جواهر الكلام - ج ١٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

المقدمة الثالثة

في أقسام الحج

وهي ثلاثة : تمتع وقران وإفراد بلا خلاف أجده فيه بين علماء الإسلام بل إجماعهم بقسميه عليه ، مضافا إلى النصوص (١) المتواترة فيه أو القطعية ، بل قيل إنه من الضروريات ، لكن عن‌ عمر (٢) متواترا أنه قال : « متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا محرمهما ومعاقب عليهما : متعة النساء ومتعة الحج » وظاهره عدم مشروعية المتعة في الحج أصلا بمعنى بقاء الحج عنده كما كان قبل نزول التمتع ما بين إفراد وقران ، وقد أخبره بذلك‌ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المروي (٣) متواترا عنه في حجة الوداع « أنه جاءه جبرئيل عند فراغه من سعيه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ و ٢ ـ من أبواب أقسام الحج.

(٢) الغدير للاميني ج ٦ ص ٢٠٩ الى ٢١٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣ و ١٣ و ٢٤ و ٣٢.

٢

فأمره أن يأمر الناس أن يحلوا إلا سائق هدي ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن هذا جبرئيل وأومأ بيده إلى خلفه يأمرني أن آمر من لم يسق هديا بأن يحل ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت مثل الذي أمرتكم ، ولكن سقت الهدي ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محله ، قال : فقال له رجل من القوم ـ وهو عمر ـ : لنخرجن حجاجا ورؤوسنا تقطر ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما إنك لم تؤمن بعدها أبدا ، فقال له سراقة بن مالك بن خثعم الكناني : يا رسول الله علمنا ديننا كأنما خلقنا اليوم ، فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أو لما يستقبل وقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بل هو للأبد إلى يوم القيامة ، ثم شبك أصابعه بعضها إلى بعض وقال : دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة » ولكن أولياؤه حملوا ذلك منه على إرادة الانتقال من حج الافراد إلى التمتع ، وعلى كل حال هي مخالفة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على وجه يقتضي الكفر ، وكم له وكم له ، وكفى بالله حاكما.

أما حج التمتع فصورته المتفق عليها في الجملة على الإجمال أن يحرم من الميقات بالعمرة المتمتع بها إلى الحج ويتوصل بها اليه من قولهم حبل ماتع أي طويل ، ومتع النهار طال وارتفع ، أو المنتفع بها بالتحلل بينها وبين الحج ، أو بالإحرام للحج من مكة ، وإلا لاحتيج إلى الإحرام له من غير مكة ، أو بفعلها في أشهر الحج لما يقال من أنه لم يكن تفعل في الجاهلية فيها ، أو غير ذلك مما لا يجب التعرض له في النية قطعا ، بل يكفي فيها قصد عمرة هذا النوع من الحج ثم يدخل مكة فيطوف لها سبعا بالبيت ، ويصلي ركعتيه بالمقام ثم يسعى لها بين الصفا والمروة سبعا ويقصر وستعرف أن أركان العمرة من هذه : الإحرام والطواف والسعي ، وأما التلبية ففيها خلاف ، كمعروفية الخلاف في النية أنها شرط أو ركن ثم ينشئ إحراما للحج من مكة إلا مع النسيان‌

٣

وتعذر الرجوع يوم التروية الثامن من ذي الحجة الذي أمر الله فيه إبراهيم عليه‌السلام أن يروي من الماء على الأفضل ، وإلا بقدر ما يعلم أنه يدرك الوقوف بعرفات ثم يأتي عرفات يوم عرفة فيقف بها من الزوال إلى الغروب مع الاختيار ثم يفيض ويمضي منها إلى المشعر ف يبيت فيه ويقف به مع الاختيار بعد طلوع الفجر ، ثم يفيض إلى منى فيحلق بها يوم النحر ويذبح هديه أو ينحر إلا إذا فده ، ويأكل منه ويرمي جمرة العقبة مراعيا للترتيب بينها ، فيرمي أولا ثم يذبح أو ينحر ، ثم يحلق أو يقصر أو يمر الموسى على رأسه إن لم يكن عليه شعر ثم يمضي لكن في المتن هنا إن شاء أتى مكة ليومه أو لغده لعذر أو مطلقا على الخلاف الآتي فيطوف طواف الحج ويصلي ركعتيه ويسعى سعيه ويطوف طواف النساء ويصلي ركعتين ويأتي تأخير الذبح أو الحلق عن الطواف والسعي ضرورة أو نسيانا ، وتقديم الطواف والسعي على الوقوفين ضرورة ثم عاد إلى منى لرمي ما تخلف عليه من الجمار فيبيت بها ليالي التشريق ، وهي ليلة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ، ويرمي مع الاختيار في أيامها الجمار الثلاث ، ولمن اتقى النساء والصيد في إحرامه كما ستعرف إن شاء الله أن ينفر في الثاني عشر ، فيسقط عنه رمي الثالث والمبيت ليلته كما أشار إليه المصنف بقوله وإن شاء أقام بمنى حتى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر ومثله يوم الثاني عشر ثم ينفر بعد الزوال ، وإن أقام إلى النفر الثاني وهو الثالث عشر ولو قبل الزوال لكن بعد الرمي جاز أيضا وعاد إلى مكة للطوافين والسعي وفي المدارك حكمه بجواز الإقامة بمنى أيام التشريق قبل الطوافين والسعي مناف لما سيذكره في محله من عدم جواز تأخير ذلك عن غده يوم النحر ، وكأنه رجوع عن الفتوى ، وربما جمع بين الكلامين بحمله على الجواز هنا على معنى الاجزاء ، وهو لا ينافي‌

