جواهر الكلام - ج ١٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

اعتبار إحضار الفعل الموصوف بالصفات الأربعة بالبال ليتحقق القصد اليه ، بل ويعلم أيضا أنه لا شي‌ء من الأربعة بداخل في النية ، وانما هي مشخصات المنوي ، إذ النية عبارة عن القصد ، وهو شي‌ء واحد لا يقع التعدد إلا في معروضه ، فيحتاج إلى التعيين حينئذ ، لتوقف الامتثال عليه كما حققناه في محله.

وربما كان في نصوص المقام دلالة عليه كصحيح معاوية بن عمار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا يكون إحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة ونافلة ، فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم ، وإن كانت نافلة صليت ركعتين وأحرمت في دبرها ، فإذا انفتلت من صلاتك فاحمد الله تعالى وأثن عليه وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقل اللهم إني أسألك أن تجعلني ممن استجاب لك ، وآمن بوعدك ، واتبع أمرك ، فإني عبدك وفي قبضتك ، لا أوقى إلا ما وقيت ، ولا آخذ إلا ما أعطيت ، وقد ذكرت الحج فأسألك أن تعزم لي عليه على كتابك وسنة نبيك ، وتقويني على ما ضعفت ، وتسلم مني مناسكي في يسر منك وعافية ، واجعلني من وفدك الذي رضيت وارتضيت وسميت وكتبت ، اللهم اني خرجت من شقة بعيدة ، وأنفقت مالي ابتغاء مرضاتك ، اللهم فتمم لي حجتي وعمرتي ، اللهم اني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك ، فان عرض لي شي‌ء يحبسني فحلني حيث حبستني بقدرك الذي قدرت علي ، اللهم إن لم تكن حجة فعمرة ، أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي ومخي وعصبي من النساء والطيب والثياب ، أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة ، قال : ويجزيك أن تقول هذا مرة واحدة حين تحرم ، ثم قم فامش هنيئة ، فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلب » وصحيح حماد بن عثمان (٢) عنه عليه‌السلام أيضا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

٢٠١

« قلت له : إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج كيف أقول؟ قال تقول : اللهم إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإن شئت أضمرت الذي تريد » وصحيح عبد الله بن سنان (١) عنه عليه‌السلام : أيضا « إذا أردت الإحرام والتمتع فقل : اللهم اني أريد ما أمرت من التمتع بالعمرة إلى الحج فيسر لي ذلك ، وتقبله مني ، واعني عليه ، وحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي أحرم لك شعري وبشري من النساء والطيب والثياب ، وإن شئت فلب حين تنهض ، وإن شئت فأخره حتى تركب بعيرك وتستقبل القبلة فافعل » وخبر إسحاق بن عمار (٢) « قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : إن أصحابنا يختلفون في وجهين من الحج ، فيقول بعض أحرم بالحج مفردا فإذا طفت بالبيت وسعيت بين الصفا والمروة فأحل واجعلها عمرة ، وبعضهم يقول : أحرم وانو المتعة بالعمرة إلى الحج ، أي هذين أحب إليك؟ قال انو المتعة » وصحيح البزنطي (٣) عن أبي الحسن عليه‌السلام : « سألته عن رجل تمتع كيف يصنع؟ قال : ينوي العمرة ويحرم بالحج » الى غير ذلك من النصوص المتضمنة ذكر التعيين الذي يؤكده مع ذلك ما سمعته من مسألة العدول ، ضرورة انه لو لم يعتبر التعيين لم يحتج إلى العدول المعتبر فيه ما عرفت ، لأن الفرض مشروعية النية على الإطلاق بل كان هو الأحوط لئلا يفتقر إلى العدول إذا اضطر اليه ، ولا يحتاج إلى اشتراط إن لم تكن حجة فعمرة.

لكن عن المنتهى والتذكرة مع اعتبار نية الأمور الأربعة « ولو نوى الإحرام مطلقا ولم ينو حجا ولا عمرة انعقد إحرامه ، وكان له صرفه إلى أيهما شاء » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

٢٠٢

ولا يخفى عليك التدافع بين الكلامين كما اعترف به غير واحد ، نعم عن المبسوط والمهذب والوسيلة الصحة والتخيير بين الحج والعمرة في أشهر الحج ، والانصراف إلى عمرة مفردة في غيرها ، بل مال جماعة من متأخري المتأخرين إلى عدم اعتبار التعيين ، بل في كشف اللثام هو الأقوى ، لأن النسكين في الحقيقة غايتان للإحرام غير داخلين في حقيقته ، ولا تختلف حقيقة الإحرام نوعا ولا صنفا باختلاف غاياته كالوضوء والغسل ، فالأصل عدم وجوب التعيين بعد حمل أخباره على الغالب أو الفضل ، وكذا أخبار (١) العدول والاشتراط ، ولأن الإحرام بالحج يخالف غيره من إحرام سائر العبادات ، لأنه لا يخرج منه بالفساد ، وإذا عقد عن غيره أو تطوعا وقع عن فرضه ، فجاز أن ينعقد مطلقا ، ولما يأتي (٢) من أن أمير المؤمنين عليه‌السلام أهل إهلالا كإهلال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يكن يعرف إهلاله ، ول‌ ما روته العامة (٣) من انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج من المدينة لا يسمي حجا ولا عمرة ينتظر القضاء فنزل عليه القضاء بين الصفا والمروة ».

