جواهر الكلام - ج ١٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الخميس للخوف لا يقتضي ذلك ، فمن الغريب ما في الرياض من جعل ما في التنقيح إجماعا منقولا وقيد به النصوص ، بل تردد في تناول إطلاق النصوص لصورة عدم الخوف ، إذ لا يخفى عليك ما فيه ، نعم قد يقال إن التعليل في الصحيح الأول مؤيدا بذلك يقتضي التقييد المزبور ، إلا أن الانصاف قصوره عن ذلك على وجه يقتضي عدم المشروعية لزيادة التنظيف ، فالجزم بذلك كما في الرياض لا يخلو من منع.

بل ربما احتمل في عبارة المصنف في النافع ان يكون التمريض الذي أشعر به لفظ القيل راجعا إلى التقييد بالخوف الذي مقتضى النصوص عدمه ، لا لمطلق التقديم المصرح به في النص والفتوى ، أو يكون راجعا إلى الحكم الأخير وهو لو وجده في الميقات استحب له الإعادة لعدم دليل واضح عليه عدا قوله عليه‌السلام في ذيل الصحيح السابق « ولا عليكم » إلى آخره الذي لا دلالة فيه على الندب الذي هو أخص من نفي البأس ، ولكن فيه معلومية اعتبار الرجحان في العبادة متى شرعت ، كما هو واضح ، بل لا فرق في استحباب الإعادة معه بين لبس ثوبي الإحرام حين الغسل وعدمه.

ثم لا يخفى عليك أن الصحيح الأول (١) ظاهر في استحباب لبس ثوبي الإحرام عند الغسل وإن تأخر الإحرام لوقته ، فيجوز حينئذ له عدم اللبس كما في صحيح ابن وهب (٢) وحكي التصريح به عن النهاية والمبسوط ، هذا ، وعن التحرير والمنتهى والتذكرة تقييد جواز التقديم بان لا يمضي عليه يوم وليلة ، ونفي عنه البأس في كشف اللثام ، ولعله لما تسمعه عن قريب ان شاء الله.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

١٨١

وكيف كان فلا خلاف أجده في أنه يجزي الغسل في أول النهار ليومه إذا أراد الإحرام فيه وفي أول الليل لليلته ما لم ينم بل قيل إنه مقطوع به في كلام الأصحاب لخبر أبي بصير (١) « أتاه رجل وأنا عنده ، فقال : اغتسل بعض أصحابنا فعرضت له حاجة حتى أمسى فقال : يعيد الغسل ، يغتسل نهارا ليومه ذلك ، وليلا لليلته » وصحيح عمر بن يزيد (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « من اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله إلى الليل في كل موضع يجب فيه الغسل ومن اغتسل ليلا كفاه غسله إلى طلوع الفجر » وخبر سماعة بن مهران (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « من اغتسل قبل طلوع الفجر وقد استحم قبل ذلك ثم أحرم من يومه أجزأه غسله ، ومن اغتسل في أول الليل ثم أحرم في آخر الليل أجزأه غسله » بناء على أن المراد عند طلوع الفجر من قوله قبله فيه ، وفي وافي الكاشاني كان المراد بالاستحمام تنظيف البدن ، بل في‌ صحيح جميل (٤) عنه عليه‌السلام أيضا أنه قال : « غسل يومك يجزيك لليلتك وغسل ليلتك يجزيك ليومك » ونحوه خبر حسين الخراساني (٥) عن أحدهما عليهما‌السلام المروي عن مستطرفات السرائر وأفتى به جماعة من متأخري المتأخرين تبعا للمحكي عن المقنع ، ونفى عنه البأس في الرياض ، قال : « ولكن الأفضل الإعادة لصريح بعض الأخبار السابقة المؤيد بلفظ الاجزاء في هذه الرواية » قلت : قد يشعر لفظ الاجزاء في عبارة المشهور بان ذلك أقل المجزي ، ولولاه لأمكن الجمع بين النصوص بما ذكره على معنى تفاوت مراتب الإجزاء مؤيدا باستبعاد عدم إجزائه مثلا لليل أو للنهار مع فرض وقوعه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٤ عن عثمان بن يزيد كما في التهذيب ج ٥ ص ٦٤ إلا أن الموجود في الطبع الحديث من الوسائل عن عثمان ( عمر ) بن يزيد.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الإحرام الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٦.

١٨٢

في آخر جزء منهما ، اللهم إلا أن يراد تقدير زمان الليل أو النهار من كل منهما ، وربما يومي إلى ما ذكرناه في الجملة ما سمعته في خبر سماعة الذي لا يخفى بعد حمل ما قبل الفجر فيه على ما بعده ، كبعد حمل اللام في الخبرين على معنى « الى » ليوافق النصوص السابقة المعتضدة بشهرة الأصحاب ، ولعل الفاضل فيما مضى من تقييد التقديم بما سمعت نظر إلى الخبرين المزبورين ، ولكن عليه كان الأولى التقييد بما سمعته من المشهور ، بل الظاهر ان هذه المسألة غير تلك المسألة التي يراد فيها التقديم لخائف الإعواز وإن تأخر أياما ، فتأمل جيدا ، كما ان الانصاف عدم خلو القول بمضمون الخبرين المزبورين وإن كان هو دون ذلك في الفضل من وجه.

