جواهر الكلام - ج ١٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الإحرام بهم من الميقات.

وأما‌ الصحيح (١) عن الصادق عليه‌السلام « قدموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة أو إلى بطن مرثم يصنع بهم ما يصنع بالمحرم ويطاف بهم ويسعى بهم » فقد استدل به بعضهم على المختار بناء على أن بطن مر غير خارج عن الميقات ، لكن في الرياض أنه على خلافه أظهر ، ولعله لخروج بطن مر عن الميقات ، ثم قال : والمسألة قوية الاشكال ، وحيث أن المستفاد من جماعة عدم إشكال في جواز الإحرام بهم من الميقات بل وأفضليته وأن التأخير إلى فخ انما هو على سبيل الجواز كان الإحرام بهم من الميقات أولى وأحوط ، قلت مضافا إلى معلومية كون الحكمة في التأخير إلى فخ ضعف الأطفال عن البرد والحر ونحوهما ، وستعرف أنه متى كان ذلك في المكلف أحرم من الميقات ، وجاز له اللبس للضرورة ، فالمتجه حينئذ هنا ذلك أيضا ، وفي‌ خبر يعقوب (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن معي صبية صغارا وأنا أخاف عليهم البرد فمن أين يحرمون؟ فقال : ائت بهم العرج فليحرموا منها فإنك إذا أتيت العرج وقعت في تهامة ثم قال : فان خفت عليهم فائت بهم الجحفة » وهو ظاهر في مراعاة الميقات ولو ميقات الاضطرار ، ولعل التخيير بين الجحفة وبطن مر وغيرهما لاختلاف الأزمنة واختلاف حال الصبيان ، كما أنه قد يطلق الإحرام بهم من غير الميقات على إرادة التجريد مجازا ، والله العالم.

وأما أحكامها ففيه مسائل : الأولى لا خلاف بيننا بل الإجماع منا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٣ مع الاختلاف ، وليس فيه « ويسعى بهم » كما تقدم في ج ١٧ ص ٢٣٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٧.

١٢١

بقسميه عليه والنصوص (١) به مستفيضة في أن من أحرم قبل هذه المواقيت لم ينعقد إحرامه‌ قال ميسرة (٢) : « دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وأنا متغير اللون فقال لي : من أين أحرمت بالحج؟ فقلت : من موضع كذا وكذا فقال : رب طالب خير يزل قدمه ، ثم قال : أيسرك إن صليت الظهر في السفر أربعا؟ قلت : لا ، قال : فهو والله ذاك » فما عن العامة من جواز ذلك معلوم الفساد إلا لناذر الإحرام قبل الميقات ، فان عليه الإحرام منه حينئذ كما صرح به كثير ، بل المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا للمعتبرة ولو بالشهرة ، كصحيح الحلبي (٣) المروي عن الإستبصار « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل جعل لله عليه شكرا أن يحرم من الكوفة ، قال : فليحرم من الكوفة وليف لله تعالى بما قال » وخبر علي بن أبي حمزة (٤) « كتبت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام أسأله عن رجل جعل لله عليه شكرا أن يحرم من الكوفة قال : يحرم من الكوفة » وخبر أبي بصير (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سمعته يقول : لو أن عبدا أنعم الله تعالى عليه نعمة أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك البلية فجعل على نفسه أن يحرم من خراسان كان عليه أن يتم » والمناقشة في السند لو سلمت في الجميع مدفوعة بالشهرة ، وفي الدلالة باحتمال إرادة المسير للإحرام من الكوفة أو خراسان أو نحو ذلك كما ترى ، على أنها لا تنافي الظهور الذي هو المدار في الأحكام ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المواقيت.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ عن ميسر إلا أن الموجود في الكافي ج ٤ ص ٣٢٢ ميسرة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب المواقيت الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب المواقيت الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب المواقيت الحديث ٣.

١٢٢

خصوصا مع عدم المعارض سوى قاعدة اعتبار مشروعية متعلق النذر في نفسه التي يجب الخروج عنها بما عرفت ، سيما مع وجود النظير الذي قد مر في الصوم ، فالاستناد إليها كما عن الحلي والفاضل في المختلف بل عن المصنف الميل إليه في المعتبر بل في كشف اللثام أنه الأقوى كالاجتهاد في مقابلة النص.

نعم الظاهر صحة النذر بشرط أن يقع الحج وعمرة التمتع له في أشهره أي الحج إن كان نذر الإحرام لهما ، لما عرفته من الإجماع على عدم جواز وقوعهما في غيرها ، مضافا إلى قوله تعالى (١) ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ) والنصوص المزبورة إنما جوزت الإيقاع قبل الوقت المكاني ، وذلك لا يقتضي وقوعهما في غير الوقت الزماني ، وحينئذ فلو بعدت المسافة بحيث لو أحرم في أشهر الحج لم يمكنه إتمام النسك لم ينعقد النذر بالنسبة إلى المهل إن نذر الحج في ذلك العام.

أما لو كان النذر للإحرام للعمرة المفردة مثلا صح وإن لم يكن في أشهر الحج ، لإطلاق الأدلة المزبورة ، ولكن مع ذلك كله والاحتياط بالإحرام أيضا من الميقات لا ينبغي تركه ، خصوصا في مثل الحج الواجب والعمرة الواجبة ، كما هو واضح ، هذا.

