جواهر الكلام - ج ١٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

يبقى على الاحكام إلى أن يأتي بقية المناسك مع الإمكان ـ إلى أن قال ـ إلا أن قيد دخول الحرم لا مدخل له في ذلك ، بل مجرد الإحرام كاف فيه ، لإمكان مناقشته بما في المدارك من أنه إن أراد بقوله : « مع الإمكان » إمكان الإتيان ببقية المناسك في ذلك العام فهو آت مع الصد قبل الإحرام ، وإن أريد به ما هو أعم من ذلك لم يكن مستقيما ؛ إذ المصدود يتحلل بالهدي ، ولو صابر ففاته الحج تحلل بالعمرة كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله ، ولا أجرة له عليها ، لأنه فعلها متحللة » وإن كان قد تدفع بأن مراده ما أشار إليه الكركي في فوائده على الكتاب من أن المحرم في بعض الأحوال يبقى على إحرامه حتى يأتي بالمناسك ، لعدم تمكنه من الهدي أو العمرة التي يتحلل بها ، ومثله قد يقال بعدم استعادة الأجرة فيه وإن استمر على ذلك إلى السنة القابلة وكان أجيرا على الحج في السنة الماضية ، وذلك لأنه بتلبسه بالحج في هذه السنة كان كمن حج فيها ، وإن انتقل تكليفه اضطرارا إلى السنة القابلة ببقية المناسك ، إذ هو حينئذ كمن أدرك اضطراري الحج ومن فاته بعض الأجزاء التي تقضى بعد فوات الوقت ، وكيف كان فمتى انفسخت الإجارة وكان الاستئجار واجبا استأجر من موضع الصد مع الإمكان ، إلا أن يكون بين الميقات ومكة فمن الميقات ، لوجوب إنشاء الإحرام منه.

وإذا استؤجر فقصرت الأجرة عن نفقة الحج لم يلزم المستأجر الإتمام للأصل السالم عن المعارض وكذا لو فضل عن النفقة لم يرجع عليه بالفاضل لذلك أيضا ، ولأن من كان عليه الخسران كان له الجبران ، من غير فرق في ذلك بين أن يكون قد قبض الأجرة أو لا ، فيطالب بها جميعا أو بعضها مع عدم القبض ، ويجب على المستأجر الدفع اليه ، وكان تعرض المصنف وغيره لذلك مع وضوحه وعدم الخلاف فيه بيننا نصا وفتوى لتعرض النصوص له‌

٣٨١

وللتنبيه على خلاف أبي حنيفة المبني على ما زعمه من بطلان الإجارة ، فلا يجب حينئذ على المستأجر الدفع للأجير ، نعم عن النهاية والمبسوط والمنتهى استحباب الإتمام في الأول ، لكونه من المعاونة على البر والتقوى ، والتذكرة والمنتهى والتحرير وغيرها استحباب الرد في الثاني تحقيقا للإخلاص في العبادة ، بل‌ عن المقنعة أنه قد جاءت رواية أنه « إن فضل مما أخذه فإنه يرده إن كانت نفقته واسعة ، وإن كان قتر على نفسه لم يرده » ثم قال : وعلى الأول العمل ، وهو أفقه ، ولعله أشار بذلك إلى‌ خبر مسمع (١) قال للصادق عليه‌السلام : « أعطيت الرجل دراهم يحج بها عني ففضل منها شي‌ء فلم يرده علي فقال : هو له ، لعله ضيق على نفسه في النفقة لحاجته إلى النفقة » إلا أنه كما ترى ضعيف الدلالة على ذلك ، خصوصا مع ملاحظة‌ خبر محمد بن عبد الله القمي (٢) قال : « سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الرجل يعطي الحجة يحج بها فوسع على نفسه فيفضل منها أيردها عليه؟ قال : لا ، هو له » هذا ، وفي كشف اللثام أنه « إن شرطا في العقد الإكمال أو الرد لزم » وفيه أنه يمكن منع صحة مثل هذا الشرط في عقد الإجارة للجهالة ، كما هو واضح ، والأمر سهل.

وعلى كل حال فـ ( لا يجوز النيابة في الطواف الواجب للحاضر ) للأصل ومرسل ابن أبي نجران (٣) عن الصادق عليه‌السلام « سئل : الرجل يطوف عن الرجل وهما مقيمان بمكة قال : لا ، ولكن يطوف عن الرجل وهو غائب » ولأن المريض المستمسك طهارته إذا لم يستقل بالمسير حمل وطيف به كما‌ قال الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية بن عمار (٤) : « الكسير يحمل ويطاف به ، والمبطون يرمي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٦.

٣٨٢

ويطاف عنه ويصلى عنه » وسأل صفوان (١) أبا الحسن عليه‌السلام « عن المريض يقدم مكة فلا يستطيع أن يطوف بالبيت ولا أن يأتي بين الصفا والمروة قال : يطاف به محمولا يخط الأرض برجليه حتى يمس الأرض قدميه في الطواف ، ثم يوقف به في أصل الصفا والمروة إذا كان معتلا ».

فظهر من ذلك أنه لا يستنيب إلا مع العذر المانع من الطواف به أيضا للاجهاز عليه مثلا ، أو لكونه كالإغماء والبطن وما شابههما مما لا يمكن معه الطواف ولو بالحمل لعدم الطهارة فيجوز حينئذ ، للمعتبرة المستفيضة كصحيح حبيب الخثعمي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يطاف عن المبطون والكسير » وصحيح حريز (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « المريض المغلوب والمغمى عليه يطاف عنه ويرمى عنه » بل الظاهر جواز الاستنابة عن المغمى عليه فيهما من غير إذن منه ولا استنابة كما في سائر الإحياء لعدم قابليته ، إلا أن يراد أنه يستنيب قبل الإغماء لظهور أماراته ، والإطلاق ينفيه ، نعم ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يرج البرء أو ضاق الوقت وإلا انتظر لخبر يونس (٤) عن أبي الحسن عليه‌السلام « سأله أو كتب اليه عن سعيد بن يسار انه سقط من جمله فلا يستمسك بطنه أطوف عنه وأسعى فقال : لا ، ولكن دعه فإن برأ قضى هو وإلا فاقض أنت عنه » هذا.

