جواهر الكلام - ج ١٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

كان الظهور في الأثناء ففي جواز العدول أو التجديد اشكال كالإشكال في جواز العدول بعد التعيين مع عدم الظهور ، بل وفيما لو لم يعين في الابتداء ثم أراده بعد الفراغ من الصوم ، وكذا لا ترتيب بين أفراد القضاء إذا كان رمضانين فصاعدا لعين ما عرفت ، نعم لا يبعد وجوب خصوص الحاضر عند التضيق.

ولا ترتيب أيضا بين القضاء وغيره من أقسام الصوم الواجب كفارة أو غيرها للأصل السالم عن المعارض ، خلافا للمحكي عن ابن أبي عقيل من عدم جواز الصوم عن النذر أو الكفارة لمن عليه قضاء عن شهر رمضان حتى يقضيه ، ولم نقف على مأخذه.

نعم لا يجوز التطوع بشي‌ء من الصيام لمن عليه صوم واجب قضاء كان أو غيره كما هو المشهور ، لقول الصادق عليه‌السلام (١) في صحيح الحلبي والكناني المروي في الوسائل عن الفقيه « لا يجوز أن يتطوع الرجل بالصيام أو عليه شي‌ء من الفرض » المعتضد بإطلاق النهي عن التطوع لمن عليه شي‌ء من الفرض ، بل فيها عنه أيضا انه قال : قد وردت بذلك الاخبار والآثار ، كما أن المحكي عنه في المقنع انه كذلك وجدته في كل الأحاديث ، وخروجنا عنه في الصلاة لقوة المعارض لا ينافي في حجيته هنا ، خلافا لسيد المدارك والمحدث البحراني فخصا ذلك بمن عليه قضاء شهر رمضان دون غيره من الواجبات مستظهرا له أولهما من الكليني للأصل المقطوع بما عرفت ، والعمومات المخصصة به ، واختصاصه في‌ صحيح الكناني (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون عليه من شهر رمضان أيام أيتطوع؟ فقال : لا حتى يقضي ما عليه من شهر رمضان » وصحيح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٦.

٢١

الحلبي (١) « سألته أيضا عن الرجل يكون عليه من شهر رمضان طائفة ويتطوع قال : لا حتى يقضي ما عليه من شهر رمضان » غير مناف للصحيح الأول ، بل لعلهما حجة على الإطلاق أيضا بضميمة عدم القول بالفصل المحجوجين به ، كما أن قياس الصلاة عليه اي قضاء شهر رمضان في المنع في صحيحي زرارة (٢) المرويين في التهذيب والحبل المتين المتقدمين في كتاب الصلاة في مسألة النافلة وقت الفريضة لا يقضي بكون المراد منه الكراهة هنا على حسب ما اخترناه هناك ، لما تقدم سابقا ، ضرورة وضوح الفرق بين المقامين ولذا فرق بينهما في الدروس وكشف الأستاد ، بل ظاهر هذين الصحيحين المفروغية منه هنا وانه كان من الواضحات في ذلك الزمان ، فما عن المرتضى رحمه‌الله وجماعة منهم العلامة في القواعد من القول بالجواز مطلقا تمسكا بالإطلاق الواجب تقييده بما هنا واضح الضعف ، هذا ، وفي المدارك « الظاهر ان المنع من التطوع مع اشتغال الذمة بالصوم الواجب عند من قال به انما يتحقق حيث يمكن فعله ، فلو كان بحيث لا يمكن كصوم شعبان ندبا لمن عليه كفارة كبيرة جاز صومه » وقد تبع بذلك الشهيد في الدروس حيث قال : ويشترط فيه كله أي صوم النفل خلو الذمة عن صوم واجب يمكن فعله ، فيجوز حيث لا يمكن كشعبان لمن عليه كفارة كبيرة ولم يبق سواه ، وجوز المرتضى التنفل مطلقا والرواية بخلافه ، لكن فيه ان الأدلة مطلقة ، ويمكن ان يكون المانع نفس اشتغال الذمة بالواجب وان كان غير متمكن من أدائه لسفر ونحوه.

نعم ينساق منها الواجب عليه لنفسه دون غيره بإجارة أو نذر أو تبرع أو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب المواقيت الحديث ـ ٣ عن التهذيب وفي الوافي « باب كراهة التطوع في وقت الفريضة » عن الحبل المتين وفي المستدرك الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٤ عن روض الجنان.

٢٢

لكونه وليا أو غير ذلك مع احتماله ، كما أن المنساق منه التطوع من حيث كونه تطوعا ، فلو وجب عليه بنذر ونحوه جاز له أداؤه ، لخروجه عن الوصف المزبور واندراجه في الواجب من غير فرق بين أن ينذر التطوع على الإطلاق أو أياما مخصوصة يمكن وقوع الواجب قبلها ، اما لو نذر أياما مخصوصة لا يمكن وقوعه قبلها ففي صحة نذره إشكال ، أقواه الصحة لحصول الرجحان الذاتي الذي يكفي في تعلق النذر به المخرج له حينئذ عن التطوع ، ولو نسي الواجب فتطوع ولم يعلم حتى فرغ صح واحتسب له ولو علم في الأثناء قطع ، ويحتمل كون الخلو شرطا في الواقع ، لأنه الأصل ولو كان مستفادا من النواهي كما حرر في محله.

