جواهر الكلام - ج ١٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الحدائق وأطنابه في ذلك ، وقوله : إني لا أفهم لهذه العبارة معنى صحيحا ، فلاحظ وتأمل ، نعم لو فرض عدم سعة ماله إلا للحج عنه من أدنى الحل أو من مكة وجب ، لإطلاق الأدلة وخصوص‌ خبر علي بن يزيد صاحب السابري (١) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل مات وأوصى بتركته أن أحج بها فنظرت في ذلك فلم يكف للحج ، فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا : تصدق بها ، فقال عليه‌السلام : ما صنعت بها؟ فقال : تصدقت بها ، فقال : ضمنت إلا أن لا يكون يبلغ ما يحج به من مكة ، فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكة فليس عليك ضمان » والله العالم ، وعلى كل حال فهذا أحد الأقوال في المسألة.

وقيل والقائل الشيخ وابن إدريس ويحيى بن سعيد وغيرهم يستأجر من بلد الميت ، وقيل : إن اتسع المال فمن بلده وإلا فمن حيث أمكن واختاره في الدروس ، قال : « يقضى من أصل تركته من منزله ، ولو ضاق المال فمن حيث أمكن ولو من الميقات على الأقوى » بل في المدارك إرجاع القول الأول إليه ، قال : الموجود في كلام الأصحاب حتى في كلام المصنف في المعتبر أن في المسألة قولين ، وقد جعل المصنف هنا الأقوال ثلاثة ، ولا يتحقق الفرق بين القولين الأخيرين إلا على تقدير القول بسقوط الحج مع عدم سعة المال للحج من البلد على القول الثاني ، ولا نعرف بذلك قائلا ، مع انه مخالف للروايات كلها ، وتبعه على ذلك في الحدائق ، لكن قد يناقش بإمكان عدم التزام سقوط الحج بل ينتقل إلى الحج من الميقات ، ولا يجب الاستيجار من حيث أمكن كما هو مقتضى جملة من الروايات ، وبذلك يتحقق الفرق بين القولين ، أو يقال بوجوب التكميل من الولي مع القصور أو الحج عنه بنفسه كما يقتضيه إطلاق الوجوب ، وكذا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من كتاب الوصايا ـ الحديث ٢.

٣٢١

وجوب اختيار المتبرع بالحج عنه للنيابة حينئذ وإن وجب الحج من الميقات مع التعذر مطلقا.

وكيف كان فـ ( الأول أشبه ) للأصل ومحكي الإجماع وعدم اشتراط الحج بالمسير إلا عقلا ، فهو على تقدير وجوبه واجب آخر لا دليل على وجوب قضائه ، ولذا لو سار المستطيع في بلده إلى أحد المواقيت لا بنية الحج ثم أراده فأحرم صح وإن أساء بتأخير النية ، وكذا لو أفاق المجنون عند الميقات بل لو قلنا بتبعية القضاء للأداء لم يجب هنا ، ضرورة أن القول بذلك انما هو لتوهم تحليل الخطاب المتعلق بالأداء إلى إيجاب مطلق الفعل وإيجابه أداء ، ومن المعلوم أن دليل وجوب المقدمة لا يصلح لذلك ، إذ هو انما يعقل في شأن المكلف بالأداء ، على أن التبعية المزبورة على تقدير تسليمها انما تقتضي الوجوب من بلد الاستطاعة دون بلد المنزل والموت ، ولا ريب في بطلانه ، اللهم إلا أن يقال إن ذلك كذلك إن لم ينتقل إلى ما هو أقرب منه إلى الميقات ، وإلا وجب القضاء منه ، إلا أن الجميع كما ترى شك في شك ، والتحقيق ما عرفت ، مضافا إلى إطلاق ما دل من المعتبرة المستفيضة (١) على وجوب القضاء من دون تقييد بناء على عدم انصرافه إلى خصوص البلد ، بل قد يؤيد أيضا بصحيح حريز (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أعطى رجلا حجة يحج عنه من الكوفة فحج عنه من البصرة فقال : لا بأس ، إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجة » إذ لو كان الطريق معتبرا لم ينف البأس عن ذلك ، فان قوله : « من الكوفة » إن جعل متعلقا بقوله : « يحج عنه » كان من مسألة من استؤجر على طريق فحج على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب وجوب الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ١.

٣٢٢

غيره ، وستسمع الخلاف فيها ، ومبنى الصحة على عدم اعتبار الطريق في الحج ، وإن جعل صفة لرجل كان وجه الاستدلال فيه أنه لو كان الطريق معتبرا لوجب ملاحظة بلد من عليه الحج وإن أطلق في الإجارة ، لانصراف ذلك اليه.

