جواهر الكلام - ج ١٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بالإرث ، وحينئذ يكون المراد من اولى الناس فردا معينا لا انه مطلق يدور الحكم مداره في جميع الطبقات ، ولئن كان في ذلك نوع تكلف أمكن جبره بالشهرة فإنها صالحة لذلك ونحوه باعتبار حصول الظن بكون ذلك هو المراد دون غيره وإنكار الشهرة ، المعتد بها يدفعه التتبع ، بل لم أجد من عمل بهذه النصوص على طبقات الإرث ، فإن الذي نسب اليه الخلاف هنا المفيد وابن الجنيد والصدوقان وابن البراج ، وقد قال الأول منهم : « فان لم يكن له ولد من الرجال قضى عنه أكبر أوليائه من اهله وأولاهم به وان لم يكن إلا من النساء » وقال الثاني : « وأولى الناس بالقضاء عن الميت أكبر أولاده الذكور أو أقرب أوليائه اليه ان لم يكن له ولد » وهما كما ترى قد اعتبرا نفي الولد في قضاء غيره ، وهو غير مدلول الرواية وقال الصدوق في الرسالة : « من مات وعليه صوم رمضان فعلى وليه ان يقضي عنه ، وان كان للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجال ، فان لم يكن له ولي من الرجال قضى عنه وليه من النساء » ونحوه ولده في المقنع ، وليس في كلامه تصريح في المراد من الولي ، وقال ابن البراج : « على ولده الأكبر من الذكور ان يقضي عنه ما فاته من ذلك ومن الصلاة أيضا ، فان لم يكن له ذكر فالأولى من النساء » وهو كالأولين في اعتبار نفي الولد ، نعم قد اتفقوا على ثبوت الولاية للنساء ، وهم محجوجون بصريح الخبرين السابقين وظاهر غيرهما ، واحتمال كون المراد منهما نفيها عنهن مع وجود الرجال كما ترى ، فمن الغريب بعد ذلك ما في الدروس من حيث انه حكى عن المفيد ما سمعت ثم قال : « وهو ظاهر القدماء والاخبار والمختار ، ولذا قال في المدارك بعد أن حكاه عنه : « وهو غير جيد ، فإن صحيحة حفص ومرسلة حماد صريحتان في اختصاص الوجوب بالرجال ، نعم مقتضاهما عدم اختصاص الوجوب بالولد الأكبر بل تعلقه بالأولى بالميراث من الذكور مطلقا وبمضمونهما أفتى ابن الجنيد وابنا بابويه وجماعة ، ولا بأس به » وفيه بعد الغض عما أرسله من جماعة ان كلام هؤلاء‌

٤١

الثلاثة صريح في الخلاف ذلك لتصريح الأخيرين بثبوت الولاية للنساء ، واعتبار الأول فقد الولد الأكبر ، ومما ذكرنا يظهر لك ان ما في الروضة لا يخلو من خلل فإنه أشار الى ذلك بقوله : وقيل يجب على الولي مطلقا من مراتب الإرث حتى الزوجين والمعتق وضامن الجريرة ، ويقدم الأكبر من ذكورهم فالأكبر ثم الإناث واختاره في الدروس ، ولا ريب انه أحوط إذ لا يخفى عليك عدم تمام انطباقه على ما سمعته من عباراتهم ولئن اغضي عن ذلك كله كان المتجه ما عليه المشهور أيضا ، لأن الأصل البراءة ، والواجب الاقتصار في الخروج عنه على المتيقن ، وليس إلا أكبر الأولاد.

وعلى كل حال فلا يعتبر بلوغ الولي عند الموت ، بل ولا عقله ، لإطلاق الأدلة التي ليس في شي‌ء منها ظهور في كون تعلق القضاء بذمة الولي من حين الموت ولا اشعار بكماله حينه ، بل هي ظاهرة في كونها من باب الأسباب نحو من أجنب اغتسل ، ومن أتلف مال غيره فهو ضامن له ، وما شابههما مما لا ينافيه رفع القلم عن الصبي والمجنون ، ومن ذلك يعلم ما في التمسك لعدم الوجوب باستصحابه ، فما في الروضة والمسالك من التردد بل في كشف الأستاد وعن حاشية الإرشاد والذكرى والإيضاح الجزم بعدم الوجوب لا يخلو من نظر ، كما انه لا يخلو منه ما فيها أيضا من انه لو اختص أحد أولاده بالبلوغ والآخر بكبر السن فالأقرب تقديم البالغ ، لكونه الأولى بالميت ، إذ هو كما ترى مناف لإطلاق النص والفتوى ومقتضاه ذلك أيضا في العاقل والمجنون ونحوهما.

ولو اشتبه الأكبر احتمل السقوط والقرعة والتوزيع ، وان كان الأقوى الأول لأصالة البراءة بالنسبة الى كل منهم ، كواجدي المني في الثوب المشترك.

ولا يعتبر في الولي الإرث فعلا للإطلاق ، فلو حجب بقتل أو كفر أو رق تعلق به القضاء وان توقف بعضهم في الأخير لمنع صدق كونه وليا ومعارضة حق السيد ، بل ربما ينقدح الإشكال في سابقه أيضا ، لعدم الولاية‌

٤٢

له ، الا انه لا يخفى عليك دفعهما خصوصا بعد زوال المانع.

