جواهر الكلام - ج ١٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

حكي عن العلامة الطباطبائي وإن كنا لم نتحققه خلاف الظاهر بلا داع.

كما أنه لا ريب في عدم المنافاة بين ما سمعته من أيام الأسبوع وأيام الشهر بعد انسياق تعدد الجهة من ذلك ونحوه على معنى أنه جيد من حيث الأسبوع ردي من حيث الشهر كما هو واضح.

ومن هنا ينبغي أيضا اجتناب أيام السنة المروية‌ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) « ان في السنة أربعة وعشرين يوما نحسات ، في كل شهر منها يومان : ففي المحرم الحادي عشر والرابع عشر ، وفي صفر الأول منه والعشرون ، وفي ربيع الأول العاشر والعشرون ، وفي ربيع الثاني الأول والحادي عشر ، وفي جمادى الأولى العاشر والحادي عشر ، وفي جمادى الثانية الأول والحادي عشر ، وفي رجب الحادي عشر والثالث عشر ، وفي شعبان الرابع ، والعشرون ، وفي شهر رمضان الثالث ، والعشرون ، وفي شوال السادس والثامن ، وفي ذي القعدة السادس والعاشر ، وفي ذي الحجة الثامن ، والعشرون » بل عن الصادق عليه‌السلام (٢) « ان في السنة اثنى عشر يوما من اجتنبها نجا ، ومن وقع فيها هوى ، فاحفظوها ، في كل شهر منها يوم : ففي المحرم الثاني والعشرون ، وفي صفر العاشر ، وفي ربيع الأول الرابع ، وفي ربيع الثاني الثامن والعشرون ، وفي جمادى الأولى الثاني والعشرون ، وفي جمادى الثانية الثاني عشر ، وفي رجب الثاني عشر ، وفي شعبان السادس والعشرون وفي شهر رمضان الرابع والعشرون ، وفي شوال الثاني ، وفي ذي القعدة الثامن والعشرون ، وفي ذي الحجة الثامن ».

__________________

(١) تقويم المحسنين للفيض الكاشاني قدس‌سره ص ٣٢ و ٣٣.

(٢) تقويم المحسنين للفيض الكاشاني ١ ص ٣٤ وفيه‌ « وفي جمادى الأولى الثامن والعشرون ».

١٦١

وحينئذ فالذي ينبغي لمن أراد أن يخرج اليوم الذي يريده لسفر أو غيره ملاحظة حاله في الأسبوع وفي مطلق الشهر وفي خصوص كل شهر ملاحظا للروايتين المزبورتين ، بل ينبغي أيضا ملاحظة الأشهر الفارسية تخلصا مما سمعته من الكاشاني.

بل ينبغي مع ذلك ملاحظة عدم كون القمر في المحاق كما أشير إليه في بعض النصوص (١).

بل‌ والعقرب (٢) الذي إن سافر أو تزوج والقمر فيه لم ير الحسنى.

وينبغي للمسافر وغيره استصحاب شي‌ء من تربة الحسين عليه‌السلام التي هي أمان من كل خوف وشفاء من كل داء (٣) وخصوصا (٤) إذا أخذ السبحة من تربته ودعا بدعاء المبيت على الفراش ثلاث مرات ثم قبلها ووضعها على عينه ، وقال : « اللهم إني أسألك بحق هذه التربة وبحق صاحبها وبحق جده وأبيه وأمه وأخيه وبحق ولده الطاهرين اجعلها شفاء من كل داء ، وأمانا من كل خوف ، وحفظا من كل سوء » ثم وضعها في جيبه ، فإنه من فعل ذلك في الغداة فإنه لا يزال في أمان الله حتى العشاء ، وإن فعل ذلك في العشاء فلا يزال في أمان الله حتى الغداة وإن خاف من سلطان أو غيره وخرج من منزله واستعمل ذلك كان حرزا له.

واستصحاب‌ خاتم من عقيق أصفر (٥) على أحد جانبيه « ما شاء الله لا قوة‌

__________________

(١) مكارم الأخلاق ص ٢٧٧ المطبوعة بطهران عام ١٣٧٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب المزار ـ من كتاب الحج.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب آداب السفر.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ١.

١٦٢

إلا بالله أستغفر الله » وعلى الجانب الآخر « محمد وعلي » فإنه أمان من النطع ، وأتم للسلامة ، وأصوب للدين.

وخاتم فيروزج (١) نقشه في أحد جانبيه « الله الملك » وعلى الجانب الآخر « الملك لله الواحد القهار » فإنه أمان من السباع ، وظفر في الحروب.

