جواهر الكلام - ج ١٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

في خصوص اخبار البيداء بإرادة تأخير الجهر بها لا أصل التلفظ بها ولو بقرينة ما دل من النصوص (١) على عدم تجاوز الميقات إلا محرما كما جزم به الفاضل في المنتهى في الجمع بينهما ، إذ الفرض أن بين البيداء وذي الحليفة الذي هو الميقات ميلا ، بل في‌ صحيح عمر بن يزيد (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إن كنت ماشيا فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد ، وإن كنت راكبا فإذا علت راحلتك البيداء » بل الشيخ قد جعله شاهد جمع بين النصوص على التفصيل بين الماشي والراكب ، فيستحب للأول التلبية من المسجد ، والثاني من البيداء ، وإن كان فيه ان ذلك بالنسبة إلى الإظهار لا أصل التلبية ، لما فيه من المحذور السابق.

ومن الغريب ان بعض المحدثين مال إلى وجوب تأخير التلبية إلى البيداء في هذا الميقات عملا بالأوامر المزبورة ، ولم أعرفه قولا لأحد ، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه ، مضافا إلى بعض النصوص (٣) المصرحة بالتلبية من المسجد ، وظاهر الكليني المفروغية من ذلك ، وأغرب منه جمعه بينها وبين ما دل على عدم تجاوز الميقات إلا محرما بأن المراد من الأخير عدم التهيؤ له والنية وقول ما يقوله المحرم ونحو ذلك مما لا بعد في إطلاق اسم المحرم عليه ، إذ هو كما ترى يقتضي جواز تأخير التلبية عن المواقيت أجمع مع التهيؤ فيها ، ويمكن تحصيل الإجماع على خلافه إن لم تكن الضرورة ، ولو انه قصر الاحتمال المزبور على خصوص هذا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت والباب ـ ١ ـ منها الحديث ٢ و ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١ والباب ٣٥ منها ـ الحديث ٢ والباب ٤٠ منها ـ الحديث ٣.

٢٢١

الميقات لمكان النصوص المزبورة لكان له وجه في الجملة ، وإن كان هو أيضا مخالفا لظاهر الأصحاب بل صريحهم ، فليس إلا ما ذكرناه من الوجه المزبور ، وهو وإن كان ينافي الاستدلال بها حينئذ على عدم اعتبار المقارنة إلا ان الدليل غير منحصر بها كما عرفت.

وعلى كل حال فما في اللمعة والتنقيح ومحكي السرائر وغيرها ـ من اعتبار المقارنة نحوها في تكبيرة الإحرام للصلاة ، بل حكي عن ابني حمزة وسعيد وإن كنا لم نتحققه ، لقول الأول منهما : « إذا نوى ولم يلب أو لبي ولم ينو لم يصح الإحرام » والثاني « انه يصير محرما بالنية والتلبية أو ما قام مقامها » وليس في شي‌ء منهما اعتبار المقارنة ـ واضح الضعف وإن استدل له بقاعدة الشغل المعلوم فسادها في محلها ، مضافا إلى ما سمعته من الأدلة في خصوص المقام ، وبنصوص عدم تجاوز الميقات إلا محرما التي من الواضح عدم دلالتها ، ضرورة عدم اقتضاء ذلك المقارنة المزبورة ، فإن التراخي بينهما في الميقات واضح التصور ، ومن الغريب أن بعض الأفاضل بعد ان ذكر القولين جعل أدلة الطرفين نصوص البيداء ونصوص عدم تجاوز الميقات إلا محرما ، ثم ذكر الجمع بينها بوجهين : أحدهما ما ذكرناه من الإجهار ، ورده بأنه لا يتم في خبر الخبيص ونحوه منها ، والثاني ما سمعته من الشيخ في التهذيب ثم مال اليه ، وهو من غرائب الكلام ، لما عرفته من عدم دلالة نصوص عدم تأخير الإحرام عن الميقات على المقارنة المزبورة ، كعدم مدخلية خبر الخبيص في ذلك ، إذ ليس فيه إلا جواز فعل المنافي قبل التلبية ولو في الميقات ، وأغرب من ذلك ميلة إلى الجمع بما سمعته من الشيخ الذي يمكن دعوى الضرورة على خلافه كما أوضحناه سابقا ، فالمسألة حينئذ بحمد الله خالية من الاشكال وان أكثر فيها بعض الناس الكلام ، على ان ذلك واضح الثمرة بناء على ان النية هي الاخطار ، اما بناء على الداعي كما هو التحقيق فلا ثمرة غالبا ، ضرورة‌

٢٢٢

عدم انفكاكه عن التلبية المقصود بها عقد الإحرام ، هذا.