٤

حصول الإثم بالتأخير ، وهو مقطوع بفساده ، والأصح ما اختاره المصنف هنا من جواز تأخير ذلك إلى انقضاء أيام التشريق ، للأخبار الكثيرة (١) الدالة عليه وسيجي‌ء الكلام في ذلك مفصلا ، وقد تبع في ذلك جده ، قال : « جواز الإقامة بمنى أيام التشريق قبل الطوافين والسعي للمتمتع وغيره ، هو أصح القولين ، وبه أخبار صحيحة ، وما ورد (٢) منها مما ظاهره النهي عن التأخير محمول على الكراهة جمعا بينها ، وعلى هذا القول يجوز تأخيرهما طول ذي الحجة ، وربما قيل بجواز تأخير المتمتع عن يوم النحر إلى الغد خاصة ، وجمع الشيخ بين الأخبار بحمل أخبار التأخير على غير المتمتع ، وأخبار النهي عليه ، وما قدمناه أجود ، واعلم أنه سيأتي في كلام المصنف اختيار المنع عن الغد من غير إشارة إلى خلاف وهنا اختار الجوار كذلك ، وكأنه رجوع » إلى آخره ، قلت : ستعرف التحقيق في ذلك إن شاء الله ، كما تعرف أن أركان الحج من هذه : الإحرام والوقوفان وطواف الحج وسعيه بمعنى البطلان بترك أحدهما عمدا بل الوقوفين ولو سهوا ، إذ قد عرفت أن المراد هنا الذكر على الاجمال.

وكيف كان ف هذا القسم فرض البعيد عن مكة ممن لم يكن قد حج مع الاختيار بإجماع علمائنا ، والمتواتر (٣) من نصوصنا الذي منه يظهر وجه الدلالة في الآية (٤) أيضا ، بل لعله من ضروريات مذهبنا ، نعم في تحديد ذلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زيارة البيت من كتاب الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زيارة البيت ـ الحديث ٧ و ٨ من كتاب الحج.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب أقسام الحج.

(٤) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

٥

خلاف بيننا ، فعن المبسوط والاقتصاد والتبيان ومجمع البيان وفقه القرآن وروض الجنان والجمل والعقود والغنية والكافي والوسيلة والسرائر والجامع والإصباح والإشارة وغيرها هو من كان بين منزله وبين مكة اثنى عشر ميلا فما زاد من كل جانب ، وقيل والقائل القمي في تفسيره والصدوقان والمصنف في النافع والمعتبر والفاضل في المختلف والتذكرة والتحرير والمنتهى والشهيدان والكركي وغيرهم ثمانية وأربعون ميلا بل في المدارك نسبته إلى أكثر الأصحاب ، وفي غيرها إلى المشهور وإن كنا لم نتحققه ، كما أنه لا يخفى عليك ضعف ما عن المصنف من نسبة القول الأول إلى الندرة ، ولعل الأول لنص الآية (١) على أنه فرض من لم يكن حاضري المسجد الحرام ، ومقابل الحاضر هو المسافر ، وحد السفر أربعة فراسخ كما حررناه في محله مؤيدا بإطلاق ما دل (٢) على وجوب التمتع خرج منه الحاضر وما ألحق به مما هو دون ذلك قطعا ، فيبقى الباقي ، ولعل الثاني لصحيح زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « قلت له : قول الله عز وجل في كتابه ( ذلِكَ لِمَنْ ) ـ إلى آخره ـ فقال : يعني أهل مكة ليس عليهم متعة ، كل من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلا ذات عرق وعسفان كما يدور حول مكة فهو ممن دخل في هذه الآية ، وكل من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة » وعن القاموس « عسفان كعثمان موضع على راحلتين من مكة ، وذات عرق بالبادية ميقات أهل العراق » وعن التذكرة « ذات عرق على مرحلتين من مكة » وعن المصباح المنير « المرحلة المسافة التي يقطعها المسافر في نحو يوم ، والجمع مراحل » وعن كتاب‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب أقسام الحج.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣.

