ولا يخلو من تأمل ، اللهم إلا ان يريد الاتزار بالرداء حينئذ ، ولبس القباء عوضا عنه ، أو ما سمعته من كشف اللثام من الاتزار بالقباء ، ولكن فيه انه خلاف المستفاد من النصوص المزبورة إلا مع دعوى استفادة ذلك من نصوص السراويل (١) بناء على أنها مثال لمطلق المخيط مع فقد الإزار ، وهو لا يخلو من وجه.

وكيف كان فالتحقيق جواز لبس القباء مع فقد الرداء ، بل الظاهر وجوبه حينئذ كما صرح به في المسالك وغيرها عملا بظاهر الأمر هنا ، مضافا إلى الأمر بلبس الثوبين اللذين هذا بدل أحدهما ، ويمكن حمل الجواز في المتن على ما يشمل الوجوب ، كما أن المراد بالاضطرار حينئذ ما يشمل عدم وجود ثوب غيره أو الحاجة ونحوه ، فاحتاج إلى لبسه ولو مع الإضافة إلى رداء الإحرام.

ثم إن المحكي عن ابن إدريس التصريح بأن المراد من النكس جعل الذيل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ و ٥٠ ـ من أبواب تروك الإحرام.

٢٤٨

على الكتفين ، وتبعه الشهيد والفاضل في القواعد ، ويحتمله تعبير جماعة باللبس مقلوبا ، ويشهد له مضافا إلى بعده عن صدق اسم اللبس بعض (١) الأخبار السابقة وعن آخر تفسيره بجعل الباطن ظاهرا ، ويشهد له بعض آخر (٢) من النصوص ، ولعله لذا اكتفى الفاضل بكل من الأمرين جمعا بينها بالتخيير كما عن ابن سعيد ، ولعل الأولى منه الجمع بين الأمرين لعدم المنافاة ، بل يمكن حمل عبارة المتن عليه ، ولم أجد من صرح بوجوبه ، بل في المسالك الإجماع على الاجتزاء بالأول ، ومقتضاه عدم قائل بتعيين الهيئة الأخرى ، بل قد يناقش فيما ذكروه من الجمع بأن ظاهر بعض (٣) ما دل عليه ولو بقرينة‌ قوله عليه‌السلام : « ولا يدخل يده في يده » إرادة عدم النكس الذي لا يحتاج معه إلى النهي عن ذلك ، فيكون الهيئتان حينئذ متنافيتين ، ولهذا جمع بينهما بالتخيير ، اللهم إلا ان يراد من النهي المزبور بيان حكم نفسه لا حكم المقلوب على الهيئة المزبورة ، وعلى كل حال فلا إشكال في إجزاء الجمع بل والنكس خاصة بناء على ما سمعته من الإجماع المزبور.

ثم إن الظاهر عدم الفدية مع اللبس على الوجه المزبور كما صرح به غير واحد منهم الفاضل في محكي التذكرة والمنتهى والتحرير ، بل عن الشيخ نفي الخلاف فيه إذا توشح به ، ولعل الأمر بالقلب والنكس والنهي عن إدخال اليدين لذلك ، نعم هي عليه لو لبسه لا على الوجه المزبور ، بل لو أدخل يديه في يديه كان عليه ذلك وإن كان مقلوبا ، هذا ، وفي المسالك المشهور اختصاص الحكم بالقباء ، وفي‌ رواية عمر بن يزيد (٤) عن الصادق عليه‌السلام « إن لم يكن معه رداء طرح قميصه على عنقه أو قباءه بعد أن ينكسه » واختاره في الدروس قلت : وهو الأقوى حملا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

٢٤٩

لما في النص من القباء على المثال ، ومنه يظهر قوة ما سمعته من كشف اللثام.

ثم إن صريح النص والفتوى ستر الكتفين به نحو الرداء ، لكن في محكي الخلاف يتوشح به ولا يدخل كتفيه ، للاحتياط ، خلافا لأبي حنيفة ، ولا اعرف مستنده ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، والله العالم.

