جواهر الكلام - ج ١٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

لمعارضة ما عرفت ، فتأمل ، كالمحكي عن ابن إدريس من الاستدلال بأن التتابع ان يصوم الشهرين ، ولقد أجاد في محكي المنتهى في رده بقوله : نحن نمنع ذلك لما ثبت في‌ حديث الحلبي عن الصادق عليه‌السلام « ان حد التتابع » الى آخره ، وحينئذ لا يتوجه الخطاب الى المكلف ، وقول الصادق عليه‌السلام أولى بالاتباع من قول ابن إدريس ، وهو كما قال إلا ان الاحتياط مع ذلك لا ينبغي تركه ، لعدم ثبوت ذلك عن الصادق عليه‌السلام بطريق التواتر ، وعدم القطع بكون المراد منه ذلك ، نعم هو حجة شرعية للفتوى التي لا تنافي أولوية الاحتياط كما هو واضح ، هذا.

وظاهر الفتاوى بل ومعاقد الإجماعات عدم الفرق في الحكم المزبور بين النذر وغيره ، لكنه لا يخلو من إشكال باعتبار انسياق غيره من النصوص وشدة مخالفة الحكم فيه للضوابط ، خصوصا مع تصريح الناذر بالتتابع ستين يوما بل ومع إطلاقه بناء على ظهوره في ذلك ، ضرورة عدم الحقيقة الشرعية لتتابع الشهرين ، وكشف النصوص للمراد بالخطابات الشرعية لا تقتضي التعدي إلى الخطابات العرفية التي من المعلوم كون المرجع فيها العرف ، ولعله لذا قصر بعض مشايخنا الحكم على غير النذر ونحوه ، وهو جيد ، اللهم إلا ان يكون الناذر علق مراده بالمراد الشرعي مما وقع فيه ذلك ، أو ان الشارع قد كشف كون المراد واقعا بهذا الخطاب ذلك وان زعم صاحبه خلافه ، والحكم الشرعي يتبع الواقع الذي هو المقصود بالخطاب ، وتخيل ذي الخطاب كون الواقع غير ذلك لا مدخلية له بعد ان لم يكن مقصودا له بالخطاب كما حررناه في محله ، وحينئذ فيتجه إطلاق الأصحاب ، نعم يخرج منه ما لو صرح الناذر بتتابع الأيام ، ولعله غير مندرج في كلامهم فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع ، والله اعلم.

٨١

والموضع الثاني من وجب عليه صوم شهر متتابع بنذر فصام خمسة عشر يوما ثم أفطر لغير عذر فضلا عنه لم يبطل ما مضى من صومه وبنى عليه ، ولو كان قبل ذلك استأنف على المشهور بين الأصحاب ، بل في السرائر الإجماع عليه ، لخبري موسى بن بكير (١) والفضيل بن يسار (٢) المتقدمين سابقا المنجبرين سندا ودلالة بذلك ، ولا حاجة هنا الى تجاوز النصف بيوم كما في الشهرين ضرورة عدم احتمال التتابع هنا غير اتصال الأيام ، فليس الاجتزاء بالخمسة عشر إلا للدليل بخلافه في الشهرين ، فان من المحتمل فيه إرادة تتابع الشهرين دون الأيام كما أومأت إليه النصوص ، وفي السرائر بعد أن ذكر الفرق بينهما بذلك قال : وهذا فرق تواترت به الاخبار عن أئمة آل محمد الاطهار عليهم‌السلام ، ومن ذلك كله يعلم انه لا وجه للمناقشة في هذا الحكم من أصله ، كما لا وجه لما في الوسيلة من عدم الفرق بين الشهر والشهرين في اعتبار مجاوزة النصف في البناء ، إذ هو كما ترى خارج عن الأدلة المزبورة وعن مراعاة الضوابط مع فرض عدم العمل بها هنا مضافا الى حرمة القياس وكونه مع الفارق وكذا لا وجه معتد به لما في الغنية من الفرق بين الشهر الذي شرط تتابعه في النذر والذي أطلق ، فحكم بالاستئناف في الأول على كل حال إذا أفطر مختارا وفي الثاني بأنه ان كان في النصف الأول استأنف ، وإلا فلا ، ولعله لعدم تقييد الخبرين بالتتابع ، وفيه مضافا الى ترك الاستفصال فيهما انه لا فرق بين ذكر القيد وعدمه إلا بالصراحة والظهور ، بناء على انسياق التتابع من المطلق ، والا خرجا عن موضوع المسألة ، ولا ينطبق ما فيهما من الحكم عليه ، فالتدبر فيهما يقضي بعدم الفرق بينهما ، ومنه يعلم ما في إشارة السبق ، قال في صوم النذر والعهد :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ١ عن موسى بن بكر كما تقدم الإشارة إليه سابقا.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ١.