ولكن في كشف اللثام « ان المغمى عليه لم أر من تعرض له بخصوصه ممن قبل المصنف وابني سعيد ، نعم أطلقوا النيابة عمن لا يستمسك الطهارة ـ ثم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٤.

٣٨٣

قال ـ : وقال الصادق عليه‌السلام في صحيح حريز (١) : « المريض المغلوب والمغمى عليه يرمى عنه ويطاف به » والفرق بينهما أن الطواف فريضة والرمي سنة » قلت : لعل ذلك اتكالا على ذكر المبطون الذي لا يستمسك طهارته ، فان المغمى عليه أولى بعدم طهارة له ولو اضطرارية ، وأما ما ذكره من الصحيح المزبور فالموجود فيما حضرني من نسخة التهذيب المعتبرة « ويطاف عنه » كما ذكرناه سابقا ، نعم كتب عليها نسخة « ويطاف به » والظاهر ان المعتبرة الأولى فإنه لا وجه للطواف به مع عدم طهارة له ، بل لعل ذلك هو المدار في نحوه من غير فرق بين من لا يستمسك طهارته لبطن مثلا وغيره ، وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله : « وما شابههما » بل قد يقال باندراج الحائض في ذلك ، ضرورة عدم تمكنها من الطهارة كالمبطون بل في كشف اللثام التصريح به ، قال : ومن أصحاب الأعذار أو الغيبة الحائض إذا ضاق الوقت أو لم يمكنها المقام حتى تطهر ، ولا يكون لها العدول إلى ما يتأخر طوافه ، كما يحمل عليه‌ صحيح أبي أيوب الخزاز (٢) قال : « كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فدخل عليه رجل فقال : أصلحك الله ان معنا امرأة حائضا ولم تطف طواف النساء ويأبى الجمال ان يقيم عليها قال : فأطرق وهو يقول : لا تستطيع ان تتخلف عن أصحابها ولا يقيم عليها جمالها ثم رفع رأسه إليه فقال : تمضي فقد تم حجها » وهي داخلة فيمن لا يستمسك الطهارة إذا ضاق الوقت ، وإلا لم تستنب للطواف إلا إذا غابت ، فلا يطاف عنها ما دامت حاضرة وإن علمت مسيرها قبل الطهر ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨٤ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ١٣ والفقيه ج ٢ ص ٢٤٥ الرقم ١١٧٦.

٣٨٤

وفي الدروس وفي استنابة الحائض عندي تردد ، قلت : لعله من ذلك ومن عدم قابليتها لوقوع الطواف الذي هو كالصلاة منها ، فكذا نائبها ، ومن بطلان متعتها وعدولها إلى حج الافراد لو قدمت إلى مكة حائضا وقد تضيق وقت الوقوف ، إذ لو كانت النيابة في الطواف مشروعة في حقها لصحت متعتها ، ومن هنا قال في المدارك : إن الحيض ليس من الأعذار المسوغة للاستنابة في الطواف ، نعم حكى فيها عن جده جواز استنابة الحائض في طواف الحج وطواف النساء مع الضرورة الشديدة اللازمة بانقطاعها عن أهلها في البلاد البعيدة ، ثم قال : وهو غير بعيد ، بل قوى الجواز في طواف النساء ، بل قال : إن مقتضى صحيح أبي أيوب السابق جواز تركه والحال هذه ، قلت : هو وإن كان كذلك إلا أنه بقرينة عدم القائل به يجب حمله على الاستنابة ، ولعله لا بأس به إذا فعلت ذلك بعد غيبتها وطهارتها لا أنه يطاف عنها مع حضورها حال حيضها ، بل جعل المدار على ذلك في صحة الاستنابة عنها في الطواف متجه.

وكيف كان فظاهر المتن جواز الاستنابة للغائب مطلقا ، بل هو صريح الدروس والقواعد ومحكي الجامع وغيره ، بل في كشف اللثام كأنه لا خلاف فيه حيا كان أو ميتا ، والأخبار به (١) متظافرة ، ويؤيده جواز الحج والعمرة عنه بل لعل ظاهر الإطلاق ذلك وإن تمكن من الحضور ، وإن كان لا يخلو من إشكال في بعض الأفراد ، كما أن ما عن ابن سعيد من تحديد الغيبة بعشرة أميال لا يخلو منه أيضا وإن شهد له‌ مرسل ابن أبي نجران (٢) عن الصادق عليه‌السلام « سئل كم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب النيابة في الحج والباب ٥١ من أبواب الطواف.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ٣.

٣٨٥

قدر الغيبة فقال : عشرة أميال » ضرورة ظهور الاستنابة فيه في المندوب بدون ذلك.