بل أيد أيضا بصحيح علي بن رئاب (١) عنه عليه‌السلام أيضا « في رجل أوصى أن يحج عنه حجة الإسلام فلم يبلغ جميع ما ترك إلا خمسين درهما قال : يحج عنه من بعض المواقيت التي وقتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قرب » باعتبار عدم استفصاله عن إمكان الحج بذلك من البلد أو غيره مما هو أبعد من الميقات ، وإن كان قد يناقش بإمكان كون ذلك لظهور السؤال في قصور الخمسين عن الأزيد من الميقات ولو باعتبار العرف والعادة ، بل لا بد من ارتكاب ذلك فيها ، ضرورة كون السؤال في الوصية التي يعترف هذا المؤيد بتنزيلها على البلد ، وإلا فمن حيث يمكن كما تسمعه في‌ خبر محمد بن أبي عبد الله (٢) ، وبخبر زكريا بن آدم (٣) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل مات وأوصى بحجة أيجزيه أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه فقال : ما كان دون الميقات فلا بأس » وفيه أنه أيضا في الوصية ، فيجب حمله على عدم سعة المال الموصى به للحج ، كخبر عمر بن يزيد (٤) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل أوصى بحجة فقال : تجزي من دون الميقات » بقرينة‌ خبره الآخر (٥) قال : « قلت له أيضا : رجل أوصى بحجة فلم تكفه قال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ٣ عن محمد بن عبد الله كما في الكافي ج ٤ ص ٣٠٨ وهو الصحيح كما يأتي نقله كذلك في ص ٣٢٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ٦ مع الاختلاف في لفظهما.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ٧ مع الاختلاف في لفظهما.

٣٢٣

فيقدمها فيحج من دون الميقات » وخبر أبي سعيد (١) عمن سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن رجل أوصى بعشرين درهما في حجة قال : يحج بها رجل من حيث تبلغه » بل لعله على ذلك يحمل‌ خبر محمد بن أبي عبد الله (٢) « سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن رجل يموت فيوصي بالحج من أين يحج عنه؟ قال : على قدر ماله ، إن وسعه ماله فمن منزله ، وإن لم يسعه من منزله فمن الكوفة ، وإن لم يسعه ماله من الكوفة فمن المدينة » وصحيح الحلبي (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « وإن اوصى أن يحج عنه حجة الإسلام ولم يبلغ ماله ذلك فليحج عنه من بعض المواقيت ».

لكن في المدارك بعد أن أوردهما دليلا للقائل باعتبار البلد أجاب عنهما بأنهما إنما تضمنا الحج من البلد مع الوصية ، ولعل القرائن الحالية كانت دالة على إرادة الحج من البلد كما هو الظاهر من الوصية ، عند الإطلاق في زماننا ، فلا يلزم مثله مع انتفاء الوصية ، وفيه إمكان منع فرق العرف بين قول الموصى : حجوا عني وبين قول الشارع : حجوا عنه في الانصراف إلى البلد وعدمه ، فالمتجه الجواب عنهما بأن أخبار الوصية متدافعة على الظاهر ، فمنها كخبر زكريا وغيره ما يقتضي الاجتزاء فيها بالحج من الميقات ، ومنها كهذين الخبرين ما يقتضي الحج‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب وجوب النيابة في الحج ـ الحديث ٣ عن محمد بن عبد الله كما في الكافي ج ٤ ص ٣٠٨ وهو الصحيح كما يأتي نقله كذلك في ص ٣٢٧.

(٣) ذكره الشيخ في التهذيب في ذيل صحيح الحلبي المروي في ج ٥ ص ٤٠٥ الرقم ١٤١٠ والظاهر أنه ليس من الصحيحة بل هو كلام الشيخ قدس‌سره فراجع.

٣٢٤

من البلد ، وإلا فمن حيث يسع المال ، وحمل الأخبار السابقة على عدم سعة المال ليس بأولى من حمل هذه الأخبار على الوصية بمال معين للحج ، ولا أقل من تساوي الاحتمال ، فيبطل الاستدلال بكل من القسمين على شي‌ء من الطرفين ، ويرجع إلى القاعدة التي قد عرفت اقتضاءها الحج من الميقات ، على انه لو سلم ترجيح الحمل الأول كان مقتضاه ذلك في خصوص الوصية ، ولعله تعبد شرعي لا لفهم من العبارة المساوية لعبارة الشارع التي مقتضاها الصدق بالحج من الميقات في الوصية وغيرها ، على ان مفهوم صحيح الحلبي لا يدل إلا على عدم وجوب الحج من الميقات مع السعة في المال ، بل يمكن حمل الأمر في المنطوق على الندب باعتبار وروده في مظنة الحظر ، وبذلك ظهر لك أن الاستدلال بهذه النصوص على ما يقوله الخصم في غير محله ، كالاستدلال عليه‌ بالمروي (١) عن مستطرفات السرائر من كتاب المسائل بسنده عن عدة من أصحابنا ، قالوا : « قلنا لأبي الحسن عليه‌السلام يعني علي بن محمد عليهما‌السلام : إن رجلا مات في الطريق وأوصى بحجته وما بقي فهو لك ، فاختلف أصحابنا فقال بعضهم : يحج عنه من الوقت ، فهو أوفر للشي‌ء ان يبقى ، وقال بعضهم : يحج عنه من حيث مات ، فقال عليه‌السلام : يحج عنه من حيث مات » إذ هو ـ مع انه يأتي فيه ما عرفت أيضا ـ يمكن فهم ذلك من وصيته بقرينة الحال ، إذ الظاهر إرادة موته في طريق الحج ، بل لعل الخبر أوصى بحجته أي بإتمام حجته.

وأغرب من ذلك كله الاستدلال عليه بالأخبار (٢) السابقة في النيابة عمن لا يستطيع الحج بنفسه باعتبار اشتمالها على الأمر بتجهيز رجل يحج عنه الظاهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب وجوب الحج.

٣٢٥

في إرادة الحج من البلد ، إذ هو المناسب للتجهيز ، وانه لا فرق بين النواب ، وفيه بعد حرمة القياس ما عرفت من حمل تلك الأوامر على الندب ، مع انها غير مساقة لبيان مثل ذلك.