إلا ان الجميع كما ترى ، ضرورة إمكان منع كون النسكين غايتين للإحرام بل هو جزء من كل منهما كما هو ظاهر النصوص والفتاوى أو صريحهما ، وإن كان المتجه بناء على ذلك الاكتفاء بنية كل منهما عن نيته كما في غيره من اجزاء العبادات إلا أنه يمكن القول باعتبارها لظاهر النص والفتوى ، ولا ينافي ذلك جزئيته كالطواف وركعتيه والسعي والوقوفين وغيرها ، وربما قيل إن المراد من نية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أقسام الحج والباب ٢٣ من أبواب الإحرام.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣.

(٣) سنن البيهقي ج ٥ ص ٦.

٢٠٣

تعيينه نية النسك ، بل يمكن حمل النص والفتوى عليه إن لم يكن ظاهرهما ، وإن كان هو واضح الفساد ، ضرورة صراحة الفتاوى باعتبار نية مخصوصة للإحرام كغيره من أجزاء النسك.

وعلى كل حال فلا داعي حينئذ إلى حمل اخبار التعيين والعدول والاشتراط على ما عرفت ، بل لعل الداعي إلى خلافه متحقق ، ومن الواضح حينئذ اعتباره لتوقف صدق الامتثال عليه ، ومخالفة الإحرام لغيره من إحرام العبادات لا تقتضي صحة وقوعه مطلقا ، ودعوى انه إذا عقده عن غيره أو تطوعا وقع عن فرضه لم يحضرني دليل لها الآن وان أرسلها هذا المستدل إرسال المسلمات ، نعم قد ذكرنا سابقا أن من تعين عليه الحج لا يجوز له الحج عن غيره تبرعا لا أنه إن أوقعه عن غيره مثلا يقع عن فرضه قهرا ، فإنه لا دليل عليه ، وان حكي عن الشيخ ولكن الذي يقتضيه الدليل بطلانه عن كل منهما ، فلاحظ وتأمل.

وخبر علي بن جعفر (١) المروي عن قرب الاسناد مع انه غير جامع لشرائط الحجية غير صريح ولا ظاهر في ذلك ، بل ربما كان ظاهره الغلط اللفظي لا القصدي ، ولذا استدل به عليه ، وما عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ بعد تسليم كونه كذلك ، ولذا منع في المختلف عدم معرفة أمير المؤمنين عليه‌السلام ما أهل به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولعله لما في‌ صحيح معاوية بن عمار (٢) من « ان عليا عليه‌السلام قد جاء بأربعة وثلاثين بدنة أو ستا وثلاثين » فيكون المراد حينئذ بقوله عليه‌السلام : « إهلالا كإهلال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » الحج قارنا ـ يمكن حمله على اختصاصه بالحكم المزبور ، كما عساه يشعر به افتخاره به على غيره ، على أنه غير ما نحن فيه من كون الإحرام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣.

٢٠٤

مطلقا ، ضرورة كونه معينا ، إلا انه لا يعلم خصوصه ، وما روته العامة غير ثابت ، بل الثابت خلافه ، ودعوى أن الأصل عدم اعتبار التعيين وكذا إطلاق الأدلة واضحة المنع ، بل الأصل يقتضي خلافه بعد ما عرفت من توقف الامتثال عليه ، لكون الإحرام جزء النسك المفروض تعلق ( تعدد خ ل ) الخطاب به ، وليس في الأدلة إطلاق يقتضي ذلك ، بل قد عرفت ظهور الأدلة في خلافه ، فالتحقيق حينئذ اعتبار التعيين كغيره من العبادات كما صرح به الفاضل في القواعد وغيره بل لا يبعد اعتبار التعيين في حال تعين النسك على المكلف كما هو ظاهر النصوص والفتاوى ، وان استقرب الانصراف إليه في محكي التذكرة والمنتهى لكن فيه أنه لا تصرفه إلا النية مع فرض عدم الصارف شرعا كما في صوم يوم شعبان فبان انه من شهر رمضان ، وكونه متعينا عليه لا يقتضي الانصراف مع فرض عدم ملاحظته من هذه الحيثية ، وإلا كان ضربا من التعيين ، اما مع عدمه فالمتجه البطلان ، لعدم صدق الامتثال بعدم موافقة الأمر على ما هو عليه ، ضرورة الاكتفاء في التعدد بالخطإ والغلط وتعمد الغير ونحو ذلك ، ويمكن حمل كلام القائل بالاكتفاء على صورة وقوعه ملاحظا كونه المكلف به ، فإنه حينئذ تعيين وان لم يشخصه في ذلك الحال لجهل أو غيره. والله العالم.

ولو نوى نوعا ونطق بغيره عمدا أو سهوا عمل على نيته بلا خلاف بل ولا إشكال ، ضرورة كون المدار في الأعمال على النيات ، بل في بعض النصوص (١) السابقة التصريح بذلك مضافا إلى‌ خبر علي بن جعفر (٢) المروي عن قرب الاسناد « سأل أخاه عن رجل أحرم قبل التروية فأراد الإحرام بالحج يوم التروية فأخطأ فذكر العمرة فقال عليه‌السلام : ليس عليه شي‌ء فليعتد بالإحرام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٨.