وكيف كان فلا إشكال في أنه أي الحاضر يجب أن يتولى ذلك بنفسه مع جامعيته لشرائط التكليف بمعنى نيته له وإن طيف به على دابة ونحوها وحينئذ فلا ينافي ما في المتن وغيره من أنه لو حمله حامل فطاف به أمكن أن يحتسب لكل منهما طوافه عن نفسه فينوي الحامل بحركته الذاتية الطواف لنفسه ، والمحمول بحركته العرضية كذلك : قال الهيثم بن عروة التميمي (١) للصادق عليه‌السلام : « إني حملت امرأتي ثم طفت بها وكانت مريضة في البيت في طواف الفريضة وبالصفا والمروة واحتسبت بذلك لنفسي فهل تجزيني؟ فقال : نعم » فما عن الشافعي من عدم جواز ذلك لاستلزامه النية بفعل واحد طواف شخصين واضح الفساد ، لمنع الملازمة أولا ، ومنع بطلان اللازم ثانيا ، لجواز حمل اثنين فصاعدا له ، بل من ذلك يظهر أن المحمول إذا كان مغمى عليه أو صبيا جاز للحامل نية طوافه مع طواف نفسه كما نطق به‌ صحيح حفص بن البختري (٢) عن الصادق عليه‌السلام « في المرأة تطوف بالصبي وتسعى به هل يجزي ذلك عنها وعن الصبي؟ فقال : نعم » وما عن الإيضاح ـ من أنه انما يجوز على القول بجواز ضم نية التبرد إلى نية الوضوء ـ في غير محله ، ضرورة صدق الطواف على كل منهما ، بل الظاهر جواز احتساب الحامل والمحمول ذلك لهما وإن كان الحمل بأجرة ، واستحقاق الحمل عليه في حال طوافه لا ينافي احتسابه له ، إذ هو كما لو استؤجر لحمل متاع فطاف وهو يحمله ، فان الطواف به لا معنى له إلا الحمل ، لكن عن أبي علي منعه ، لاقتضاء الاستئجار استحقاق هذه الحركة عليه لغيره ، فلا يجوز‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢ ـ ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الطواف ـ الحديث ٢ ـ ٣.

٣٨٦

له صرفها إلى نفسه كالاستئجار للحج ، بل عن الفاضل في المختلف استحسانه ، إلا انه قال : « والتحقيق أنه إن استؤجر للحمل في الطواف أجزأ عنهما ، وان استؤجر للطواف لم يجز عن الحامل » ولعله لأنه على الثاني كالاستئجار للحج ، ولكن الظاهر انحصاره في الطواف بالصبي والمغمى عليه ، فان الطواف بغيرهما انما هو بمعنى الحمل ، نعم ان استأجره غيرهما للحمل في غير طوافه لم يجز الاحتساب ، بل قد يناقش في الأولين أيضا بأنه إذا جاز تبرعا الطواف بهما مع احتساب طوافه لنفسه كما أومأ إليه صحيح حفص جاز الإجارة عليه ، وليس هو كالاستئجار للحج بل أقصاه اشتراك الطوافين بمقدمة واحدة ، وهو حركته المخصوصة التي تكون سببا لحصول الطواف من كل منهما ، فتأمل جيدا فإنه دقيق.

ولو تبرع إنسان بالحج عن غيره بعد موته برئت ذمته إن كانت مشغولة ، وأعطي ثواب الحج إن لم تكن بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل النصوص (١) مستفيضة أو متواترة فيه ، من غير فرق في الميت بين أن يكون عنده ما يحج به عنه أم لا ، وبين إيصائه به وعدمه ، وبين قرب المتبرع للميت وعدمه ، وبين وجود المأذون من الميت أو وليه وعدمه كل ذلك لإطلاق النصوص ومعاقد الإجماعات ، وثبوت مشروعية النيابة عنه مع تعذر الاذن عنه ، وان الحج مع شغل الذمة به كالدين الذي لا إشكال في جواز التبرع به مع النهي فضلا عن عدم الاذن ، وأصل عدم اشتراط حصولها منه حال حياته ، وعدم تعلق الغرض بما يقابلها من ماله ، خلافا لمالك وأبي حنيفة فأسقطا فرضه إن مات بلا وصية ، وأخرجاه من الثلث إن اوصى.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب وجوب الحج والباب ٢٥ من أبواب النيابة في الحج.

٣٨٧

أما الحي فلا تجوز النيابة عنه باذنه فضلا عن التبرع في الواجب مع تمكنه منه عندنا للأصل وغيره ، نعم تجوز عنه في المندوب مع التبرع فضلا عن الاذن عندنا خلافا للشافعي ولأحمد في رواية سواء كان قادرا أو عاجزا بل الإجماع بقسميه عليه ، بل النصوص به (١) مستفيضة أو متواترة ، بل لا فرق عندنا بين من كان عليه حج واجب مستقرا كان أو لا وغيره ، تمكن من أدائه ففرط أو لم يفرط ، بل يحج الآن بنفسه واجبا ويستنيب غيره في التطوع ، خلافا لأحمد فلم يجز الاستنابة فيه ما اشتغلت ذمته بالواجب ، إذ لا يجوز له فعله بنفسه ، فالاستنابة أولى ، وفيه ان عدم جواز فعله له لا خلاله بالواجب ، ولذا لو أخلت الاستنابة به لقصور النفقة ونحوه لم يجز عندنا أيضا لا أن عدم جوازه لعدم مشروعيته في حقه كي تمنع النيابة فيه ، بل لا بأس بتشريك الكثيرين بحجة واحدة كما دل عليه صحيحا هشام (٢) ومحمد بن إسماعيل (٣) وغيرهما ، بل الظاهر عدم الفرق في ذلك بين الحي والميت ، وما في‌ خبر علي بن جعفر (٤) المروي عن قرب الاسناد سأل أخاه عليه‌السلام « عن رجل جعل ثلث حجته لميت وثلثيها لحي فقال : للميت ، فأما للحي فلا » محمول على غير ذلك ، أو معارض بما هو أقوى منه ، وكذا لا بأس بتعدد النواب في المندوب في سنة واحدة ، فقد أحصي عن علي بن يقطين في عام واحد ثلاثمائة ملبيا ومائتان وخمسون وخمسمائة وخمسون ، هذا ، ولكن عن المنتهى التصريح بعدم جواز الحج ندبا عن الحي إلا باذنه ، ولعله حمل النصوص على إهداء الثواب لا على وجه النيابة ، إلا أنه واضح الضعف كما لا يخفى على من لاحظها.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب النيابة في الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ٩.