٦

شمس العلوم « يقال بينهما مرحلة أي مسيرة يوم » مؤيدا أيضا‌ بالصحيح (١) عن عبد الله الحلبي وسليمان بن خالد وأبي نصر عن أبي عبد الله عليه‌السلام « ليس لأهل مكة ولا لأهل مر ولا لأهل شرف متعة ، وذلك لقول الله عز وجل ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي ) ـ إلى آخره ـ » ونحوه خبر سعيد الأعرج (٢) بناء على ما في المعتبر من أنه معلوم كون هذه المواضع أكثر من اثنى عشر ميلا ، بل عن القاموس « إن بطن مر موضع من مكة على مرحلة ، وشرف ككتف موضع قريب للتنعيم » لكن عن الواقدي « بين مكة ومر خمسة أميال » وعن النهاية في حديث تزويج ميمونة بشرف (٣) هو بكسر الراء موضع من مكة على عشرة أميال ، وقيل أقل وأكثر ، وخبر أبي بصير (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قلت لأهل مكة متعة قال : لا ، ولا لأهل بستان ولا لأهل ذات عرق ولا لأهل عسفان ونحوها » وفي الوافي « البستان بستان ابن عامر قرب مكة مجتمع النخلتين اليمانية والشامية » وخبر زرارة (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن قول الله عز وجل : ( ذلِكَ لِمَنْ ) ـ إلى آخره ـ قال : ذلك أهل مكة ، ليس لهم متعة ولا عليهم عمرة قلت : فما حد ذلك؟ قال : ثمانية وأربعون ميلا من جميع نواحي مكة دون عسفان وذات عرق » وخبر علي بن جعفر (٦) « قلت لأخي موسى عليه‌السلام : لأهل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١ وفيه عن عبيد الله الحلبي وسليمان بن خالد وأبي بصير كلهم عن أبي عبد الله ٧ قال : « ليس لأهل مكة ولا لأهل مر ولا لأهل سرف متعة. إلخ » كما في التهذيب ج ٥ ص ٣٢ الرقم ٩٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٦.

(٣) البحار ج ٢١ ص ٤٦ الطبع الحديث.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٧.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٢.

٧

مكة أن يتمتعوا بالعمرة إلى الحج فقال : لا يصلح أن يتمتعوا لقول الله عز وجل : ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) » هذا ؛ ولكن في‌ حسن (١) حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل ( ذلِكَ ) إلى آخره قال : « من كان منزله على ثمانية عشر ميلا من بين يديها ، وثمانية عشر ميلا من خلفها ، وثمانية عشر ميلا عن يمينها ، وثمانية عشر ميلا عن يسارها ، فلا متعة له مثل مر وأشباهه ».

وفي المدارك « يمكن الجمع بينه وبين صحيح زرارة السابق بالحمل على التخيير بين التمتع وغيره لمن بعد بثمانية عشر ميلا ، والتعيين على من بعد بثمانية وأربعين ميلا ، لكنه كما ترى لا شاهد له ، وفي‌ صحيح حماد بن عثمان (٢) عنه عليه‌السلام أيضا في حاضري المسجد الحرام قال : « ما دون المواقيت إلى مكة » وفي‌ صحيح الحلبي (٣) عنه عليه‌السلام أيضا قال في حاضري المسجد الحرام : « ما دون المواقيت إلى مكة من حاضري المسجد الحرام ، وليس لهم متعة » ولا يخفى عليك ما في هذه النصوص من التشويش بل والاشكال حتى ان المحدث البحراني مع أطنابه فيها قد اعترف بذلك ، لأن الثمانية والأربعين عبارة عن مسيرة يومين كما صرحوا به في مسافة القصر ، وحينئذ يلزم الإشكال في خبري زرارة وأبي بصير ، بل وكلام الأصحاب الذين صرحوا بأن عسفان وذات عرق من توابع مكة وداخلة في مسافة الثمانية والأربعين ، وقد سمعت التصريح عن القاموس والعلامة في التذكرة بكونهما على مرحلتين عن مكة ، كما انك قد سمعت كون المراد بالمرحلة مسيرة يوم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٤.

٨

وحينئذ يكون الموضعان خارجين عن المسافة المزبورة ـ إلى ان قال ـ : ولا مناص عن الإشكال إلا بالطعن فيما سمعته من القاموس والتذكرة بكون المكانين ليس على مرحلتين ، أو بالطعن فيما سمعته من المصباح وشمس العلوم من عدم كون المرحلة مسيرة يوم ، والكل مشكل » انتهى.