٨٢

« ومتى شرط فيهما التتابع لم يجز التفريق ـ الى ان قال ـ ولو اضطر إلى تفرقة صومهما بنى ولم يلزمه استئناف إلا مع الاختيار ، وإذا لم يشترط متابعة ولا ألجأت ضرورة إلى غيرها فلا بناء إلا بعد الإتيان بالنصف وما زاد عليه ، وإلا فالاختيار لإفطاره فيه قبل بلوغه يوجب الاستئناف » إذ هو ـ مع انه فرق بما سمعته من ابن زهرة بل وابن حمزة ، اللهم إلا أن يريد معنى « أو » من قوله « وما زاد » بقرينة قوله « قبل بلوغه » المعلوم ارادة قبل بلوغ النصف منه ـ ظاهر في عدم الفرق في ذلك بين الشهر والشهرين وما زاد أو نقص ، وهو تعد عن الأدلة بلا شاهد بعد حرمة القياس عندنا ، وكونه مع الفارق في بعض الصور ، فالمتجه الاقتصار على مضمونها بعد مخالفة الحكم للضوابط كما هو واضح ، فما عن الشيخ من طرد الحكم في السنة لا يخلو من منع وإن كان هو أعلم بما قال كما في الدروس والله أعلم والموضع الثالث التفريق في صوم الثلاثة الأيام عن الهدي المعلوم وجوب التتابع فيها نصا (١) وفتوى بل إجماعا إلا لمن صام يوم التروية وعرفة ثم أفطر يوم النحر فإنه جاز له ان يبني بعد انقضاء أيام التشريق إجماعا محكيا عن المختلف لخبر عبد الرحمن بن الحجاج (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « فيمن صام يوم التروية ويوم عرفة قال : يجزيه أن يصوم يوما آخر » وخبره الآخر (٣) أيضا عن أبي الحسن عليه‌السلام « كان أبو جعفر عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ٢ و ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب الذبح الحديث ـ ١ من كتاب الحج.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب الذبح الحديث ٤ وفيه « كان جعفر عليه‌السلام يقول : ذو الحجة كله من أشهر الحج » وأما ذيله فليس من الخبر وانما هو عبارة الشيخ ( قدس الله سره ) في التهذيب ج ٥ ص ٢٣١ المطبوع بالنجف الأشرف.

٨٣

يقول : ذو الحجة كله من أشهر الحرم ، ومن صام يوم التروية ويوم عرفة فإنه يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق » وخبر يحيى الأزرق (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام أيضا « سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعا وليس له هدي فصام يوم التروية ويوم عرفة قال : يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق » لكن في المدارك « أنها إخبار ضعيفة ، وفي مقابلها أخبار صحيحة السند دالة على خلاف ما تضمنته وسيجي‌ء تحقيق ذلك في كتاب الحج » قلت : ويأتي تحقيق غيره أيضا ، وهو ما إذا فاتت الثلاثة قبل النحر فلم يصمها ولا اليومين منها يصومها أيام التشريق كما عن ابن الجنيد ، لخبري إسحاق بن عمار (٢) وعبد الله بن ميمون القداح (٣) عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام « ان عليا عليه‌السلام كان يقول : من فاته صيام الثلاثة الأيام التي في الحج فليصمها أيام التشريق ، فان ذلك جائز له » الشاذين المعارضين بالأصح سندا والأكثر عددا ، مضافا الى العمل ، قال ابن سنان (٤) في الصحيح : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تمتع فلم يجد هديا قال : فليصم ثلاثة أيام ليس فيها أيام التشريق » ونحوه خبر ابن مسكان (٥) عنه عليه‌السلام أيضا ، نعم في صدر‌ خبر ابن الحجاج (٦) المتقدم عن أبي الحسن عليه‌السلام الذي نص فيه على صوم الثالث منها بعد أيام التشريق قال : « فان فاته ذلك ـ أي صوم الثلاثة ـ يصوم صبيحة يوم الحصبة ويومين بعد ذلك » وفي‌ صحيح صفوان (٧) عنه عليه‌السلام أيضا قال : « ذكر ابن البراج انه كتب إليه يسألك عن متمتع لم يكن له هدي فأجبته في كتابك يصوم ثلاثة أيام بمنى ، فان فاته ذلك صام صبيحة الحصبة ويومين بعد ذلك قال : أما أيام منى فإنها أيام أكل وشرب لا صيام فيها ، وسبعة أيام إذا رجع الى أهله » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢ من كتاب الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٤.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٣.

٨٤

فان اقتصاره على إنكار أيام منى ظاهر في الإقرار بالآخر ، وهو الصوم صبيحة الحصبة واليومين بعدها ، بل عن الصدوق ووالده والشيخ في النهاية والمبسوط وابن إدريس الفتوى بذلك ، الا ان الصدوق قال : « تسحر ليلة الحصبة وهي ليلة النفر وأصبح صائما » وفي النهاية فسر يوم الحصبة بيوم النفر ، ومقتضى ذلك ابتداء الصوم في ثالث أيام التشريق ، لانه هو يوم النفر ، مع انهم صرحوا بعدم جواز الصوم فيها ، اللهم إلا ان يكون المراد عدم جواز تمام الثلاثة فيها ، لكنه كما ترى مناف لإطلاق دليل الحرمة فيها ، ويمكن ان يكون المراد في الخبرين بصبيحة الحصبة اليوم الذي بعدها ، بل قيل انه المتبادر ، فهو حينئذ الرابع عشر ، وليس من أيام التشريق ، وتكلف ارادة ذلك في كلامهم يأباه تصريح بعضهم ، فليس حينئذ إلا الحكم بضعف قولهم ، كضعف قول ابن الجنيد وان الأصح الصوم بعدها ، وهذا كله خارج عما نحن فيه ، إذ الكلام فيمن صام يومين قبل النحر.

