جواهر الكلام - ج ١٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الوقوف بالمشعران اجتزأنا بذلك ، إذ لا يخفى عليك أن المتجه بناء على ما عرفت فساد حجه بتعمده ، وحينئذ يترتب عليه القضاء بعد البلوغ كالغسل بالجنابة الصادرة منه ، وربما يأتي لذلك تتمة عند تعرض المصنف له ، والله أعلم.

الشرط الثاني الحرية ، فلا يجب الحج ولا العمرة على المملوك وإن أذن له مولاه وتشبث بالحرية وبذل له الزاد والراحلة ، للأصل والإجماع بقسميه منا ومن غيرنا ، وقول أبي الحسن موسى عليه‌السلام في الموثق (١) : « ليس على المملوك حج ولا عمرة حتى يعتق » وقوله عليه‌السلام في خبر آدم بن علي (٢) : « ليس على المملوك حج ولا جهاد ، ولا يسافر إلا بإذن مالكه » قيل : ولعدم الاستطاعة ، لأنه لا يملك شيئا ولا يقدر على شي‌ء ، وفيه أنه يمكن تحققها ببذل ونحوه ، فالعمدة في الدليل ما سمعت.

ومنه يعلم أنه لو تكفله باذن مولاه صح حجه لكن لا يجزيه عن حجة الإسلام مضافا إلى الإجماع بقسميه عليه منا ومن غيرنا أيضا ، وقول الكاظم عليه‌السلام (٣) في صحيح أخيه : « المملوك إذا حج ثم أعتق فإن عليه إعادة الحج » وقول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (٤) : « إن المملوك إذا حج وهو مملوك ثم مات قبل أن يعتق أجزأه ذلك الحج ، فإن أعتق أعاد الحج » وقوله عليه‌السلام (٥) في الصحيح الآخر : « المملوك إذا حج وهو مملوك أجزأه إذا مات قبل أن يعتق ، فإن أعتق أعاد الحج » وقوله عليه‌السلام أيضا في خبر مسمع (٦) : « لو أن عبدا حج عشر حجج كانت عليه حجة الإسلام إذا استطاع إلى ذلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٥.

٢٤١

سبيلا » وخبر إسحاق بن عمار (١) : « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن أم الولد تكون للرجل قد أحجها أيجزي ذلك عنها من حجة الإسلام؟ قال : لا ، قلت : لها أجر في حجتها قال : نعم » إلى غير ذلك من النصوص التي لا يعارضها‌ خبر حكم ابن حكيم الصيرفي (٢) سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « أيما عبد حج به مواليه فقد أدرك حجة الإسلام » الذي أجمعت الأمة على خلافه ، فمن الواجب طرحه أو حمله على إدراك ثواب حجة الإسلام ما دام مملوكا كما أومأ إليه لفظ الاجزاء في الصحيح المزبور (٣) ، ويشهد له‌ خبر أبان بن الحكم (٤) : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر ، والعبد إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يعتق » أو على إدراك الموقفين معتقا أو غير ذلك.

( فـ ) لا إشكال كما لا خلاف في الحكم المزبور ، نعم إن حج باذن مولاه وأدرك الوقوف بعرفة والمشعر أو بالمشعر معتقا أجزأه ذلك عن حجة الإسلام بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل في محكي المنتهى لو حج باذن مولاه ثم أدركه العتق فان كان قبل الوقوف في الموقفين أجزأه الحج سواء كان قد فعل الإحرام أو لا ، ولا نعلم خلافا في أنه لو أعتق قبل إنشاء الإحرام بعرفة فأحرم أنه يجزيه عن حجة الإسلام عندنا أيضا ، ذهب إليه علماؤنا مضافا إلى‌ صحيح معاوية بن عمار (٥) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : مملوك أعتق يوم عرفة فقال : إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج » وزاد فيما رواه في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٢.

٢٤٢

المعتبر « وإن فاته الموقفان فقد فاته الحج ، ويتم حجه ويستأنف حجة الإسلام » وصحيح شهاب (١) عنه عليه‌السلام أيضا « في رجل أعتق عشية عرفة عبدا له قال : يجزي عن العبد حجة الإسلام ، ويكتب لسيده أجران : ثواب الحج وثواب العتق » ونحوه في الاجزاء خبره الآخر (٢) وغيرها من النصوص الظاهرة أو الصريحة في إدراك حجة الإسلام بذلك وإن لم يكن مستطيعا كما هو الغالب في محل الفرض ، خصوصا بناء على استحالة ملكه.

لكن في الدروس اشتراط تقدم الاستطاعة وبقائها ، وتعجب منه في المدارك ، لاستحالة ملك العبد عنده ، ومن هنا قال هو : وينبغي العطع بعدم اعتبار الاستطاعة هنا مطلقا ، لإطلاق النص خصوصا السابقة ، وقد تقدم تحقيق الحال في ذلك وفي التجديد للنية وغيرهما من المباحث التي لا يخفى عليك جريانها في المقام الذي هو الأصل لذلك المقام.

كما انه لا يخفى عليك الحال فيما ذكروه من الفروع هنا ، كعدم جواز رجوع السيد بالاذن بعد التلبس ، ضرورة وجوب الإتمام على العبد به ، لإطلاق أدلته المعلوم تحكيمه على ما دل (٣) على وجوب طاعة العبد ولو بملاحظة النظائر وحينئذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، بل لو رجع السيد قبل التلبس ولم يعلم العبد به حتى أحرم وجب الاستمرار في أقوى الوجهين ، لأنه دخل دخولا مشروعا ، فكان رجوع المولى كرجوع الموكل قبل التصرف ولم يعلم الوكيل ، فما عن الشيخ من أنه يصح إحرامه وللسيد أن يحله واضح الضعف ، وإن استشكله في القواعد بل اختاره في المختلف لعموم حق المولى ، وعدم لزوم الاذن ، خصوصا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٤.