وكيف كان فـ ( في هذا الباب مسائل : الاولى من فاته شهر رمضان ) أو بعضه بمرض فان مات في مرضه لم يقض عنه وجوبا بلا خلاف أجده فيه نصا (١) وفتوى ، بل الإجماع بقسميه عليه ولكن استحب القضاء عنه عند الأصحاب على ما في المنتهى ، لكن قد ينافيه‌ خبر أبي بصير (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان وماتت في شوال فأوصتني أن أقضي عنها قال : هل برئت من مرضها قلت لا ، ماتت فيه ، قال : لا يقضى عنها ، فان الله لم يجعله عليها ، قلت فإني أشتهي أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك قال فكيف تقضي شيئا لم يجعله الله عليها ، فان اشتهيت أن تصوم لنفسك فصم » اللهم إلا أن يكون المراد نفي تأدية القضاء عنها ، لعدم ثبوته عليها على حسب النصوص (٣) النافية للقضاء عن المريض الذي مات في مرضه ، لا الصوم عنها على جهة النيابة بحيث يكون لها ، وكأنه واقع منها وهو الذي قد أشار إليه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ١٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان.

٢٣

بقوله عليه‌السلام « فان اشتهيت » الى آخره إذ الظاهر كون المراد الصوم لنفسك عنها أي لا لوصيتها الباطلة لا ان المراد الصوم لنفسك ثم إهداء الثواب إليها وبذلك يظهر لك انه مستند الأصحاب في الاستحباب المزبور ، ضرورة عدم إرادتهم استحباب تأدية القضاء عنها لتصريحهم بنفيه عنها ، فكيف يتصور تأدية له فضلا عن استحبابه ، بل المراد ما ذكرناه ولا بأس بإطلاق اسم القضاء عليها توسعا وربما يؤيد ذلك استدلاله عليه في المنتهى بأنه طاعة فعلت عن الميت فوصل اليه ثوابها.

والمناقشة في مشروعيته يدفعها إطلاق ما دل (١) على جواز فعل جميع العبادات عن الأموات ، وتنزيل ذلك على إهداء الثواب لا داعي له ، فما في المدارك ـ من انه أي دليل المنتهى ضعيف ، إذ ليس الكلام في جواز التطوع بالصوم وإهداء ثوابه الى الميت ، بل في قضاء النائب عنه ، والحكم بشرعيته يتوقف على الدليل ، لأن الوظائف الشرعية انما تستفاد من النقل ، ولم يرد التعبد بذلك ، بل مقتضى الأخبار المتقدمة عدم مشروعية القضاء ـ واضح الضعف خصوصا مع ملاحظة ما يحكى من تعاقد بعض السلف من أصحاب الأئمة عليهم‌السلام على أن يؤدي الحي منهم عن الميت الصوم والصلاة ، فإن من الواضح عدم كون ذلك من إهداء الثواب بناء على عدم مشروعية التنفل باليومية والصوم بعنوان ما فات من شهر رمضان ، فليس حينئذ إلا لمشروعية النيابة على حسب ما ذكرنا ، والحائض والنفساء في شهر رمضان مع موتهما كالمريض في سقوط وجوب القضاء للنصوص (٢) المستفيضة في ذلك وفي ثبوت الاستحباب بناء على أن مدركه ما ذكرنا.

وكيف كان فـ ( ان استمر به المرض الى رمضان آخر سقط قضاؤه على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب قضاء الصلوات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان.

٢٤

الأظهر ) الأشهر ، بل المشهور وكفر عن كل يوم من السالف بمد من الطعام كما استفاضت بذلك النصوص (١) أو تواترت ، وقد رواه محمد بن مسلم (٢) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام وزرارة (٣) عن عن أبي جعفر عليه‌السلام وأبو بصير (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا والفضل بن شاذان (٥) عن الرضا عليه‌السلام وعلي بن جعفر (٦) عن أخيه موسى عليه‌السلام وعبد الله بن جعفر (٧) عن أخيه عليه‌السلام أيضا ، بل وأبو الصباح الكناني (٨) وعبد الله بن سنان (٩) على ما ستعرف ، وفيها المكرر ، فلا بأس بدعوى تواترها ، والخروج بها عن ظاهر قوله تعالى (١٠) ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً ) الى آخره ، على أن التحقيق جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد فلا محيص عن العمل بها خصوصا بعد اشتهار الفتوى بها بين الطائفة ، وعدم المعارض المعتد به لها ، خصوصا بالنسبة إلى الفدية كما اعترف به المصنف في المعتبر ، فما عن ابني أبي عقيل وبابويه والشيخ في الخلاف وابني زهرة وإدريس وأبي الصلاح والفاضل في التحرير من تعين القضاء دون الكفارة واضح الضعف ، لابتنائه بالنسبة إلى ثبوت القضاء على عدم حجية الخبر الواحد أو عدم تخصيص الكتاب به ، وهما معا باطلان كما حرر في محله ، مضافا الى إمكان دعوى التواتر هنا أو القطع ولو بالقرائن ، ودعوى الشيخ في الخلاف الإجماع منزلة على غير ذلك ، بل ظاهرها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٩.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ١٠ عن علي بن جعفر.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٣.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٤.

(١٠) سورة البقرة ـ الآية ١٨٠.