٣٨٨

انما الكلام في جواز التبرع عن الحي في الواجب في حال جواز النيابة عنه لعضب ونحوه للأصل السالم عن معارضة ما دل على مشروعيتها عنه بإذنه ، ضرورة أعمية ذلك من جواز التبرع ، فيبقى حينئذ أصل بقاء شغل ذمته وأصل وجوب الاستنابة عليه سالما عن المعارض بعد حرمة القياس على الميت ، وعدم ثبوت كونه في هذا الحال كالدين الذي يقضى عن صاحبه مع نهيه ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « دين الله أحق ان يقضى » انما هو في الميت ، فالأحوط حينئذ إن لم يكن الأقوى الاقتصار في النيابة عنه حينئذ على الاذن.

وكلما يلزم النائب من كفارة في الجنابة في الإحرام والهدي في التمتع والقران ففي ماله دون المنوب عنه بلا خلاف أجده بيننا كما اعترف به بعضهم بل عن الغنية الإجماع عليه في الكفارة ، مضافا إلى ان ذلك عقوبة على فعل صدر منه ، فهو كما لو قتل نفسا أو أتلف مالا لأحد ، وإلى دخول الهدي في العمل المستأجر عليه ، وهو واضح.

ولو أفسده أي الحج الذي ناب فيه حج من قابل بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه وانما الكلام في انه هل يعاد بالأجرة عليه أو لا؟ قال في المتن يبنى ذلك على القولين أي القول بأن الفرض الأول والإعادة عقوبة ، أو الثاني وإتمام الأول عقوبة ، ولم يقيد ذلك بكون الإجارة معينة ، والتحقيق ان الفرض الثاني لا الأول الذي أطلق عليه اسم الفاسد في النص والفتوى ، واحتمال أن هذا الإطلاق مجاز لا داعي إليه بل هو مناف لجميع ما ورد في بيان المبطلات في النصوص من أنه قد فاته الحج ، ولا حج له ونحو ذلك مما يصعب ارتكاب المجاز فيه ، بل مقتضاه أن الحج لا يبطله‌

__________________

(١) كنز العمال ج ٣ ص ٥٦ الرقم ١٠٣٧ وص ٥٧ الرقم ١٠٤٥.

٣٨٩

شي‌ء أصلا ، وانما يوجب فعل هذه المبطلات الإثم ، والإعادة عقوبة ، وهو كما ترى ، وخبر المقام اللذان (١) ستسمعهما وإن كانا ظاهرين في أن الفرض الأول إلا انه يجب حملهما على إرادة إعطاء الله تعالى للمنوب حجة تامة تفضلا منه وإن قصر النائب في إفسادها وخوطب بالإعادة ، فلا محيص حينئذ عن القول بأن الفرض الثاني ، كما لا محيص حينئذ بناء على ذلك عن القول بانفساخ الإجارة إذا فرض كونها معينة ، وعود الأجرة لصاحبها ، وانه يجب على النائب الإعادة للحج من قابل بنية النيابة من غير عوض ، لأنه هو الحج الذي أفسده وخوطب بإعادته ، فيجزي حينئذ عن المنوب مع فرض وقوعه منه ، وإلا استأجر الولي من يحج عنه بخلاف الإجارة المطلقة ، فإن الظاهر عدم انفساخها ، كما ان الظاهر الاجتزاء بالحج من قابل عن الحج ثانيا ويستحق به الأجرة ، أما الأول فلأنه الأصل في كل إجارة معينة لم يأت بها المستأجر فيما عين له من الزمان ، ودعوى ان ذلك من الاضطرار الشرعي كقضاء بعض الأشواط ونحوه مما لا يقدح في التعيين واضحة الفساد ، فتعاد الأجرة حينئذ لانفساخ ما أوجبها من العقد ، ولا ينافي ذلك وجوب الحج عليه من قابل عن المنوب بخطاب شرعي من غير عوض ، وأما الثاني فلأن الفرض كون الإجارة مطلقة ، ففساد الفرد لا يقتضي انفساخها وإن قلنا بوجوب التعجيل فيها ، لكنه لا على وجه يتعين به المستأجر عليه بحيث إذا فات تنفسخ الإجارة لفوات المحل ، نعم عن الشهيد احتمال تسلط المستأجر على الفسخ لفوات التعجيل ، مع أنه مناف لأصالة اللزوم وغيرها ، ولذا صرح بعدمه الفاضل في القواعد ، وحينئذ فالمتجه بقاء لزوم العقد هنا ، ويعيد الحج من قابل ، بل الظاهر أنه يكتفي به عن خطاب الإجارة وخطاب الإفساد كالمستطيع إذا أفسد حجه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ١ و ٢.

٣٩٠

فإنه يحج من قابل ويكتفى به عن خطاب الاستطاعة والإفساد ، وليس من التداخل المحتاج إلى الدليل المخصوص بل هو من التداخل المفهوم من دليل السببين ودعوى أن الحج بإفساده له انقلب لنفسه ، لأنه غير المستأجر عليه مثلا ، فهو كما إذا اشترى الوكيل في شراء شي‌ء بصفة ما هو على خلاف الصفة فيكون القضاء عن نفسه ، يدفعها منع انقلابه اليه نفسه ، كمنع ذلك في المشبه به ، وكذا دعوى أن سبب وجوب الإعادة الإفساد لا الاستئجار ، والأصل عدم التداخل فإنه يدفعها أيضا ان الإفساد انما أوجب ما أوجبته الإجارة ، كتعقب بعض أسباب الحدث بعضا آخر ، وحينئذ فما في القواعد ومحكي المبسوط والخلاف والسرائر من إيجاب حجة ثالثة في المطلقة في غير محله.