ولو كان له وليان أو أولياء متساوون في السن تساووا في القضاء بالتقسيط عليهم وان قال المصنف هنا فيه تردد لكن الأقوى ذلك وفاقا للأكثر ، لعموم الولي والأولى للواحد والمتعدد ، وخبر الأكبر انما يقضي بالتعيين عليه مع وجوده ، لا انه يقضي باشتراط وجوده في القضاء ، إذ لا ريب في وجوب القضاء عليه مع الاتحاد الذي لا يصدق معه وصف الأكبرية الا على معنى أن لا أكبر منه ، وهو هنا متحقق فما عن ابن إدريس من إسقاط القضاء من رأس للأصل المقتصر في الخروج عنه على المتيقن وهو الولد الأكبر واضح الضعف كالمحكي عن ابن البراج من تخيير أيهما شاء قضى ، فان اختلفا فالقرعة ، ومرجعه عند التأمل إلى الوجوب الكفائي ، لصدق الولي على كل منهما ، والظاهر انه يجوز التوزيع مع التراضي ، وربما احتمل العدم ، وعلى كل حال ففيه انه لا وجه للقرعة حينئذ أولا ، ضرورة كونه كباقي الواجبات الكفائية المعلوم عدم القرعة فيها لعدم الإشكال حينئذ في شي‌ء ، لتحقق الوجوب على الجميع وان سقط بفعل البعض ، ومع عدمه يعاقب الجميع ، فلا إشكال حينئذ ، وثانيا ما قيل من منع صدق اسم الولي على كل منهما ، بل هو مجموعهما وإن كان هو ترى ، وثالثا أن المنساق من أمثال ذلك مما هو قابل للتوزيع الاشتراك ، نعم هو متجه فيما لا يقبله كاليوم الواحد على ما صرح به الفاضل والشهيدان وغيرهم ، فلهما حينئذ أن يوقعاه معا ، ولا ينافي ذلك اتحاده في ذمة الميت ، ضرورة عدم توقف البراءة منه على التعيين ، ولو أفطرا فيه بعد الزوال وكان قضاء شهر رمضان احتمل وجوب الكفارة عليهما ، لصدق القضاء عن رمضان على صوم كل منهما وان اتحد الأصل ووجوب كفارة واحدة عليهما بالسوية ، لكون القضاء في الواقع أحدهما ، وحيث لا ترجيح كانت بالسوية ، ووجوبها وكونها على الكفاية أيضا كأصل الصوم‌

٤٣

وسقوطها عنهما ، واستقربه في الدروس واستوجهه في المسالك ولم يستبعده في المدارك لانتفاء ما يدل على وجوب الكفارة في القضاء على وجه يتناول ذلك ، وفيه أنه يكفي الإطلاق بعد فرض تناول القضاء للنفس وللغير ، وإلا جاز الإفطار في المقام وغيره بلا اثم فضلا عن الكفارة ، وفي الدروس أيضا « ولو أفطر أحدهما فلا شي‌ء عليه إذا ظن بقاء الآخر ، والا أثم لا غير » وفي المدارك « أن مقتضى ذلك جواز الإفطار بعد الزوال مع ظن بقاء الآخر » ويمكن المناقشة فيه بأن صوم كل منهما يصدق عليه انه صوم واجب من قضاء رمضان ، فلا يجوز الإفطار فيه بعد الزوال ، اللهم إلا ان يناقش في العموم المتناول لذلك كما في الكفارة.

وكيف كان فـ ( لو تبرع بـ ) جميع القضاء بعض الأولياء سقط عن الباقي كالأجنبي ، لأنه كالدين كما يومي اليه‌ المرسل (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان رجلا جاء اليه فقال يا رسول الله ان أمي ماتت وعليها صوم شهر فأقضيه عنها ، فقال : لو كان على أمك دين كنت تقضيه عنها قال نعم قال : فدين الله أحق أن يقضي » وخبر أبي بصير (٢) المتقدم سابقا المشتمل على وصية الامرأة بالقضاء ، وقول الصادق عليه‌السلام (٣) « إذا مات الرجل وعليه صوم شهر رمضان فليقض عنه من شاء من أهله » وغيرها من النصوص المتفرقة في الحج وغيره ، والمناقشة في ذلك كله من بعض الناس لا يصغى إليها ، ومنه ينقدح جواز استيجار أحد الوليين الآخر على ما يخصه كما صرح به في الدروس ، بل واستيجار هما الأجنبي لاتحاد المدرك ، وهو انه عمل جاز التبرع به ، فجاز الاستيجار‌

__________________

(١) صحيح مسلم ج ٣ ص ١٥٦ « باب قضاء الصيام عن الميت » من كتاب الصيام.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ١٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ١.

٤٤

عليه كالعكس ، وان فرق بينهما في الدروس فاستقرب الجواز في الأول واحتمله في الثاني ، لكنه في غير محله ضرورة تحقق التلازم بينهما كما هو مفروغ منه في محله ، ولا ينافي ذلك وجوبه على الولي ، ضرورة ارتفاع موضوع الوجوب بأداء الأجير كما هو واضح ، ومنه يعلم ضعف ما في المدارك من ان الوجوب تعلق بالولي وسقوطه بفعل غيره يحتاج الى دليل ، ومن ثم ذهب ابن إدريس والعلامة في المنتهى الى عدم الاجتزاء بفعل المتبرع وان وقع باذن من تعلق به الوجوب ، لأصالة عدم سقوط الفرض عن ( على خ ل ) المكلف بفعل غيره ، وقوته ظاهرة ، قلت : بل ضعفه ظاهر كما لا يخفى على من أحاط بنصوصهم عليهم‌السلام وفهم رموزها وما ألحنوه له من القول ، فإنه لا يستريب في جواز التبرع ، ومتى جاز جاز الاستيجار ومتى جازا معا ووقع الأداء برئت ذمة الولي ، لفراغ ذمة الميت حينئذ التي شغلها كان سببا للوجوب عليه على وجه التأدية عنه كالدين ، إذ قد عرفت ان التحقيق وقوع ذلك عن الميت وإبراء له من خطاب القضاء ، لا انه يقع للولي نفسه كما زعمه بعضهم ، والله هو العالم.