وفي إلحاق العهد واليمين بالنذر وجه استظهره في المسالك ، لشمول النصوص لهما ، لكن لا يخفى عليك أن معقد الفتاوي النذر ، بل قد يدعى أنه المنساق من النص ، بل الظاهر عدم دخول اليمين فيه ، كل ذا مع مخالفة المسألة للقواعد ، وينبغي الاقتصار فيها على المتيقن ، والله العالم.

أو إلا لمن أراد العمرة المفردة في رجب وخشي تقضيه إن أخر‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٩٣.

١٢٣

الإحرام إلى الميقات ، فإنه يحرم حينئذ قبله لإدراك إحرامها في رجب وإن وقع بقية أفعالها في شعبان بلا خلاف أجده فيه ، بل عن المعتبر « عليه اتفاق علمائنا » والمنتهى « وعلى ذلك فتوى علمائنا » وفي المسالك « هو موضع نص ووفاق » مضافا إلى‌ صحيحة معاوية بن عمار (١) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا أن يخاف فوت الشهر في العمرة » وصحيح إسحاق بن عمار (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يجي‌ء معتمرا ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق أيحرم قبل الوقت ويجعلها لرجب ، أو يؤخر الإحرام إلى العقيق ويجعلها لشعبان؟ قال : يحرم قبل الوقت لرجب ، فان لرجب فضلا » ولكن الاحتياط المزبور لا ينبغي تركه أيضا ، لما قيل من أنه لم يتعرض له كثير من الأصحاب ، كما أنه ينبغي له تأخير الإحرام إلى آخر الشهر اقتصارا في تخصيص العمومات على موضع الضرورة وإن كان الأقوى الجواز فيه مطلقا مع خوف الفوات ، لما سمعته من الأدلة ، لكن الظاهر اختصاص الحكم المزبور في عمرة رجب ، والصحيح الأول وإن كان مطلقا إلا أنه لم أجد به عاملا في غير رجب ، ولعله للعلة التي أشار الإمام عليه‌السلام إليها في الصحيح الآخر ، مضافا إلى‌ ما روي (٣) من أن العمرة الرجبية تلي الحج في الفضل ، ويكفي في إدراكها إدراك إحرامها فيه كما دل عليه الصحيح.

وعلى كل حال فمما ذكرنا يظهر لك الحال في المسألة الثانية وهي إذا أحرم قبل الميقات لم ينعقد إحرامه بلا خلاف أجده فيه ، والنصوص (٤)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب العمرة ـ الحديث ١٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المواقيت.

١٢٤

وافية في الدلالة عليه وحينئذ ف لا يكفي مروره فيه ما لم يجدد الإحرام فيه من رأس بإنشاء نيته وعقده بالتلبية وغير ذلك مما تسمعه في كيفية ابتداء الإحرام ، كما هو واضح.

وكذا لا يجوز تأخير الإحرام اختيارا إجماعا بقسميه ونصوصا (١) نعم لو أخره عن الميقات لمانع من مرض ونحوه جاز على ما صرح به الشيخ في محكي النهاية ، قال فيها : إن من عرض له مانع من الإحرام جاز له أن يؤخر عن الميقات ، فإذا زال المانع أحرم من الموضع الذي انتهى اليه ، ولعله للحرج وقول أحدهما عليهما‌السلام في مرسل المحاملي (٢) : « إذا خاف الرجل على نفسه أخر إحرامه إلى الحرم » وما مر من‌ قول الرضا عليه‌السلام في الصحيح لصفوان بن يحيى (٣) : « فلا يجاوز الميقات إلا من علة » لكن عن ابن إدريس أن المراد من ذلك تأخير الصورة الظاهرة للإحرام من التعري ولبس الثوبين دون غيرهما ، فان المرض والتقية ونحوهما لا تمنع النية والتلبية ، وإن منعت التلبية كان كالأخرس ، وإن أغمي عليه لم يكن هو المتأخر ، قال : وإن أراد وقصد شيخنا غير ذلك فهذا يكون قد ترك الإحرام متعمدا من موضعه ، فيؤدي إلى إبطال حجه بغير خلاف ، وارتضاه الفاضل في التحرير والمختلف والمنتهى على ما حكي عنه ، ولعله لحديث (٤) « الميسور لا يسقط بالمعسور » والخبر (٥) المتقدم سابقا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ و ٣ و ٩ والباب ١٦ منها.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١.

(٤) المروي في غوالي اللئالي.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٠.

١٢٥

فيمن مر على المسلخ مع العامة ولم يمكنه إظهار الإحرام تقية المتضمن للإحرام من ميقاته ثم يلبس الثياب ويلبي في نفسه ، وإذا بلغ ميقاتهم أظهره ، ونفي عنه البأس في الرياض ، قال : لقوة دليله مع قصور الخبرين بعد إرسال أحدهما عن التصريح بخلافه ، وفي المدارك بعد أن حكى ذلك عن الشيخ والحلي قال : وفصل المصنف رحمه‌الله في المعتبر تفصيلا حسنا ، فقال : ومن منعه مانع عند الميقات فان كان عقله ثابتا عقد الإحرام بقلبه ، ولو زال عقله بإغماء وشبهه سقط عنه الحج ، ولو أحرم عنه رجل جاز ، ولو أخر وزال المانع عاد إلى الميقات إن تمكن وإلا أحرم من موضعه.