وعلى كل حال فالتفريق انما هو في هذه الصورة ، فـ ( لو كان أقل من ذلك ) بأن صام يوما استأنف صومه وكذا لو فصل بين اليومين والثالث بإفطار غير العيد كما لو صام قبل التروية بيوم ويوم التروية وأفطر يوم عرفة استأنف أيضا لإطلاق ما دل على اشتراط التتابع فيها ، ولعل إطلاق الشيخ في المحكي من مبسوطة وجمله واقتصاده جواز البناء إذا صام يومين منزل على ذلك ، نعم صرح ابن حمزة بجواز الفصل بيوم عرفة ، ونفى البأس عنه في المختلف لمطلوبية التشاغل بالدعاء للشارع ، ولا يخفى ما فيه.

بقي شي‌ء وهو ان الظاهر من النص والفتوى عدم الفرق في ذلك بين علمه بتخلل العيد وعدمه فيكون هذا مستثنى من الكلية الآتية أيضا ، لكن في المسالك « يظهر من بعض ان البناء مشروط بما لو ظهر العيد وكان ظنه يقتضي خلافه ، والا استأنف » قلت : صرح به الشيخ على ما في حاشية الكتاب هنا وان كان المحكي‌

٨٥

عنه في الحج الأول ، وهو الأقوى ، للإطلاق الذي أظهر أفراده العلم بالعيد.

ثم ان ظاهر المتن عدم الاستئناف بهذا التفريق ولو تعمد تأخير صوم اليوم عن أيام التشريق بناء على كون هذه المسألة كالمسألتين السابقتين ، لكن صرح بعضهم بأن التتابع يسقط في الثالث الى انقضاء أيام التشريق ، وفي شرح الأصبهاني ان المبادرة بالصوم بعد أيام التشريق وان لم يصرح به في فتوى ولا خبر عثرنا عليه الا انه المتبادر من كلام الأصحاب وبعض الاخبار ، ويدل عليه ان التتابع واجب فيها ، وانما اغتفر الفصل بالعيد وأيام التشريق ، للعذر بحرمة الصوم فيها ولا عذر فيما بعدها ، فلا وجه لاغتفار التأخير بعدها ، كما إذا أفطر في النصف الأول من الشهر أو الشهرين لعذر ثم يزول العذر ، ومقتضى ذلك أن هذا التفريق للعذر ، وهو خلاف ظاهر الاستثناء الذي قد يستدل له بإطلاق البعدية ، اللهم إلا ان يقال بانصراف أول إفرادها منه ، ولا ريب في انه أحوط ، ويأتي ان شاء الله في كتاب الحج له تتمة.

وكيف كان فقد ألحق الشيخ ويحيى بن سعيد والفاضل فيما عدا المنتهى على ما قيل به أي الشهر المنذور من وجب عليه صوم شهر في كفارة قتل الخطأ أو الظهار لكونه مملوكا وكفارته نصف كفارة الحر ، مستدلا عليه في المختلف بأن التنصيف كما يكون في العدد كذا يكون في الوصف ، وكما أجزأ تتابع الشهرين بيوم كذا النصف يحصل به التتابع ، لان الشهرين في معرض النقصان فلو أوجبنا تتابع ستة عشر يوما لزدنا على حكم الشهرين ، فاكتفي بتتابع خمسة عشر يوما التي تزيد على نصف الناقص بنصف يوم ، وبأنه لا يزيد على النذر المتتابع ، وقد أجزأ فيه تتابع خمسة عشر يوما ، فيثبت الحكم في الأضعف بطريق الاولى ، وبأن الجعل الذي في الخبرين قد يكون بالنذر وقد يكون بفعل ما يوجب ذلك من إفطار أو ظهار أو نحوهما ، والجميع كما ترى ، ومن هنا قال‌

٨٦

المصنف وفيه تردد من ذلك ومن وجوب الاقتصار على المتيقن في مخالفة القواعد ، ودعوى القطع بالأولوية من المنذور واضحة المنع.

ومن ذلك تعلم ان الاولى الجزم بالعدم دون التردد ، كما انه يعلم مما قدمنا ان كل من وجب عليه صوم متتابع لا يجوز ان يبتدئ زمانا يعلم انه لا يسلم له التتابع فيه بتخلل عيد أو شهر رمضان أو غير ذلك مما لا يجوز صومها عنه ، لتوقف امتثال الأمر على اجتناب ذلك ، وحينئذ فمن وجب عليه شهران متتابعان لا يصوم شعبان إلا أن يصوم قبله ولو يوما وفي‌ صحيح منصور بن حازم (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه قال : « في رجل صام في ظهار شعبان ثم أدركه شهر رمضان قال : يصوم شهر رمضان ويستأنف الصوم فان صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته » إلا انه كما ترى لا يدل على إتمام الكلية ، ولذا اقتصر على مضمونه في النهاية ولم أتحقق إجماعا عليها ، بل ربما ظهر من بعضهم خلافها ، ولعله لانه انقلاب تكليف ، فتشمله روايات العذر ، وربما كان في تكليف المرأة بها وعدم انتظار زمان يأسها مع غلبة عدم سلامتها من الحيض شهرا ويوما ( عسر وحرج ظ ) والصحيح المزبور معارض بنصوص الثلاثة التي يفصل بينها بالعيد ، وقد ظهر من ذلك كله ان هذه الكلية ان لم يتحقق إجماع عليها أمكن المناقشة فيها ، خصوصا فيما لو صام واتفق العذر الشرعي من مرض ونحوه في أيام الفصل التي هي شهر رمضان أو أيام العيد والتشريق ونحو ذلك ، بل ينبغي الجزم بالصحة في الفرض مع الغفلة ، بل وان لم يتفق العذر فيها ويكفي كونها عذرا مع الغفلة ، لكن في الدروس ولا يعذر بفجأة مثل رمضان أو العيد سواء علم أو لا ، بخلاف فجأة الحيض والنفاس ، وكيف كان فيستفاد من المثال في المتن ان البدأة بالصوم في أثناء الشهر لا يوجب كونه ثلاثين متصلة ، وإلا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ١.