٢٥

المسألة الآتية كما لا يخفى على من لاحظه ، والى ما عساه يقال من ظهور ما دل على القضاء بالمرض من الكتاب والسنة في غير الفرض فلا يكون ظاهر الكتاب حينئذ معارضا وان كان فيه ما فيه ، واما ضعيف‌ أبي الصباح الكناني (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل عليه من شهر رمضان طائفة ثم أدركه شهر رمضان قابل قال : عليه أن يصوم وأن يطعم عن كل يوم مسكينا ، فان كان مريضا فيما بين ذلك حتى أدركه شهر رمضان قابل فليس عليه الا الصيام ان صح ، فان تتابع المرض عليه فلم يصح فعليه أن يطعم لكل يوم مسكينا » فغير صالح للمعارضة من وجوه ، مع احتماله صيام الشهر رمضان الحاضر لا قضاءه أو قضاءه لكن مع عدم استمرار المرض كما ستسمعه من الكاشاني في القسم الأخير ، ولذا أدرجه سيد المدارك في نصوص المشهور.

وعلى كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور كالمحكي عن ابن الجنيد من الاحتياط بجمعهما معا بناء على ارادته الواجب منه ، جمعا بين الأدلة التي لا تخصص بخبر الواحد ، وما دل على وجوب الفدية ، ولحصول اليقين بالفراغ بذلك ، وفيه ما لا يخفى ، فلا ريب في ضعفه وان نسبه في الدروس إلى الرواية ولعلها‌ خبر سماعة (٢) « سألته عن رجل أدركه رمضان وعليه رمضان قبل ذلك لم يصمه فقال : يتصدق بدل كل يوم من الرمضان الذي عليه بمد من طعام ، وليصم هذا الذي أدرك ، فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه ، فاني كنت مريضا فمر على ثلاث رمضانات لم أصح فيهن ، ثم أدركت رمضان فتصدقت بدل كل يوم مما مضى بمد من طعام ، ثم عافاني الله وصمتهن » لكنها ـ مع ضعفها وإضمارها واحتمالها عدم الصحة فيهن لا بينهن ، ولا ينافي العصمة عدم القضاء ، لجواز أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٥.

٢٦

يكون تجدد له من العذر ما منعه من القضاء ، سواء خلت أيام من العذر رأسا أم لا ، لسعة الوقت المجوزة للتأخير عن أول زمان العذر ، وانه عليه‌السلام مرض في رمضان ففدي عن كل يوم بمد ثم عوفي قبل الرمضان الثاني فصامه ، وكذا الثالث ويكون السؤال عن رجل عوفي فيما بين الرمضانين ولم يصم ما فاته من الأول ـ قاصر عن معارضة ما تقدم من وجوه ، فلا بأس بحمله على الندب ، كما يشهد له‌ صحيح عبد الله بن سنان (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « من أفطر شيئا من رمضان في عذر ثم أدركه رمضان آخر وهو مريض فليتصدق بمد لكل يوم ، وأما انا فإني صمت وتصدقت » بناء على ان المراد منه الاستمرار ، ومن العذر فيه المرض بقرينة قوله « وهو مريض » الى آخره أو على تساوي المرض مع غيره من الاعذار مع الاتصال ، والله أعلم.

هذا كله فيما إذا استمر المرض الى رمضان آخر وأما ان برئ بينهما وأخره عازما على القضاء مع التمكن منه فاتفق حصول العذر عند الضيق قضاه ولا كفارة وان كان تركه تهاونا بأن لم يكن عازما على الفعل ولا على الترك في تمام الزمان على فرض قصوره ، أو كان عازما على العدم فيه سواء عرض له عذر بعد ذلك منعه من القضاء أو لا أو على العدم عند الضيق خاصة بعد العزم على الفعل قبله ، أو على العدم في السعة لكن عرض له بعد ذلك ما منعه عن القضاء ، وبالجملة أدركه الرمضان الثاني أو عذر آخر مستمر اليه وهو غير عازم على القضاء قضاه وكفر عن كل يوم من السالف بمد من الطعام بلا خلاف أجده في الأخير بأقسامه السابقة إلا من الحلي في السرائر فاقتصر على القضاء طرحا للنصوص على أصله من عدم العمل بأخبار الآحاد ، فيبقى حينئذ أصل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ـ ٤.

٢٧

البراءة سالما عن المعارض ، ثم قال : والإجماع غير منعقد على وجوب هذه الكفارة لأن أكثر أصحابنا لا يذهبون إليها ولا يوردونها في كتبهم مثل الفقيه وسلار والسيد المرتضى وغيرهما ولا يذهب إلى الكفارة في هذه المسألة يعني مسألة التواني الا شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان في الجزء الثاني من مقنعته ، ولم يذكرها في كتاب الصيام فيها ولا في غيرها من كتبه وشيخنا أبو جعفر ومن تابعهما وقلد كتبهما ويتعلق باخبار الآحاد التي ليست عند أهل البيت عليهم‌السلام حجة على ما شرحناه وقد يؤيده أيضا‌ مرسل سعد بن سعد (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام « سألته عن رجل يكون مريضا في شهر رمضان ثم يصح بعد ذلك فيؤخر القضاء سنة أو أقل من ذلك أو أكثر ما عليه في ذلك؟ قال : أحب له تعجيل الصيام ، فان كان أخره فليس عليه شي‌ء » وهو كما ترى مبني على أصل فاسد ، لكن بالغ في الإنكار عليه في المعتبر فقال انه ارتكب ما لم يذهب إليه أحد من فقهاء الإمامية فيما علمت ، ثم ذكر رواة الفدية زرارة ومحمد بن مسلم وأبو الصباح الكناني وأبو بصير وعبد الله ابن سنان ، وقال : هؤلاء فضلاء السلف من الإمامية ، وليس لروايتهم معارض الا ما يحتمل رده الى ما ذكرناه ، فالراد لذلك متكلف لما لا ضرورة اليه ، ونحو منه عن المنتهى ، وفي المختلف ان البراءة انما يصار إليها مع عدم دليل الثبوت وشغل الذمة ، وقد بينا الأدلة ، وعدم ذكر احد من أصحابنا غير الشيخين لهذه المسألة ليس حجة على العدم مع ان الشيخين هما القيمان بالمذهب ، وكيف يدعى ذلك وابنا بابويه رحمهما الله سبقا الشيخين بذكر وجوب الصدقة مطلقا ، ولم يفصلا بين التواني وغيره ، وكذا ابن أبي عقيل ، وهو أسبق من الشيخين ، وهؤلاء عمدة المذهب ، والحديث الذي رواه سعد بن سعد مرسل ضعيف السند.