بقي الكلام في تقييد ذلك بعدم النوم ، ويدل عليه‌ صحيح النضر بن سويد (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام « سألته عن الرجل يغتسل للإحرام ثم ينام قبل أن يحرم قال : عليه اعادة الغسل » وخبر علي بن أبي حمزة (٢) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل اغتسل للإحرام ثم ينام قبل أن يحرم قال : عليه اعادة الغسل » مؤيدا ذلك بما دل عليه فيمن اغتسل لدخول مكة أو الطواف‌ كالصحيح (٣) « عن الرجل يغتسل لدخول مكة ينام فيتوضأ قبل أن يدخل أيجزيه ذلك أم يعيد؟ قال : لا يجزيه ذلك ، لأنه إنما دخل بوضوء » ولكن مقتضى الجمع بينهما وبين‌ صحيح العيص بن القاسم ـ (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يغتسل للإحرام بالمدينة ويلبس ثوبين ثم ينام قبل أن يحرم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الإحرام الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الإحرام الحديث ٣.

١٨٣

قال : ليس عليه غسل » ـ استحباب الإعادة لا انتقاض الغسل ، واحتمال كون المراد من صحيح العيص عدم مشروعية الإعادة كما عن ابن إدريس مقتض لطرح ما سمعته من النص المؤيد بأنها مبالغة في التنظيف ، فالأولى حمله على ارادة عدم النقض على معنى أن ليس عليه ذلك كمن لم يغتسل ، ولعله أولى من حمله على عدم التأكد كما في المدارك ومما حمله الشيخ عليه من نفي الوجوب المنافي لمقتضى سوقه من أن سقوطه للاعتداد بالغسل المتقدم لا لكونه غير واجب ، هذا.

وفي القواعد « ولو أحدث بغير النوم فإشكال ينشأ من التنبيه بالأدنى على الأعلى ، ومن عدم النص » بل وفي الدروس « الأقرب ان الحدث كذلك » ونفى عنه في المسالك البأس ، ولعله لكونه مساويا له أو أقوى باعتبار تلويثه للبدن ، بل في كشف اللثام الظاهر ان النوم إنما صار حدثا لأن معه مظنة الأحداث فحقائقها حينئذ أولى ، بل في المختلف تعليل الإعادة للنوم بأنه يبطل الطهارة الحقيقية فالوهمية أولى ، بل في المسالك « الاتفاق على نقض الحدث غيره مطلقا والخلاف فيه على بعض الوجوه » إلا أن ذلك كله كما ترى لا يصلح دليلا وإن قلنا بالتسامح على أن دعوى الاتفاق المزبور لا تخلو من نظر أو منع.

نعم في‌ الموثق (١) « عن غسل الزيارة يغتسل بالنهار ويزور بالليل بغسل واحد قال : يجزيه إن لم يحدث ، فإن أحدث ما يوجب وضوء فليعد غسله » ولا صراحة فيه بانتقاضه بذلك وإن ادعاها في الرياض ، كدعواه دلالة صحيح مكة (٢) على مشاركة النوم غيره من الأحداث في نقض الغسل ، مع انه على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب زيارة البيت ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ١.

١٨٤

ما سمعته لا إشعار فيه بذلك ، فالتحقيق عدم النقض هنا بالنوم فضلا عن غيره بل الظاهر قصر استحباب الإعادة في الإحرام عليه دون غيره ، لحرمة القياس ، بل لعل إطلاق الاجتزاء بالغسل في أول اليوم والليلة مع غلبة تخلل الحدث مما يقتضي عدمه ، بل لعله بملاحظة الغلبة المزبورة في الليل يتقوى عدم الانتقاض بالنوم أيضا كما ذكرناه ، ولعله لذا كان خيرة الفخر والكركي وسيد المدارك والأصبهاني قصر الحكم على النوم ، وقد تقدم في الأغسال المندوبة بعض الكلام في ذلك ، والظاهر مساواة غسل الزيارة وغيره من أغسال الأفعال لغسل الإحرام في الاجتزاء به من أول اليوم والليل لبقيتهما ، بل قد سمعت الموثق الدال على الاجتزاء به لليل أيضا ، واما انتقاضه بالنوم وغيره من مطلق الحدث أو استحباب إعادته فقد سمعت دعوى الاتفاق هنا ، لكن لم نتحققه ، وقد تقدم في كتاب الطهارة تحقيق الحال.

ولو أحرم بغير غسل أو صلاة يأتي استحباب الإيقاع عقيبها ناسيا ثم ذكر أو عامدا عالما أو جاهلا تدارك ما تركه وأعاد الإحرام استحبابا على المشهور بين الأصحاب ، بل لا أجد فيه خلافا بناء على استحبابهما بل ولا وجها ، ضرورة عدم تعقل وجوب الإعادة مع كون المتروك مندوبا ، وقول الشيخ في النهاية « من أحرم من غير صلاة وغير غسل كان عليه إعادة الإحرام بصلاة وغسل » لا صراحة فيه بالوجوب ، خصوصا بعد قوله في المبسوط « كان إحرامه منعقدا غير أنه يستحب له إعادة الإحرام بصلاة وغسل » نعم ما يحكى عن أبي علي « ثم اغتسل ولبس ثوبي الإحرام وصلى لإحرامه لا يجزيه غير ذلك إلا الحائض ، فإنها تحرم بغير صلاة ـ قال ـ ولا ينعقد الإحرام إلا في الميقات بعد الغسل والتجرد والصلاة » ظاهر في وجوب الغسل والصلاة وحينئذ يتجه وجوب الإعادة.

