جواهر الكلام - ج ١٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

شامل ، لمنع كون القضاء مؤاخذة ، بل هو تكليف جديد بعبادة ، بل أضعف من ذلك دعوى انحصار القضاء في تعمد البقاء ، وقد عرفت وجوبه بالنوم بعد الانتباه ولو مع العزم على الغسل قبل الفجر ، وهو ليس من التعمد قطعا ، بل لا يخفى عليك ان جملة من الكلمات السابقة كونها اجتهاد في مقابلة النص ، ودعوى المنافاة لما دل على عدم قضاء ما نام الجنب فيه حتى أصبح يدفعها ظهور تلك النصوص كما لا يخفى على من لاحظها متدبرا لها في كون العذر النوم خاصة ، فلا تشمل ما لو نسي ونام الذي يشبه العامد على البقاء على حالته التي هي جنابة في الواقع ، ضرورة انه بعد أن نسي جنابته نام عازما على البقاء على ما هو عليه بزعمه المخالف للواقع ، فلا تشمله تلك النصوص الظاهرة في أن المانع من الغسل غلبة النوم دون غيره ، فمن أجنب ليلا ونسي ثم نام حتى أصبح وجب عليه القضاء للنصوص الصحيحة ولا يحتاج الى الانتباه قبل طلوع الفجر على وجه يمكنه الاغتسال ، نعم لو نام متذكرا فأصبح في نومته ولما أصبح نسي الغسل لم يكن عليه القضاء ذلك اليوم قطعا والنصوص لا تشمله ، ضرورة ظهورها في نسيانه في وقت الخطاب به لو كان ذاكرا ، بخلاف الفرض الذي لو فرض كونه ذاكرا فيه لم يشترط في صحة صوم ذلك اليوم ، كما هو واضح ، ودعوى عدم تعلق الفرق بين كون العذر في عدم الغسل النوم وبين كونه النسيان واضحة الفساد ، بل هي اجتهاد في مقابلة النص ، ولا حاجة الى إبداء الفرق بينهما بالعزم على الغسل في الأولى ، فضعف حينئذ حكم الجنابة فلم يكن عليه قضاء ، بخلافه في النسيان كي يرد عليه بأن العزم قد يتقدم على النسيان الذي فرض انه كالنوم.

كما انه لا حاجة بعد ما عرفت الى الجمع بين النصين بالفرق بين اليوم والأيام فيخص ما هنا بالأيام كما هو منطوق نصوصه ، والأول باليوم ، مع انه قد يرد عليه ان عذرية النوم قد تكون في أيام أيضا فيما لو أجنب في الليل ونام عازما على‌

٦١

الغسل فأصبح وترك ثم جاء الليلة الثانية ونام عازما على الغسل فأصبح وهكذا ودعوى انه يندرج في الليلة الثانية تحت ذي الانتباهتين الذي قد تقدم الكلام فيه سابقا وقلنا انه يجب بها القضاء وفي الثالثة تحت ذي الثلاثة التي تجب بها الكفارة يمكن دفعها بظهور تلك النصوص في ذي الانتباهتين في ليلة واحدة وكذا الثلاثة ، وأشكله أيضا في الروضة بأن قضاء الجميع يستلزم قضاء الأبعاض لاشتراكهما في المعنى ان لم يكن أولى ، وإن كان فيه ما فيه.

بل لا حاجة أيضا الى ما أطنب به الشهيد في المحكي من شرحه في دفع الاشكال المزبور ، قال : « ويمكن حله بأن النائم ليس بناس ، وقد أبيح له فعل النوم أول مرة إرفاقا ، وليس النوم مظنة التذكر ، واباحته تستلزم اباحة ما يترتب عليه ، بخلاف النائم ثانيا ، فإنه قد تخلله التذكر ، فترك الغسل عقيبه والاشتغال بالنوم تفريط محض ، أما الناسي فإنه مع يقظته في مظنة التذكر ، وعدم تذكره مع طول الزمان لا يكون إلا لتفريطه ، فافترقا ـ قال ـ فان قلت : ما تقول : لو نام أولا ثم انتبه ونسي النسيان المذكور أيجب عليه قضاء مع إطلاق الأصحاب ان لا قضاء عليه قلت : ان كان انتباهه ليلا واستمر نسيانه فالأجود وجوب القضاء لعين ما ذكرناه وان لم ينتبه حتى فات وقت الغسل واستمر نسيانه عذر في ذلك اليوم ، وإطلاق الأصحاب محمول عليه ، وإطلاق الرواية في قضاء الصوم من غير استثناء اليوم الأول محمول على الذاكر ليلا إما عقيب نومته أو لا عقيبها مع طول زمان التذكر ثم ينسى ، فان قلت : يلزمك فيما لو انتبه جنبا وطال الزمان عليه مستيقظا ثم نام فأصبح انه يجب عليه القضاء ، قلت ، ليس ببعيد ، وإطلاق الأصحاب يراد به المعتاد من النوم عقيب الانتباه الذي هو في موضع الضرورة ، ولو منع القضاء فالفرق عدم صدق النسيان هنا ، والتفريط انما هو بالنسيان في مظنة التذكر أو بالنسيان بعد التذكر ، وكلاهما منفيان » إذ لا يخفى عليك ان جميع ذلك تكلف لا حاجة‌

٦٢

اليه ، وكفى بالنصوص المعتبرة دليلا للحكم ، ولا معارض لها بعد تنزيل تلك النصوص على ما سمعت.