قلت ومع ذلك كله يمكن دعوى تواتر النصوص فيه أو القطع به منها ولو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ـ ٧.

٢٨

بالقرائن كالاعتضاد ونحوه ، فلا إشكال حينئذ في ذلك ، بل ظاهر المحكي عن الصدوقين ومحتمل ابني سعيد والمفيد وابن زهرة وجوبهما على كل تارك له مع القدرة عليه ، سواء عزم على القضاء أو عدمه أم لا ، واختاره الشهيدان وغيرهما كسيِّد المدارك وغيره ، بل حكاه فيها عن المصنف في المعتبر على الجزم لإطلاق‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيح زرارة (١) « فإن كان صح فيما بينهما ولم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا وتصدق عن الأول » والصادق عليه‌السلام في صحيح أبي الصباح (٢) بل وخبر سماعة (٣) المتقدمين سابقا وقول الرضا عليه‌السلام في صحيح الفضل (٤) المروي عن العلل والعيون : « إذا أفاق بينهما أو أقام ـ أي المسافر ـ ولم يقضه وجب عليه القضاء والفداء الى أن قال في ذيله فإن أفاق فيما بينهما ولم يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه والصوم لاستطاعته » وغيرها من النصوص الظاهرة في ان الحكم هنا على قسمين خاصة ، أحدهما الفداء لا غير ، والآخر مع القضاء.

لكن قد يشكل ذلك بما في‌ صحيح ابن مسلم أو حسنه (٥) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام « سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر فقال : ان كان بري‌ء ثم توانى قبل ان يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه وتصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين وعليه قضاؤه ، وان كان لم يزل مريضا » ، وفي‌ خبر أبي بصير (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « وان صح فيما بين الرمضانين فإنما عليه أن يقضي الصيام ، فإن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ـ ٦.

٢٩

تهاون به وقد صح فعليه الصدقة والصيام جميعا لكل يوم مد إذا فرغ من ذلك الرمضان » وفي‌ خبره الآخر (١) المروي عن تفسير العياشي « فإن صح فيما بين الرمضانين فتوانى أن يقضيه حتى حال الرمضان الآخر فان عليه الصوم ويتصدق من أجل انه ضيع ذلك الصيام » مضافا الى إطلاق نفي الفدية في مرسل سعد السابق وانه مع التهاون مفرط في واجب وتارك للعزم الذي يجب بدل الفعل ما دام موسعا فناسب عقوبة إيجاب الصدقة الذي هو تطهير للذنب ، بخلاف عدمه ، ولعله لذا ولأصالة براءة الذمة اقتصر المصنف وغيره ـ بل قيل انه المشهور خصوصا بين المتأخرين كما في المسالك ـ على القضاء خاصة في غير المتهاون بالمعنى المزبور ، إذ لا معارض لهذه النصوص الا تلك المطلقات المقيدة بما هنا من التفصيل المستفاد من تعليق الحكم على التهاون في حسن ابن مسلم وغيره المشعر بالعلية.

لكن قد يدفع ذلك بمنع كون التهاون والتواني ذلك ، بل ليس المراد منهما الا عدم القضاء مع التمكن منه تكاسلا واعتمادا على السعة ، وهو أعم منه بالمعنى المزبور ، بل ظاهر المقابلة له باستمرار المرض في حسن ابن مسلم وغيره يقتضي إرادة مجرد ترك القضاء منه ، فكأنه قال : ان كان بري‌ء ثم ترك القضاء ، وفي فوائد الشرائع ان اللائح من الاخبار ان غير المتهاون هو الذي يعرض له ما يمنع الصوم وهو ظاهر كلامه في التذكرة ، قلت : لكن قد تكلف الكاشاني وأطنب في دعوى اشتمال خبري أبي الصباح وأبي بصير على تثليث الاقسام كما بقوله المشهور بجعل المذكور في الصدر في الأول القسم الأول ، وهو ما تجب به القضاء والفدية ، وقوله « فان كان مريضا » الى آخره القسم الثاني ، وهو ما يجب فيه القضاء خاصة على معنى حدوث المرض فيه بعد ان تمكن من القضاء كما أشار إليه بقوله « ان صح » وقوله « فان تتابع » الى آخره القسم الثالث ، وهو الذي تجب به الفدية خاصة ، وعكسه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ـ ١١.