٢٠٥

بالحج » ولو لم ينطق بشي‌ء صحت وصح الإحرام ولم يكن عليه شي‌ء كما نص عليه نحو صحيح حماد بن عثمان (١) عن الصادق عليه‌السلام المتقدم سابقا ، بل ستعرف ان الإضمار أفضل ولو أخل بالنية أي لم يأت بها أصلا عمدا أو سهوا لم يصح إحرامه بلا خلاف فيه كما في المدارك لكونها جزءا منه أو شرطا فيه ، ففواتها على كل حال مخل به وسأل الحلبي (٢) في الحسن الصادق عليه‌السلام : « عن رجل لبى بحجة وعمرة وليس يريد الحج ، قال : ليس بشي‌ء ، ولا ينبغي له ان يفعل » ولا يشكل ذلك بعدم اعتبار النية في الإحرام بناء على انه جزء من النسك الذي يكفي نيته عن نية خصوص الإحرام ضرورة بناء الحكم هنا على اعتبار النية فيه وإن قلنا بجزئيته كما عرفت الكلام فيه ، أو على ان المراد فوات نية النسك نفسه الذي يبطل معه الإحرام ، وان كان هو خلاف ظاهر الأصحاب أو صريحهم من اعتبار نية للإحرام بخصوصه كباقي اجزاء الحج ، ولا يكفي نية العمرة أو الحج عن نيته له ، فالأولى حينئذ الجمع بين نية النسك وبين التفصيل للاجزاء ولا تكفي الأولى عن الثانية ، نعم يمكن الاكتفاء بالعكس مع فرض الإتيان بالاجزاء على انها أجزاء النسك المخصوص ، والأولى الجمع.

ثم لا يخفى أن الحكم ببطلان الإحرام بفوات نيته عمدا أو جهلا أو سهوا لا يقتضي بطلان الحج بفواته كما عرفت الكلام فيه مفصلا في مسألة نسيان الإحرام أصلا ، أو تركه جهلا فضلا عن نيته خاصة ، نعم ظاهر العبارة وغيرها عدم كون الإحرام هو النية ، ضرورة مغايرة النية للمنوي ، وقد تقدم الكلام فيه أيضا سابقا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٤.

٢٠٦

ولو أحرم بالحج والعمرة لم يقع لهما ، لأنهما لا يقعان بنية واحدة وفي إحرام واحد ، بل عن الشيخ في الخلاف الإجماع على عدم جواز القران بينهما بإحرام واحد ، ولكن هل هي فاسدة لفساد المنوي وإن كان في أشهر الحج كما قربه الفاضل ، أو انه متى فعل ذلك وكان في أشهر الحج كان مخيرا بين الحج والعمرة إذا لم يتعين عليه أحدهما وإلا كان للمتعين وان كان في غير أشهر الحج تعين للعمرة المفردة كما عن الخلاف والمبسوط ، بل في كشف اللثام « هو قوي على ما ذكرناه ، فإنهما إذا لم يدخلا في حقيقة الإحرام فكأنه نوى ان يحرم ليوقع بعد ذلك النسكين ، وليس فيه شي‌ء وان عزم على إيقاعهما في هذا الإحرام وان لم يكن في أشهر الحج » وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه ، بل لا ينبغي التأمل في البطلان مع فرض ملاحظة المعية التي لا أمر بها.

ومن هنا قال المصنف لو قيل بالبطلان في الأول ولزوم تجديد النية كان أشبه بأصول المذهب وقواعده ، إلا ان ظاهره الصحة في الثاني ، ولعله لأن الحج لما لم يمكن في غيرها لم يكن التعرض له إلا لغوا محضا بل خطأ ، وفيه ان اللغوية أو الخطائية لا تنافي حصول البطلان باعتبار عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، اللهم إلا ان يفرض ملاحظة امتثال أمر كل منهما من غير ملاحظة الاجتماع ، فيتجه الصحة في الثاني باعتبار عدم منافاة الضم لصحة المضموم اليه ، بخلاف الأول الفاقد للتعيين باعتبار صلاحية الوقت لكل منهما ، هذا ، وفي المسالك نسبة القول بالصحة في الأول إلى ابن أبي عقيل وجماعة تبعا للكركي ، وفيه أن ابن أبي عقيل وإن قال بصحة الإحرام بالحج والعمرة في نية واحدة بشرط سياق الهدي لكن لا يقول بالتخيير ، بل يقول بوجوب العمرة أولا ثم الحج ، وانه لا يحل من العمرة بعد الإتيان بأفعالها وانما يحل بعد الإتيان بأفعال الحج.

وعلى كل حال فليس في‌ خبر يعقوب بن شعيب (١) دلالة على جواز‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