وحاول ابن إدريس رفع الخلاف بين الأصحاب بتقسيط الثمانية والأربعين على الجوانب ، فقال : « وحده من كان بينه وبين المسجد الحرام ثمانية وأربعون ميلا من اربع جوانب البيت من كل جانب اثنى عشر ميلا » ولعله استشعره مما في محكي المبسوط ، وهو كل من كان بينه وبين المسجد الحرام اثني عشر ميلا من جوانب البيت ، والاقتصاد من كان بينه وبين المسجد من كل جانب اثني عشر ميلا ، وما عن الحلبي « واما القران والافراد ففرض أهل مكة وحاضريها ومن كان داره اثني عشر ميلا من اي جهاتها كان » وأصرح من ذلك ما عن التبيان « ففرض التمتع عندنا هو اللازم لكل من لم يكن من حاضري المسجد الحرام ، وهو من كان على اثنى عشر ميلا من كل جانب إلى مكة ثمانية وأربعين ميلا » بل عن ابن الربيب موافقته على هذا التنزيل ، وجعل من الصريح فيه قول الصدوق : « وحد حاضري المسجد أهل مكة وحواليها على ثمانية وأربعين ميلا » ونحوه كلامه في الهداية والأمالي ، وان كان فيه ما فيه ، ولكن ذلك كله يؤيد ما قلناه من الرجوع الى إطلاق ما دل على وجوب التمتع مع الاقتصار على الفرد المتيقن من الملحق بالحضور ، وهو من الاثنى عشر ميلا فما دون ، بل لعل ذلك هو المتعارف في التجوز بالحضور والموافق لحواليها ، بخلاف الثمانية وأربعين ميلا المنافية للحضور حقيقة وتجوزا ، فلا يصلح تحديدا على وجه يكون تحقيقا في تقريب على حسب غيره مما جاء التحديد فيه كذلك مثل المسافة والوجه والركوع ونحوها ، واحتمال المراد شرعا وان لم يكن من افراد مجاز الحضور كما ترى ،

٩

بل‌ قوله عليه‌السلام : « دون عسفان وذات عرق » الذين قد عرفت انهما على مرحلتين يؤيد الاثنى عشر ميلا ، لعدم القائل بغيرها مما هو دون الثمانية وأربعين ميلا ، بل يؤيده أيضا خبر الثمانية عشر (١) فإنه أقرب إليها من الثمانية وأربعين بل لعله من الاثنى عشر ميلا التقريبية ، كما أنه قد يؤيد ما ذكره ابن إدريس معلومية عدم كون الثمانية وأربعين ميلا من مجاز الحضور فضلا عن حقيقته ، فلا ريب في أن الأقوى التحديد بالاثني عشر مع احتمال إرادة التقريبية منها التي يندرج فيها الثمانية عشر فضلا عن كون مبدأ التحديد مكة أو المسجد وان من كان على رأسها فهو من الداخل أو الخارج ، ضرورة أن ذلك كله إنما يجي‌ء على التحقيقي لا التقريبي الذي يندرج فيه ذلك كله ، فتأمل جيدا فان منه يمكن الجمع بين النصوص كلها.

وكيف كان فان عدل هؤلاء إلى القران أو الافراد في حجة الإسلام اختيارا لم يجز بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ولما عرفت من أنهم مأمورون بغيرهما حاله ، كما لا خلاف في أنه يجوز لهم ذلك مع الاضطرار كضيق وقت أو حيض ، بل الإجماع أيضا بقسميه عليه مضافا إلى النصوص (٢) المستفيضة أو المتواترة في ذلك ، وستسمع جملة منها إن شاء الله ، وكذا لا خلاف أيضا في أفضلية التمتع على قسيميه لمن كان الحج مندوبا بالنسبة إليه لعدم استطاعته ، أو لحصول حج الإسلام منه ، والنصوص (٣) مستفيضة فيه أو متواترة ، بل هو من قطعيات مذهب الشيعة ، بل في بعضها (٤) عن‌ الصادق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أقسام الحج.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١٤.

١٠

عليه‌السلام « لو حججت ألفي عام ما قدمتها إلا متمتعا » ولا فرق في ذلك بين أن يحج عن نفسه أو عن غيره ، ولا بين من اعتمر في رجب أو شهر رمضان وغيره ، بل ولا بين المقيم في مكة منذ عشر سنين وغيره.