وبذلك كله يظهر لك ما في أقوال المسألة ووجوهها ، فان محصلها مع المختار ثمانية : أحدها انفساخ الإجارة مطلقا إن كان الثاني فرضه ، وهو ظاهر المتن ، الثاني انفساخها مع التعيين دون الإطلاق ، ووجوب حجة ثالثة نيابة كما هو خيرة الفاضل في القواعد والمحكي عن الشيخ وابن إدريس ، الثالث عدم الانفساخ مطلقا ولا يجب حجة ثالثة وهو خيرة الشهيد ، الرابع إن كان الثاني عقوبة لم ينفسخ مطلقا ولا عليه حجة ثالثة ، وإن كان فرضه انفسخ في المعينة دون المطلقة ، وعليه حجة ثالثة ، وهو على ما قيل خيرة التذكرة وأحد وجهي المعتبر والمنتهى والتحرير ، الخامس كذلك وليس عليه حجة ثالثة مطلقا ، وهو محتمل المعتبر والمنتهى ، السادس انفساخها مطلقا مطلقة كانت أو معينة ، كان الثاني عقوبة أو لا ، لانصراف الإطلاق إلى العام الأول وفساد الحج الأول وإن كان فرضه ، السابع عدم انفساخها مطلقا كذلك ، قيل : ويحتمله الجامع والمعتبر والمنتهى والتحرير لمضمر إسحاق بن عمار (١) قال : « قلت : فان ابتلى بشي‌ء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ١.

٣٩١

يفسد عليه حجه حتى يصير عليه الحج من قابل أيجزي عن الأول؟ قال : نعم ، قلت : فإن الأجير ضامن للحج قال : نعم » وفي خبره (١) الآخر سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل حج عن رجل فاجترح في حجه شيئا يلزم فيه الحج من قابل وكفارة قال : هي للأول تامة ، وعلى هذا ما اجترح » الثامن المختار ، وهو محتمل محكي المختلف ، وهو الأصح لما سمعت ، وليس في الخبرين منافاة له بعد ما عرفت.

وإذا أطلق الإجارة اقتضى التعجيل ما لم يشترط الأجل كما عن المبسوط والسرائر والجامع والقواعد ، بل عن الشهيد تعميم ذلك لكل إجارة مطلقة وإن قيل إن دليله غير واضح ، إلا على القول باقتضاء إطلاق الأمر المبادرة الذي قد علم فساده في محله ، بل في كشف اللثام منع جريان ذلك هنا وإن سلم هناك ، ولعله لذا كان مقتضى محكي المعتبر العدم حيث جوز أن يؤجر الأجير نفسه لآخر إن استأجره الأول مطلقا ، وعن المنتهى احتمال ، بل عنه أنه قطع بالجواز إذا أطلقت الإجارتان ، وكأنه لدلالة سبق الأولى على تأخير الثانية ، وعلى كل حال فليس التعجيل بناء عليه توقيتا ، ولذا صرح في القواعد بعد الفتوى به بأنه إن أهمل لم تنفسخ الإجارة ، بل في كشف اللثام أنه ليس للمستأجر الفسخ أيضا إلا على ما احتمله الشهيد ، وكان ذلك كله بناء على أن وجوب التعجيل تعبدي مستفاد من دليل مستقل ، لا أنه مستفاد من إطلاق العقد على وجه يقتضي الانفساخ أو التسلط على الفسخ ، إلا أن ذلك كما ترى ، إذ لم نعثر على دليل صالح لذلك ، ومن هنا يمكن تنزيل عبارة المصنف وغيره على إرادة بيان اقتضاء الإطلاق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ٢.

٣٩٢

الحلول ، بمعنى كون الأعمال كالأموال ، فكما أن إطلاق العقد المقتضي لإثبات : مال في الذمة ينزل على ذلك فكذلك عقد الإجارة المقتضي لإثبات عمل في الذمة ، فالمراد حينئذ أنه يتسلط المستأجر على مطالبته في الحال ، وليس للأجير التأخير تمسكا بإطلاق العقد المنزل على الحلول على حسب عقد البيع وشبهه ، وحينئذ فالعبارة هنا نحو عباراتهم هناك ، لا أن المراد بيان خصوصية للحج ، نعم يجب التعجيل مع طلب ذي الحق صريحا أو قيام شاهد حال على إرادته ذلك ، فتأمل جيدا ، وعلى كل حال فلا إشكال في عدم استحقاق التعجيل مع اشتراط الأجل ، فإنه يصح عندنا العامين والأزيد خلافا للشافعي إلا في الواجب المضيق مع إمكان استئجار من يبادر إليه ، فإنه لا يجوز التأجيل حينئذ كما هو واضح.

ولا يصح أن ينوب نائب واحد عن اثنين في حج واجب لعام واحد بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، لعدم ثبوت مشروعية ذلك ، بل الثابت خلافه ، فلو وقع الحج كذلك بطل ، لامتناعه لهما ، لعدم قابليته للتوزيع ، ولا لواحد بخصوصه ، لعدم الترجيح ، ولا له لعدم نيته له فليس حينئذ إلا البطلان ، نعم الظاهر صحة التشريك في الحج المندوب بمعنى نيابته عنهما مثلا فضلا عن إهداء الثواب لهما ، بل لو نذر جماعة الاشتراك في حج استنابوا فيه ، كما أنه يجوز للشخصين فصاعدا استئجار رجل واحد للحج عنهما ندبا ، ضرورة كونه كاستئجار الواحد له على الحج عن أبيه وأخيه مثلا ، نعم لو كان قد استأجره شخص للحج عنه ندبا مثلا لم يجز له أن يؤجر نفسه لآخر على ذلك ، لاستحقاق الأول له ، وأما لو كان استئجاره لإدخاله في نية الحج لم يكن بأس في استئجاره ثانيا لإدخاله معهم في النية ، كما هو واضح.