(٣) البحار ـ الجزء الرابع من المجلد الخامس عشر ص ٤١ الطبعة الكمپاني.

٢٤٣

وقد رجع قبل التلبس ، ولكن فيه أن صحة الإحرام انما هي لبطلان رجوع المولى ، فكأنه لم يرجع ، فيشمله قوله تعالى (١) ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ ) الآية وغيره والإحرام ليس من العبادات الجائزة ، وانما يجوز الخروج منه في مواضع مخصوصة ولم يثبت أن هذا منها ، ولعل احتمال عدم صحة الإحرام لعدم حصول الشرط في الواقع الذي هو كالوضوء للصلاة ـ فالاستصحاب انما هو لجواز الإقدام في الظاهر ومتى بان فساده انكشف البطلان ـ أقوى من ذلك ، ولذا تردد في الصحة وعدمها المصنف في المحكي من معتبره وغيره ، وإن كان فيه منع الشرطية على الوجه المزبور لعدم ما يدل عليها كذلك ، بل أقصاه أنها كاشتراط طهارة الثوب للصلاة ، فتأمل جيدا ، نعم لو رجع قبل التلبس وعلم العبد بذلك لم يكن له إحرام ، وفي الاكتفاء بالعدل الواحد هنا وجه قوي.

وللمولى بيع العبد في حال الإحرام قطعا ، بل في المدارك إجماعا ، للأصل السالم عن المعارض بعد كون الإحرام لا يمنع التسليم ، وعدم جواز التحليل للثاني للوجوب على العبد بإذن الأول لا يقضي بفساد البيع ، بل أقصاه الخيار مع عدم قصر الزمان بحيث لا يفوته شي‌ء من المنافع ، لحديث نفي الضرر والضرار (٢).

ولو جنى العبد في إحرامه بما يلزم فيه الدم كاللباس والطيب لزمه دون السيد للأصل السالم عن المعارض المعتضد بظاهر قوله تعالى (٣) ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) نعم عن الشيخ « أنه يسقط الدم إلى الصوم ، لأنه عاجز ، ففرضه‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٣ و ٤ و ٥.

(٣) سورة الأنعام ـ الآية ١٦٤ وسورة الإسراء ـ الآية ١٦ وسورة الفاطر ـ الآية ١٩ وسورة الزمر ـ الآية ٩.

٢٤٤

الصوم ولسيده منعه منه ، لأنه فعل موجبه بدون إذن مولاه » قلت : فهو حينئذ عاجز عنهما ، فالمتجه حينئذ بقاء الدم في ذمته يتبع به بعد العتق ، فان عجز عنه صام ، ولا يقال إن ذلك من الأحكام الشرعية المترتبة عليه من دون مراعاة إذن المولى كقضاء الصلاة ونحوها ، لأنا نقول ما دل على ملكية العبد للسيد وأنه ليس له التصرف بنفسه إلا بإذنه أرجح مما دل على الكفارة من وجوه ، فالجمع حينئذ بين الخطابين القول بمضمون كل منهما ، وينتج تبعيته به بعد العتق ، كضمان ما يتلفه من مال الغير.

ومن ذلك كله يظهر لك ضعف ما عن المفيد من وجوب الفداء في الصيد على السيد وإن كان قد يشهد له‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح حريز (١) : « كلما أصاب العبد وهو محرم في إحرامه فهو على السيد إذا أذن له » لكن يعارضه مضافا إلى ما سمعت ـ خبر عبد الرحمن بن أبي نجران (٢) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن عبد أصاب صيدا وهو محرم على مولاه شي‌ء من الفداء فقال : لا شي‌ء على مولاه » وحمله كما عن الشيخ على من أحرم بغير إذنه يدفعه ظهور الخبر في كون العبد محرما ، ولا يكون ذلك الا مع إذن السيد ، وإلا لم يكن له إحرام ، وربما جمع بينهما بأن الفداء على السيد إن كان قد أذن له السيد في الجناية أيضا ، ويأمره بالصوم إن عجز هو عنه ، وعلى العبد إن كان الاذن في الإحرام خاصة ، فيتعين عليه الصوم لعجزه ، وفيه ـ مع أن صوم العبد غرامة للسيد أيضا ـ انه جمع بلا شاهد ، ولا ينتقل اليه من نفس اللفظ ، كالجمع بينهما بأن الاذن إن كان في الإحرام لزم السيد ، وإن كان العبد مأذونا مطلقا إحراما وغيره لزمه دون‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب كفارات الصيد ـ الحديث ١ من كتاب الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب كفارات الصيد ـ الحديث ٣ من كتاب الحج.