وهل يقضى عن المرأة ما فاتها من الصوم على حسب حال الرجل؟ فيه تردد وخلاف أقواه ذلك وفاقا لظاهر المعظم ، بل نسب إلى الأصحاب لقاعدة الاشتراك ، وصحيح أبي حمزة (١) وموثق محمد بن مسلم (٢) وخبر أبي بصير (٣) المتقدمة سابقا في المسافرة والمريضة ، بل ظاهر الأخير عدم الفرق في أسباب الفوات ، لكن قد يناقش بأن قاعدة الاشتراك في التكاليف على معنى ان الأصل اشتراكهما في التكليف لا في نحو المقام ، وبأن غاية ما يستفاد من النصوص السابقة مشروعية القضاء عنها ، وهو أعم من الوجوب ومن كونه على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ١٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ١١.

٤٥

الولي على حسب الرجل ، وبأن ثبوت القضاء في مقابل الحبوة المنفية هنا ، فأصالة البراءة حينئذ بحالها بلا معارض ، ولعله لذا بالغ ابن إدريس في إنكاره ، وقال انه ليس مذهبا لأحد من الأصحاب ، والشيخ إنما أورده إيرادا لا اعتقادا ، والإجماع إنما انعقد على قضاء الولد عن والده ، وربما مال اليه الشهيد الثاني في الروضة ويدفع الأول بأن الثابت أصالة الاشتراك في جميع الاحكام من غير فرق بين الوضع والتكليف ، والثاني بأن ظاهر خبر أبي بصير الوجوب ، وبأنه يثبت متى ثبتت المشروعية ، لعدم القائل بالفصل ، كما انه متى ثبتت أو ثبت الوجوب ثبت بالنسبة إلى الولي ، ضرورة معلومية عدم الوجوب على جميع الناس ، فليس حينئذ إلا الولي ولو بقرينة ثبوته في الرجل ، بل قد يقال انه في تلك النصوص من باب المثال على حسب غير المقام ، فيكون تلك الأدلة دليلا للمسألة ، ومن هنا شدد الفاضل في المختلف الإنكار على ابن إدريس ، بل قال : إنكاره كونه مذهبا لأحد من أصحابنا جهل منه ، وأي أحد أعظم من الشيخ ، خصوصا مع اعتضاد قوله بالروايات والأدلة العقلية ، مع ان جماعة قالوا بذلك كابن البراج ، ونسبة قول الشيخ إلى أنه إيراد لا اعتقاد غلط منه ، وما يدريه بذلك ، مع انه لم يقتصر على قوله بذلك في النهاية بل في المبسوط أيضا.

ولا فرق أيضا بين الحر والعبد في الحكم المزبور ، لإطلاق النص والفتوى السالم عن معارضة اقتضاء نفي الحبوة نفيه ، لعدم ثبوت العلة الصالحة لذلك والمراد بأولى الناس بميراثه الاستحقاق ذاتا لولا المانع ، فتوقف الفاضل فيه في القواعد بل عن فخر الإسلام الجزم بالعدم في غير محله.

ولو كان الولد خنثى مشكلا فلا قضاء ، للأصل بعد الشك في الرجولية التي هي شرط الوجوب ، بل لو كان معه ذكر أصغر منه أمكن نفيه عنهما معا أما الخنثى فلما عرفت ، واما الآخر فلعدم ثبوت كونه الأكبر ، لاحتمال كون الخنثى ذكرا‌

٤٦

والفرض أنها الأكبر ، فالأصل براءة الذمة ، ويحتمل ثبوته ، لصدق الولدية التي هي المرادة من الولاية ، واعتبار الأكبرية انما هو مع التعدد ، ولم يعلم ولعله الأقوى.

وولد الولد ولد ، فيتعلق به القضاء مع كونه أكبر أو ليس غيره ، إلا انه لا يخلو من اشكال ، بل لعل الأقوى خلافه ، للأصل بعد انسياق غيره ، سيما في بعض الصور ، كما لو كان للميت أولاد وله أولاد أكبر من أولاده ، فإن تعلق القضاء بهم حينئذ مع عدم الإرث لهم وفراغ ذمة الأولاد الذين هم أولى بالميراث كما ترى ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

المسألة الثالثة إذا لم يكن له ولي أصلا لا ذكر ولا أنثى أو كان له إناث خاصة فـ ( الأكبر ) منهن أنثى حينئذ أو ليس له حينئذ إلا أنثى واكبريتها على معنى ان لا أكبر منها ، وعلى كل حال متى كان كذلك سقط القضاء عن ورثته وعن غيرهم بناء على المختار من انحصار الولي في الولد الذكر الذي ليس معه ذكرا أكبر منه ، للأصل السالم عن المعارض نعم قيل والقائل الشيخ وابن حمزة والفاضل وجماعة بل في صريح المختلف وظاهر الروضة انه المشهور يتصدق عنه عن كل يوم بمد مطلقا أو مع العجز عن المدين على حسب ما سمعته في صدقة ما بين الرمضانين ، وقد نص ما عدا الأولين على انه من أصل تركته الا انه توقف فيه غير واحد من متأخري المتأخرين ، بل لعله ظاهر المتن أيضا لعدم الدليل ، قلت : قد يستدل له ـ بعد معلومية قيام هذه الصدقة مقام الصوم من فحوى خبر الوشاء (١) الآتي ، بل استفاضت به النصوص (٢) في بدلية صيام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الصوم المندوب.