وأما أحكامه فمسائل : المسألة الأولى لا يجوز لمن أحرم بنسك أن ينشئ إحراما آخر بمثله أو بغيره حتى يكمل أفعال ما أحرم له بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى النصوص (١) المشتملة على كيفية حج التمتع المصرحة بأن إهلال الحج بعد التقصير المحلل لإحرام العمرة ، وإلى الأمر بإتمام العمرة والحج الظاهر في عدم جواز ما يقع قبل الإتمام ، بل وصحته ، وحينئذ فلو أحرم قبل السعي عامدا أو قبل إكماله للعمرة كان مشرعا ، وإحرامه الثاني باطلا ، ويجب عليه إكمال العمرة ، بل وكذا لو كان ناسيا وإن لم يكن آثما.

ف أما لو أحرم متمتعا ودخل مكة وأحرم بالحج قبل التقصير ناسيا لم يكن عليه شي‌ء من دم أو قضاء التقصير أو غير ذلك ، وكانت عمرته صحيحة وإحرامه للحج صحيحا بلا خلاف محقق أجده في صحتهما كما اعترف به غير واحد بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه ، بل هو صريح الفاضل في محكي المختلف على تمامية العمرة ، مع انه حكي فيه وفي محكي التحرير والمنتهى قولا لبعض الأصحاب ببطلان الإحرام الثاني ، والبقاء على الإحرام الأول ، قال في الأول : لو أخل بالتقصير ساهيا وأدخل إحرام الحج على العمرة سهوا لم يكن عليه إعادة الإحرام وتمت عمرته إجماعا وصح إحرامه ، ثم نقل الخلاف في وجوب الدم خاصة.

وعلى كل حال فهو الحجة مضافا إلى المعتبرة المستفيضة المعتضدة بما سمعت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج.

٢٥٠

كصحيح ابن سنان (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل متمتع نسي أن يقصر حتى أحرم بالحج قال : يستغفر الله ولا شي‌ء عليه وتمت عمرته » وصحيح ابن الحجاج (٢) « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فدخل مكة فطاف وسعى ولبس ثيابه وأحل ونسي أن يقصر حتى خرج إلى عرفات ، قال : لا بأس به يبني على العمرة وطوافها ، وطواف الحج على أثره » وصحيح معاوية بن عمار (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أهل بالعمرة ونسي أن يقصر حتى دخل بالحج قال : يستغفر الله تعالى ولا شي‌ء عليه وتمت عمرته » إلى غير ذلك من النصوص التي لا معارض لها سوى خبر أبي بصير (٤) الآتي القاصر عن المعارضة من وجوه ، فيحمل على صورة العمد أو يطرح.

ولكن قيل والقائل الشيخ وبنو زهرة والبراج وحمزة والفاضل في الإرشاد على ما حكي عن بعضهم عليه دم لموثق إسحاق بن عمار (٥) « قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : الرجل يتمتع فينسى أن يقصر حتى يهل بالحج قال : عليه دم يهريقه » الذي يخص به ما في الصحاح السابقة بناء على حجيته ولكن حمله على الاستحباب أظهر كما عن الصدوق والحلي والديلمي وأكثر المتأخرين ، بل هو المشهور بينهم ، فيرجح حينئذ على مجاز التخصيص ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١ وليس فيه‌ « ولا شي‌ء عليه وتمت عمرته » كما ليس ذلك في الكافي ج ٤ ص ٤٤٠ الطبع الحديث وكذلك الفقيه ج ٢ ص ٢٣٧ ـ الرقم ١١٢٩ والاستبصار ج ٢ ص ١٧٥ الرقم ٥٧٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٦.

٢٥١

خصوصا بعد شدة ظهور تلك الصحاح في عدم وجوب شي‌ء عليه ، إلا أنه مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط ، كما لا ينبغي تركه في كون الدم شاة كما عن الغنية والمهذب والإشارة وإن كان الخبر مطلقا ، بل عن ابن حمزة إدراجه فيما فيه دم مطلقا ، اللهم إلا أن يدعى انصرافه فيه وفي الفتاوى إلى الشاة.