قلت : لا يخفى عليك ظهور كلامه أولا في موافقة ابن إدريس إلا أنه قد ينافيه ما ذكره أخيرا موافقا لما هنا من أنه لو أخره لمانع ثم زال المانع عاد إلى الميقات ، فان تعذر جدد الإحرام حيث زال ، ولو دخل مكة خرج إلى الميقات ، فان تعذر خرج إلى خارج الحرم ، ولو تعذر أحرم من مكة بل ذكر ذلك غير واحد أيضا مرسلين له إرسال المسلمات ، بل في المدارك اما وجوب العود إلى الميقات مع المكنة فلا ريب فيه ، لتوقف الواجب عليه ، واما الاكتفاء بتجديد الإحرام من محل زوال العذر مع تعذر العود إلى الميقات فلأن تأخيره لم يكن محرما ، فكان كالناسي ، وسيأتي ان الناسي يحرم من موضع الذكر مع تعذر العود إلى الميقات ، إلى غير ذلك من كلماتهم ، إذ لا يخفى عليك عدم انطباق الحكم المزبور على ما سمعته من ابن إدريس من كون المتأخر الصورة الظاهرة ، ضرورة وقوع الإحرام من الميقات ، والأمر يقتضي الإجزاء ، اللهم إلا ان يقال انه مراعي بعدم زواله مع التمكن من الرجوع ، وإلا لم يجزه ، لكنه لا يخلو من نظر ، ولو فرض انه تعمد التأخير حتى للنية والتلبية أشكل الاجتزاء بإحرامه من زوال العذر بما ستعرفه من عدم الاجتزاء بذلك للعامد ، وان كان الحكم‌

١٢٦

المزبور مبنيا على ما سمعته من الشيخ من تأخير الإحرام نفسه للعذر فقد عرفت ان ظاهر الشيخ بل ودليله اي الخبرين المزبورين الاجتزاء بالإحرام من محل زوال العذر وان تمكن من الرجوع إلى الميقات الذي لا دليل على توقف الواجب عليه في الحال المزبور وإن تمكن ، والقياس على الجاهل والناسي ليس من مذهبنا ومن ذلك يظهر لك النظر في جملة من الكلمات ، ولعل الأقوى ما سمعته من ابن إدريس وأنه لا عود عليه إلى الميقات بعد زوال العذر ، وانما عليه أن يأتي بما تركه من التعري ونحوه.

هذا كله إذا لم يكن في طريقه ميقات آخر ، وإلا لم يجب عليه الرجوع أيضا على كل حال بناء على ما تقدم من الاجتزاء بالإحرام منه مع الاختيار فضلا عن العذر ، ثم لو وجب العود عليه فتعذر ففي المدارك في وجوب العود إلى ما أمكن من الطريق وجهان ، أظهرهما العدم للأصل وظاهر الروايات (١) المتضمنة لحكم الناسي ، قلت : قد يشهد للآخر‌ صحيح معاوية بن عمار (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فقالوا : لا ندري أعليك إحرام وأنت حائض فتركوها حتى دخلت الحرم فقال : إن كان عليها مهلة فلترجع إلى الوقت فلتحرم منه ، وإن لم يكن عليها وقت فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها الحج فتحرم ».

بقي الكلام فيمن كان عذره الإغماء ونحوه ممن لا نية له ولا تلبية ، وقد سمعت ما عن المعتبر من جواز إحرام رجل عنه مستدلا له بمرسل جميل (٣) عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ والباب ٥٥ من أبواب الإحرام ـ الحديث ٢.

١٢٧

أحدهما عليهما‌السلام « في مريض أغمي عليه فلم يفق حتى أتى الموقف قال : يحرم عنه رجل » ثم قال : « والذي يقتضيه الأصل أن إحرام الولي جائز لكن لا يجزي عن حجة الإسلام ، لسقوط الفرض بزوال عقله ، نعم إذا زال العارض قبل الوقوف أجزأه » وفي القواعد « ولو لم يتمكن من نية الإحرام لمرض أو غيره أحرم عنه وليه وجنبه ما يجتنبه المحرم » بل حكاه في كشف اللثام عن الأحمدي والنهاية والمبسوط والمهذب والجامع ثم قال : وهل يجديه هذا الإحرام شيئا؟ ففي النهاية والجامع تم إحرامه ، وفي المبسوط ينعقد ، وظاهرها أنه يصير بذلك محرما ، ونص المعتبر والمختلف والتحرير والتذكرة والمنتهى أنه إن لم يفق حتى فاته الموقفان انكشف أنه لم يكن وجب عليه ، وإن أفاق قبل الوقوف أجزأ عن حجة الإسلام ، لأنه يقبل النيابة وتعذر عنه بنفسه ، ثم قال : وفيه أن النيابة خلاف الأصل ، وانما تثبت في موضع اليقين ، وقد مر أن النيابة عن الحي انما تصح باذنه ، على أن هذا ليس نيابة إلا في النية ، والإحرام بالغير انما ثبت في الصبي ، وهذا الخبر واحد مرسل ، وغايته مشروعية هذا الإحرام ، أما الاجزاء فكلا ، على أنه انما تضمن الإحرام عنه ، وهو يحتمل النيابة عنه ، كما يحرم عن الميت وهو غير الإحرام به ، وأنكر ابن إدريس هذا الإحرام ، لأن الإغماء أسقط عنه النسك ، واستحسن تجنبه المحرمات ، والأولى عندي أن يحرم به ويجتنب به المحرمات ، فإن أفاق في الحج قبل الوقوف وأمكنه الرجوع إلى الميقات رجع فأحرم منه ، وإلا فمن أدنى الحل إن أمكنه ، وإلا فمن موضعه ، وإن كان ميقات حجة مكة رجع إليها إن أمكنه ، وإلا فمن موضعه ، كل ذلك إن كان وجب عليه وإلا فوجوبه بالمرور على الميقات وخصوصا مع الإغماء غير معلوم ، وكذا بهذا الإحرام ، وإن أحرم به في العمرة فإن كانت مفردة انتظر به حتى يفيق ، فإذا أفاق‌