والظاهر انه لا فرق في نسيان الجنابة بين وقوعها في شهر رمضان وبين وقوعها سابقا عليه فنسيها فيه أو قبله واستمر نسيانه ، كما انه لا فرق على الظاهر بين غسل الجنابة وغسل الحيض والنفاس في الحكم المزبور بناء على أنهما شرط في صحة الصوم ، إذ الظاهر اتحاد الجميع في كيفية الشرطية ، بل قيل إنهما أقوى لأنه لم يرد فيهما ما ورد فيه مما يوهم أن الشرط انما هو تعمد البقاء ، وكذا في حكم صوم رمضان النذر المعين وقضاؤه وغيرهما ، لعدم الفرق على الظاهر في أقسام الصوم في الاشتراط بالطهارة ، والله أعلم.

المسألة السادسة إذا أصبح يوم الثلاثين من شهر رمضان صائما وثبتت الرؤية في الماضية قبل الزوال أفطر وصلى العيد بلا إشكال ، لبقاء الوقت وإن كان بعد الزوال أفطر فقد فاتت الصلاة ولا قضاء عليه على الأصح والمشهور كما تقدم الكلام فيه مفصلا في كتاب الصلاة ، والله أعلم.

وأما القول في صوم الكفارات فتمام البحث فيه في أبوابها ولكن لما كان الغرض هنا استيفاء أقسام الصوم ناسب التعرض له إجمالا ، فنقول : هو اثنى عشر قسما وعن بعض النسخ ثلاثة عشر قسما ، ولعله الأصح ، لأنه المنطبق على ما ذكره‌ وينقسم أربعة أقسام.

الأول ما يجب فيه الصوم مع غيره ، وهو صوم كفارة قتل العمد فان خصالها الثلاث تجب جميعا بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا الى النصوص المستفيضة ، منها‌ صحيحة ابني سنان وبكير (١) عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ـ ١ من كتاب القصاص.

٦٣

أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : سئل المؤمن يقتل المؤمن متعمدا إله توبة؟ فقال إن كان قتله لإيمانه فلا توبة له ، وإن كان قتله لغضب أو سبب من أمر الدنيا فان توبته ان يقاد منه ، وإن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقر عندهم بقتل صاحبهم ، فان عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية وأعتق نسمة وصام شهرين متتابعين وأطعم ستين مسكينا » وألحق بذلك من أفطر على محرم في شهر رمضان عامدا على رواية (١) قد تقدم الكلام فيها مفصلا.

الثاني ما يجب الصوم فيه بعد العجز عن غيره ، وهو ستة‌ أحدها صوم كفارة قتل الخطأ بلا خلاف معتد به للآية (٢) التي في معناها أخبار كثيرة (٣) قد عمل بها الأصحاب إلا من شذ ممن هو محجوج بذلك كالمحكي عن ظاهر المفد وسلار من أنها مخيرة‌ وثانيها كفارة الظهار التي نص على ترتيبها الكتاب العزيز ، قال الله عز وجل (٤) ( وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) ـ الى ان قال ـ ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ، فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً )‌ وثالثها كفارة الإفطار في قضاء شهر رمضان بعد الزوال الذي قد عرفت البحث فيها آنفا‌ ورابعها صوم ال كفارة في اليمين المعلقة في الكتاب العزيز (٥) فضلا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٢) سورة النساء ـ الآية ـ ٩٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ١ والباب ـ ١٠ ـ من أبواب الكفارات ـ الحديث ١ من كتاب الإيلاء والكفارات والباب ـ ١٠ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٣.

(٤) سورة المجادلة ـ الآية ـ ٤.

(٥) سورة المائدة ـ الآية ٩١.

٦٤

عن السنة (١) والإجماع على عدم الوجدان‌ وخامسها الإفاضة من عرفات قبل الغروب عامدا فان الواجب فيها صيام الثمانية عشر يوما بعد العجز عن البدنة ، قال ضريس (٢) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عمن أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس قال : عليه بدنة تنحرها يوم النحر ، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما » ويأتي إنشاء الله تمام البحث فيها في الحج‌ وسادسها الصوم في كفارة جزاء الصيد الذي هو النعامة والبقرة الوحشية والظبي وما ألحق بها ، لكن في المتن هنا فيه تردد من لفظ « أو » في الآية (٣) ومن دلالة أكثر الاخبار (٤) على الترتيب ، ثم قال : « وتنزيلها على الترتيب أظهر ويأتي إنشاء الله تحقيق الحال فيها وألحق بهذه الكفارة المرتبة كفارة شق الرجل ثوبه على زوجته أو ولده ، وكفارة خدش المرأة وجهها في المصاب حتى أدمته ونتفها شعر رأسها فيه أيضا لقول الصادق عليه‌السلام في خبر سدير (٥) « وإذا شق زوج على امرأته أو والد على ولده فكفارته كفارة حنث يمين ، ولا صلاة لهما حتى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الكفارات من كتاب الإيلاء والكفارات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ـ الحديث ٣ من كتاب الحج.

(٣) سورة المائدة ـ الآية ـ ٩٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب كفارات الصيد وتوابعها من كتاب الحج.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الكفارات ـ الحديث ـ ١ من كتاب الإيلاء والكفارات وهو خبر خالد بن سدير وهو الصحيح كما نقله ( قده ) في الجواهر كذلك في أحكام الأموات ج ٤ ص ٣٦٨.

٦٥

يكفرا ويتوبا من ذلك ، وإذا خدشت المرأة وجهها أو جزت شعرها أو نتفته ففي جز الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا ، وفي خدش الوجه إذا أدمت وفي النتف كفارة حنث يمين » الا انه لضعف الرواية بخالد حتى قيل ان كتابه موضوع حملت على الاستحباب ، كما هو المحكي عن ابن إدريس واختاره غيره ، ومن هنا جعلها المصنف إلحاقا ، ويأتي ان شاء الله تحقيق الحال فيها.