٢٤٥

السيد ، فليس حينئذ إلا ترجيح أحد الخبرين على الآخر ، فقد يرجح الأول بصحته وكونه ناقلا عن الأصل ، وب‌ خبر جميل بن دراج (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أمر مملوكه أن يتمتع قال : فمره فليصم ، وإن شئت فاذبح عنه » وفيه أن الصحة بعد إعراض جماعة من الأصحاب أو الأكثر لا تجدي ، والخبر المقرر أولى من الناقل ، لاعتضاده بحجة أخرى ، وخبر جميل إن لم يشهد للعكس فلا شهادة له عليه ، ضرورة أمره بالأمر بالصوم ، وتعليق الذبح على المشية ، مع انه خارج عما نحن فيه ، ضرورة كون الذبح هناك من توابع الاذن لا أنه وجب كفارة ، ولذلك أوجبه على المولى بعضهم ، وستسمع إن شاء الله في باب الذبح تمام البحث فيه ، وأن المصنف قد اختار تخيير المولى بين الذبح عنه وبين أمره بالصوم للرواية المزبورة ، لكن الانصاف مع ذلك مراعاة الاحتياط ، وعلى كل حال فقد بان لك مما ذكرنا ضعف المحكي عن أبي الصلاح من التفصيل بين الإحرام بالاذن وعدمه ، فتجب الكفارة في الأول على السيد ، وفي الثاني على المملوك ، لكنه يصوم لعدم تمكنه من الهدي والإطعام إذ قد عرفت فساد الإحرام مع عدم الاذن ، فلا يترتب به على كل منهما شي‌ء كما هو واضح.

وكيف كان فـ ( لو أفسد ) العبد حجه بالجماع قبل الوقوف بالمشعر وجب عليه المضي فيه وبدنة وقضاؤه ، لأنه كالحر في ذلك ، ضرورة دخوله في الإحرام على الوجه الصحيح ، فيترتب عليه أحكامه ، وفي وجوب تمكين السيد إياه منه وعدمه وجهان بل قولان ينشئان من أن الاذن في الحج تقتضي الالتزام بجميع ما يترتب عليه شرعا ، ومنه ذلك ، بل ربما قيل بتناول ما دل على التزام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١.

٢٤٦

السيد بكل ما أصابه العبد في حال إحرامه لذلك ، ومن ان القضاء عقوبة دخلت عليه بسوء اختياره لا مدخلية للاذن السابقة فيه بوجه من الوجوه ، بل ربما أدى ذلك إلى الاحتيال بتعطيل العبد نفسه عن منافع سيده بحيث يحصل عليه الضرر بذلك ، ولعل ذلك هو الأقوى ، خصوصا بعد ما سمعت في الكفارة ونحوها ، وربما بني القولان على ان القضاء هو الفرض والفاسد عقوبة ، فيتجه الأول حينئذ ، لتناول الاذن له ، وقد لزم بالشروع ، فيلزمه التمكين منه ، أو بالعكس فيتجه الثاني ، لعدم تناول الاذن له ، وفيه ان من المعلوم عدم تناول الاذن للحج ثانيا وإن كان هو الفرض ، لأنها انما تعلقت بالأول.

هذا كله إذا كان لم يعتق ، فإذا أفسده قبل الوقوف ثم أعتق مضى في الفاسد أيضا لما دل على وجوب إتمامه وعليه بدنة أو بدلها وقضاه كالحر لما عرفت وأجزأه عن حجة الإسلام سواء قلنا إن الإكمال عقوبة والثانية حجة الإسلام أم بالعكس ، أما على الأول فظاهر ، لوقوع حجة الإسلام في حال الحرية التامة ، وأما على الثاني فلما سبق من أن العتق على هذا الوجه يقتضي إجزاء الحج عن حج الإسلام.

وإن أفسده قبل الوقوف وأعتق بعد فوات الموقفين وجب الإكمال والقضاء ولم يجزه عن حجة الإسلام فتجب عليه حينئذ إذا أحرز شرائطها ، بل لو فرض شغل ذمته بها وجب عليه ان يقدمها على القضاء كما في القواعد ومحكي الخلاف والمبسوط لفوريتها دونه ، ولأنه آكد ، لوجوبها بنص القرآن ، وحينئذ فلو قدم القضاء لم يجز عن أحدهما ، اما القضاء فلكونه قبل وقته وأما حجة الإسلام فلأنه لم ينوها ، خلافا للمحكي عن الشيخ فصرفه إلى حجة الإسلام ، لكن عن مبسوطة احتمال البطلان قويا ، واستجوده في المدارك بناء على مسألة الضد ، وإلا اتجه صحة القضاء وإن أثم بتأخير حجة الإسلام ،

٢٤٧

قلت : بل في كشف اللثام الأظهر عندي تقديم القضاء لسبق سببه ، وعدم الاستطاعة لحجة الإسلام إلا بعده ، قلت : هو كذلك مع فورية القضاء ، بل ومع عدمه في وجه.

ولا فرق في المملوك بين القن والمدبر وأم الولد والمكاتب بقسميه والمبعض في عدم وجوب حجة الإسلام عليهم التي قد عرفت اشتراطها بالحرية المفقودة في الجميع ، نعم للمبعض لو تهايا مع مولاه الحج ندبا في نوبته من دون إذن من المولى إذا لم يكن تغرير بنفسه في السفر ، ومن الغريب ما ظنه بعض الناس من وجوب حجة الإسلام عليه في هذا الحال ، ضرورة منافاته الإجماع المحكي من المسلمين الذي يشهد له التتبع على اشتراط الحرية المعلوم عدمها في المبعض ، والله أعلم.