هذا كله مع النسيان وان فعل ذلك عامدا قيل والقائل الشيخ وابنا حمزة وسعيد والفاضل في جملة من كتبه ، بل في الدروس والمسالك نسبته إلى الشهرة بطلت عمرته وصارت حجته مبتولة‌ لموثق أبي بصير (١) بل في المنتهى والمختلف والمسالك والروضة صحيحه عن أبي عبد الله عليه‌السلام « المتمتع إذا طاف وسعى ثم لبى قبل أن يقصر فليس له أن يقصر ، وليس له متعة » وخبر محمد بن سنان عن العلاء بن الفضيل (٢) « سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهل بالحج قبل ان يقصر قال : بطلت متعته ، وهي حجة مبتولة ».

وقيل والقائل ابن إدريس والفاضل في التلخيص والشهيد في الدروس : يبقى على إحرامه الأول وكان الثاني باطلا للنهي عنه المقتضي لفساده ، ضرورة عدم جواز إدخال الحج على العمرة قبل إتمام مناسكها والتقصير منها على الأصح ، لظهور النصوص (٣) المتضمنة بيان كيفية العمرة في ان التقصير منها بل هو من معقد إجماع المنتهى فعل من أفعال العمرة ، بل هو أيضا ظاهر غيره ، فما في المسالك من خروجه عنها وكونه محللا واضح الضعف ، فان حصول التحليل به لا ينافي كونه من أفعالها مثل التسليم في الصلاة على الأصح ، وحينئذ فالإحرام قبله كالإحرام قبل السعي من أفعالها منهي عنه أو غير مأمور به ، على أنه لو كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ وغيره من أبواب التقصير.

٢٥٢

الإحرام صحيحا باعتبار كون التقصير خارجا عن العمرة لاتجه حينئذ صحة العمرة لا بطلانها وصيرورة الحج مبتولا كما هو مقتضى النص والفتوى ، فلا محيص حينئذ عن القول ببطلان الإحرام ، مضافا إلى وقوع خلاف ما نواه ان نوى حج التمتع وعدم صلاحية الزمان ان ادخل غيره ، والخبران قاصران عن إثبات حكم مخالف للأصل مع عدم الصراحة ، لاحتمال الحمل على متمتع عدل عن الافراد ثم لبى بعد ما سعى كما في الدروس ، بل قال : لأنه روي التصريح بذلك في رواية أخرى ، ولعله أراد‌ الموثق (١) « رجل يفرد بالحج فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ثم يبدو له أن يجعلها عمرة فقال : إن كان لبى بعد ما سعى قبل أن يقصر فلا متعة له » الذي مر في مسألة جواز الطواف للمفرد والقارن قبل المضي إلى عرفات.

ولكن ذلك جميعه كما ترى ، ولذا كان ظاهر المصنف الميل إلى غيره بقوله : والأول هو المروي ضرورة كون الخبر من الموثق أو الصحيح الصالح للخروج به عن الأصل بناء على أن التقصير من أجزاء العمرة ، وإلا فبناء على خروجه عنها وانه محلل كما في المسالك يمنع مخالفته حينئذ للأصل ، لعدم كونه حينئذ إدخالا للحج على العمرة ، اللهم إلا ان يقال إن ظاهر الأدلة وقوع الحج بعد التقصير وإن قلنا بخروجه عن العمرة ، وعلى كل حال فالخبر المزبور صالح للخروج به عن ذلك كله ، خصوصا بعد الاعتضاد بالشهرة والخبر الآخر ، وبعد احتمال الحمل المزبور أو فساده ، ضرورة كون مفروض المسألة في المتمتع الذي هو حقيقة في المتلبس بالمبدإ أو الأعم منه والماضي ، والعادل عن الافراد إلى التمتع متمتع مجازا ، فالمتجه العمل به ، ولكن في الاجتزاء به عن فرضه الذي هو التمتع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١.