واستصحاب عصا من لوز مر ، ف‌ في الفقيه (٢) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من خرج في سفر ومعه عصا من لوز مر وتلا هذه الآية (٣) ( وَلَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ ) إلى قوله تعالى ( وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ ) آمنه الله من كل سبع ضار ، ومن كل لص عاد ، ومن كل ذات حمة حتى يرجع إلى أهله ومنزله وكان معه سبعة وسبعون من المعقبات يستغفرون له حتى يرجع ويضعها » قال (٤) : « وقال عليه‌السلام : من أراد أن تطوى له الأرض فليتخذ النقد من العصا والنقد عصا لوز مر » ورواه في ثواب الأعمال مسندا إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وكذا الذي قبله‌ قال (٥) : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنه ينفي الفقر ولا يجاوره شيطان » قال (٦) : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « مرض آدم عليه‌السلام مرضا شديدا فأصابته وحشة فشكا ذلك إلى جبرئيل عليه‌السلام فقال له : اقطع واحدة منه وضمها إلى صدرك ففعل ذلك فأذهب عنه الوحشة » ، والأولى‌ أن يكتب (٧) في رق « سلهملس ( سلمهلمس خ ل ) و ٥ برلهويا ٥ الله باوبر صاف ٥ معسار ربره » ويحفر رأس العصا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب آداب السفر الحديث ١.

(٣) سورة القصص ـ الآية ٢١ ـ ٢٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب آداب السفر الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب آداب السفر الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب آداب السفر الحديث ٤.

(٧) البحار ـ المجلد ٢٢ ص ٤ الطبعة الكمپاني مع الاختلاف.

١٦٣

ويضعه فيه ، وفي الدروس ويستحب استصحاب العصا وخصوصا اللوز المر ، ونحوه عن المنتهى ، وظاهرهما حصول الاستحباب بمطلق العصا وإن تأكد باللوز المر ، ولكن لم أجد ما يدل عليه في خصوص المسافر ، نعم في ١٥٠٦٢‌ الفقيه (١) بإسناده « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حمل العصا ينفي الفقر ولا يجاوره شيطان ، وقال : تعصوا فإنها من سنن إخواني النبيين ، وكانت بنو إسرائيل الصغار والكبار يمشون على العصا حتى لا يختالوا في مشيهم » ولعلهما أخذاه من ذلك ، كما أن ما فيها أيضا من تخصيص بعض ما سمعته في خصوص سفر الحج كذلك أيضا ، قال : « درس يستحب لمن أراد الحج أن يقطع العلائق بينه وبين معامليه ، ويوصي بما يهمه ، وأن يجمع أهله ، ويصلي ركعتين ، ويسأل الله الخيرة في عافية ، ويدعو بالمأثور ، فإذا خرج وقف على باب داره تلقاء وجهه وقرأ الفاتحة ثم يقرؤها عن يمينه ويساره وكذا آية الكرسي ، ويدعو بالمنقول ، ويتصدق بشي‌ء ، وليقل بحول الله وقوته أخرج ، ثم يدعو عند وضع رجله في الركاب ، وعند الاستواء على الراحلة ، ويكثر من ذكر الله تعالى في سفره ، ويستحب الخروج يوم السبت أو الثلاثاء ، واستصحاب العصا ، وخصوصا اللوز المر » إلى آخره ، ولا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه ما يدل على ما ذكره وغيره.

ويستحب له أيضا التحنك ، فان‌ الكاظم عليه‌السلام (٢) قال : « أنا ضامن ثلاثا لمن خرج يريد سفرا معتما تحت حنكه أن لا يصيبه السرق ولا الغرق ولا الحرق » بل‌ قال الصادق عليه‌السلام (٣) : « من خرج في سفر ولم يدر العمامة تحت حنكه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ١ و ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

١٦٤

فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه » و « من خرج من منزله معتما تحت حنكه يريد سفرا لم يصبه في سفره سرق ولا حرق ولا مكروه (١) » بل‌ عن الرضا عليه‌السلام (٢) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو أن رجلا خرج من منزله يوم السبت معتما بعمامة بيضاء قد حنكها تحت حنكه ثم أتى إلى جبل ليزيله من مكانه لأزاله ».

وفي المرسل (٣) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا « من شرف الرجل أن يطيب زاده إذا خرج في سفر » وعن الصادق عليه‌السلام (٤) أيضا « إذا سافرتم فاتخذوا سفرة وتنوقوا فيها » و « ما من نفقة أحب إلى الله من نفقة قصد ، ويبغض الله الإسراف إلا في حج أو عمرة (٥) » وفي الفقيه (٦) « كان علي بن الحسين عليهما‌السلام إذا سافر إلى مكة للحج تزود من أطيب الزاد من اللوز والسكر والسويق المحمص والمحلى ».

وينبغي أن يكون حلقة السفرة من حديد لا صفر ونحوه حتى لا يقرب شيئا مما فيها شي‌ء من الهوام.

نعم ينبغي استثناء زيارة الحسين عليه‌السلام من ذلك ، لما‌ عن الصادق عليه‌السلام (٧) « بلغني أن قوما إذا زاروا الحسين عليه‌السلام حملوا معهم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب لباس المصلي ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ١.

١٦٥

السفرة فيها الجداء والأخبصة وأشباهه ، ولو زاروا قبور آبائهم ما حملوا معهم هذا » وفي آخر (١) قال لبعض أصحابه : « أتأتون قبر أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام؟ فقال له : نعم ، قال : تتخذون لذلك سفرة قال : نعم ، قال : أما لو أتيتم قبور آبائكم وأمهاتكم لم تفعلوا ذلك ، فقلت : فأي شي‌ء نأكل؟ قال : الخبز واللبن » وفي الحدائق لا يبعد اختصاص ذلك بأهل البلدان القريبة كبغداد والحلة والمشهد ونحوها ، دون أصفهان وخراسان ونحوهما.