٨٧

لم يتم الحكم إلا بتقدير كون شعبان تاما ليسلم له أحد وثلاثون ، وكذا يستفاد انه لا فرق في اليوم الزائد على الشهر بين سبقه عليه ولحوقه به ، ولعله كذلك وان كان الذي ينساق الى الذهن تعقيب الشهر بيوم ، الا ان التدبر يقضي بكون المراد صوم شهر ويوم كيفما كان.

وعلى كل حال لا يجوز لمن كان عليه شهران متتابعان أن يصوم شوالا مع يوم من ذي القعدة ويقتصر على ذلك وكذا الحكم في ذي الحجة مع يوم آخر من المحرم ضرورة نقصان الشهر بالعيد ، فلا يحصل المطلوب باليوم ، نعم لو صام يومين اتجه الاجزاء ، لحصول الشهر ويوم كما هو واضح وقيل والقائل الشيخ والصدوق في المحكي عن مقنعه وابن حمزة : ان القاتل في أشهر الحرم يصوم شهرين متتابعين منها وان دخل فيهما العيد وأيام التشريق لرواية زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن رجل قتل رجلا خطأ في الشهر الحرام قال : ويغلظ عليه الدية ، وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم ، قلت : فإنه يدخل في هذا شي‌ء قال : وما هو قلت : يوم العيد وأيام التشريق ، قال : يصوم فإنه حق لزمه » ونحوه حسن زرارة الآخر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا ، لكن في المعتبر « وهي نادرة مخالفة لعموم الأحاديث المجمع عليها ومخصصة لها ، ولا يقوى الخبر الشاذ على تخصيص العموم المعلوم على انه ليس فيه تصريح بصوم العيد ، والأمر المطلق بالصوم في الأشهر الحرم ليس بصريح في صوم عيدها ، وأما أيام التشريق فلعله لم يكن بمنى ، ونحن لا نحرمها الا على من كان بمنى » ونحوه في المختلف ، بل في التذكرة « ان في طريقه سهل ابن زياد ، وهو ضعيف ، ومع ذلك فهو مخالف للإجماع » ونحوه عن المنتهى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث ٢.

٨٨

ومن ذلك يعلم الحال في‌ الحسن عن زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « قلت له رجل قتل رجلا في الحرم قال : عليه دية وثلث دية ، ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم ، ويعتق رقبة ، ويطعم ستين مسكينا ، قال : قلت : يدخل في هذا شي‌ء قال : وما يدخل؟ قلت : العيدان وأيام التشريق ، قال : يصومه فإنه حق لزمه » بل ارادة صوم الشهرين وانه لا يضر هذا الفصل بالتتابع أظهر من الأول لاتحاد ضمير « يصومه » والمتقدم فيه العيدان ، مع انه ليس في هذه الأشهر إلا الأضحى الا ان يريد بالآخر يوم الغدير وان لم يحرم صومه.

وكيف كان فلا ريب في ان الأول أظهر وأصح لقوة ما دل على تحريم الصوم في هذه الأيام بحيث لا يصلح ذلك لمعارضتها ، كما هو واضح.

هذا كله في الواجب‌ وأما الندب من الصوم على وجه يشمل المكروه ، أو على ارادة ما عداه كالمحرم فـ ( قد لا يختص وقتا كصيام أيام السنة فإنه جنة ) وسترة من النار لتسبيبه العفو عما يوجبها ، وتقدم في أول الصوم ما يعلم منه ذلك وقد يختص وقتا معينا وهو كثير ولكن المؤكد منه أربعة عشر قسما بل أزيد من ذلك ، الأول صوم ثلاثة أيام من كل شهر أول خميس منه وآخر خميس وأول أربعاء في العشر الثاني فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد صام (٢) حتى قيل ما يفطر ، ثم أفطر حتى قيل ما يصوم ، ثم صام صوم داود يوما ويوما لا ، ثم قبض على صيام هذه الثلاثة التي تذهب المواظبة على صومها وجر الصدر ووسوسته ، وتعدل صوم الدهر باعتبار عدل كل يوم منها عشرة أيام ، لأن من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ، وقد كان من قبلنا من الأمم إذا نزل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ـ ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ١.