٣٠

خبر أبي بصير فان القسم الأول فيه ما تجب به الفدية ، والقسم الثاني القضاء خاصة بأن يكون المراد من قوله فيه : فإنما عليه ان يقضي الصيام بعد أداء الرمضان الحاضر أي ليس على من فاته شي‌ء من شهر رمضان لمرض قد صح بعد وتركه الى ان جاء شهر الرمضان الآخر غير متهاون الا القضاء ؛ فان كان قد تهاون كان عليه الفدية معه أيضا ، وهو القسم الثالث فيه ، الا انه كما ترى ، اللهم الا ان يكون بملاحظة الشهرة المزبورة ومنه يظهر لك قوة القول بكون الأقسام ثلاثة ، ولا ينافي ذلك الإطلاقات المزبورة المحمولة على هذا التفصيل ، على انه قد يدعى كون الظاهر منها السؤال عمن تعمد ترك القضاء حتى جاء شهر رمضان آخر ، فلا تشمل العازم على المبادرة في ثاني أوقات الإمكان ثم عرض له المانع المستمر الى الرمضان الآخر ، بل ينبغي القطع بعدم صدق التهاون على ذلك ، بل ولا التواني ، بل قد يقال بعدم صدق التهاون عرفا بالتأخير في مثل المقام الذي قد حدد فيه الوجوب وان كان لا على جهة التوقيت ولو الى آخر أزمنة الإمكان كالصلاة بالنسبة إلى وقتها إلا على إرادة التهاون بالواجب من حيث وجوبه أي تعمد تركه في وقته الذي قد خوطب به مع تمكنه منه متهاونا به وعدم مبالاته فيه ، ولعل هذا هو المقصود أولا وبالذات من هذه النصوص وان كان قد يلحق به غيره مما سمعته في صور المشهور ، كمن كان عازما على العدم ففاجأه العذر وان عزم بعد ذلك على القضاء وإذا ارتفع فلم يتيسر له حتى أدركه رمضان آخر الا انه لا يخلو من اشكال ، وأشكل منه الخالي عن العزم إذا كان كذلك ، ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه.

ثم ان الظاهر عدم الفرق هنا بين الفوات بالمرض وبين غيره من الاعذار كالسفر والحيض ، بل ولا بين العذر وبين غيره كالعامد ، ضرورة ظهور الأدلة في ترتب القضاء أو الفدية أو القضاء خاصة على التهاون وعدمه أو على التمكن من القضاء وعدمه ، من غير فرق بين أسباب الإفطار في شهر رمضان ، لإطلاق أدلة‌

٣١

القضاء ، ولتعليل الفدية بالتضييع في خبر أبي بصير (١) وصحيح الفضل (٢) وإطلاق وجوبها مع القضاء في خبر سماعة (٣) بل وغيره ، واشتمال أكثر النصوص على الفوات بالمرض يراد منه المثال بالنسبة الى ما نحن فيه قطعا ، نعم قد يفرق بين المرض والسفر في المسئلة السابقة التي قلنا بوجوب الفدية فيها دون القضاء وفاقا للفاضل في المختلف وثاني الشهيدين وسبطه وغيرهم باعتبار إطلاق أدلة القضاء الذي يجب الاقتصار في تقييده على المتيقن ، وهو ما إذا كان الفوات بالمرض المستمر ، والقياس عليه هنا منحصر في المحرم ، إذ لا أولوية ولا مساواة بالنسبة الى ذلك ، اللهم إلا ان يقال بالجمع استنادا في القضاء للعمومات وفي الفدية إلى أولوية السفر من المرض الذي هو أعظم الأعذار ، لكن لا أظن قائلا به ، مع احتمال منع الأولوية هنا ، وان ذكرها في المختلف فيما لو كان الفوات بغير المرض وأخر القضاء توانيا ، للفرق الواضح باعتبار فرض ثبوت القضاء معه دونه ، فلعل التكليف بالقضاء الذي هو أشق منها كاف في مرجوحيته بالنسبة إلى المرض ، كما اني لا أظن قائلا بكونه كالمرض في الاقتصار عليها ، وان كان هو ظاهر صحيح الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام ، الا انه مع اتحاده وعدم ظهور العمل به قاصر عن معارضة الآية والرواية ، لكن في الدروس هل يلحق غير المريض به كالمسافر؟ توقف فيه المحقق في المعتبر ، وتظهر الفائدة في وجوب الفدية على القادر وسقوط القضاء عن العاجز ، وكلام الحسن والشيخ يؤذن بطرد الحكم في ذوي الاعذار وربما قيل بطرد الحكم في وجوب الكفارة بالتأخير لا في سقوط القضاء بدوام المعذر ، ولا يخفى عليك ان الأخير هو الأصح ، والمحكي عن الحسن مساواة الطرد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٥.