وفي الروضة « قد أوجب المصنف رحمه‌الله وغيره النية للتلبية أيضا ، وجعلوها متقدمة على التقرب بنية الإحرام بحيث يجمع النيتين جملة ليتحقق المقارنة بينهما كتكبيرة الإحرام لنية الصلاة ، وانما وجبت النية للتلبية دون التحريمة ، لأن أفعال الصلاة متصلة حسا وشرعا ، فتكفي نية واحدة للجملة كغير التحريمة من الأجزاء ، بخلاف التلبية فإنها من جملة أفعال الحج ، وهي منفصلة شرعا وحسا فلا بد لكل واحد من نية ، وعلى هذا فكان إفراد التلبية عن الإحرام وجعلها من جملة الأفعال أولى كما صنع في غيره ، وبعض الأصحاب جعل نية التلبية عين نية الإحرام وإن حصل بها فصل » ولا يخفى عليك خلو هذا الكلام عن التحصيل بل هو خلاف ظاهر النص والفتوى ، ضرورة اقتصارهما في بيان كيفية الإحرام على ذكر نيته وأن يقول : لبيك ولبس الثوبين ، وإن كان هو سهلا على الداعي ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بفعل جميع ذلك.

وكيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا انه لا ينعقد إحرام المتمتع والمفرد إلا بالتلبية أو بالإشارة للأخرس مع عقد قلبه بها كما هو المشهور ، لقول أبي عبد الله عليه‌السلام في خبر السكوني (١) المنجبر بالعمل « إن عليا عليه‌السلام قال : تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه » ولعل عدم ذكر عقد القلب فيه كما عن الأكثر للاكتفاء عنه بالإشارة بالإصبع التي لا يتحقق مسماها بدونه ، بل الظاهر كون المراد منه بيان انها منه على حسب ما يبرز غيرها من مقاصده كما أوضحناه في كتاب الصلاة ، ولذا تركها أبو علي فاقتصر على عقد القلب ، قال فيما حكي عنه : « يجزيه تحريك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

٢٢٣

لسانه مع عقده إياها بقلبه ـ ثم قال ـ : ويلبي عن الصبي والأخرس والمغمى عليه » واستدل له بخبر زرارة (١) « ان رجلا قدم حاجا لا يحسن ان يلبي فاستفتي له أبو عبد الله عليه‌السلام فأمر ان يلبي عنه » مؤيدا بقبول أفعال الحج والعمرة النيابة ، وفهم منه في كشف اللثام وجوب الأمرين ، قال : « ولا ينافيه قوله أولا « يجزيه » إذ لعل المراد إجزاؤه عما يلزمه مباشرته من تحريك اللسان ونحوه ، فلا مخالفة حينئذ بين الخبر (٢) المعمول به بين الأصحاب وبين خبر زرارة » ولا يخفى عليك ما فيه ، ضرورة إمكان دعوى القطع بكون المراد من النص والفتوى اجتزاء الأخرس بالإشارة كما في غير المقام من غير حاجة إلى استنابة ، لأن إشارته قائمة مقام النطق من غيره كما هو واضح ، نعم قد يقال بمشروعية النيابة عنه إذا فرض خرسه على وجه يتعذر عليه الإشارة ، لعدم فهم معناها بالصمم ونحوه ، إذ هو حينئذ كالصبي ونحوه ممن لا تحصل منه الإشارة.

ولو تعذر على الأعجمي التلبية قال الشهيد : ففي ترجمتها نظر ، وروي (٣) أن غيره يلبي عنه ، وفي كشف اللثام « لا يبعد عندي وجوب الأمرين ، فالترجمة لكونها كاشارة الأخرس وأوضح ، والنيابة لمثل ما عرفت » وفيه ما تقدم سابقا فلا يبعد القول بوجوب ما استطاع منها ، وإلا اجتزى بالترجمة التي هي أولى من إشارة الأخرس ، ويحتمل الاستنابة عملا بخبر زرارة ، ولعله إلى ذلك أو إلى سقوطها عنه يرجع ما عن التذكرة والمنتهى من أنها لا تجوز بغير العربية مع القدرة ، خلافا لأبي حنيفة فأجازها بغيرها كتكبيرة الصلاة ، بل وإطلاق التحرير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الحلق والتقصير ـ الحديث ٣.

٢٢٤

عدم الجواز بغير العربية المعلوم تقييده بالقدرة ، وعن ابن سعيد من لم يتأت له التلبية لبي عنه غيره ، وهو يشمل الأخرس والأعجمي ، وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه ، والله العالم.

هذا كله في المتمتع والمفرد وأما القارن فهو بالخيار إن شاء عقد إحرامه بها ، وإن شاء قلد أو أشعر على الأظهر الأشهر ، بل المشهور ، للمعتبرة المستفيضة ، منها‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية بن عمار (١) : « يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية والاشعار والتقليد ، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم » وقوله عليه‌السلام أيضا في صحيح عمر بن يزيد (٢) : « من أشعر بدنته فقد أحرم وإن لم يتكلم بقليل ولا كثير » وقوله عليه‌السلام أيضا في صحيح معاوية الآخر (٣) : « تقلدها نعلا خلقا قد صليت فيها ، والاشعار والتقليد بمنزلة التلبية » وقوله عليه‌السلام أيضا في حسن معاوية أو صحيحه (٤) في قول الله عز وجل (٥) ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ ) : « الفرض التلبية والاشعار والتقليد ، فأي ذلك فعل فقد فرض الحج ، ولا يفرض الحج إلا في هذه الشهور » وقوله عليه‌السلام أيضا في خبر جميل (٦) : « وإذا كانت البدن كثيرة قام بين اثنين منها ثم أشعر اليمنى ثم اليسرى ، ولا يشعر أبدا حتى يتهيأ للإحرام لأنه إذا أشعر وقلد وجلل وجب عليه الإحرام ، وهو بمنزلة التلبية » ونحوه صحيح حريز (٧) إلى غير ذلك من النصوص ، فما عن السيد وابن إدريس ـ من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢.