١٨٥

وعلى كل حال فالأصل في ذلك‌ صحيح الحسن بن سعيد (١) « كتبت إلى العبد الصالح أبي الحسن عليه‌السلام رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عالما ما عليه في ذلك؟ وكيف ينبغي له أن يصنع؟ فكتب عليه‌السلام يعيده » بعد حمل الأمر فيه على الندب لما عرفت ، مؤيدا بما قيل من إشعار قوله في السؤال « وكيف ينبغي له أن يصنع » الذي يقتضي مطابقة الجواب له به وإن نوقش فيه ، ولكن العمدة ما ذكرناه ، بل الظاهر المفروغية منه بين الأصحاب ، نعم قال ابن إدريس على ما في المختلف بعد أن حكى ذلك عن الشيخ إن أراد أنه نوى الإحرام وأحرم ولبى من دون صلاة وغسل فقد انعقد إحرامه ، فأي إعادة تكون عليه ، وكيف يتقدر ذلك ، وإن أراد أنه أحرم بالكيفية الظاهرة من دون النية والتلبية فيصح ذلك ويكون لقوله وجه ، ورده في المختلف بأنه انما قصد الشيخ انه إذا عقد إحرامه بالتلبية والنية ولبس الثوبين التي هي أركان الإحرام وأجزاؤه من غير غسل ولا صلاة استحب له إعادة التلبية ولبس الثوبين والنية ، عملا برواية الحسن بن سعيد الصحيحة ، ولا استبعاد في استحباب اعادة الفرض لأجل النفل كما في الصلاة المكتوبة إذا دخل المصلي فيها متعمدا بغير أذان ولا إقامة ، فإنه يستحب له إعادتها ، وقد استظهر منه في المسالك الحكم ببطلان الأول ، وتبعه في المدارك ثم أورد عليه في الأول بما حاصله وضوح الفرق بين المقامين ، فإن الصلاة تقبل الابطال بفعل منافياتها ولو نية الابطال ، بخلاف الإحرام الذي لا يقبله إلا بالإتمام أو ما يقوم مقامه إذا صد أو أحصر.

قلت لعل ابن إدريس فهم من عبارة الشيخ في النهاية وجوب الإعادة المقتضية لبطلان الأول بترك ما لا يقتضيه من المستحب ، فأنكر عليه ذلك ورده‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

١٨٦

الفاضل بأنه لا مانع من الإعادة بترك المستحب للدليل كما في الصلاة بترك الأذان والإقامة ، وليس مقصوده من التشبيه البطلان أيضا كما عساه يتوهم ، بل المراد أن اعادة الصحيح تكون بترك المستحب وإن لم يكن الأول باطلا ، وكان الأولى تشبيهه بإعادة الصلاة جماعة بعد أن صليت فرادى ، ويقع له خيرهما من غير بطلان في الأولى ، ولعله لذا قال في الدروس : ولو نسي الغسل أو النافلة أعاد الإحرام بعدهما مستحبا خلافا لابن إدريس ، إذ نفى الإعادة مع صحة الإحرام ، والمعتبر هو الأول ، ثم كتب في الحاشية التي كتب تحتها انها منه المعتبر في الاجزاء الأول ، وفي الكمال الثاني ، ومن ذلك أخذ الأصبهاني ما في كشفه حيث انه بعد أن ذكر استحباب الإعادة ودليلها قال : « وأنكره ابن إدريس إلا أن يراد صورة الإحرام من التجرد ولبس الثوبين من غير نية ، فإنه إذا نواه انعقد ولم يمكنه الإحلال إلا بالإتمام أو ما يقوم مقامه إذا صد أو أحصر ، وليس كالصلاة التي تبطل بمنافياتها وبالنية ، فلا يتجه ما في المختلف من أنه كالصلاة التي يستحب إعادتها إذا نسي الأذان والإقامة ، والجواب أن الإعادة لا تفتقر إلى الإبطال ، لم لا يجوز أن يستحب تجديد النية وتأكيدها للخبر ، وقد ينزل عليه ما في المختلف » انتهى.

وعلى كل حال فان كان مراد ابن إدريس الرد على الشيخ في الوجوب المقتضي لبطلان الأول أو تعبدا كان في محله ، وإلا كان محلا للنظر إلا أن يكون مبناه عدم العمل بخبر الواحد وإن كان صحيحا ، وقد عرفت ضعفه في محله ، هذا ، وفي الرياض بعد أن حكى ما سمعته من كشف اللثام قال : « وهو حسن ان تم منع افتقار الإعادة إلى الابطال ، وفيه نظر لتبادره منها عرفا ، وقد صرح في الأصول بأنها عبارة عن الإتيان بالشي‌ء ثانيا بعد الإتيان به أولا ، لوقوعه على نوع خلل ، قالوا كتجرده عن شرط معتبر ، أو اقترانه بأمر مبطل ،

١٨٧

فتدبر. ولعله لذا لم يجب عن الحلي أحد من المتأخرين إلا بابتناء مذهبه هنا على مذهبه في أخبار الآحاد من عدم حجيتها ، وهو ضعيف ، وعلى هذا فالمعتبر من الإحرامين ثانيهما كما هو ظاهر المختلف والمنتهى وغيرهما ، خلافا للشهيدين فأولهما ، قال ثانيهما : « إذ لا وجه لإبطال الإحرام بعد انعقاده ، فلا وجه لاستئناف النية ، بل ينبغي أن يكون المعاد هو التلبية واللبس خاصة » انتهى وفيه ما عرفت من ظهور النص في الابطال من جهة لفظ الإعادة المفهوم منه ذلك عرفا وعادة ، هذا مضافا إلى ما ذكره بعض المحدثين في الجواب عنه بأن النية الأولى انما كانت معتبرة بمقارنة اللبس والتلبية مثل نية الصلاة المقارنة للتكبير ، فإذا بطل تكبيرة الإحرام بطلت النية الأولى ، فكذا هنا ».