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) « الرفيق ثم الطريق » أي السفر ، بل‌ قال (٣) : « ألا أنبئكم بشر الناس؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : من سافر وحده ومنع رفده وضرب عبده » وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) : « يا علي لا تخرج في سفر وحدك ، فان الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد ، يا علي ان الرجل إذا سافر وحده فهو غاو ، والاثنان غاويان ، والثلاثة نفر » بل عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) أيضا « أنه لعن الآكل زاده وحده ، والنائم في البيت وحده ، والراكب في الفلاة وحده » وفي المرسل (٦) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا « لا تسافروا حتى تصيبوا لمة » أي رفقة ، قال إسماعيل بن جابر (٧) : « كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام بمكة إذ جاء رجل من أهل المدينة فقال : من صحبك؟ فقال : ما صحبت أحدا ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أما لو كنت تقدمت إليك لأحسنت أدبك ، ثم قال : واحد شيطان ، واثنان شيطانان ، وثلاثة صحب ، وأربعة رفقاء » ولو اتفق الاضطرار‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب المزار ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ٧.

(٦) نهاية ابن الأثير : مادة « لمه ».

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ٨.

١٦٦

إلى السفر وحده فليقل : « ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم آنس وحشتي وأعني على وحدتي وأد غيبتي » (١).

وينبغي أن تصحب من تتزين به ولا تصحب من يتزين بك‌ فإنه ما اصطحب اثنان إلا كان أعظمهما أجرا وأحبهما إلى الله أرفقهما بصاحبه‌ (٢) بل عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٣) « لا تصحبن في سفر من لا يرى لك من الفضل عليه كما ترى له عليك ».

وليصحب الإنسان نظيره حتى لا يذل ولا يذل غيره إلا مع طيب نفس المبذول له بذلك (٤) و « من السنة إذا خرج القوم في سفر أن يخرجوا نفقتهم فان ذلك أطيب لأنفسهم وأحسن لأخلاقهم » (٥).

ويستحب أيضا تشييع المسافر وتوديعه كما فعله أمير المؤمنين عليه‌السلام بأبي ذر (٦) وأن يقول كما‌ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٧) إذا ودع المؤمنين : « زودكم الله التقوى ، ووجهكم إلى كل خير ، وقضى لكم كل حاجة ، وسلم لكم دينكم ودنياكم ، وردكم سالمين إلى سالمين » وفي آخر (٨) عن أبي جعفر عليه‌السلام « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا ودع مسافرا أخذ بيده ثم قال : أحسن الله لك الصحابة ، وأكمل لك المعونة ، وسهل لك الحزونة ، وقرب لك البعيد ، وكفاك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب آداب السفر.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ١.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ٢.

١٦٧

المهم ، وحفظ لك دينك وأمانتك وخواتيم عملك ، ووجهك لكل خير ، عليك بتقوى الله استودع الله نفسك ، سر على بركة الله عز وجل » وقد تقدم في الأذان ما يعلم منه حكم الأذان خلفه.

وينبغي أن يخلف في أهله وماله ، وخصوصا إذا كان في سفر الحج ، فقد‌ قال علي بن الحسين عليهما‌السلام (١) : « من خلف حاجا في أهله وماله كان له كأجره حتى كأنه يستلم الحجر ».

وينبغي للمسافر المحافظة على ما حكاه‌ الصادق عليه‌السلام في خبر حماد ابن عيسى (٢) من وصية لقمان لابنه « يا بني إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك وأمورهم ، وأكثر التبسم في وجوههم ، وكن كريما على زادك ، وإذا دعوك فأجبهم ، وإذا استعانوا بك فأعنهم ، واستعمل طول الصمت وكثرة الصلاة وسخاء النفس بما معك من دابة أو ماء أو زاد ، وإذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم ، واجهد رأيك إذا استشاروك ، ثم لا تعزم حتى تثبت وتنظر ، ولا تجب في مشورة حتى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتصلي وأنت مستعمل فكرتك وحكمتك في مشورتك ، فان من لم يمحض النصح لمن استشاره سلبه الله رأيه ، ونزع منه الأمانة ، وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم ، وإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم ، وإذا تصدقوا وأعطوا قرضا فأعط معهم ، واسمع لمن هو أكبر منك سنا ، وإذا أمروك بأمر وسألوك شيئا فقل : نعم ، ولا تقل لا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ١ وذكر ذيله في الباب ٤٣ منها ـ الحديث ١.