(٥) سورة البقرة ـ الآية ١٩٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٧.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١٩.

٢٢٥

عدم الجواز إلا بالتلبية ، لأنها الفرد المتيقن بعد الاعراض عن النصوص المزبورة بناء على أصلهما المفروغ من فساده في محله ، خصوصا مثل المقام الذي يمكن فيه دعوى القطع بمضمون النصوص المزبورة ـ واضح الفساد ، بل المرتضى منهما غير محقق الخلاف ، وكذا ما عن الشيخ وابني حمزة والبراج من اشتراط الانعقاد بغيرها بالعجز عنها جمعا بين النصوص التي لا تعارض بينها ، كما هو واضح.

وكيف كان ففي القواعد وغيرها وبأيهما أي التلبية أو الاشعار والتقليد بدأ كان الآخر مستحبا ولكن قد اعترف غير واحد بعدم العثور على نص له ، وفيما حضرني من نسخة المدارك « ولعل إطلاق الأمر بكفاية كل من الثلاثة كاف في ذلك » وفيه انه لا يقتضي استحباب الآخر ، ولعل الأولى الاستدلال بعد التسامح بما دل على ان التلبية شعار المحرم (١) وأنها هي التي أجاب الناس بها نداء إبراهيم عليه‌السلام في أصلاب الرجال وأرحام النساء (٢) وما دل (٣) على أن الاشعار يغفر الله لفاعله بأول قطرة منه ، مضافا إلى ما تسمعه من النصوص التي يمكن استفادة الندب في جملة من الصور منها ، هذا ، وفي كشف اللثام بعد أن ذكر الندب عن الفاضلين قال : والأقوى الوجوب ، لإطلاق الأوامر والتأسي ، وهو ظاهر من قبلهما ، أما السيد وبنو حمزة وإدريس والبراج والشيخ في المبسوط والجمل فحالهم ظاهرة مما عرفت ، وفي المبسوط أيضا « ولا يجوز لهما يعني القارن والمفرد قطع التلبية إلا بعد الزوال من يوم عرفة » ونحوه في النهاية أيضا ، وفيها أيضا « فرائض الحج الإحرام من الميقات والتلبيات الأربع والطواف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١٥.

٢٢٦

بالبيت ، إن كان متمتعا ثلاثة أطواف : طواف للعمرة وطواف للزيارة وطواف للنساء ، وإن كان قارنا أو مفردا طوافان » وفي المقنعة والمراسم « فأما القران فهو أن يهل الحاج من الميقات » الى آخره ، والإهلال هو رفع الصوت بالتلبية إلا أن يريدا به الإحرام ، ثم انهما في باب صفة الإحرام ذكرا الدعاء الذي بعده النية وعقباها بالتلبيات ، ثم قالا : وإن كان يريد الاقران قال : « اللهم إني أريد الحج قارنا فسلم لي هديي وأعني على مناسكي ، أحرم لك جسدي » إلى آخره ، وظاهره دخول التلبيات ووجوبها ، ثم ذكر سلار مراسم الحج وانها فعل وترك وعدد الأفعال ، ثم قال : « وهذه الأفعال على ضربين واجب وندب ، فالواجب النية والمسير والإحرام ولبس ثيابه والطواف والسعي والتلبية وسياق الهدي للمقرن والمتمتع » وهو صريح في وجوب التلبية على الثلاثة ، وفيه ان ذلك كله لا يدل على أزيد من وجوب التلبية في نفسه الذي يمكن استفادته أيضا من إطلاق الأمر بها ، والمراد هنا عقد الإحرام بمعنى انه لا يجب عقده بالأخير بعد عقده بأحدهما فتأمل جيدا.

وفي‌ موثق يونس (١) الأمر بالتلبية بعد الاشعار ، قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قد اشتريت بدنة فكيف أصنع بها؟ فقال : انطلق حتى تأتي مسجد الشجرة فأفض عليك من الماء والبس ثوبيك ، ثم أنخها مستقبل القبلة ، ثم ادخل المسجد فصل ثم افرض بعد صلاتك ثم اخرج إليها فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها ، ثم قل : بسم الله اللهم منك ولك ، اللهم فتقبل مني ، ثم انطلق حتى تأتي البيداء فلبه » وفي صحيح معاوية بن عمار (٢) الأمر بالتقليد بعد الاشعار ، قال : « يشعرها من جانبها الأيمن ثم يقلدها بنعل قد صلى فيها » وفي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١٧.