٢٠٧

الإحرام بهما ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام فقلت كيف ترى لي ان أهل؟ فقال : ان شئت سميت ، وان شئت لم تسم شيئا ، فقلت : كيف تصنع أنت؟ قال : اجمعهما فأقول لبيك بحجة وعمرة معا ، ثم قال : اما اني قلت لأصحابك غير هذا » لان الظاهر ارادة حج التمتع الذي دخلت العمرة فيه إلى يوم القيامة ، وظاهر آخره انه قال لأصحابه ما يوافق التقية ، وأوضح منه‌ صحيح الحلبي (١) عنه عليه‌السلام أيضا قال : « ان عثمان خرج حاجا فلما خرج إلى الايواء أمر مناديا ينادي في الناس اجعلوها حجة ولا تتمتعوا ، فنادى المنادي فمر المنادي بالمقداد بن الأسود فقال : اما لتجدن عند القلائص رجلا ينكر ما تقول فلما انتهى المنادي إلى علي عليه‌السلام وكان عند ركائبه يلقمها خبطا ودقيقا ، فلما سمع النداء تركها ومضى إلى عثمان ، وقال : ما هذا الذي أمرت به؟ فقال : رأي رأيته ، فقال : والله لقد أمرت بخلاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أدبر موليا رافعا صوته لبيك بحجة وعمرة معا لبيك ، وكان مروان بن الحكم يقول بعد ذلك : فكأني انظر إلى بياض الدقيق مع خضرة الخبط على ذراعيه » وقد سمعت‌ قول الرضا عليه‌السلام في صحيح ابن أبي نصر (٢) في المتمتع أنه ينوي العمرة ويحرم بالحج ، وفي‌ خبر إسماعيل الجعفي (٣) قال : « خرجت انا وميسر وأناس من أصحابنا فقال لنا زرارة : لبوا بالحج ، فدخلنا على أبي جعفر عليه‌السلام فقلنا له : أصلحك الله انا نريد الحج ونحن قوم صرورة أو كلنا صرورة فكيف نصنع؟ فقال : لبوا بالعمرة ، فلما خرجنا قدم عبد الملك بن أعين فقلنا له ألا تعجب من زرارة قال لنا : لبوا بالحج وان أبا جعفر عليه‌السلام قال لنا : لبوا بالعمرة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

٢٠٨

فدخل عبد الملك بن أعين فقال له : إن أناسا من مواليك أمرهم زرارة أن يلبوا بالحج عنك وأنهم دخلوا عليك وأمرتهم أن يلبوا بالعمرة فقال أبو جعفر عليه‌السلام : يريد كل إنسان منهم أن يسمع على حدة ، أعدهم علي ، فدخلنا فقال : لبوا بالحج ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبى بالحج » وفي‌ خبر أبان بن تغلب (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : بأي شي‌ء أهل؟ قال : لا تسم حجا ولا عمرة وأضمر في نفسك المتعة ، فإن أدركت كنت متمتعا ، وإلا كنت حاجا » وفي‌ خبر حمران ابن أعين (٢) قال : « دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام فقال لي : بم أهللت؟ فقلت : بالعمرة ، فقال : أفلا أهللت بالحج ونويت المتعة فصارت عمرتك كوفية وحجتك مكية ، ولو كنت نويت المتعة وأهللت بالحج كانت حجتك وعمرتك كوفيتين » وكأنه عليه‌السلام فهم منه العمرة المفردة ، وحينئذ فالمراد أن ما صنعه يكون عمرة كوفية باعتبار الإهلال ، وحجة مكية باعتبار الإحرام بها من مكة ، بخلاف ما لو نوى المتعة ، فإنهما معا يكونان كوفيتين ، لأن حج التمتع الذي هو كوفي مركب منهما.

وعلى كل حال فالى بعض ذلك أشار الشهيد في الدروس قال : وروى زرارة (٣) « ان المتمتع يهل بالحج ، فإذا طاف وسعى وقصر أهل بالحج » وفي صحيح الحلبي (٤) عن الصادق عليه‌السلام « دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة » وروى (٥) إسحاق بن عمار نيته المتعة ، وروى الحلبي (٦) « ان عليا عليه‌السلام قال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٩.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٧.

٢٠٩

لبيك بحجة وعمرة معا » وليس يبعد إجزاء الجميع ، إذ الحج المنوي هو الذي دخلت فيه العمرة ، فهو دال عليها بالتضمن ، ونيتهما معا باعتبار دخول الحج فيها والشيخ بالغ في الاقتصار على نية المتعة والإهلال بها ، وتأويل الأخبار المعارضة لها ، قلت : لا ريب في أن المتجه جواز الجميع عملا بجميع النصوص المراد منها جميعا الإشارة إلى نية حج التمتع ، ولكن بعبارات متعددة ، منها الإهلال بالحج مضمرا التمتع ومنها الإهلال بعمرة التمتع ، ومنها الإهلال بحجة وعمرة معا ، ولعل الإضمار أفضل ، قال منصور بن حازم (١) : « أمرنا أبو عبد الله عليه‌السلام أن نلبي ولا نسمي شيئا ، وقال : أصحاب الإضمار أحب إلى » وسأل إسحاق بن عمار (٢) أبا الحسن موسى عليه‌السلام فقال : « أصحاب الإضمار أحب إلى ، فلب ولا تسم شيئا ».

بقي الكلام في شي‌ء ، وهو ما لو نوى نسيانا غير المتعين عليه فهل يصح للمتعين أو يقع باطلا لهما ويحتاج إلى تجديد النية؟ الأقوى الثاني بناء على ما عرفت من عدم الدليل على الصرف شرعا قهرا كما ذكرنا الكلام فيه ، والله العالم.

ولو قال ناويا أحرم كإحرام فلان وكان عالما حين النية بما ذا أحرم صح بلا خلاف ولا إشكال ، لوجود المقتضي من النية والتعيين وعدم المانع وإن كان جاهلا قيل والقائل الشيخ والفاضل في محكي المنتهى والتذكرة يصح ، إما بناء على أن الإبهام لا يبطله فضلا عن مثل الفرض ، أو لصحيح الحلبي وحسنه (٣) عن الصادق عليه‌السلام في حجة الوداع « انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يا علي بأي شي‌ء أهللت؟ فقال : أهللت بما أهل به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » وصحيح معاوية بن عمار (٤)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣.