٢٥٣

إشكال باعتبار أنه عدول اختياري ولم يأت بالمأمور به على وجهه ، ولذا كان خيرة ثاني الشهيدين وسبطه العدم وان احتملا الإجزاء أيضا ، لخلو الخبر الوارد في مقام الحاجة عن الأمر بالإعادة ، ولا ريب في أن الأول أحوط إن لم يكن أقوى.

والجاهل كالعامد للإطلاق المقيد بخصوص الناسي لما عرفت ، نعم الظاهر قصر الحكم المزبور على خصوص مضمون الخبر ، أما غيره فيبقى على مقتضى الأصل الذي سمعته من الحلي.

بقي شي‌ء وهو أن الخبرين المزبورين لم يتعرضا لاستئناف إحرام جديد لحج الإفراد ، إذ الاجتزاء بالإحرام المزبور بعد ان لم يكن مأمورا به بل منهيا عنه باعتبار إدخاله على العمرة لا وجه له ، كالاجتزاء بإحرام العمرة الذي كان منويا به غيره ، مع‌ قوله عليه‌السلام فيهما : « بطلت متعته » المراد به بطلان عمرة تمتعه التي من أفعالها الإحرام ، إلا اني لم أجد تصريحا بتجديد الإحرام لحج الافراد من ميقاته في مفروض المسألة ، نعم في الذخيرة بعد ذكر الخبرين قال : ومقتضاهما بطلان المتعة ، وليس فيهما خصوصا المعتبرة منهما تصريح بعدم الحاجة إلى تجديد الإحرام كما هو مذهب الجماعة ، وكيف كان فلعل عدم تجديد الإحرام لظهور الخبرين ـ ولو من جهة قوله عليه‌السلام : « مبتولة » والخلو عن ذكره في مقام البيان وغير ذلك ـ في انقلاب فعله إلى حج الافراد وإن كان ذلك باختياره بل وإثم فيه إلا أنه كالانقلاب القهري الذي يجتزى فيه بالإحرام الأول ، ودليل ذلك الخبران ففيهما حينئذ مخالفة للأصول من هذه الجهة أيضا ، والله العالم.

المسألة الثانية قد تقدم الكلام مفصلا في أنه لو نوى الافراد ثم دخل مكة جاز أن يطوف واجبا للحج ويسعى ويقصر ويجعلها عمرة ف يتمتع بها ما لم يلب ، فان لبى انعقد إحرامه وليس له العدول حينئذ‌

٢٥٤

وقيل كما عن ابن إدريس لا اعتبار بالتلبية ، وانما هو بالقصد فلاحظ وتأمل.

بل وتقدم أيضا الكلام في المسألة الثالثة وهي إذا أحرم الولي بالصبي جرده من فخ على معنى أنه يحرم به من الميقات ، ولكن لا يجرده عن المخيط إلا من فخ ، أو أنه لا يحرم به إلا من فخ كما تقدم تحقيق ذلك ، ولعل ظاهر المصنف هنا الأول ، ولكن مقتضى قوله وفعل به ما يجب على المحرم وجنبه ما يتجنبه عدم الاقتصار على نزع المخيط ، بل غيره من تروك المحرم ، ولم أجد به تصريحا لأحد ، بل مقتضى‌ صحيح معاوية بن عمار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ « انظروا إلى من كان معكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة ، أو الى بطن مر ويصنع به ما يصنع بالمحرم ويطاف به ويرمى عنهم ، ومن لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه » وصحيح زرارة (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « إذا حج الرجل بابنه وهو صغير فإنه يأمره أن يلبي ويفرض الحج ، فان لم يحسن أن يلبي لبوا عنه ويطاف به ويصلي عنه ، قلت : ليس لهم ما يذبحون عنه قال : يذبح عن الصغار ويصوم الكبار ، ويتقى ما يتقى المحرم من الثياب والطيب ، فان قتل صيدا فعلى أبيه » ـ خلافه ، فالمتجه الاقتصار على خصوص نزع المخيط مع الإحرام بهم من الميقات دون غيره من تروك المحرم ، نعم لو قلنا إن ابتداء الإحرام بهم من فخ لم يكن إشكال حينئذ في جريان حكم الإحرام حينئذ منه ، كما هو واضح.