وعلى كل حال فـ ( لو استأجراه ) في الواجب لعام صح الأسبق وبطل المتأخر ، لاشتغال الذمة بالأول ، بل الظاهر كونه كذلك وإن أجاز الأول‌

٣٩٣

إذ ليس هو من الأجير الخاص الذي إذا آجر نفسه وأجاز المستأجر له وقع العقد له ، لأنه من الفضولي ، ضرورة كون المستحق عليه النيابة عن شخص بعينه وهي لا يتصور فيها الفضولية على الوجه المزبور بعد فرض كون الواقع ثانيا النيابة عن شخص آخر.

ولو اقترن العقدان وزمان الإيقاع للمستأجر عليه بطلا لخروج فعلهما عن القدرة ، وعدم المرجح ، نعم لو استأجراه للحج عامين مختلفين صحا معا إن لم تجب المبادرة إلى الأخير لندبه ، أو تقييد وجوبه بالعام المتأخر ، أو اتساعه أو فقد أجير غيره ، وإلا فالأقرب بطلان المتأخر كما عن الدروس.

وإذا أحصر النائب تحلل بالهدي ولا قضاء عليه مع تعيين الإجارة ، لانفساخها حينئذ ، والأصل البراءة ، ولا حرج في الدين ، بل في القواعد لا قضاء عليه وإن كانت الإجارة مطلقة على إشكال ، بل في كشف اللثام انه قضية كلام الأكثر ، لكنه كما ترى ، إذ الحج واجب عليه مطلقا بعد فرض إطلاق الإجارة كحجة الإسلام وإن لم يجب على المستأجر ، فلا يبرأ إلا بفعله كما عن التذكرة والمنتهى التصريح به ، وهو متجه.

ومن وجب عليه حجان مختلفان كحجة الإسلام والنذر أو غيرهما ومنعه عارض جاز ان يستأجر أجيرين لهما في عام واحد بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، خلافا لبعض الشافعية ، لأنهما فعلان متباينان غير مترتبين ، بل المندوبان والمختلفان كذلك أيضا ، بل الظاهر صحة الحجين وإن تقدم إحرام حجة غير حجة الإسلام ولو المندوبة ، لوقوعهما في عام واحد وانما يبطل المندوب أو المنذور أو ينصرف إلى الفرض إذا أخل بالواجب ، خلافا للمحكي عن أحمد فصرف السابق إلى حجة الإسلام وإن نوى الندب أو النذر ، بل ربما نسب ذلك إلى قضية كلام الشيخ إلا انه في غير محله ، لنصه على العدم هنا‌

٣٩٤

كما قيل ، نعم عن الشهيد احتمال وجوب تقديم حجة الإسلام بناء على وجوب ذلك على الحاج عن نفسه ، مع انه لا يخفى ما فيه أيضا ، ثم إنه على الانصراف فهل له المسمى كما عن الشهيد انه الأقرب لإتيانه بما استؤجر له والقلب من فعل الشارع ، بل قال : وحينئذ تنفسخ إجارة الآخر ، أو لا يستحق شيئا ، لأنه غير المستأجر عليه وإن أبرئ ذمة المستأجر عن حجة الإسلام ، لكن ذلك بقلب من الشارع لا منه كي يستحق عوضه ، خصوصا إذا تعمد التقدم على إحرام نائب حجة الإسلام ، والأمر سهل بعد البناء على عدم الانصراف كما عرفت ، بل الظاهر ذلك حتى لو بطل حج نائب الإسلام أو لم يحج.

ويستحب ان يذكر النائب من ينوب عنه باسمه في المواطن وعند كل فعل من أفعال الحج والعمرة خصوصا عند ذبح الأضحية ، لصحيح ابن مسلم (١) سأل أبا جعفر عليه‌السلام في الصحيح « ما يجب على الذي يحج عن الرجل؟ قال : يسميه في المواطن والمواقف » والمراد منه تأكد الندب ، لعدم الوجوب اتفاقا محكيا في كشف اللثام إن لم يكن محصلا ، ول‌ صحيح البزنطي (٢) « ان رجلا سأل الكاظم عليه‌السلام عن الرجل يحج عن الرجل يسميه باسمه فقال : ان الله تعالى لا تخفى عليه خافية » وخبر المثنى بن عبد السلام (٣) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل يحج عن الإنسان يذكره في جميع المواطن كلها فقال : ان شاء فعل وان شاء لم يفعل ، الله يعلم انه قد حج عنه ، ولكن يذكره عند الأضحية إذا ذبحها » بل لا يبعد عدم وجوب نية أصل النيابة في الحج والعمرة إلا عند الإحرام لهما ، فلا يجب تحديدها عند الطواف والوقوف والسعي وغيرها من الأفعال وان أوجبنا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب النيابة في الحج الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب النيابة في الحج الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب النيابة في الحج الحديث ٤.

