جواهر الكلام - ج ١٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

لا يعارضه النكاح المستحب ، بل في الثلاثة الأخيرة « وإن خاف العنت » خلافا لبعض العامة في الأخير ، بل في محكي التحرير « أما لو حصلت المشقة العظيمة فالوجه عندي تقديم النكاح » ونحوه في الدروس ومحكي المنتهى ، بل في المدارك عنه تقديمه في المشقة العظيمة التي لا تتحمل مثلها في العادة ، وفي الخوف من حدوث مرض أو الوقوع في الزنا ، وهو جيد ، كما هو خيرة السيد المزبور وجده والكركي وغيرهم على ما قيل ، لما تقدم من نفي الضرر والضرار والحرج ونحو ذلك ، ولا يخفى أن تحريم صرف المال في النكاح انما يتحقق مع توجه الخطاب بالحج وتوقفه على المال ، فلو صرف فيه قبل سير الوفد الذي يجب الخروج معه أو أمكنه الحج بدونه انتفى التحريم قطعا.

وكيف كان فـ ( لو بذل له زاد وراحلة ونفقة له ) بأن استصحب في الحج وأعطي نفقة لعياله إن كانوا ، أو قيل له حج وعلي نفقتك ذهابا وإيابا ونفقة عيالك ، أو لك هذا تحج به وهذا لنفقة عيالك ، أو أبذل لك استطاعتك للحج ، أو نفقتك للحج وللإياب ولعيالك ، أو لك هذا لتحج بما يكفيك منه وتنفق بالباقي على عيالك ، ونحو ذلك وجب عليه الحج من حيث الاستطاعة إجماعا محكيا في الخلاف والغنية وظاهر التذكرة والمنتهى وغيرهما إن لم يكن محصلا ، وهو الحجة بعد النصوص المستفيضة أو المتواترة ، ففي‌ صحيح محمد بن مسلم (١) « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام ـ في حديث ـ : فان عرض عليه الحج فاستحيى قال : هو ممن يستطيع الحج ولم يستحي ولو على حمار أجدع أبتر ، قال : فان كان يستطيع أن يمشي بعضا ويركب بعضا فليفعل » وصحيح معاوية بن عمار (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل لم يكن له مال فحج به رجل من إخوانه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٢.

٢٦١

أيجزي ذلك عن حجة الإسلام أم هي ناقصة؟ قال : بل هي حجة تامة » وقال عليه‌السلام أيضا (١) في خبره الآخر : « فان كان دعاه قوم أن يحجوه فاستحيى فلم يفعل فإنه لا يسعه إلا أن يخرج ولو على حمار أجدع أبتر » وفي‌ صحيح الحلبي (٢) عنه عليه‌السلام أيضا في حديث « قلت له : فان عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك أهو ممن يستطيع اليه سبيلا؟ قال : نعم ، ما شأنه يستحيي ولو يحج على حمار أجدع أبتر ، فإن كان يستطيع أن يمشي بعضا ويركب بعضا فليحج » وخبر أبي بصير (٣) سمعته أيضا يقول : « من عرض عليه الحج ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو مستطيع للحج » وخبره الآخر (٤) قلت له عليه‌السلام أيضا : « رجل كان له مال فذهب ثم عرض عليه الحج فاستحيى فقال : من عرض عليه الحج فاستحيى ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب فهو ممن يستطيع الحج » إلى غير ذلك من النصوص المروية في الكتب الأربع وغيرها.

ولا ينافي ذلك ما في بعضها من الأمر بمشي بعض وركوب بعض ، خصوصا بعد ما في كشف اللثام من احتمال كون الأمر بذلك بعد ما أستحيي فلم يحج أي لما استطاع بالبذل فلم يقبل ولم يحج استقر عليه ، فعليه أن يحج ولو مشيا ، فضلا عن مشي بعض وركوب بعض ، واحتمال كون المعنى إن بذل له حمار أجدع أبتر فيستحيي أن يركبه فليمش وليركبه إذا اضطر إلى ركوبه ، وكذا لا ينافيه ما فيها من الحمار الأجدع الأبتر ، سيما بعد ابتنائه على عدم اعتبار مناسبة الراحلة شرفا وضعة كما هو خيرة من عرفت ، أو أن ذلك في خصوص البذل ، أو تطرح بالنسبة إلى ذلك.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٨.