وكيف كان ف لو فعل الصبي ما تجب به الكفارة أو الفداء على المكلف لزم ذلك الولي في ماله كما في القواعد ومحكي الكافي والنهاية ، بل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٥.

٢٥٥

قيل والتهذيب وإن كان لا صراحة بل ولا ظهور في عبارته ، لعدم خطاب الصبي بالاجتناب ، خصوصا غير المميز منه ، وانما الواجب على الولي أن يجنبه ، فهو غرم أدخله هو عليه بالإحرام به كالنفقة الزائدة ، ولصحيح زرارة (١) السابق ، لكن فيه قتل الصيد خاصة ، مع أن ظاهر المصنف والفاضل في الإرشاد وغيرهما عدم الفرق بين ما يوجب الكفارة عمدا وسهوا كالصيد وما في معناه وما يوجب الكفارة عمدا لا سهوا ، إلا أن المحكي عن الشيخ وأكثر الأصحاب كما في المدارك والذخيرة اختصاص الحكم بالأول ، قال في المدارك : اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع النص ، وهو الصيد ، أي وما في معناه مما يوجبها عمدا وسهوا ، إذ لا قائل بالوجوب فيه خاصة ، بل لعل الإجماع المركب على خلافه ، فيختص الوجوب بما يوجبها عمدا وسهوا دون ما لا يوجبها إلا عمدا ، للقاعدة المزبورة التي لا يعارضها كون الولي المخاطب ، فان ذلك لا يوجب الكفارة عليه بعد الأصل ، وعدم تناول دليلها له كما اختاره في المدارك ، ولكن قد ناقشناه سابقا بأن الولي هو السبب شرعا في ترتب ذلك ، وكون عمد الصبي خطأ انما هو في الديات ، وخطاب الكفارات والفداء أشبه شي‌ء بخطاب الأسباب ، وبظهور كون الصيد على الأب والذبح عليه والصوم عليه وغير ذلك مما عساه يظهر منه ترتب هذه الأحكام للإحرام عليه دون الصبي ، خصوصا غير المميز.

وبذلك كله يظهر لك شدة ضعف ما عن ابن إدريس من عدم الوجوب مطلقا ، لأن عمد الصبي خطأ ، فلا يجب عليه ما يعتبر العمد في وجوبه ، كما أن قاعدة الاقتصار تقتضي عدم وجوبها أيضا فيما يجب على العامد والناسي ، لأن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٥.

٢٥٦

الوجوب على الناسي على خلاف الأصل ، وانما وجب هنا بالنص والإجماع ، والخطاب الشرعي انما يتوجه على المكلفين ، خصوصا دعوى أن عمده خطأ حتى في المقام ، ضرورة كون المسلم منه ما في الديات.

وبذلك ظهر لك أن الأقوال ثلاثة ، قيل والرابع والخامس التفصيل بإيجاب الفداء في مال المولى عليه ، لأنه مال وجب بجنايته ، كما لو أتلف مال غيره ، وهو خيرة التذكرة ، ومحتمل المبسوط ، والكفارة على الولي ، ولا يجب على أحد والتردد فيهما محكي عن صريح المبسوط وظاهر التذكرة ، ولا يخفى عليك ما فيهما بعد الإحاطة بما ذكرناه خصوصا في الصيد ، فالتحقيق حينئذ ما هو ظاهر المصنف من ترتب الكفارة والفداء على الولي مطلقا.