٢٢٧

خبر السكوني (١) عن جعفر عليه‌السلام « سألته ما حال البدنة؟ فقال : تقلد وتشعر ، قال : أما النعل لتعرف أنها بدنة ويعرفها صاحبها بنعله ، وأما الاشعار فإنه يحرم ظهرها على صاحبها من حيث أشعرها ، فلا يستطيع الشيطان ان يمسها » وقال الفضل بن يسار (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل أحرم من الوقت ومضي ثم اشترى بعد ذلك بيوم أو يومين بدنة فأشعرها وقلدها ، فقال : إن كان ابتاعها قبل أن يدخل الحرم فلا بأس ، قلت : فإنه اشتراها قبل ان ينتهي إلى الوقت الذي يحرم منه فأشعرها وقلدها أيجب عليه حين فعل ذلك ما يجب على المحرم؟ قال : لا ولكن إذا انتهى إلى الوقت فليحرم ثم يشعرها ويقلدها ».

ثم إن « لبيك » نصب على المصدر ، وأصله لبا لك أي إقامة أو إخلاصا من لب بالمكان إذا أقام به ، أو من لب الشي‌ء وهو خالصة ، وثني تأكيدا أي إقامة بعد إقامة ، أو إخلاصا بعد إخلاص ، هذا بحسب الأصل وقد صار موضوعا للإجابة ، وهي هاهنا للنداء الذي أمر الله تعالى به إبراهيم عليه‌السلام بأن يؤذن في الناس بالحج فقيل : وأجابه من الناس من هو في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فجعله الله تعالى شعارا لهم ، ويجوز كسر « ان » على الاستئناف ، وفتحها بنزع الخافض ، وهو لام التعليل ، وفي الأول تعميم فكان أولى ، وأما الاشعار والتقليد فقد تقدم الكلام في كيفيتهما في محلهما ، فلاحظ وتأمل.

وكيف كان فقد اختلف كلام الأصحاب في صورتها اي التلبيات الأربع الواجبة ، ففي النافع وبعض نسخ المقنعة أن يقول لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ولعله ظاهر التحرير ومحكي المنتهى ، بل هو خيرة الكركي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢٢ مع الاختلاف.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١٣.

٢٢٨

وسيد المدارك والأصبهاني وغيرهم وقيل كما عن رسالة علي بن بابويه وبعض نسخ المقنعة والقديمين والأمالي والفقيه والمقنع والهداية وظاهر المختلف يضيف إلى ذلك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لما تسمعه من‌ صحيح معاوية ابن عمار (١) وصحيح عاصم بن حميد (٢) المروي عن قرب الاسناد للحميري « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما انتهى إلى البيداء حيث الميل قربت له ناقته فركبها ، فلما انبعثت به لبى بالأربع ، فقال : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، ثم قال : هاهنا يخسف بالأخابث ».

وقيل كما في القواعد والإرشاد والتبصرة ومحكي الجامع بل يقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك لبيك وكذا عن جمل السيد وشرحه والمبسوط والسرائر والكافي والغنية والوسيلة والمهذب لكن بتقديم « والملك » على « لك » وعن النهاية والإصباح ذكره بعده وقبله جميعا.

ولا ريب في أن الأول أظهر لقول الصادق عليه‌السلام في حسن معاوية بن عمار وصحيحه (٣) : « والتلبية ان تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك لبيك ذا المعارج لبيك ـ الى قوله ـ : واعلم انه لا بد لك من التلبيات الأربع التي كن أول الكلام وهي الفريضة ، وهي التوحيد ، وبها لبى المرسلون » فإنه انما أوجب التلبيات‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٦ مع الاختلاف.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

٢٢٩

الأربع ، وهي تتم بلفظ لبيك الرابع ، وفي‌ صحيح عمر بن يزيد (١) « إذا أحرمت من مسجد الشجرة فإن كنت ماشيا لبيت من مكانك من المسجد ، تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، لبيك ذا المعارج ، لبيك لبيك بحجة تمامها عليك ، وأجهر بها كلما ركبت ، وكلما نزلت ، وكلما هبطت واديا أو علوت أكمة أو لقيت راكبا وبالأسحار » بضميمة الإجماع السابق على عدم وجوب ما زاد على الأربعة ، ولعل مبنى القول الثاني جعل الإشارة بالتلبيات الأربع في حسن معاوية وصحيحه إلى ما قبل الخامسة ، وما سمعته من صحيح عاصم بن حميد (٢) مضافا إلى ما عن‌ الفقه المنسوب (٣) الى الرضا عليه‌السلام « ثم تلبي سرا بالتلبيات الأربع وهي المفترضات ، تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك لا شريك لك ، هذه الأربعة مفروضات » وإلى‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر الأعمش (٤) المروي عن الخصال « وفرائض الحج الإحرام والتلبيات الأربع ، وهي لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك » إلا ان ذلك كله لا يعارض صريح صحيح عمر بن يزيد (٥) المتقدم المعتضد بالأصل ، ولكن الاحتياط الإضافة إما كذلك كما في هذه النصوص وصحيح ابن سنان (٦) عن الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٦.

(٣) ذكر صدره في المستدرك في الباب ٢٣ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢ وقطعة منه في الباب ٢٧ منها ـ الحديث ٥ وتمامه في فقه الرضا عليه‌السلام ص ٢٧.

(٤) الخصال ـ ج ٢ ص ١٥٣ الطبع القديم.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٤.