الشرط الثالث ان يكون له ما يتمكن به من الزاد والراحلة لأنهما من المراد بالاستطاعة التي هي شرط في الوجوب بإجماع المسلمين ، والنص (١) في الكتاب المبين ، والمتواتر (٢) من سنة سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل لعل ذلك من ضروريات الدين كأصل وجوب الحج ، وحينئذ فلو حج بلا استطاعة لم يجزه عن حجة الإسلام لو استطاع بعد ذلك قطعا ، كالقطع بكون الراحلة من المراد بالاستطاعة ، فيتوقف الوجوب على حصولها وإن تمكن بدونها بمشي ونحوه ، للإجماع المحكي عن الناصريات والغنية والتذكرة والمنتهى ، والنصوص المستفيضة‌

__________________

(١) سورة آل عمران ـ الآية ٩١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب وجوب الحج.

٢٤٨

التي فيها الصحيح وغيره ، فقد‌ سأل جعفر الكناسي (١) في الصحيح أبا عبد الله عليه‌السلام « عن قول الله عز وجل ( وَلِلّهِ ) ـ إلى آخره ـ ما يعنى بذلك؟ قال : من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع ـ أو قال ـ : ممن كان له مال ، فقال له حفص : فإذا كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد وراحلة ولم يحج فهو ممن يستطيع الحج قال : نعم » وصحيح هشام أو حسنه (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله تعالى ( وَلِلّهِ ) ـ إلى آخره ـ ما يعنى بذلك؟ قال : « من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد وراحلة » وخبر السكوني (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سأله رجل من أهل القدر فقال : يا بن رسول الله أخبرني عن قول الله عز وجل ( وَلِلّهِ ) ـ إلى آخره ـ أليس قد جعل لهم الاستطاعة؟ فقال : ويحك إنما يعني بالاستطاعة الزاد والراحلة ليس استطاعة البدن » وخبر الفضل بن شاذان (٤) المروي عن العيون عن الرضا عليه‌السلام في كتابه إلى المأمون « وحج البيت فريضة على من استطاع اليه سبيلا ، والسبيل الزاد والراحلة مع الصحة » وخبر الأعمش (٥) المروي عن الخصال عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام « وحج البيت واجب على من استطاع اليه سبيلا ، وهو الزاد والراحلة » إلى غير ذلك وفي كون الزاد كالراحلة بالنسبة إلى ذلك وجهان ينشئان من ظاهر النصوص المزبورة ، ومن اقتصار الفتاوى أو أكثرها على الراحلة خاصة ، فيبقى الزاد كغيره‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٤ عن حفص الكناسي وهو الصحيح كما يشهد له جملة « فقال له حفص » أيضا.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٤.

٢٤٩

على صدق الاستطاعة ، ولعله لا يخلو من قوة ، وعلى كل حال فقد وسوس سيد المدارك وتبعه صاحب الحدائق في الحكم بالنسبة إلى الراحلة فضلا عن الزاد من ظهور لفظ الاستطاعة في الآية في الأعم من ذلك الشامل للمستطيع بالمشي ونحوه من غير مشقة لا تتحمل كما اعترف به الأصحاب في حق القريب ودل عليه‌ صحيح معاوية بن عمار (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل عليه دين أعليه ان يحج؟ قال : نعم ، إن حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين ولقد كان من حج مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشاة ، ولقد مر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكراع الغميم فشكوا اليه الجهد والعناء فقال : شدوا أزركم واستبطنوا ففعلوا ذلك فذهب عنهم » وقال أبو بصير (٢) لأبي عبد الله عليه‌السلام : « قول الله عز وجل : ( وَلِلّهِ ) ـ إلى آخره ـ قال : يخرج ويمشي إن لم يكن عنده ، قلت : لا يقدر على المشي قال : يمشي ويركب ، قلت : لا يقدر على ذلك أعني المشي قال : يخدم القوم ويخرج معهم » وصحيح محمد بن مسلم (٣) « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : قول الله تعالى ( وَلِلّهِ ) ـ إلى آخره ـ قال : يكون له ما يحج به ، قلت : فان عرض عليه الحج فاستحى قال : هو ممن يستطيع الحج ولم يستح ولو على حمار أجدع أبتر ، فقال : إن كان يستطيع أن يمشي بعضا ويركب بعضا فليفعل » ونحوه صحيح الحلبي (٤) عنه عليه‌السلام أيضا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٢.

(٣) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٨ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ١ وذيله في الباب ـ ١٠ منها ـ الحديث ١.

(٤) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٨ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٣ وذيله في الباب ١٠ منها ـ الحديث ٥.

٢٥٠

وفيه أن من المعلوم ضرورة عدم الوجوب بمجرد الاستطاعة العقلية التي تحصل بالخدمة ونحوها كما تضمنه خبر أبي بصير منها ، ولا يلتزمه هذا المتوقف ، كما أن من المعلوم قصورها عن مقاومة ما عرفت من وجوه ، فلا معنى لحمل تلك النصوص من جهتها على إرادة بيان ما لو توقف الحج على الزاد والراحلة كما هو الغالب ، أو على التقية أو غير ذلك ، نعم لا بأس بالعكس لذلك ، فتحمل هي على كون المراد من هذه النصوص بيان فضل الحج على المندوب والترغيب فيه ، وأنه لا بأس بتحمل هذه المشاق نحو ما ورد في زيارة الحسين عليه‌السلام وغيره من الأئمة عليهم‌السلام وكون ذلك وقع تفسيرا للآية غير مناف بعد أن فسرت النصوص استطاعة الواجب بما عرفت ، واستطاعة المندوب بذلك ، فيكون المراد من الآية القدر المشترك ، أو ان المراد بيان حكم من استقر الوجوب في ذمته سابقا أو غير ذلك ، وإن أبيت فليس لها إلا الطرح في مقابلة ما عرفت من الإجماع والنصوص السابقة ، بل يمكن دعوى تحصيله ، كدعوى ضرورية عدم كفاية مطلق الاستطاعة في الوجوب ، ومن هنا ظن بعض مشايخنا أن المراد بالاستطاعة المتوقف عليها وجوب الحج معنى شرعي مجمل ، فكل ما شك في اعتباره فيها توقف الوجوب عليه ، لأن الشك في الشرط شك في المشروط ، وإن كان قد يناقش فيه بأنا وإن علمنا عدم كفاية مطلق الاستطاعة في الوجوب إلا ان النصوص كشفت ما اعتبره الشارع فيها ، فيبقى غيره على المراد بالاستطاعة ، ضرورة كون ذلك من قبيل الشرط الشرعي لها ، وحينئذ فما شك في اعتباره فيها زائدا على ما ثبت في الشرع ينفى بأصل العدم نحو غيرها من ألفاظ المعاملة ، فليس حينئذ لها حقيقة شرعية ، بل ولا مراد شرعي مجمل. كما لا يخفى على من لاحظ النصوص والفتاوى في المقام ، وانما التحقيق ما ذكرناه.