١٦٨

فان لا عي ولؤم ، وإذا تحيرتم في الطريق فانزلوا ، وإذا شككتم في القصد فقفوا وتآمروا ، وإذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه عن طريقكم ولا تسترشدوه ، فان الشخص الواحد مريب لعله يكون عين اللصوص ، أو يكون هو الشيطان الذي حيركم ، واحذروا الشخصين أيضا إلا ان تروا ما لا أرى ، فإن العاقل إذا أبصر بعينه شيئا عرف الحق منه ، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب ، يا بني إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشي‌ء ، صلها واسترح منها ، فإنها دين ، وصل في جماعة ولو على رأس زج ، ولا تنامن على دابتك فان ذلك سريع في دبرها ، وليس ذلك من فعل الحكماء إلا ان تكون في محمل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل ، وإذا قربت من المنزل فانزل عن دابتك ، وابدأ بعلفها ، فإنها نفسك ، وإذا أردتم النزول فعليكم من بقاع الأرض بأحسنها لونا ، وألينها تربة ، وأكثرها عشبا ، فإذا نزلت فصل ركعتين قبل ان تجلس ، وإذا أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب في الأرض ، وإذا ارتحلت فصل ركعتين ، ثم ودع الأرض التي حللت بها وسلم عليها وعلى أهلها ، فإن لكل بقعة أهلا من الملائكة ، وان استطعت أن لا تأكل طعاما حتى تبدأ فتصدق منه فافعل ، وعليك بقراءة كتاب الله ما دمت راكبا ، وعليك بالتسبيح ما دمت عاملا عملا ، وعليك بالدعاء ما دمت خاليا ، وإياك والسير من أول الليل ، وسر في آخره ، وإياك ورفع الصوت في سيرك يا بني سافر بسيفك وخفك وعمامتك وحبالك وسقائك وخيوطك ومخرزك ، وتزود معك من الأدوية ما تنتفع به أنت ومن معك ، وكن لأصحابك موافقا إلا في معصية الله عز وجل » وقال الصادق عليه‌السلام أيضا في خبر صفوان (١) : « كان أبي عليه‌السلام يقول : ما يعبأ بمن يؤم هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاث خصال ، خلق يخالق به من صحبه ، وحلم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ٥.

١٦٩

يملك به غضبه ، وورع يحجزه عن محارم الله » وهو معنى ما رواه‌ محمد بن مسلم (١) عنه عليه‌السلام « قل ما يعبأ بمن يسلك هذا الطريق إذا لم يكن فيه ثلاث خصال : ورع يحجزه عن معاصي الله ، وحلم يملك به غضبه ، وحسن الصحبة لمن صحبه » وقال الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (٢) : « وطن نفسك على حسن الصحابة لمن صحبت وفي حسن خلقك ، وكف لسانك ، واكظم غيظك ، وأقل لغوك ، وتفرش عفوك ، وتسخي نفسك » إلى غير ذلك مما يستفاد من رواياتهم من مكارم الأخلاق وغيرها في السفر والحضر وخصوص سفر الحج التي يتعذر أو يتعسر استقصاؤها خصوصا مع ملاحظة ما فيها من تعليل البركة بولادة أحد الأنبياء أو وقوع نعمة عظيمة فيه ، والشؤم بوقوع أمر سي‌ء فيه من موت نبي أو وصي أو نوع من غضب الله تعالى أو نحو ذلك ، وقد تكفل ابن طاوس والمجلسي والكاشاني والحر في الوسائل بجمعها أو أكثرها.

وكيف كان ف القول الأول في الإحرام منها ويقع النظر في مقدماته وكيفيته وأحكامه وخاتمته ، أما المقدمات ف كلها مستحبة ، وهي أمور ، منها توفير شعر رأسه من أول ذي القعدة إذا أراد التمتع ، ويتأكد عند هلال ذي الحجة على الأشبه وفاقا للمشهور شهرة عظيمة وخصوصا بين المتأخرين ، بل لعل كافتهم عليه ، إذ ابن إدريس وان حكي عنه الخلاف لظهور أول كلامه فيه لكن كما قيل صرح بعد ذلك بالندب ، بل لم أجد فيه خلافا من غيرهم أيضا إلا من الشيخين في المقنعة والنهاية والاستبصار ، مع ان الأول منهما انما قال : « إذا أراد الحج فليوفر شعر رأسه في مستهل ذي القعدة فإن حلقه في ذي القعدة كان عليه دم يهريقه » والثاني في الأول « إذا أراد الإنسان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ٢.