٢٣٠

أو بتأخير « لبيك » الثالثة ، كما‌ قال عليه‌السلام في خبر يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن بشار عن أبويهما (١) عن الحسن العسكري عليه‌السلام « فنادى ربنا عز وجل يا أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأجابوه كلهم وهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم لبيك اللهم ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك لبيك ، قال : فجعل الله تعالى تلك الإجابة شعار الحج » ومرسل الصدوق (٢) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : « جاء جبرئيل عليه‌السلام الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : إن التلبية شعار المحرم ، فارفع صوتك بالتلبية لبيك اللهم لبيك » إلى آخر ما ذكر في ذلك الخبر.

وأما القول الثالث على كثرة القائل به ـ بل في الدروس انه أتم الصور وإن كان الأول مجزيا والإضافة إليه أحسن ـ فلم أظفر له بخبر كما اعترف به غير واحد لا من الصحيح ولا من غيره في الكتب الأربعة ولا في غيرها ، لا بتقديم « لك » على « الملك » ولا تأخيره ولا ذكره مرتين قبله وبعده ، ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط ، وفي الدروس انه يستحب فيها الطهارة والتتالي بغير تخلل كلام إلا ان يرد السلام والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند فراغها ، والدعاء بعدها ، ولا بأس به وإن لم يحضرني الآن من النص ما يفيد ذلك كله.

وعلى كل حال فقد ظهر لك مما ذكرنا سابقا من النصوص ومعاقد الإجماعات أنه لو عقد نية الإحرام ولبس ثوبيه ثم لم يلب وفعل ما لا يحل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٥ وفيه علي ابن محمد بن سيار إلا ان الموجود في الفقيه ج ٢ ص ٢١١ الرقم ٩٦٧ وعلل الشرائع ج ٢ ص ١٠٢ علي بن محمد بن يسار مع الاختلاف في لفظه أيضا.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

٢٣١

للمحرم فعله لم يلزمه بذلك كفارة إذا كان متمتعا أو مفردا لعدم انعقاد إحرامه وكذا لو كان قارنا ولم يشعر ولم يقلد بل ربما ظهر منها انه لا يجب عليه استئناف النية بعد ذلك كما هو مقتضى الأصل بل وإطلاق النص والفتوى ، فيكفي الإتيان بالتلبية من دون تجديد ، وحينئذ يكون المنوي عند عقد الإحرام اجتناب ما يجب على المحرم اجتنابه من حين التلبية نحو نية الصوم عن المفطرات من الفجر ، فلا يقدح فعل شي‌ء منها بعدها قبله ، لكن عن المرتضى وجوب الاستئناف ، ولعله لانتقاض الإحرام بفعل المنافي ، وربما دل عليه مرسل سويد (١) من النصوص السابقة ، وفيه ان فعل المنافي لا يقتضي النقض كما لو فعله بعد التلبية والخبر مع إرساله يمكن حمل النقض في سؤاله على ضرب من المجاز ، نعم لو أراد إبطال النية الأولى برفع اليد من أصل الإحرام بناء على ما ذكرناه من أن له ذلك قبل التلبية احتيج إلى تجديدها لانتقاضها.

ثم لا يخفى عليك ظهور عبارة المتن في عدم اعتبار مقارنة النية للتلبية كما عرفت تحقيقه فيما تقدم ، بل ولا لشد الإزار كما حكاه في الدروس عن بعض الأصحاب ، وان كنا لم نتحققه ، للأصل وإطلاق الأدلة السابقة ، ويمكن حمله على ارادة عدم جواز عقد الإحرام إلا وهو لابس للثوبين ، وإن كان لا يفسد الإحرام بذلك على الأصح كما ستسمع تحقيقه ان شاء الله ، ولكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط الذي هو ساحل بحر الهلكة ، والله العالم.

الثالث لبس ثوبي الإحرام ، وهما واجبان بلا خلاف أجده فيه كما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١٢ وهو مرسل ابن سويد كما تقدم في ص ٢١٧.

٢٣٢

اعترف به في المنتهى والمدارك ، بل في التحرير الإجماع على ذلك ، بل قصر الشيخ وبنو حمزة والبراج وزهرة وسعيد الإحرام في ثوب على الضرورة ، بل عن القاضي منهم التصريح بعدم جواز الإحرام في ثوب إلا لضرورة ، كل ذلك مضافا الى الأمر بلبس الثوبين في المعتبرة المستفيضة ، كصحيحي ابني عمار (١) ووهب (٢) وصحيح هشام بن الحكم (٣) وغيرها وإن كان هو في سياق غيره مما علم ندبه ، خصوصا بعد ملاحظة ما سمعته من الإجماع وإلى التأسي بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأئمة الهدى عليهم‌السلام فإن ثوبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللذين أحرم فيهما كانا يمانيين عبري وأظفار ، وفيهما كفن على ما رواه‌ ابن عمار (٤) عن الصادق عليه‌السلام ، وفي مرسل (٥) الحسن بن علي عن بعضهم عليهم‌السلام « أحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ثوبي كرسف » فما في كشف اللثام ـ من ان لبس الثوبين إن كان على وجوبه إجماع كان هو الدليل ، وإلا فالأخبار التي ظفرت بها لا تصلح مستندا له ، مع أن الأصل العدم ، وكلام التحرير والمنتهى يحتمل الاتفاق على حرمة ما يخالفهما ، والتمسك بالتأسي أيضا ضعيف ، فان اللبس من العادات إلى ان يثبت كونه من العبادات وفيه الكلام ـ لا يخفى عليك ما فيه ، نعم في الدروس بعد أن أوجب لبس الثوبين فيه قال : « ولو كان الثوب طويلا فاتزر ببعضه وارتدى بالباقي أو توشح أجزأ » وفيه مضافا إلى منافاته لما ذكره أولا عدم صدق لبس الثوبين عليه ، اللهم إلا ان يراد بهما الكناية عن تغطية المنكبين وما بين السرة إلى الركبة ، وهو لا يخلو من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

٢٣٣

وجه وإن كان الأولى والأحوط التعدد ، والأمر في ذلك سهل.