قلت لا يخفى عليك ما فيه ، بل هو من غرائب الكلام ، ضرورة أن ما ذكره من الإعادة اصطلاح لأهل الأصول لا يحمل عليه ما في النصوص ، على ان قولهم : « كاخلال بشرط » إلى آخره قاض بخلافه هنا ، ضرورة عدمه ، على أنه بعد حمل الأمر بالإعادة على الندب لا يتم ما ذكره من الظهور المزبور ، الفرض أنه قد اعترف أولا بالاستحباب ، على أن مقتضاه حصوله بالإعادة نفسها ولم يسمع من أحد كونه من مبطلات الإحرام ، وما حكاه عن بعض المحدثين لا نعرف له حاصلا ، إذ لم يقل أحد ببطلان اللبس والتلبية المستلزمين لبطلان النية قياسا على تكبيرة الإحرام ، وانما ذكر ثاني الشهيدين بعد الحكم بصحة الإحرام الأول أن الإعادة التي لا تقتضي بطلانه تتحقق بابتداء التلبية واللبس من غير حاجة إلى تجديد نية ، فأقصى ما فيه إمكان تحقق الإعادة التامة بدونها لا أنه يقول ببطلان التلبية واللبس دونها ، وبالجملة هذا الكلام كله لا يسطر.

بقي الكلام في قول الفاضل في القواعد بعد أن حكم بالإعادة أي ندبا : « وأيهما المعتبر إشكال ، وتجب الكفارة بالمتخلل بينهما » فان ظاهره المفروغية من‌

١٨٨

الكفارة التي مقتضاها صحة الأول ، فلا يناسبه الإشكال في المعتبر منهما ، وفي كشف اللثام لعل استشكاله هنا لاحتمال الإحلال هنا بخصوصه للنص ، وأما وجوب الكفارة بالمتخلل فلاعتبار الأول ما لم يحل ، وفي الرياض بعد ان ذكر الخلاف ورجح البطلان بما سمعت قال : « وتظهر ثمرة الخلاف في وجوب الكفارة للمتخلل بين الإحرامين ، واحتساب الشهر بين العمرتين ، والعدول إلى عمرة التمتع لو وقع الثاني في أشهر الحج ، لكن ظاهر القواعد خروج الأول من البين ، ووجوب الكفارة على القولين ، فان تم إجماعا وإلا فهو منفي على المختار قطعا ، وكذا مع التردد بينه وبين مقابلة عملا بالأصل السالم عن المعارض ، إلا أن يمنع باستصحاب بقاء الإحرام الأول الموجب للكفارة بالجناية فيه ، والإعادة لا تقطعه بناء على الفرض ، وفيه نظر ».

قلت لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد الإحاطة بما ذكرناه المقتضي لعدم الإشكال في وجوب الكفارة للمتخلل ، لبقاء صحة الإحرام الأول وان استحب الإعادة التي لا تبطله ، بل هو حكم تعبدي شرعي لتدارك الفضيلة نحو إعادة الصلاة جماعة ، ويحسب له في الواقع أفضلهما نحو ما ورد في الصلاة جماعة ، وان بقيت الأحكام الظاهرية على الأول المحكوم بصحته ظاهرا ، ولعل اشكال الفاضل في المعتبر منهما بالنسبة إلى الكمال بمعنى انه الأول وان لحقه ما يقتضي كماله ، أو انه الثاني وان بقيت الأحكام للاول ، فتأمل جيدا.

ثم ان ظاهر قول المصنف « ثم ذكر » فرض المسألة في الناسي كما صرح به بعضهم ، لكن فيه أن الصحيح (١) المزبور في الجاهل والعالم من دون تعرض للناسي ، اللهم إلا ان يفهم لحوقه بالفحوى ، كما ان المفروض فيه ترك الغسل أو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

١٨٩

الصلاة فيكفي فيه ترك أحدهما ، فما سمعته من النهاية من اعتبار تركهما معا في غير محله ، كالمحكي عن بعضهم من الاقتصار على الأول منهما ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

ومنها ـ كما ذكره المصنف وغيره ان يحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة غيرها وان لم يتفق صلى للإحرام ست ركعات وأوسطه أربع ركعات واقله ركعتان يقرأ في الأولى الحمد وقل يا أيها الكافرون وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد وفيه رواية أخرى (١) بالعكس ، والمراد بقرينة قوله بعد ذلك : « ويوقع » إلى آخره انه مع حضور الفريضة يصلي نافلة الإحرام ثم الفريضة ثم يحرم عقيبها ، ومع عدم الفريضة يحرم عقيب النافلة لا انه مع الفريضة تسقط نافلة الإحرام كما ادعى في المسالك انه ظاهر العبارة ، قال : « وليس كذلك ، وانما السنة أن يصلي ستة الإحرام أولا » إلى آخر ما ذكرناه ، ثم قال : « وقد اتفق أكثر العبارات على القصور عن تأدية المراد هنا » وقد سبقه إلى ذلك الكركي في حاشيته على الكتاب لكن قد يقال لا قصور في نحو عبارة المتن بعد ملاحظة القرينة التي ذكرناها كالمحكي من عبارة المبسوط ، قال « وأفضل الأوقات التي يحرم فيها عند الزوال ويكون ذلك بعد فريضة الظهر ، فان اتفق ان يكون في غير هذا الوقت جاز ، والأفضل أن يكون عقيب فريضة ، فان لم يكن فريضة صلى ست ركعات من النوافل وأحرم في دبرها ، فان لم يتمكن من ذلك أجزأه ركعتان ـ الى ان قال ـ ويجوز ان تصلى صلاة الإحرام أي وقت كان من ليل أو نهار ما لم يكن وقت فريضة قد تضيق ، فان تضيق الوقت بدأ بالفرض ثم الإحرام ، وإن كان أول الوقت بدأ بصلاة الإحرام ثم بصلاة الفرض » ونحوه عبارة النهاية ، ولا ريب ان التدبر فيهما يقتضي ما قلناه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