١٧٠

ان يحج متمتعا فعليه ان يوفر شعر رأسه ولحيته من أول ذي القعدة ، ولا يمس شيئا منها » ونحوه في الثاني ، ولا صراحة بذلك في الوجوب ، خصوصا بعد معلومية التسامح من مثلهم بإطلاق لفظه وإرادة الندب ، فضلا عن التعبير المزبور وعلى تقديره فلا ريب في ضعفه ، فان النصوص وإن كان ظاهر الأمر ونحوه فيها ذلك ـ قال الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن مسكان (١) : « لا تأخذ من شعرك وأنت تريد الحج من ذي القعدة ولا في الشهر الذي تريد الخروج فيه للعمرة » وفي صحيح معاوية بن عمار (٢) « ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ) : شوال وذو القعدة وذو الحجة فمن أراد الحج وفر شعره إذا نظر إلى هلال ذي القعدة ، ومن أراد العمرة وفر شهرا » وفي صحيح عبد الله بن سنان (٣) « اعف شعرك للحج إذا رأيت هلال ذي القعدة ، وللعمرة شهرا » وفي خبر سعيد الأعرج (٤) « لا يأخذ الرجل إذا رأى هلال ذي القعدة وأراد الخروج من رأسه ولا من لحيته » وفي موثق ابن مسلم (٥) « خذ من شعرك إذا أزمعت الحج شوال كله إلى غرة ذي القعدة » وأبو جعفر عليه‌السلام في خبر أبي حمزة (٦) « لا تأخذ من رأسك وأنت تريد الحج في ذي القعدة ، ولا في الشهر الذي تريد الخروج فيه للعمرة » وسأل الصادق عليه‌السلام أيضا الحسين بن أبي العلاء في الحسن (٧) « عن الرجل يريد الحج أيأخذ من شعر رأسه في شوال كله ما لم ير الهلال؟ قال : لا بأس ما لم ير الهلال » ويزيد الكناسي (٨) « عن الرجل يريد الحج أيأخذ من شعره في أشهر الحج؟ قال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٧.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٤ عن أبي الصباح الكناني.

١٧١

لا ولا من لحيته ، ولكن يأخذ من شاربه وأظفاره ، وليطل ان شاء » ـ إلا ان روائح الندب منه ظاهرة ، خصوصا بعد ملاحظة الشهرة المزبورة ، وصحيح علي بن جعفر (١) عن أخيه عليه‌السلام « سألته عن الرجل إذا هم بالحج يأخذ من شعر رأسه ولحيته وشاربه ما لم يحرم قال : لا بأس » وموثق سماعة (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن الحجامة وحلق القفا في أشهر الحج قال : لا بأس والسواك والنورة » واحتمال ارادة خصوص شوال من أشهر الحج كما ترى ، وخبر محمد بن خالد الخزاز (٣) « سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : أما أنا فآخذ من شعري حين أريد الخروج إلى مكة للإحرام » بل وخبر إسماعيل بن جابر (٤) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كم أوفر شعري؟ قال : إذا أردت هذا السفر أعفه شهرا » بناء على إرادة الأعم من العمرة من السفر فيه ، إذ هو حينئذ أقل من التوفير من أول ذي القعدة ، بل لعل الاعفاء فيه وفي غيره من النصوص السابقة مشعر بالندب أيضا ، وفي‌ خبر جميل بن دراج (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن متمتع حلق رأسه بمكة قال : إذا كان جاهلا فليس عليه شي‌ء ، وان تعمد ذلك في أول الشهور للحج بثلاثين يوما فليس عليه شي‌ء ، وان تعمد بعد الثلاثين يوما التي يوفر فيها الشعر للحج فان عليه دما يهريقه » ونحوه مرسله (٦) الآخر إلا انه ذكر الناسي مع الجاهل في المعذورية ، وبمضمونها ما حكي من عبارة الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليه‌السلام (٧) وظاهره‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التقصير ـ الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التقصير ـ الحديث ١.

(٧) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

١٧٢

معروفية الثلاثين في التوفير لا غرة ذي القعدة.

ومنه تقوى دلالة الخبر السابق عليه ، فيجب الجمع بينهما بتفاوت مراتب الندب ، كما فهمه المشهور الذي قد يؤيده أيضا‌ خبر علي بن جعفر (١) عن أخيه المروي عن قرب الاسناد « من أراد الحج فلا يأخذ من شعره إذا مضت عشرة من شوال » المعلوم عدم إرادة الحرمة منه ، بل لم أعثر على مفت فيه بالكراهة عدا الحر في الوسائل.

وعلى كل حال فوسوسة بعض متأخري المتأخرين في الحكم المزبور عملا بالأمر والنهي المزبورين في النصوص السابقة مقتصرا على ذكر موثق سماعة في المعارضة طاعنا فيه في السند بل والدلالة باعتبار إمكان إرادة ذي القعدة من أشهر الحج فيه في غير محلها ، لما عرفت من الشهرة العظيمة وصحيح علي بن جعفر وغير ذلك

ثم انه يمكن ارادة ما يشمل اللحية من الرأس في المتن ونحوه كما عن الشيخ وبني إدريس وسعيد والبراج والفاضل في جملة من كتبه التصريح به ، لخصوص خبر سعيد الأعرج بل وإطلاق شعرك وشعر رأسه في النصوص المزبورة بناء على ما في كشف اللثام من ان الرأس قد يشمل الوجه ، فشعره يشمل شعره ، وإن كان الظاهر انسياق غيرها منه ، وأما ما سمعته من المفيد فلم أجد ما يدل عليه سوى خبر جميل (٢) السابق المطعون في سنده بعلي بن حديد ، وحمله بعضهم على الندب ، وآخر على وقوع ذلك بعد الإحرام ، لتقييد السؤال بكونه بمكة مع تقييد الجواب به ، لعود الضمير فيه إلى المسؤول عنه ، ومن هنا قيل انه ساقط ، لكونه ضعيف السند ، متهافت المتن ، فلا يصلح لإثبات حكم شرعي ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التقصير ـ الحديث ٥.