القسم الثالث ما يكون الصائم مخيرا فيه بينه وبين غيره ، وهو خمسة : كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان عامدا على الأصح كما تقدم البحث فيه سابقا وكفارة خلف النذر بناء على كونها مثل كفارة شهر رمضان واما كفارة العهد ففي المدارك المشهور أنها مخيرة أيضا ، وقيل انها مرتبة ، وقيل انها كفارة يمين ، ويأتي تحقيق الحال إن شاء الله وكذا كفارة الاعتكاف الواجب التي هي مثل كفارة شهر رمضان عند الأكثر على ما قيل لخبر سماعة (١) وقيل انها كفارة ظهار ، فتكون مرتبة حينئذ لصحيح زرارة (٢) وأبي ولاد الخياط (٣) ويأتي تحقيق الحال فيها ان شاء الله وكفارة حلق الرأس في حال الإحرام التي نص عليها في الكتاب العزيز بقوله تعالى (٤) : ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ، فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) وألحق بهذه الكفارة المخيرة كفارة جز المرأة شعر رأسها في المصاب للخبر المزبور (٥) وربما قيل إنها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب الاعتكاف ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب الاعتكاف ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب الاعتكاف ـ الحديث ٦.

(٤) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الكفارات ـ الحديث ـ ١ من كتاب الإيلاء والكفارات.

٦٦

مرتبة ، وفي المدارك الأصح أنها تأثم ولا كفارة ، استضعافا للرواية وتمسكا بالأصل ، ويأتي تحقيق الحال في ذلك.

القسم الرابع ما يجب مرتبا على غيره مخيرا بينه وبين غيره ، وهو كفارة الواطئ أمته المحرمة بإذنه لأنها كما ستعرف ان شاء الله بدنة أو بقرة أو شاة فإن عجز عن الأولين فشاة أو صيام ثلاثة أيام ، فالصيام فيها مرتب على غيره وهو البدنة والبقرة مخيرا بينه وبين غيره ، وهو الشاة كما ستعرفه ان شاء الله في محله‌ وكيف كان فـ ( كل الصوم ) الواجب يلزم فيه التتابع إلا أربعة لأن ما عداها فالتتابع فيه اما لازم لتعيين الزمان كشهر رمضان ، أو منصوص عليه في الكتاب والسنة ، أو في السنة خاصة ، نعم في المدارك « انه يمكن المناقشة في وجوب المتابعة في صيام كفارة قضاء رمضان ، وحلق الرأس ، وصوم الثمانية عشر في بدل البدنة وبدل الشهرين عند العجز عنهما ، لإطلاق الأمر بالصوم فيها ، فيحصل الامتثال مع التتابع وبدونه » قلت : يمكن دعوى انصراف التتابع من الإطلاق المزبور ولو بقرينة الفتوى به ، وكونه كفارة والغالب فيها التتابع ، خصوصا بملاحظة ما ورد (١) من تعليل التتابع في الشهرين منها بأنه كي لا يهون عليه الأداء فيستخف به ، لأنه إذا قضاها متفرقا هان واستخف بالأيمان ، مضافا الى ما عرفت من ان الصوم في كفارة قضاء رمضان كالصوم في كفارة اليمين ، ولذا نص المفيد والفاضل على انها كفارة يمين مع التصريح بأن خصالها الإطعام أو الصيام دون الكسوة والتحرير ، وأما الحلق ففي ظاهر الغنية أو صريحها الإجماع على وجوب التتابع في صومه ، وأما صوم الثمانية عشر بدل الشهرين فالظاهر ان المراد الاقتصار على هذا القدر منهما إرفاقا بالمكلف ، فتكون حينئذ متتابعة ، مضافا الى ما أرسله المفيد في المقنعة بعد تصريحه بالتتابع وغيره إلى مجي‌ء الآثار عنهم عليهم‌السلام بذلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ١.

٦٧

بل الظاهر انها هي المجزية في بدل البدنة لمن أفاض من عرفات ، وان كان ظاهر الدروس أو صريحها عدم وجوب التتابع فيه ، وربما يأتي لذلك كله تتمة في محله ان شاء الله ، وحينئذ بان أن الكلية المزبورة في محلها في المعظم أو الجميع ولا ينافيها الحصر الإضافي في‌ خبر الجعفري (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام « انما الصيام الذي لا يفرق كفارة الظهار والقتل واليمين » إذ من المعلوم كون المراد منه بقرينة السؤال بالنسبة إلى قضاء شهر رمضان ، كمعلومية أن المراد من‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح عبد الله بن سنان (٢) « كل صوم يفرق إلا ثلاثة أيام في كفارة اليمين » عدم التفرقة ولو على بعض الوجوه الآتية أو غير ذلك.

وعلى كل حال فالكلية المزبورة تامة في الجميع أو المعظم ، انما الكلام في الأربعة المستثنيات ، الأول صوم النذر المجرد عن التتابع أو ما يستلزمه وما في معناه من يمين أو عهد حيث لا يضيق وقته بظن الوفاة أو ظن طرو العذر المانع من الصوم أو العلم ، ومنه ضيق الوقت ، والمشهور كما قيل جواز تفريقه للأصل خلافا للمحكي عن أبي الصلاح فيمن نذر صوم شهر وأطلق ، فإن ابتدأ بشهر لزمه إكماله ، ولابن زهرة وان لم يشترط الموالاة يعنى من نذر صوم شهر فأفطر مضطرا بنى ، وان كان مختارا في النصف استأنف ، وان كان في النصف الثاني اثم وجاز له البناء ، ونحوه المحكي عن ابن البراج ، بل والمفيد إلا انه لم يصرح بعدم اشتراط الموالاة فربما يحتمل حمله على ما إذا نذر شهرا متتابعا وكيف كان فحجتهم على ذلك بعد انسياق الاتصال خبرا موسى بن بكير (٣) عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ١ وهو على ما في سند الشيخ ( قدس الله سره ) موسى بن بكر كما في التهذيب ج ٤ ص ٢٨٥ الرقم ٨٦٣ و ٨٦٤.