ولكن شروطه أي حج التمتع سواء كان مندوبا أو واجبا أربعة‌ الأول النية التي قد عرفت اعتبارها في كل عبادة ، إلا أنه قيل المراد بها هنا نية الإحرام كما في الدروس ، وفيه أن ذكرها فيه حينئذ مغن عنه هنا ، على أنه لا فرق بينه وبين باقي أفعال الحج والعمرة في اعتبار النية فيها ، فلا معنى لتخصيص الإحرام من بينها بذلك وإن قيل إن الوجه في ذلك كونه معظم الأفعال وكثير الأحكام ، لكنه كما ترى ، ولعله لذا كان الأولى إرادة نية حج التمتع بجملته ، بل في المدارك عن الشارح أن ظاهر الأصحاب وصريح سلار ذلك وإن كان المحكي عن الآخر أنه قال : نية الخروج إلى مكة ، بل في كشف اللثام عنه أنه قدمها على الدعاء للخروج من المنزل وركوب الراحلة والمسير ، إلا أن الظاهر منه إرادة نية النوع المخصوص من الحج ولكن أشكله هو وغيره باقتضائه الجمع بين هذه النية والنية لكل فعل من أفعال الحج على حدة ولا دليل عليه ، بل الأخبار خالية عن ذلك ، قلت : يمكن أن يكون مستنده‌ صحيح زرارة (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الذي يلي المفرد للحج في الفضل فقال : المتعة ، فقلت : وما المتعة؟ فقال : يهل بالحج في أشهر الحج فإذا طاف بالبيت وصلى الركعتين خلف المقام وسعى بين الصفا والمروة قصر وأحل ، فإذا كان يوم التروية أهل بالحج » إلى آخره ، ولا داعي إلى حمله على إرادة العمرة من الحج ، مضافا إلى الأمر به جملة والأمر بكل منها على وجه يظهر منه إرادة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣.

١١

اعتبار النية المستقلة ، وأنه لا تكفي فيه النية الأولى ، ولا تنافي بين وجوب نية الإجمال ونية التفصيل ، ولعل هذا أولى مما في كشف اللثام من أن المراد النية لكل من العمرة والحج وكل من أفعالهما المتفرقة من الإحرام والطواف والسعي ونحوها كما يأتي تفصيلها في مواضعها لا نية الإحرام وحده كما في الدروس ، وفي الدروس والمراد بالنية نية الإحرام ، ويظهر من سلار أنها نية الخروج إلى مكة ، وفي المبسوط الأفضل أن يقارن بها الإحرام ، فإن فاتت جاز تجديدها إلى وقت التحلل ولعله أراد نية التمتع في إحرامه لا مطلق نية الإحرام ، ويكون هذا التحديد بناء على جواز الإحرام المطلق كما هو مذهب الشيخ ، أو على جواز العدول إلى التمتع من إحرام الحج أو العمرة المفردة ، وهذا يشعر أن النية المعدودة هي نية النوع المخصوص ، قلت : فيكون موافقا لما قلناه.

والثاني وقوعه في أشهر الحج بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر عمر بن يزيد (١) : « ليس يكون متعة إلا في أشهر الحج » وغيره ، فلا يصح وقوع بعض عمرته في غيرها فضلا عنه وهي على الأصح شوال وذو القعدة وذو الحجة كما عن الشيخين في الأركان والنهاية وابني الجنيد وإدريس والقاضي في شرح الجمل ، لظاهر الأشهر في الآية (٢) وصحيح معاوية بن عمار (٣) عن الصادق عليه‌السلام وحسن زرارة (٤) عن الباقر عليه‌السلام ، وإجزاء الهدي وبدله طول ذي الحجة ، بل الطواف والسعي كما ستعرف وقيل كما عن الحسن والتبيان والجواهر وروض الجنان هي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ١٩٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٥.

١٢

شوال وذو القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة بل عن ظاهر الثاني والرابع اتفاقنا عليه ، لأن أفعال الحج بأصل الشرع تنتهي بانتهاء العاشر وإن رخص في تأخير بعضها وخروج ما بعده من الرمي والمبيت عنها ، ولذا لا يفسد بالإخلال بها ، وللخبر عن أبي جعفر عليه‌السلام (١) كما عن التبيان والروض وقيل كما عن الاقتصاد والجمل والعقود والمهذب الشهران الأولان وتسعة أيام من ذي الحجة لأن اختياري الوقوف بعرفات في التاسع ، بل عن الغنية وتسع من ذي الحجة أي تسع ليل ، فيخرج التاسع ، إلا أن يكون توسع ، ومن الكافي وثمان منه أي ثمان ليال ، فيخرج الثامن إلا أن يكون توسع ، وقد يكون ختمها بالثامن ، لأنه آخر ما شرع في أصل الشرع للإحرام بالحج وإن جاز التأخير رخصة وقيل كما عن المبسوط والخلاف والوسيلة والجامع الشهران وإلى طلوع الفجر من يوم النحر لأنه لا يجوز الإحرام بالحج بعده ، لفوات اضطراري عرفة ، ولكن يدرك اختياري المشعر إلى طلوع شمسه ، ولذا حكي عن ابن إدريس اختياره في موضع ، بل قيل هو ظاهر جمل العلم والعمل والمصباح ومختصره ومجمع البيان ومتشابه القرآن ، لأن فيها انها شوال وذو القعدة وعشرة من ذي الحجة بتأنيث العشر المقتضي لكون التمييز أياما لا لياليا ويحتمل التوسع وكيف كان فالظاهر لفظية الاختلاف في ذلك كما اعترف به غير واحد ، للاتفاق على أن الإحرام بالحج لا يتأتى بعد عاشر ذي الحجة وكذا عمرة التمتع ، وعلى إجزاء الهدي وبدله طول ذي الحجة وأفعال أيام منى ولياليها ، نعم في الدروس أن الخلاف فيها لعله مبني على الخلاف الآتي في وقت فوات المتعة : وفيه انه لا يتم في بعضها ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٦.