١٩٠

ومن هنا قال ابن إدريس في المحكي من سرائره : « أفضل الأوقات التي يحرم فيها الإنسان بعد الزوال ، ويكون ذلك بعد فريضة الظهر ، فعل هذا تكون ركعتا الإحرام المندوبة ( المندوبتان ظ ) قبل فريضة الظهر بحيث يكون الإحرام عقيب صلاة الظهر » ثم ساق الكلام على نحو ما ذكره الشيخ ، وهو صريح فيما ذكرناه ، وقال في المقنعة : « وإن كان وقت فريضة وكان متسعا قدم نوافل الإحرام ، وهي ست ركعات ، ويجزي منها ركعتان ، ثم صلى الفريضة وأحرم في دبرها فهو أفضل ، وإن لم يكن وقت فريضة صلى ست ركعات » وقال في التحرير « يستحب له أن يحرم بعد الزوال عقيب صلاة الظهر ، يبدأ بصلاة الإحرام ، وهي ست ركعات ، فان لم يتمكن فركعتان ، ثم يصلي الظهر ثم يحرم عقيب صلاة الظهر ، وإن لم يتفق وقت الزوال استحب ان يكون عقيب فريضة ، فان لم تتفق صلى ست ركعات ثم أحرم عقيبها ، فان لم يتمكن من ذلك صلى ركعتين يقرأ في الأولى الحمد وقل يا ايها الكافرون ، وفي الثانية الحمد والتوحيد مستحبا » ومثله قال في التذكرة إلا انه عكس القراءة في الركعتين ، ثم قال : « فإذا فرغ منهما أحرم عقيبهما ـ الى أن قال ـ فإذا ثبت هذا فإن صلاة الإحرام تفعل في كل وقت وإن كان أحد الأوقات المكروهة ، وأصح الوجهين عند الشافعية الكراهة في الأوقات المكروهة وهل تكفي الفريضة عن ركعتي الإحرام؟ يحتمل ذلك ، وهو قول الشافعي ، ولكن المشهور تقديم نافلة الإحرام على الفريضة ما لم يتضيق وقت الفريضة ، وذلك يدل على عدم الاكتفاء بالفريضة في الاستحباب » وكذلك صرح في القواعد بتقديم نافلة الإحرام على الفريضة ، ونحوه عن المنتهى ، وقال في الدروس : « ويستحب صلاة سنة الإحرام ، وهي ست ركعات أو أربع أو ركعتان ، ثم الفريضة ، والأفضل إحرامه عقيب الظهر ، ثم الفريضة مطلقا ، ولو لم يكن وقت فريضة ، فالظاهر إن الإحرام عقيب فريضة مقضية أفضل ، فان لم يكن فعقيب‌

١٩١

النافلة ، ويقرأ في الركعتين الجحد في الاولى والتوحيد في الثانية » وقال ابن الجنيد : « لا ينعقد الإحرام بدون الغسل والتجرد والصلاة » إلى غير ذلك من عباراتهم التي لا قصور فيها.

نعم استشعر الفاضل مما حكاه عن الإسكافي تقديم الفريضة على نافلة الإحرام ثم الإحرام بعدها ، كما انه حكي عنه وجوب صلاة الإحرام والغسل واللبس. وعلى كل حال هو أمر آخر غير ما نحن فيه ، لكن مع ذلك كله قال في المدارك ان مقتضى العبارة عدم الاحتياج إلى نافلة الإحرام مع صلاة الفريضة وانها انما تكون إذا لم يتفق وقوع الإحرام عقيب الظهر أو نافلة أو فريضة ، وعلى ذلك دلت الأخبار الصحيحة ثم ذكر صحيحتي معاوية بن عمار الآتيتين ، إلى ان قال : ومن هنا يظهر إن ما ذكره الشارح من أن المراد ان السنة ان يصلي سنة الإحرام إلى آخره غير جيد ، ومن العجب قوله : وقد اتفق أكثر العبارات على القصور عن تأدية المراد هنا ، إذ لا وجه لحمل عبارات الأصحاب على المعنى الذي ذكره فإن الأخبار ناطقة بخلافه كما بيناه ، وقد ظهر لك مما ذكرناه تصريح كلمات الأصحاب بذلك وحكاية الشهرة من الفاضل وكشف اللثام وغيرهما عليه ، بل لم أعرف أحدا من الأصحاب أفتى بذلك ، وانما ذكره الفاضل احتمالا بعد ان حكاه عن الشافعي.