هذا كله فيهما ، وأما بالنسبة إلى غيرهما كما لو عقد له على امرأة كان باطلا بل عن المختلف إن جامعها حرمت عليه ، ولو جامع في الفرج عمدا قبل الوقوف بعرفات ففي القواعد وجب عليه دون الولي ، بل لعله لا خلاف في عدم وجوبه على الولي للأصل وغيره ، وأما الوجوب عليه فلعله لعموم دليله ، لكن المحكي عن المبسوط والخلاف والسرائر والجواهر العدم ، أفسد به الحج لتعمده الجماع كما عن الجواهر نافيا للخلاف فيه ، أو لا لكون عمده خطأ ، ولأن الخطاب انما يتوجه إلى المكلف ، ودعوى أن ذلك من باب الأسباب فيخاطب به بعد بلوغه لا حال صباه وكذا المجنون متوقفة على الدليل ، وعليه ففي وجوب مئونة القضاء على الولي نظر ، أقربه الوجوب عند الشهيد قدس‌سره ، ولعله لأنه السبب في وجوبه عليه ، وفيه أنه حين القضاء كامل وجب عليه كحجة الإسلام ، والمباشر أقوى من السبب ، ولذا وجب عليه في صورة البذل دون من بذل.

وكيف كان فإذا قضى لم يجزه القضاء عن حجة الإسلام ، فتجب حينئذ عليه إلا إذا كان قد كمل في الفاسد قبل المشعر ، بناء على أنه كالمندوب الذي قد‌

٢٥٧

عرفت البحث فيه ، ولو وجب القضاء وحج الإسلام أخر القضاء وإن تقدم ، بل قيل : لو نواه بطل وانصرف إلى حجة الإسلام ؛ بل لو جوزنا القضاء له في الصغر فشرع فيه وبلغ قبل الوقوف انصرف إلى حجة الإسلام ، فتأمل ، وقد تقدم جملة من الكلام في هذه المسائل وغيرها ، فلاحظ وتأمل.

وكلما يعجز عنه الصبي يتولاه الولي من تلبية وطواف وسعي وغير ذلك لما سمعته من النص ، مضافا إلى‌ صحيح ابن الحجاج (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام وكنا تلك السنة مجاورين وأردنا الإحرام يوم التروية فقلت : إن معنا مولودا صبيا فقال : مروا أمه فلتأت حميدة فلتسألها كيف تفعل بصبيانها ، قال : فأتتها فسألتها فقالت لها : إذا كان يوم التروية فجردوه وغسلوه كما يجرد المحرم ، ثم أحرموا عنه ثم قفوا به في المواقف ، وإذا كان يوم النحر فارموا عنه واحلقوا رأسه ، ثم زوروا به البيت ، ثم مروا الخادم أن يطوف به بالبيت وبين الصفا والمروة ، وإذا لم يكن الهدي فليصم عنه وليه إذا كان متمتعا » وغيره من النصوص.

ويجب على الولي الهدي من ماله أيضا لأنه كالنفقة الزائدة ، أو الصوم عنه إذا لم يجده كما سمعته في صحيح معاوية (٢) وفي‌ خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (٣) عن الصادق عليه‌السلام « يصوم عن الصبي وليه إذا لم يجد هديا وكان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١ عن الكافي مع الاختلاف اليسير في الألفاظ إلا أنه لم يذكر صدر الحديث في الوسائل وقد ذكره في التهذيب ج ٥ ص ٤١٠ الرقم ١٤٢٥ ومن قوله : « وإذا لم يكن الهدي » إلى آخره ليس من تتمة الحديث وإنما هو من كلام الشيخ ( قده ).

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١ ـ ٢ من كتاب الحج.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١ ـ ٢ من كتاب الحج.