٤٧

الثلاثة من كل شهر ، وفي بعضها (١) انه أفضل من صوم اليوم ، بل في آخر (٢) أفضلية إطعام المسلم من صوم الشهر ـ بخبر أبي مريم (٣) المتقدم سابقا المعتضد بمرسل ابن أبي عقيل (٤) الذي قد ادعى تواتر مضمونه ، ولا ينافيه الخروج عن الإطلاق مع وجود الولي للأدلة السابقة ، كما انه لا ينافيه ما في‌ خبر أبي مريم بعد ذلك من انه « ان لم يكن له مال تصدق عنه الولي أو صام » إذ أقصاه اقتضاء كون الحكم كذلك على تقدير وجود الولي أيضا ، والخروج عنه فيه بخصوصه لحصول المعارض لا ينافي حجيته في القسم الآخر ، على انه يمكن ارادة غير الأكبر من الولي فيه وانه يصوم ندبا عنه مع عدم المال له ، ودعوى ظهور القائل هنا بتعيين الصدقة وانه لا يشرع القضاء عنه واضحة الفساد ، خصوصا مع ملاحظة صحيح ابن بزيع (٥) المتقدم الظاهر في أجزائهما معا عنه ، وانما الصدقة أفضل ، ومن هنا قال في الروضة بعد أن ذكر الحكم المزبور : « هذا إذا لم يوص الميت بقضائه والا سقطت الصدقة حيث يقضى عنه » وهو صريح في عدم تعين الصدقة وعلى كل حال فما عن أبي الصباح ( الصلاح خ ل ) من أنه يستأجر عنه من ماله من يقضي عنه ، لأنه صوم وجب عليه ولم يفعله فوجب قضاؤه عنه بالأجرة كالحج فيه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٨.

(٤) الظاهر أن المراد مما أرسله ابن أبي عقيل هو خبر أبي مريم الأنصاري حيث انه حكم بتواتره كما ذكره المحدث الكاشاني قدس‌سره في تعليقته على الحديث في الوافي الجزء السابع ص ٥١ الباب ـ ٥٥ ـ الحديث ٧.

(٥) الوافي « الجزء السابع » ص ـ ٥١ ـ الباب ـ ٥٥ ـ الحديث ـ ٩ عن الفقيه.

٤٨

ما لا يخفى من منافاته للخبر المزبور وغيره ان أراد التعيين على وجه لا تجزي الصدقة ، بل في المختلف منع الملازمة والمساواة للحج ، فان الحج لا يجب على الولي والصوم هنا يجب عليه ، قلت : ولان الصوم له فداء بخلاف الحج ، ولا بأس به ان أراد جواز ذلك للوارث لما عرفت ، وكذا ما عن ابن إدريس من إنكار الصدقة بل قال انه لم يقل به احد من أصحابنا المحققين ، وعلى كل حال تخرج الصدقة والأجرة من أصل ماله ، لظاهر الخبر المزبور ومؤيدا بكونه باعتبار انه حق واجب كالدين ، بل قد سمعت ما في المرسل (١) السابق من انه لكونه حق الله أعظم من غيره ، والله أعلم.

ولو كان عليه شهران متتابعان صام الولي شهرا وتصدق من مال الميت عن شهر وفاقا للمشهور كما في الروضة ، بل في الدروس انه ظاهر المذهب لخبر الوشاء (٢) عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام المروي في الكافي والتهذيب « سمعته يقول : إذا مات الرجل وعليه صيام شهرين متتابعين من غير علة فعليه أن يتصدق عن الشهر الأول ويقضي الثاني » المنجبر ضعفه بسهل مع سهولته بالشهرة ، فلا بأس حينئذ بتقييد إطلاق النصوص السابقة به الذي هو ليس بتلك المكانة في التناول لما هنا ، فإن أكثر النصوص السابقة أو جميعها في قضاء شهر رمضان ، نعم فيها من التعليل ما يفضي بعدم اختصاصه بذلك ، والمناقشة بعدم ذكر الولي فيه يدفعها ظهور لفظ « عليه » بالوجوب ، وليس هو إلا على الولي ، فاحتمال ارادة الميت توسعا باعتبار الثبوت في الذمة فيتصدق عنه حينئذ عن الأول ويستأجر على‌

__________________

(١) صحيح مسلم ج ٣ ص ١٥٦ « باب قضاء الصيام عن الميت » ٣ من كتاب الصيام.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ١ وفيه « من علية ».

٤٩

قضاء الثاني لا داعي اليه ولا قرينة عليه ، كاحتمال ارادة الرمضانين المتتابعين بقرينة قوله : « من غير علة » فتخرج حينئذ عن الدلالة على المشهور ، إذ هو كما ترى ، فما عن ظاهر المفيد وصريح الحلي والفاضل والشهيد وغيرهم من متأخري المتأخرين ـ من طرح الخبر المزبور ، والعمل على إطلاق ما دل على وجوب الصوم على الولي فيقضي الشهرين حينئذ إلا أن يكونا من كفارة مخيرة ، فيتخير بين صومهما وبين العتق والإطعام من مال الميت كما نص عليه ابن إدريس ـ لا يخلو من ضعف نعم قد يتجه على المختار تعيين الصدقة على الأول والقضاء للثاني كما نص عليه في الدروس لانه مدلول الخبر ، فإطلاق المصنف وغيره تسامح أو مبني على عدم وجوب هذه النية ، وليس في الخبر دلالة على تقديم الصدقة ، فلا يبعد كون المراد الصدقة عن أحدهما والقضاء عن الآخر ، فتأمل ولا يتعدى منه الى غير مدلوله من الزائد على الشهرين أو الأقل ، لعدم تنقيح العلة على وجه يخرج عن القياس المحرم ، فيبقى حينئذ على إطلاق الأدلة ، نعم يقوى في الذهن أن ذلك رخصة لا عزيمة ، فيجزيه حينئذ صيام الشهرين كما يجزي لو تبرع بهما متبرع ، وتسقط حينئذ الصدقة ، ضرورة كونها بدلا عن الصوم الذي قد فرض حصوله ، ومن ذلك تعرف أنه لو أوصى الميت بقضاء الشهرين عنه سقط عن الولي مع فرض الأداء كما هو واضح ، وقد نص عليه بعضهم.