انما الكلام في اعتبار ذلك في صحة الإحرام وعدمه ، قال في الدروس : وهل اللبس من شرائط الصحة حتى لو أحرم عاريا أو لابسا مخيطا لم ينعقد؟ نظر وظاهر الأصحاب انعقاده حيث قالوا : لو أحرم وعليه قميص نزعه ولا يشقه ، ولو لبسه بعد الإحرام وجب شقه وإخراجه من تحت كما هو مروي (١) وظاهر ابن الجنيد اشتراط التجرد ، وفي كشف اللثام قلت : كلامهم هذا قد يدل على عدم الانعقاد ، فان الشق والإخراج من تحت للتحرز عن ستر الرأس ، فلعلهم لم يوجبوه أولا لعدم الانعقاد ، نعم الأصل عدم اشتراط الانعقاد به ، وقد يفهم من خبري عبد الصمد بن بشير (٢) وخالد بن محمد الأصم (٣) الفارقين بين جاهل الحكم وعالمه إذا لبسه قبل التلبية ، وقال أبو علي : « وليس ينعقد الإحرام إلا من الميقات بعد الغسل والتجرد والصلاة » وفي المدارك « ولو أخل باللبس ابتداء فقد ذكر جمع من الأصحاب انه لا يبطل إحرامه وان أثم ، وهو حسن » ونحوه عن الكركي وثاني الشهيدين ، ولعله الأقوى وفاقا لمن عرفت ، بل لا أجد فيه خلافا صريحا إلا ما سمعته من الإسكافي ، ولا ريب في ضعفه ، فإن الأمر باللبس بعد إطلاق ما دل على حصول الإحرام بالنية والتلبية لا يدل على أزيد من الإثم ، كالنهي في‌ صحيح معاوية (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا تلبس وأنت تريد الإحرام ثوبا تزره ولا تدرعه ، ولا تلبس سراويل إلا ان لا يكون لك إزار ، ولا الخفين إلا ان لا يكون لك نعلان » مضافا إلى‌ صحيح معاوية بن عمار وغير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب تروك الإحرام.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢.

٢٣٤

واحد (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل أحرم وعليه قميصه فقال : ينزعه ولا يشقه ، وإن كان لبسه بعد ما أحرم شقه وأخرجه مما يلي رجليه » وفي‌ صحيحه الآخر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا لبست قميصا وأنت محرم فشقه وأخرجه من تحت قدميك » ونحوه حسنه الآخر (٣) وفي‌ حسنه الآخر (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا لبست ثوبا في إحرامك لا يصلح لك لبسه فلب وأعد غسلك ، وان لبست قميصا فشقه وأخرجه من تحت قدميك ».

وعلى كل حال فلا إشكال في ظهور الأول منها وغيره في صحة الإحرام ، ضرورة انه لو كان مثل ذلك مانعا لانعقاده كما سمعت احتماله من الأصبهاني بل مال اليه بعض المحدثين لوجب تجديد النية والتلبية ، والنص والفتوى كادا يكونان صريحين في خلافه ، والحسن الآخر محمول على ضرب من الندب ، وإلا لما أمره بالشق للقميص والإخراج من تحت القدمين.

بل ينبغي الجزم به في صورة الجهل ، لخبر خالد بن محمد الأصم (٥) قال : « دخل رجل المسجد الحرام وهو محرم فدخل في الطواف وعليه قميص وكساء فأقبل الناس عليه يشقون قميصه وكان صلبا ، فرآه أبو عبد الله عليه‌السلام وهم يعالجون قميصه يشقونه فقال له : كيف صنعت؟ فقال : أحرمت هكذا في قميصي وكسائي فقال : انزعه من رأسك ، ليس ينزع هذا من رجليه ، انما جهل فأتاه غير ذلك ، فسأله فقال : ما تقول في رجل أحرم في قميصه؟ قال : ينزعه من رأسه » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢ وهو حسن بسند الكليني رحمه‌الله.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٤.