٣٩٥

نية القربة فيها ، إلا انها مع ذلك إجزاء للحج أو العمرة التي فرض نية النيابة في ابتدائهما ، فتكفي حينئذ في كل مركب ، بل لا يبعد الاجتزاء بها في حج التمتع عند إحرام العمرة خاصة ، فلا تجدد عند إحرام الحج حينئذ فضلا عن أفعاله وأفعال العمرة التي أدخلها الله في حج التمتع وجعلها من أجزائه ، هذا ، ولكن الاحتياط في جميع ذلك لا ينبغي تركه.

وكذا يستحب أن يعيد ما يفضل معه من الأجرة بعد حجه سيما إذا لم يكن ذلك الفاضل بتقتير على نفسه في النفقة كما عرفته فيما تقدم وان يعيد المخالف حجه إذا استبصر للنص (١) والفتوى وان كانت الأولى مجزية كما تقدم الكلام فيه وفي انه يكره ان تنوب المرأة إذا كانت صرورة فلاحظ وتأمل.

مسائل ثمان : الأولى إذا اوصى ان يحج عنه ولم يعين الأجرة انصرف ذلك إلى أجرة المثل فنازلا ، لكونه كالتوكيل في ذلك وتخرج من الأصل إذا كانت واجبة إسلامية ، لما عرفته سابقا من كونها كالدين ، وانما الخلاف في كونها من البلد أو الميقات ، وقد عرفت الحال فيه ، كما انك قد عرفت الحال في الواجبة غير الإسلامية بالنسبة إلى الخروج من الأصل أو الثلث والبلد والميقات ، نعم لا اشكال بل ولا خلاف في خروجها من الثلث إذا كانت ندبا كغيرها من الوصايا ، ولو فرض توقف وجودها على بذل الثلث كملا وكان زائدا على أجرة المثل ففي بذله لذلك إشكال ، من إمكان تنفيذ الوصية ، ومن مراعاة الاحتياط في جانب الوارث الذي دل الكتاب (٢) والسنة (٣) على انتقال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب وجوب الحج.

(٢) سورة النساء ـ الآية من ٨ إلى ١٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب موجبات الإرث من كتاب الإرث.

٣٩٦

المال اليه بموت مورثه عدا ما أوصى به ، وقد فرض انصرافه في المقام إلى أجرة المثل ، فلا يضايق بالزائد ، بل ينتظر إلى وقت الإمكان ، اللهم إلا ان يقال إن أجرة المثل مع فرض الانحصار هي مقدار الثلث ، بل لعل ذلك كذلك وإن كان من جهة فورية امتثال أمر الوصية مع إمكانه ، ومنه ينقدح وجوب بذل المال كله في حج الإسلام مثلا مع فرض توقف أدائه عليه ولو من جهة فورية التأدية.

وكيف كان فلا خلاف في أنه يستحقها أي الأجرة الأجير بالعقد بمعنى ملكه لها لأنه مقتضى العقد ، فلو فرض كونها عينا ونمت كان النماء له ، نعم إذا لم يكن ثم تعارف ولا قرينة لم يجب تسليمها إلا بعد العمل كما أوضحنا الكلام فيه في محله ، بل لو فرض كون المستأجر وصيا أو وكيلا ودفع مع فرض عدم القرينة على الاذن له في ذلك كان ضامنا ، لكونه تفريطا ، هذا ، ولكن في الدروس « إذا توقف حج الأجير على دفع الأجرة ولم يدفعها المستأجر فالأقرب أن له الفسخ » وهو كما ترى إذا كان مراده المفروض الذي لا ريب في كونه المتجه فيه انتظار وقت الإمكان ، نعم لو علم عدم التمكن مطلقا اتجه القول بجواز الفسخ لهما للضرر.

وعلى كل حال انما يستحق الأجرة المسماة إذا جاء بالعمل المستأجر عليه فان خالف ما شرط عليه مما هو معين للعمل المراد لم يستحقها قطعا ، لكن قيل والقائل الشيخ في المحكي من مبسوطة كان له أجرة المثل وهو كما ترى ، ولذا قال المصنف والوجه أنه لا أجرة له ضرورة كونه من المتبرع بل يمكن عدم خلاف الشيخ ، لأنه إنما قال في المبسوط : فان تعدى الواجب رد إلى أجرة المثل ، ويجوز أن يريد من استؤجر على الحج واشترط عليه طريق مخصوص ونحوه على وجه لا يقتضي تشخيص العمل فخالف رد إلى أجرة المثل في المشروط ، وأما الشرط الذي خالف فيه ، فلا أجرة له ، نعم يبقى عليه ما قيل من‌

٣٩٧

أن المتجه على هذا التقدير مراعاة التوزيع لا الرجوع إلى أجرة المثل وإن كان فيه ما عرفت سابقا ، فتأمل جيدا.

المسألة الثانية من اوصى أن يحج عنه ولم يعين المرات فان لم يعلم منه إرادة التكرار اقتصر على المرة التي تحصل بها الطبيعة الموصى بها كما في قواعد الفاضل وغيرها ، نحو ما لو أمر السيد عبده على ما حقق في محله ، لأصالة البراءة وغيرها ، بل يمكن دعوى دلالة اللفظ على إرادة ذلك ، فلا وصية حينئذ بالزائد كمالا أمر به ، بل لو سلم دعوى صدق تحقق الوصية بالحج بتعدد الحج عنه في سنة واحدة ، إلا أن فيه مزاحمة لحق الوارث المقتضي لوجوب الاقتصار على أقل ما يتحقق به الوصية إلا مع رضاه لو فرض انحصار الوصية في اللفظ المزبور كما في نظائره.