ثم ان الظاهر اختصاص الحكم بالشهرين المعتبر فيهما التتابع لا ما اتفق فيهما كذلك ، كما لو فاته رمضانان على التعاقب ، بل ان لم يقم إجماع أمكن اختصاص الحكم بما إذا كان التتابع معتبرا فيه بأصل الشرع كالكفارة ، فلا يدخل المنذوران كذلك ، بل قد يدعى أن المنساق الإشارة إلى الكفارة من ذكر التتابع ، إلا ان من تعرض هنا من الأصحاب لذلك لم يفرق بين الكفارة والمنذور ، وحينئذ يقوى إرادة الإطلاق المزبور المتناول لذلك ، كما أن الأقوى عدم الفرق بين من‌

٥٠

كان عليه شهران متتابعان عينا وبين من كانا عليه تخييرا لصدق « عليه » ولو على التخيير ، الا انه لا يتعين على الولي ذلك ، لعدم نقصان الفرع عن أصله ، وحينئذ فله التخيير الذي كان للميت ، فان اختار الصيام جاز له حينئذ الصدقة عن شهر وصيام الآخر ، ولو كان قد تعين على الميت الصوم لعجز عن غيره لم يتعين على الولي ، بل له الخيار بينه وبين غيره ، كما لو عجز عن الصوم لمرض فإنه لا يتعين على الولي الفردان الآخران ، ضرورة عدم كون العجز معينا للتكليف في أصله كما هو واضح بأدنى تأمل ، والله أعلم.

المسألة الرابعة المشهور بين الأصحاب أن القاضي لشهر رمضان مع سعة الوقت لا يحرم عليه الإفطار قبل الزوال لعذر وغيره بل عن العلامة في المدنيات الأولى الإجماع عليه ، للمعتبرة المستفيضة ، منها‌ صحيح ابن سنان (١) عن الصادق عليه‌السلام « صوم النافلة لك ان تفطر ما بينك وبين الليل متى شئت ، وصوم قضاء الفريضة لك ان تفطر الى زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر » ومنها‌ صحيح جميل (٢) على ما في التهذيب عنه عليه‌السلام أيضا « في الذي يقضي شهر رمضان انه بالخيار الى زوال الشمس » ومنها‌ موثق إسحاق بن عمار (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « الذي يقضي شهر رمضان هو بالخيار في الإفطار ما بينه وبين ان تزول الشمس ، وفي التطوع ما بينه وبين ان تغيب الشمس » الى غير ذلك من النصوص التي يقصر عن معارضتها‌ صحيح ابن الحاج (٤) المحمول على الكراهة « سألت عن الرجل يقضي رمضان إله أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال إذا بدا له؟ قال : إذا كان نوى من الليل وكان من قضاء رمضان فلا يفطر ويتم صومه » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب وجوب الصوم الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب وجوب الصوم الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب وجوب الصوم الحديث ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب وجوب الصوم الحديث ٦.

٥١

وموثق زرارة (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل يقضي من شهر رمضان فأتى النساء قال : عليه من الكفارة مثل ما على الذي أصاب في شهر رمضان لأن ذلك اليوم عند الله من أيام رمضان » المقيد بها مع ارادة التشبيه فيه بأصل الكفارة وإن أيدا بعموم (٢) ( لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) المخصص بها أو المنزل على الصلاة أو على إرادة إبطالها بالكفر ونحوه كما هو مقتضى العموم فيه ، وباقتضاء البدلية ذلك كما أومأ إليه أبو جعفر عليه‌السلام (٣) وإلا لكان إتمامه مستحبا ، فلا يجزي عن الواجب الذي هو كما ترى ، ضرورة منع اقتضاء المعنوية منها ذلك بل المسلم اقتضاء إطلاق اللفظية المشاركة في الأحكام المتعارفة للمبدل ، وأقصاها حينئذ الإطلاق الذي يقيده بعض ما عرفت فضلا عن جميعه ، فما عن ابن ابى عقيل وأبي الصلاح وابن زهرة من الحرمة واضح الضعف ، وأضعف منه دعوى الأخير منهم الإجماع عليه المعارض بإجماع الفاضل الذي يشهد له التتبع.

وحينئذ فالمختار مظنة الإجماع لا دعواه ، نعم يحرم عليه الإفطار بعده إجماعا محكيا في الانتصار والخلاف والغنية ، ونصوصا قد تقدم بعضها ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه أو القطع به ، لعدم المخالف فيه سوى ما عساه يظهر مما في التهذيبين من حمل‌ خبر عمار (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام الذي رماه بعضهم بالشذوذ « انه سئل عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان ويريد ان يقضيها متى يريد ان ينوي الصيام قال : هو بالخيار الى ان تزول الشمس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٣.

(٢) سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ الآية ٣٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٣.

(٤) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٢ ـ من أبواب وجوب الصوم الحديث ١٠ وذيله في الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٤.