٢٦٢

وكيف كان فظاهرها كمقاعد أكثر الإجماعات تحقق الوجوب بمجرد البذل من غير فرق بين كونه على وجه التمليك أم لا ، ولا بين كونه واجبا بنذر وشبهه أم لا ، ولا بين كون الباذل موثوقا به أم لا ، ولا بين بذل عين الزاد والراحلة وبين أثمانهما ، لكن عن ابن إدريس اعتبار التمليك في الوجوب ومرجعه إلى عدم الوجوب بالبذل بناء على عدم وجوب القبول المقتضي للتمليك ، لأنه اكتساب فلا يجب ، ومن هنا في المختلف بعد أن حكى ذلك عنه قال : « إن فتاوى أصحابنا خالية عنه ، وكذا الروايات ، بل لو وهب المال لم يجب القبول » قلت : اللهم إلا أن يلتزم وجوب القبول في خصوص المقام ، وكذا الكلام فيما ذكره في التذكرة فإنه بعد أن حكى كلامه قال : « التحقيق هنا أن البحث هنا في أمرين : الأول هل يجب على الباذل بالبذل الشي‌ء المبذول له أم لا ، فان قلنا بالوجوب أمكن وجوب الحج على المبذول له ، لكن في إيجاب المبذول بالبذل إشكال ، أقربه عدم الوجوب ، وإن قلنا بعدم وجوبه ففي أجاب الحج إشكال ، أقربه العدم ، لما فيه من تعليق الواجب بغير الواجب » بل هو أوضح في رجوعه إلى عدم الوجوب بالبذل ، بل هو غير قابل لما ذكرناه من الاحتمال ، وحينئذ يكون مخالفا للنص والفتوى ومعاقد الإجماعات ، بل وكذا ما في الدروس ، قال : « ويكفي البذل في الوجوب مع التمليك أو الوثوق به ، وهل يستقر الوجوب بمجرد البذل من غير قبول؟ إشكال ، من ظاهر النقل ، وعدم وجوب تحصيل الشرط ، ولو حج كذلك أو في نفقة غيره أجزأ بخلاف ما لو تسكع ، فإنه لا يجزي عندنا ، وفيه دلالة على أن الاجزاء فرع الوجوب ، فيقوى الوجوب بمجرد البذل لتحقق الاجزاء ، إلا أن يقال الوجوب هنا لقبول البذل ، ولو وهبه زاد أو راحلة لم يجب عليه القبول ، وفي الفرق نظر ، وابن إدريس قال : لا يجب الحج بالبذل حتى يملكه المبذول ، وجنح اليه الفاضل » بل في حاشيته في الهامش على قوله :

٢٦٣

« وهل » إلى آخره كتب في آخرها انها منه « فيه تنبيه على قاعدتين : إحداهما إجزاء حج من حج بمجرد البذل ، ثانيتهما عدم إجزاء حج من حج متسكعا ، ولا فرق بينهما معقولا سوى أن المتسكع حج لا مع الوجوب ، والمبذول له حج مع الوجوب ، فيلزم من ذلك أن الاجزاء لا ينفك عن سبق الوجوب ، ولما كان الاجزاء حاصلا مع البذل دل على سبق الوجوب الاجزاء ، وذلك يستلزم الوجوب بمجرد البذل ، فانتفى الإشكال في الاستقرار بمجرد البذل من غير قبول قولا ، إلا أن يقال إشارة إلى جواب هذا الكلام وتقريره صحة المقدمات إلا قولكم : « وذلك يستلزم الوجوب بمجرد البذل » وسند منع صحتها أن ضروريات الاجزاء الوجوب على الإطلاق لا الوجوب بمجرد البذل ، ونحن نقول : الاجزاء مستند إلى قبول البذل إما قوليا كقبلت ، أو فعليا كاستمراره مع البذل على ذلك الممكن ، وهذا لا تردد فيه ، ولا يلزم منه وجوب القبول الذي فيه النزاع ، فالإشكال باق بحاله ، وهذا كلام بين لا يدفعه إلا ظاهر الرواية ، وابن إدريس اختار هذا أعني عدم وجوب القبول ، وقد أشار إليه الفاضل في التذكرة ، ولا بأس به » انتهى.

وهو كالصريح في عدم وجوب القبول نحو ما سمعت من الفاضل الذي قد خالف بذلك النص والفتوى ، بل ما ذكره هو أولا في التذكرة من معقد نسبته إلى علمائنا فضلا عن معقد إجماع غيره ، بل ومعقد إجماعه في غيرها كالمنتهى ، قال فيها : « ولو لم يكن له زاد وراحلة أو كان ولا مئونة له لسفره أو لعياله فبذل له باذل الزاد والراحلة ومئونته ومئونة عياله مدة غيبته وجب الحج عليه عند علمائنا ، سواء كان الباذل قريبا أو بعيدا لأنه مستطيع » وفي المنتهى « ولو بذل له زاد وراحلة ونفقة له ولعياله وجب عليه الحج مع استكمال الشروط الباقية‌

٢٦٤

وكذا لو حج به بعض إخوانه ، ذهب إليه علماؤنا ، خلافا للجمهور » وهو كما ترى لا يتم بناء على ما عرفت من عدم وجوب القبول الذي هو واضح الفساد ، وكونه منة لا تتحملها النفوس ولم يكلف الشارع معها بشي‌ء من التكاليف يدفعه أن المالك الحقيقي يلحظ ذلك في خصوص الحج الذي يراد به وجه الله تعالى ، بل ذلك في الحقيقة كأنه اجتهاد في مقابلة النص ، فلا ريب في وضوح فساده ، كوضوح فساد ما سمعته من ابن إدريس ، بل هو مخالف لظاهر النص والفتوى ، خصوصا في آخر الفصل الآتي ، ودعوى أنه لا معنى لتعليق الواجب بغير الواجب يدفعها مع أنها اجتهاد في مقابلة النص أن غاية ذلك عدم استقرار الوجوب ، ولا بأس به ، ضرورة كونه حينئذ كالمستطيع بنفسه الواجب عليه السير مع احتمال زوال الاستطاعة ، والاكتفاء بالاستصحاب مشترك بينهما ، على أن الدعوى المزبورة انما تقتضي وجوب البذل على الباذل للمبذول له بنذر وشبهه لا اعتبار خصوص التملك ، ومن هنا حكي عن الفاضل ذلك ، بل جزم به الكركي ، قال فيما حكي عنه في شرح عبارة المتن : هذا انما يستقيم إذا كان البذل على وجه لازم ، كما لو نذر له مال ليحج به ، أو نذر له ما يكفيه لمئونة الحج ، أما لو نذر له لا على هذا الوجه فإنه لا يجب القبول ، ولو نذر لمن يحج وأطلق ثم بذل لمعين ففي وجوب الحج نظر ، لأنه لا يصير مالكا إلا بالقبض ، ولا يجب عليه الاكتساب للحج بالقبض ، وكذا لو أوصى بمال لمن يحج فبذل لمعين ، وفي كشف اللثام بعد أن اختار ما قدمناه قال : وقد يقال بوجوب القبول إذا وجب البذل ، وقد يقال بوجوبه إذا وجب عينا لا تخييرا ، حتى لو نذر أو أوصى به لمن يحج مطلقا فبذل له لم يجب القبول.