١٧٣

لكن في كشف اللثام قد استدل به على تأكد الندب عند هلال ذي الحجة الذي ذكره المصنف وتبعه الفاضل ، ثم قال : ويحتمل اختصاصه بمتمتع دخل مكة ، وهو حينئذ محرم ، وألزمه المفيد الدم بالحلق بعد هلال ذي القعدة ، وهو الذي أوجب نسبة وجوب التوفير اليه ، لكن ابن سعيد وافقه فيه مع انه قال : ينبغي لمن أراد الحج توفير شعر رأسه ولحيته ، قلت : ومن هنا قلنا لا صراحة في كلامه بالمخالفة وإن قلنا بوجوب الدم ، مع إمكان إرادته الندب منه أيضا ، نعم لا يخفى عليك عدم دلالته على التأكد المزبور ، بل في الرياض في كل من الاستدلال به على ذلك والاحتمال المذكور نظر ، وإن كان في النظر في الأخير نظر ، ضرورة احتمال الخبر المزبور لذلك على أن يكون المراد بيان حكم المتمتع الذي دخل مكة في شوال وفي غيره ، فلا بأس بالحلق فيه بعد الإحلال من عمرة التمتع لبقاء زمان توفير الشعر فيه للحج ، بخلاف ما إذا كان في ذي القعدة مثلا ، وحينئذ يراد من الثلاثين فيه الثانية الكناية عن شوال التي بمضيها تحل الثلاثون التي يوفر فيها الشعر للحج ، فقوله عليه‌السلام : « التي يوفر فيها الشعر للحج » كالوصف للأيام المستفادة من قوله عليه‌السلام : « بعد » وهي أيام ذي القعدة ، ولعل هذا أولى مما في الحدائق من تقدير بعد دخول الثلاثين لا مضيها ردا على صاحب المدارك ، ضرورة كون المنساق من قوله « بعد » معنى المضي لا الدخول ، لكن ما ذكرناه أحسن ، وعلى التقديرين تصلح دلالة الخبر المزبور ، إلا ان الانصاف مع ذلك كله عدم وضوح دلالة الخبر على وجه يصلح لإثبات الوجوب كما سمعته من المفيد ، نعم لا بأس بالقول باستحباب إهراق الدم بذلك.

ثم لا يخفى عليك إطلاق النصوص المزبورة ، إلا أن المصنف تبعا للشيخ وابن حمزة قيده بالمتمتع ، وتبعه الفاضل في كثير من كتبه ، ولا ريب أن الأول أولى ، وأولى منه ذكر استحباب توفيره للعمرة المفردة شهرا ، كما صرح به في‌

١٧٤

الدروس ، لما سمعته من النص (١) بل والتحرير وإن قال من أول الشهر الذي يريد العمرة فيه ، لما سمعته من النص (٢) أيضا ، وجعل في الوسائل المستحب أحدهما ، ويمكن كون المراد بأحدهما عين الآخر ، وعلى كل حال لم يذكر أحد منهم الخلاف فيها ، لاقتصار عبارة الشيخين على الحج لكن فيه أن النصوص متحدة الدلالة فيهما معا ، وبذلك يظهر لك أيضا قوة الندب ، فالتحقيق حينئذ الندب فيهما معا كما عرفت ، والله العالم.

ومنها أن ينظف جسده من الأوساخ ويقص أظفاره ويأخذ من شاربه ويزيل الشعر من جسده وإبطيه مطليا بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل النصوص فيما عدا الأول مستفيضة : قال الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية بن عمار (٣) : « إذا انتهيت إلى العقيق من قبل العراق أو إلى الوقت من هذه المواقيت وأنت تريد الإحرام إن شاء الله فانتف إبطيك ، وقلم أظفارك ، وأطل عانتك ، وخذ من شاربك ، ولا يضرك بأي ذلك بدأت ، ثم استك واغتسل والبس ثوبيك ، وليكن فراغك من ذلك إن شاء الله عند زوال الشمس ، فان لم يكن عند زوال الشمس فلا يضرك » وفي صحيحه الآخر (٤) : « إذا انتهيت إلى بعض المواقيت التي وقت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانتف إبطيك ، واحلق عانتك ، وقلم أظفارك ، وقص شاربك ، ولا يضرك بأي ذلك بدأت » وفي‌ حسن حريز (٥) « السنة في الإحرام تقليم الأظفار ، وأخذ الشارب ، وحلق العانة » وسأله في صحيحه الآخر (٦) « عن التهيؤ للإحرام فقال : تقليم الأظفار ، وأخذ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحرام.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحرام.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

١٧٥

الشارب ، وحلق العانة » وأما الأول فقد يومي اليه ـ مضافا إلى استحباب الطهور للمؤمن مطلقا ، ولذا علل التنوير به في النصوص (١) وإلى طول منعه منه ـ اختصاص الإحرام بالغسل له المرشد اليه ، بل قد يومي النص على الأمور المزبورة إلى كونه كالجمعة المستحب فيها ذلك ، بل ينبغي غير ذلك من قطع الرائحة الكريهة عن إبطيه مثلا وغيره مما ينبغي أن يكون عليه المؤمن ، فما في اللمعة والدروس من إبدال الواو بالباء لعدم دليل عليه بالخصوص في غير محله ، لما عرفت من رجحان التنظيف بنفسه لا أنه بخصوص قص الأظفار ونحوه ، نعم الظاهر إلحاق حلق العانة وغيرها بطليها ، لما سمعته من النص وان صرح في الدروس بكونه أفضل.