٥٢

فإذا زالت الشمس فان كان نوى الصوم فليصم ، وان كان نوى الإفطار فليفطر سئل فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس قال : لا ، سئل فإن نوى الصوم ثم أفطر بعد ما زالت الشمس قال : قد أساء وليس عليه شي‌ء إلا قضاء ما ذلك اليوم الذي أراد ان يقضيه » على انه ليس عليه شي‌ء من العقاب وان كان عليه القضاء والكفارة ، بخلاف من أفطر في شهر رمضان فعليه العقاب والقضاء والكفارة وربما يؤيده‌ خبر أبي بصير (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في المرأة تقضي شهر رمضان فيكرهها زوجها على الإفطار قال : لا ينبغي له ان يكرهها بعد الزوال » للتعبير بلفظ « لا ينبغي » المشعر بالكراهة ، وفيه ان حمله على التقية أو على إرادة عدم وجوب أكثر من يوم في قضائه أو غير ذلك أولى ، ضرورة عدم صلاحيته لمعارضة ما دل على الحرمة من الإجماع والنصوص السابقة وغيرها حتى ما دل منها على الكفارة التي من المعلوم كون الأصل فيها أن تكون عن ذنب ، فلا ينافي حينئذ ثبوتها في قتل الخطأ والصيد خطأ ونحو هما للدليل ، كما ان الأصل فيها التكفير للذنب وان جميع الكفارات من سنخ واحد بالنسبة الى ذلك ، وحينئذ فإن أراد الشيخ نفي العقاب عنه قبل التكفير فلا وجه حينئذ للكفارة ، وان أراد بعدها فلا فرق بينه وبين رمضان ، وخبر أبي بصير وان كان مشعرا بذلك لكن يجب حمله على إرادة الحرمة هنا ، لقوة المعارض ، على انه يمكن بناؤه على جواز الإكراه للزوج وإن كان فرضها الامتناع منه على حسب طاقتها عملا لكل منهما على حكمه ، إذ الوجوب عليها لا يقتضي حرمة الوطء عليه ، بل لعل مثله يأتي في شهر رمضان حيث يكون الزوج مفطرا لعذر والزوجة صائمة ، ولا يفسد صومها بذلك لكونها مكرهة كالموجر في حلقه الماء ، فتأمل جيدا ، هذا.

ومع ذلك كله فخبر عمار مناف لما في المتن وغيره من انه تجب معه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب وجوب الصوم الحديث ـ ٢.

٥٣

أي الإفطار بعد الزوال الكفارة بل في الانتصار والخلاف والغنية الإجماع عليه ، بل لعله كذلك ، إذ لم أجد فيه خلافا إلا من المحكي عن ابن أبي عقيل حيث أطلق نفيها ، ومال إليه في المسالك كما ستعرف ، للأصل المقطوع بالنصوص والإجماع ولأنه زمان لا يتعين صومه كقبل الزوال ، وهو اجتهاد في مقابلة النص أو قياس مع الفارق ، وللخبر المزبور الشاذ القاصر عن معارضة غيره من النصوص المستفيضة التي سمعت وتسمع جملة منها ، فلا وجه للجمع بينه وبينها بحمله على خصوص من جدد النية وحملها على من بيتها من الليل الذي لم نجد له شاهدا ، بل هو مخالف للنص والفتوى ، كما لا وجه لحمله في المعتبر على كون الإفطار بترك النية التي لا توجب الكفارة في شهر رمضان ، فكذا في قضائه الذي لا يوجبها فيه الا ما يوجبها في شهر رمضان ، وكأن الذي دعاه الى ذلك انه حذف في رواية الخبر المزبور جملتي جواب وسؤال ، قال : وفي‌ رواية عمار « سئل ان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس قال : لا قد أساء وليس عليه شي‌ء » إلى آخرها ، وقد سمعت انه ليس هكذا ، فلا يتم فيه الحمل المزبور ، على انه يمكن منع عدم ترتب الكفارة بذلك خصوصا في شهر رمضان ، ضرورة كون المراد من الإفطار في النصوص إفساد الصوم الواجب الشامل لنحو ذلك كما أشرنا إليه سابقا.

وكيف كان فـ ( هي ) عنده إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من طعام ، فان لم يمكنه صام ثلاثة أيام لخبر بريد العجلي (١) « في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان إن كان اتى أهله قبل الزوال فلا شي‌ء عليه إلا يوم مكان يوم ، وان كان أتى أهله بعد الزوال فعليه ان يتصدق على عشرة مساكين فان لم يقدر صام يوما مكان يوم ، وصام ثلاثة أيام كفارة لما صنع » وصحيح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ـ ١.

٥٤

هشام بن سالم (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل وقع على اهله وهو يقضي شهر رمضان فقال : ان كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شي‌ء عليه ، يصوم يوما بدل يوم ، وان فعل بعد العصر صام ذلك اليوم ، وأطعم عشرة مساكين ، فان لم يمكنه صام ثلاثة أيام كفارة لذلك » ولا ينافيه اشتماله على نفيها قبل صلاة العصر خصوصا بعد تقييده بغيره ، واحتمال ابدال الظهر بالعصر سهوا ، وكونه مبنيا على اشتراك الوقت بين الظهرين ، فأول وقت العصر حينئذ الزوال ، وغير ذلك ، كما لا ينافي اشتمال سند الاولى على الحرث بن محمد المجهول بعد الانجبار بما عرفت. خلافا للصدوقين وابن البراج على ما عن موضع من المختلف فكفارة رمضان ولأبي الصلاح وابن زهرة فالاطعام أو الصيام مدعيا ثانيهما الإجماع عليه ، ولابن حمزة والمحكي عن أبي الفتح الكراجكي وابن البراج على ما عن موضع من المختلف فكفارة رمضان إن أفطر استخفافا ، كما عن الشيخ في النهاية وكتابي الأخبار احتماله ، وإلا فالاطعام أو الصيام ، ولابن إدريس فكفارة يمين ، إلا انه يمكن ان يريد بها ما عند المشهور بقرينة اختياره له في موضع آخر نحو ما قال المفيد في باب الكفارات : « كان عليه كفارة يمين إطعام عشرة مساكين ، فان لم يجد صام ثلاثة أيام متتابعات » وقال الفاضل في المختلف : « المشهور عند علمائنا ان كفارة من أفطر يوما يقضيه من شهر رمضان بعد الزوال مختارا كفارة يمين ، ذهب اليه الشيخان وسلار وأبو الصلاح وابن إدريس » واستدل له بما سمعت ، بل منه يعلم رجوع ما سمعته من أبي الصلاح وابن زهرة إلى المشهور أيضا ، كما يشهد له ما عرفت من دعوى الثاني منهما الإجماع الذي لا وجه لدعواه إلا على ذلك ؛ وفي المحكي من النهاية « كان عليه كفارة اليمين ، فان لم يجد صام ثلاثة أيام ».