٢١٠

عنه عليه‌السلام « انه قال : قلت : إهلالا كإهلال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » لكن قد عرفت الكلام في الإبهام ، بل قد عرفت أنهما غير صريحين بل ولا ظاهرين في جهله بما أحرم به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا في أنه نوى كذلك ، لاحتمالهما أن يكون نوى حج القران كما نواه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل لعل « قلت » في الأخير بمعنى لفظت أو نويت ، بل ربما قيل : الظاهر أن « إهلالا » مفعوله ، بل قد سمعت ما في بعض النصوص (١) من أنه عليه‌السلام قد كان سائقا أربعا أو ستا وثلاثين بدنة ، نعم عن‌ أعلام الورى (٢) للطبرسي رحمه‌الله « أنه قال : يا رسول الله لم تكتب إلى بإهلالك ، فقلت : إهلالا كإهلال نبيك » ونحوه عن روض الجنان للرازي بل في‌ خبري الحلبي (٣) « ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ساق مائة بدنة ، فأشركه في الهدي وجعل له سبعا وثلاثين بدنة » وهو ظاهر في عدم سوقه المانع من نية القران ، بل‌ في الفقيه (٤) « وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساق معه مائة بدنة ، فجعل لعلي عليه‌السلام منها أربعا وثلاثين ، ولنفسه ستا وستين ، ونحرها كلها بيده ـ إلى أن قال ـ وكان علي عليه‌السلام يفتخر على الصحابة ويقول : من فيكم مثلي وأنا شريك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هديه ، من فيكم مثلي وأنا الذي ذبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هديي بيده » إلا ان اختلاف النصوص فيما سمعت ـ واحتمال اختصاصه عليه‌السلام كما يومي اليه افتخاره به ، خصوصا مع احتماله عليه‌السلام نزول حكم جديد وكان متعذرا عليه حصول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢٤ إلا أنه لم يذكر ذيله وذكره في الفقيه ج ٢ ص ١٥٣ الرقم ٦٦٥.

٢١١

اليقين بما هو مكلف به ، بخلاف من يعلم شغل ذمته بنوع ـ كاف في عدم الخروج فيها عما يقتضي اليقين ، خصوصا بعد ملاحظة عدم صدق القران في الفرض إذا فرض كون زيد مثلا قارنا ، اللهم إلا أن يقرن حينئذ ولو في مكة ، وعد مثله حج قران كما ترى ، ومن هنا كان الأقوى البطلان وفاقا لجماعة ، ولكن على الصحة فإن بان له الحال قبل الطواف كما اتفق لعلي عليه‌السلام عمل على مقتضاه وقرن حينئذ ، وفيه ما عرفت.

وإن استمر الاشتباه لموت أو غيبة قال الشيخ يتمتع احتياطا للحج والعمرة ، لأنه إن كان متمتعا فقد وافق ، وإن كان غيره فالعدول منه جائز ، وفيه ان العدول انما يسوغ في حج الإفراد خاصة إذا لم يكن متعينا عليه ، على أن العدول على خلاف القواعد ، والثابت منه حال معلومية المعدول عنه لا مشكوكيته ، ولعله لذا حكي عن بعض البطلان في الفرض ، لتعذر معرفة ما أحرم به ، فيكون من المجمل الذي لا يجوز الخطاب به مع عدم طريق لامتثاله وربما احتمل التخيير كما في حالة الإطلاق ونسيان ما أحرم به ، والجميع كما ترى شك في شك.

ولكن على كل حال قول المصنف : « وإن كان جاهلا قيل : يتمتع احتياطا » ليس بجيد ، لما عرفت من أن القول بالتمتع مع استمرار الاشتباه لا مطلقا.

ولو بان أن فلانا لم يحرم انعقد مطلقا وكان مخيرا بين الحج والعمرة كما عن الشيخ والفاضل التصريح به.

ولو لم يعلم هل أحرم أم لا كان بحكم من لم يحرم.

ولو طاف قبل التعين لم يعتد بطوافه ، لأنه لم يطف في حج أو عمرة ، ولا يخفى عليك ما في الجميع بعد فرض أن دليل الصحة في المفروض ما وقع من علي عليه‌السلام ؛ ضرورة كون المتجه حينئذ الاقتصار عليه فيما خالف قاعدة وجوب التعيين‌

٢١٢

ولا ريب في عدم تناوله لأمثال ذلك ، كما هو واضح.