ولو كان قد أطلى مثلا أجزأه ما لم يمض خمسة عشر يوما لعموم (٢) تحديد ما بين الطليتين بها ، وخصوص‌ خبر علي بن أبي حمزة (٣) قال : « سأل أبو بصير أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر فقال : إذا أطليت للإحرام الأول فكيف أصنع بالطلية الأخيرة؟ وكم بينهما؟ قال : إذا كان بينهما جمعتان خمسة عشر يوما فاطل » ولكن في‌ خبره الآخر (٤) « لا بأس أن يطلي قبل الإحرام بخمسة عشر يوما » وهو دال على الاجتزاء به ولو مضت خمسة عشر يوما ويمكن حمله على إرادة بيان أصل الجواز ، أو يراد منها التقريبية لا التحقيقية ، أو غير ذلك ، وسأله عليه‌السلام معاوية بن عمار (٥) أيضا « عن الرجل يطلي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب آداب الحمام من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب آداب الحمام من كتاب الطهارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٦.

١٧٦

قبل أن يأتي الوقت بست ليال قال : لا بأس ، وسأله عن الرجل يطلي قبل أن يأتي مكة بسبع أو ثمان ليال قال : لا بأس » إلا أن الجميع حتى المفهوم من الأول منها المحمول على إرادة عدم التأكد كما ترى لا ينافي استحباب إعادة الإطلاء وإن مضى له أقل من ذلك كما عن الشيخ والفاضل التصريح به ، لإطلاق الأدلة السابقة ، وخصوص‌ خبر ابن أبي يعفور (١) قال : « كنا بالمدينة فلاحاني زرارة في نتف الإبط وحلقه ، قلت : حلقه أفضل ، وقال زرارة نتفه أفضل ، فاستأذنا على أبي عبد الله عليه‌السلام فاذن لنا وهو بالحمام يطلي قد طلى إبطيه فقلت لزرارة يكفيك فقال : لا لعله فعل هذا لما لا يجوز لي أن أفعله ، فقال : فيم أنتما ، فقلت : ان زرارة لاحاني في نتف الإبط وحلقه ، فقلت : حلقه أفضل وقال زرارة : نتفه أفضل ، فقال : أصبت السنة وأخطأها زرارة ، حلقه أفضل من نتفه ، وطليه أفضل من حلقه ، ثم قال لنا اطليا ، فقلنا فعلنا منذ ثلاث ، فقال : أعيدا فإن الإطلاء طهور » بل قال عليه‌السلام في خبر آخر لأبي بصير (٢) : « تنور فقال : انما تنورت أول من أمس واليوم الثالث ، فقال : أما علمت أنها طهور فتنور » بل لعله ليس في عبارة المصنف ما ينافي ذلك ، لعدم المنافاة بين الاجزاء والفضل ، بل قد يناقش في دلالة النصوص السابقة على إجزائه عن إعادته‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٨٥ ـ من أبواب آداب الحمام الحديث ٤ وذيله في الباب ـ ٣٢ ـ منها الحديث ٥ إلا أنه قال عند ذكره الذيل عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ في حديث أنه قال له ولأبي بصير اطليا. إلخ وهو سهو فان الموجود في الكافي ج ٤ ص ٣٢٧ والتهذيب ج ٥ ص ٦٢ كالجواهر.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب آداب الحمام ـ الحديث ٤ من كتاب الطهارة.

١٧٧

للإحرام مع مضي الأقل بيسير ، وخصوصا ما عد الأول منها ، بل والأول المراد منه أن ذلك نهاية الفصل بينهما ، فلا ينافي استحباب الإعادة قبل ذلك ، خصوصا للإحرام الذي إذا وقع مثلا قبل مضيها بيوم مثلا قد يستمر إلى غيره أياما تزيد على مدة الفصل ، ومنه ينقدح أن للإحرام خصوصية أخرى ، وخبر أبي بصير الدال على الاجزاء له وإن مضى خمسة عشر يوما قد عرفت أنه محمول على إرادة بيان الجواز لا الاجزاء في الفضل ، والله العالم.

ومنها الغسل للإحرام للأمر به في النصوص (١) المستفيضة أو المتواترة المحمول عليه إجماعا محكيا عن التذكرة والتحرير إن لم يكن محصلا ، بل عن المنتهى لا نعرف فيه خلافا ، وكأنه لم يعتد بما حكاه في المختلف عن الحسن من الوجوب ، وقد تقدم الكلام فيه في الأغسال المسنونة.