لكن لا يخفى عليك ما في الجميع من مخالفته للنص والفتوى ومعاقد الإجماعات ، وأن تعليق الواجب على الجائز لا يقتضي إلا عدم الاستقرار ، نعم‌

٢٦٥

قد يقال باعتبار الطمأنينة بالوفاء أو بعدم الظن بالكذب حذرا من الضرر والخطر عليه ، وللشك في شمول أدلة الوجوب له إن لم تكن ظاهرة في خلافه ، بل لعل ذلك كذلك وإن وجب على الباذل ، بل هو في الحقيقة خارج عما نحن فيه ، ضرورة أن محل البحث الوجوب من حيث البذل من دون نظر إلى الموانع الخارجية التي قد تنتفي الاستطاعة معها ، كما هو واضح ، ولا ريب في أن المتجه ما قلنا عملا بإطلاق النص والفتوى ومعاقد الإجماعات ، مضافا إلى تحقق الاستطاعة بذلك.

كما أن المتجه لذلك كله أيضا ما صرح به غير واحد من الأصحاب من عدم الفرق في الوجوب بين بذل عين الزاد والراحلة وبين بذل أثمانهما ، خلافا لثاني الشهيدين فلم يوجبه في الثاني ، ولعله لأن القبول لها شرط لحصول الاستطاعة التي هي شرط للوجوب ، فلا يجب تحصيله ، وفيه أنه لا فرق في تحقق الاستطاعة عرفا ببذل كل منهما ، فيجب القبول حينئذ وغيره من المقدمات ، ضرورة صيرورة الوجوب حينئذ مطلقا ، فيجب حينئذ جميع مقدماته من شراء الآلات ونحوها ضرورة عدم كون ذلك من شرائط صدق الاستطاعة ، بل فهي مما يتوقف عليها فعل الحج من المستطيع ، فصدق الاستطاعة حينئذ حاصل بدونها ، وكفى فيه القدرة على شرائطها مثلا ، كما هو واضح بأدنى تأمل ، كل ذلك مضافا إلى ما في النصوص السابقة مما هو كالصريح في التعميم المزبور ، بل ربما ادعي معروفية بذل الأثمان في البذل دون عين الزاد والراحلة.

وكذا لا فرق في الوجوب بين بذل الجميع للفاقد وبين بذل البعض لمن كان عنده ما يملكه ، ضرورة أولويته من الأول في الحكم.

ولا يمنع الدين الوجوب بالبذل وإن منعه في غيره ، بل إن لم يقم إجماع على اعتبار بذل مئونة العيال في الوجوب أمكن منعه في المعسر عنها حضرا ،

٢٦٦

للإطلاق المزبور ، وليس المبذول من أملاكه المطلقة له كي يجب عليه إعطاء ما يلزمه منه ، ومن هنا قلنا لا يمنعه الدين ، ومن ذلك من وهب له مال اشترط الحج به عليه كما صرح به في الدروس.

ثم لا يخفى ظهور النص والفتوى أو صراحتهما خصوصا صحيح معاوية ابن عمار (١) المتقدم منه في أن حج المبذول له حج إسلام ، فلا يجب عليه حينئذ غيره وإن أيسر بعد ذلك ، لما عرفته سابقا من وجوبه في العمر مرة واحدة ، خلافا للشيخ فأوجبه في الاستبصار الذي لم يعده للفتوى ، لخبر الفضل بن عبد الملك (٢) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل لم يكن له مال فحج به أناس من أصحابه أقضى حجة الإسلام قال : نعم ، فإن أيسر بعد ذلك فعليه أن يحج ، قلت : هل تكون حجته تلك تامة أو ناقصة إذا لم يكن حج من ماله؟ قال : نعم قضي عنه حجة الإسلام وتكون تامة ليست بناقصة ، وإن أيسر فليحج وكذلك الناصب إذا عرف فعليه الحج وإن كان قد حج » القاصر سندا ودلالة عن معارضة غيره من وجوه ، فلا بأس بحمله على الندب كما عن المشهور ، بل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٦.

وينتهي خبر الفضل بن عبد الملك‌ بقوله عليه‌السلام : « وإن أيسر فليحج » على ما في الاستبصار ج ٢ ص ١٤٣ ـ الرقم ٤٦٧ والتهذيب ج ٥ ص ٧ ـ الرقم ١٨ وله ذيل طويل على ما في الكافي ج ٤ ص ٢٧٤ إلا أنه ليس فيه « وكذلك الناصب إذا عرف فعليه الحج وإن كان قد حج » وانما هو مذكور في ذيل خبر أبي بصير المروي في التهذيب ج ٥ ص ٩ ـ الرقم ٢٢ والكافي ج ٤ ص ٢٧٣ والفقيه ج ٢ ص ٢٦٠ ـ الرقم ١٢٦٥ وذكره في الاستبصار مستقلا ج ٢ ص ١٤٥ ـ الرقم ٤٧٤.