ومنه يعلم الوجه فيما ذكره غير واحد من أن هما معتبران فيمن‌

٢٥١

يفتقر اليـ ) هما في قطع المسافة وإن قصرت عن مسافة القصر ، خلافا للمحكي عن العامة فشرطوا ذلك ، لا مثل القريب الذي يمكنه قطع المسافة بالمشي من دون مشقة يعتد بها ، بل لا أجد فيه خلافا ، بل في المدارك نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، وإن كان الذي وقفنا عليه الشيخ في محكي المبسوط والفاضل في القواعد والتذكرة والمنتهى ، وعن التحرير والمصنف أنه لا يشترط الراحلة للمكي ، ولعلهما يريدان أيضا ما يشمل ذلك ، فيتفق الجميع حينئذ ، لكن في كشف اللثام يقوى عندي اعتبارها أيضا للمكي للمضي إلى عرفات وأدنى الحل والعود ، ولذا أطلق الأكثر ومنهم الشيخ في غير المبسوط والفاضل في الإرشاد والتبصرة والتلخيص والمحقق في النافع ، قلت : قد يقال إنه ينقدح الشك من ذلك كله في تناول دليل الشرط المزبور لمثل الفرض ، فيبقى اعتبار صدق اسم الاستطاعة بالنسبة إليه خاليا عن المعارض ، وانما يبقى تقييده بنفي الضرر والحرج ونحوهما ، ويكون حينئذ المدار عليها كما فيما لم يدل دليل على اعتبار أمر شرعي من الاستطاعة بالنسبة إليه لما سمعته من التحقيق السابق.

وكيف كان فـ ( لاتباع ثياب مهنته ) بالفتح والكسر أي ما يبتذله من الثياب ، لأن المهنة الخدمة وعدم بيعها في حج الإسلام لا أجد فيه خلافا ، بل عن المعتبر والمنتهى والتذكرة الإجماع على استثناء ثياب بدنه التي يدخل فيها ثياب التجمل اللائقة بحاله زمانا ومكانا فضلا عن ثياب المهنة ، كإطلاق الثياب في الدروس ومحكي التحرير ، وهو الحجة مضافا إلى ما فيه من العسر والحرج ، وأن الشارع استثناها في دين المخلوقين الذي هو أعظم من دين الخالق ، وإلى فحوى ما تسمعه من خبر أبي الربيع الشامي (١) الذي فسر السبيل فيه بالسعة بالمال.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ١.

٢٥٢

بل ومن ذلك كله يعلم أنه لا يباع خادمه ولا دار سكناه للحج أيضا كما صرح به غير واحد ، بل عن المعتبر والمنتهى والتذكرة الإجماع عليه ، بل في الأخير دعواه على استثناء فرس ركوبه ، وإن قال في كشف اللثام : لا أرى له وجها ، فان فرسه إن صلح لركوبه إلى الحج فهو من الراحلة ، وإلا فهو في مسيره إلى الحج لا يفتقر اليه ، وانما يفتقر إلى غيره ، ولا دليل على أنه حينئذ لا يبيعه في نفقة الحج إذا لم يتم إلا بثمنه ، لكن لعل وجهه ما عرفت ، خصوصا بعد استثنائه في الدين ، نعم في الدروس وعن الشيخ إلحاق حلي المرأة بحسب حالها في زمانها ومكانها بالثياب ، وهو مشكل لعدم الدليل ، كالإشكال في استثناء كتب العلم على الإطلاق ، وإن كان هو متجها في التي لا بد له منها فيما يجب عليه تحصيله أو العمل به ، لأن الضرورة الدينية أعظم من الدنيوية ، ومنه يعلم ما في إطلاق ابن سعيد والتحرير ، فعن الأول أنه قال : « لا يعد في الاستطاعة لحج الإسلام وعمرته دار السكنى والخادم ، ويعتبر ما عدا ذلك من ضياع وعقار وكتب وغير ذلك » والثاني انه أطلق بيع ما عدا المسكن والخادم والثياب من ضياع أو عقار أو غيرهما من الذخائر ، ومن هنا قيد ذلك في محكي المبسوط والمنتهى والتذكرة بما له منه بد ، ولعله لنفي الحرج والضرر والعسر وسهولة الملة وإرادة الله اليسر وغير ذلك ، واليه أومأ في المدارك حيث انه ـ بعد أن ذكر عن المنتهى إجماع العلماء على استثناء المسكن والخادم وانه فيه ألحق بذلك فرس الركوب وكتب العلم وأثاث البيت من فراش وبساط وآنية ونحو ذلك ـ قال : ولا ريب في استثناء جميع ما تدعو الضرورة إليه من ذلك ، لما في التكليف ببيعه مع الحاجة الشديدة إليه من الحرج المنفي ، ونحوه غيره ممن تأخر عنه ، فما في الدروس من التوقف في استثناء ما يضطر اليه من أمتعة المنزل والسلاح وآلات الصنائع لا يخلو من نظر ، ولو زادت أعيانها عن قدر الحاجة‌