١٣

وعلى كل حال ف ضابط وقت الإنشاء لحج التمتع وابتدائه في هذه المدة ما يعلم انه يدرك المناسك فيه كغيره من الواجبات الموقتة.

والثالث ان يأتي بالحج والعمرة في سنة واحدة بلا خلاف فيه بين العلماء كما اعترف به في المدارك وغيرها ، وهو الحجة إن تم إجماعا مضافا إلى انسياقه من‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « دخلت العمرة في الحج هكذا وشبك بين أصابعه » وصحيح حماد أو حسنه (٢) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له ان يخرج حتى يقضي الحج ، فان عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق خرج محرما ودخل ملبيا بالحج ، فلا يزال على إحرامه ، فإن رجع إلى مكة رجع محرما ولم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس إلى منى على إحرامه ، وإن شاء وجهه ذلك إلى منى ، قال : فان جهل وخرج إلى المدينة أو إلى نحوها بغير إحرام ثم رجع في إبان الحج في أشهر الحج يريد الحج فيدخلها محرما أو بغير إحرام؟ فقال عليه‌السلام : إن رجع في شهره دخل مكة بغير إحرام ، وإن دخل في غير الشهر دخل محرما ، قال : فأي الإحرامين والمتعتين متعته الأولى أو الأخيرة؟ قال : الأخيرة هي عمرته ، وهي المحتبس بها التي وصلت بحجته » وخبر معاوية بن عمار (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : من اين يفترق المتمتع والمعتمر؟ فقال : إن المتمتع يرتبط بالحج ، والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء ، وقد اعتمر الحسين عليه‌السلام في ذي الحجة ثم راح يوم التروية إلى العراق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣٢ و ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب العمرة ـ الحديث ٣.

١٤

والناس يروحون إلى منى » وصحيح صفوان (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « إذا دخل المعتمر مكة غير متمتع فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وصلى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه‌السلام فليلحق بأهله إن شاء ، وقال : انما نزلت العمرة والمتعة لكن المتعة دخلت في الحج ولم تدخل العمرة في الحج » ومرسل ابان (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « المتمتع محتبس لا يخرج من مكة حتى يخرج إلى الحج إلا ان يأبق غلامه أو تضل راحلته فيخرج محرما ، ولا يجاوز إلا على قدر ما لا تفوته عرفة » وصحيح زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « قلت له : كيف أتمتع؟ قال : تأتي الموقف فتلبي إلى ان قال : وليس لك ان تخرج من مكة حتى تحج » وصحيحه الآخر (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « قلت له : كيف أتمتع؟ قال : تأتي الموقف فتلبي بالحج ، فإذا اتى مكة طاف وسعى وأحل من كل شي‌ء وهو محتبس ، وليس له ان يخرج من مكة حتى يحج » وحسن معاوية (٥) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنهم يقولون في حجة التمتع حجة مكية وعمرته عراقية ، قال : كذبوا ، أو ليس هو مرتبط بحجته لا يخرج منها حتى يقضي حجه؟ » إذ الظاهر كون المراد بيان خطئهم في ذلك الذي مآله إلى كون حج التمتع حج افراد ، وعمرة كذلك بزعمهم لحصول التحلل بينهما ، فان الحج إذا كان مرتبطا بالعمرة على وجه لا يجوز له الاقتصار على العمرة لا تكون العمرة مفردة ولا الحج ، فما في كشف اللثام ـ بعد ان ذكر الاستدلال بذلك وزاد ما رواه في المعتبر عن‌ سعيد بن المسيب (٦)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب العمرة ـ الحديث ٥ عن صفوان عن نجية عن أبي جعفر عليه‌السلام كما في الاستبصار ج ٢ ص ٣٢٥ الرقم ١١٥٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٢ مع اختلاف في اللفظ.

(٦) سنن البيهقي ج ٤ ص ٣٥٦.