٢٦٧

لعله الظاهر عند التأمل ، خصوصا بعد ملاحظة حكم الناصب فيه المعلوم كونه كذلك ، وقد يحتمل كما في كشف اللثام أن يحج عن غيره وعدم بذل الاستطاعة فإن الحج به انما يستلزم استصحابه أو إرساله في الحج ، وهو أعم ، ولا يأبى عنه تسميته حج الإسلام ، ولا بأس به وإن كان بعيدا.

هذا كله في البذل المستفاد من‌ « عرض عليه الحج » (١) ونحوه في النصوص الظاهر في إباحة أكل الزاد وركوب الراحلة أو الإباحة المطلقة الشاملة للإذن في التملك ان أراده ونحو ذلك مما لم يعتبر في جواز التصرف فيه الملك كالهبة وبيع المحاباة ونحوهما ، ضرورة عدم صدق الاستطاعة بذلك قبل القبول الذي به يتم العقد المسبب للتمليك ، فلا إباحة قبله ولا ملك ، ومن هنا قال المصنف والفاضل وغيرهما ولو وهب له مال لم يجب عليه قبوله من غير فرق بين الهبة مطلقا ولخصوص الحج ، وبين هبة نفس الزاد والراحلة وأثمانهما ، فما في الدروس ـ من النظر في الفرق بين الهبة والبذل ، بل في المدارك وغيرها الجزم بعدم الفرق ـ واضح الضعف ، كوضوح الفرق بينهما بما عرفت ، لا لأن البذل يفيد التمليك بلا قبول بخلاف الهبة ، إذ هو كما ترى واضح المنع ، كوضوح فساد الإيراد عليه بأن الهبة قربة إلى الله تعالى لا يعتبر في تملكها القبول ، وانما التحقيق ما سمعت ولا ينافيه ما قدمناه في صور البذل التي لم يدخل فيها ما نحن فيه مما أريد منه التملك بعقد الهبة فصدر منه الإيجاب بقصد الإنشاء الذي لا يؤثر أثرا حتى يتعقبه القبول ، وبدونه يكون فاسدا لا يجوز التصرف فيه ، فتأمل جيدا.

انما الكلام في وجوب الحج على من أبيح له المال على وجه الإطلاق الشامل للحج وغيره على وجه لو أراد الحج استطاعة بالإباحة المزبورة ، فقد يقال به‌

__________________

(١) أي : هذا كله في البذل المستفاد من‌ قولهم عليهم‌السلام : « عرض عليه الحج ».

٢٦٨

لصدق الاستطاعة الذي قد استدل به على الوجوب في المبذول له لخصوص الحج ولو بالإباحة المزبورة ، وقد يقال بعدمه اقتصارا فيما خالف ما دل على عدم الوجوب في غير الحج من التكاليف كالوضوء والغسل ولباس الصلاة ومكانها على المتيقن من النصوص المزبورة ، بل هو الظاهر منها أو صريحها ، ولعله الأقوى ، بل قد يقوى أيضا عدم الوجوب على من استطاعة براحلة موقوفة ونحوها وزاد مبذول لا لخصوص الحج ، بل إن لم ينعقد إجماع على وجوبه للمبذول لهم الحج على جهة الإطلاق من دون خصوصية كأن يقال بذلت الزاد والراحلة لكل من يريد الحج مثلا أمكن القول بعدمه ، للأصل وغيره ، وبالجملة المدار في المسألة أن وجوب الحج على المبذول له لصدق الاستطاعة المتحقق في ذلك وأمثاله ، أو أنه لمكان الأدلة المخصوصة ، لعدم الاكتفاء بهذه الاستطاعة المشتملة على المنة التي سقط لها ونحوها أكثر التكاليف ، ولعل الأخير لا يخلو من قوة ، فتأمل جيدا فإنه نافع في المقام.

ولو استؤجر للمعونة على السفر وشرط له الزاد والراحلة أو بعضه وكان بيده الباقي مع نفقة أهله وجب عليه وأجزأه عن الفرض إذا حج عن نفسه كما في القواعد وغيرها ، وهو المراد مما في التذكرة « ولو طلب من فاقد الاستطاعة إيجار نفسه للمساعدة في السفر بما تحصل به الاستطاعة لم يجب القبول ، لأن تحصيل شرط الوجوب ليس بواجب ، نعم لو آجر نفسه بما تحصل به الاستطاعة أو ببعضه إذا كان مالكا للباقي وجب عليه الحج ، وكذا لو قبل مال الهبة ، لأنه الآن مالك للاستطاعة ، كما أن المراد مما في المتن وغيره الاستيجار بما يقتضي الاستطاعة أو شرطه أو نحو ذلك مما لا إشكال في عدم وجوب القبول عليه فيه ، لأنه تحصيل لشرط الوجوب فلا يجب ، كما لا إشكال في الوجوب عليه بعد القبول لتحقق الاستطاعة حينئذ.