وأغرب منه الاستدلال بأنه لما ثبت الوجوب عليه باستطاعته له بزاد وراحلة وغيرهما مما يتوقف عليه وجب القضاء عنه ميتا على الوجه الذي ثبت في ذمته ، إذ هو كما ترى ، ضرورة كون الوجوب عليه حيا كذلك للمقدمة لا أنه وجه للمأمور به ، وهو الحج ، ولذا لو وقع على وجه محرم أجزأه ، ودعوى تعلق نفقة الطريق من البلد بعد موته بماله كالدين واضحة المنع ، بل هي مصادرة ، كوضوح فساد الاستدلال على اعتبار الطريق بمجموع هذه النصوص على وجه يبطل ما ذكرناه من القاعدة ، فإنه كما ترى.

ومن ذلك كله يظهر لك ما أطنب فيه في الحدائق وتعجب مما جاء به من التحقيق ، حتى قال بعد الفراغ منه : وعليك بالتأمل الدقيق في هذا التحقيق الرشيق فإنه حقيق بأن يكتب بالتبر على الحداق لا بالحبر على الأوراق ، إلا أن الألف بالمشهور سيما إذا زخرفت بالإجماعات شنشنة أخزمية ، وطريقة لا تخلو من العصبية ، فإنك إذا أحطت خبرا بما ذكرناه تعرف أن ذلك كله عجب بلا عجب ، وهزء بلا سبب ، نسأل الله تعالى العفو عنا وعنه ، كما أنك تعرف فساد ما عن ابن إدريس من دعوى تواتر الأخبار بذلك ، ولذا جزم المصنف في المعتبر بأنه غلط ، قال : فانا لم نقف بذلك على خبر شاذ فضلا عن المتواتر ، كل ذلك مضافا إلى إمكان الطعن في أسانيد النصوص المزبورة عدا صحيح الحلبي منها الذي عرفت الحال في دلالته ، بل لو أغضينا عن ذلك كله باعتبار احتمال التأويل في أخبار الطرفين أمكن ترجيح أخبار المشهور بالإجماع المنقول والأصل وغير ذلك.

وكيف كان فالمراد بالبلد على تقدير اعتباره بلد الاستيطان ، لأنه المنساق‌

٣٢٦

من النص والفتوى خصوصا من الإضافة فيهما ، سيما خبر محمد بن عبد الله (١) لكن في المدارك الظاهر أن المراد بالبلد الذي يجب عليه الحج منه على القول به محل الموت حيث كان كما صرح به ابن إدريس ، ودل عليه دليله ، وهو وإن كان يؤيده أنه البلد التي هي منتهى انقطاع الخطاب بالحج عنه ، ضرورة كونه مكلفا به من ذلك المكان ، فيناب عنه منه ، إلا أن ما حكاه عن ابن إدريس لم نتحققه ، بل المحكي من عبارته يقتضي بلد الوطن وكذا دليله ، بل لم نتحققه لغيره من أصحابنا ، نعم ربما حكي عن بعض العامة ، بل قد يناقش فيما ذكرناه توجيها بأنه لا تلازم بين خطابه به في ذلك المكان الذي كان من اتفاقيات الخطاب لا أنه ملاحظة في أصل الخطاب وبين قضائه منه ، وانما الملاحظ في أصل خطابه بلد استيطانه ، ولذا كان عليه مدار الاستطاعة ، فالأقوى حينئذ اعتباره لا بلد الموت بل ولا بلد اليسار التي حصل وجوب الحج عليه فيها وان احتمل أيضا ، بل عن بعض العامة القول به.

ولو كان له موطنان كان الواجب من أقربهما كما عن التذكرة التصريح به ، للصدق الذي يجمع به بين حق الوارث والميت مثلا ، والظاهر كون المراد أن بلد الاستيطان أقل المجزي ، وإلا فلو استؤجر عنه مما هو أبعد منه أجزأ قطعا نعم في اعتبار المرور عليه إشكال ، ولعل صحيح حريز (٢) يشهد للعدم ، كما انه قد يشهد للاجزاء لو قضي عنه من الميقات بناء على القول بالوجوب من البلد وإن أثم الوارث حينئذ ، واحتمال عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه يدفعه منع كونه وجها له بحيث يقتضي عدم الاجزاء عنه ، وهل يملك حينئذ الوارث الزائد؟

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ١.

٣٢٧

وجهان ، أقواهما العدم عند بعض الأفاضل ، لأنه حق تعلق بالعين بمنزلة الدين ، فلا يملكه الوارث ، وفيه أن ذلك بمنزلة ما لو تبرع عنه متبرع بالحج أو بوفاء الدين ، ومن هنا اختاره في محكي الدروس ، ثم على تقدير العدم لا تبرأ ذمة الوارث بالقضاء عنه ثانيا ، لسقوط حجة الإسلام عنه ، ولو لم يكن له مال أو كان ولم يخرج منه فتبرع عنه وليه أو غيره فحج عنه أجزأ بلا خلاف ولا إشكال نصا وفتوى ، بل ربما أشعر المحكي عن ابن الجنيد بوجوب ذلك على الولي ، لإطلاق الأمر المحمول على الندب قطعا ، ضرورة كونه لا يزيد على الدين كما صرح به في بعض النصوص ، فيجري حينئذ فيه ما يجري فيه من براءة الذمة لو وقع من الولي أو غيره ، وعدم وجوبه على الولي إذا لم يكن للميت مال ، والله العالم.