٢٥٨

متمتعا » كقول الباقر عليه‌السلام في خبر عبد الرحمن بن أعين (١) : « الصبي يصوم عنه وليه إذا لم يجد هديا » وفي خبره الآخر (٢) « تمتعنا فأحرمنا ومعنا صبيان فأحرموا ولبوا كما لبينا ، ولم نقدر على الغنم قال : فليصم عن كل صبي وليه » وفي موثق إسحاق (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن غلمان لنا دخلوا معنا بعمرة وخرجوا معنا إلى عرفات بغير إحرام قال : قل لهم : يغتسلون ثم يحرمون ، واذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم » بناء على إرادة الصبيان من الغلمان ، وقد سمعت ما في صحيح زرارة (٤) السابق المراد من الكبار فيه على ما صرح به غير واحد المميزون ، ومنه يستفاد الاجتزاء بصوم المميز منهم.

ولعله إليه أشار المصنف بقوله وروي إذا كان الصبي مميزا جاز أمره بالصيام عن الهدي ، ولو لم يقدر على الصيام صام عنه وليه مع العجز عن الهدي بضميمة ما في غيره من النصوص من صيام الولي عنه ، وإلا فهو ليس كما ذكره ، بل لم نعثر على خبر بالمضمون المزبور ، نعم استدل له بعضهم على ذلك أيضا بموثق سماعة (٥) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن رجل أمر غلمانه أن يتمتعوا قال : عليه أن يضحي عنهم ، قلت : فإنه أعطاهم دراهم فبعضهم ضحى وبعضهم أمسك الدراهم وصام قال : قد أجزأ عنهم ، وهو بالخيار إن شاء تركها ، قال : ولو أنه أمرهم فصاموا أجزأ عنهم » وفيه أن الظاهر إرادة المماليك من الغلمان فيه ، على أنه ليس تمام المضمون المزبور ، بل قد يناقش في إرادة المميزين من الكبار في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥ ـ ٤ من كتاب الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥ ـ ٤ من كتاب الحج.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٨ من كتاب الحج.

٢٥٩

الخبر المزبور ، فيتعين على الولي الذبح أو الصوم إذا لم يجد ، ولو سلم فالمتجه التخيير جمعا بعد عدم تحققنا ما أرسله المصنف فيما وصل إلينا من النصوص من ترتب صوم الولي على عجز الصبي عن الصوم ، بل مقتضى إطلاق الأمر في صحيحي معاوية (١) وابن الحجاج (٢) وغيرهما خلافه ، ولعله لذا في كشف اللثام بعد أن ذكر وجوب الهدي على الولي من ماله قال : فان فقده صام أو أمر الصبي بالصوم ، وقد نطقت الأخبار بجميع ذلك وإن كنا لم نتحقق غير ما عرفت ، فالأولى والأحوط ذبح الولي ، فان لم يجد صام من غير فرق بين المميز وغيره ، وأما ما عساه يظهر من صحيح معاوية من اعتبار عدم وجدان الصبي الهدي في صوم الولي فلم نجد به قائلا ، بل ظاهر الأصحاب على خلافه ، فيجب حمله على إرادة معنى « عنهم » من قوله : « منهم » فيه ، والله العالم.

المسألة الرابعة إذا اشترط في إحرامه أن يحله حيث حبسه ثم أحصر تحلل بلا إشكال ولا خلاف نصا وفتوى ولكن الكلام في أنه هل يسقط الهدي؟ قيل والقائل المرتضى والحلي والحلبي ويحيى بن سعيد والفاضل في حصر التحرير والتذكرة والمنتهى وصد القواعد على ما حكي عن بعضهم : نعم يحل بمجرد الإحصار من غير أن يحتاج إلى الهدي ، وهو حينئذ فائدة الشرط ، بل في انتصار الأول منهم الإجماع عليه ، بل قال فيه : لا فائدة لهذا الشرط إلا ذلك ، وإطلاق الآية (٣) محمول على من لم يشترط ، وهو الحجة بعد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٤١٠ الرقم ١٤٢٥ وقد تقدمت الإشارة إلى أن الذيل الدال على وجوب الصوم من كلام الشيخ ( قده ) وليس من تتمة الحديث.

(٣) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

٢٦٠