٢٦٩

نعم قد يشكل ذلك بأن الوصول إلى مكة والمشاعر قد صار واجبا على الأجير بالإجارة ، فكيف يكون مجزيا عن حجة الإسلام ، وما الفرق بينه وبين ناذر الحج في سنة معينة إذا استطاع في تلك السنة لحجة الإسلام ، حيث حكموا بعدم تداخل الحجتين ، ويدفع بأن الحج الذي هو عبارة عن مجموع الأفعال المخصوصة لم تتعلق به الإجارة ، وانما تعلقت بالسفر خاصة ، وهو غير داخل في أفعال الحج ، وانما الغرض منه مجرد انتقال البدن إلى تلك الأمكنة ليقع الفعل حتى لو تحققت الاستطاعة فانتقل ساهيا أو مكرها أو على وجه محرم ثم أتى بتلك الأفعال صح الحج ، ولا يعتبر وقوعه لأجل الحج قطعا ، سواء قلنا بوجوب المقدمة أو لا ، وهذا بخلاف نذر الحج في السنة المعينة ، فإن الحج نفسه يصير واجبا بالنذر ، فلا يكون مجزيا عن حجة الإسلام ، لاختلاف السببين كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله ، وقد‌ سأل معاوية بن عمار (١) الصادق عليه‌السلام « عن الرجل يمر مجتازا يريد اليمين أو غيرها من البلدان وطريقه بمكة فيدرك الناس وهم يخرجون إلى الحج فيخرج معهم إلى المشاهد أيجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ فقال : نعم » وسأله عليه‌السلام أيضا (٢) « عن حجة الجمال تامة هي أو ناقصة؟ فقال : تامة » وفي خبر الفضل بن عبد الملك (٣) انه عليه‌السلام سئل « عن الرجل يكون له الإبل يكريها فيصيب عليها فيحج وهو كري يغني عنه حجه أو يكون يحمل التجارة إلى مكة فيحج فيصيب المال في تجارته أو يضع تكون حجته تامة أو ناقصة ، أو لا تكون حتى يذهب إلى الحج ولا ينوي غيره أو يكون ينويهما جميعا أيقضي ذلك حجته؟ قال : نعم حجته تامة » فظهر لك من ذلك كله أنه لا تنافي بين وقوع حجة الإسلام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٥.

٢٧٠

ووجوب قطع المسافة عليه بالإجارة مثلا في الفرض ، وانه غير مانع من صدق اسم الاستطاعة ، ضرورة عدم منافاة وجوب القطع المزبور لها بعد ما عرفت من إمكان الجمع بينهما ، كما هو واضح.

هذا كله فيمن استطاع بالإجارة على قطع الطريق وأما لو كان عاجزا عن الحج فحج متسكعا أو حج عن غيره لم يجزه عن فرضه قطعا وإن كان قد استطاع بهذه النيابة وكان عليه الحج إن وجد الاستطاعة بعد ذلك ولو باستمرار بقائها إلى السنة القابلة لو فرض حصولها بعوض النيابة بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، مضافا إلى وضوح وجهه ، وإلى‌ قول أبي الحسن عليه‌السلام في خبر آدم بن علي (١) المنجبر بما عرفت : « من حج عن إنسان ولم يكن له مال يحج به أجزأت عنه حتى يرزقه الله تعالى ما يحج به ، ويجب عليه الحج » وقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٢) : « لو ان رجلا موسرا أحجه رجل كانت له حجة فان أيسر بعد ذلك كان عليه الحج » بناء على أن المراد من الإحجاج فيه النيابة عن رجل لا البذل ، وإلى تناول ما دل على الوجوب له ، وإلى غير ذلك مما لا يصلح لمعارضته ما في‌ صحيح جميل (٣) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل ليس له مال حج عن رجل أو أحجه غيره ثم أصاب مالا هل عليه الحج؟ قال : يجزي عنهما جميعا » خصوصا بعد احتمال عود الضمير فيه إلى المنوب عنهما فيمن حج عنه تبرعا ومن أحجه غيره بقرينة تثنية الضمير في الجواب ، ويكون حينئذ غرض السائل السؤال عن إجزاء حج الصرورة نيابة واحتمال عود الضمير إلى النائب والمنوب على معنى الاجزاء عن النائب فيما عليه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٦.

٢٧١

من النيابة ، كقوله عليه‌السلام أيضا في‌ صحيح معاوية بن عمار (١) : « حج الصرورة يجزي عنه وعمن حج عنه » وأما حسنه (٢) سأله عليه‌السلام « عن رجل حج عن غيره يجزيه عن حجة الإسلام قال : نعم » فيحتمل الاجزاء عن المنوب عنه ، وكون المراد الحج المندوب في حالة الإعسار دون حال اليسار ، وغير ذلك ، وكذا‌ خبر عمرو ابن الياس (٣) قال : « حج بي أبي وأنا صرورة فقلت لأبي : إني أجعل حجتي عن أمي فقال : كيف يكون هذا وأنت صرورة وأمك صرورة ، قال : فدخل أبي على أبي عبد الله عليه‌السلام وأنا معه فقال : أصلحك الله اني حججت بابني هذا وهو صرورة وماتت امه وهي صرورة فزعم انه يجعل حجته عن امه فقال : أحسن هي عن امه أفضل ، وهي له حجة » على انه معارض بصحيح ابن مهزيار (٤) قال : « كتبت إلى أبي جعفر عليه‌السلام ان ابني معي وقد أمرته ان يحج عن أمي يجزي عنها حجة الإسلام؟ فكتب لا وكان ابنه صرورة وكانت امه صرورة » ولا وجه للجمع بينهما إلا ما قلناه من كون المراد بحج الإسلام في الأول المندوب ، وفي الثاني الواجب ، وإن أبيت فلا بد من الطرح في مقابلة ما عرفت ، كما اعترف به في المدارك مع اختلال طريقته وما هو إلا لأن المسألة من القطعيات التي لا يقبل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٤.

(٣) ذكر ذيله في الوسائل في الباب ـ ٢١ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٣ وتمامه في التهذيب ج ٥ ص ٨ الرقم ٢١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب النيابة في الحج ـ الحديث ٤ عن علي بن مهزيار عن بكر بن صالح وهو الصحيح كما في الاستبصار ج ٢ ص ٣٢١ والتهذيب ج ٥ ص ٤١٢.