٦٨

ابى عبد الله عليه‌السلام والفضيل بن يسار (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام الآتيين لكن قيل إنهما ـ مع ضعفهما ، واحتمال حملهما على شرط التتابع ولو بقرينة أن سائل لا يسأل إلا عن ذلك ـ انما يدلان على اشتراط قيام النصف وإن كان مضطرا ، ولم يقولا به ، هذا.

والانصاف انه يمكن دعوى انصراف الاتصال في جميع من علق نذره على ما ينساق الى الذهن من اللفظ ولم يلحظ المطلق الصادق على المتتابع وغيره كما ذكروه في ثلاثة : الحيض والاعتكاف وعشرة الإقامة ، بل لعله المدرك لهم في اعتبار التتابع في جملة من الكفارات التي ذكروا وجوبه فيها مع عدم دليل غير الإطلاق المزبور ، كما في كفارة قضاء شهر رمضان والثمانية عشر يوما للمفيض وكفارة الحلق ونحو ذلك ، فان لم يقم إجماع كان القول به متجها ، بل يمكن حمل ما هنا من كلام الأصحاب على مالا ينافيه من نذر مطلق الصوم ، أو الصوم المطلق الذي هو لا فرق في صدق الثلاثة أو الشهر على المتتابع منه وعدمه وان كان المنساق منها الأول ، إلا انه لا مانع من كون المقصود المنذور من حيث الصدق دون الانسياق فتأمل جيدا.

والثاني صوم القضاء أي قضاء الصوم الواجب ولو نذرا معينا للأصل السالم عن المعارض بعد أن كان القضاء بأمر جديد خلافا لأبي الصلاح في قضاء شهر رمضان وقد عرفت ضعفه ، والشهيد في الدروس فاستقرب وجوب التتابع في قضاء ما اشترط فيه ذلك ، كنذر ثلاثة أيام متتابعة في رجل مثلا ، وتردد فيه العلامة في القواعد من ذلك ، ومن ان القضاء هو الأداء ، وانما يتغايران في الوقت ، وهو واضح الضعف ، وأضعف منه دعوى ان التتابع منذور ، فكما يجب تحصيل الصوم يجب تحصيل تتابعه ، إذ المنذور إذا فات وقته انحل ، ولو لم يكن دليل على القضاء لم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ١.

٦٩

يجب ، ولا دليل على تتابعه ، ودعوى ان دليل القضاء وهو « من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته » يدل عليه ، لكون الفائت متتابعا ، يدفعها ظهور كون المراد من التشبيه غير ذلك من الكيفيات التي وضعها الشارع كالقصر والإتمام والجهر والإخفات لا ما يشمل مثل ذلك الذي هو كنذر المكان والأحوال ونحوها مما هو معلوم عدم الالتزام بمراعاتها في القضاء ، والله أعلم.

وثالثها صوم جزاء الصيد ولو كان نعامة ، لعدم الدليل سوى ما عرفته من انصراف الاتصال من الإطلاق ، خلافا للمفيد والمرتضى وسلار فاوجبوه في جزأيها ، بل في المختلف المشهوران فيه شهرين متتابعين ، ويأتين تحقيق الحال فيه ان شاء الله.

والرابع صوم السبعة في بدل الهدي للإطلاق ، وخبر إسحاق بن عمار (١) « قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام : اني قدمت الكوفة ولم أصم السبعة الأيام حتى فرغت في حاجة الى بغداد قال : صمها ببغداد قلت : أفرقها قال : نعم » خلافا لابن أبي عقيل وابن زهرة وأبي الصلاح فاوجبوه فيها كالثلاثة لحسن علي بن جعفر (٢) عن أخيه عليه‌السلام كما عن المختلف والمنتهى والصحيح كما عن حج المنتهى والتذكرة قال : « سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج والسبعة أيصومها متوالية أو يفرق بينها؟ قال : يصوم الثلاثة ولا يفرق بينها والسبعة ولا يفرق بينها ولا يجمع السبعة والثلاثة جميعا » وخبر الحسين بن يزيد (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١ من أبواب كتاب الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢ من أبواب كتاب الحج.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ٢ عن الحسين بن زيد.

٧٠

« السبعة الأيام والثلاثة الأيام في الحج لا تفرق ، انما هي بمنزلة الثلاثة الأيام في اليمين » إلا أنهما ـ مع ما في سندهما حتى الأول منهما الذي فيه محمد بن أحمد العلوي ولم ينص على توثيقه في كتب الرجال على ما قيل ، وندرة العامل بهما ـ يمكن ان يكون المراد بهما تجويز المتابعة لا وجوبها الذي من المحتمل كون السؤال عنه والله أعلم.