المسألة الثالثة من وجب عليه حجة الإسلام وكان متمكنا منها لا يحج عن غيره تبرعا أو بـ ( اجارة ) بل ولا يحج تطوعا بلا خلاف أجده في الأول منهما ، لا لأن الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضده على وجه يقتضي الفساد ، فان التحقيق خلافه ، ولا لكونه موقتا على وجه لا يصح فيه غيره كشهر رمضان ، فان التحقيق عدم اقتضاء الفورية أصل التوقيت فضلا عن التوقيت على هذا الوجه ، وما عن المبسوط هنا من انه لو حج ندبا انقلبت حجة إسلام مقطوع بفساده ، بل هو لخبر سعد بن أبي خلف (١) « سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن الرجل الصرورة يحج عن الميت قال : نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه ، فان كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزي عنه حتى يحج من ماله ، وهي تجزي عن الميت إن كان للصرورة مال أو لم يكن له مال » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ١.

٣٢٨

وصحيح سعيد (١) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الصرورة أيحج عن الميت؟ فقال : نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به ، وإن كان له مال فليس له ذلك حتى يحج من ماله ، وهو يجزي عن الميت كان له مال أو لم يكن له مال » لكن في المدارك « قد قطع الأصحاب بفساد التطوع والحج عن الغير مع الاستطاعة وعدم الإتيان بالواجب ، وهو انما يتم إذا ورد فيه نهي على الخصوص أو قلنا باقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده الخاص ، وربما ظهر من صحيح سعد بن أبي خلف خلاف ذلك ، والمسألة محل تردد » ولعله حمل‌ قوله عليه‌السلام : « وهو يجزي » إلى آخره على إرادة بيان الاجتزاء بنيابة الصرورة مطلقا سواء كان له مال أو لم يكن وإن كان يأثم على الأول الذي قد بينه عليه‌السلام بقوله : « إذا لم يجد » إلى آخره. وفيه أنه خلاف ظاهر قوله عليه‌السلام : « لا يجزي عنه » وخلاف قاعدة اقتضاء النهي الفساد ، بل هو عند التأمل تفكيك في الخبر ، بل يقطع بعدم إرادته ، ومن هنا احتمل بعض المتأخرين كون المراد بقوله عليه‌السلام : « وهو » إلى آخره إرادة بيان الاجتزاء بنيابته بعد الحج عن نفسه بماله ، ولا ينافيه إطلاق الصرورة باعتبار ما كان عليه سابقا ، وهو وإن تم به الاستدلال على المطلوب على هذا التقدير إلا أنه خلاف الظاهر ، ولعل الأولى حمله على إرادة بيان الأحوال الثلاثة للنائب التي ستسمع تعرض الأصحاب لها ، وهي عدم جواز النيابة مع خطابه بحجة الإسلام وتمكنه منها ، والجواز مع عدم خطابه أصلا أو مع خطابه وعدم تمكنه منها لتلف ماله مثلا ، فالأول هو الذي أشار إليه بقوله عليه‌السلام : « فان وجد » إلى آخره ، والثاني والثالث أشار إليهما بقوله عليه‌السلام : « وهو يجزي » إلى آخره ، والمراد جواز نيابته وإن كان له مال في السابق ووجب عليه حج الإسلام إلا أنه لم يجده‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ٣.

٣٢٩

حال النيابة ، أو حمله على إرادة الجزء الأول من الحديث بالضمير دفعا لتوهم الراوي أن نيابته غير جائزة ، وعود الضميرين المجرورين في آخر الحديث إلى الميت ، يعني سواء كان على الميت حج واجب أو لم يكن ، وحج عنه ندبا أو غير ذلك مما لا ينافي دلالته على المطلوب ، وهو النهي عن النيابة مع اشتغال الذمة بحجة الإسلام والتمكن منها ، ولعل ذلك هو المنشأ لاتفاق الأصحاب ظاهرا على ذلك ، بل يمكن استفادة عدم جواز التطوع منه أيضا باعتبار إطلاق النهي عن النيابة التي منها تطوع الحج أيضا ، كما لو كان متبرعا ، على أن المنع منها يستلزم ذلك ، كما أن جواز التطوع يستلزم جوازها ، لأن كلما جاز للمكلف فعله جازت النيابة فيه إلا ما خرج بالدليل ، فما عن خلاف الشيخ من أنه يأثم ويصح حجه في غير محله ، بل قد يستفاد منه ولو بمعونة كلام الأصحاب بناء على إرادة المثال مما فيه عدم الفرق بين حج الإسلام وغيره من أفراد الحج الواجبة فورا بإجارة أو عهد أو يمين أو غيرها ، ولذا قال المصنف وكذا من وجب عليه أي الحج بنذر مقتض للفورية أو إفساد ونحوهما مما كان وجوبه على الوجه المزبور ، فلا يكون مدركه مسألة الضد التي هي محل خلاف ، مع أن المسألة هنا وفاقية على الظاهر ، فتأمل جيدا.

المسألة الرابعة قد عرفت سابقا أنه لا فرق في وجوب الحج بين الذكر والأنثى والخنثى بعد حصول سببه ، فـ ( لا يشترط ) حينئذ في وجوب الحج وجود المحرم في النساء مع عدم الحاجة إليه بل يكفي غلبة ظنها بالسلامة على نفسها وبعضها للرفقة مع ثقات وكونها مأمونة أو غير ذلك بلا خلاف أجده فيه بيننا ، لصدق الاستطاعة بعد جواز خروجها مع عدم الخوف نصا وفتوى بدونه ، قال صفوان الجمال (١) لأبي عبد الله عليه‌السلام : « قد عرفتني بعملي تأتيني‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ١.