٢٣٥

وخبر عبد الصمد بن بشير (١) عنه عليه‌السلام أيضا ، قال : « جاء رجل يلبي حتى دخل المسجد الحرام وهو يلبي وعليه قميصه فوثب اليه الناس من أصحاب أبي حنيفة فقالوا : شق قميصك وأخرجه من رجليك ، فإنه عليك بدنة ، وعليك الحج من قابل ، وحجك فاسد ، فطلع أبو عبد الله عليه‌السلام فقام على باب المسجد فكبر واستقبل الكعبة فدنا الرجل من أبي عبد الله عليه‌السلام وهو ينتف شعره ويضرب وجهه ، فقال : اسكن يا عبد الله ، فلما كلمه وكان الرجل أعجميا فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما تقول؟ قال : كنت رجلا أعمل بيدي فاجتمعت لي نفقة فجئت أحج لم أسأل أحدا عن شي‌ء ، فأفتوني هؤلاء أن أشق قميصي وأنزعه من قبل رجلي ، وان حجي فاسد ، وان علي بدنة ، فقال له : متى لبست قميصك؟ أبعد ما لبيت أم قبل؟ قال : قبل ان ألبي ، قال : فأخرجه من رأسك ، فإنه ليس عليك بدنة ، وليس عليك الحج من قابل ، اي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي‌ء عليه ، طف بالبيت سبعا ، وصل ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام واسع بين الصفا والمروة ، وقصر من شعرك ، فإذا كان يوم التروية فاغتسل وأهل بالحج واصنع كما يصنع الناس » وربما فهم منهما خصوصا الأخير عدم الانعقاد مع عدم الجهل ، إلا انه لا دلالة فيهما ، بل إطلاق الصحيح الأول يقتضي خلافه.

واما كيفية لبسهما فظاهر الأصحاب الاتفاق على الاتزار بأحدهما كيف شاء ، بل صرح في الدروس بجواز عقده بخلاف الرداء ، لكن في‌ خبر أبي سعيد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٣ إلا انه أسقط في الوسائل صدره وقد ذكر الشيخ ( قده ) تمامه في التهذيب ج ٥ ص ٧٢ ـ الرقم ٢٣٩.

٢٣٦

الأعرج (١) عن الصادق عليه‌السلام نهى عن عقده في عنقه ، وكذا خبر علي ابن جعفر (٢) المروي عن كتاب مسائله ، وعن‌ قرب الاسناد للحميري (٣) عن أخيه عليه‌السلام قال : « المحرم لا يصلح له ان يعقد إزاره على رقبته ، ولكن يثنيه ولا يعقده » وعن‌ الاحتجاج (٤) للطبرسي « ان محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري كتب إلى صاحب الزمان عليه‌السلام يسأله هل يجوز ان يشد عليه مكان العقد تكة؟ فأجاب عليه‌السلام لا يجوز شد المئزر بشي‌ء سواه من تكة أو غيرها ، وكتب أيضا يسأله هل يجوز ان يشد المئزر على عنقه بالطول أو يرفع من طرفيه إلى حقويه ويجمعهما في خاصرته ويعقدهما ويخرج الطرفين الآخرين بين رجليه ويرفعهما إلى خاصرته وشد طرفه إلى وركيه ، فيكون مثل السراويل يستر ما هناك ، فإن المئزر الأول كنا نتزر به إذا ركب الرجل جمله انكشف ما هناك وهذا أستر ، فأجاب عليه‌السلام جائز ان يتزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثا بمقراض ولا إبرة يخرجه عن حد المئزر ، وغرزه غرزا ولم يعقده ولم يشد بعضه ببعض ، وإذا غطى السرة والركبة كليهما ، فإن السنة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرة والركبة ، والأحب إلينا والأكمل لكل أحد شده على السبيل المعروفة المألوفة للناس جميعا ان شاء الله تعالى ».

واما الثاني فعن جماعة انه يتردى به اي يلقيه على عاتقيه جميعا ويسترهما به‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١ ـ ٥ ـ ٥ والأول عن سعيد الأعرج كما في الفقيه ج ٢ ص ٢٢١ الرقم ١٠٢٣ وهو الصحيح كما يأتي نقله عنه في ص ٢٣٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١ ـ ٥ ـ ٥ والأول عن سعيد الأعرج كما في الفقيه ج ٢ ص ٢٢١ الرقم ١٠٢٣ وهو الصحيح كما يأتي نقله عنه في ص ٢٣٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب تروك الإحرام الحديث ١ ـ ٥ ـ ٥ والأول عن سعيد الأعرج كما في الفقيه ج ٢ ص ٢٢١ الرقم ١٠٢٣ وهو الصحيح كما يأتي نقله عنه في ص ٢٣٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٤ و ٣ مع الاختلاف.

٢٣٧

وعن بعض يتوشح به ، وعن آخرين أو يتوشح به ، اي يدخل طرفه تحت إبطه الأيمن ، ويلقيه على عاتقه الأيسر كالتوشح بالسيف على ما عن الأزهري وغيره بل صرح غير واحد منهم بأنه نحو ما يفعله المحرم ، إلا ان الظاهر عدم وجوب شي‌ء من الهيئتين ، للأصل ، فيجوز حينئذ التوشح بالعكس وغيره من الهيئات ولعل من اقتصر على الارتداء أو التخيير بينه وبين التوشح يريد التمثيل ، وان كان التردي اولى الهيئات ، للتعبير في النصوص عنه بالرداء المنساق منه التردي به على حسب المتعارف ، ففي‌ صحيح ابن سنان (١) « والتجرد في إزار ورداء أو عمامة بعضها على عاتقه لمن لم يكن له رداء » وفي‌ خبر محمد بن مسلم (٢) « يلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء » بل ربما مال إلى تعينه بعض المحدثين ، لكنه في غير محله ، نعم صرح في الدروس بعدم جواز عقده الرداء كالمحكي عن الفاضل وغيره بخلاف الإزار ، ولعله لموثق سعيد الأعرج (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يعقد رداءه في عنقه قال : لا ».