وكيف كان فـ ( كل ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر في أثنائه لعذر ) كحيض ومرض ونحوهما بنى عند زواله لقاعدة أولوية الله عز وجل بالعذر فيما هو يغلب عليه التي قالوا عليهم‌السلام انه ينفتح منها ألف باب ، بل أشير إليها في نصوص المقام ، قال رفاعة (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين فصام شهرا ومرض ، قال : يبني عليه ، الله حبسه ، قلت امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت وأفطرت أيام حيضها قال : تقضيها قلت : فإنها قضتها ثم يئست من الحيض قال : لا تعيدها أجزأها ذلك » ونحوه صحيح محمد بن مسلم (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام ، ومن المعلوم ان المراد بالقضاء البناء بقرينة السؤال الثاني ، وقال سليمان بن خالد (٣) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كان عليه صيام شهرين من متتابعين فصام خمسة وعشرين يوما ثم مرض فإذا بري‌ء يبني على صومه أم يعيد صومه كله فقال : بل يبني على ما كان صام ، ثم قال : هذا مما غلب الله عز وجل عليه وليس على ما غلب الله عز وجل عليه شي‌ء » فما في‌ صحيح جميل ومحمد بن حمران (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل الحر يلزمه صوم شهرين متتابعين في ظهار فيصوم شهرا ثم يمرض قال : يستقبل فان زاد على الشهر الآخر يوما أو يومين بنى على بما بقي » وخبر أبي بصير (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قطع صوم كفارة اليمين وكفارة الظهار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ١٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ٦.

٧١

وكفارة الدم فقال : ان كان على رجل صيام شهرين متتابعين فأفطر أو مرض في الشهر الأول كان عليه ان يعيد الصيام ، وان صام الشهر الأول وصام من الشهر الثاني شيئا ثم عرض له ما فيه العذر فإنما عليه ان يقضي » يجب حمله على الاستحباب أو على كون المرض غير مانع من الصوم ، أو على التقية من المحكي عن الشافعي في أحد قوليه من الفرق بين المرض والحيض ، فخص العذر بالثاني دون الأول ، أو على عدم المبادرة بعد ارتفاع المانع ، أو غير ذلك ، ضرورة قصور هما عن معارضة تلك النصوص المعمول بها بين الأصحاب قديما وحديثا ، بل لا أجد فيه خلافا بالنسبة إلى الشهرين ، بل في شرح الأصبهاني انه مما اتفقت عليه كلمة الأصحاب فيهما وفي الشهر ، ولعله كذلك إلا ان الشيخ في النهاية بعد ان ذكر هذا الحكم في الشهرين المتتابعين قال : « ومن نذر ان يصوم شهرا متتابعا فصام خمسة عشر يوما وعرض له ما يفطر فيه وجب عليه صيام ما بقي من الشهر ، وإن كان صومه أقل من خمسة عشر يوما كان عليه الاستئناف » وظاهره ذلك مع العذر ولعله لخبر موسى بن بكير (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل جعل عليه صوم شهر فصام منه خمسة عشر يوما ثم عرض له أمر فقال : ان كان صام خمسة عشر يوما فله ان يقضي ما بقي ، وان كان أقل من خمسة عشر يوما لم يجز حتى يصوم شهرا تاما » وخبر الفضيل بن يسار (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في رجل جعل على نفسه صوم شهر فصام خمسة عشر يوما ثم عرض له أمر فقال : جاز له ان يقضي ما بقي عليه ، وان كان أقل من خمسة عشر يوما لم يجز له حتى يصوم شهرا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ١ وهو عن موسى بن بكر كما تقدم الإشارة إليه.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ١.

٧٢

تاما » ولانه بدون المتابعة خارج عما تعلق به النذر ، فلا يجزي وان لم يكن عليه اثم للعذر ، إلا أنهما ـ مع ضعفهما ، وعدم الجابر لهما بالنسبة الى ذلك ، واحتمالهما الأمر الذي لا يؤدي الى الاضطرار ، ويكون مما غلب الله عليه ـ قاصران عن معارضة ما عرفت من النصوص السابقة من وجوه ، مضافا الى‌ خبر علي بن أحمد بن أشيم (١) « كتب الحسين الى الرضا عليه‌السلام جعلت فداك رجل نذر أن يصوم أياما معلومة فصام بعضها ثم اعتل فأفطر أيبتدئ في صومه أم يحتسب مما مضى ، فكتب اليه يحتسب بما مضى » ودعوى الخروج بذلك مما تعلق به النذر فلا يجزي كأنها اجتهاد في مقابلة النص والفتوى ، مع ما قيل من انها مبنية على كون صوم الشهر عبادة واحدة منذورة وهو ممنوع ، بل الظاهر ان صوم كل يوم عبادة فصوم الشهر ثلاثون عبادة منذورة والتتابع منذور آخر ، فإذا صام منها شيئا فقد اتى ببعض المنذورات وقد برأت ذمته مما فعله ولا دليل على فعله مرة أخرى والمتابعة سقطت عنه للضرورة ، وان كان لا يخلو من نظر.

وعلى كل حال فمن ذلك كله يعلم أن ما في المدارك ـ من قصر الحكم على الشهرين خاصة ، لعدم الدليل على غيرهما ، فيبقى المكلف تحت العهدة الى ان يتحقق الامتثال بالإتيان بالمأمور به على وجهه الذي هو المتابعة ـ في غير محله ، ضرورة ان ذلك لا يصلح معارضا للمستفاد من النصوص المزبورة من القاعدة المذكورة نعم صرح الشهيد في الدروس واللمعة بأن كل ثلاثة يجب تتابعها تستأنف بالإخلال به سواء كان لعذر أو لغيره إلا ثلاثة دم المتعة في خصوص الفصل بيوم النحر وأيام التشريق ، ولعله ظاهر يحيى بن سعيد من غير استثناء ، وفي القواعد « من أخل بالمتابعة في كفارة اليمين أو قضاء رمضان أو الاعتكاف أعاد مطلقا » ونحوه في المسالك ومحكي الاقتصاد والمبسوط لقاعدة عدم الإتيان بالمأمور به على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ٢.