٢٧٢

فيها أمثال ذلك ، فمن الغريب وسوسة بعض متأخري المتأخرين كصاحب الذخيرة في الحكم بعد ذلك لهذه النصوص التي لا دلالة معتدا بها في شي‌ء منها إلا صحيح جميل الذي قد عرفت الحال فيه ، بل قيل : إنه باعتبار عدم انطباق الجواب فيه إلا عن أول الأمرين في السؤال ـ مع أن إصابة المال قد ذكرت بعد الثاني ـ مضطرب ومظنة لعدم الضبط في حكاية الجواب ، فيشكل حينئذ لذلك فضلا عن غيره الالتفات إليه في مثل هذا الحكم المخالف للأصل والفتاوى وغيرها ، كما هو واضح‌

الشرط الرابع أن يكون له ما يمون به عياله حتى يرجع فاضلا عما يحتاج اليه ، فلو قصر ماله عن ذلك لم يجب عليه الحج بلا خلاف أجده ، بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه ، للأصل وعدم تحقق الاستطاعة بدونه. خصوصا بعد أن اعتبر الشارع فيها ما هو أسهل منه ، ضرورة وجوب الإنفاق عليه ، فهو حينئذ سابق على وجوب الحج ، فلا استطاعة مع عدمه. ول‌ خبر أبي الربيع الشامي (١) الذي رواه المشايخ الثلاثة « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ ) ـ إلى آخره ـ فقال : ما يقول الناس؟ قال : فقيل : الزاد والراحلة ، قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : قد سئل أبو جعفر عليه‌السلام عن هذا فقال : هلك الناس إذا لئن كان لمن كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت به عياله ويستغني به عن الناس ينطلق إليهم فيسلبهم إياه لقد هلكوا إذا ، فقيل له : فما السبيل؟ فقال : السعة في المال إذا كان يحج ببعض ويبقى بعضا يقوت به عياله أليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلها إلا على من يملك مائتي درهم » بل رواه المفيد في المقنعة أيضا إلا انه زاد بعد قوله : ويستغنون به عن الناس « يجب عليه أن يحج بذلك ثم يرجع فيسأل الناس بكفه لقد هلك إذا » ثم ذكر تمام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ١.

٢٧٣

الحديث ، وقال فيه : « يقوت به نفسه وعياله » وخبر الأعمش (١) المروي عن الخصال بسنده اليه عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام في حديث شرائع الدين ، قال : « وحج البيت واجب على من استطاع اليه سبيلا ، وهو الزاد والراحلة مع صحة البدن ، وأن يكون للإنسان ما يخلفه على عياله وما يرجع اليه بعد حجه » بل عن‌ الطبرسي في مجمع البيان (٢) أنه قال في قوله ( وَلِلّهِ ) إلى آخره المروي عن أئمتنا عليهم‌السلام : « إنه الزاد والراحلة ونفقة من يلزمه نفقته ، والرجوع إلى كفاية إما من مال أو ضياع أو حرفة مع صحة في النفس وتخلية الدرب من الموانع وإمكان المسير » المؤيد ذلك كله بخبر عبد الرحيم القصير (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « سأله حفص الأعور وأنا أسمع عن قول الله عز وجل ( وَلِلّهِ ) ـ إلى آخره ـ فقال : ذلك القوة في المال واليسار ، قال : فان كانوا موسرين فهم ممن يستطيع قال : نعم » إلى غير ذلك.

لكن في المنتهى والمدارك « أن المراد من وجبت نفقته عليه من العيال وبالمئونة ما يتناول الكسوة وغيرها حيث يحتاجون إليها ، أما من يستحب فلا ، لأن الحج فرض ، فلا يسقط بالنفل » قلت : قد يشكل ذلك بظهور النص فيمن يعول به عرفا ، وليس هو من معارضة المستحب للواجب ، بل من توقف حصول الخطاب بالواجب عليه ، وفرق واضح بين المقامين ، بل الظاهر استثناء ما يحتاج اليه من مئونة أضيافه ومصانعاته وغيرها من مؤنة له ، ضرورة كون المراد بالاستطاعة على ما يظهر من هذه النصوص وما تقدم في المسكن والخادم ونحوهما وجدان ما يزيد على ما يحتاجه من أمثال ذلك اللازمة له أولا وبالذات أو ثانيا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٣.

٢٧٤

وبالعرض ، كالحفظ لعرضه ودفع النقص عنه أو ظلم الجائر أو نحو ذلك ، وهو الذي رمز إليه‌ الإمام عليه‌السلام بقوله : « اليسار في المال » بل قد يندرج التكليف بالحج مع عدم ملاحظة ذلك في الحرج والضرر والعسر المنفية عقلا وآية ورواية ، فهي حينئذ الدليل له كنظائره مما تقدم سابقا في استثناء المسكن والخادم ونحوهما فلاحظ وتأمل جيدا.

وكيف كان فالحج من الواجبات التي يعتبر فيها المباشرة التي هي الأصل في كل العبادات المطلوب فيها الخضوع وإظهار العبودية وحينئذ فالمستطيع لو حج عنه غيره مـ ( من يطيق الحج لم يسقط عنه فرضه ، سواء كان ) النائب واجدا للزاد والراحلة أو فاقدهما وكذا لو تكلف الحج مع عدم الاستطاعة بلا خلاف أجده بيننا ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه وعلى عدم الاجزاء لو حج بنفسه غير مستطيع أو أحج نائبا عنه ثم استطاع كما تقدم ، لعدم إجزاء المندوب عن الواجب ، ولأنه مع قصد الاجتزاء به عنه كالصلاة قبل الوقت والزكاة قبل الوجوب ، إذ الأصل عدم إجزاء المندوب والمتبرع به قبل الوجوب عن الواجب ، كأصالة عدم إجزاء فعل الغير عما اعتبر فيه المباشرة المتمكن منها ، فما عن العامة من الاجتزاء بتقديم الحج قبل الاستطاعة واضح الفساد ، ولا يخفى عليك ما في عبارة المتن من عدم حسن التأدية ، ولعلها هي بالبناء للمجهول من دون اتصال الضمير بحرف الجر ، بل المجرور فيها به « من » واشتبه النساخ فيها والأمر سهل بعد وضوح المطلوب.