٨٩

على أحدهم العذاب نزل في هذه الأيام ، والذي يظهر من مجموع ما وصل إلينا من النصوص أن الأفضل ما ذكره المصنف وغيره من الكيفية المزبورة في صومها وان كان لها كيفيات أخر كصوم الخميسين بينهما أربعاء في العشرات الثلاثة لإطلاق الأمر بذلك في بعض النصوص (١) الذي لا يعارضه المقيد في غيره (٢) بعد حمله على شدة الاستحباب كما حرر في محله بالنسبة إلى المندوبات من غير ملاحظة الأول والأخير ، أو ذلك في شهر وأربعاء وخميس وأربعاء في شهر آخر لخبر أبي بصير (٣) « سألته عن صوم ثلاثة أيام في الشهر ، فقال : في كل عشرة أيام يوم الخميس وأربعاء وخميس ، والشهر الذي يليه أربعاء وخميس وأربعاء » ، أو الأربعاء والخميس والجمعة ، أو الخميس بين أربعاءين ، لخبر إسماعيل بن داود (٤) قال : « سألت الرضا عليه‌السلام عن الصيام فقال ثلاثة أيام في الشهر الأربعاء والخميس والجمعة فقلت : ان أصحابنا يصومون أربعاء بين خميسين ، فقال لا بأس بذلك ، ولا بأس بخميس بين أربعاءين » ، أو الاثنين والأربعاء والخميس ، أو في كل عشرة يوما ، لخبر أبي بصير (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صوم السنة فقال : صيام الثلاثة أيام من كل شهر الخميس والأربعاء والخميس ، وان شاء الاثنين والأربعاء والخميس وان شاء في كل عشرة يوما ، كان ذلك ثلاثين حسنة ، وان أحب أن يزيد على ذلك فليزد » بل الظاهر الاكتفاء في أصل الاستحباب بصيام ثلاثة أيام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الصوم المندوب.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ٥ و ٨ و ١٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ٢٣.

٩٠

من الشهر متوالية أو متفرقة من أوله أو آخره ، قال عمار بن موسى (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون عليه الثلاثة أيام من الشهر هل يصلح له أن يؤخرها أو يصومها في آخر الشهر قال : لا بأس ، قلت : يصومها متوالية أو يفرق بينها قال : ما أحب ان شاء متوالية وان شاء فرق بينها » وسأل علي بن جعفر (٢) أخاه عليه‌السلام « عن صيام الثلاثة أيام في كل شهر تكون على الرجل يصومها متوالية أو يفرق بينها قال : أي ذلك أحب » وحمل ذلك على خصوص القضاء لا داعي اليه.

وقد يظهر لك من ذلك كيفيات متعددة لصوم الثلاثة وان كان آكدها ما في المتن ، ولا ينافيه‌ مرسل الفقيه (٣) « انه سئل العالم خميسان يتفقان في آخر العشر فقال : صم الأول فلعلك لا تلحق الثاني » وان حكي عن ابن أبي عقيل الفتوى به لإمكان حمله على كون الثاني يوم الثلاثين من الشهر ، وحينئذ فيستحب صوم الأول ، لاحتمال النقص في الشهر ، مع ان المحكي عن ابن إدريس ان الخميس الأخير هو المؤكد صومه ، فان جاء الشهر ناقصا فلا شي‌ء عليه ، ولعله لكثرة ما دل (٤) على أفضلية الخميس الأخير في العشر الأخير ، والأول في العشر الأول وعلي كل حال فقد اقتصر في الدروس على ذكر بعض الكيفيات ، قال : ويتأكد أول خميس في العشر الأول وأول أربعاء في العشر الثاني وآخر خميس في العشر الآخر ، وروي خميس بين أربعاءين ثم أربعاء بين خميسين كقول ابن الجنيد ، وروي مطلق الخميس والأربعاء في الأعشار الثلاثة ، والأمر سهل حيث كان الأمر مستحبا وكيف كان فيكره له فيها المجادلة والجهل والإسراع إلى الحلف والايمان بالله ، كما انه يستحب له احتمال من يجهل عليه ، كل ذلك لقول الصادق عليه‌السلام في خبر الفضيل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الصوم المندوب.

٩١

ابن يسار (١) : « إذا صام أحدكم الثلاثة أيام من الشهر فلا يجادلن أحدا ، ولا يجهل ولا يسرع الى الحلف والأيمان بالله ، وان جهل عليه احد فليحتمل ».

والمشهور بل لا أجد فيه خلافا ان من أخرها يستحب له القضاء لقول الصادق عليه‌السلام في خبر ابن سنان (٢) « ولا يقضي شيئا من صوم التطوع إلا الثلاثة الأيام التي كان يصومها من كل شهر ، ولا يجعلها بمنزلة الواجب ، إلا أني أحب لك ان تدوم على العمل الصالح » وغيره ، الا انه ظاهر في مشروعية قضائها بمطلق الفوات كما أفتى به في الدروس وغيرها ، لكن في المدارك « ولو كان الفوات لمرض أو سفر لم يستحب قضاؤها ، لما رواه‌ الكليني في الصحيح عن سعد ابن سعيد الأشعري (٣) عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام « سألته عن صوم ثلاثة أيام في الشهر هل فيه قضاء على المسافر؟ قال : لا » وإذا سقط القضاء على المسافر سقط عن المريض بطريق أولى ، لأنه أعذر منه » قلت : يمكن حمله على عدم التأكد أو الوجوب ، لخبر عذافر (٤) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أصوم هذه الثلاثة الأيام في الشهر فربما سافرت وربما أصابتني علة فيجب علي قضاؤها ، فقال لي انما يجب قضاء الفرض واما غير الفرض فأنت فيه بالخيار في السفر والمرض ، قال وقال : المرض قد وضعه الله عز وجل عنك والسفر ان شئت فاقضه ، وان لم تقضه فلا جناح عليك » وضعف سنده غير قادح هنا ، ولعل نفيه في المرض محمول على إرادة التأكيد أيضا ، لخبر داود بن فرقد (٥) عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « فيمن ترك صوم ثلاثة أيام في كل شهر فقال : ان كان من مرض فإذا برأ فليقضه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب آداب الصائم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ١.