٧٣

وجهه ، وقول الصادق عليه‌السلام (١) : « كل صوم يفرق إلا ثلاثة أيام في كفارة اليمين » وقول أبي الحسن عليه‌السلام في خبر الجعفري (٢) : « إنما الصيام الذي لا يفرق كفارة الظهار وكفارة الدم وكفارة اليمين » وقول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (٣) : « صيام كفارة اليمين في الظهار شهران متتابعان ، والتتابع ان يصوم شهرا ويصوم من الآخر أياما أو شيئا منه فان عرض له شي‌ء يفطر منه أفطر ثم قضى ما بقي عليه ، وان صام شهرا ثم عرض له شي‌ء فأفطر قبل ان يصوم من الآخر شيئا فلم يتابع فليعد الصيام ، وقال : صيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين متتابعات ولا يفصل بينهن » لكن الأخير انما يدل ولو بقرينة السياق على الفرق بين كفارة اليمين في الظهار واليمين في غيره بالنسبة إلى تجاوز النصف وعدمه ، لا على حكم الفصل للعذر ، كما ان الحصر في سابقه إضافي بالنسبة إلى قضاء شهر رمضان ، ضرورة عدم حصر ذلك في هذه الثلاثة كضرورة تحقق التفرقة في الأولين للعذر الذي يغلب الله عليه ، أو ان المراد هذه وما ماثلها ، والمراد بالتفريق المنفي في كفارة اليمين الاختياري بتجاوز النصف لا ما كان للعذر ، ترجيحا للمستفاد من النصوص السابقة على ذلك ، خصوصا بملاحظة إطلاق معقد إجماع الانتصار وخصوص إجماع الغنية قال في الأول : « ومما يظن انفراد الإمامية به القول بأن من أفطر لمرض في صوم التتابع بنى على ما تقدم ولم يلزمه الاستيناف ـ ثم قال ـ دليلنا الإجماع المتردد وأيضا فإن المرض عذر ظاهر لسقوط الفروض ، وقد علمنا انه لو أفطر بغير عذر للزمه الاستئناف ولم يجز له البناء فلا يجوز ان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث ٣.

(٣) ذكر صدره في الوسائل ـ في الباب ـ ٣ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث ٩ وذيله في الباب ـ ١٠ ـ منها ـ الحديث ٤ مع الاختلاف في صدره.

٧٤

يكون مثل ذلك حكمه مع العذر ، لأن المعذور لا بد أن يخالف حكمه حكم من لا عذر له » وقال في الثاني : « ويجب التتابع في كل ذلك يعني صوم كفارة الحلق وكفارة اليمين ، فمن فرق مختارا استأنف ، ومن فرق مضطرا بنى بدليل ما قدمناه أي الإجماع والاحتياط » ونص ابن حمزة على البناء مع العذر على ثلاثة دم المتعة وغيرها ، وأصرح منه الحلبي في الإشارة ، كما انه نص عليه في السرائر في ثلاثة اليمين ، كل ذلك مضافا الى إطلاق المصنف في كتبه والفاضل فيما عدا القواعد.

ومن ذلك يعلم ان المشهور البناء مع العذر مطلقا ، فلا بأس حينئذ بترجيح المستفاد من النصوص المزبورة من القاعدة التي ينفتح منها ألف باب على ما يظهر منه خلاف ذلك ، من غير فرق بين الثلاثة وغيرها حتى ثلاثة الاعتكاف ، اللهم إلا ان يقال بأن فيه جهة أخرى غير تتابع الصوم ، وهي التتابع من حيث الاعتكاف ولم يثبت البناء فيه من هذه الجهة ، مضافا الى ظاهر بعض النصوص التي تسمعها في محلها ان شاء الله.

ثم ان المصنف وغيره أطلق تعليق الحكم على العذر وعدمه ، كما ان آخر أطلق تعليق الحكم على الاضطرار والاختيار من غير تعرض للخصوصيات ، ولا إشكال كما لا خلاف نصا وفتوى في اندراج المرض الحاصل منه تعالى بل وكذا الحيض ، وان كان اقتصار الصدوق على المرض قد يشعر بعدمه ، لكن لا يبعد ارادة المثال منه ، بل في الخلاف ان الحامل والمرضع إذا خافتا على الولد حكمهما حكم المريض عندنا ، واختاره في الدروس خلافا له في المبسوط فقوى قطع التتابع بإفطارهما ، لكن ينافيه عموم التعليل المزبور كما انه ينافي ما عن يحيى بن سعيد من النص على وجوب الاستئناف لغير المرض والحيض ، بل لعله ظاهر اقتصار الشيخ عليهما في المحكي من جمله ومبسوطة واقتصاده ، ضرورة ظهور النصوص السابقة في‌

٧٥

تحقق العذر بكل ما غلب الله عليه من غير فرق بين المرض والحيض وغيرهما ، بل لا يبعد ظهور‌ قوله عليه‌السلام : « الله حبسه » في تناول السفر وان لم يكن ضروريا باعتبار كونه محبوسا عن الصوم معه ، بل هو حينئذ مما غلب الله عليه باعتبار كون منع الصوم فيه منه ، فيكون ذلك كناية عن كل ما ينافي الصوم إذا لم يكن من قبل المكلف ، بمعنى انه لا ينافي التتابع إلا التعمد للإفطار ، فما في الوسيلة والسرائر وظاهر الخلاف ـ من ان السفر قاطع للتتابع ، بل صرح في الثاني بعدم الفرق بين المضطر في ذلك والمختار ، ولعله لعدم صدق غلبة الله له عليه بعد ان كان باختياره مع حرمة قياسه على المرض والحيض الذين لم نتعرض لغيرهما ، فلا مخرج حينئذ عن أصل وجوب التتابع ـ فيه انه شريكهما في الضرورة ، بل لعله شريكهما في حبس الله وغلبته بعد الاذن فيه ، لنفي العسر والحرج في الذين ، ولذا جاز وقوعه في شهر رمضان الذي يجب التتابع فيه ، بل قد عرفت ان دقيق النظر يقضي بكون المراد من التعليل بالحبس والغلبة إخراج تعمد الإفطار ، فلا يشمل تعمد سبب ما أمر الشارع بالإفطار منه.