ولو نسي بما ذا أحرم كان مخيرا بين الحج والعمرة إذا لم يلزمه أحدهما وإلا صرف اليه كما صرح به الفاضل والشهيدان وغيرهم ، لأنه كان له الإحرام بأيهما شاء إذا لم يتعين عليه أحدهما ، فله صرف إحرامه إلى أيهما شاء ، لعدم الرجحان ، وعدم جواز الإحلال بدون النسك إلا إذا صد أو أحصر ، ولا جمع بين النسكين في إحرام ، أما إذا تعين عليه أحدهما صرف إليه ، لأن الظاهر من حال المكلف الإتيان بما هو فرضه ، خصوصا مع العزم المتقدم على الإتيان بذلك الواجب ، وفيه ان التخيير في الابتداء لا يقتضي ثبوته بعد التعيين ، ضرورة تغير الموضوع المانع من جريان الاستصحاب ، وكذا عدم الرجحان ، وعدم جواز الإحلال بدون النسك ، ودعوى اقتضاء العقل التخيير لإجمال المكلف به وعدم طريق إلى امتثاله يدفعها أن المتجه حينئذ ارتفاع الخطاب به فيبطل ، لا التخيير ولو فرض توقف التحليل على اختيار أحدهما ليحصل به الطواف المقتضي للتحليل وإلا كان محرما أبدا فهو ليس من التخيير على نحو الابتداء ، ضرورة عدم تحقق خطاب به ، بل هو طريق لتحليله وافق أو خالف ، كما انه لا دليل على اعتبار الظهور المزبور مع تعين أحدهما عليه ، وأصالة الصحة لا تقتضي التشخيص في وجه كما عساه يرشد إلى ذلك في الجملة ما ذكروه من البطلان في مسألة الشك في أنه هل نوى ظهرا أو عصرا إذا لم يكن قد حفظ ما قام اليه ، وإلا عمل عليه للنص (١) على ان الصحة أعم من الانصراف إلى ما تعين عليه ، إذ الظاهر حصولها مع الجهل أو النسيان أو الغفلة أو غير ذلك ، نعم هو متجه بناء على الصرف شرعا نحو الصوم في شهر رمضان ، ولكن لا دليل عليه هنا كما أسلفناه وان ادعاه بعضهم ، بل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب النية من كتاب الصلاة.

٢١٣

أرسله إرسال المسلمات ، نعم قد يقال بتشخيص أصل الصحة إذا كان الفعل لا يصح إلا للمعين وان وقع غفلة لغيره ، بل وإن صح مع الغفلة أيضا في وجه قوي باعتبار أن الأصل عدم الغفلة ، ومسألة الشك في الظهر والعصر مع فرض مخالفتها لذلك فهي للنصوص (١) فتأمل جيدا ، هذا.

وعن الشيخ في الخلاف « يجعله عمرة ، لأنه إن كان متمتعا فقد وافق ، وإن كان غيره فالعدول منه إلى غيره جائز ـ قال ـ : وإذا أحرم بالعمرة لا يمكنه ان يجعلها حجة مع القدرة على أفعال العمرة ، فلهذا قلنا يجعلها عمرة على كل حال » وعن المنتهى والتحرير انه حسن ، وهو المحكي عن احمد ، وعن الشافعي في القديم « يتحرى لأنه اشتباه في شرط العبادة كالاناءين المشتبهين » ولا يخفي عليك ما في الأصل وفرعه ، نعم ما ذكره الشيخ قوي بناء على ان له ذلك على كل حال وان حكم العدول يشمله ، وإلا كان المتجه البطلان بمعنى سقوط الخطاب به بعد عدم الطريق إلى امتثاله ولو بالاحتياط بفعل كل محتمل ، فإنه وإن كان ليس هذا جمعا بين النسكين بل هو مقدمة ليقين البراءة إلا ان فعل أحدهما يقتضي التحليل لاشتماله على الطواف ، ولعل مرادهم بالتخيير هذا المعنى ، لا أن خطابه ينقلب إلى التخيير كما في الابتداء.

ومن ذلك يعلم لك الحال فيما ذكروه من الفروع في المقام ، منها لو تجدد الشك بعد الطواف ففي التذكرة والتحرير جعلها عمرة متمتعا بها ، وفي الدروس هو حسن ان لم يتعين عليه غيره ، وإلا صرف اليه ، ومنها لو شك هل أحرم بهما أو بأحدهما معينا انصرف إلى ما عليه إن كان معينا ، وإلا تخير بينهما ولزمه أحدهما وإن كان الأصل البراءة وكان الإحرام بهما فاسدا ، فإن الأصل الصحة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب النية من كتاب الصلاة.

٢١٤

وكذا لو شك هل أحرم بهما أو بأحدهما مبهما أو معينا ، اما إذا علم انه إما أحرم بهما أو بأحدهما مبهما فهو باطل بناء على اشتراط التعيين ، وعن المبسوط « ان شك هل أحرم بهما أو بأحدهما فعل أيهما شاء » وهو أعم على مختاره من أحدهما معينا ومبهما ، فتأمل جيدا فان المقام غير منقح في كلامهم ، ولعل التحقيق ما عرفت من البطلان ، أو التخيير على الوجه الذي ذكرناه ، والانصراف إلى المعين إن كان خصوصا مع عدم صحة غيره ولو غفلة لما عرفت ، والله العالم.

الثاني من واجباته التلبيات الأربع بلا خلاف في أصل وجوبها في الجملة ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى النصوص (١) التي سيمر عليك بعضها ، بل عن المنتهى والتذكرة الإجماع على عدم وجوب الزائد ، بل عن الأول منهما انه إجماع أهل العلم ، لكن عن الاقتصاد « تلبي فرضا واجبا ، فتقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك ، إن الحمد والنعمة لك ، والملك ، لا شريك لك ، لبيك بحجة وعمرة ، أو بحجة مفردة ، تمامها عليك ، لبيك ، وان أضاف إلى ذلك ألفاظا مروية من التلبيات كان أفضل » وظاهره وجوب الخمس ، بل عن المهذب البارع « أن فيها قولا آخر ، وهو الست » وإن كنا لم نتحققه ، كما أنا لم نتحقق القول بالخمس إلا لمن عرفت ، مع انه محجوج بما سمعت من الإجماع بقسميه وما تسمعه من النصوص ، نعم في بعض النصوص (٢) الزيادة على ذلك إلا انها محمولة بقرينة ما عرفت على ضرب من الندب كما صرح به في بعضها (٣) نعم لهم خلاف في صورتها ، وستعرف البحث فيه ان شاء الله.