٢٥٣

وجب بيعها قطعا كما في الدروس وغيرها ، بل الأقوى وجوب البيع لو غلت وأمكن بيعها وشراء ما يليق به من ذلك بأقل من ثمنها كما صرح به في التذكرة والدروس والمسالك وغيرها ، لما عرفت من ان الوجه في استثنائها الحرج ونحوه مما لا يأتي في الفرض ، لا النص المخصوص كي يتمسك بإطلاقه ، فما عن الكركي من عدم وجوب الاستبدال إذا كانت لائقة بحاله لا يخلو من نظر مع فرض كون الأدون لائقا أيضا ، وان احتمله في كشف اللثام ومحكي التذكرة ، لأنه كالكفارة ، ولعدم زيادة العين عن الحاجة ، وأصالة عدم وجوب الاعتياض والحرج ، والجميع كما ترى ، مع انه قد يفرق بين الكفارة والحج بأن العتق فيها له بدل بخلاف ما هنا ، فتأمل جيدا.

ومن لم يكن له هذه المستثنيات استثني له أثمانها كما في الدروس والمسالك وغيرهما ، واستجوده في المدارك إذا دعت الضرورة اليه ، وهو كذلك ، أما مع الاستغناء عنها أو عن بعضها باستئجار ونحوه ووثق بحصوله عادة ولم يكن عليه في ذلك مشقة فمشكل ، وإن كان الأقوى عدم وجوب بيعها لو كان يمكنه الاعتياض عنها بالأوقاف العامة وشبهها ، بل في الدروس القطع بذلك ، ضرورة وضوح الفرق بين المقامين ، لكن لو فعل احتمل تحقق الاستطاعة ، والله العالم.

والمراد بالزاد قدر الكفاية من القوت والمشروب له ولمن يتبعه من الناس والدواب ذهابا وعودا إلى وطنه إن أراده وإن لم يكن له به أهل ولا له فيه مسكن مملوك ، خلافا للشافعية فلا عبرة بالإياب مطلقا في قول ، وإن لم يملك به مسكنا في آخر ، وإن لم يكن له به أهل في ثالث ، للحرج بالتكليف بالإقامة في غير وطنه ، واستحسنه في المدارك مع تحقق المشقة به ، أما مع انتفائها كما إذا كان وحيدا لا تعلق له بوطن أو كان له وطن ولا يريد العود اليه فيحتمل قويا عدم اعتبار كفاية العود في حقه ، لإطلاق الأوامر ، والمراد بالتمكن‌

٢٥٤

منه القدرة عليه بحمل من بلده أو بالشراء له في منازله ، قال في المنتهى : « الزاد الذي يشترط القدرة عليه هو ما يحتاج اليه من مأكول ومشروب وكسوة ، فإن كان يجد الزاد في كل منزل لم يلزمه حمله ، وأما الماء وعلف البهائم فإن كانت توجد في المنازل التي ينزلها على حسب العادة لم يجب حملها ، وإلا وجب مع المكنة ومع فقدها ( عدمها خ ل ) يسقط الفرض » لكن في الدروس ويجب حمل الزاد والعلف ولو كان طول الطريق ، ولم يوجب الشيخ حمل الماء زيادة عن مناهله المعتادة ، ولعل الشهيد يريد وجوب الحمل مع الحاجة إليه ، كما ان الشيخ يريد عدم الوجوب مع عدم التوقف عليه ، لكن عن التذكرة والتصريح بالفرق بين الزاد والماء ، فأوجب حمل الأول إذا لم يجده في كل منزل بخلاف الثاني وعلف البهائم ، فإنهما إذا فقدا من الموضع المعتاد لهما لم يجب حملهما من بلده ولا من أقرب البلدان إلى مكة من طرف الشام ، ويسقط إذا توقف على ذلك ، وهو مشكل ، والمتجه عدم الفرق في وجوب حمل الجميع مع الإمكان ، وسقوطه مع المشقة الشديدة ، ويمكن أن يريد الفاضل ذلك كما يومي اليه ما في التذكرة من التعليل بما فيه من عظم المشقة وعدم جريان العادة ، ولا يتمكن من حمل الماء لدوابه في جميع الطريق ، ونحو ذلك عن موضع من المنتهى أيضا ، ولعله لذا اقتصر في الدروس على نسبة الخلاف في ذلك للشيخ خاصة ، وإن أبيت عن ذلك كله ففيه ما لا يخفى ، وكيف كان فالأمر في ذلك سهل ، ضرورة وضوح الحال في حكمه وفي المراد منه ، كوضوح الحال في وجوب حمل المحتاج اليه من الأواني والأوعية التي يتوقف عليها حمل المحتاج اليه من ذلك وغيرها من أسباب السفر ، قال علي عليه‌السلام في المروي (١) عنه في الخصال بسنده إليه : « إذا أردتم الحج فتقدموا في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٨.