٣٢

في ذوي الأعذار في غير صورة الاستمرار ، على ان مذهبه كالشيخ في الخلاف الذي حكي عنه فيه الطرد المزبور وجوب القضاء لا غير في استمرار المرض ، ولا خلاف حينئذ ، ولعل ما وقع من المصنف في المعتبر والفاضل في التحرير والمنتهى من النظر والاشكال فيما حكياه عن الشيخ من إلحاق غير المرض به مبني على الطرد من حيث كونه طردا بحيث يأتي على جميع الأقوال التي منها الاقتصار على الفدية وسقوط القضاء مع الاستمرار ، ولا ريب في إشكاله حينئذ ، بل الأقوى عدمه إذ الظاهر اختصاص ذلك بالفوات بالمرض المستمر الى الرمضان الآخر دون غيره مع التلفيق وعدمه ، وصحيح ابن سنان (١) عن الصادق عليه‌السلام « من أفطر شيئا من رمضان في عذر ثم أدركه رمضان آخر وهو مريض فليتصدق بمد لكل يوم » ـ مع احتماله كون العذر المرض ، كما لعله يشعر به قوله عليه‌السلام : « وهو مريض » ـ قاصر عن تخصيص ما دل على القضاء من الآية والرواية ، خصوصا بعد عدم ظهور العامل به ، كصحيح الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام الذي أشرنا إليه سابقا المحتمل اختصاصه أيضا بالمرض كما لا يخفى على من لاحظه ، سيما وقد عرفت أن الشيخ رحمه‌الله يقول بالقضاء في استمرار المرض فضلا عن غيره فلا وجه لحكاية الخلاف عنه هنا ، ومنه يعلم حينئذ مهجورية الخبرين ، فلا بأس بطرحهما أو حملهما على ما يقتضي الاختصاص بالمرض.

ومقدار الفدية مد عن كل يوم على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة بل لا خلاف فيه فيما وصل إلينا من النصوص (٢) سوى ما عن بعض النسخ في خبر سماعة (٣) من المدين ، وكأنه اشتباه من قلم النساخ في لفظ « من » كما يشهد له الرسم في « طعام » فما عن النهاية والاقتصاد وابني حمزة والبراج ـ من أنها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٥.

٣٣

مدان ، فان لم يتمكن فمد ، بل قد يحتمله ما عن الجمل والمبسوط انها مدان ، وأقله مد ، والترتيب في الفضل ـ لم نجد ما يشهد له فضلا عن أن يصلح معارضا لما هنا ، والقياس على كفارة جزاء الصيد أو على كفارة ذي العطاش والشيخ الكبير ليس من مذهبنا ، على انك ستعرف انها مد أيضا في الأخيرين وان ورد في صحيح ابن مسلم (١) انها مدان الا انه لمعارضته بما هو أقوى منه كما ستعرف يجب حمله على الندب.

ولا تتكرر الفدية بتكرر السنين من غير فرق بين فدية الاستمرار وفدية التهاون ، لصدق الامتثال بالمرة كما صرح به هنا غير واحد ، بل لا أجد فيه خلافا الا من الفاضل في المحكي من تذكرته ، فقال تتكرر قياسا على السنة الأولى التي أوجبت المد عن كل يوم ، وهو كما ترى ، نعم لا فرق في حكم الاستمرار بين الرمضان الواحد والأكثر ، لإطلاق الأدلة ، وخصوص خبر سماعة (٢) وخبر أبي بصير (٣) المروي عن تفسير العياشي ، فما عساه يظهر من المحكي عن الصدوقين من وجوب الفدية للاول والقضاء للثاني الذي قد استمر الى الثالث واضح الضعف بل لم أجد له دليلا ، وخبر علي بن جعفر (٤) المروي عن قرب الاسناد عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن رجل يتابع عليه رمضانان لم يصم فيهما ثم صح بعد ذلك كيف يصنع؟ قال يصوم الأخير ويتصدق عن الأول بصدقة كل يوم مد من طعام لكل مسكين » يراد منه الذي قد صح بعد الثاني ، بل ربما يحتمل ذلك كلام الصدوقين كما اعترف به في المختلف ، بل عن ابن إدريس الجزم به ، وحينئذ فلا خلاف ، والأمر سهل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ١١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٩.

٣٤

ثم ان الفدية في مستمر العذر على المختار عزيمة لا رخصة ، فلا يجزي القضاء حينئذ عنها ، لظاهر التعيين في الأدلة السابقة ، لكن عن تحرير الفاضل الاجزاء ، ولا ريب في ضعفه ، كما هو واضح.

المسألة الثانية يجب على الولي ان يقضي ما فات عن الميت من صيام واجب رمضان كان أو غيره سواء فات بمرض أو غيره بلا خلاف أجده فيه في أصل الحكم سوى ما عن ابن أبي عقيل من ان المشروع الصدقة عنه عن كل يوم بمد دون القضاء ، بل نسب القول به الى الشذوذ ، كما انه نسب الصدقة إلى التواتر ، وهو من الغرائب ، ضرورة كون العكس مظنة التواتر أو القطع ولو بمعونة شهرته بين الإمامية ، بل كان من ضروريات مذهبهم وصول جميع ما يفعل عن الميت من صوم أو صلاة اليه ، ومن ذلك يعلم ما في استدلال المختلف له بقوله تعالى (١) : ( لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى ) وجوابه عنه بأنا نقول بمقتضاها وانه لا ثواب للميت بصوم الحي وان كان ما فات منه سببا لوجوب الصوم على الولي وسمي قضاء لذلك ، وإلا فالثواب للحي خاصة ، ونحوه عن الانتصار والغنية ومتشابه القرآن لابن شهرآشوب ، حتى انه قال في الأول : فإن قيل فما معنى قولهم صام عنه إذا كان لا يلحقه وهو ميت ثواب ولا حكم لأجل هذا العمل قلنا معنى ذلك انه صام وسبب صومه تفريط الميت ، ولانه حصلت به علقمة قيل عنه من حيث كان التفريط المتقدم سببا في لزوم هذا الصوم ، ثم احتج له أيضا بما‌ روي (٢) عنه عليه‌السلام « إذا مات المؤمن انقطع عمله الا من ثلاث » ولم يذكر فيه الصوم عنه ، وأجاب بنحو‌

__________________

(١) سورة النجم ـ الآية ٤٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الوقوف والصدقات مع الاختلاف في اللفظ.