١٥

« كان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعتمرون في أشهر الحج ، فإذا لم يحجوا من عامهم ذلك لم يهدوا » قال : ودلالة الجميع ظاهرة الضعف ، ولكن ظاهر التذكرة الاتفاق عليه ـ لا يخلو من نظر ، خصوصا بالنسبة إلى بعضها الذي هو كالصريح في ان عمرة التمتع مع حجه في تلك السنة كالعمل الواحد ، بل ظاهرها انه لا يجوز له الاقتصار على العمرة وجعلها مفردة بعد ان دخل متمتعا بها ، فإنه بذلك يكون مرتبطا ومحتبسا بحج تلك السنة معها إلا مع الضرورة كما اعترف به في المدارك حاكيا له عن صريح الشيخ وجمع من الأصحاب ، ولو لا ظهور هذه النصوص في ذلك لأشكل إثبات الشرطية المزبورة ، إذ الموجود في التذكرة « الثالث ان يقع الحج والعمرة في سنة واحدة ، فلو اعتمر ثم حج في السنة القابلة فلا دم عليه سواء أقام بمكة إلى ان حج أو رجع وعاد ، لأن الدم انما يجب إذا زاحم العمرة حجه في وقتها وترك الإحرام بحجه من الميقات مع حصوله بها في وقت الإمكان ، ولم يوجد وهذه الشرائط الثلاثة عندنا شرائط في التمتع » وليس صريحا في الإجماع بل ولا ظاهرا ، على ان في الدروس والاعتبار بالإهلال في أشهر الحج لا بالأفعال أو الإحلال ، ثم قال : ولو اتى بالحج في السنة القابلة فليس بمتمتع ، نعم لو بقي على إحرامه بالعمرة من غير إتمام الأفعال إلى القابل احتمل الاجزاء ، ولو قلنا إنه صار معتمرا بمفردة بعد خروج أشهر الحج ولما يحل لم يجز ، وإن كان فيه أيضا ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه ، ضرورة ان ما ذكره من كون الاعتبار بالإهلال خلاف ظاهر النص والفتوى الدال على اشتراط وقوع العمرة في أشهر الحج ، فإنها اسم لمجموع الأفعال ، فيجب وقوعها فيها ، ولا يكتفي بالإهلال ، كضرورة منافاة ذلك لما سمعت من خبره الناص على الإتيان بهما في سنة واحدة ، إذ من المعلوم عدم وقوع العمرة بتمامها في سنة الحج في الفرض ، لأن من أفعالها الإحرام‌

١٦

والفرض وقوعه في السنة الماضية على ان مقتضى‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « دخلت العمرة في الحج » كون حكمها حكم الحج ، فكما لا يجوز البقاء على إحرام الحج إلى القابل فكذا العمرة ، والله العالم.

والرابع ان يحرم بالحج له من بطن مكة مع الاختيار والتذكر بلا خلاف أجده فيه نصا (١) وفتوى ، بل في كشف اللثام الإجماع عليه ، لكن‌ قال إسحاق (٢) : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المتمتع يجي‌ء فيقضي متعته ثم يبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة أو الى ذات عرق أو الى بعض المعادن قال : يرجع الى مكة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه ، لأن لكل شهر عمرة ، وهو مرتهن بالحج قلت : فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه قال : كان أبي مجاورا هاهنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج ، ودخل وهو محرم بالحج » ولا صراحة فيه فيما ينافي ذلك.

ولكن أفضل مواضعه منها المسجد اتفاقا كما في المدارك لكونه أشرف الأماكن ، ولاستحباب الإحرام عقيب الصلاة التي هي في المسجد أفضل ، ولقول الصادق عليه‌السلام في حسن معاوية (٣) « إذا كان يوم التروية ان شاء الله فاغتسل ثم البس ثوبيك وادخل المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار ، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام أو في الحجر ، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة ، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين إحرامك من الشجرة ، وأحرم بالحج » وفي‌ خبر أبي بصير (٤) « إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم إلى أن قال : ثم ائت المسجد الحرام فصل فيه ست‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب المواقيت.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤.

١٧

ركعات » إلى آخره.

وعلى كل حال لا يتعين الإحرام منه اتفاقا كما عن التذكرة وإن أوهمته بعض العبارات ، لكن‌ سأل عمرو بن حريث (١) الصادق عليه‌السلام « من أين أهل بالحج؟ فقال : إن شئت من رحلك وإن شئت من المسجد وإن شئت من الطريق » وأفضله المقام لقول الصادق عليه‌السلام في خبر عمر بن يزيد (٢) : « إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة ، ثم صل ركعتين خلف المقام ، ثم أهل بالحج ، فان كنت ماشيا فلب عند المقام ، وإن كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك » وعن الصدوق التخيير بينه وبين الحجر ، لحسن معاوية (٣) السابق ، لكن فيه أن اشتراكهما في الفضل بالنسبة إلى سائر الأماكن لا ينافي الأفضلية المزبورة المستفادة من الأمر به خاصة في خبر عمر بن يزيد ، ومن تعدد الرواية به ومن موافقته الأمر به في الآية (٤) باتخاذه مصلى ، نعم عن الكافي والغنية والجامع والنافع وشرحه والتحرير والمنتهى والتذكرة والدروس التخيير بينه وبين تحت الميزاب في الأفضلية ، وفي كشف اللثام وكأن المعنى واحد ، واقتصر في محكي الإرشاد والتلخيص والتبصرة على فضل ما تحت الميزاب ولم يذكر المقام ، ولم نعثر له على شاهد يقتضي فضله على المقام ، والأمر في ذلك سهل بعد عدم تعين شي‌ء منهما قطعا لما عرفت ، مضافا إلى الأصل ، وخصوص‌ خبر يونس بن يعقوب (٥) سأل الصادق عليه‌السلام « من أي المساجد أحرم يوم التروية؟ فقال : من أي مسجد شئت » وفي كشف اللثام وكأنه إجماع وإن أوهم خلافه بعض العبارات ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٤) سورة البقرة ـ الآية ١١٩.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣.