٩٢

وان كان من كبر أو عطش فبدل كل يوم مد » هذا ، وفي الروضة انه ان قضاها في مثلها من الأيام أحرز فضيلتهما أي الأداء والقضاء ، ولم أره لغيره ، قيل : ولعله لما عرفت من ان العلة في استحباب صومها عرض الاعمال وهو صائم ، أو استدفاع العذاب ، لكنه كما ترى لا يصلح قاطعا لأصالة عدم تداخل الأسباب فهو حينئذ مشكل ، كالمحكي عن شرح الإرشاد لفخر الإسلام الصائم لرمضان أو النذر المعين إذا كان فيه أحد الأيام الثلاثة التي يستحب ان يصومها من كل شهر وأيام البيض يحصل له ثواب الواجب والمندوب معا ، وكفت نية الواجب عن المندوب ودخل المندوب ضمنا ، وكذا لو صام قضاء شهر رمضان أو النذر المعين أو الكفارات أو أي صوم كان من الواجبات في الأيام المندوبات ، فإنه يحصل له ثواب الصوم الواجب والمندوب معا ، ويكفي فيه نية الواجب والمندوب ، اللهم إلا ان يقال ان المستفاد من الأدلة رجحان وجود طبيعة الصوم فيها واجبا أو غيره ومثله ليس من التداخل في شي‌ء ، لكن الكلام في استفادته ، ولعله لما ورد من التعليل في صومها المنطبق على ذلك ، فلاحظ وتأمل ، والله أعلم.

وكيف كان فلا خلاف أيضا نصا وفتوى في انه يجوز تأخيرها اختيارا من الصيف الى الشتاء‌ قال الحسن بن أبي حمزة (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : صوم ثلاثة أيام في الشهر أؤخره في الصيف الى الشتاء فإني أجده أهون علي؟ قال : نعم فاحفظها » ونحوه غيره ، بل قد يستفاد من‌ خبر الحسن ابن راشد (٢) جواز تعجيلها ، قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أو لأبي الحسن عليه‌السلام الرجل يتعمد الشهر في الأيام القصار يصومه لسنة قال : لا بأس » الا اني لم أجد من ذكره ، بل في المدارك الاستدلال به على التأخير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٢.

٩٣

المزبور الذي هو في الحقيقة من القضاء.

وعلى كل حال فـ ( ان عجز ) عن صومها لكبر أو نحوه أو شق عليه ذلك واشتد استحب له ان يتصدق عن كل يوم بدرهم أو مد من طعام كما استفاضت به النصوص (١) بل قد يستفاد منها استحباب هذا الفداء لترك صومها على كل حال ، ولذا خير بينه وبين القضاء في الدروس ، وهو جيد وإن كان ما في سؤال كثير منها المشقة والشدة ونحو هما ، إلا ان خصوص المورد لا يخصص الوارد ، بل‌ خبر يزيد بن خليفة (٢) ظاهر في غير ذلك أيضا ، قال : « شكوت الى أبي عبد الله عليه‌السلام فقلت : إني أصدع إذا صمت هذه الثلاثة الأيام وشق علي قال : فاصنع كما أصنع ، فإني إذا سافرت تصدقت عن كل يوم بمد من قوت أهلي الذي أقوتهم به » كما انه يستفاد من‌ خبر عمر بن يزيد (٣) كراهة ترك الصوم مع القدرة والعدول الى الفداء ، قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ان الصوم أشد علي فقال لي : الدرهم تصدق به أفضل من صيام يوم ، ثم قال : وما أحب ان تدعه » ولا ينافي ذلك ما استفاض في النصوص (٤) ان الصدقة بدرهم أفضل من صيام يوم بعد إمكان إرادة مطلق اليوم منه لا أحد الثلاثة ومن ذلك كله يظهر لك شدة الندب في صيام هذه الثلاثة ، وانها دون الوجوب بيسير ، والله أعلم.

والثاني صوم أيام الليالي البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر عند العلماء كافة كما عن المنتهى والتذكرة للمروي في محكي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الصوم المندوب.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ٥ و ٦.

٩٤

العلل بسنده الى ابن مسعود (١) « سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ان آدم لما عصى ربه ناداه مناد من لدن العرش يا آدم اخرج من جواري ، فإنه لا يجاورني أحد عصاني ، فبكى وبكت الملائكة ، فبعث الله عز وجل جبرئيل فأهبطه إلى الأرض مسودا ، فلما رأته الملائكة ضجت وبكت وانتحبت وقالت : يا رب خلقا خلقته ونفخت فيه من روحك وأسجدت له ملائكتك ، بذنب واحد حولت بياضه سوادا ، فنادى مناد من السماء ان صم لربك اليوم ، فصام فوافق يوم صومه يوم ثلاثة عشر من الشهر ، فذهب ثلث السواد ، ثم نودي يوم الرابع عشر ان صم لربك اليوم فصام فذهب ثلثا السواد ، ثم نودي في يوم خمسة عشر بالصيام فصام فأصبح وقد ذهب السواد كله ، فسميت أيام البيض للذي رد الله عز وجل فيه على آدم من بياضه ، ثم نادى مناد من السماء يا آدم هذه الثلاثة أيام جعلتها لك ولولدك من صامها في كل شهر فكأنما صام الدهر » الا انه قال الصدوق : هذا الخبر صحيح ولكن الله تبارك وتعالى فوض الى نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر دينه فقال عز وجل (٢) ( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) فسن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكان أيام البيض خميسا في أول الشهر وأربعاء في وسط الشهر وخميسا في آخر الشهر ، وذلك صوم السنة ، من صامها كان كمن صام الدهر ، لقول الله عز وجل (٣) ( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ) قال في المدارك ومقتضاه ان صوم هذه الأيام منسوخ بصوم الخميس والأربعاء ، وربما كان في بعض الروايات (٤) المتضمنة صومها اشعار‌

__________________

(١) ذكره في الوسائل مقطعا في الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ١ وتمامه مذكور في علل الشرائع ج ٢ ص ٦٧ المطبوعة عام ١٣٧٨.