٣٣٠

المرأة أعرفها بإسلامها وحبها إياكم وولايتها لكم ليس لها محرم قال : إذا جاءت المرأة المسلمة فاحملها فإن المؤمن محرم المؤمنة ، ثم تلا هذه ، ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) (١) » وقال الصادق عليه‌السلام في صحيح سليمان بن خالد (٢) : « في المرأة تريد الحج ليس معها محرم هل يصلح لها الحج؟ قال : نعم إذا كانت مأمونة » وسأله معاوية بن عمار (٣) أيضا « عن المرأة تحج بغير ولي فقال : لا بأس تخرج مع قوم ثقات » وفي خبره الآخر (٤) « لا بأس وإن كان لها زوج أو أخ أو ابن أخ فأبوا أن يحجوا بها وليس لهم سعة فلا ينبغي لها ان تقعد ، ولا ينبغي لهم أن يمنعوها » إلى غير ذلك من الأخبار.

نعم لو فرض توقف حجها عليه للخوف بدونه اعتبر حينئذ وإن لم يجب عليه الإجابة ، ولو اقترح أجرة أو نحوها وجب عليها مع استطاعتها لذلك وإن كان أزيد من أجرة المثل ، وإلا لم يجب الحج عليها ، ضرورة كونه حينئذ كغيره من المقدمات التي فرض توقف الحج عليها وهل يجب عليها تحصيل أصل المحرم حال توقف الحج عليه فيجب عليها التزويج مثلا؟ إشكال ، ولو ادعى الزوج الخوف عليها وأنكرت ذلك ففي الدروس عمل بشاهد الحال أو بالبينة ، فإن انتفيا قدم قولها ، والأقرب أنه لا يمين عليها ، وقال أيضا : ولو زعم الزوج انها غير مأمونة على نفسها وصدقته فالظاهر الاحتياج إلى المحرم ، لأن في‌ رواية أبي بصير (٥) وعبد الرحمن (٦) « تحج بغير محرم إذا كانت مأمونة » وإن اكذبته فأقام بينة بذلك أو شهدت به القرائن فكذلك ، وإلا فالقول قولها ، وهل يملك الزوج محقا منعها باطنا؟ نظر ، وتبعه على ذلك كله في المدارك والحدائق ، لكن قد يشكل عدم اليمين عليها‌

__________________

(١) سورة التوبة ـ الآية ٧٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٦.

٣٣١

بعموم‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » ودفعه بعدم الحق له عليها في هذا الحال فلا يمين له عليها يقتضي الإشكال في أصل سماع دعواه في ذلك باعتبار كونها هي المكلفة ، وقد رفع الشارع سلطنته عنها مع حصول شرائط استطاعتها عندها ، وكذا الإشكال في النظر الأخير بالنسبة إلى عدم جواز منعها باطنا ، إذ مقتضى أحد وجهيه عدم جواز ذلك له وإن كان محقا في دعواه واقعا ، وما ذاك إلا لعدم السلطنة له وإن كانت غير مأمونة ، ولو فرض الخلل في عرضه من ذلك سار معها حفظا لعرضه لا أنه يمنعها عن أداء تكليفها ، على أن العرض مشترك بينه وبين غيره من أرحامها ، وظاهرهم اختصاص الدعوى بين الزوج وزوجته في ذلك ، ولعله لأن حق البضع مختص به دون غيره ، إلا ان ذلك يقتضي جواز المنع له باطنا ، ويقتضي توجه اليمين له عليها ، ودعوى كون المراد من ذلك كله إثبات عدم استطاعتها ـ فليس لها الخروج بدون إذنه ، لما ستعرفه من اختصاص سقوط السلطنة بالحج الواجب ـ يدفعها عدم اختصاص ذلك في المقام ، مع أن ظاهرهم ذلك دونه بالنسبة إلى المال ونحوه من شرائط الاستطاعة وإن كان المتجه أن له ذلك باعتبار تعلق حق الاستمتاع وغيره فيها ، لكن ينبغي حينئذ جريان حكم باقي الدعاوي عليها من اليمين مع الإنكار والمنع باطنا مع عدم الإثبات ونحو ذلك ، كما ان المتجه عدم سماع دعواه لو أراد بها ما يقتضي عدم ائتمانها في نفسها على بعضها مثلا ، فان ذلك انما يقتضي سيره معها لا انه يتسلط على منعها من الحج ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فـ ( لا يصح حجها تطوعا إلا بإذن زوجها ) إجماعا محكيا عن التذكرة ، بل في المدارك نسبته إلى علمائنا أجمع ، بل فيها عن المنتهى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء.