إنما الكلام فيما يدل عليه من النصوص وأظهره ما عن‌ الفقه المنسوب (١) إلى مولانا الرضا عليه‌السلام « فان كان وقت صلاة فريضة فصل هذه الركعات قبل الفريضة ثم صل الفريضة وروي ان أفضل ما يحرم الإنسان في دبر صلاة الفريضة ثم أحرم في دبرها ليكون أفضل » وربما يدل عليه أيضا‌ قول الصادق عليه‌السلام في‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

١٩٢

صحيح معاوية بن عمار (١) : « خمس صلوات لا تترك على حال إذا طفت بالبيت ، وإذا أردت أن تحرم » وفي‌ خبر أبي بصير (٢) أيضا « خمس صلوات يصليها في كل وقت ، منها صلاة الإحرام » بل لعل إطلاق‌ قوله عليه‌السلام أيضا في خبره الآخر (٣) « يصلي للإحرام ست ركعات يحرم في دبرها » دال على ذلك أيضا ، فإنه شامل لمن صلاهن في وقت الفريضة وأحرم بعدهن قبل الفريضة ، كقوله عليه‌السلام أيضا في صحيح عمر بن يزيد (٤) « واعلم أنه واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو نافلة أو ليل أو نهار » بل قد يستفاد من التدبر في‌ صحيح الحلبي (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام أحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلا أم نهارا؟ فقال : بل نهارا ، فقلت : أي ساعة؟ قال : صلاة الظهر فسألته متى ترى أن تحرم؟ قال : سواء عليكم ، إنما أحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاة الظهر لان الماء كان قليلا ، كان في رؤوس الجبال فيهجر الرجل إلى مثل ذلك من الغد ولا يكادون يقدرون على الماء ، وانما أحدثت هذه المياه حديثا » منضما إلى‌ المرسل (٦) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام انهما قالا « إذا صلى الرجل الركعتين وقال الذي يريد أن يقول من حج أو عمرة في مقامه ذلك فإنه إنما فرض على نفسه الحج وعقد عقدة الحج ، وقالا : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث صلى في مسجد الشجرة صلى وعقد الحج ولم يقولا صلى وعقد الإحرام ، » بناء على إرادة صلاة الركعتين من صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا صلاة الظهر ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٤.

١٩٣

خصوصا بعد‌ المرسل (١) في التذكرة أنه روى العامة « أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى بذي الحليفة ركعتين ثم أحرم » فتأمل جيدا.

وكان المراد من‌ قوله عليه‌السلام : « سواء عليكم » بيان الجواز ، وإلا فلا ريب في كون الفضل عند الزوال ، لقول الصادق عليه‌السلام (٢) : « لا يضرك بليل أحرمت أو نهار ، إلا أن أفضل ذلك عند زوال الشمس » ولعله لأنه قد فعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن كان لقلة الماء.

وعلى كل حال فليس في‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية بن عمار (٣) : « صل المكتوبة ثم أحرم بالحج أو بالمتعة » دلالة على سقوط نافلة الإحرام ، وكذا‌ قوله في صحيحه الآخر (٤) « لا يكون الإحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة ، فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم ، وإن كانت نافلة صليت ركعتين وأحرمت في دبرهما » الى آخره ، بل لعل الأصحاب أخذوا التأليف المزبور الذي هو صلاة نافلة الإحرام ثم الفريضة ثم الإحرام من الأمر به عقيب المكتوبة في الصحيح المزبور مع إطلاق الأمر بنافلة الإحرام ، مضافا إلى ما يشعر به‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (٥) أيضا « إذا أردت الإحرام في غير وقت صلاة فريضة فصل ركعتين ثم أحرم في دبرهما » بناء على كون المراد من مفهومه ولو بقرينة الشهرة وغيرها مما عرفت انه وإن كان في وقت فريضة صليت الركعتين ثم الفريضة وأحرمت عقيبها ، لا أن المراد سقوطها‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٥ ص ٣٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٥.

١٩٤

بالفريضة إذا كان وقت فريضة والاجتزاء بفعل الفريضة.

بل لعل التأمل في‌ خبر إدريس بن عبد الله (١) يقضي بذلك أيضا ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر كيف يصنع؟ قال : يقيم إلى المغرب ، قلت فان أبي جماله أن يقيم عليه قال : ليس له ان يخالف السنة ، قلت : إله أن يتطوع بعد العصر؟ قال : لا بأس به ، ولكن أكره للشهرة ، وتأخير ذلك أحب الي ، قلت : كم أصلي إذا تطوعت؟ قال : أربع ركعات » بناء على كون المراد ان تأخير التطوع للإحرام بعد ذلك أحب الي ، لا أن المراد تأخير الإحرام عقيب المغرب حتى يسقط التطوع للإحرام أحب الي ، والظاهر اتحاد المراد من الخبر المزبور مع‌ خبر ابن فضال (٢) عن أبي الحسن عليه‌السلام المروي في الفقيه « في الرجل يأتي ذا الحليفة أو بعض الأوقات بعد صلاة العصر أو في غير وقت صلاة قال : ينتظر حتى تكون الساعة التي يصلي فيها » وانما قال ذلك مخافة الشهرة ، إذ الظاهر أن قوله « وانما » الى آخره من كلام الصدوق أو الراوي.

وكيف كان فقد ظهر لك من ذلك كله أنه لا كراهة في نافلة الإحرام في جميع الأوقات للنصوص السابقة ، ولأنها ليست من النوافل المبتدأة ، بل هي من ذوات الأسباب ، كما أنه ظهر لك عدم حرمتها في وقت فريضة ، لإطلاق النصوص المعتضدة بالفتوى ، بل مقتضى ما دل على كون الإحرام في وقت الفريضة ذلك ، ضرورة فهم تبعية النافلة له في ذلك ، إلا ان ذلك كله على طريق الندب ، خلافا لما سمعته من الإسكافي المقتضي لوجوب نافلة الإحرام إذا لم تتفق في وقت فريضة ، بل وللمحكي عن الجمل والعقود والمهذب والإشارة والغنية والوسيلة من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٤.