٢٥٥

شراء ما يقويكم على السفر ، فان الله تعالى (١) يقول ( وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ) ».

وأما المراد بالراحلة فـ ( راحلة مثله ) كما في القواعد ، وظاهرهما اعتبار المثلية في القوة والضعف والشرف والضعة كما عن التذكرة التصريح به ، لكن في كشف اللثام الجزم بها في الأولين دون الأخيرين ، لعموم الآية والأخبار ، وخصوص‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح أبي بصير (٢) : « من عرض عليه الحج ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو مستطيع » ونحوه غيره ولأنهم عليهم‌السلام ركبوا الحمير والزوامل ، واختاره في المدارك لذلك أيضا ، بل هو ظاهر الدروس ، قال : والمعتبر في الراحلة ما يناسبه ولو محملا إذا عجز عن القتب ، ولا يكفي علو منصبه في اعتبار المحمل والكنيسة فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام حجوا على الزوامل ، إلا أن الانصاف عدم خلوه عن الاشكال مع النقص في حقه ، إذ فيه من العسر والحرج ما لا يخفى ، وحجهم عليهم‌السلام لعله كان في زمان لا نقص فيه في ركوب مثل ذلك ، والأمر في المحمل والكنيسة كذلك ، فعلى الأول يعتبر القدرة عليه ان افتقر اليه لحر أو برد أو ضعف ، ولا عبرة به مع الغنى عنه ولو كان امرأة ، خلافا لبعض الشافعية فاشترطه لها مطلقا ، ولعله للستر ، وفيه أنه يحصل بالملحفة ونحوها ، والمعتبر القدرة على المحمل بشقيه إن لم يوجد شريك وأمكن الركوب بدونه بوضع شي‌ء يعادله في الشق الآخر ، أو شق محمل مع وجود شريك للشق الآخر ، أو إمكان حمله على‌

__________________

(١) سورة التوبة ـ الآية ٤٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٧.

٢٥٦

ظهر المطية وحده ، كل ذلك للاستطاعة ، فما عن التذكرة ـ من أنه إن لم يجد شريكا وتمكن من المحمل بتمامه احتمل الوجوب للاستطاعة ، والعدم لأن بذل المال خسران لا مقابل له ، وظاهره التوقف ـ في غير محله ، نعم لو تعذر الشريك وتعذر الركوب بدونه سقط الفرض ، لعدم الاستطاعة ، وإن لم يكفه المحمل اعتبر في حقه الكنيسة كذلك ، فان تعذرت سقط الفرض ، هذا كله مع مراعاة الحاجة للضعف أو الحر أو البرد أو نحوها ، أما الشرف والضعة ففي اعتبارهما البحث السابق ، والله أعلم.

وكيف كان فلو لم يجد عين الزاد والراحلة وغيرهما مما يتوقف عليه السفر يجب عليه شراؤهما ولو كثر الثمن مع وجوده لأن الحج وإن كان مشروطا بالاستطاعة إلا أنه بعد حصولها يصير وجوبه مطلقا ، فتجب حينئذ مقدماته.

وقيل والقائل الشيخ إن زاد عن ثمن المثل لم يجب للأصل والضرر والسقوط مع الخوف ، وضعف الفرق بأن العوض هنا على الناس وهناك على الله والأول أشهر وأصح بل هو المشهور شهرة عظيمة سيما بين المتأخرين ، نعم عن التذكرة إن كانت الزيادة تجحف بماله لم يجب الشراء على إشكال كشراء الماء للوضوء ، بل عن الشهيد الثاني والمحقق الثاني تقييده أيضا بعدم الإجحاف ، ولعل المراد أن وجوب مقدمة الواجب مقيد بما إذا لم يستلزم ضررا لا يتحمل ، وقبحا يعسر التكليف به ، لأنه أحد الأدلة الذي قد يعارضه غيره ويرجح عليه كما هنا ، فان ذلك كما لا يخفى على من لاحظ كلمات الأصحاب في غير المقام ليرجح على الخطابات الأصلية فضلا عن التبعية ، ولذا تسقط الصلاة من قيام الى القعود مثلا ، والوضوء الى التيمم ، ولا فرق في الضرر الذي لا يتحمل مثله بين المالي منه والبدني ، فتأمل جيدا فإنه نافع في غير المقام ، ولعل ذلك هو‌

٢٥٧

المنشأ في سقوط وجوب المقدمة في الشبهة الغير المحصورة ، فالمتجه حينئذ دوران الحكم على ذلك ، وهو غير ما ذكره الشيخ ، فتأمل جيدا.

ولو كان له دين حال وهو قادر على اقتضائه بنفسه أو وكيله ولو بواسطة حاكم الشرع بل وحاكم الجور مع عدم الضرر في وجه بل ومعه في آخر وجب عليه لأنه مستطيع بذلك ، وإن كان قد يقوى في النظر عدمها مع التوقف على حاكم الجور ، للنهي عن الركون اليه والاستعانة به وإن حملناه على الكراهة مع التوقف عليه ، ترجيحا لما دل على الجواز بالمعنى الشامل للوجوب من دليل المقدمة وغيره ، ومثله لا يتحقق به الاستطاعة بعد فرض أن الجواز المزبور كان بعد ملاحظة المعارضة بين ما دل على المنع وما دل على خلافه من المقدمة وغيرها ، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع ومقتضاه حينئذ أن من ترك الاستعانة بالظالم على تحصيل ماله المتوقف استطاعة الحج عليه لم يثبت في ذمته حجة الإسلام.