ومنه يعلم حينئذ انه لا فرق في المرض والحيض وغيرهما من الأعذار التي يرتفع خطاب الصوم معها بين ان تكون أسبابها من الله عز وجل وبين ان تكون من العبد ، فإنها على كل حال تكون أعذارا وقد حبسه الله تعالى عن الصوم معها وغلبه عليها ، كما ان منه يعلم حينئذ عدم الفرق بين السفر الضروري والاختياري كما هو مقتضى إطلاق الشيخ في النهاية عذرية السفر ، وان استحسن الفرق بينهما المصنف في المعتبر ، بل قطع به الفاضل بل والشهيد في الدروس إذا حدث سببه بعد الشروع في الصوم ، وهذا وان كان هو الأحوط ، بل أحوط منه قطع التتابع به مطلقا ، الا ان الأقوى ما عرفت ، ويندرج فيه ما لو نسي النية حتى فات وقتها أو نام عنها كذلك ، فان صوم ذلك اليوم باطل ، الا انه لا يقطع التتابع للعذرية‌

٧٦

ودعوى ان النسيان من الشيطان فلا يكون عذرا كما ترى ، بل من العذر أيضا ما لو كان ناذرا مثلا قبل تعلق الكفارة ما ينافي التتابع ، كصوم كل خميس فيجزيه حينئذ المتابعة فيما عداه ، ولا يجب عليه الانتقال لغير الصوم من خصال الكفارة باعتبار تعذر التتابع ، نعم لو كان قد نذر صوم الدهر اتجه ذلك.

وكيف كان فالمراد من البناء مع العذر انه لا يخل بالتتابع شرعا باعتبار غلبة الله تعالى عليه ، فهو أولى بالعذر ، لا أن المراد سقوط التتابع حينئذ معه في جميع الصوم حتى ما بقي باعتبار انقطاعه في الجملة ، وحينئذ لا يمكن حصوله ، فما في الدروس من القول بسقوطه فيما بقي لذلك واضح الضعف

هذا كله ان أفطر لعذر وان أفطر لغير عذر استأنف في الشهرين إجماعا بقسميه ، بل يمكن دعوى التواتر المحكي منهما ، بل لا أجد خلافا بين الأصحاب في غير هما أيضا خصوصا في الشهر المنذور تتابعه ، وقد اعترف الأصبهاني بقطع الأصحاب في ذلك إلا اني لم أقف له في السنة على ما يدل عليه في غير الشهرين والشهر ، نعم ذكر غير واحد الاستدلال عليه بأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه فيبقى في عهدة التكليف ، وهو جيد بناء على ان الجميع عبادة واحدة وعمل واحد ضرورة فسادها بالإخلال بالتتابع ، إذ هي كالصلاة المركبة من الركعات المعتبر فيها صحة السابق منها بصحة اللاحق إلا انه لا يخفى عليك صعوبة التزام ذلك بعد حصر مفسدات الصوم الشامل لصوم الكفارة وغيره بغير ذلك خصوصا بعد انتهاء اليوم وتمامه المقتضي لاعتبار الكشف عن الفساد لو أخل بالمتابعة المتأخرة كالركعة المتأخرة بالنسبة إلى الركعة السابقة ، بل المتجه بناء على ذلك الاجتزاء للجميع بنية واحدة ، ضرورة كونه عملا واحدا مركبا ، الى غير ذلك مما يصعب التزامه فلا يبعد القول بكون كل الأيام عبادات مستقلة لا ربط لصحة بعضها بالآخر وأوجب الشارع تتابعها في الكفارة حينئذ ، فالمتجه حينئذ بناء على ذلك كون المتابعة‌

٧٧

واجبا تعبديا لا شرطيا ، فيأثم بتركها ، والصوم على صحته كالمتابعة في صلاة الجماعة على الأصح ، ودعوى كون المتجه على ذلك اعتبار شرطيتها في الكفارة دون الصوم فتكون كالمتابعة الواجبة في القضاء ونحوه بنذر وشبهه يدفعها ان ذلك انما يتم في المتابعة الخارجة عن العمل نفسه ، بخلاف ما نحن فيه الذي هو نوع من الصوم ، وليست الكفارية أمرا خارجا عنه ، بل لا يتصور القول بصحة الصوم وعدم اجزائه عن الكفارة ، ضرورة اقتضاء صحته سقوط الإعادة ودعوى أنه بالإخلال بالمتابعة يبطل كونه صوم كفارة ويصح صوما مطلقا واضحة الفساد ، إذ الفرض ان المكلف لم ينوه إلا صوم كفارة ، فنقله الى غيرها بلا نية مخالف للضوابط الشرعية ، إذ الجنس لا يبقى مع ذهاب الفصل كما هو واضح وأضعف منه دعوى انه صوم كفارة لكنه غير مجز عنها باعتبار فقده للتتابع فيحتاج الى الاستئناف لذلك ، إذ عدم اجزائه عنها يقتضي فساده بالنسبة إليها ، والفرض عدم نية غيرها ، فلا محيص عن القول بالوجوب التعبدي أو التزام الأمور السابقة من اتحاد العمل ونحوه ، كما هو ظاهر وجوب الاستئناف في كلمات الأصحاب ولعله لا بأس بالتزامها بعد مساعدة النص والفتوى عليها ، وربما فرق بين ما كان دليله نحو « كفارته كذا » وبين ما كان نحو « عليه كذا » فيدخل التتابع في الحقيقة على الأول دون الثاني لكنه كما ترى لا مساعد له من النص والفتوى بل هما ظاهران في خلافه ، هذا وربما قيل ان المحكي عن فخر الإسلام في شرح الإرشاد ظاهر في كون المتابعة واجبا تعبديا ، قال : « الصوم اما ان يجب فيه التتابع أو لا فان لم يجب فلا بحث ، وان وجب فاما ان يكون شرطا في صحته أولا ، والثاني لا يبطل بترك التتابع ، ولا يجب الاستئناف والأول يجب الاستئناف إلا ما استثني » وفيه انه يمكن أن يريد التتابع الواجب في القضاء ونحوه بنذر وشبهه ، فإنه لا ريب في عدم اعتباره في صحة الصوم عن القضاء ، ضرورة كونه كنذر الموالاة في وضوء‌