وكيف كان ف لا خلاف في أنه لا ينعقد الإحرام لمتمتع بعمرة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الإحرام.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الإحرام.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٢.

٢١٥

أو حجة ولا لمفرد معتمر ولا حاج إلا بها بل الإجماع محصلا ومحكيا في الانتصار والغنية والخلاف والجواهر والتذكرة والمنتهى وغيرها على ما حكي عن بعضها عليه بمعنى عدم الإثم والكفارة في ارتكاب المحرمات عليه قبلها ، قال الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية بن عمار (١) : « لا بأس أن يصلي الرجل في مسجد الشجرة ويقول الذي يريد أن يقوله ، ولا يلبي ثم يخرج فيصيب من الصيد وغيره فليس عليه فيه شي‌ء » وفي‌ صحيح ابن الحجاج (٢) « في الرجل يقع على أهله بعد ما يعقد الإحرام ولم يلب قال : ليس عليه شي‌ء » وفي صحيحه مع حفص ابن البختري (٣) « ان الصادق عليه‌السلام صلى ركعتين في مسجد الشجرة وعقد الإحرام فأتي بخبيص فيه زعفران فأكل منه » وقال أحدهما عليهما‌السلام في مرسل جميل (٤) « في رجل صلى في مسجد الشجرة وعقد الإحرام وأهل بالحج ثم مس الطيب وأصاب طيرا أو وقع على أهله قال عليه‌السلام : ليس بشي‌ء حتى يلبي » وفي مرسله الآخر (٥) عن أحدهما عليهما‌السلام أيضا « في رجل صلى الظهر في مسجد الشجرة وعقد الإحرام ثم مس طيبا أو صاد صيدا أو واقع أهله قال عليه‌السلام : ليس عليه شي‌ء ما لم يلب » وفي خبر ابن سنان (٦) المروي عن مستطرفات السرائر « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الإهلال بالحج وعقدته قال : هو التلبية ، إذا لبى وهو متوجه فقد وجب عليه ما يجب على المحرم » وفي صحيح حريز (٧) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا « في الرجل إذا تهيأ للإحرام فله ان يأتي النساء ما لم يعقد التلبية أو يلب » وفي خبر زياد بن مروان (٨) « قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : ما تقول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٩.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١٥.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٨.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١٠.

٢١٦

في رجل تهيأ للإحرام وفرغ من كل شي‌ء الصلاة وجميع الشروط إلا أنه لم يلب؟ إله أن ينقض ذلك ويواقع النساء؟ قال : نعم » وفي خبر الحسين بن سويد (١) عن بعض أصحابه ، قال : « كتبت إلى أبي إبراهيم عليه‌السلام رجل دخل مسجد الشجرة فصلى وأحرم وخرج من المسجد فبدا له قبل ان يلبي أن ينقض ذلك بمواقعة النساء إله ذلك؟ فكتب عليه‌السلام نعم ولا بأس به » وفي صحيح حفص بن البختري (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « فيمن عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله قبل أن يلبي قال : ليس عليه شي‌ء » إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك.

بل في التهذيب « المعنى في هذه الأحاديث أن من اغتسل للإحرام وصلى وقال ما أراد من القول بعد الصلاة لم يكن في الحقيقة محرما ، وانما يكون عاقدا للحج والعمرة ، وانما يدخل في أن يكون محرما إذا لبى ، والذي يدل على هذا المعنى ما رواه موسى بن القاسم (٣) عن صفوان عن معاوية بن عمار وغير معاوية ممن روى صفوان عنه هذه الأحاديث يعني الأحاديث المتقدمة ، وقال : هي عندنا مستفيضة‌ عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنهما قالا : إذا صلى الرجل ركعتين وقال الذي يريد أن يقول من حج أو عمرة في مقامه ذلك فإنه إنما فرض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١٢ عن النضر بن سويد.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٤ و ٥ وفي الوسائل جعل هذا الخبر روايتين حيث انه أضاف حرف الواو بعد قوله مستفيضة فقال : « وعن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام » إلا ان الموجود في الاستبصار ج ٢ ص ١٨٩ ـ الرقم ٦٣٤ وكذلك في التهذيب ج ٥ ص ٨٣ كما ذكر في الجواهر.