٣٥

ما سمعت ، وتبعه في الغنية ، وهو غريب ضرورة تواتر النصوص (١) في وصول ثواب ما يفعله الحي عن الميت ، بل هو من ضروريات مذهب الشيعة ، وبذلك تخصص الآية والرواية إن لم نقل انها منسوخة الحكم ، وانها مخصوصة بالأمم السالفة كما روي عن ابن عباس ، لقوله تعالى (٢) ( أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) فرفع درجة الذرية بأعمالهم ، بل ربما قيل ان ولده وحميمه وصديقه وكل من تبرع عنه من سعيه أيضا ، وأن الصلاة والصوم من ولده استغفار له ، فيندرج في أحد الثلاثة.

واما‌ صحيح أبي مريم الأنصاري (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان ثم لم يزل مريضا حتى مات فليس عليه قضاء ، وان صح ثم مرض حتى يموت وكان له مال تصدق عنه ، فان لم يكن له مال تصدق عنه وليه » فهو قاصر عن معارضة غيره من النصوص التي يمكن دعوى تواترها ، وسيمر عليك بعضها ، على أن الصدوق والكليني المعلوم كونهما أضبط من غيرهما قد رويا‌ هذه الرواية « وان صح ثم مات وكان له مال تصدق عنه مكان كل يوم بمد ، فان لم يكن له مال صام عنه وليه ».

ثم ان إطلاق النص والفتوى وترك الاستفصال في الأول منهما يقتضي عدم الفرق بين أسباب الفوات وبين العمد وغيره ، لكن في الذكرى عن المصنف رحمه‌الله انه قال في مسائله البغدادية المنسوبة إلى جمال الدين بن حاتم المشعري : « الذي ظهر لي أن الولد يلزمه قضاء ما فات من الميت من صيام وصلاة لعذر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الاحتضار من كتاب الطهارة والباب ـ ١٢ ـ من أبواب قضاء الصلوات.

(٢) سورة الطور ـ الآية ـ ٢١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ـ ٨.

٣٦

كالمرض والسفر والحيض لا ما تركه عمدا مع قدرته عليه » ثم قال الشهيد وقد كان شيخنا عميد الدين ينصر هذا القول ، ولا بأس به ، فان الروايات تحمل على الغالب من الترك ، وهو انما يكون على هذا الوجه ، وهو اعتبار حسن ، قلت : لا يخفى عليك ما فيه.

وكيف كان فـ ( لا يقضي الولي إلا ما تمكن الميت من قضائه وأهمله إلا ما يفوت بالسفر ، فإنه يقضي ولو مات مسافرا على رواية ) بلا خلاف أجده فيما عدا السفر ، فلو مات المريض حينئذ قبل التمكن من القضاء سقط عن الولي اتفاقا كما قيل ، بل عن المنتهى نسبته الى العلماء ، وقد‌ سأل أبو حمزة (١) أبا جعفر عليه‌السلام « عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان هل يقضى عنها؟ قال : اما الطمث والمرض فلا ، واما السفر فنعم » ونحوه موثق محمد بن مسلم (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وفي‌ خبر منصور بن حازم (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل سافر في شهر رمضان فيموت قال : يقضى عنه ، وان امرأة حاضت في شهر رمضان فماتت لم يقض عنها ، والمريض في شهر رمضان لم يصح حتى مات لا يقضى عنه » ولأنه لم يجب على الميت حتى يقضيه عنه وليه كما أومأ إليه الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٤) المتقدم في المسألة السابقة في الامرأة التي مرضت في شهر رمضان وماتت وقد أوصت بالقضاء عنها ، وفي مرسل ابن بكير (٥) تعليل قضاء الولي بأنه قد صح ـ أي المريض ـ فلم يقض ما وجب عليه ، ولذلك كان خيرة الشيخ في الخلاف والنهاية والفاضلين في النافع والتحرير والمنتهى والمختلف وظاهر السرائر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ١٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ١٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ١٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ١٣.

٣٧

والتبصرة على ما حكي عن بعضهم عدم القضاء عن المسافر إذا لم يتمكن من القضاء ولو بالإقامة في أثناء السفر ، فتحمل النصوص المزبورة على الندب ، لكن عن التهذيب وجامع ابن سعيد وظاهر الصدوق في المقنع الوجوب ، للنصوص (١) المزبورة التي فيها الصحيح وغيره الواجب تحكيمها على غيرها ، مضافا الى إطلاق‌ خبر أبي بصير (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل سافر في شهر رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه قال : يقضيه أفضل أهل بيته » وربما كان الفرق بينه وبين المريض حيث لا يكون السفر ضروريا بأن السفر من فعله ، وكان يمكنه الإقامة والأداء الذي هو أبلغ من التمكن من القضاء ، بخلاف المرض مثلا الذي هو مما غلب الله عليه فيه ، ودعوى حمل نصوص السفر على ما إذا كان معصية ولو لأنه في شهر رمضان بناء على كونه فيه كذلك يدفعها أنها خلاف الظاهر بلا قرينة ، كدعوى المناقشة في سندها ومنع صحته بحيث يصلح لإثبات الحكم ، إذ هي كما ترى ، نعم قد يقال انها بعد اعراض المشهور عنها قاصرة عن تقييد الإطلاق المزبور ، خصوصا بعد ما أومى إليه في خبر أبي بصير (٣) من العجب وأنه كيف القضاء عما لم يجعله الله ، إلا أنه ومع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه.