وعلى كل حال فـ ( لا يجب على الولد بذل ماله لوالده في الحج ) ولا يجوز للوالد فضلا عن أن يجب عليه أخذ ما يستطيع به من مال ولده الصغير ولا يجب عليه الالتهاب من الكبير على الأشهر بل المشهور ، للأصل وقول‌

٢٧٥

أبي جعفر عليه‌السلام في خبر الثمالي (١) قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للرجل : أنت ومالك لأبيك ، ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : وما أحب له أن يأخذ من مال ابنه إلا ما يحتاج اليه مما لا بد منه ، ان الله عز وجل ( لا يُحِبُّ الْفَسادَ ) » وخبر الحسين بن أبي العلاء أو حسنه (٢) على ما رواه في معاني الأخبار سأل الصادق عليه‌السلام « ما يحل للرجل من مال ولده قال : قوته بغير سرف إذا اضطر اليه ، قال : فقلت له : فقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للرجل الذي أتاه فقدم أباه فقال : أنت ومالك لأبيك ، فقال : انما جاء بأبيه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله هذا أبي قد ظلمني ميراثي من أمي فأخبره الأب أنه قد أنفقه عليه وعلى نفسه فقال : أنت ومالك لأبيك ، ولم يكن عند الرجل شي‌ء ، أفكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبس الأب للابن » وخبر علي بن جعفر (٣) سأل أخاه عليه‌السلام « الرجل يأكل من مال ولده قال : لا إلا أن يضطر إليه ، فليأكل منه بالمعروف » وخبر ابن سنان (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ماذا يحل للوالد من مال ولده؟ فقال : أما إذا أنفق عليه ولده بأحسن النفقة فليس له أن يأخذ من ماله شيئا ، فإن كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له أن يطأها إلا ان يقومها قيمة تصير لولده قيمتها عليه ، قال : ويعلن ذلك ، قال : وسأله عن الوالد يرزأ ـ أي يصيب ـ من مال ولده قال : نعم ، ولا يرزأ الولد من مال والده شيئا إلا بإذنه ، فإن كان للرجل ولد صغار لهم جارية فأحب أن يعتقها فليقومها على نفسه قيمة ثم يصنع بها ما شاء ، إن شاء وطأ وإن شاء باع » إلى غير ذلك من النصوص الدالة على عدم الجواز إلا مع الحاجة.

خلافا للمحكي عن النهاية والخلاف والتهذيب والمهذب ، إلا ان في الأولين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٢ من كتاب التجارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٩ من كتاب التجارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٦ من كتاب التجارة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٣ من كتاب التجارة.

٢٧٦

النص على الوجوب ، وفي الأخير على الجواز ، وأجمل في التهذيب انه يأخذ من مال الولد ، وفي محكي المبسوط روى أصحابنا انه إذا كان له ولد وله مال وجب عليه أن يأخذ من ماله ما يحج به ، ويجب عليه إعطاؤه ، وكأنه أشار بذلك الى‌ صحيح سعيد بن يسار (١) سأل الصادق عليه‌السلام « الرجل يحج من مال ابنه وهو صغير قال : نعم يحج منه حجة الإسلام قال : وينفق منه قال : نعم ، ثم قال : إن مال الولد لوالده ، إن رجلا اختصم هو ووالده إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقضى أن المال والولد للوالد » وفي محكي الخلاف « روى الأصحاب إذا كان له ولد وله مال وجب عليه أن يأخذ من مال ولده قدر ما يحج به ، ويجب عليه إعطاؤه ، وخالف جميع الفقهاء في ذلك ، دليلنا الأخبار المروية في هذا المعنى من جهة الخاصة وقد ذكرناها في الكتاب الكبير ، وليس فيها ما يخالفها ، فدل على إجماعهم على ذلك » قلت : لم نعرف من وافقه على ذلك غير المفيد ، كما انك عرفت ما يخالف الرواية المزبورة القاصرة بالاعراض وغيره عن إثبات مثل هذا الحكم ، وإن أمكن تأييدها بما دل على جواز أكل الأب من مال ولده ، وبما في‌ صحيح ابن مسلم (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام في كتاب علي عليه‌السلام « ان الولد لا يأخذ من مال والده شيئا إلا باذنه ، والوالد له أن يأخذ من مال ابنه ما شاء ، وله ان يقع على جارية ابنه إن لم يكن الابن وقع عليها ، وذكر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لرجل : أنت ومالك لأبيك » وخبر الحسين بن علوان (٣) عن زيد بن علي عن آبائه عن علي ( عليهم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ١ من كتاب التجارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ١.