والظاهر ان مراده من كفارة اليمين إطعام العشرة مؤيدا ذلك كله بأنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ـ ٢.

٥٥

لم نقف على ما يدل على شي‌ء من هذه الأقوال عدا الأول منها ، فإنه يدل عليه خبر زرارة (١) السابق المطعون في سنده بعلي بن فضال ، ومرسل حفص بن سوقة (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل فقال : عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع في شهر رمضان » الفاقد شرائط الحجية ، مع احتمال الأول الصوم قضاء عن رمضان من غير علم بأنه فيه مؤيد بما فيه من التعليل ، والثاني كون القضاء بمعنى الفعل والاحتياط المقتضي للوجوب ممنوع كمنع البدلية المقتضية للمساواة ، بل جواز الإفطار فيه قبل الزوال ينافيها على ان ما عدا رمضان من الأيام متساوية ، فافطار بعضها له بدل مساو بخلاف رمضان ، فيبعد تساويهما في العقوبة ، بل المناسب انحطاط مرتبة عنه بعد الزوال كانحطاطها قبله ، كما يومئ اليه استبعادهم عليهم‌السلام مساواة قضاء رمضان له حتى‌ قالوا (٣) « وأنى له بمثله » فلو كانت كفارته كفارته لساواه ، كل ذلك مع ضعف مقاومة الخبرين المزبورين لما عرفت من وجوه ، فلا ريب في ان الأقوى الأول واما ما في المسالك ـ من جودة احتمال حمل الكفارة هنا على الاستحباب ، لاختلاف تقديرها في الروايات واختلاف تحديد وقت ثبوتها يعني بالزوال والعصر ، والإطلاق ، وقصورها من حيث السند عن إفادة الوجوب ـ فهو واضح الضعف لما عرفت من النص والإجماع على الوجوب وليس نحو هذا الاختلاف الغالب وجود نظيره في النصوص امارة الاستحباب ، كما هو ظاهر.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ـ ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ـ ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ـ ٢.

٥٦

هذا كله في قضاء شهر رمضان ، أما غيره من الواجبات المطلقة فقد يشعر ما في المتن وغيره بجواز الإفطار فيها قبل الزوال وبعده ، كما صرح به جماعة منهم الفاضل والشهيد الثاني وغيرهما ، للأصل السالم عن المعارض ، نعم لو تعين لم يجز الخروج عنه مطلقا قبل الزوال وبعده قضاء رمضان كان أم غيره إلا انه لا كفارة ، للأصل السالم عن المعارض ، خلافا للمحكي عن بعضهم ، فحرم قطع كل واجب معين أو غيره ، ولعله الظاهر من المحكي عن أبي الصلاح وابن زهرة حيث ذكرا في النذر الغير المعين ان كل من أفطر كان مأثوما ، واختاره بعض متأخري المتأخرين عملا بعموم النهي عن إبطال العمل ، خرج منه قضاء رمضان بالنص وبقي الباقي ، لكنك لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما قدمناه هنا وفي باب الصلاة من عدم صلاحية الآية لإثبات ذلك ، فلا ريب حينئذ في ضعفه ، كضعف المحكي عن علي بن بابويه من مساواة قضاء النذر لقضاء رمضان في الحرمة بعد الزوال والكفارة ، وان كان قد يشهد للحرمة صحيح ابن سنان (١) السابق وخبر سماعة بن مهران (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « الصائم بالخيار الى زوال الشمس قال : ان ذلك في الفريضة ، فاما النافلة فله ان يفطر أي ساعة شاء الى غروب الشمس » إلا انه يمكن دعوى انصراف الفريضة فيهما في عرف الحديث الى الواجب بالأصالة ، فلا يشمل المنذور ، على ان المراد من خبر سماعة إخراج النافلة ، ثم انه لا دلالة فيهما على الكفارة ، والاستدلال لهما بأن الموجب لهما كونه قد أبطل عبادة فعل أكثرها ، وهو متحقق هنا ، وباقتضاء البدلية عن المنذور وذلك لا ينطبق على أصول الإمامية.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب وجوب الصوم ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب وجوب الصوم ـ الحديث ٨.

٥٧

ثم انه لا يجب عليه المضي في الصوم مع إفساده بعد الزوال كما يعطيه المحكي عن تحرير ابن فهد ، بل لعله ظاهر غيره للأصل السالم عن المعارض ، وقوله عليه‌السلام في صحيح هشام (١) « صام ذلك اليوم » يراد منه صوم يوم بدل ذلك اليوم بقرينة ما تقدم ، وعدم صدق الصوم حقيقة على هذا الإمساك ، على انه ان حمل عليه خلا الخبر عن التعرض للقضاء ، وخبر زرارة قد عرفت ندرته وشذوذه ، على انه لا يقتضي المساواة في جميع الاحكام التي منها الإمساك تعبدا بناء على وجوبه في شهر رمضان الذي ورد انه لا يساويه غيره أبدا ، ومن الغريب التمسك بالاستصحاب مع ان حقيقة هذا الإمساك مباينة لحقيقة الصوم شرعا فما في الروضة ومحكي الدروس من الوجوب واضح الضعف ، وعلى تقديره فالظاهر عدم وجوب تكرار الكفارة بتكرر السبب ، للأصل السالم عن المعارض أيضا وان قلنا به في شهر رمضان مطلقا أو مع تخلل التكفير ، أو اختلاف الجنس أو الجماع خاصة بعد حرمة القياس عندنا ومعلومية الفرق بين شهر رمضان وغيره في عظم الحرمة وغيرها ، وقد عرفت ندرة الخبر المزبور وشذوذه وقصوره عن المساواة في ذلك ونحوه ، فما في الروضة أيضا من تكررها به كالأصل واضح الضعف أيضا ، والله أعلم.