١٩٥

تقديم الفريضة على النافلة ، بل في كشف اللثام انه يشعر به كلام الحسن ، قال : وهو أظهر ، لأن الفرائض تقدم على النوافل إلا الرواتب قبلها ، إذ لا نافلة في وقت فريضة ، ولم أظفر بما يدل على استحباب نافلة الإحرام مع إيقاعه بعد فريضة إلا الذي سمعته الآن عن الرضا عليه‌السلام ، ولذا قال في التذكرة وهل تكفي الفريضة عن ركعتي الإحرام؟ يحتمل ذلك ، وهو قول الشافعي ، لكن لا يخفي عليك مجال النظر في كلامه بعد الإحاطة بما ذكرناه خصوصا بعد ان كان المختار جواز التطوع في وقت الفريضة كما ذكرناه في محله.

وأما كيفية القراءة فلم أقف فيها إلا على‌ خبر معاذ بن مسلم (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا يدع أن يقرأ قل هو الله احد وقل يا ايها الكافرون في سبعة مواطن : في الركعتين قبل الفجر وركعتي الزوال ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين في أول صلاة الليل ، وركعتي الإحرام ، والفجر إذا أصبحت بها ، وركعتي الطواف » لكن في التهذيب بعد ان أورد ذلك‌ قال : وفي رواية اخرى (٢) « انه يقرأ في هذا كله بقل هو الله أحد ، وفي الركعة الثانية بقل يا ايها الكافرون إلا في الركعتين قبل الفجر ، فإنه يبدأ بقل يا ايها الكافرون ، ثم يقرأ في الركعة الثانية بقل هو الله احد » والأمر في ذلك سهل بعد كون الحكم ندبيا.

بل ظهر لك أيضا الوجه في قول المصنف ويوقع نافلة الإحرام تبعا له ولو كان وقت فريضة مقدما للنافلة ما لم تتضيق الحاضرة بل قوله « تبعا » مشعر بان دليل ذلك ما أشرنا إليه سابقا من فهم تبعية النافلة للإحرام في المشروعية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٢.

١٩٦

التي مقتضى النصوص كونها كذلك في ليل أو في نهار في وقت فريضة أو غيرها من الأوقات المكروهة وغيرها ، ومن الغريب ما عن شارح الترددات من جعل الضمير في قوله « له » عائدا إلى الغسل اي يوقع النافلة تبعا للغسل لا يتراخى عنه ، إذ هو ـ مع أنه كما ترى ـ لا دليل عليه ، بل الدليل على خلافه قائم كما سمعته من النصوص السابقة.

بقي الكلام فيما ذكره غير واحد من استحباب الإحرام عقيب الفريضة ولو مقضية ، إذ قد عرفت ان المستفاد من النصوص السابقة استحبابه عقيب الظهر ، وإلا فمطلق المكتوبة المنساق منها الحاضرة ، نعم في بعض النصوص (١) السابقة الفريضة لكن لا دلالة فيه على الندب ، فتأمل.

وقد ظهر لك مما ذكرناه من النصوص أن مقتضى العمل بها صلاة الست ، ودونه الأربع ، ودونه الركعتان ، وضعف خبر الست بعد الانجبار ، بعمل الأصحاب كما في كشف اللثام ، وكون الحكم ندبيا غير قادح ، كما انه لا يقدح في ذلك عدم ذكر الست في محكي الهداية والمقنع وجمل السيد.

هذا كله في مقدمات الإحرام‌ وأما كيفيته فتشتمل على واجب ومندوب لكن ينبغي أن يعلم أولا أنه ذكر بعض الأفاضل مقدمة قبل ذلك ، قال : ما حاصله الإحرام هنا كالإحرام في الصلاة ، ومن المعلوم أن معنى الإحرام فيها الدخول فيها على وجه يحرم معه الكلام والضحك ونحوهما مما هو مبطل للصلاة ، أو الدخول فيها على وجه يكون مصليا وإن لزمه الأول ، كما أن الأول يستلزم الثاني وعلى كل حال يتحقق ذلك بتكبيرة الإحرام ، بل سميت بذلك لذلك وإن لم تكن هي السبب في الإحرام بل التكبيرة المقارنة للنية السبب فيه ، إلا أنه لما كانت الجزء الأخير من العلة نسب إليها الإحرام ، وحينئذ فالإحرام بالعمرة والحج هو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

١٩٧

الدخول فيهما وصيرورة الشخص معتمرا أو حاجا ، أو دخوله في حالة يحرم عليه معها ما يحرم على أحدهما ما لم يتحلل ، وذلك إما هو إيقاع التلبية المقارنة لنية العمرة أو الحج ولو حكمية ، أو غيره من النية الفعلية لأحدهما الواقعة في الموضع المعين ، أو هي مع لبس الثوبين : أي اللبس المقارن لها ، وأما مجموع التلبية والنية واللبس فهو راجع إلى الأول ، لأن المعلول ينسب إلى الجزء الأخير من العلة ، والأول هو الذي صرح به الشيخ في التهذيبين ، بل هو ظاهر كلام الأكثر المصرحين بعدم انعقاد الإحرام إلا بالتلبية ، بل عليه الإجماع عن الانتصار والخلاف والجواهر والتذكرة والمنتهى وغيرها ، مضافا إلى المعتبرة (١) المستفيضة المصرحة بجواز فعل كل ما يحرم على المحرم قبل التلبية وإن نوى ، بل هو أيضا ظاهر المعتبرة (٢) المستفيضة المصرحة بأن الإحرام بعد فرض الحج في المسجد والصلاة ونحوها من المقدمات ، منها‌ صحيح معاوية بن وهب (٣) « عن التهيؤ للإحرام فقال في مسجد الشجرة فقد صلى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد ترى أناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم ، تقول : لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك بمتعة بعمرة إلى الحج ».