١٢٨

وقد أدخل الحرم رجع إلى أدنى الحل أو الميقات إن أمكنه ، فأحرم إن كانت وجبت عليه وأمكنه الرجوع ، ومن موضعه إن لم يمكنه وضاق وقته بأن اضطر إلى الخروج ، وإن كانت عمرة التمتع فأفاق حيث يمكنه إدراكها مع الحج فعلها بإحرام نفسه ، وإلا حج مفردا بإحرام نفسه كما قلنا إن كان وجب عليه حج الإسلام أو غيره ، ثم اعتمر إن وجبت عليه ، وإن لم يكن وجب عليه شي‌ء منهما تخير بينه وبين إفراد العمرة كذلك ، وفي كشف اللثام « وظاهر كلامهم أنه إن كان ممن عليه حج التمتع حج الإسلام فلم يفق من الميقات إلى الموقف أحرم به وجنب المحرمات وطيف به وسعي به ، ثم بعد التقصير أحرم به للحج وأجزأه ذلك ولم يجب عليه بعد الإفاقة عمرة ، كما ليس عليه إحرام بنفسه ، وقد مر الكلام فيمن بلغ أو أعتق قبل الوقوف ، ويمكن تنزيل كلامهم على أنه ليس عليه شي‌ء فيما فاته من الإحرام من الميقات وإن وجب عليه بعد الإفاقة الإحرام بنفسه ـ ثم قال ـ : وعلى ما عرفت سابقا من أن الفرض إيقاع المناسك والاجتناب عن المحرمات وأن النية في الإحرام انما وجبت بدليل فيقتصر على ما دل عليه فيه من التجنب ، ثم إيقاعه المناسك بنفسه إذا أفاق ، فيتجه ظاهر كلامهم إلا ما يعطيه ظاهر كلام الفاضلين من إيقاع أفعال عمرة التمتع به وإجزائه عنه » قلت : قد تقدم في مسألة من بلغ أو أعتق قبل الوقوفين ما يستفاد منه تحقيق الحال في ذلك كله ، فلاحظ وتأمل ، ومنه يعلم عدم انحصار الدليل في المرسل المزبور ، كما أن منه يعلم محال النظر في كلام الفاضل المذكور ، والله العالم.

هذا كله في التأخير لعذر من مرض ونحوه وكذا الكلام لو ترك الإحرام ناسيا فإنه يجب عليه العود إلى الميقات مع المكنة ، فإن تعذر جدده حيث زال العذر إلا أن يكون قد تجاوز الحرم ، فيجب عليه الخروج إلى خارجه مع الإمكان ، وإلا أحرم من مكانه بلا خلاف أجده فيه نصا وفتوى‌

١٢٩

ففي‌ صحيح الحلبي (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي الإحرام حتى دخل الحرم قال : يخرج إلى ميقات أهل أرضه ، فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه ، فان استطاع أن يخرج فليخرج » وفي‌ صحيح عبد الله بن سنان (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل مر على الوقت الذي يحرم منه الناس فنسي أو جهل فلم يحرم حتى أتى مكة فخاف إن رجع إلى الوقت أن يفوته الحج قال : يخرج من الحرم ، ويحرم ويجزيه ذلك » وهو وإن كان مطلقا كغيره إلا انه يجب تقييده بما دل عليه غيره من الرجوع إلى الميقات مع الإمكان ، وبذلك تتفق النصوص حينئذ على المعنى المزبور ، بل صريح صحيح المذكور وغيره إلحاق الجاهل بالناسي في الحكم المزبور ، ولا بأس به ، بل لا أجد فيه خلافا ، نعم عن‌ بعض الأخبار (٣) المنقولة عن قرب الاسناد الوارد في الجاهل « ان كان جاهلا فليبين مكانه وليقض ، فان ذلك يجزيه إن شاء الله ، وان رجع إلى الميقات الذي يحرم منه أهل بلده فإنه أفضل » وهو وان كان كالصريح بل صريح في جواز الإحرام من غير الميقات مع التمكن من الرجوع اليه إلا أن سنده غير واضح ، وقاصر عن معارضة غيره من وجوه ، خصوصا مع عدم القائل به ، هذا.

وعن الفاضل في التذكرة والمنتهى أن من نسي الإحرام يوم التروية بالحج حتى حصل بعرفات فليحرم من هناك ، مستدلا عليه بصحيح علي بن جعفر (٤) عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر وهو بعرفات ما حاله؟ قال : يقول اللهم على كتابك وسنة نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد تم إحرامه » ولا بأس به ، بل لعل اقتصاره على عرفات موافقة للصحيح المزبور ، وإلا فله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المواقيت الحديث ١ مع الاختلاف.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المواقيت الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المواقيت الحديث ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المواقيت الحديث ٨.