٣٣٢

لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم ، وهو الحجة ، مضافا إلى‌ موثق إسحاق بن عمار (١) عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال : « سألته عن الامرأة الموسرة قد حجت حجة الإسلام تقول لزوجها أحجني مرة أخرى ، إله أن يمنعها؟ قال : نعم ، يقول لها : حقي عليك أعظم من حقك علي في ذا » ومنه يعلم الوجه في التوقف على الاذن ، ضرورة تعلق حقه فيها بالاستمتاع ونحوه ، فليس لها فعل ما ينافي حقه من دون إذنه على حسب غيره من الحقوق ، واليه يرجع ما عن بعضهم من الاستدلال على المطلوب بأن حق الزوج واجب ، فلا يجوز لها تفويته بما ليس بواجب ، فما في المدارك ـ من المناقشة فيه بأنه انما يقتضي المنع من الحج إذا استلزم تفويت حق الزوج ، والمدعى أعم ـ في غير محلها ، ضرورة اقتضاء علقة الزوجية سلطنته على ذلك ، كما يومي اليه قوله تعالى (٢) ( الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ ) والخبر المزبور ، بل يومي اليه أيضا حق الإسكان الذي تعيينه إلى الزوج على أن الإحرام والطواف وصلاته والسعي ونحوها منافية للاستمتاع الذي هو حقه ، بل السفر نفسه منقص له وإن صاحبها ، بل الظاهر ثبوت حقه في ذلك على وجه له المنع وإن كان ممنوعا من فعل الاستمتاع بمرض أو سفر أو إحرام أو نحو ذلك ، ومن هنا أطلق المنع في النص والفتاوى ومعقد الإجماع ، وهذا ، وفي كشف اللثام بعد أن حكى عن التذكرة الإجماع على توقف حجها على الاذن قال : « ولكن توقف سفرها على إذن الزوج يحتمل أن يكون لعلقة الزوجية الموجبة للسلطنة ، وان يكون لحق الإسكان الذي تعيينه إلى الزوج ، وأن يكون لحق الاستمتاع ، فعلى الأولين له منعها من مصاحبته في السفر ، واحتمل على الثالث‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٢.

(٢) سورة النساء ـ الآية ٣٨.

٣٣٣

أيضا ، لتطرق النقص إليه في السفر ، وعليه دون الثاني له منع المتمتع بها ، وعلى الأول احتمال ، قيل : لو سافر للحج ففي منع المتمتع بها ضعف لبقاء التمكين وتحقق بذل العوض ، قيل : فهل له منعها عن الإحرام ندبا نظر ، فان كان غير محرم فالظاهر له منعها تحصيلا لغرضه ، وإن كان محرما فالظاهر لا يتحقق المنع من طرفه وينسحب في المريض المدنف على ضعف ، لإمكان إفاقته ، مع تخيل مثل ذلك في المحرم ، لإمكان صده أو حصره فيتحلل ، ولكن ينبغي أن يحرما معا أو تحرم بعده ، وأما الإحلال فيجوز تقدمها قطعا ، والظاهر جواز المقارنة ، وهل لها تأخيره بتأخير المحلل أو المعد للتحلل؟ وجهان من فوات حق الزوج ، ومن ارتفاع حقه باحرامها الصحيح » قلت : قد عرفت التحقيق في ذلك وأن له التسلط على المنع ، بل ليس لها الفعل إلا بالإذن مطلقا ، لمنافاة نفس الفعل لحقه ، وللآية والخبر وغيرهما مما سمعت ، فلا حاجة حينئذ إلى ما ذكره من التفريع والترديد.

نعم لها ذلك في الواجب المضيق كيف كان لعدم الطاعة للمخلوق في معصية الخالق ، والمعتبرة التي منها‌ صحيح زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن امرأة لها زوج وهي صرورة لا يأذن لها في الحج قال : تحج وإن لم يأذن لها » بل فيما رواه‌ الصدوق عن عبد الرحمن (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « تحج وإن رغم أنفه » وفي‌ صحيح معاوية بن وهب (٣) « لا طاعة له عليها في حجة الإسلام ولا كرامة ، تحج إن شاءت » وفي‌ صحيح محمد بن مسلم (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن امرأة لم تحج ولها زوج وأبى ان يأذن لها في الحج فغاب زوجها هل لها ان تحج؟ فقال : لا طاعة له عليها في حجة الإسلام » بل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ١.

٣٣٤

ظاهر إطلاق المصنف وغيره وصريح المدارك عدم الفرق في الواجب بين المضيق والموسع ، وإن كان قد يشكل في الأخير بعد ظهور النصوص المزبورة في غيره بعدم الدليل على ترجيح الواجب الموسع على حقه المضيق ، بل لعل مقتضى الأدلة خلافه ، ومن هنا حكى في المدارك عن بعضهم ان له المنع فيه الى محل التضييق ، ولكن استضعفه ، لأصالة عدم سلطنته عليها في ذلك وفيه انه يكفي فيه إطلاق أدلة وجوب الطاعة وتضييق حق الاستمتاع بها.

وكذا الكلام لو كانت في عدة رجعية في الحج المندوب والواجب مضيقة وموسعة ، لأنها بحكم الزوجة ، قال الصادق عليه‌السلام في صحيح منصور بن حازم (١) : « المطلقة ان كانت صرورة حجت في عدتها ، وان كانت حجت فلا تحج حتى تنقضي عدتها » وعليه يحمل إطلاق‌ صحيحة معاوية بن عمار (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « لا تحج المطلقة في عدتها » وخبره (٣) أيضا « المطلقة تحج في عدتها ان طابت نفس زوجها » نعم في البائنة لها المبادرة في الحج المندوب في عدتها من دون إذنه لانقطاع عصمة الزوجية ، فهي حينئذ كالمعتدة من الوفاة التي استفاضت النصوص في جواز حجها في العدة ، ففي‌ موثق داود بن الحصين (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن المتوفى عنها زوجها قال : تحج وان كانت في عدتها » وموثق زرارة (٥) عنه عليه‌السلام أيضا سأله « عن التي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب العدد ـ الحديث ٢ من كتاب الطلاق.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٢ وليس فيه قوله : « في عدتها » وهو موجود في الفقيه ج ٢ ص ٢٦٩ الرقم ١٣١٢.