وإن علم إرادته التكرار المستوعب لماله حج عنه حتى يستوفى الثلث من تركته بلا خلاف ولا إشكال مع عدم إجازة الوارث ، لعدم تسلطه على غيره كما حرر في محله ، وعلى ذلك يحمل‌ خبر محمد بن الحسن الأشعري (١) « قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك إني سألت أصحابنا عما أريد أن أسألك فلم أجد عندهم جوابا وقد اضطررت إلى مسألتك وان سعد بن سعد اوصى إلى فأوصى في وصيته حجوا عني مبهما ولم يفسر فكيف أصنع؟ قال : يأتيك جوابي في كتابك ، فكتب إلى يحج عنه ما دام له مال يحمله » وخبر محمد بن الحسين (٢) قال لأبي جعفر عليه‌السلام : « جعلت فداك قد اضطررت إلى مسألتك فقال : هات ، فقلت : سعد بن سعد اوصى حجوا عني مبهما ولم يسم شيئا ولا ندري كيف‌

__________________

(١) الاستبصار ج ٤ ص ١٣٧ ـ الرقم ٥١٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ١.

٣٩٨

ذلك؟ فقال : يحج عنه ما دام له مال » وخبر محمد بن الحسين بن أبي خالد (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل اوصى أن يحج عنه مبهما فقال : يحج عنه ما بقي من ثلثه شي‌ء » لكن عن الشيخ وجماعة العمل بما في هذه النصوص وإن لم يعلم إرادة التكرار واختاره في الحدائق تحصيلا ليقين البراءة ، وفيه أنه لا يقين بالشغل بأزيد من المرة ، وما أبعد ما بينه وبين الأصبهاني حيث اقتصر على الخبرين الأخيرين ، ثم قال : ويمكن أن يكونا بمعنى أنه يحج عنه إن بقي من ثلثه شي‌ء بعد وصيته مقدمة عليه ، بمعنى أنه يخرج من الثلث ، فلا يفهم التكرار أصلا ، ولكنه كما ترى ، واقتصر في المدارك في الاستدلال على التكرار المزبور على الخبر الأخير ، ثم قال : ولا يخفى أن ذلك انما يتم إذا علم منه إرادة التكرار على هذا الوجه ، وإلا اكتفي بالمرتين لتحقق التكرار بذلك كما يكفي المرة مع الإطلاق ، وفيه أن من المعلوم عدم كون لفظ التكرار عنوانا للوصية كي يكون المدار على تحقق مفهومه ، وانما الكلام فيما إذا كان عنوانها اللفظ المزبور في النصوص ، وقد يقال إن محل فرضه بعد العلم بالوصية بثلثه كما عساه يومي اليه‌ قوله في الخبر الأول : « أوصى إلى » ولكن اقتصر على ذكر المصرف المزبور فهل يحج عنه مرة ويصرف الباقي في غيره من وجوه البر أو يحمل على صرفه أجمع فيه ، لأن تكراره بر أيضا ، ويحتمل إرادته ؛ بل لعل ظاهر الوصية بالثلث مع الاقتصار على المصرف المخصوص يقتضي إرادة صرف الجميع فيه ، بل قد يدعى ظهور الاقتصار في الوصية بالحج عنه في إرادة الوصية بالثلث ، وأنه يصرف في ذلك وإن لم يوص بالثلث بغير اللفظ المزبور ، نحو ما لو قال : اخرجوا رد المظالم أو تصدقوا عني ونحو ذلك ، ولعل مراد الشيخ ومن تبعه ذلك لا الحمل على التكرار تعبدا وإن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ٢.

٣٩٩

كان ظاهر اللفظ خلافه ، ضرورة استبعاد مثل ذلك في مثله ، هذا كله إذا لم يكن في الحج الموصى به حج إسلام ، وإلا احتسب من الأصل ثم تكرر الحج بقدر الثلث ، كما هو واضح ، والله أعلم.

المسألة الثالثة إذا أوصى أن يحج عنه كل سنة بقدر معين من غلة بستان ونحوها ( فـ )اتفق أنه قصر ذلك القدر عن قيمة الحج جمع نصيب سنتين واستؤجر به لسنة ، وكذا لو قصر ذلك أضيف إليه من نصيب الثالثة بلا خلاف أجده فيه ، بل في المدارك هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، وفي كشف اللثام نسبته إلى عملهم ، لخبر علي بن محمد الحضيني (١) « كتب إلى أبي محمد عليه‌السلام أن ابن عمي أوصى أن يحج عنه بخمسة عشر دينار في كل سنة وليس يكفي ، ما تأمرني في ذلك؟ فكتب عليه‌السلام تجعل حجتين في حجة ، فان الله تعالى عالم بذلك » وخبر إبراهيم بن مهزيار (٢) « كتب اليه عليه‌السلام أعلمك يا مولاي أن مولاك علي بن مهزيار أوصى أن يحج عنه من ضيعة صير ربعها لك في كل سنة حجة بعشرين دينارا وأنه قد انقطع طريق البصرة فتضاعفت المؤن على الناس فليس يكتفون بعشرين دينارا ، وكذلك أوصى عدة من مواليك في حجهم فكتب عليه‌السلام تجعل ثلاث حجج في حجتين إن شاء الله » وضعفهما منجبر بما عرفت بل قيل : إنهما صحيحان في طريق الفقيه ، وقد يقال إنهما مبنيان على معلومية إرادة الموصى صرف ذلك في الحج ، أو ظهور الوصية فيه ، وأن القدر المخصوص‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ١ لكن رواه مضمرا إلا أن الصدوق ( قده ) رواه في الفقيه ج ٢ ص ٢٧٢ من غير إضمار كالجواهر وكذلك في الكافي ج ٤ ص ٣١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ٢ لكن رواه مضمرا إلا أن الصدوق ( قده ) رواه في الفقيه ج ٢ ص ٢٧٢ من غير إضمار كالجواهر وكذلك في الكافي ج ٤ ص ٣١٠.

٤٠٠