وكيف كان فان منع منه لغصب أو إعسار أو تأجيل وليس له سواه سقط الفرض لعدم الاستطاعة ، ولا يجب عليه الاستدانة تحصيلا لها ، لكن في المدارك ويحتمل قويا الوجوب إذا كان بحيث يمكنه الاقتضاء بعد الحج ، كما إذا كان عنده مال لا يمكنه الحج به ، وفيه منع صدق اسم الاستطاعة بذلك ، ولو كان مؤجلا وبذله المديون قبل الأجل ففي كشف اللثام وجب الأخذ لأنه بثبوته في الذمة وبذل المديون له بمنزلة المأخوذ ، وصدق الاستطاعة ووجدان الزاد والراحلة عرفا بذلك ، وفيه أنه يمكن منع ذلك كله ، نعم لو أخذ صار به مستطيعا قطعا ولو كان له مال وعليه دين حال بقدره خمس أو زكاة أو كفارة أو نذر أو لآدمي لم يجب الحج لعدم الاستطاعة باعتبار سبق وجوب الوفاء بما عنده على وجوب الحج إلا أن يفضل عن دينه ما يقوم‌

٢٥٨

بالحج فيجب حينئذ لصدقها ، بل في المنتهى والقواعد والدروس سواء كان الدين حالا أو مؤجلا معللا له في الأول بأنه غير مستطيع مع الحلول ، والضرر متوجه عليه مع التأجيل ، فيسقط الفرض ، قلت : ولتعلق الوجوب به قبل وجوب الحج وإن وجب أو جاز التأخير إلى أجله ، لكنه لا يخلو من نظر أو منع ولذا حكي عن الشافعية في المؤجل وجه بالوجوب ، بل مال إليه في المدارك ، بل وفي الحال مع عدم المطالبة ، قال : ولمانع أن يمنع توجه الضرر في بعض الموارد كما إذا كان الدين مؤجلا أو حالا لكنه غير مطالب به وكان للمديون وجه للوفاء بعد الحج ، ومتى انتفى الضرر وحصل التمكن من الحج تحققت الاستطاعة المقتضية للوجوب ، وقد‌ روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل عليه دين أعليه أن يحج؟ قال : نعم إن حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين » بل لم يعتبر في كشف اللثام وجود وجه للمديون للوفاء ، فإنه بعد أن حكى ذلك عن الشافعية قال : « ولا يخلو من قوة سواء كان ما عليه من حقوق الله كالمنذور وشبهه أو من حقوق الناس ، لأنه قبل الأجل غير مستحق عليه ، وعند حلوله إن كان عنده ما يفي به أداه ، وإلا سقط عنه مطلقا أو إلى ميسرة ، وكما يحتمل التضييع بالصرف في الحج يحتمل فوت الأمرين جميعا باهماله ، خصوصا والأخبار (٢) وردت بأن الحج أقضى للديون ، ويؤيده ما مر من صحيح معاوية إن لم يحمل على من استقر عليه الحج سابقا » وهو جيد في المؤجل دون الحال وإن لم يطالب به صاحبه الذي قد خوطب المديون بوفائه قبل الخطاب بالحج ، فتأمل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب وجوب الحج.

٢٥٩

وكيف كان فـ ( لا يجب الاقتراض للحج ) قطعا ، بل لو فعل لم يكن حج إسلام إلا أن يكون له مال بقدر ما يحتاج إليه في الحج زيادة عما استثنيناه من الأمور السابقة ، فإنه يجب حينئذ الاقتراض عينا إذا كان لا يمكنه صرف ماله في الزاد والراحلة ، ويكون حج إسلام ثم يؤديه من ماله ، وإلا وجب تخييرا لصدق الاستطاعة ، وقول الصادق عليه‌السلام (١) لجفير : « مالك لا تحج؟ استقرض وحج » بل قد يستفاد من وجوب الاستدانة عينا إذا تعذر بيع ماله انه لو كان له دين مؤجل يكفي للحج وأمكن اقتراض ما يحج به كان مستطيعا ، لصدق التمكن من الحج كما جزم به في المدارك ، ومن هنا يظهر أن ما ذكره في المنتهى ـ من أن من كان له مال فباعه قبل وقت الحج مؤجلا إلى بعد فواته سقط عنه الحج ، لأنه غير مستطيع ـ غير جيد على إطلاقه ، قال : وهذه حيلة يتصور ثبوتها في إسقاط فرض الحج عن الموسر ، وكذا لو كان له مال فوهبه قبل الوقت أو أنفقه فلما جاء وقت الحج كان فقيرا لا يجب عليه ، وجرى مجرى من أتلف ماله قبل حلول الأجل ، وينبغي أن يريد بالوقت وقت خروج الوفد الذي يجب الخروج معه ، وقد تقدم الكلام فيه ، كما أومأ إلى ذلك في الدروس بقوله : ولا ينفع الفرار بهبة المال أو إتلافه أو بيعه مؤجلا إذا كان عند سير الوفد.

ولو كان معه قدر ما يحج به فنازعته نفسه إلى النكاح لم يجز صرفه في النكاح وإن شق عليه تركه كما في القواعد ومحكي المبسوط والخلاف والتحرير وكان عليه الحج لصدق الاستطاعة المقتضية لوجوب الحج الذي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٣ عن حفية ( حقبة ) ولكن في التهذيب ج ٥ ص ٤٤١ والاستبصار ج ٢ ص ٣٢٩ عقبة.

٢٦٠