١٣٠

تجديد الإحرام بالمشعر كما عن الشهيدين الجزم به لفحوى النصوص المزبورة وإن كان خلاف ما تشعر به بعض العبارات ، سيما عبارة المصنف السابقة في الكافر إذا أسلم ، إلا ان الأقوى ما ذكرنا ، بل في‌ صحيح علي بن جعفر (١) عن أخيه موسى عليه‌السلام الاجتزاء مع تركه يوم التروية أصلا جهلا ، قال : « سألته عن رجل كان متمتعا خرج إلى عرفات وجهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلاده ما حاله؟ قال : إذا قضى المناسك كلها فقد تم حجه » بل قد يؤيده أيضا‌ مرسل جميل (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المناسك كلها وطاف وسعى قال : تجزيه نيته ، إذا كان قد نوى ذلك فقد تم حجه وإن لم يهل » بناء على إن المراد نية الحج بجميع أجزائه جملة لا نية الإحرام لتعذرها من الجاهل ، وستسمع تمام الكلام في ذلك إن شاء الله ، هذا. وربما ظهر من المحكي عن الشيخ في النهاية اعتبار العزم السابق على محل الإحرام ، لأنه قال : فان لم يذكر أصلا حتى فرغ من جميع مناسكه فقد تم حجه ولا شي‌ء عليه إذا كان قد سبق في عزمه الإحرام ، ولعله فرض المسألة في خصوص الناسي.

وعلى كل حال فما ذكرنا ظهر لك إن الحكم المزبور إذا ترك الإحرام جاهلا أو ناسيا بل أو لم يرد النسك وإن مر على الميقات ، لعدم وجوب الإحرام عليه لدخولها ، كالحطاب ونحوه ممن يتكرر دخوله ، أو دخلها لقتال ثم أراد النسك ، أو لعدم ارادة دخولها بل أراد حاجة فيما سواها ، فإنه لا يجب عليه الإحرام حينئذ بلا خلاف أجده فيه ، بل في المدارك إجماع العلماء عليه ، وقد اتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدرا مرتين ، ومر على ذي الحليفة وهو محل ، وبالجملة فالمراد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١.

١٣١

من كان غير مريد النسك ممن لا يجب عليه الإحرام بالمرور على الميقات ممن عرفت بخلاف من وجب عليه ذلك ، فإنه متعمد الترك ، فلا يجزيه إلا الرجوع الى الميقات كما ستعرف ، اما الأول فلا خلاف أجده في مساواته للناسي في الحكم المزبور ، لفحوى النصوص الواردة فيه وفي الجاهل ، بل هو أعذر من الناسي وانسب بالتخفيف ، مضافا إلى‌ صحيح الحلبي (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم فقال : يرجع إلى ميقات أهل بلده الذي يحرمون منه ، وإن خشي إن يفوته الحج فليحرم من مكانه ، فان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم » المندرج فيه محل البحث ، فما عن بعض العامة من القول بالإحرام من موضعه مطلقا واضح الضعف ، ضرورة وجوب العود عليه مع التمكن منه ، لإطلاق ما دل على اعتبارها في صحة الإحرام ، والفرض تمكنه من إتيان المأمور به على وجهه كما هو ظاهر.

هذا كله في الناسي والجاهل وغير مريد النسك وكذا المقيم بمكة إذا كان فرضه التمتع كما عرفت الكلام فيه مفصلا سابقا اما لو أخره عامدا مريدا للنسك لم يصح إحرامه للحج حتى يعود إلى الميقات وحينئذ ف لو تعذر لم يصح إحرامه وفاقا للأكثر بل المشهور ، بل ربما يفهم من غير واحد عدم خلاف فيه بيننا ، مؤاخذة له بسوء فعله ، ولا طلاق ما دل على اعتبار الوقت في صحة الإحرام المقتصر في تقييده على من عرفت ، بخلاف الفرض ، وإطلاق صحيح الحلبي غير معلوم الشمول له كما اعترف به بعضهم ، ودعوى تنزيل إطلاق دليل الشرطية على غير صورة التعذر ليس بأولى من تنزيل إطلاق صحيح الحلبي على غير الفرض ، بل هو اولى من وجوه ، فحينئذ لا يصح إحرامه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧.

١٣٢

من غيره حتى لو كان الحج واجبا عليه مضيفا ، لما عرفت ، خلافا للمحكي عن جماعة من المتأخرين ، بل قيل انه يحتمله إطلاق المبسوط والمصباح ومختصره.

وعلى كل حال فلو جاء بالمناسك من دون إحرام أو معه دون الميقات كان حجه فاسدا ووجب عليه قضاؤه ، بل في المسالك حيث يتعذر رجوعه مع التعمد يبطل نسكه ويجب عليه قضاؤه وإن لم يكن مستطيعا للنسك ، بل كان وجوبه بسب ارادة دخول الحرم ، فان ذلك موجب للإحرام ، فان لم يأت به وجب قضاؤه كالمنذور ، نعم لو رجع بعد تجاوز الميقات ولم يدخل الحرم فلا قضاء عليه وإن أثم بتأخير الإحرام ، وادعى العلامة في التذكرة الإجماع عليه ، لكن في المدارك هو غير جيد ، لأن القضاء فرض مستأنف ، فيتوقف على الدليل ، وهو منتف هنا ، والأصح سقوط القضاء كما اختاره في المنتهى مستدلا عليه بالأصل ، وإن الإحرام مشروع لتحية البقعة ، فإذا لم يأت به سقط كتحية المسجد وهو حسن ، قلت : يمكن إن يريد الشهيد وجوب القضاء على تارك الإحرام من الميقات ، ومع ذلك قد دخل الحرم حاجا ولو بإحرام من دونه ، والأمر سهل.