(٢) سورة الحشر ـ الآية ٧.

(٣) سورة الأنعام ـ الآية ١٦١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ١٦.

٩٥

بذلك ، قلت : لكن فيه ـ مع عدم المنافاة بين استحبابها واستحباب تلك الثلاثة ـ ان الإجماع بقسميه على خلافه ، نعم في الدروس انه يشعر خبر الزهري (١) بعدم تأكدها ، ولعله لأنه عدها من المخير ان شاء صام وان شاء أفطر ، وفيه انه لم يذكر فيه الصوم المندوب قسما والمخير فيه قسما آخر حتى يكون فيه اشعار بذلك وانما اقتصر فيه على المخير وعد منه هذه الأيام ، فليس المراد منه الا عدم الوجوب والحرمة ، هذا. وقد اعترف الفاضل وغيره بعدم العثور على نص من طرقنا يدل على استحبابها عدا خبر الزهري والخبر المزبور.

قلت : لكن في‌ قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان (٢) عن جعفر عليه‌السلام « ان عليا عليه‌السلام كان ينعت صيام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : صام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الدهر كله ما شاء الله ثم ترك ذلك وصام صيام داود يوما لله ويوما له ما شاء الله ثم ترك ذلك فصام الاثنين والخميس ما شاء الله ثم ترك ذلك وصام البيض ثلاثة أيام من كل شهر فلم يزل ذلك صيامه حتى قبضه الله اليه » وفي المحكي عن‌ الدروع الواقية لابن طاوس (٣) عن كتاب تحف العقول تأليف عبد الرحمن بن محمد الحلواني عن علي ابن أبي طالب عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتاني جبرئيل فقال قل لعلي : صم من كل شهر ثلاثة أيام يكتب لك بأول يوم تصوم عشرة آلاف سنة والثاني ثلاثون ألف سنة والثالث مأة ألف سنة ، قلت يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لي ذلك خاصة أم للناس عامة؟ فقال : يعطيك الله ذلك ولمن عمل مثل ذلك ، فقلت : ما هي يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قال : الأيام البيض من كل شهر ، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر » وقال أيضا وجدت في‌ تاريخ نيسابور في ترجمة الحسن بن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٢ والثاني عن الدروع الواقية نقلا من كتاب تحفة المؤمن.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٣ والثاني عن الدروع الواقية نقلا من كتاب تحفة المؤمن.

٩٦

جعفر (١) بإسناده الى الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام قال : « سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن صوم أيام البيض فقال : صيام مقبول غير مردود » ودعوى ان المراد بأيام البيض الثلاثة الأيام أي الخميسان بينهما أربعاء للمحكي عن ابن أبي عقيل « فأما السنة من الصيام فصوم شعبان وصيام البيض وهي ثلاثة في كل شهر متفرقة أربعاء بين خميسين : الخميس الأول من العشر الأول والأربعاء الآخر من العشر الأوسط وخميس من العشر الأخير » كما ترى لا تنطبق على ما جاء في وجه التسمية في اللغة والخبر وغيرها ، والظاهر الاجتزاء بما كان منها أول أربعاء عنها وعن ثاني الثلاثة ، وليس من التداخل في شي‌ء ، بل من اجتماع عنوان الأمرين ، والله أعلم.

والثالث صوم يوم الغدير وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة الذي نصب فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمير المؤمنين عليه‌السلام اماما للناس وعلما لهم (٢) وقد‌ قال الصادق عليه‌السلام في خبر الحسن بن راشد (٣) : « ان صومه يعدل ستين شهرا » وزاد في آخر (٤) « من أشهر الحرم » بل قال في‌ خبر العبدي (٥) : « انه يعدل مأة حجة ومأة عمرة مبرورات متقبلات » وقال أيضا في‌ خبر المفضل ابن عمران (٦) : « صومه كفارة ستين سنة » وفي خبره الآخر (٧) : « من صامه كان أفضل من عمل ستين سنة » الى غير ذلك مما ورد في فضله وفي ذكر من صامه من الأنبياء والأوصياء الذين نصبوا فيه ، وفي ذكر ما وقع فيه في الأزمنة السابقة مما فيه قوة الدين وكسر شوكة الكافرين والمنافقين ، ومن أعجب ما اتفق فيه نصب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمير المؤمنين عليه‌السلام علما للعباد وقد خذلوه الى أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الصوم المندوب.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ١٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٨.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٧.

٩٧

قتل عثمان فيه وبايع الناس أمير المؤمنين عليه‌السلام في ذلك اليوم وتمام ، التعرض لشرح هذا اليوم ليس هذا محله ، فليطلب من مظانه.