٢١٧

على نفسه الحج وعقد عقد الحج ، وقالا : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث صلى في مسجد الشجرة صلى وعقد الحج ، ولم يقل صلى وعقد الإحرام ، فلذلك صار عندنا أن لا يكون عليه فيما أكل مما يحرم على المحرم ، ولأنه قد جاء في الرجل يأكل الصيد قبل أن يلبي وقد صلى وقد قال الذي يريد أن يقول ولكن لم يلب ، وقالوا : قال ابان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه‌السلام : يأكل الصيد وغيره ، فإنما فرض على نفسه الذي قال فليس له عندنا ان يرجع حتى يتم إحرامه ، فإنما فرضه عندنا عزيمة حين فعل ما فعل لا يكون له ان يرجع إلى أهله حتى يمضي ، وهو مباح له قبل ذلك ، وله ان يرجع متى شاء ، وإذا فرض على نفسه الحج ثم أتم بالتلبية فقد حرم عليه الصيد وغيره ، ووجب عليه في فعله ما يجب على المحرم ، لأنه قد يوجب الإحرام أشياء ثلاثة : الاشعار والتلبية والتقليد ، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم ، وإذا فعل الوجه الآخر قبل أن يلبي فلبي فقد فرض » ولا يخفي عليك ما فيه ، ضرورة صراحة النصوص في عقد الإحرام لا الحج المراد منه ولو بالقرينة إنشاء نيته وغيره مما ذكر فيه إلا انه لم يلب ، كما أنها ظاهرة أو صريحة في ان له نقض الإحرام ورفع اليد منه وإن كان قد نواه ما لم يلب ، لعدم انعقاد الإحرام على وجه يجب إكماله فيما ذكره ، وما حكاه عن ابان فالظاهر انه اجتهاد منه لا انه من قول الصادق عليه‌السلام ، ولا ريب في مخالفته لظاهر النصوص بل وللفتاوى ، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه ، كما أن من المعلوم شذوذ‌ خبر احمد بن محمد (١) قال : « سمعت أبي يقول في رجل يلبس ثيابه ويتهيأ للإحرام ثم يواقع اهله قبل ان يهل بالإحرام قال : عليه دم » وعن الاستبصار حمله على الاستحباب ولا بأس به.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١٤.

٢١٨

وكيف كان فلا إشكال في ظهور النصوص المزبورة في عدم اعتبار مقارنة النية للتلبية الذي هو مقتضي الأصل أيضا ـ كما هو مفروغ منه في محله ـ وظاهر المعظم بل الجميع إلا من ستعرف ، مضافا إلى‌ صحيح معاوية بن عمار (١) المتقدم سابقا في البحث عن النية « اللهم إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك ـ إلى ان قال ـ : ويجزيك ان تقول هذا مرة واحدة حين تحرم ، ثم قم فامش هنيئة فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلب » وصحيح عبد الله بن سنان (٢) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يلبي حتى يأتي البيداء » وصحيح حفص بن البختري ومعاوية بن عمار وعبد الرحمن بن الحجاج جميعا (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا صليت في مسجد الشجرة فقل وأنت قاعد في دبر الصلاة ما يقول المحرم ، ثم قم فامش حتى تبلغ الميل وتستوي بك البيداء ، فإذا استوت بك فلب ، وإن أهللت من المسجد الحرام للحج فإن شئت لبيت خلف المقام ، وأفضل من ذلك أن تمضي حتى تأتي الرقطاء وتلبي قبل ان تصير إلى الأبطح » وصحيح منصور بن حازم (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا صليت عند الشجرة فلا تلب حتى تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش » وصحيح هشام بن الحكم (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « إن أحرمت من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٥.

(٣) ذكر صدره في الوسائل ـ في الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣ وذيله في الباب ـ ٤٦ ـ منها ـ الحديث ١ عن حفص بن البختري ومعاوية بن عمار وعبد الرحمن بن الحجاج والحلبي جميعا.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

٢١٩

غمرة أو بريد البعث صليت وقلت ما يقول المحرم في دبر صلاتك ، وإن شئت لبيت من موضعك ، والفضل أن تمشي قليلا حتى تلبي » وحسن معاوية بن عمار (١) عنه عليه‌السلام أيضا ، قال : « صل المكتوبة ثم أحرم بالحج أو بالمتعة ، واخرج بغير تلبية حتى تصعد أول البيداء إلى أول ميل عن يسارك ، فإذا استوت بك الأرض راكبا كنت أو ماشيا فلب » وقال زرارة (٢) لأبي جعفر عليه‌السلام : « متى ألبي بالحج؟ قال : إذا خرجت إلى منى ، ثم قال : إذا جعلت شعب الدب عن يمينك والعقبة عن يسارك فلب للحج » وصحيح معاوية (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التهيؤ للإحرام فقال في مسجد الشجرة ، فقد صلى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد ترى أناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل ، فتحرمون كما أنتم في محاملكم ، تقول : لبيك اللهم لبيك » الحديث إلى غير ذلك من النصوص الدالة على تأخير التلبية عن نية الإحرام.

ولعله لذا قال في الدروس : « يظهر من الرواية والفتوى جواز تأخير التلبية عنها » وفي المدارك صرح كثير منهم بعدمه حتى قال الشيخ في التهذيب : « وقد رويت رخصة في جواز تقديم التلبية في الموضع الذي يصلى فيه ، فان عمل الإنسان بها لم يكن عليه فيه بأس » وفي الروضة « كثير منهم لم يعتبر المقارنة بينهما مطلقا والنصوص خالية عن اعتبارها ، بل بعضها صريح في عدمها » إلى غير ذلك من كلماتهم المتضمنة للاعتراف بظهور النص والفتوى في عدم اعتبارها ، واحتمال إرادة تأخير النية أيضا من النصوص ويكون الألفاظ العزم على الإحرام دون نيته في غاية البعد ، بل كاد يكون بعضها صريحا في خلافه ، نعم قد يقال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

٢٢٠