ثم إن ظاهر المتن والقواعد وغيرهما بطلان الإحرام منه ولو للعمرة المفردة وحينئذ فلا يباح له دخول مكة حتى يحرم من الميقات ، بل عن بعض الأصحاب التصريح بذلك ، لكن قد يقال إن المراد بطلانه للإحرام للحج لا العمرة المفردة التي أدنى الحل ميقات لها اختياري وإن أثم بتركه الإحرام عند مروره بالميقات ، بل قيل إن الأصحاب انما صرحوا بذلك لا بطلانه مطلقا ، ويمكن صرف ظاهر المتن وغيره اليه ، ولعله الأقوى ، والله العالم.

المسألة الثالثة لو نسي الإحرام ولم يذكر حتى أكمل مناسكه قيل والقائل ابن إدريس يقضي اي يؤدي ما كان يريد الإحرام له من حج أو‌

١٣٣

عمرة إن كان واجبا ، وقيل والقائل المشهور شهرة عظيمة ، بل في الدروس نسبته إلى الأصحاب عدا الحلي يجزيه وهو المروي في مرسل جميل (١) عن أحدهما عليهما‌السلام السابق المنجبر سنده بما عرفت ، بل وفي صحيح جميل (٢) بناء على ارادة ما يعم النسيان من الجهل فيه ، أو انه ملحق به في الحكم ، وعلى عدم الفرق بين إحرام الحج وغيره ، مؤيدا ذلك كله بالعسر والحرج في وجوب القضاء بالنسيان الذي هو كالطبيعة الثانية للإنسان ، ويكون الإحرام كباقي الأركان التي لا يبطل الحج بفواتها سهوا إجماعا عدا نسيان الموقفين كما صرح به في المسالك ، وبذلك يخرج عما يقتضي البطلان من إطلاق ما دل على اعتبار الإحرام أو عمومه على وجه يقتضي عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه مع عدمه ، نعم قد سمعت التقييد في المرسل المزبور بما إذا كان قد نوى ذلك ، وقد يقال إن المراد به نية الحج بجميع اجزائه ، وقد سمعت أيضا عبارة النهاية.

إنما الكلام في المراد بالإحرام ، فعن الشهيد أنه حكي عن ابن إدريس انه عبارة عن النية والتلبية ، ولا مدخل للتجرد ولبس الثوبين فيه ، وعن ظاهر المبسوط والجمل انه أمر واحد بسيط ، وهو النية ، ثم قال : « وكنت قد ذكرت في رسالة إن الإحرام هو توطين النفس على ترك المنهيات المعهودة إلى إن يأتي بالمناسك ، والتلبية هي الرابطة لذلك التوطين ، نسبتها إليه كنسبة التحريمة إلى الصلاة ـ الى إن قال ـ فعلى هذا يحقق نسيان الإحرام بنسيان النية وبنسيان التلبية » وعن الفاضل في المختلف انه ماهية مركبة من النية والتلبية ولبس الثوبين ، وحينئذ فينتفي بأحد أجزائه ، وعن المحقق الثاني إن المنسي إن كان نية الإحرام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المواقيت الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ وهو صحيح علي بن جعفر.

١٣٤

لم يجز ، وإن كان المنسي التلبيات أجزأ ، وربما قيل انه المستفاد من المرسل المتقدم ، وانه الموافق لقاعدة الاقتصار فيما خالف الأصل الآتي على المتيقن من النص والفتوى ، وهو ما عدا النية وإن كان قد يستفاد من المرسل وغيره من الاخبار الصحيحة إن المراد بالإحرام هو التلبية كما ستعرف ذلك في بحثها ، بل ولقاعدة الاحتياط في المجمل ، إذ قد عرفت الاختلاف في معناه ، وحينئذ يتجه الفساد بترك كل ما يحتمل كونه إحراما خرج منه ما عدا النية فتوى ورواية ، لاتفاقهما على الصحة في تركه ، ويبقى تركها على مقتضى الفساد ، إلا ان الجميع كما ترى ، ضرورة إن مقتضى الرواية صحة الحج مع ترك الإحرام جهلا أو نسيانا ، والظاهر من حال الجاهل بوجوب الإحرام والناسي له انه لم يأت بالنية ولا التلبية ولا التجرد ولا لبس الثوبين ، وإذا ثبت صحة الحج مع الإخلال بذلك كله فمع البعض اولى ، بل الظاهر دخول النية في الإحرام على جميع الأقوال وانما الكلام في الزيادة ، فلا إشكال حينئذ في دخول تركها في الصحيح ، والتقييد بما في المرسل كما ترى ، إذ هو لا جابر له هنا ، لخلو فتوى الأكثر عن ذلك ، وانما ذكره الشيخ في النهاية ، مع إن ظاهره ارادة العزم السابق لا النية المقارنة للعمل ، وقد بان لك من ذلك كله تحقيق الحال ، وتسمع له إن شاء الله زيادة كما انه قد بان لك ضعف المحكي عن الحلي ودليله ، خصوصا ما حكي عنه من الاستدلال بأنه لا عمل إلا بنية فكيف يصح الإحرام بدونها ، وهو كما ترى لا يكاد يظهر له وجه ، ضرورة إن مفروض المقام عدم الإحرام رأسا لا صحته بلا نية ، بل إن كان المراد التعريض بما سمعته من الشيخ ففيه انك قد عرفت أن المحكي عن الشيخ أنه نية بلا عمل لا عمل بلا نية ، كما انه لو أراد عدم نية بقية المناسك ففيه كون المفروض حصولها أجمع بنية ، ولكن بدون إحرام. ودعوى فساد نياتها من دونه واضحة المنع بعد ما عرفت والله العالم.