٢٧٧

السلام ) قال : « أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل فقال : يا رسول الله إن أبي عمد إلى مملوك لي فأعتقه كهيئة المضر بي ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت ومالك من هبة الله تعالى لأبيك أنت سهم من كنانته ، ( يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً ، وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ ) ،. ( وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً ) ، جازت عتاقة أبيك ، يتناول والدك من مالك وبدنك ، وليس لك أن تتناول من ماله ولا من بدنه شيئا إلا باذنه » وخبر محمد ابن سنان (١) عن الرضا عليه‌السلام المروي عن العيون والعلل انه كتب اليه فيما كتب من جواب مسائله « وعلة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه وليس ذلك للولد لأن الولد موهوب للوالد في قول الله عز وجل (٢) ( يَهَبُ لِمَنْ ) » إلى آخره مع انه المأخوذ بمئونته صغيرا أو كبيرا ، والمدعو له لقوله عز وجل (٣) ( ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ ) ول‌ قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنت ومالك لأبيك » وليس للوالدة مثل ذلك ، ولا تأخذ شيئا من ماله إلا بإذنه أو إذن الأب ، لأن الوالد مأخوذ بنفقة الولد ، ولا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها » وخبر علي بن جعفر (٤) سأل أخاه عليه‌السلام « عن الرجل يكون لولده الجارية أيطأها؟ قال : إن أحب ، وإن كان لولده مال وأحب أن يأخذ منه فليأخذ ، وإن كانت الأم حية فلا أحب أن تأخذ منه شيئا إلا قرضا ».

إلا ان العمدة هي ، إذ هذه النصوص وإن دلت على جواز تناول الأب لكن يمكن أن يكون ذلك مع الحاجة إليه ، كما دل عليه ما تقدم ، بل هو المتجه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ١٠ من كتاب التجارة.

(٢) سورة الشورى ـ الآية ٤٨.

(٣) سورة الأحزاب ـ الآية ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ١١ من كتاب التجارة.

٢٧٨

جميعا بين الأدلة ، على أنه لو سلم الجواز مطلقا فوجوب الحج بذلك محل نظر أو منع يعرف مما قدمنا في الوجوب على من أبيح له المال على جهة الإطلاق ، ومن هنا لم يذكروا في المقام إلا خبر سعيد المزبور ، بل في كشف اللثام كان الشيخ في الخلاف أراد بالأخبار المروية في التهذيب خبر سعيد وحده ، لأنه رواه فيه بطرق ثلاثة ، في الحج بطريقين : أحدهما طريق موسى بن القسم ، والآخر طريق أحمد ابن محمد بن عيسى ، وفي المكاسب بطريق ثالث هو طريق الحسين بن سعيد ، قلت : وبهذا الاعتبار حينئذ أطلق عليه الأخبار ، أو انه يريد ما ذكرناه من النصوص ، لكنك قد عرفت ما في الاستناد إليها ، بل الصحيح المزبور محتمل للاقتراض كما عن الاستبصار واجبا أو مستحبا كما عن التحرير والتذكرة إذا كان مستطيعا بغيره ، ولمساواة نفقته في الحج لها في غيره مع وجوب نفقته على الولد كما في كشف اللثام ، وإن كان قد يناقش في وجوب الحج عليه بذلك ، وحينئذ فقصور الصحيح المزبور عن إثبات ذلك واضح ، فوسوسة الفاضل الخراساني كما قيل في الحكم المزبور لذلك في غير محلها ، خصوصا بعد ما في الحدائق من احتمال النصوص السابقة الحمل على التقية ، كما يشعر به مزيد التأكيد في خبر الحسين بن علوان الذي جميع رجاله من العامة ، على أن العمدة فيها النبوي الذي قد ذكر حاله في خبر ابن أبي العلاء (١) بل وصحيح الثمالي (٢) الذي قد ذكر فيه أولا ثم قال : ما يقتضي خلافه مؤميا بذلك إلى عدم صحته ، فلاحظ وتأمل ، والله العالم‌

الشرط الخامس إمكان المسير بلا خلاف أجده فيه ، بل في محكي المعتبر والمنتهى اتفاقنا عليه ، وهو الحجة ، مضافا إلى عدم تحقق الاستطاعة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٩ من كتاب التجارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٢ من كتاب التجارة.

٢٧٩

بدونه ، وإلى نفي الحرج والعسر والضرر والضرار ، وقول الصادق عليه‌السلام في صحيح ذريح (١) : « من مات ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا » وقول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية بن عمار (٢) في قوله ( وَلِلّهِ ) ـ إلى آخره ـ « هذه لمن كان عنده مال وصحة » كقوله عليه‌السلام في صحيح هشام بن الحكم (٣) : « إن كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد وراحلة » وغير ذلك مما يدل على اعتبار ذلك ولو بالنسبة إلى بعض أفراده ، إذ هو يشتمل على اعتبار الصحة وتخلية السرب بفتح السين المهملة وقد تكسر وإسكان الراء الطريق والاستمساك على الراحلة وسعة الوقت لقطع المسافة وغير ذلك مما يتوقف الإمكان عليه كله فلو كان مريضا بحيث يتضرر بالركوب الذي يتوقف عليه الحج ولو بالمشقة التي لا تتحمل ، أو صحيحا يتضرر به كذلك لكبر أو زيادة ضعف أو نحو ذلك لم يجب الحج لما عرفت بلا خلاف أجده فيه ، بل عن المنتهى كأنه إجماعي ، بل عن المعتبر اتفاق العلماء عليه ، نعم لو كان المرض يسيرا لا يشق معه الركوب ولا يضره لم يسقط الحج قطعا ، لإطلاق الأدلة السالم عن معارضة ما دل بإطلاقه على اعتبار الصحة في الاستطاعة بعد انصرافه إلى الأول ، خصوصا بملاحظة الوصف في صحيح ذريح ، ومن هنا قال المصنف كغيره : ولا يسقط الحج باعتبار المرض مع إمكان الركوب بل لا أجد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٧.

٢٨٠