والرابع صوم يوم مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو سابع عشر من شهر ربيع الأول على المشهور لخبر إسحاق بن عبد الله (١) عن أبي الحسن علي بن محمد عليه‌السلام في حديث « ان الأيام التي يصام فيها اربع : يوم مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم سابع عشر من شهر ربيع الأول » وفي المصباح (٢) روي عنهم عليهم‌السلام « انهم قالوا من صام يوم السابع عشر من شهر ربيع الأول كتب الله له صيام سنة » وفي‌ خبر العريضي (٣) « ركب أبي وعمومتي الى أبي الحسن عليه‌السلام وقد اختلفوا في الأيام التي تصام في السنة وهو مقيم بقرية قبل مسيره إلى سر من رأى فقال لهم : جئتم تسألون عن الأيام التي تصام في السنة فقالوا : ما جئناك إلا لهذا فقال : اليوم السابع عشر من ربيع الأول وهو اليوم الذي ولد فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واليوم السابع والعشرون من رجب ، وهو اليوم الذي بعث فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة ، وهو اليوم الذي دحيت فيه الأرض من تحت الكعبة ، واليوم الثامن عشر من ذي الحجة ، وهو يوم الغدير » وعن المفيد في مسار الشيعة اليوم السابع عشر من ربيع الأول كان مولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يزل الصالحون من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على قديم الأوقات يعظمونه ويعرفون حقه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ١ عن إسحاق بن عبد الله أيضا إلا انه سهو فان الموجود في التهذيب ج ٤ ص ٣٠٥ الرقم ٩٢٢ عن أبي إسحاق بن عبد الله كما هو كذلك في الوسائل في الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٣ والباب ـ ١٥ ـ منها الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٣.

٩٨

ويرعون حرمته ويتطوعون بصيامه ، قال : وروي (١) عن أئمة الهدى عليهم‌السلام : انهم قالوا : « من صام يوم السابع عشر من شهر ربيع الأول وهو مولد سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتب الله له صيام سنة » وقال في المقنعة : « ورد الخبر (٢) عن الصادقين عليهم‌السلام بفضل صيام أربعة أيام في السنة : يوم السابع عشر من ربيع الأول ، وهو اليوم الذي ولد فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى ان قال : ويوم السابع والعشرين من رجب ، وهو اليوم الذي بعث فيه ، فمن صامه كتب الله له صيام ستين سنة ، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة دحيت الأرض ، ويوم الغدير نصب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمير المؤمنين عليه‌السلام اماما » وفي المحكي عن روضة الواعظين‌ روى (٣) « ان يوم السابع عشر من ربيع الأول يوم مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمن صامه كتب الله له صيام ستين سنة » فما عن الكليني ـ من انه يوم الثاني عشر منه كما عن المشهور ( الجمهور ظ ) بل عن حاشية القواعد للشهيد الثاني ولعله اثبت ـ غير واضح.

والخامس يوم مبعثه وهو اليوم السابع والعشرين من رجب للخبر السابق (٤) وخبر الحسن بن راشد (٥) عن الصادق عليه‌السلام « لا تدع صيام سبعة وعشرين من رجب ، فإنه هو اليوم الذي أنزلت فيه النبوة على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثوابه مثل ستين شهرا لكم » بل‌ قال عليه‌السلام في خبر عبد الله بن طلحة (٦) : « من صام يوم سبعة وعشرين من رجب كتب الله له صيام سبعين سنة » وقال أيضا في خبر كثير النواء (٧) « في اليوم السابع والعشرين منه أي رجب نزلت النبوة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٦ مع الاختلاف في اللفظ.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٣.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٤.

٩٩

على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من صام هذا اليوم كان ثوابه من صام ستين شهرا » كقول أبي الحسن الأول عليه‌السلام في مرسل سهل بن زياد (١) الى غير ذلك من النصوص التي لا ينافيها ما في‌ خبر الحسن بن بكار الصيقل (٢) عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام « بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لثلاث ليال مضين من رجب وصوم ذلك اليوم كصوم سبعين عاما » بعد ما حكي عن سعد انه قال كان مشايخنا يقولون إن ذلك غلط من الكاتب ، وانه لثلاث بقين من رجب.

والسادس يوم دحو الأرض من تحت الكعبة ، وهو اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة الذي في ليلته ولد إبراهيم عليه‌السلام وولد عيسى عليه‌السلام وفي‌ خبر الوشاء (٣) « وفيها دحيت الأرض من تحت الكعبة ، من صام ذلك اليوم كان كمن صام ستين شهرا » وأرسل الصدوق (٤) عن موسى بن جعفر عليهما‌السلام انه قال : « في خمس وعشرين من ذي القعدة أنزل الله الكعبة البيت الحرام ، فمن صام ذلك اليوم كان كفارة سبعين سنة ، وهو أول يوم انزل الله فيه الرحمة من السماء على آدم عليه‌السلام وفي مرسل سهل بن زياد (٥) عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام في حديث قال : « وفي خمس وعشرين من ذي القعدة وضع البيت ، وهو أول رحمة وضعت على وجه الأرض ، فجعله الله عز وجل ( مَثابَةً لِلنّاسِ وَأَمْناً ) ، من صام ذلك اليوم كتب الله له صيام ستين شهرا » وقال محمد بن عبد الله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٢ وفي النسخة الأصلية «. من رجب وورد صوم ذلك اليوم بصوم سبعين عاما ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٤.

١٠٠