١٣٥

الركن الثاني في أفعال الحج‌

والواجب منها اثنا عشر : الإحرام ، والوقوف بعرفات ، والوقوف بالمشعر ، ونزول منى والرمي والذبح والحلق بها أو التقصير ، والطواف ، وركعتاه ، والسعي وطواف النساء وركعتاه على الأصح في الرمي والحلق أو التقصير كما تعرفه في محله إن شاء الله إلا إن منها ما هو ركن يبطل الحج بتركه عمدا لا سهوا إلا الوقوفين معا ، فان تركهما معا ولو سهوا مبطل ، ومنها ما هو واجب غير ركن ، وقد ذكر المصنف إن الركن منها خمسة الإحرام بالحج ، والوقوف بعرفة ، والوقوف بالمشعر ، وطواف الحج وسعيه ، والشهيد في الدروس ثمانية بإضافة النية والتلبية والترتيب مصرحا بإرادة نية الإحرام من النية ، وفيه انه ينبغي أن يكون نية كل ركن لعدم الفرق ، على إن البطلان حينئذ جاء من قبل فوات الركن لا منها. وكذا الكلام في الترتيب والتلبية ، بل في المسالك « وأيضا فقد تقدم إن الإحرام ليس أمرا زائدا على النية مطلقا ، أو على التوطين الملزوم لها. وفي ركنية التلبية خلاف ويقوى ركنيتها إن أوجبنا مقارنتها للنية وجعلنا الانعقاد موقوفا عليها كتكبيرة الإحرام ، والتقريب ما تقدم في نية الإحرام ، وصحيحة معاوية بن عمار (١) مشعرة بركنيتها حيث جعل تحقق الإحرام موقوفا عليها أو على الإشعار أو التقليد ، وتعليق الحكم على الوصف يقتضي عدمه عند عدمه ، والإخلال بالإحرام مبطل إجماعا » قلت : ستعرف الكلام في ذلك كله مفصلا إن شاء الله بل وفيما قيل هنا أيضا من الفرق بين الركن والفعل في الحج بأنه إذا ترك الركن ناسيا وجب إن يعود له بنفسه ، فان تعذر استناب ، وفسر التعذر هنا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٢٠.

١٣٦

بمعنيين : أحدهما المشقة الكثيرة وثانيهما بنقيض الاستطاعة المعهودة ، والفعل إذا ترك نسيانا جاز أن يستنيب فيه وإن تمكن من العود ، وترك الركن عمدا يبطل ، وترك الفعل عمدا لا يبطل إذا لم يترتب عليه غيره من الأركان ، فيبطل الحج من حيث ترك الركن المترتب على غيره مع ترك ذلك الغير عمدا ، وإن لم يترتب على الفعل المذكور ركن لا يبطل الحج بتركه عمدا كرمي الجمار وطواف النساء ، ولكن في هذا يحرم عليه النساء حتى يأتي به بنفسه ، ولو كان الترك نسيانا جاز أن يستنيب اختيارا ، ويحرم عليه النساء حتى يأتي به النائب.

وعلى كل حال فينبغي أن يعلم أولا أنه يستحب أمام التوجه إلى سفر الحج بل كل سفر الاستخارة من الله تعالى في عافية على الكيفية المذكورة في محلها ، والوصية ، لما في السفر من الخطر ، ول‌ قول الصادق عليه‌السلام في مرسل ابن أبي عمير (١) : « من ركب راحلته فليوص » وينبغي له حينئذ قطع العلائق بينه وبين معامليه ، قيل ويستحب له الغسل أيضا ، وقد تقدم في الأغسال المندوبة ما يعلم منه ذلك.

ويستحب له أيضا الصدقة فقد‌ « كان علي بن الحسين عليه‌السلام إذا أراد الخروج إلى بعض أمواله اشترى السلامة من الله عز وجل بما يتيسر له ، ويكون ذلك إذا وضع رجله في الركاب ، وإذا سلمه الله تعالى فانصرف حمد الله عز وجل وشكره وتصدق بما تيسر له » (٢) بل في الحدائق يستحب أن يقول عند التصدق : « اللهم اني اشتريت بهذه الصدقة سلامتي وسلامة ما معي اللهم احفظني واحفظ ما معي ، وسلمني وسلم ما معي ، وبلغني وبلغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ٥.

١٣٧

بل هي تدفع نحوسة السفر في الأيام المكروهة ، قال الصادق عليه‌السلام (١) : « تصدق واخرج أي يوم شئت » وقال له عليه‌السلام حماد بن عثمان (٢) : « أيكره السفر في شي‌ء من الأيام المكروهة مثل الأربعاء وغيره؟ فقال عليه‌السلام : افتح سفرك بالصدقة واخرج إذا بدا لك واقرأ آية الكرسي واحتجم إذا بدا لك » وعن أحدهما عليهما‌السلام (٣) « كان أبي إذا خرج يوم الأربعاء من آخر الشهر وفي يوم يكرهه الناس من محاق وغيره تصدق ثم خرج ».