٣٣٥

يتوفى عنها زوجها أتحج في عدتها؟ قال : نعم » وخبر أبي هلال (١) عنه عليه‌السلام أيضا فيها « تخرج إلى الحج والعمرة ولا تخرج التي تطلق ، ان الله تعالى يقول ( وَلا يَخْرُجْنَ ) (٢) » فما عن احمد بن حنبل من عدم الجواز للمتوفى عنها زوجها واضح الضعف ، كاحتمال عدم جوازه للمطلقة بائنا ، لإطلاق النصوص السابقة المحمولة عند الأصحاب على الرجعية ، كما عساه يشعر به الخبر الأخير (٣) والله العالم.

القول في شرائط ما يجب بالنذر واليمين والعهد في الجملة ، إذ تفصيل ذلك في محله‌ وشرائطها اثنان إذ لا يشترط في الواجب بها ما يشترط في حج الإسلام ، بل يكفي فيه التمكن منه كما هو واضح.

الأول كمال العقل في الناذر فلا ينعقد نذر الصبي ولا المجنون بلا خلاف فيه كما في المدارك ، لارتفاع القلم عنهما ، وسقوط حكم عبارتهما ، ولا المغمى عليه ولا الساهي والغافل ولا النائم بل ولا السكران وإن أخذ بما يجنبه أو يتركه من الواجب بسبب اختياره شرب المسكر ، ولا مدخلية هنا لشرعية عبادة الصبي وتمرينيتهما ، كما لا فرق بين بلوغه عشرا وعدمه.

الشرط الثاني الحرية ، فلا يصح نذر العبد إلا بإذن مولاه لأنه مملوك العين والمنافع ، ولذا لا يقدر على شي‌ء ، وفي‌ صحيح منصور بن حازم (٤) عن الصادق عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يمين لولد مع والده ، ولا لمملوك مع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٤.

(٢) سورة الطلاق ـ الآية ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الايمان ـ الحديث ٢.

٣٣٦

مولاه ، ولا للمرأة مع زوجها » وفي صحيحه الآخر (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا رضاع بعد فطام ، ولا وصال في صيام ، ولا يتم بعد احتلام ، ولا صمت يوما إلى الليل ، ولا تعرب بعد هجرة ، ولا هجرة بعد الفتح ، ولا طلاق قبل نكاح ، ولا عتق قبل ملك ، ولا يمين لولد مع والده ، ولا لمملوك مع مولاه ، ولا للمرأة مع زوجها ، ولا نذر في معصية ، ولا يمين في قطيعة رحم » وخبر عبد الله بن ميمون القداح (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا يمين للولد مع والده ، ولا للمرأة مع زوجها ، ولا للملوك مع سيده » إلا أن مورد هذه النصوص جميعها اليمين لكن الأصحاب جزموا باتحاد حكم الجميع ، وهو الظاهر ، خصوصا بعد‌ خبر الحسين بن علوان (٣) المروي عن قرب الاسناد عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « ان عليا عليه‌السلام كان يقول : ليس على المملوك نذر إلا أن يأذن سيده » بل وخصوصا بعد معلومية اتحاد الثلاثة في المعصية وقطيعة الرحم مع اقتصاره في الأول على النذر ، وفي الثاني على اليمين ، بل يمكن دعوى القطع بكون المنشأ في ذلك الزوجية والوالدية والسيدية لا كونه يمينا ، وحينئذ فالمناقشة في المقام وما ألحق به من الزوجة والولد بأن الوارد اليمين فإلحاق النذر والعهد به قياس ممنوع عندنا وإن اشترك الجميع في بعض الأحكام ضعيفة لما عرفت ، مؤيدا بإطلاق اليمين على النذر في‌ الخبر المروي (٤) عن الكاظم عليه‌السلام لما سئل « عن جارية حلف عليها سيدها أن لا يبيعها فقال : لله علي أن لا أبيعها فقال عليه‌السلام : ف لله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من كتاب الأيمان ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الأيمان ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من كتاب النذر والعهد ـ الحديث ٢.

(٤) التهذيب ج ٨ ص ٣١٠ الرقم ١١٤٩.

٣٣٧

بنذرك » وفي‌ موثق سماعة (١) « إنما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها ما جعل الله عليه في الشكر إن هو عافاه من مرضه أو عافاه الله تعالى من أمر يخافه أو رد عليه ماله أو رده من سفره أو رزقه الله رزقا فقال : لله علي كذا وكذا شكرا فهذا الواجب على صاحبه الذي ينبغي له أن يفي به » بل في الحدائق الاستدلال على ذلك بقول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (٢) : « ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة ولا نذر في مالها إلا بإذن زوجها إلا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة قرابتها » وإن كان هو كما ترى خصوصا بعد عدم القائل بمضمونه.

وعلى كل حال فـ ( لو أذن له ) مولاه في النذر فنذر وجب لعموم أدلته وجاز له المبادرة مع السعة ولو نهاه لكن فيه الاشكال السابق كما اعترف به هنا في كشف اللثام ، نعم لا إشكال في ذلك مع الضيق ، بل في محكي المنتهى والتحرير يجب عليه الحمولة مع الحاجة ، لأنه السبب في شغل ذمته وإن كان لا يخلو من نظر أو منع ، بل لعله كذلك أيضا في وجوب تمكينه من تحصيل ما يتوقف عليه الحج الواجب باستئجار على عمل ونحوه ، وإن جعله في المدارك وجها قويا ، هذا.