٧٨

مخصوص فلم يفعلها ، فإنه يحنث بالنذر ، والوضوء صحيح ضرورة عدم صلاحية النذر لإثبات شرطية ونحوها مما امره راجع الى الشرع ، بل أقصاه الوجوب دون الشرطية كما هو محرر في محله فتأمل جيدا فان المقام غير منقح في كلام الاعلام والمتجه الوقوف على ما هو الظاهر منهم من وجوب الاستئناف بتعمد الإخلال فيما وجب فيه التتابع على وجه يدخل في الصوم إلا في ثلاثة مواضع أحدها من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فصام شهرا ومن الثاني ولو يوما فإنه إذا كان كذلك بنى ، ولو كان قبل ذلك استأنف بلا خلاف ولا إشكال بخلافه في الأول فإنه يبني وان أخل بالمتابعة عمدا بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما متواتر أو مستفيض ، للمعتبرة (١) المتقدم بعضها مضافا الى‌ خبر سماعة بن مهران (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين أيفرق بين الأيام؟ فقال إذا صام أكثر من شهر فوصله ثم عرض له أمر فأفطر فلا بأس فإن كان أقل من شهر أو شهرا فعليه ان يعيد الصيام » وخبر منصور بن حازم (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل صام في ظهار شعبان ثم أدركه شهر رمضان قال : يصوم شهر رمضان ويستأنف الصوم ، فان صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته » الى غير ذلك مما هو موافق لسهولة الملة وسماحتها ونفي الحرج في الدين وارادة التخفيف واليسر ، ولا حاجة الى تكلف الاستدلال بما هو محل للنظر ، وحينئذ فما في النهاية ـ من ان من وجب عليه شي‌ء من هذا الصيام وجب عليه ان يصومه متتابعا فان لم يتمكن من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث ٠ لكن روى الثاني في الوسائل مضمرا الا ان الموجود في التهذيب ج ٤ ص ٢٨٣ الرقم ٨٥٥ قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام.

».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث ٥ لكن روى الثاني في الوسائل مضمرا الا ان الموجود في التهذيب ج ٤ ص ٢٨٣ الرقم ٨٥٥ قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام.

».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ١.

٧٩

صيامه متتابعا صام الشهر الأول ومن الشهر الثاني شيئا ، ثم فرق ما بقي عليه » مما يعطي وجوب التتابع في الشهرين ، وان متابعة الشهر الثاني بيوم منه للاول انما يكون مع العجز ـ واضح الضعف ، مع انه قال فيها بعد ذلك : « ومن وجب عليه صيام شهرين متتابعين في أول شعبان فليتركه الى انقضاء شهر رمضان ثم يصوم شهرين متتابعين ، فان صام شعبان والرمضان لم يجزه إلا ان يكون قد صام مع شعبان شيئا مما تقدم من الأيام فيكون قد زاد على الشهر ، فيجوز له البناء عليه ويتمم شهرين » وهو يعطي جواز التفريق إذا صام من الثاني يوما ولعل بمعونته يمكن حمل كلامه الأول على إرادة الإثم بالتفريق بعد الشهر ويوم ، كما هو مذهبه فيما حكي عن التبيان وكفارات النهاية وظهار المبسوط ، بل هو خيرة المفيد والسيد وابني إدريس وزهرة ، لا وجوب الاستئناف الذي قد عرفت الإجماع والنص عليه ، وان كان الأقوى في هذا أيضا خلاف ما ذكروه وان ( وممن خ ل ) حكى السيدان الإجماع عليه وفاقا لظاهر المحكي عن ابني الجنيد وأبي عقيل وصريح الفاضل والدروس ، لظهور النصوص السابقة في الاذن في التفريق بعد ذلك فيستعقب عدم الإثم ، مضافا الى ظهور‌ قوله عليه‌السلام في صحيح الحلبي (١) « والتتابع » الى آخره في حصول التتابع المأمور به بذلك ، ولعله لكون المراد تتابع الشهرين أنفسهما دون أيامهما بناء على صدقه بذلك كما تسمع له تتمة ان شاء الله في المسألة الثانية.

فما عساه يقال ان الثابت الشرطية والتكليفية وسقوط الأولى بذلك لا يقتضي سقوط الثانية واضح الضعف ضرورة كونه بعد الإغضاء عما نحن فيه نفسه غير صالح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ٩.

٨٠