بل هي تدفع نحوسة اليوم في الحضر أيضا ، قال الصادق عليه‌السلام (٤) : « من تصدق بصدقة إذا أصبح رفع الله عنه نحس ذلك اليوم » وقال ابن أبي عمير (٥) : « كنت أنظر في النجوم وأعرفها وأعرف الطالع فيدخلني من ذلك شي‌ء ، فشكوت ذلك إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام فقال : إذا وقع في نفسك شي‌ء فتصدق على أول مسكين ، ثم امض فإن الله تعالى يدفع عنك ».

بل قد ورد (٦) في الصدقة انها تدفع البلاء وقد أبرم إبراما.

بل هي كذلك بعد الموت فضلا عن حال الحياة.

وربما استفيد مما سمعت استحبابها مرتين : إحداهما عند إنشاء السفر ، والأخرى عند وضع رجله في الركاب مثلا ، ويمكن إن يكون المراد صدقة واحدة ، ولا ريب في إن تكثيرها اولى ، وقد تعارف الآن الصدقة عند الخروج من باب الدار ، واخرى عند وضع رجله في الركاب ، بل مقتضى الخبر الأول استحبابها بعد المجي‌ء سالما أيضا ، ولا بأس به ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الصدقة من كتاب الزكاة.

١٣٨

ويستحب أيضا صلاة ركعتين‌ فعن أبي عبد الله (١) عن آبائه عليهم‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « ما استخلف رجل على أهله بخلافة أفضل من ركعتين يركعهما إذا أراد الخروج إلى سفر ، ويقول : اللهم إني أستودعك نفسي وأهلي ومالي وذريتي ودنياي وآخرتي وأمانتي وخاتمة عملي إلا أعطاه الله ما سأل » وأفضل من ذلك ما عن‌ أمان الأخطار (٢) لابن طاوس رحمه‌الله عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « ما استخلف العبد في أهله من خليفة إذا هو شد ثياب سفره خيرا من اربع ركعات يصليهن في بيته ، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ويقول : اللهم إني أتقرب إليك بهن فاجعلهن خليفتي في أهلي ومالي » بل في‌ صحيح الحلبي (٣) « كان أبو جعفر عليه‌السلام إذا أراد سفرا جمع عياله في بيت ثم قال : اللهم إني أستودعك الغداة نفسي ومالي وأهلي وولدي الشاهد منا والغائب ، اللهم احفظنا واحفظ علينا ، اللهم اجعلنا في جوارك ، اللهم لا تسلبنا نعمتك ، ولا تغير ما بنا من عافيتك وفضلك ».

وكذا يستحب ان يقف على باب داره ان كان ، وإلا فعلى الجهة التي يريد إن يتوجه منها ويقرأ فاتحة الكتاب أمامه وعن يمينه وعن شماله وآية الكرسي كذلك‌ قال أبو الحسن عليه‌السلام في خبر الحذاء (٤) المروي في الفقيه وموضع من الكافي : « لو كان الرجل منكم إذا أراد سفرا قام على باب داره تلقاء وجهه الذي يتوجه له فقرأ الحمد أمامه وعن يمينه وعن شماله وآية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ٢ عن بريد بن معاوية العجلي.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ١.

١٣٩

الكرسي أمامه وعن يمينه وعن شماله ثم قال : اللهم احفظني واحفظ ما معي ، وسلمني وسلم ما معي وبلغني وبلغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل حفظه الله وحفظ ما معه ، وبلغه وبلغ ما معه ، وسلمه وسلم ما معه ، اما رأيت الرجل يحفظ ولا يحفظ ما معه ، ويسلم ولا يسلم ما معه ، ويبلغ ولا يبلغ ما معه؟ » ورواه في الكافي في موضع آخر بزيادة قراءة المعوذتين والتوحيد أيضا أمامه وعن يمينه وعن شماله كل ذلك مضافا إلى ما ورد في آية الكرسي ، ومنه (١) « ان لكل شي‌ء ذروة وهي ذروة القرآن ، ومن قرأها مرة صرف الله عنه ألف مكروه من مكاره الدنيا وألف مكروه من مكاره الآخرة ، أيسر مكاره الدنيا الفقر ، وأيسر مكاره الآخرة عذاب القبر ، وإني لأستعين بها على صعود الدرجة ».

وإلى ما ورد أيضا في « إنا أنزلناه » ومنه (٢) « لو إن رجلا حج ماشيا فقرأ إنا أنزلناه ما وجد ألم المشي ، وانه ما قرأ أحد إنا أنزلناه حين يركب دابته إلا نزل منها سالما مغفورا له ، ولقارئها أثقل على الدواب من الحديد » و « لو كان شي‌ء يسبق القدر لقلت قارئ إنا أنزلناه حين يسافر ويخرج من منزله (٣) » وغير ذلك مما يتعذر أو يتعسر إحصاؤه ، والله العالم.

وكذا يستحب ان يدعو بكلمات الفرج‌ قال الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية (٤) : « إذا خرجت من بيتك تريد الحج والعمرة إن شاء الله فادع دعاء الفرج ، وهو لا إله إلا الله الحليم الكريم ، لا إله إلا الله العلي العظيم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ٤ وفيه « من منزله سيرجع ».

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ٥.

١٤٠