ولكن ينافي ذلك نصوص أخر (٤) مستفيضة مصرحة بمغايرة الإحرام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الإحرام.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٥ والباب ٣٤ منها الحديث ٣ والباب ١ من أبواب المواقيت الحديث ٤.

(٣) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣ وذيله في الباب ٤٠ منها الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الإحرام.

١٩٨

للتلبية وأنه قبلها ، بل وما صرحوا به من وجوب الإحرام من الميقات وعدم جواز تأخيره عنه مع تصريح تلك النصوص بجواز تأخير التلبية عنه ، بل وقولهم ولو عقد الإحرام ولم يلب لم يلزمه كفارة لما فعل ، بل وكذا عدهم التلبية من واجبات الإحرام بل وكذا حكمهم بوجوب النية للإحرام المعلوم عدم وجوبها للتلبية كعدم وجوبها لتكبيرة الصلاة ، ومن هنا كان الثاني هو ظاهر الأكثر المستفاد من جميع ما مر من منافيات كون التلبية وحدها الإحرام ، وإن كان ينافيه ما سمعته سابقا مما دل عليها ، وربما رجح الأول بالجمع بينه وبين منافياته بأن ما يجوز تأخيره من التلبية هو الإجهار بها ورفع الصوت بها ، كما أنه يمكن ترجيح الثاني بالجمع بينه وبين منافياته بأن المراد عدم انعقاد الإحرام إلا بالتلبية ، بل لذلك أطلق الإحرام عليها ، بمعنى أنه لا كفارة على المحرم قبلها لو تناول محرمات الإحرام من النساء وغيرها إلى آخر ما أطنب به إلا أنه كما ترى لا حاصل معتد به له ، بل لا وجه لاحتمال كون الإحرام نفس إيقاع التلبية ، ضرورة كون الإحرام عبارة عن النسك المخصوص ، وأغرب من ذلك نسبته إلى الشيخ وظاهر الأكثر ، بل لا يخفى عليك وضوح الفرق بين إحرام الصلاة وبين المقام الذي معظمه تروك ، وليس له أول يتلبس به نحو التكبير الذي هو أول أفعال الصلاة ، كما انه لا يخفى عليك عدم فائدة معتد بها لما ذكره بعد اتفاق الجميع على وجوب النية واللبس في الميقات وعدم التجاوز عنه بدونهما وانه لا تحرم المحرمات إلا بالتلبية التي ستعرف الكلام في جواز تأخيرها عن الميقات وعدمه‌

وكيف كان فالواجبات ثلاثة : الأول النية بلا خلاف محقق فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منه مستفيض ، مضافا إلى عموم الأدلة وخصوصها كما ستمر عليك ، نعم عن الشافعي وجهان ، وفي محكي المبسوط « الأفضل أن تكون مقارنة للإحرام ، فإن فاتت جاز تجديدها إلى وقت التحلل » وفي المختلف « فيه‌

١٩٩

نظر فإن الأولى إبطال ما لم يقع بنية لفوات الشرط » وعن الشهيد حمل ذلك على نية خصوص التمتع بعد نية الإحرام المطلق بناء على ما يأتي ، أو الإحرام بعمرة مفردة أو حج مفرد بناء على جواز العدول عنهما إلى التمتع ، قال : وعقل بعضهم من قوله ذلك تأخير النية عن التلبية ، وفي كشف اللثام قلت : وقد يكون نظر إلى ما أمضيناه من ان التروك لا تفتقر إلى النية ، ولما اجمع على اشتراط الإحرام بها كالصوم قلنا بها في الجملة ولو قبل التحلل بلحظة إذ لا دليل على أزيد من ذلك ولو لم يكن في الصوم نحو‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) « لا صيام لمن لم يبيت الصيام » قلنا فيه بمثل ذلك ، وانما كان الأفضل المقارنة لأن النية شرط في ترتب الثواب على الترك ، وفيه ان الدليل من إجماع أو غيره على اعتبارها فيه على نحو اعتبارها في غيره من العبادات المعلوم اعتبار المقارنة فيها ، فلا بد من حمل العبارة المزبورة على الخلاف ، أو على إرادة جواز تأخيرها عن إنشاء الإحرام على الوجه الذي تسمعه ، والمراد بقوله « فان فاتت » بيان حكم اتفاق فواتها لا العمد إلى تركها.

وكيف كان فقد ذكر غير واحد أنها هي أن يقصد بقلبه إلى أمور أربعة ما يحرم به من حج أو عمرة متقربا الى الله تعالى شأنه ونوعه من تمتع أو قران أو افراد وصفته من وجوب أو ندب وما يحرم له من حجة الإسلام أو غيرها ولكن قد عرفت في كتاب الطهارة والصلاة حقيقة النية ، وأنها الداعي ، وأنه لا يجب فيها أزيد من قصد القربة بمعنى امتثال الأمر ، والتعيين مع التعدد في المأمور به ومنه يعلم ما في المسالك من أنه لا ريب في‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب وجوب الصوم ـ الحديث ١ من كتاب الصوم.

٢٠٠