١٨

ولو أحرم بالعمرة المتمتع بها في غير أشهر الحج لم يجز له التمتع بها لما عرفته من اشتراط وقوع حج التمتع في أشهر الحج ، ولذا قال في المدارك هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، بل النصوص وافية في الدلالة عليه ، كصحيح عمر بن يزيد (١) السابق وغيره (٢) وكذا لو فعل بعضها في أشهر الحج خلافا لبعض العامة وإن كان الأكثر خلافا لأبي حنيفة منهم وحينئذ لم يلزمه الهدي الذي هو من توابع التمتع ، لكن هل تقع العمرة صحيحة وإن لم يجز التمتع بها كما تشعر به العبارة ، بل عن التذكرة والمنتهى التصريح به ، بل عنهما التصريح بما هو أبلغ من ذلك من أن من أحرم بالحج في غير أشهره لم ينعقد إحرامه له وانعقد للعمرة مستدلا عليه بخبر الأحول (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل فرض الحج في غير أشهر الحج قال : يجعلها عمرة » أو لا تقع كما اختاره في المدارك فإنه بعد أن ذكر ما حكيناه قال : « والأصح عدم الصحة مطلقا ، أما عن المنوي فلعدم حصول شرطه ، وأما عن غيره فلعدم نيته ، ونية المفيد لا تستلزم نية المطلق كما قررناه مرارا » وتبعه في كشف اللثام ، وعن التحرير التردد في ذلك ، وفيه أنه لا ريب في البطلان بمقتضى القواعد العامة ، ولكن لا بأس بالقول به للخبر المزبور مؤيدا بخبر سعيد الأعرج (٤) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « من تمتع في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة ، وإن تمتع في غير أشهر الحج ثم جاور حتى يحضر الحج فليس عليه دم ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أقسام الحج.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١.

١٩

انما هي حجة مفردة ، إنما الأضحى على أهل الأمصار » ودعوى عدم الدلالة صريحا ـ لاحتمال أن يكون المراد منها من أراد فرض الحج في غير أشهره لا يقع حجه صحيحا ، بل ينبغي أن يجعل النسك الذي يريد فعله عمرة ـ يدفعها أن ذلك لا ينافي الظهور المعلوم كفايته كما هو واضح ، هذا.

وظاهر الأصحاب عدم اشتراط أمر آخر غير الشرائط الأربعة أو الثلاثة في حج التمتع ، لكن عن بعض الشافعية اشتراط أمر آخر ، وهو كون الحج والعمرة عن شخص واحد ، فلو أوقع المتمتع الحج عن شخص والعمرة عن آخر تبرعا مثلا لم يصح ، ويمكن أن يكون عدم ذكر أصحابنا لذلك اتكالا على معلومية كون التمتع عملا واحدا عندهم ، ولا وجه لتبعيض العمل الواحد ، فهو في الحقيقة مستفاد من كون حج التمتع قسما مستقلا ، ويمكن أن لا يكون ذلك شرطا عندهم لعدم الدليل على الوحدة المزبورة التي تكون العمرة معها كالركعة الأولى من صلاة الصبح ، وإلا لم تصح عمرته مثلا مع اتفاق العارض عن فعل الحج إلى أن مات ، بل المراد اتصاله بها وإيجاب إردافه بها مع التمكن ، وحينئذ فلا مانع من التبرع بعمرته عن شخص وبحجه عن آخر لإطلاق الأدلة ، بل لعل‌ خبر محمد بن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام دال عليه ، قال « سألته عن رجل يحج عن أبيه أيتمتع؟ قال : نعم المتعة له والحج عن أبيه » وأما الوقوع من شخص واحد فلم أجد في كلام أحد التعرض له بمعنى أنه لو فرض التزامه بحج التمتع بنذر وشبهه فاعتمر عمرته ومات مثلا فهل يجزي نيابة أحد عنه مثلا بالحج من مكة؟ وإن كان الذي يقوى عدم الاجزاء إن لم يكن دليل خاص ، وربما يأتي في الأبحاث الآتية نوع تحقيق له ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١١.

٢٠