واما الإزار فلا بأس به للأصل ، وقول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر القداح (٤) : « ان عليا عليه‌السلام كان لا يري بأسا بعقد الثوب إذا قصر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١٤ مع الاختلاف في اللفظ.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١ وفيه « إزاره » بدل « رداءه » وهو الصحيح كما ذكره في ص ٢٣٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٢ عن الصادق عليه‌السلام كما في الكافي ج ٤ ص ٣٤٧.

٢٣٨

ثم يصلي فيه وإن كان محرما » لكن قد سمعت ما في مكاتبة الحميري ، فالأولى تركه ما أمكن أيضا.

وعلى كل حال فقد ذكر غير واحد انه يعتبر في الإزار ستر ما بين الركبة والسرة ، وفي الرداء كونه مما يستر المنكبين ، بل في الرياض نفي الاشكال عن ذلك بإبدال الستر في الثاني بالوضع ، وفيه انه لا دليل على ذلك ، بل مقتضى الأصل وإطلاق النص والفتوى خلافه ، وقوله عليه‌السلام في خبر الاحتجاج : « فإن السنة » إلى آخره ، ظاهر في الندب ، ولعله لذا قال في المدارك : ويمكن الرجوع فيه إلى العرف ، ولعله الأقوى ، هذا.

وقد ظهر لك مما سمعته من النص والفتوى ان محل اللبس قبل عقد الإحرام بل هو من جملة الأشياء التي يتهيأ بها للإحرام على وجه يكون حاصلا حال عقده الإحرام ، ومن هنا قال الفاضل في محكي المنتهى : « إذا أراد الإحرام وجب عليه نزع ثيابه ولبس ثوبي الإحرام بأن يتزر بأحدهما ويرتدي بالآخر » ونحوه غيره نعم لا يجب استدامة اللبس ما دام محرما كما قطع به في المدارك للأصل بعد صدق الامتثال بالطبيعة.

وكيف كان ففي المبسوط والنهاية والمصباح ومختصره والاقتصاد والمراسم والكافي والغنية والنافع والقواعد وغيرها على ما حكي عن بعضها انه لا يجوز الإحرام فيما لا يجوز لبس جنسه في الصلاة كالثوب المنسوج كلا أو بعضا من شعر ما لا يؤكل لحمه فضلا عن جلده الذي هو ليس بثوب عرفا ، فلا يصح في المأكول منه فضلا عن غيره على إشكال ، لقول الصادق عليه‌السلام في حسن حريز وصحيحه (١) : « كل ثوب يصلى فيه فلا بأس بالإحرام فيه » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

٢٣٩

بناء على إرادة المنع من البأس في مفهومه ولو بقرينة ما سمعته من الفتاوى ، بل عن الكفاية انه المعروف بين الأصحاب ، بل في المفاتيح يشترط فيهما كونهما مما تجوز به الصلاة بلا خلاف ، بل ربما استظهر ذلك من المنتهى وغيره ممن عادته نقل الخلاف ، بل وبقرينة ما دل على رجحانية دوام لبسهما والتكفن بهما والطواف بهما ونحو ذلك مما يدل على قابليتهما للصلاة التي لا ينفك المكلف عنها فضلا عن الطواف وصلاته.

بل يستفاد منه حينئذ اعتبار عدم نجاسته بغير المعفو عنه كما صرح به في الدروس والمسالك وغيرهما مؤيدا بما في‌ حسن معاوية بن عمار وصحيحه (١) أيضا سأله « عن المحرم يصيب ثوبه الجنابة قال : لا يلبسه حتى يغسله ، وإحرامه تام » بل في كشف اللثام ولنحو هذين الخبرين نص ابن حمزة على عدم جواز الإحرام في الثوب النجس ، وفي المبسوط « ولا ينبغي إلا في ثياب طاهرة نظيفة » وفي النهاية « ولا يحرم إلا في ثياب طاهرة نظيفة » ونحوه السرائر وغيرها مما تأخر عنها ، ولكن فيه انهما يدلان على عدم جواز لبس النجس حال الإحرام مطلقا ، إلا انه قال في المدارك : ويمكن حمله على ابتداء اللبس ، إذ من المستبعد وجوب الإزالة عن الثوب دون البدن ، إلا ان يقال بوجوب إزالتها عن البدن أيضا للإحرام ، ولم أقف على مصرح به ، وإن كان الاحتياط يقتضي ذلك ، وفيه انه غير قابل لإرادة حال الابتداء خاصة منه ، نعم هو دال عليها ولو بدعوى ظهوره في اعتبار طهارتهما حال الإحرام ابتداء واستدامة ، فيقتصر على الأول لاعتضاده بالفتاوى دون غيره الباقي على حكم الأصل ، مؤيدا ذلك بحسن معاوية بن عمار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

٢٤٠