ثم ان ظاهر المعظم نصا وفتوى عدم الفرق في وجوب القضاء على الولي بين من ترك ما يمكن التصدق به عما عليه من الصيام وغيره ، بل في السرائر أما الصدقة فلا تجب ، لأن الميت ما وجبت عليه كفارة بل صوم لا بدل له ، والولي هو المكلف بقضائه لا يجزيه غيره ، والإجماع منعقد من أصحابنا على ذلك ، ولم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٤ و ١١ و ١٥ و ١٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ١٢.

٣٨

يذهب الى ما قاله السيد غيره ، خلافا للمرتضى فاشترطه لصحيح أبي مريم السابق (١) على ما رواه الصدوق والكليني اللذان هما أضبط من غير هما ، ومال اليه بعض متأخري المتأخرين ، بل في المعتبر ليس ما قاله أي ابن إدريس صوابا مع وجود الرواية الصريحة المشتهرة وفتوى الفضلاء من الأصحاب ، ودعوى علم الهدى إجماع الإمامية على ما ذكره ، فلا أقل من ان يكون ذلك قولا ظاهرا بينهم فدعوى المتأخر أن محققا لم يذهب اليه تهجم.

قلت لكن لا يخفى عليك قصور الرواية باعتبار اتحادها وظهور اعراض المعظم عنها وموافقتها للمشهور عن العامة عن تقييد إطلاق غيرها الذي هو كالصريح في هذا الفرد باعتبار غلبة تركه مقدار ذلك من أكثر الناس ، فهي حينئذ معارضة لا مقيدة ، على أنه ينافيها خبر أبي مريم (٢) المروي في التهذيب ، ولا مدخلية لضبط الكليني والصدوق هنا إذ الظاهر انهما خبران له ، ومقتضى الجمع بينهما حينئذ التخيير كما تضمنه‌ صحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع (٣) عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام « قلت له : رجل مات وعليه صوم يصام عنه أو يتصدق قال : يتصدق عنه ، فإنه أفضل » لكن لا يقول به أحد عدا ما عساه يظهر من الشيخ ، وقد أعرض الجميع عنه ، ولئن سلم الاتحاد فهو مضطرب يشكل العمل به في نحو المقام ، وإجماع المرتضى مع موهونيته بمصير المعظم الى خلافه انما ادعاه على الصيام عنه ان لم يتصدق في مقابلة من أنكر الصيام عنه أصلا ، لا على ما نحن فيه فلا ريب حينئذ في أن الأقوى ما عليه المشهور ، والله أعلم.

وكيف كان فالمشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا أن الولي هو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٧.

(٣) الوافي الجزء السابع ص ٥١ ـ الباب ـ ٥٥ ـ الحديث ـ ٩ عن الفقيه.

٣٩

أكبر أولاده الذكور لا غير أي من لا ذكر أكبر منه من ولده وإن لم يكن هو الا واحدا وحينئذ فـ ( لو كان الأكبر أنثى لم يجب عليها القضاء ) لأن المنساق من الولي هنا الولد الذكر ، خصوصا مع ملاحظة الشهرة وقوله تعالى (١) : ( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي ) ولذا فسره الشيخ به ، بل في المختلف منع صدق الولي على غيره ، ومكاتبة الصفار (٢) إلى الأخير عليه‌السلام « رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله وليان هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعا ، خمسة أيام أحد الوليين وخمسة أيام الآخر فوقع عليه‌السلام يقضي عنه أكبر ولديه عشرة أيام ولاء ان شاء » بناء على ما عن الحر العاملي من ان روايته كذلك ، وان كان الموجود فيما عندنا من الأصول « وليه » لا « ولديه ».

وعلى كل حال فمنه يستفاد اعتبار كونه الأكبر ، بل لعله المراد من خبر أبي بصير المتقدم آنفا باعتبار كونه هو أفضل أهل البيت بسبب اختصاصه بالحباء بل ظاهر الأصحاب في كتاب الميراث تعليل الحباء بأن عليه القضاء ، بل ربما فرعوا عليه حرمان فاسد العقل ونحوه ممن لم يكن صالحا للقضاء من الحبوة ، وقد اعترف في الذكرى بأن الأكثر قد قرنوا بين الحبوة وبين قضاء الصلاة ، بل قد يقال انه المراد أيضا من‌ خبر حفص بن البختري (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام قال : يقضي عنه أولى الناس بميراثه ، قلت : فان كان أولى الناس بميراثه امرأة فقال : لا إلا الرجال » ونحوه مرسل حماد بن عثمان (٤) عنه عليه‌السلام أيضا بناء على انه هو الأولى من جميع الناس بالميراث باعتبار اختصاصه بالحبوة ولا ينافيه قوله « فإن » الى آخره ضرورة كون المراد انه إذا اتفق اختصاص المرأة‌

__________________

(١) سورة مريم عليها‌السلام الآية ـ ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٦.

٤٠