المسألة الخامسة إذا نسي غسل الجنابة ومر عليه أيام أو الشهر كله قيل والقائل الأكثر يقضي الصلاة والصوم لصحيح الحلبي (٢) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج شهر رمضان قال : عليه ان يقضي الصلاة والصيام » وخبره الآخر (٣) الذي هو بهذا المضمون أيضا ، وخبر إبراهيم بن ميمون (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يجنب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ١.

٥٨

بالليل في شهر رمضان ثم ينوي أن يغتسل حتى يمضي لذلك جمعة أو يخرج شهر رمضان قال : يقضي الصلاة والصيام » بل ومرسل الصدوق (١) « ان من جامع في أول شهر رمضان ثم نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان ان عليه ان يغتسل ويقضي صلاته وصومه إلا أن يكون قد اغتسل للجمعة ، فإنه يقضي صلاته وصومه الى ذلك اليوم ، ولا يقضي ما بعد ذلك » فان ما فيه من الاستثناء لا ينافي الاستدلال به على المطلوب ، كما هو واضح ، نعم هي أخبار آحاد يتجه طرحها عند من لم يعمل بها.

ولذلك قيل والقائل ابن إدريس يقضي الصلاة حسب لعدم ثبوت اشتراط الصوم بالطهارة من الأكبر إلا مع العلم ، ومن ثم لو نام جنبا أولا فأصبح صح صومه وان تعمد ترك الغسل طول النهار ، فههنا أولى ، لكن وافقه عليه هنا من لم يوافقه على الأصل المزبور كالمصنف هنا والنافع حيث قال : وهو الأشبه بأصول المذهب وقواعده ، بل لعله ظاهر الفاضل في المحكي عن التلخيص ، حيث نسب الأولى الى القيل ، وفي اللمعة الاقتصار على نسبته إلى الأشهر ، ولعله لرفع الخطأ والنسيان بناء على ان القضاء من المؤاخذة المرفوعة باعتبار كونها أقرب المجازات بعد نفي الحمل على الحقيقة ، ولان الظاهر من إطلاق الفاضل في القواعد والشهيد في الدروس واللمعة عدم الفرق عندهم في هذا الحكم بين اليوم والأيام وجميع الشهر ، واقتصار النصوص المزبورة على الأيام وجميع الشهر تنبيها على الفرد الأخفى ، وهو مناف لما ذكر سابقا من عدم قضاء ما نام الجنب فيه حتى أصبح وان تعمد ترك الغسل طول النهار ، فكيف يقضي مع النسيان.

ومن هنا قال في المدارك : « ينبغي تقييد ذلك بما إذا عرض النسيان في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٢.

٥٩

الليلة الأولى وانتبه قبل طلوع الفجر على وجه يمكنه الاغتسال لو كان ذاكرا وأصبح في النومة الثانية ، أما إذا حصل بعد طلوع الفجر من اليوم الأول وكان قد أصبح في النومة الأولى فينبغي القطع بسقوط قضاء ذلك اليوم ، للأخبار (١) الصحيحة المتضمنة لأن الجنب إذا أصبح في النومة الاولى فلا قضاء عليه ، أما ما عدا اليوم الأول فلا ريب في وجوب قضائه عملا بالنص الصحيح (٢) السالم عن المعارض » وقد أخذ ذلك من جده في المسالك فإنه بعد ان ذكر الاشكال المزبور قال : « وأجيب بحمل ما هنا على الناسي ليلا بعد الانتباه أو على ما عدا اليوم الأول على تقدير النسيان بعد فوات محل الغسل جمعا بين النصوص ـ ثم قال ـ : ولعل مخالفة المصنف في الحكم هنا لأجل ذلك حيث لم يجد قائلا بالتفصيل ، ولم يمكن القول بالقضاء مطلقا ، لمنافاته ما مر » وفي الروضة بعد أن ذكر الاشكال المزبور قال : وربما جمع بينهما بحمل هذا على الناسي ، وتخصيص ذلك بالنائم عالما عازما فضعف حكمه بالعزم أو بحمله على ما عدا اليوم الأول ، ولكن لا يدفع إطلاقهم وانما هو جمع بحكم آخر ، والأول أوفق ، بل لا تخصيص لأحد النصين لتصريح ذلك بالنوم عامدا عازما وهذا بالناسي ، ويمكن الجمع أيضا بأن مضمون هذه الرواية نسيانه الغسل حتى خرج الشهر ، فيفرق بين اليوم والجميع عملا بمنطوقهما إلا انه يشكل بأن قضاء الجميع يستلزم قضاء الأبعاض ، لاشتراكهما في المعنى إن لم يكن أولى ، ونسب المصنف القول إلى الشهرة دون القوة وما في معناها إيذانا بذلك ، فقد رده ابن إدريس والمحقق لهذا أو لغيره ، إلا ان الجميع كما ترى خصوصا ما سمعته من ابن إدريس المبنى على أصل فاسد قد فرغنا منه في الأصول.

وأضعف منه الاستدلال بحديث الرفع الذي هو إما مقيد بما هنا أو غير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٣.

٦٠