وقد ظهر لك مما ذكرنا أنه كذلك الحكم في ذات البعل بلا خلاف أجده فيه لا لما قيل من توقف حجها تطوعا على الاذن من الزوج ، فإنه غير الاذن في النذر ، بل لما سمعت من النص في اليمين الملحق به النذر والعهد بغير القياس الممنوع فيتوقف حينئذ صحة الثلاثة على الاذن منه ، ومعها ليس له المنع في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من كتاب النذر والعهد ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من كتاب النذر والعهد ـ الحديث ١.

٣٣٨

الضيق ، وفي السعة على الاشكال السابق ، ولو كانت أمة مزوجة توقف صحة نذرها على إذن المولى والزوج ، ثم إن الاذن المعتبرة يكفي في الصحة لحوقها في وجه قوي.

ويلحق بالزوجة والمملوك الولد على ما ذكره جماعة ، لاشتراكه معهما في الأدلة السابقة ، لكن في القواعد بعد اعتبار الاذن في الزوجة والعبد قال : للأب حل يمين الولد ، وظاهره عدم اعتبار الاذن في الصحة ، وانما له حلها ، بل في الحدائق نسبته إلى المشهور ، بل ظاهره أو صريحه كون الشهرة على ذلك في الزوجة والعبد أيضا ، وفي كشف اللثام يأتي للمصنف استقرابه عدم اشتراط انعقاد نذر أحد من الثلاثة باذن أوليائهم ، وانما لهم الحل متى شاءوا ، وإذا لم يأذنوا فإن زالت الولاية عنهم قبل الحل استقر المنذور في ذممهم ، وفيه أن الفرق بينهما وبين الولد واضح ، لمملوكية منافعهما دونه ، نعم قد عرفت اتحاد كيفية دلالة الدليل في الجميع ، ولعله ظاهر في اعتبار الاذن ، بل قد عرفت التصريح به في خبر الحسين بن علوان (١) الذي به يستكشف المراد مما في غيره ، مضافا إلى ظهور إرادة نفي الصحة في غيره مما تضمنه باللفظ المزبور ، ولعله لذا كان المحكي عن ثاني الشهيدين اعتبار الاذن في الثلاثة ، ووافقه عليه بعض من تأخر عنه ، وأما المناقشة باختصاص الدليل باليمين ولذا اقتصر عليه بعضهم في كتاب الأيمان وساوى هنا بينه وبين العهد ونظر في النذر فقد عرفت الجواب عنها ، وأن الظاهر اتحاد حكم الجميع ويأتي إن شاء الله تمام الكلام في ذلك في كتاب النذور والأيمان ، كما يأتي تمام الكلام فيما ذكره بعضهم هنا من أنه لو نذر الكافر أو عاهد لم ينعقد ، لتعذر نية القربة منه وإن استحب له الوفاء ، ولو حلف انعقد على رأي.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من كتاب النذر والعهد ـ الحديث ٢.

٣٣٩

مسائل ثلاث : الأولى إذا نذر الحج مطلقا غير مقيد بوقت فمنعه مانع أخره حتى يزول المانع ولا يبطل النذر بذلك ما لم يكن مانعا عنه في جميع الأوقات التي تدخل تحت الإطلاق إلى الموت ، فان المعروف بين الأصحاب ـ حتى نسبه في المدارك إلى قطعهم ، وحكى عن جده نفي الخلاف فيه ـ ان النذر المطلق يجوز تأخيره إلى ظن الوفاة ، لكن في كشف اللثام عن التذكرة أن عدم الفورية أقوى ، فاحتمل الفورية إما لانصراف المطلق إليها كما قيل في الأوامر المطلقة ، أو لأنا إن لم نقل بها لم يتحقق الوجوب لجواز الترك ما دام حيا ، أو لضعف ظن الحياة هنا ، لأنه إذا لم يأت به في عام لم يمكنه الإتيان به إلا في عام آخر ، أو لإطلاق بعض (١) الأخبار الناهية عن تسويف الحج ، قلت : ولذلك جعل بعضهم الغاية في الأوامر المطلقة الوصول إلى حد التهاون عرفا ، وقد يقال باستحقاقه العقاب بالترك تمام عمره مع التمكن منه في بعضه وإن جاز له التأخير إلى وقت آخر بظن التمكن منه ، فان جواز ذلك له بمعنى عدم العقاب عليه لو اتفق حصول التمكن له في الوقت الثاني لا ينافي استحقاق عقابه لو لم يصادف بالترك في أول أزمنة التمكن وتمام تحرير ذلك في غير المقام.

ولعله لذا لو تمكن من أدائه ثم مات قضي عنه من أصل تركته كما هو مقطوع به في كلام أكثر الأصحاب على ما في المدارك ، بل في كشف اللثام نسبته إلى قطعهم وإن قال للنظر فيه مجال ، للأصل وافتقار وجوبه إلى أمر جديد تبعا لما في المدارك حيث أنه بعد ان حكى عنهم الاستدلال له بأنه واجب مالي ثابت في الذمة فيجب قضاؤه من أصل المال كحج الإسلام قال : وهو استدلال ضعيف ، للأصل بعد احتياج القضاء إلى أمر جديد كما في حجة الإسلام ، ولمنع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب وجوب الحج.

٣٤٠