وقيل والقائل الشيخ وابن البراج في محكي المبسوط والمهذب ، بل في المسالك حكايته عن الشيخ وجماعة ، بل قال بعد ذلك انه اختاره جماعة من الأعيان إن لم يجد ماء تيمم له لإطلاق ما دل (٢) على تنزيل التراب منزلة الماء ، وانه يكفيك عشر سنين ، من غير فرق بين الطهارة وغيرها ، كما أنه لا فرق بين عدم الوجدان وبين غيره من الأعذار ، وهو معنى ما عن التذكرة من تعليله بأنه غسل مشروع فناب عنه التيمم كالواجب لكن في كشف اللثام هنا « وضعفه ظاهر » وفي المدارك « هو ضعيف جدا » قلت : وربما أشعر بضعفه أيضا نسبة المصنف له إلى القيل ، وقد تقدم تحقيق الحال في ذلك في كتاب الطهارة.

ولو اغتسل وأكل أو لبس ما لا يجوز للمحرم أكله ولا لبسه أعاد الغسل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الإحرام.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب التيمم من كتاب الطهارة.

١٧٨

استحبابا لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (١) « إذا لبست ثوبا لا ينبغي لك لبسه ، أو أكلت طعاما لا ينبغي لك أكله فأعد الغسل » وفي‌ صحيح عمر ابن يزيد (٢) « إذا اغتسلت للإحرام فلا تقنع ولا تطيب ولا تأكل طعاما فيه طيب فتعيد الغسل » وأبي جعفر عليه‌السلام في خبر محمد بن مسلم (٣) « إذا اغتسل الرجل وهو يريد أن يحرم فلبس قميصا قبل أن يلبي فعليه الغسل » بل خبر علي بن أبي حمزة (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اغتسل للإحرام ثم لبس قميصا قبل أن يحرم قال : قد انتقض غسله » وإن كان الظاهر إرادة استحباب الإعادة من النقض لا البطلان من رأس ، وإن كان ربما يقال به مؤيدا بدعوى إشعار الإعادة في النص به ، لكنه خلاف ظاهر الفتوى ، بل مقتضى صحيح عمر استحباب اعادته للتطيب أيضا كما في الدروس ، نعم لا دلالة في شي‌ء منها على استحباب إعادته بفعل ما عدا ذلك من تروك الإحرام ، اللهم إلا أن يجعل ما فيها مثالا لغيره ، لكن في‌ مرسل جميل (٥) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل اغتسل للإحرام ثم قلم أظفاره قال : يمسحها بالماء ولا يعيد الغسل » وسأله ابن أبي يعفور (٦) « ما تقول في دهنة بعد الغسل فقال : قبل وبعد ومعه ليس به بأس » وإن أمكن إرادة بيان عدم التأكد

ويجوز له أي المحرم تقديمه أي الغسل على الميقات إذا خاف عوز الماء فيه بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الذخيرة والرياض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢ وهو مرسل جميل عن أبي جعفر عليه‌السلام كما في الكافي ج ٤ ص ٣٢٨ والتهذيب ج ٥ ص ٦٦.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب تروك الإحرام ـ الحديث ٦.

١٧٩

وغيرهما ، بل في المدارك الإجماع عليه لكن في النافع « وقيل يجوز تقديم الغسل على الميقات لمن خاف عوز الماء ، ويعيد لو وجده » مشعرا بتمريضه ، وفيه أن النصوص دالة عليه ، ففي‌ صحيح هشام بن سالم (١) « أرسلنا الي أبي عبد الله عليه‌السلام ونحن جماعة بالمدينة انا نريد ان نودعك ، فأرسل إلينا أن اغتسلوا بالمدينة فإني أخاف ان يعز عليكم الماء بذي الحليفة ، فاغتسلوا بالمدينة والبسوا ثيابكم التي تحرمون فيها ثم تعالوا فرادى أو مثاني ـ الى أن قال ـ فلما أردنا أن نخرج قال : لا عليكم أن تغتسلوا إذا وجدتم ماء إذا بلغتم ذا الحليفة » وقال أبو بصير (٢) « سألته عن الرجل يغتسل بالمدينة لإحرامه أيجزيه ذلك عن غسل ذي الحليفة؟ قال : نعم » ونحوه صحيح الحلبي (٣) عن الصادق عليه‌السلام ، وفي‌ صحيح معاوية بن وهب (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ونحن بالمدينة عن التهيؤ للإحرام فقال : أطل بالمدينة وتجهز بكل ما تريد واغتسل ، وإن شئت اشتملت بقميصك حتى تأتي مسجد الشجرة » إلى غير ذلك من النصوص التي ظاهرها عدا الأول منها جواز التقديم مع عدم خوف إعواز الماء كما مال اليه سيد المدارك والفاضل الأصبهاني وصاحب الذخيرة ، مضافا إلى إطلاق أدلة الغسل ، لكن في التنقيح بعد أن اعترف باقتضاء الإطلاق ذلك قال : « والشيخ قيده بالخوف وهو جيد ، إذ العمل بالإطلاق لم يقل به قائل » وفيه أن عدم القائل لا ينافي وجوب العمل بالخبر الجامع لشرائط الحجية ، إلا أن يكون ذلك عن إجماع على العدم ، وفي دعواه هنا منع ، والتنظير بغسل الجمعة الذي يقدم يوم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١ و ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الإحرام ـ الحديث ١.

١٨٠